مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣١ أكتوبر ٢٠١٤
داعش والتحالف أم خيار آخر؟

ينبغي القول، منذ البدء، إن داعش والتحالف الدولي خيار واحد متبلور ومكتمل الأركان، وقطعاً ليس لنا أن نختار بينهما، ففي اللحظة التي نختار أحدهما نكون قد اخترنا وجهاً من وجهي عملة واحدة، تلزمنا، شئنا أم أبينا، أن نرى الوجه الآخر لها، ونرضى بتداوله بيننا. هو خيارواحد يجمع بين التخلف والإقصاء وتفتيت المنطقة والاتجاه نحو إحلال التفسير المشوه للمذهب مكان الدين الواحد، وتقسيم الوطن وأبنائه دويلاتٍ بحجم المِلل التي تتقاتل والنحل التي تتوالد. ويسمح بنهب مواردها، وتجفيف ينابيعها وسيادة الديكتاتورية والطائفية والاستبداد فيها. وجهان للعملة نفسها، كل منهما يمد الآخر بأسباب قوته واستمراره في طغيانه، ويدفع الآخرين نحو الاستقطاب باتجاه قطبين في عملية كيميائية بسيطة، من دون وجود أحدهما لا تكتمل المعادلة، ولا تتم.

هما طرف واحد، نعم. ليس لأن داعش صناعة أميركية، كما يحلو لبعضهم أن يبسط الأمور ويشرحها. وقد قيل عنها، قبل ذلك، إنها من صناعة مخابرات الأسد وغيرها من الأجهزة الأمنية، أو أنها حظيت بتمويل وتوجيه من بعض دول الخليج. قد تتمكن أطراف من توجيه داعش، وجرها عبر سياساتها إلى المربع الذي تريد، أو المعركة التي تختار. وهو شيء معروف في علم السياسة والحرب، أن تتمكن من دفع خصمك إلى الزاوية التي تريده أن يكون فيها.

داعش هي صنيعة الاستبداد وأنظمته، ونتاج للطائفية والمذهبية، وإقصاء الآخر وتهميشه، وغياب العقل وانحراف الرؤية عن العدو الرئيسي. هي صنيعة تلك السياسات التي بدأت بشعار إقصاء البعث في العراق، وطالت أكثر من مليون ونصف المليون مواطن، وحل الجيش العراقي الوطني الذي أصبح خيرة ضباطه وجنوده في صفوفها. ثم امتدت سياسات الإقصاء لتطال أقساماً كبيرة من الشعب، ضمن منظور طائفي غريب عن أمتنا ووحدتها. داعش صنيعة حرب أهلية في سورية طالت الأخضر واليابس، في أكبر كارثة عربية منذ نكبة فلسطين وأهلها. في هذه الحرب الأهلية المجنونة، حلت الكوابيس مكان الحلم بالحرية وبغد أفضل وبوطن حر. في هذه الأجواء، نمت داعش وازدادت قوة، وستنمو أكثر في ظل القصف الجوي والصاروخي الأميركي.

يقول التحالف (60 دولة) إنه يحتاج بين ثلاث إلى ست سنوات لإضعاف داعش، إضعافها فقط، ثم يحتاج إلى عدد غير معلوم من السنين للقضاء عليها، هي وصفة لحرب مفتوحة مستمرة، لا أفق لها في منطقتنا. وقد تمتد لتشمل أجزاء أكبر من حلمنا الذي يئن بين التحالف وداعش. تصرفات داعش وذبحها وسبيها مبرر لاستمرار الهجمة على منطقتنا، ليس للقضاء على داعش، والتي إذا تم القضاء عليها يختفي مبرر وجود التحالف، وتبحث الشعوب ساعتها عن خياراتها، وإنما لحماية الاستبداد، وتقسيم المقسم وتفتيته، وترسيخ الكيان الصهيوني جزءاً أساسياً من منظومة المنطقة، وتحالفات أنظمتها، وامتصاص ما تبقى من خيراتها ومواردها.

داعش ستنمو تحت ضربات التحالف التي تأتيها من السماء، وتمنحها مبرراً لوجودها، من دون أن تنال منه، وستفرخ دواعش أخرى، وتمتد لتحارب خصوماً صنعتهم هي بأيديها. وهي، حتى الآن، لم تقاتل سوى ملتها، ولم تحتل أرضاً، خصوصاً في سورية، إلا وكان يسيطر عليها حلفاء الأمس وأعداء اليوم. وفي نهجها أن من لم يبايع خليفتها هو عدو لها، وحكمه حكم المرتد، وقتاله أولى من قتال الأعداء. أعداء التحالف ليسوا أصدقاءها، وليست معنية بصداقتهم أو بكسبهم. هي مشروع لقتال في جبهتنا الداخلية، بل، وفي حاضنتها الأولى التي تشكلت بفعل الإقصاء الطائفي والمذهبي والحرب الأهلية. ترتد عليها لتقسم المذهب، وتفتت الطوائف، وتمزق نسيج الأمة، المتوحد بكل أديانها وطوائفها وقومياتها ومذاهبها.

"حتى الآن، لم تقاتل  داعش سوى ملتها، ولم تحتل أرضاً، خصوصاً في سورية، إلا وكان يسيطر عليها حلفاء الأمس وأعداء اليوم"

نحن أمام إعادة تشكيل لمنطقتنا، بل ولهويتنا الحضارية، ولحاضرنا ولمستقبلنا، يتفق عليه ضمناً الدواعش والتحالف، ويكمل كل منهما دور الآخر، في تحالف تاريخي بين الاستبداد والقهر والاستعمار والتخلف. ويقود الأمة بأسرها إلى كارثةٍ محققةٍ، قد تفضي إلى انتهائها كأمة ذات حضارة وتاريخ مستمرين نحو مستقبل مجهول عواقبه. وهنا، ثمة سؤال يتفجر في الذهن، هل هذا هو قدرنا ومصيرنا؟ أم أن ثمة خيار آخر لنهوض الأمة، وتطلعها نحو مستقبل يزخر بالحرية والوحدة والأمان؟

في ظني ويقيني أن ثمة خياراً ثانياً لا بديل عنه، وقد يكون وحيداً أمام كل المتطلعين إلى رؤية وطنهم على امتداده حراً سيداً موحداً، وله مكانته الطبيعية بين الأمم. ينطلق هذا الخيار من ضرورة وحدة كل القوى الحية في وطننا العربي، على اختلاف مشاربها السياسية ومنابعها الفكرية، على قاعدة محاربة الاستبداد والفساد وحق الشعوب في الحرية، والتخلص من التبعية للأجنبي، ومساواة مواطنيها على اختلاف أصولهم وطوائفهم ومذاهبهم، ومحاربة الإقصاء والمغالبة والتأكيد على أن أمتنا ما زالت في مرحلة التحرر الوطني والبناء، ما يستدعي تشكيل جبهات وطنية عريضة في شتى المناحي، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، وتغليب التناقضات الرئيسة، دوماً، على الثانوية منها. هذه الأهداف لا يمكن أن تتحقق، أو تتحد الأمة وقواها حولها، إلا إذا كانت فلسطين ومحاربة الكيان الصهيوني فيها والنفوذ الإمبريالي في منطقتنا في القلب منها، وأساساً متيناً لانطلاقها، باعتبارها قضية عربية جامعة، توحد ولا تفرق، وتمنع العدو من التوغل في عمق أمتنا، وتضع أمامها عدوها الحقيقي لمقاتلته، وتوجيه كل أسلحتها نحوه، بدلاً من الأهداف الوهمية الزائفة التي تغرر بشباب الأمة، وتمعن فيها اقتتالاً وتفتيتاً وتقسيماً.

هذا هدف جمعي للأمة بأسرها، إن أرادت الإفلات من واقعها المرير، والتخلص من ثنائية داعش والتحالف، والتقدم خطوات نحو الأمام، وهو، بلا شك، يحتاج إلى برامج وسياسات ورؤى وأهداف أكثر تفصيلاً، قد يكون موضوعها في حلقات ودراسات وأنشطة أخرى نساهم فيها جميعاً.

اقرأ المزيد
٣١ أكتوبر ٢٠١٤
الأسد واستثمار الحرب على داعش

في مسعى منها لحشد أكبر عدد ممكن من الحلفاء الإقليميين السنة ضمن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" (تنظيم الدولة الإسلامية) ومن شايعه، لم تتورع واشنطن عن توجيه رسائل طمأنة بشأن عدم إشراك نظام الأسد في هذا التحالف أو حتى السماح له بالاستفادة من العمليات والإجراءات التي سيضطلع بها للقضاء على "داعش" وأعوانه في العراق وسوريا.

تطمينات أميركية
وفي هذا الإطار، أكد مسؤول بإدارة أوباما أن بلاده لن تعمل مع نظام الأسد، لملاحقة "داعش"، لأنه ليس لديه أي شرعية لدى السنة، واستبعد المسؤول تمكن النظام السوري من ملء الفراغ بالمناطق التي سيتم إنهاء وجود الإرهابيين فيها، نظرا لأنها ذات أغلبية سنية، على حد تعبيره، لافتا إلى أن المعارضة السورية المعتدلة هي التي ستتولى ملأ هذا الفراغ، حال تراجع قوة "داعش" بهذه المناطق.

في غضون ذلك، أكدت مصادر غربية مسؤولة أن دولا عربية حصلت على ضمانات خطية من واشنطن بأن النظام الأسدي لن يستفيد من الحرب على "داعش" ولن يسمح له بالتقدم لملء الفراغ الناجم عن قصف مواقعه، وهو الأمر الذي أعاد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تأكيده للمعارضة السورية في نيويورك.

هواجس المعارضة
غير أن مثل هذه التطمينات والضمانات الأميركية للحلفاء الإقليميين السنة بعدم السماح للأسد باستثمار الحرب على "داعش" لتحقيق مآربه، لم تكن لتحول دون استبداد طوفان من الهواجس والشكوك بالمعارضة السورية.

    "التطمينات والضمانات الأميركية للحلفاء الإقليميين السنة بعدم السماح للأسد باستثمار الحرب على "داعش" لتحقيق مآربه، لم تكن لتحول دون استبداد طوفان من الهواجس والشكوك بالمعارضة السورية"

فمن جهة، ما برحت تلك التطمينات والضمانات تفتقر لأية ترتيبات محددة أو إجراءات واضحة لتنفيذها على أرض الواقع، فرغم تأكيد مسؤول في الإدارة الأميركية لصحيفة "النيويورك تايمز" الأميركية أن بلاده لا تنوي تسهيل الأمور للأسد لاستعادة السيطرة على المناطق التي يخليها الإرهابيون، فإنه شدد على أنه ليست هناك خطط محددة حتى الآن لمنع نظام الأسد من تحقيق ذلك، كما لا توجد نيات أميركية واضحة لمواجهة قواته إذا ما أقدمت على خطوة من هذا النوع.

وفى حين أبى أوباما الانتفاض لإسقاط نظام الأسد رغم تجاوزه الخط الأحمر نهاية أغسطس/آب عام 2013 عندما استخدم الغاز السام ضد المدنيين في الغوطة بريف دمشق، ما أسفر عن مقتل 1400 مدنى سوري، ومضى الرئيس الأميركي في تجاهل طلب من السيناتورين الأميركيين ليندسي غراهام وجون ماكين، بضرورة التحرك لضرب نظام الأسد، جاء التحرك الدولي متأخرا وهزيلا ضد "داعش"، متلافيا التعرض لأية أهداف تخص النظام السوري، رغم أنه مسؤول عن ظهور التنظيمات الإرهابية ومقتل أكثر من 170 ألف مواطن سوري وتشريد الملايين في دول الجوار وأوروبا.

وكان من شأن اختزال الأزمة برمتها في "داعش" وحده أن أفسد ما تبقى من إرادة سياسية غربية للإطاحة بنظام الأسد، خصوصا مع إصرار أوباما وحلفائه على رفض المطلب التركي بأن تشمل الحرب على "داعش" إسقاط الأسد باعتباره السبب الرئيس لظهور التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية وتوسعها.

وقد كشف نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عن عمق الخلاف بهذا الخصوص عندما اتهم حلفاء إقليميين كالسعودية وتركيا والإمارات، بأنهم المسؤولون قبل إيران والنظام السوري، عن تفشي التنظيمات الإرهابية في سوريا (رغم اعتذاره لاحقا عن تلك التصريحات).

ومن جانبها، لا تعول المعارضة السورية كثيرا على غارات التحالف الدولي، حيث ندد رياض الأسعد، أحد مؤسسي الجيش الحر، بتلك الغارات معتبرا أنها تجهز على المدنيين وقوات المعارضة، إذ تستهدف الغارات الليلية منها في محافظتي إدلب وحلب الشماليتين كتائب إسلامية تقاتل الأسد ضمن صفوف الجيش الحر، وحذر من إمكانية استفادة قوات الأسد منها عبر استعادة ما فقدته من الأراضي خلال العامين الماضيين، علاوة على ملء الفراغ الذى سيتمخض عن سقوط "داعش "، الأمر الذى يجعل من التحالف الدولي في نظر الشعب السوري منقذا لنظام الأسد.

ولكم تعددت الإشارات التي تضفي غموضا على الموقف الأميركي إزاء الأسد، فمن رفض التدخل عسكريا لإسقاطه رغم فداحة جرائمه، مرورا بشائعات التنسيق معه في حرب "داعش".

ومع بدء الغارات الجوية أعلنت الخارجية السورية أن الوزير وليد المعلم تلقى قبل بدء الضربات بساعات قليلة رسالة من نظيره الأميركي جون كيري عن طريق وزير خارجية العراق قال فيها إن واشنطن وحلفاءها سيقصفون تنظيم الدولة في سوريا، كما نقلت وكالة "رويترز" عن سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري قوله إن سفيرة واشنطن لدى المنظمة الدولية سامانثا باور أبلغته بضربات جوية وشيكة ضد تنظيم الدولة في سوريا.

ورغم أن واشنطن قد نفت ذلك بشدة، فإنها عادت واعترفت لاحقا بأنها أخطرت النظام السوري سابقا باعتزامها توجيه ضربات لـ"داعش" بغية تحذيره فقط من مغبة التعرض للمقاتلات الأميركية.
وفى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، أطلق أوباما قذيفة من العيار الثقيل حينما أبدى عدم ممانعته اضطلاع قوات الأسد بمهمة ملء الفراغ الناجم عن سقوط "داعش" وأنصاره، مشددا على أن حل الأزمة السورية سياسي بامتياز.

كما أكدت مصادر أميركية عقب ذلك موافقة واشنطن على أن يكون الجيش والنظام السوريين شركاء مستقبليين لدى الوصول إلى الحل السياسي حتى أنها طالبت بعدم قصف مواقع النظام أو المراكز والأهداف العسكرية بالمناطق الخاضعة لسيطرته، وهوما تزامن مع إشادة قيادات عسكرية أميركية بعدم تعرض الدفاعات الجوية السورية للطيران الحربى الدولي الذى يوجه الضربات لـ"داعش".

    "اختزال الأزمة برمتها في "داعش" وحده أفسد ما تبقى من إرادة سياسية غربية للإطاحة بنظام الأسد، خصوصا مع إصرار أوباما وحلفائه على رفض المطلب التركي بأن تشمل الحرب على "داعش" إسقاط الأسد باعتباره السبب الرئيس لظهور التنظيم "

ورغم موافقته المتأخرة على برنامج لتدريب وتجهيز آلاف من المعارضة السورية المعتدلة بالسعودية وتركيا، وتخصيص إدارته نصف بليون دولار لهذا الغرض على مدى عام كامل، لم يبد أوباما أية التزامات فيما يخص التسليح، ما يشي بأن أوباما يرى أن "داعش" أكثر خطرا على بلاده والعالم أجمع من النظام السوري وروسيا وإيران وميليشياتها الشيعية المنتشرة في ربوع العراق وسوريا بل وغالبية دول المنطقة.

وفى حين يرى الأتراك أنه لا يمكن منع النظام السوري من استثمار الحرب على "داعش" من دون تحييد سلاحه الجوي عبر فرض منطقة آمنة وحظر جوى بشمال سوريا، لا تزال إدارة أوباما مصرة على تجاهل هذا المطلب، رغم أن هناك قرارا أمميا لمجلس الأمن الدولي، بالإجماع، برقم 2178، تحت بند الفصل السابع، يمهد لذلك إذ يقضي بالتصدي للمجموعات الإرهابية بسوريا، كـ"داعش" وجبهة النصرة وحزب الله، وكافة الميليشيات الشيعية التي تقاتل دفاعا عن الأسد.

رهانات الأسد
لعل الأسد يركن في مساعيه للاستفادة من الحرب على "داعش" إلى عدة اعتبارات أهمها: أن تفاقم خطر التنظيم وإعلانه دولة خلافة إسلامية تمتد إلى فلسطين يغذى مخاوف إسرائيل وحلفائها الغربيين، وهنا تكمن أهمية استبقاء نظامه بوصفه حام لإسرائيل وضامن لبقائها.

فمع بدء الثورة السورية، أعلن رامي مخلوف -ابن خالة بشار الأسد- بأنه إذا اهتز أمن النظام الأسدي فإن إسرائيل لن تنعم بالأمن، وبعد ثلاثة أعوام كرر مساعد وزير خارجية إيران للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان ذات التصريح بكلمات أخرى، حيث حذر قبل أيام من أن "أي عمل خبيث وأسلوب خاص بذريعة مكافحة "داعش" والذي من شأنه أن يؤدي إلى تغيير جذري في سوريا سيرتب على التحالف وأميركا والصهاينة عواقب وخيمة"، الأمر الذى يطوى بين ثناياه إقرارا إيرانيا، بأن الأسد وإيران يلعبان دورا محوريا في ضمان أمن إسرائيل بغض النظر عن خطاب "الممانعة" و"المقاومة" الذى طالما تشدقا به.

ويحاول الأسد كذلك الاستفادة من استمرار انتصارات "داعش" العسكرية في العراق وسوريا، وتزايد أعداد مقاتليه محليا ودوليا رغم ما يخسره في المعارك، ورسوخ حكمه وسيادته في المدن والبلدات التي يسيطر عليها مع قبول سكان الكثير منها العيش في ظل حكمه، رغم ملاحقته من قوى التحالف الدولي والقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا وإيران إضافة للمجموعات المسلحة الكردية وغير الكردية، من أجل إفزاع المجتمع الدولي من مخاطر التنظيم وتهديداته وصرف أنظار العالم عن جرائم الأسد.

وبينما يستند رفض واشنطن للتنسيق مع الأسد في الحرب على "داعش" إلى تطلع لأنْ تشكل المعارضة السورية المعتدلة "بديلا" للأسد وأن تملأ الفراغ المترتب على سقوط "داعش" وأن تدفع الإستراتيجية الأميركية في مرحلة لاحقة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع المكونات الطائفية والعرقية والسياسية السورية، أسوة بالنموذج العراقي وفق معادلة "لا غالب ولا مغلوب"، تطل برأسها تحديات تحول دون تنفيذ هذا السيناريو أبرزها: تشكيك دوائر أميركية في توفر عناصر المعارضة السورية المعتدلة التي يمكن الاعتماد على قدراتها والوثوق بولاءاتها وتوجهاتها.

وفيما يشكل ضعف المعارضة السورية وانقسامها تحديا أمام توفير "القوة الثالثة" التي اقترحتها تركيا كفصيل ثالث ما بين "داعش" وقوات الأسد، لا يزال الدعم الروسي والإيراني للأخير مستمرا، كما تلوح روسيا والصين بمعارضة إقامة منطقة عازلة أو "آمنة" على الحدود السورية التركية، الأمر الذى يدفع أوباما للاعتماد على بدائل أخرى كأكراد سوريا والعراق أو ربما استبقاء الأسد نفسه باعتباره أفضل الخيارات السيئة المتاحة أمام واشنطن.

    "فيما يشكل ضعف المعارضة السورية وانقسامها تحديا أمام توفير "القوة الثالثة" التي اقترحتها تركيا، لا يزال الدعم الروسي والإيراني للأسد مستمرا، كما تلوح روسيا والصين بمعارضة إقامة منطقة عازلة أو "آمنة" على الحدود السورية التركية"

وفى خضم تلك الحسابات المعقدة، تسنى للأسد انتزاع مكاسب عديدة من الحرب على "داعش"، فإلى جانب الترويج لأن سقوطه سيهدد أمن إسرائيل ويعطل مساعي التقارب الأميركية الإيرانية ويفخخ المنطقة برمتها، تساعد هذه الحرب على إنجاح إستراتيجيته القائمة على تفنيد ادعاءات خصومه ومعارضيه بأنه مصدر كل الشرور، إضافة إلى التخلص من أي معارضة معتدلة لحكمه عبر وصمها بالإرهاب، وإقناع العالم بأنه لا يواجه ثورة شعبية وإنما إرهابا إسلاميا يشكل عدوا مشتركا له وللغرب في آن، ومن ثم هرع الأسد لإعلان دعمه لأي جهد دولي يصب في محاربة الإرهاب مهما كانت مسمياته سواء "داعش" أو "جبهة النصرة" أو غيرهما.

ميدانيا، نجح الأسد في استغلال الغارات لتكثيف عدوانه على المدنيين العزل توخيا لتغيير مجريات المعارك على الأرض مع المعارضة لمصلحته، حيث ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أنه بدأ يزيد من ضرباته الجوية ضد معاقل الجيش الحر كما بدأ ينجح في استعادة بعض المواقع التي فقدها في السابق، ما من شأنه أن يساعده على تقليص الانتقادات اللاذعة من جانب أتباعه جراء فقدان أراضي أو مقتل جنود نظاميين أو أسرهم من قبل المعارضة المسلحة.

وفى مسعى منه لخلط الأوراق توطئة لافتعال فرصة للتصالح مع المجتمع الدولي، عمد نظام الأسد إلى الترويج لوجود تنسيق بينه وبين التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، حيث أوردت صحيفة "الوطن" السورية الموالية للأسد أن "القيادة العسكرية الأميركية باتت في خندق واحد مع قيادة الجيش السوري في الحرب على الإرهاب داخل سوريا وعلى حدودها الشرقية والجنوبية الشرقية، حتى لو رفضت واشنطن ودمشق مثل هذا التشبيه، لأنه يتعارض مع توجهات رأيهما العام، إلا أنه واقعي وحقيقي".

وأضافت الصحيفة أن "الجيش السوري سيستفيد حتما من الضربات الجوية الأميركية، خاصة أنه الأقوى على الأرض ولديه قدرة ومرونة في التحرك الميداني، وهو الذي سيقيم نتائج الضربات الجوية الأميركية وما إذا كانت حققت هدفها أم لا".

اقرأ المزيد
٣١ أكتوبر ٢٠١٤
المشرق المستباح

نشأت الدولة الحديثة في المشرق العربي، كما حصل في معظم بلدان العالم، بذرة، أو مشروعاً استقطب اهتمام النخب الجديدة، التي حرر تفكيرها وتطلعاتها انحطاط الامبرطورية. ودفع الطموح إلى ملاقاة العصر في قيم الحرية والكرامة الإنسانية، التي بثتها الثورات السياسية في أوروبا، النخب الجديدة إلى جعل الدولة الحديثة مركز استثمارها الرئيسي، السياسي والفكري والمادي. ومن خلال هذا الاستثمار في الدولة، وبواسطتها، تجاوزت المجتمعات هيمنة الولاء الطائفي والعشائري والمناطقي التقليدية، ودخلت في مناخ المواطنة وفكرة العدل والمساواة والقانون. لكن، الدولة وعملية التحرر السياسي للأفراد لا تقوم في الفراغ، وإنما داخل بيئة إقليمية ودولية، وليس من الممكن فهم المصير، الذي آل إليه مشروع الدولة الحديثة في المشرق العربي، من دون فهم هذه البيئة الإقليمية، وما وضعته في طريق بناء دولة المواطنة الحديثة من عقبات ومصاعب، كان لها النصيب الأكبر في إجهاض المشروع بأكمله، والتراجع عنه نحو مناخات قروسطية، بالمعنى الحرفي للكلمة.

شكل موقع المشرق العربي الجيوسياسي، كنقطة تقاطع بين القارات الثلاث وحضاراتها، مركز جذب دائم للامبرطوريات الكبرى، منذ أقدم العصور. وباستثناء الحقبة التي أصبح فيها مركزا لامبرطورية مستقلة، في إثر الفتوح الإسلامية، كان المشرق عرضة لغزوات واجتياحات متقاطعة من الشرق والغرب والشمال والجنوب، على مر التاريخ. وقد تضاعفت أهميته الاستراتيجية أكثر، مع تشكل الامبرطوريات الاستعمارية منذ القرن الثامن عشر، والتنازع الذي رافقها على الممرات ومناطق النفوذ. لكن، تحولت السيطرة عليه إلى هدف أول للدول الكبرى في العصر الحديث، بعد شق قناة السويس طريقاً مائية استراتيجية، ثم اكتشاف النفط بكميات كبيرة في الجزيرة العربية، وبعد ذلك الإعلان أحادي الجانب عن قيام إسرائيل، بعد انتصار الغرب في الحرب العالمية الثانية. وبعد تفكك الامبرطورية العثمانية، وبالنظر إلى حالة التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي الكبير، الذي عاشته الشعوب العربية في فترة احتضار هذه الامبراطورية الطويل، لم يكن من الصعب تحويل المشرق إلى منطقة تقاسم للنفوذ الدولي، الواسع والعلني، حتى تطابقت خريطة تشكيل دوله الحديثة مع خريطة توزيع مناطق النفوذ هذه، من قبل أصحابها أنفسهم، وربطها بالأحلاف الأجنبية. وهذا ما جسّدته على أفضل وجه الاتفاقية المسماة سايكس بيكو، والتي لا تزال تشرط مسيرة تطور الدولة في المنطقة حتى اليوم، وتثير ضدها تساؤلات واعتراضات كثيرة.


توازنات قوى ومصالح

"ليس من الممكن فهم المصير، الذي آل إليه مشروع الدولة الحديثة في المشرق العربي، من دون فهم البيئة الإقليمية، وما وضعته في طريق بناء دولة المواطنة الحديثة من عقبات ومصاعب"

هكذا تشكلت المنطقة في سياق جيوستراتيجي، جسّد توازنات قوى ومصالح، ليست لها علاقة كبيرة بشعوبها أو بالديناميات الداخلية أو الإقليمية، وخضعت لشروط جيوسياسية، تعزز، بشكل متزايد، افتقارها البنيوي إلى الحد الأدنى من الاستقلال عن قرارات الدول الخارجية الكبرى وصراعاتها. وستكون لهذه البنية الجيوسياسية الإقليمية آثار ونتائج كثيرة وخطيرة في تطور المنطقة، وتشكل دولها وتحالفاتها، وفي تبذير طاقاتها في النزاعات والحروب التي صارت مزمنة فيها.

تمس أولى هذه النتائج الدولة نفسها، وتشير إلى ولادة هذه الدولة، كدولة منقوصة السيادة، أي لا تملك قرارها، ولا تستطيع، بالتالي، أن تكون ممثلة في قراراتها لإرادة شعبها، وأن تستجيب لطموحاته وتطلعاته وآماله، إلا في حدود ما تسمح لها به الهوامش الضيقة والمحدودة، التي تتيحها لها اللعبة الدولية. وهنا تكمن أول بذور سوء التفاهم، ثم القطيعة المتزايدة بين الحكومات، مهما كانت اتجاهاتها السياسية والأيديولوجية، والشعوب، في تلك المنطقة، حتى كادت تهمة الخيانة لصالح الغرب تصبح السمة الغالبة على انتقاد الرأي العام حكوماته ومحور المعارضة السياسية، حتى مجيء الثورات العربية الأخيرة، كما أصبح العداء للغرب جوهر الفكرة التحررية الوطنية والاجتماعية على حد سواء. وفي هذه البنية الإقليمية، يكمن، أيضاً، عجز النخب الوطنية عن بناء سلطة شرعية، مستمدة من مشاركة الشعب وتأييده، فأصل مطلب السيادة للدولة هو ضمان سيادة الشعب، أي استقلال قراره عن مصادر التدخل الخارجية. ولذلك، كان شعار الدولة الحرة، أي ذات السيادة، مرتبطا بشعار الشعب الحر، فلا شعبَ حرٌّ في دولة منقوصة السيادة، ولا سيادة لدولةٍ لا يقف وراءها شعب حر قادر ومستعد، دائماً، للدفاع عنها. ولا يفسر الديكتاتورية الطويلة، التي سيطرت على المشرق العربي، إلا استبدال السلطة الشرعية القائمة على الولاء الشعبي، بسلطة الأمر الواقع، المحمية بالتحالفات الأجنبية.

هذه العاهة البنيوية والولادية في جيوسياسة الدولة المشرقية سوف تصبح مرضاً عضالاً، ومتزايد الخطورة، مع قيام الدولة الإسرائيلية، فقد أسقطت أجندة الغرب، للحفاظ على أمن إسرائيل واستقرارها ومكاسبها الترابية وضمان التفوق الاستراتيجي الساحق لها، كوسيلة ردع دائم للدول العربية عن مهاجمتها، وتقويض إسرائيل بالحروب والهجمات المتكررة والدائمة لصدقية الدول العربية وإفشالها، ورقة التوت الصغيرة عن عورة هذه الدولة، وحطمت هيبتها كسلطة سيدة في الداخل، وشجعت حركات التمرد والرفض والاحتجاج عليها.

"أصبح العداء للغرب جوهر الفكرة التحررية الوطنية والاجتماعية على حد سواء"

والنتيجة الثانية تمس الإقليم ككل، وتشير إلى غياب فرص تطور العلاقات الإيجابية بين الدول، وبناء أسس السلام والتفاهم داخل المنطقة، والتقدم بها نحو حياة إقليمية سلمية ومشجعة على الاستقرار والتعاون والاستثمار، فقد بقيت منطقة المشرق محرومة من أية اتفاقات، أو معاهدات جماعية، حتى الآن. وباستثناء الاتفاقات الثنائية، لا يوجد أي إطار، حتى للتشاور، في ما بين الدول المتعددة والمتعادية، فارتباط سياسات دول الإقليم بمحاور وحمايات وتكتلات خارجية يقوض فرص بناء أجندة مشتركة إقليمية، كما أن الدول منقوصة السيادة تعجز عن التعامل بندّية وبناء علاقات تفاهم وتعاون إيجابية مع أقرانها من الدول المحيطة بها. وهذا ما يفسر جمود حقل العلاقات الدولية في المنطقة، وتثبته على الصيغ والتحالفات والمحاور التقليدية، القائمة على الإلحاق وشراء الولاءات، وفشل كل محاولات تغييره الداخلية، وهو ما تسعى النخب الحاكمة إلى التغطية عليه بتشييء مفهوم السيادة، وتحويله إلى شعارٍ، لا علاقة له بواقع الحال، الذي يشير إلى تراجع مستمر في قدرة هذه الدول جميعاً على التحكم بقرارها ومصيرها، وبالتالي، افتقارها المتزايد إلى المقدرة والسيادة.


ديكتاتوريات وتوترات

في هذه البنية الجيوسياسية شبه الاستعمارية، التي تحكم عمل الدولة المشرقية السايكس بيكية، نجد الجذور الطبيعية لتطور النظم الديكتاتورية من جهة، وتفاقم النزاعات والتوترات والحروب المستمر بين دول المنطقة، وإخفاقها في التوصل إلى أية آلية لتشكيل جماعة مشرقية متعاونة ومتضامنة، كما حصل في أوروبا وغيرها، سواء في إطار الفكرة العربية أو الفكرة الإقليمية المتجاوزة لها، من جهة أخرى. وفيها، أيضاً، نجد بذور الحرب الأهلية، التي ستفجر الدول من الداخل بعد نصف قرن، والحرب الإقليمية، التي سيفجرها غياب الاتفاقات الدولية الإقليمية، وسعي الدول القوية إلى التوسع على الطريقة البسماركية، لدمج البلدان الصغيرة، وإلحاقها بها، لتوسيع هامش مبادرتها تجاه الدول الكبرى، والحلول محلها في الهيمنة الإقليمية وبسط النظام. وفيها تكمن أسباب تكلس النخب والزعامات والمشيخات وتنامي المافيات المحلية المتنازعة، والمتنافسة على الزعامة والمجد، وحالة الاستنقاع الشاملة السياسية والاقتصادية والفكرية والدينية، التي عرفتها المنطقة برمتها.

"ارتباط سياسات دول الإقليم بمحاور وحمايات وتكتلات خارجية يقوض فرص بناء أجندة مشتركة إقليمية"

والنتيجة الثالثة لهذه البنية الجيوسياسية الإقليمية، وتقويض فرص التفاهم داخل دول المنطقة وفي ما بينها، هي الحرب الدائمة الناجمة عن عدم الاستقرار، الذي تعيشه الدول والشعوب معاً، نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة وتقاطعها وتعارضها، وانعدام فرص التنمية وغياب أطر التشاور والتعاون، والتوتر المستمر في علاقات الدول، وغياب الثقة المتبادلة، والبحث عن الحمايات الخارجية أو نزوع الدول إلى السيطرة. وفي النهاية، إخضاع أولويات الحكومات والدول معاً، وارتهانهما لمسائل الأمن، وتعظيم الإنفاق على الجيوش والأسلحة. والواقع تغطي آليات القمع الداخلي والنزاع الخارجي على افتقار الدول إلى أجندة وطنية، تجمع بين مصالح الأطراف المختلفة من مجتمعاتها وتوحد قرارها، كما تغطي على افتقار المنطقة عموما إلى أجندة إقليمية، توحد مصالح دولها، وتضمنها في مواجهة التكتلات الدولية الأخرى.


انهيارات وتدخلات متضاربة

والآن، مع انفجار الأزمة الإقليمية، الناجم عن اندلاع ثورات الربيع العربي، وسعي إيران إلى فك الحصار، الذي فرضه الغرب عليها، عن طريق تطويق الدول المشرقية واجتياحها وتكوين امبرطورية تابعة لها في المشرق، ومعانقة قوى الثورة المضادة في المنطقة وخارجها، وغياب أية أرضية قانونية وسياسية لتنظيم العلاقات بين دول الإقليم، وتضارب التدخلات والمصالح الوطنية والدولية، تشهد المنطقة انهيارات الدولة المشرقية، وتفكيك الإجماعات الوطنية داخل الدول، واستتباع جماعاتها وأحزابها ومكوناتها، وتحويل الانقسامات والتوترات الكامنة فيها إلى نزاعات وحروب ومواجهات، من كل الأنواع، مع استحالة حلها، لوجود القرار الحقيقي بين أيدٍ خارجية، وغياب التفاهم الدولي في الوقت نفسه. وفي كل يوم، تغرق المنطقة أكثر، وتصبح الدول نهباً للميليشيات المسلحة، وربما تجاوزت قوة هذه الأخيرة، في حالاتٍ كثيرة، الجيوش الرسمية، كما هو الوضع، اليوم، في دول عديدة في المنطقة في لبنان والعراق وسورية واليمن، إن لم تتحول الجيوش نفسها إلى ميليشيا تابعة للطغم الحاكمة.

"تغطي آليات القمع الداخلي والنزاع الخارجي على افتقار الدول إلى أجندة وطنية، تجمع بين مصالح الأطراف المختلفة من مجتمعاتها وتوحد قرارها"

هكذا قوضت هشاشة المنطقة الجيوسياسية واختراقها من القوى الخارجية، وحرمانها من بناء أرضية للمشاورات الإقليمية، أسس قيام دولة وطنية تعبر عن إرادة شعبها، وتنظم شؤونه وتقود مسيرته على طريق الخروج من بؤس الماضي وقرون الانحطاط الطويلة نحو آفاق الحرية والكرامة والأمن والسلام والتنمية والتعاون الدولي والإقليمي. وفي المقابل، شجع ضعف الدولة وفقدانها السيادة، وعجزها عن حماية شعبها، وردّ العدوان عنه، وغياب القدرة على بناء سلطة شرعية، وأجندة وطنية تعكس الحد الأدنى من الإجماع الوطني أو العقد الاجتماعي، وتعذر إقامة حياة قانونية سليمة فيها، توجه النخب والحركات السياسية نحو الحكم الاستثنائي وتعليق الدستور، ودمر الأسس، التي لا تقوم من دونها دولة، ولا تستقر بانعدامها أية حياة سياسية وطنية طبيعية، فأصبحت عاجزة عن النمو إلى دولة أمة فعلية، وعن تحقيق فكرتها في ما يخص علاقتها بالشعب الخاضع لها، وعلاقتها بالدول المحيطة بها، وتحولت، شيئاً فشيئاً، إلى مركز لمجموعة مصالح خصوصية، تستخدم فكرة الدولة وشعار الوطنية وحماية القانون أدوات في تحقيق سيطرتها الأحادية على المجتمع والتحكم في مصيره وشروط حياته، لحسابها الخاص، وفي سبيل حفاظها على مواقعها ومصالحها.

تحولت الدولة إلى إمارة، والإمارة إلى مزرعة، تحكمها العلاقات الشخصية والأهلية، وتتحكم بها المصالح الخصوصية.

وما حصل، بمناسبة ما سميناه الربيع العربي، هو هجوم الناس، الملوعين والمحرومين من الدولة ورعايتها والمحبطين من سوء أدائها على كل الأصعدة، على هذه الدولة المزرعة، ومحاولتهم انتزاع ملكيتها من مغتصبيها، وفي ما وراء ذلك انتزاع قرار المنطقة الجماعي من يد الدول الأجنبية، التي صادرته في العقود الطويلة الماضية.

استباحة الشعوب

والخلاصة، في منطقة مستباحة دولياً، لا تخضع لقانون سوى القوة، مفتوحة لكل الغزوات وحركات الاستيطان والتدخلات والاعتداءات والحروب الخارجية، لا يمكن لمشروع دولة حرة أن يتحقق، ولا لممارسة سياسة تحرير للشعوب أن تقوم. الاستباحة الدولية للمنطقة، هي الأرضية المؤسسة لاستباحة النخب والطغم الحاكمة للدول والشعوب، وغطاؤها في الوقت نفسه. لذلك، لن يكون من الممكن إعادة بناء الدولة، التي هي الإطار القانوني والسياسي الأنجع، في الوقت الراهن، لتنظيم المجتمعات، وتثمير جهود أبنائها وطاقاتهم وتلبية مطالبهم الأخلاقية والروحية والمادية، من دون إعادة بناء شروط الحياة القانونية والسياسية في المنطقة برمتها. ولن يتحقق ذلك من دون التوصل إلى اتفاقات ومعاهدات جماعية، تنظم شؤون الإقليم وتربط مصيره بقرار دوله ومجتمعاته وتفاهمهم، وتضع حدّاً للتدخلات الأجنبية، وسياسات الدكتاتورية البغيضة ومشاريع الهيمنة الإقليمية معاً، وفي السياق ذاته للصراعات والنزاعات والمظالم، التي أصبحت الخبز اليومي لأهل المنطقة، أفراداً وشعوبا.

اقرأ المزيد
٣١ أكتوبر ٢٠١٤
تمديد ربط لبنان بسورية

الأربعاء المقبل يجتمع البرلمان اللبناني من أجل إقرار التمديد لنوابه حتى حزيران (يونيو) عام 2017، في خطوة لا تعني سوى تمديد عملية تعليق الحياة السياسية اللبنانية، التي لم تكن تتمتع بالحيوية أصلاً وكانت تتسم بالكثير من الهشاشة والزبائنية.

إنه تمديد لشكل من أشكال ربط لبنان بالأزمة السورية والصراع الدائر في المنطقة بكل تعقيداته وألوانه وتشعباته، بما فيها الحرب على الإرهاب التي بشرنا من يقود حملتها، الرئيس الأميركي باراك أوباما، بأنها ستستمر سنوات.

وبصرف النظر عن الأسباب الموجبة لهذا التمديد للنواب الذي يتيح لهم التربع لثماني سنوات على مقاعدهم من دون عناء اجتذاب الناخبين وتمثيل مصالحهم للحصول على أصواتهم، فإن ذريعة صعوبة إجراء هذه الانتخابات بفعل الأوضاع الأمنية، على صحتها، لا تحول دون الاستنتاج أن هذه الخطوة تأتي في سياق تعطيل العملية السياسية اللبنانية، مهما قيل عن أن نتائج الانتخابات إذا حصلت ستأتي بالطاقم السياسي نفسه تقريباً.

لكن الأدهى في هذا التمديد أنه حتى إشعار آخر امتداد للفراغ الرئاسي اللبناني القائم منذ 5 اشهر ونيّف، على رغم ادعاء من يبررون التمديد بأن مدته ستكون مشروطة بإجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية.

وعلى رغم وجود تفاهم لبناني داخلي يستند إلى تفاهم دولي وإقليمي على رعاية الحد الأدنى من الاستقرار في الأزمة اللبنانية عند الحد الذي بلغته من الاحتقان المذهبي والركود الاقتصادي والصراع على التأثير في موقع القرار الرسمي بين قوى إقليمية عدة، فإن تلاقي مصالح الدول على منع انفجار لبنان مثلما هو حاصل في محيطه، لا يعني أن التمديد للفراغ الرئاسي وللبرلمان يعني تجميد التدهور في أوضاعه الأمنية والاقتصادية والسياسية، وفي تناقضاته المذهبية، وفي النزف الذي يعانيه نتيجة أزمة النازحين السوريين، والتي تضاعف المعضلات المذكورة كافة يوماً بعد يوم.

وإذا كانت الحجة الأمنية للتمديد للبرلمان تعني تجميد إمكان حصول انفجار في الوضع اللبناني الشديد التعقيد، فإن تمديد الفراغ الرئاسي اللبناني وتعليق الحياة السياسية اللبنانية لا يقودان سوى الى تأجيل الانفجار الذي شهدت مدينة طرابلس نهاية الأسبوع الماضي نموذجاً عنه، حتى لو لم يكن انفجاراً شبيهاً بالحروب الأهلية التي تشهدها سورية والعراق واليمن وليبيا. وأقصى ما يمكن أن تفعله الرعاية الدولية الإقليمية للحد الأدنى من الاستقرار في البلد الصغير، هو تقسيط الانفجارات الأمنية التي يمكن أن يشهدها، والتي لا بد من أن تتكرر طالما استمر ربطه بالأزمة السورية. وهو الربط الذي يعتمده «حزب الله» عبر تدخل قواته في بلاد الشام، ويفاقم من خلاله التداخل بين الساحتين المفتوحتين إحداهما على الأخرى، عبر الحدود المشرعة بينهما.

أقصى ما يمكن توقعه من التمديد المنتظر للبرلمان اللبناني، كمؤشر لاستمرار ربط لبنان بالأزمة السورية على وقع تدخل «حزب الله» فيها واندفاع «داعش» و «النصرة» نحو أراضيه، هو ذلك الافتراض بأن التقاء الأضداد على التمديد وتجنب الخضات الأمنية أثناء عمليات الاقتراع، قد يكون عاملاً مساعداً على البحث بين الفرقاء المختلفين عن اسم توافقي لرئاسة الجمهورية، ما يجعله خاضعاً لما تفرضه سياسة الحزب ربط لبنان بسورية.

إلا أن هذا الافتراض يواجه صعوبات تحول دونها المعادلة القائمة حالياً، فمثلما يكابر الحزب في رفض مراجعة سياسته، وفي اعتبار نفسه منتصراً بحجة منعه سقوط الأسد، على رغم ثبات الموقف الدولي- العربي على الدعوة الى حل سياسي انتقالي ينتهي بتغييره، ومثلما تضع قيادته رأسها في الرمال برفضها الاعتراف بأن تدخلها العسكري في سورية فتح الباب على تدخل المجموعات المسلحة في لبنان، فإن الحزب لا يعطي أي إشارة الى أنه يقبل برئيس حيادي، بل يصر على رئيس ينسجم مع استراتيجيته وما تتطلبه الخطط الإيرانية حيال الإقليم. فهل يمكن رئيساً توافقياً مفترضاً أن يقبل بمتطلبات إيران أن يشن الحزب هجوماً كالذي شنه السيد حسن نصرالله على السعودية؟ في هذه الحال، يفضل الحزب إبقاء الرئاسة فارغة، فأي رئيس، مهما كان حيادياً يصعب عليه تغطية تدخل الحزب في سورية...

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٤
هل يدفع المجتمع الدولي للتفاوض مع «داعش»

منذ أن انطلقت ثورة الحرية والكرامة في سوريا، وما يسمى المجتمع الدولي عاجز عن اتخاذ أي خطوة لإنقاذ الشعب السوري من محنته التي تتفاقم يوما بعد يوم.
تتوافد أعداد كبيرة من مقاتلي إيران التي تقود حربها الطائفية في سوريا تحت تسميات متعددة من حماية المراقد إلى محاربة التكفيريين، وبتسميات متعددة، حشدت لها ثمانية وعشرين فصيلا شيعيا من أفغان وباكستانيين وحوثيين، والذين يتمددون في هذه الأيام في اليمن بإيعاز من قم إلى فصائل عراقية، وأخرى من حزب الله بزعامة حسن نصر الله، والمجتمع الدولي بما فيه الدول العربية صاحبة المصلحة، ساكت عما يجري في سوريا من تدمير لبنية الدولة وتصفية لشبابها وشاباتها، بل وخيرة أبنائها الذين لا يزالون صامدين في وجه القتلة الذين احتشدوا مع نظام الإجرام في دمشق.
ومن أجل بضعة أشخاص يحملون الجنسية الغربية قتلوا على يد «داعش»، حشدت الولايات المتحدة تحالفها لمحاربة ما يسمى الإرهاب، ونسيت أنها هي الصانعة له، والداعمة على مر السنين، حيث دعمت الأنظمة الاستبدادية في منطقتنا العربية منذ مطالع الاستقلال ولا تزال، كما تعرف الولايات المتحدة أن «حزب الله» مصنف على قائمة الإرهاب وهو يصول ويجول في سوريا ولم تحرك ساكنا حول تدخله، وحتى لم تشر ولو من قبيل التهديد السياسي حول ما يمارسه في سوريا من قتل للشعب السوري، وأخص النساء والأطفال.
وصرح الكثير من المسؤولين الأميركيين بأن الحرب على الإرهاب قد تطول ولا تحسم قريبا، ما يعني أن على السوريين، وخصوصا منهم من هام على وجهه في سوريا وخارجها من لاجئين وسواهم، والذين يعانون أسوأ الأوضاع وسوء المعاملة، وخصوصا في بعض الدول العربية التي تعمد لتسليم بعضهم إلى النظام، وإغلاق حدود دول عربية أخرى في وجه السوريين الهاربين من الموت والدمار، وكل ذلك يعني أن علينا الانتظار ربما سنوات طوالا حتى يستكمل تدمير البشر والحجر والشجر، وحتى يفكر إخوتنا العرب والمسلمون ثم المجتمع الدولي بحل هذه المعضلة التي لا حل لها على المدى القريب أو في المنظور القريب، فالمعضلة في سوريا، ليست التدخل الإيراني بفصائله المتعددة ولا التطرف الكردي المتمثل بحزب العمال الكردستاني فرع سوريا (pyd) ولا في موقف روسيا الداعم والمساند لإرهاب عصابة (الأسد وطهران) وإنما فقط وجود منظمات إرهابية مبدئيا (داعش والنصرة).
لماذا لا نرى حلا ولو من خلال هذين التنظيمين لعلنا نخرج بحل يؤدي لحقن دماء السوريين وتوفير القصف اليومي.
أليس بالإمكان أن يجلس العقلاء من جميع الأطراف على مائدة الحوار لإيجاد حل ليخرج السوريين من عنق الزجاجة ويوفر الكثير من الدماء والدمار، ولنا فيما فعله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، حين تفاوض مع خوارج ذلك العصر.
إنني أضع هذه الرؤية أمام الجميع، وأرجو أن نتحرك نحن السوريين لأن نأخذ زمام المبادرة وننقذ بلدنا من مزيد من الدمار تحت شعار: تعالوا إلى كلمة سواء.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٤
هل فعلاً تخلى الأكراد عن حُلْم الدولة الكردية؟!

لأن الكرد في العراق وفي سوريا وفي تركيا قد احتلوا واجهة الأحداث في هذه الدول الثلاث وأيضا في المنطقة، بعدما فرضت «داعش» نفسها كعامل رئيسي ليس في هذه المنطقة فقط وإنما في العالم كله، فإن مسألة إقامة دولة قومية كردية إنْ في هذه البلدان الثلاثة، ومعها إيران أيضًا، أو في واحدة منها فقط، قد كثُر الحديث عنها في الأيام الأخيرة، وإن فكرة إنشائها وإقامتها قد أصبحت مطروحة ومتداولة على نطاق واسع في بعض الدول العربية وحتى في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
ولعل ما تجب الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة الهامة، التي يجب فتح ملفها والحديث عنها بجدية الآن، هو أن الكرد، هذا الشعب العظيم، قد دفعوا ثمن معادلات ما بعد الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وحُرموا من أن تكون لهم دولتهم القومية أو دولهم القُطْرية على غرار كل هذه الدول العربية التي تجاوز عددها عشرين دولة، والتي استند إنشاء بعضها إلى تقسيمات اتفاقية سايكس - بيكو سيئة الصيت والسمعة.
لقد كان أمرا طبيعيا أن يندمج الأكراد مثلهم مثل أشقائهم العرب والأتراك والإيرانيين، وأيضا «الأمازيغ»، في نسيج الدولة الإسلامية الشاملة، إنْ في زمن الخلافة الأموية وإن في زمن الخلافة العباسية وأيضا إنْ في زمن الخلافة الفاطمية ولاحقًا في زمن السلطنة التركية والدولة الصفوية، لكن عندما بدأ عصر القوميات بعد الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وبعد إقامة شعوب هذه المنطقة لدولها الوطنية والقُطْرية فإنه ظلم ما بعده ظلم أن يُحرم هذا الشعب الكردي من حقه في أن تكون له دولته المستقلة التي تشكل حاضنة لثقافته، والتي تعبر عن وجوده الفعلي على خريطة الكرة الأرضية، وتضع حدًّا لتشرده وتشتته وذوبانه حتى في المناطق التي من المفترض أنها أجزاء من وطنه التاريخي.
لقد حُرم العرب من أن تكون لهم دولتهم القومية الواحدة الموحدة بعد انهيار السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، لكنهم وفي كل الأحوال قد تمكنوا من أن تكون لهم لاحقًا دولهم القُطْرية والوطنية في الإطار العربي العام وفي إطار هذه الجامعة العربية، وبخاصة بعد استكمال استقلال بعض أقطارهم التي تأخر استقلالها حتى بدايات ونهايات ستينات القرن الماضي، لكن الأشقاء الكرد والأشقاء الفلسطينيين قد حُرموا مما حصل عليه أشقاؤهم أو انتزعوه انتزاعا، والحقيقة أننا إذا أردنا أن نكون منصفين فإنه علينا أن نعلن وعلى رؤوس الأشهاد أن هذه المرحلة من تاريخ هذه المنطقة يجب أن تكون بالضرورة مرحلة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ومرحلة تقرير المصير للشعب الكردي الذي عانى كثيرًا والذي غُيبت هويته الوطنية والقومية على مدى نحو قرن بأكمله.
لقد كانت المرة الوحيدة التي شعر فيها الكرد بأن لهم دولة، مثل دول العالم كله، عندما - بمساندة الاتحاد السوفياتي في زمن جوزيف ستالين - تم إنشاء ما سمي «جمهورية مهاباد» في عام 1946 التي لم تدُم إلاّ أحد عشر شهرًا، والتي كان رئيسها قاضي محمد الذي أعدم لاحقًا بقرار من الشاه الإيراني رضا بهلوي، وكان وزير دفاعها الملاّ مصطفى بارزاني الذي استطاع الانسحاب بمقاتليه بأعجوبة ليكمل مسيرة شعبه النضالية في العراق، وليحقق بالتالي كل هذا الذي تحقق في كردستان العراقية في عهد نجله مسعود بارزاني الذي كان ولا يزال القائد الطليعي لهذه المسيرة الطويلة التي أخطر ما فيها أنها باتت تواجه كل هذه التحديات الصعبة التي تواجهها الآن.
إن ما تجب الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة الهامة أن الزعيم القومي للكرد في كل مناطق وجودهم وانتشارهم مسعود بارزاني لم يفكر فعليًّا في إعلان إقليم شمال العراق دولة مستقلة إلاّ في عهد نوري المالكي، غير الميمون، حيث اضطر، في ضوء ممارسات رئيس الوزراء العراقي الأسبق التي لا تستطيع احتمالها حتى رواسي الجبال، إلى التلويح بإجراء استفتاءٍ عام للشعب الكردي في هذا الإقليم ليقول رأيه بهذا الأمر الذي في نهاية المطاف سيتحقق لا محالة، فالتاريخ يسير إلى الأمام وليس إلى الخلف، وهذه الفرصة التاريخية التي باتت تلوح الآن من المفترض أن يتم استغلالها لأن عدم استغلال فرص التاريخ وفي اللحظة المناسبة قد يحولها إلى كوارث سيطول أمدها، وبخاصة بالنسبة إلى شعب لم يعد يشبهه على وجه الأرض إلاّ الشعب الفلسطيني الذي قدم تضحيات لم تقدمها بعض الشعوب التي مرت بهذه التجربة القاسية.
ومرة أخرى: هل لحظة أنْ يكون للشعب الكردي، الموزع بين أربع دول رئيسية، إيران والعراق وسوريا وتركيا، دولته القومية أو دولته الوطنية قد حانت بالفعل؟ ثم هل لعبة الأمم ستُنصف هذا الشعب العظيم هذه المرة وستنصف الشعب الفلسطيني أيضا وستسفر كل هذه المتغيرات التي تشهدها هذه المنطقة عن تحقيق ما لم يتحقق لا بعد الحرب العالمية الأولى ولا بعد الحرب العالمية الثانية ولا بعد كفاح السنوات الطويلة الذي كانت محرقة «حلبجة» في عام 1988 إحدى محطاته الرئيسية المرعبة؟!
إن المعروف أن الولايات المتحدة، التي تقود هذا التحالف العالمي تحت راية مواجهة الإرهاب وتنظيم «داعش»، والتي هي في حقيقة الأمر تسعى لإقامة كتلة كونية لمناهضة إمبراطورية فلاديمير بوتين وقَطْع الطريق على مسيرة الصين التصاعدية، قد عارضت الاستفتاء الآنف الذكر الذي لوح به الزعيم مسعود بارزاني، وإن المعروف أيضا أن إيران لا يمكن أن توافق على قيام دولة كردية لا عندها ولا في شمال العراق ولا في تركيا ولا - بالطبع - في سوريا، وهذا هو موقف الأتراك الذين يرون أن قيام دولة كهذه سيؤدي إلى تمزُّق دولتهم أكثر من ذلك التمزق الذي حلّ بها في الحرب العالمية الأولى!!
إنّ هذا هو واقع الحال، وهو واقع لا يجوز أن يستسلم الأكراد له وأن يضيّعوا هذه اللحظة التاريخية السانحة.. إنها فرصة يجب التقاطها، وهنا فإنه ما يجب أن يقال للعرب كلهم: أليس من الأفضل يا ترى أن تساهم الدول العربية كلها وفي مقدمتها العراق في إنشاء دولة هذا الشعب الشقيق الذي يجب أن يبقى شقيقًا وصديقًا وإلاّ فإن أي دولة كردية ستقوم في المستقبل ستكون بمثابة شوكة في الخاصرة العربية؟!
لقد قال رئيس الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري)، التابع لحزب العمال الكردستاني - التركي بقيادة عبد الله أوجلان، الذي يعتبر مواليًا لنظام بشار الأسد: «إن الأكراد قد تخلوا عن حلم الدولة»... فهل هذا صحيح؟.. ثم باسم مَن يتحدث السيد صالح مسلم محمد؟!
كان عبد الله أوجلان، المعتقل الآن في جزيرة إمرالي القريبة من المدينة التاريخية الجميلة إسطنبول، يسعى وربما لا يزال يسعى لإخضاع كل الأقاليم الكردية، بما فيها إقليم شمال العراق، لتطلعاته وتوجهاته، والمعروف أنه قد حاول ومِن سجنه تحويل هذا الإقليم إلى قاعدة خلفية للحرب التي كان يشنها حزبه، حزب العمال الكردستاني - التركي، على تركيا. لكن مسعود بارزاني المعروف بواقعيته واعتداله ودقة حساباته قد تصدى لهذه المحاولة وبالقوة في بعض الأحيان لأنه كان قد بدأ هذه النهضة الهائلة في أربيل وفي السليمانية وفي دهوك وفي باقي المدن والمناطق الكردستانية – العراقية، ولا يجوز قطع الطريق عليها وتدميرها، ولأنه لم يكن مستعدًّا وهو لا يزال غير مستعدّ لمواجهة عسكرية مع دولة رئيسية هي تركيا هو في أمسّ الحاجة إليها، وبخاصة في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة والحاسمة، ولأنه أيضا دأب على اتباع سياسة تدرُّجية ومراحلية ولا يمكن أنْ يقبل بحرقها بالاستجابة لنزوات ومغامرات انتحارية، لا هذا الوقت هو وقتها ولا هذا الزمان هو زمانها.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٤
هل فشلت الثورة والنظام ؟؟؟؟

نعم فشل النظام ...........
.لكن الثورة لم تفشل ...لأنها غدت قدرا لسوريا ...!!!
مما لا شك فيه أن ثمة شعورا متشائما محبطا سائدا ومنتشرا في أوساط الشعب السوري، أنه دفع أثمانا باهظة لا سقاط النظام ، لكنه لم يسقط !! حيث لا يزال يسيطر على الكثير من المناطق السوررية ، ولا يزال يملك الجو بصمت دولي خارجي لم يكن متوقعا ، بل وقتل للشعب وتدمير لسوريا بلا حدود، حيث لا يزال مطلب الشعب السوري بإقامة منطقة آمنة، وحظر الطيران الأسدي الذي يستهدف شعبا أعزل، ويدمر سكنا مدنيا وقرى وأحياء ...
لا يزال هذا المطلب مرفوضا من كل من سمي بدول أصدقاء سوريا ، إلا تركيا ، حتى بدون تأييد عربي من دول يفترض أنها صديقة للثورة للسورية، بل إن مصلحتها الاستراتيجية مع الثورة لا تقل عن مصلحاتنا كشعب سوري ..حيث الثورة تخوض المعركة الاستراتيجية بالنيابة عن العرب جميعا في مواجهة التوسع الإيراني الكاسح اقليميا ، فضعضعة النظام الأسدي ، هي ضعضعة للمشروع الطائفي الإيراني حتى قبل سقوط النظام الأسدي ... والذي يعني سقوطه سقوط الفاشية الإيرانية الطائفية وعملائها في المنطقة ، وأولهم حزب اللات ....
لهذا فإن الثورة إذا كانت فشلت حتى الآن في اسقاط العصابات الأسدية، من خلال التواطؤ الغربي ( الأمريكي –الإسرائيلي) في المصادقة على الاختراع الأسدي للعدو المناسب له ولكل الأنظمة الشمولية والديكتاتورية الفاجرة، وهي صناعة قوى إرهاب بوصفها أكثر خطورة من ارهاب الأنظمة الطغيانية ، وبوصف الأصوليات الإسلامية الجهادية تفترض الأولوية التي يجب أن يتوحد العالم في الحرب ضدها...
لكن الثورة إذا كانت فشلت بإسقاط النظام راهنا، لكنها حسمت وبشكل نهائي ممكنات استمرار السلطة الأسدية ، أو ما على غرارها من بنى شمولية ( أصولية إسلامية أو يسارية أو أصولية قومية عربية أو كردية ... من المستقبل السوري !!!
هذه الأصوليات الشمولية، هي التي حلت محل الثورة، المد نية السلمية الديموقراطية الشبابية ذات أفق العولمة الثقافية المؤسسة لثقافة حقوق الانسان، وما يستتبعها من قيم الاعتراف بالآخر والتعدد والتغاير والتسامح ما بعد الايديولجية التي سحقتها شمولية الطغيان الأسدي والعسكري من جهة ، وشمولية القوى السياسية الموازية للأسدية المعارضة يسارا قومويا أو يمينا أصوليا ...التي ركبت الثورة ففتكت بروحها الديموقراطية بعد أن فتكت بحاملها من الجيل الشبابي الوطني المدني ...
وعلى هذا فالثورة (الشبابية المدنية ) لم تسقط النظام الأسدي راهنيا ) لكنها أسقطته تاريخيا وثقافيا وحضاريا وأخلاقيا، حيث أصبح من المستحيل أن تحكم سوريا الأسدية أو من هو على مثالاتها مستقبلا ...
وستبقى تتطاحن هذه الأصوليات الطاغوتية التسلطية الهمجية، مع القوى التي على شاكلتها الشمولية التسلطية الطغيانية الظلامية من (الأصوليات السلفية الدينية أو اليسارية والقومية )....
وسيطفو على السطح قوى أصولية غريزية همجية أجنبية غريبة عن الروح السورية الحضارية (إسلاموية كداعش أو قوموية كالبي كيكي )، حيث ستبقى تتقاتل إلى حد (هلاك الطرفين)، دون أن يكون هناك منتصر لأنها أصبحت كلها من قوى فوات الماضي البائد فكريا وسياسيا وثقافيا...
عندها ستستعيد القوى الشبابية المبادرة للانتصار الحاسم للثورة، حيث لن تنهزم الأسدية فحسب في صيغة نظامها العصاباتي المافيوي القائم، بل كل القوى الشمولية الفاشية والمرتزقة والمتعيشة على الدماء الثورة (سلطة ومعارضة على شاكلتها ومثالاتها ) لكي تنبعث الثورة على أنقاض رماد أصوليات الفاشيات (سلطة ومعارضة )، وتنتصر الثورة (الموؤودة على أيدي الأوصياء) المزورين المكلفين خارجيا بالتمثيل عليها وخداع قواها الشبابية...
وذلك بعد سنوات من قتل الطرفين لروحها الشبابي الصاعد ابدا نحو الحرية والكرامة ... فالثورة اليوم تتعثر ...لكنها لن تنهزم ما دامت قد انطلقت ...حيث قلبت صفحة الطغيان الأسدي الطائفي (فكرا وسياسة وثقافة ) إن لم يكن اليوم فغدا وإلى الأبد ......

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٤
سخرية التاريخ: «داعش» ينسف الخريطة لاستدراج التقسيم

ما تتعرّض له منطقة الشرق الأوسط والخليج هو نتيجة «سياسات خاطئة»... هكذا، ببساطة، أو بالأحرى بفجاجة. والأسوأ أن هذه السياسات تقود إلى حروب لا تعالج الأخطاء بل تضاعفها وتعقّدها، وبالتالي فإن نهايات الحروب ستفضي إلى نتائج مكرّسة للأخطاء، بدليل أن محاربة تنظيم «داعش» باتت المدخل الدولي - الإقليمي إلى حل الصراعات بإعادة رسم خرائط الدول. إن لم يكن ذلك قمة الاختلال فهو بالتأكيد ذروة السخرية من التاريخ.

تلك الذريعة - السياسات الخاطئة - جرى تراشقها بين خبراء حملوا بشكل رسمي أو شبه رسمي وجهات نظر الولايات المتحدة وروسيا، وتردّدت بصيغ شتّى في نقاشات «ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي» الذي نظمّه «مركز الإمارات للسياسات» (19 و20 تشرين الأول/ أكتوبر)، وشكّل عرضاً نقدياً لمجمل استراتيجيات القوى الدولية الكبرى وأثرها في بلورة نظام إقليمي «جديد».

ثمة خلاصات تبقى في الأذهان: فالخطوة التي اعتبرت عظيمة وضرورية في حينها، ولا تزال الأهم في «إرث» باراك أوباما، هي نفسها «الخطأ» الذي أدى إلى فرقعة الكيان العراقي. ذاك أن الانسحاب الأميركي بنهاية 2011 كان لا بدّ منه لأنه كان مطلوباً بإلحاح في الولايات المتحدة، لأسباب كثيرة أهمها الأزمة الاقتصادية، لكنه تمّ بشروط نوري المالكي وإيران اللذين لم يتأخّرا في كشف مغزاها فور مغادرة الجندي الأميركي الأخير. إذ كان الأهمّ من الانسحاب أن يعرف الأميركيون ماذا يخلّفون وراءهم ويعترفوا به ويتأكّدوا من أن انسحابهم يتزامن مع حلّ أبرز الإشكالات التي ترتّبت عن الغزو والاحتلال. لم يفعلوا، على رغم أنهم نبّهوا مراراً إلى حتمية إجراء «مصالحة وطنية». ولعلهم لا يلامون على ما ارتكبه المالكي وإيران في ما بعد، إلا أن الوضع الحالي يبدو في كثير من ملامحه نتيجة لتقصيرهم ويشكّل «محاكمة» غير معلنة لـ «الخطأ» الذي اضطرّهم لـ «عودة» لم يرد أوباما الذهاب إليها. وأصبح مفهوماً أن «رفض القوات الأجنبية» على أرض العراق، كما تردّده طهران وبغداد اليوم، كأنه مقتبس من خطاب ما قبل الانسحاب، بل إنه يستبطن استياء إيران من عدم الطلب إليها لسدّ العجز الفادح في بنية الجيش العراقي.

بعدما أقرّ أوباما شخصياً بـ «سوء تقدير» لخطورة تنظيم «داعش»، لم تعد هناك أي حواجز أمام انكشاف «مسلسل الأخطاء» في النمط الذي اختارته إدارته لإدارة الأزمة السورية، في تعاملها مع النظام والمعارضة على السواء، وفي ركونها للألاعيب الروسية والإيرانية والإسرائيلية. لم يكن التلكؤ في تسليح «الجيش السوري الحر» هو المشكلة الوحيدة، بل تبيّن الآن أن كل أشكال التردّد التي أبدتها واشنطن استُغلِّت من جانب موسكو وقُرِأت على نحو إيجابي في دمشق وطهران، فضلاً عن أنها منعت قيام «تحالف دولي» حقيقي وفاعل لمواجهة بشار الأسد، فلو وُجد هذا التحالف حقاً لكان انعكس على «تماسك» النظام وأطلق ديناميّات فعلية لإيجاد «بدائل» من داخله. وعلى رغم أن القتال الذي خاضته المعارضة السورية ضد «داعش» وأحياناً ضد «جبهة النصرة» سلّط الضوء على استغلال الأسد لمسألة «الإرهاب»، استدراجاً واجتذاباً وتنسيقاً، وهو ما كان واضحاً للعيان، وبالأخص للأميركيين، إلا أنهم لم يعترفوا بالواقع إلا بعد اجتياح «داعش» المحافظات السنّية في العراق وتلقّيهم طلباً للمساعدة من المالكي، وهنا ظنّ الإيرانيون أن أميركا، إذا لبّت الطلب، ستضطر للتكيّف مع اللعبة الوحيدة الدائرة في المنطقة، لعبتهم، ما يرأب الصدع الذي أصاب «هلال» نفوذهم.

من الخلاصات أيضاً أن «السياسات الخاطئة» المؤذية للمنطقة وشعوبها لا تقتصر على الجانب الأميركي، ففي الحال السورية تحديداً لم تستطع روسيا وإيران (والصين) برهنة أن مساندتهما العمياء لنظام الأسد كانت سياسة جيدة لسورية، ولا للمنطقة، والأهم أنهما لم تثبتا ادعاءهما السعي إلى تقديم «بديل» أفضل من السياسات الأميركية. فهذه مدمّرة وتلك تنافسها في التدمير. وبالتالي فالقطبان الدوليان شكّلا معاً عنصراً محفّزاً على التطرف وصانعاً للإرهاب. وفيما هما يتراشقان تهماً بعدم الجدية في محاربة الإرهاب فإنهما يبحثان معاً عن استفادة مديدة من الإرهاب. فأقصى ما تطمح إليه أميركا هو «احتواء داعش» وليس «إنهاءه»، وليس في ذلك ما يعارض رغبات إيران المتموضعة لجني المكاسب من ضرب إرهاب مصنّف «سنّياً» في حين أن الإرهاب والتطرّف اللذين ترعاهما لم ينتجا سوى «مناضلين شيعة» في المصطلحات الغربية. أما روسيا فتتطلّع إلى «الحرب على داعش» كتغطية مثالية لإشغال المجتمع الدولي عن مغامرتها المستمرّة في أوكرانيا، من دون أن يمنعها ذلك من اجترار «ضرورة اللجوء إلى مجلس الأمن» الذي أقفلته، أو «ضرورة العمل (ضد الإرهاب) مع الحكومات الشرعية» تحديداً في سورية.

يبقى على رأس قمة الأخطاء رسوخ العجز الأميركي عن تحريك الوضع الفلسطيني - الإسرائيلي نحو سلام، قد يكون عجزاً أو «رغبة» أو حتى سياسة واعية ومبرمجة. فالمفاوضات السابقة استطاعت، على رغم إخفاقاتها، أن ترسم صورة لـ «سلام» ممكن، إلا أن ملامحها لا تنفكّ تبهت وتتناقص. وعندما قال جون كيري أخيراً أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين «ضروري للانتصار على الإرهاب» كانت عبارته تاريخية بإخراجها مكنونات لا يُباح بها عادة في شرح السياسة الأميركية، غير أن تاريخيتها لا تعني فاعليتها، خصوصاً بعدما مسّت عصباً حسّاساً عند الإسرائيليين فاستشرسوا في الإجهاز عليها. لذلك تبقى الأخطاء والتلفيقات لا الحقائق هي المحرّكة لسياسات واشنطن، وينطبق ذلك على مقارباتها لمختلف القضايا، من رهن سياستها تجاه مصر بموقف انتهازي لمصلحة جماعة «الإخوان المسلمين»، إلى موقف مشابه في التعامل مع أزمة ليبيا، إلى أداء مشتبه به حيال أزمة البحرين، إلى سكوت مريب عما يجري في اليمن على رغم أن أميركا راعية أساسية للمرحلة الانتقالية. وما لا يقوله مسؤولو الإدارة الأميركية يمكن أن يفصح عنه مسؤولون سابقون صاروا خبراء في مراكز أبحاث: كأن يقرروا مثلاً أن الانقسامات العربية هي التي جعلت من إيران «قطباً إقليمياً»، أو ينطلقون - هكذا! - من فرضية أنهم أمام خواء وغياب عربيين ليسألوا: مع مَن يمكن أميركا أن تدير استراتيجيتها، ومع مَن تريدونها أن تعمل؟ والسؤال يضمر الجواب: ليس هناك سوى إيران... ذاك أنهم محوا مآخذهم طوال خمسة وثلاثين عاماً على إيران وبرمجوا ذاكرتهم على عنصر واحد فقط: البرنامج النووي، وعلى مصلحة واحدة: أمن إسرائيل.

تلك ليست أخطاء فحسب. إنها بالتأكيد اختلالات في النظام العالمي المبحر في تحوّلات صراعية غير واضحة المعالم، فتأخذه الأمواج حيناً إلى استقطابات جديدة (اتجاه أميركا نحو الشرق الأقصى) وتردّه حيناً آخر إلى رواسب «الحرب الباردة» (قضية أوكرانيا). لكن أخطاء سياساته المتحوّلة وإفرازاتها صبّت في منطقة عربية دخلت هي الأخرى في مرحلة تحوّل كشفت ضعف «الدول» بمؤسساتها الركيكة وتعويلها المزمن على العنف أداة للحكم، كما كشفت هشاشة المجتمعات التي استعادت سريعاً انقساماتها الطائفية والمذهبية، وتصاعد فيها دور «الفاعلين غير الدول» في نسخة «داعش» التي تبدو الأكثر قوةً وتبلوراً. وفي ذروة هذا الاختلال تمسّ الحاجة إلى حلول سياسية وتسويات تاريخية، لكن ثمة عاملَين سلبيَين يحولان دونها: دول عظمى بسياسات وضيعة، وأنظمة وتنظيمات إرهابية. ولعل المشترك الوحيد بين هذه وتلك أنها ضد الشعوب، فهي تتفق ضمناً بالأهداف على رغم التباين الظاهر في طبيعتها.

من الواضح أن التحوّلات العربية وقعت في أفخاخ الصراع الدولي واستخدامه للإرهاب أداة عقاب وابتزاز لمجمل المنطقة. قبل نحو مئة عام التقى نهج إنهاء الاستعمار مع توق الشعوب إلى الاستقلال وتجسيد الوطنيات فرُسمت الخرائط بهاجس إنشاء دول يمكن أن تكون لجميع مواطنيها. أما اليوم فستتولى تلك السياسات الخاطئة ترسيماً جديداً لكن هذه المرّة بتعاقد بين القوى الدولية والإقليمية على تنصيب الميليشيات الطائفية وإرضاء نوازع الإرهاب والانفصال على أساس أن «داعش» هو من نسف الخريطة السابقة.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٤
طفرة في التفكير لفهم طفرة «داعش»

ما يجعل من «داعش» طفرة مفاجئة ليس ظهورها الشبحي ووحشيتها الخارقة فقط، وإنما كذلك هيمنة أنماط تفكير «موضوعية» في مجال االثقافي والسياسي، قد تحسن شرح ما هو واقع، لكنها لا تملك أدوات ولغة لاستيعاب ظهور فاعلين وذاتيات جديدة. الأمر يتعلق بضيق أفق تفكيرنا، وليس فقط بغرابة هذا الكائن الجديد.
تقول المقاربة المهيمنة في تفكيرنا إن «داعش» وليدة شروط «موضوعية»، اجتماعية واقتصادية وسياسية وديمغرافية…، ونتكلم على تزايد سكاني وعلى استبداد سياسي وإفقار اقتصادي، وانسداد تاريخي. ويجري لفت النظر إلى أن ظواهر مقاربة لـ»داعش» تنتشر في بيئات محطمة. هذا مؤكد. لكن «الشروط الموضوعية» لا تنتج من تلقائها ذاتيات سياسية. هنا قفزة لا تستطيع القيام بها أية «معرفة علمية» و»موضوعية»، وإن كانت مؤهلة جيدا لإلقاء أضواء على الإطار العام للظاهرة وصعودها. الواقع أن هذه المقاربة تعطي الانطباع بأنه إذا توفرت الشروط الموضوعية تتولد الظاهرة تلقائيا، وسيتولد معها فاعلوها. هذا ليس غير مقنع فقط، وإنما هو سحري أيضا.
في القطب الآخر للتفكير هناك نظرية مشهورة جدا وشائعة جدا، نظرية المؤامرة. هنا «داعش» مصنوعة مخبريا في إيران، أو على يدي النظام الأسدي، أو أنها صناعة أمريكية. قد تكون مواد التصنيع محلية، لكن «البرنامج» و»الروح» بثها الصانع القدير في صنيعته. لا شيء يفاجئ نظرية المؤامرة، فهي تعرف تفسير كل شيء.
ولعل هذه النظرية، وهي تحول الفاعلين إلى خالقين من عدم، ردٌ على النظريات الاجتماعية «الموضوعية» التي تنكر وجود الفاعلين أو تردهم إلى حاملين سلبيين لبنيات سابقة عليهم. وقد تكون ظهرت كنتاج جانبي للعلمنة، وصعود الموضوعية والعلموية، وظهور العلوم الاجتماعية.
لكن تطورت في الإنسانيات في بضعة العقود الأخيرة مناهج ومقاربات تعنى بدور الفاعلين، بعد أن كانت هيمنت المقاربة البنيوية والوظيفية الطاردة للفاعل، والماركسية شبه الطاردة له. الظواهر الاجتماعية والسياسية، مثل ظهور داعش في مثالنا، نتاج لبشر في شروط محددة، لكنهم مشكّلون أيضا للظروف ومبادرون، ويعملون على توجيه الأوضاع المتاحة في كل وقت بما بناسبهم. ولديهم في كل وضع تقريبا هوامش مناورة وحرية، وقلما يكونون مضطرين كليا لفعل ما ما فعلوا تحديدا وحصرا.
يمتنع ونحن نفكر في ظهور وصعود «داعش» مثلا أن نتغافل عن شبكات سلفية قوية، إقليمية ومحلية، ومعولمة، تجمع بين عقيدة متشددة، وبين أقنية اتصال وتنظيم لا تكاد الدولة، أية دولة، تنجح في مراقبتها، الانترنت وغرف المحادثة، وبالتأكيد مواقع وصفحات تواصل وتنسيق مغلقة، ثم المال الوفير من شبكات خليجية تجمع بين تحجر الفكر وبين النموذج الفكري والسياسي المجرد جدا حتى في مجتمعاتها هي، ومن باب أولى في مجتمع أكثر تعقيدا كالمجتمع السوري. السلفية عقيدة طاعة في تلك البلدان (ربما تختلط الطاعة هناك بالتقية وبالحساب العقلاني لموازين القوى)، لكنها هنا عقيدة تمرد مطلق، وإن يكن منتجا لطاعته المطلقة حين يسيطر. مثال السلفيين مبرأ كليا من أي بعد تحرري أو إنساني، إن من حيث أصوله التاريخية (تعرض أبرز ملهميه لتجارب قاسية، جعلتهم شخصيات قاسية متشددة)، أو من حيث البيئات الاجتماعية المصدرة له. وهو منفصل عن أي إطار ثقافي حي، ما يجعله عقيدة عابرة للثقافات والمجتمعات، وعولمية بيسر، على ما يفيد أوليفيه روا في «الجهل المقدس».
عن هذا المزيج من العقيدة والمال والاتصال- التنظيم، وظروف سياسية معلومة («حلف مقدس» من الأميركيين والسعوديين والمصريين والباكستانيين… حارب السوفييت في أفغانستان، واستورد مقاتلين من بلدان عربية، جرى تصديرهم بعد ذلك تحت اسم «الأفغان العرب») كانت تولدت قوة تخمير عالمية، «القاعدة». وعبر تاريخ قصير، لكنه مليء بوقائع مشهدية لا تسقط من الذاكرة، صارت «القاعدة» لقطاع من الشباب في مجتمعات المسلمين الحالية مثالا بطوليا شديد الإغراء، وفرصة لحياة كبيرة، ملحمية، وهذا في مجتمعات بأكملها تعيش أجيالها حياة صغيرة، ينخرها الفساد والتخاذل والتفاهة والذل. هذا البعد الرمزي الأسطوري مهم فيما نرى في ولادة الحركات الإيديولوجية والسياسية الكبيرة عموما. وهو بالغ الأهمية في بلدان تعاني من فراغ شديد في المشروع والمشروعية، والفكرة الجاذبة، ولا يجد أكثر سكانها معنى لحياتهم.
وفي سوريا، سهّل من صعود هذا الفاعل أن هناك خطوط تفاعل وعمل كانت مفتوحة بين أجهزة النظام وبين مجموعات جهادية، محلية وعربية، كان يتدبر أمر إرسالها إلى العراق مرة، وإلى لبنان مرة، ويعتقل مجموعاتها مرة، ويطلق سراحها مرة (مما هو ليس من عادة النظام السوري حتى بخصوص سجناء رأي سلميين). النظام يلعب بهم ومعهم، لكنهم هم أيضا يلعبون. هو يمكر، هم يعرفون ذلك، وهم يمكرون أيضا، والله خير الماكرين.
وفي هذه الأثناء بني في المختبر العراقي الجسر الذي سيقود من «القاعدة» إلى «داعش»: «دولة العراق الإسلامية»، وقد ولدت في الظلام من تلاقح قاعدة أبو مصعب الزرقاوي والبعثية العراقية المهزومة.
ولعل هناك عاملا مساعدا بصورة خاصة على حدوث الطفرة الغولية، يتمثل في درجة متقدمة من تشوش المدارك وحيرة النفوس، ومن الشعور بالضآلة وهوان الشأن، في بيئات الطفرة. في سوريا درجة متقدمة من الضياع والغربة في البيئات المسلمة السنية، المنحدرة من أحياء وبلدات وأرياف متدهورة، وتشهدا تكاثرا سكانيا كبيرا. وهي تعاني أكثر من غيرها في البلد من الشعور بالدونية ومن فقدان المراجع الموثوقة، ولديها، تاليا، الطلب الأقوى على اليقين والثقة بالنفس، ولا تجد عرضا مواتيا لهما في غير صيغ الدين المتشددة. الديانة السلفية المبسطة، وبتصرفها عقيدة الولاء والبراء المانوية التي تشبع الطلب على الهوية والتمايز، وكذلك مفهوم العزة الإسلامي ذي المنشأ الحربي والامبراطوري، توفر لجمهور معزول ومحتقر فرصة للثقة بالنفس، ولتهدئة ما في أغوار النفس من انفعالات ورغبات وأشواق.
في المحصلة، لدينا «داعش» وما يشبهها لأن هناك من ناضل من أجلها، وإن في شروط مواتية. «داعش» في المحصلة مزيج من التنظيم السلفي الجهادي، العنيف والسري، ومن البعثية العراقية المهزومة، ومن السنية السورية المشتتة الكيان والوجهة. هذا الغول وليد العنف والكراهية والظلام والخوف والمهانة.
هذه الخطوط العريضة أقل من أن تجيب على السؤال عن كيف ظهرت «داعش». لكن لعلها تكفي للقول إن «داعش» طفرة، وإننا نحتاج إلى طفرة في التفكير لنستوعب تخلّق هذا الوحش.

 

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٤
المنطقة العازلة مطلب سوري ثوري محض....

لقد عبر الشعب السوري الثائر ومنذ بدايات الثورة عن رغبته في إقامة منطقة عازلة وفرض حظر جوي وذلك من خلال مظاهرات شعبية عارمة شارك فيها ملايين السوريين وذلك في جمع أسموها جمعة الحظر الجوي مطلبنا وكذلك جمعة المنطقة العازلة وذلك في شهري تشرين اﻷول وشهر كانون اﻷول من عام 2011.
واليوم تضع الحكومة التركية شروطا لدخولها في التحالف الدولي لقتال داعش في المنطقة ومن ضمن هذه الشروط فرط منطقة عازلة على الحدود السورية التركية .
إن فرض منطقة عازلة هو مطلب سوري ثوري بامتياز يحقق عدة أهداف ،فا لمنطقة العازلة تمثل ملاذا آمنا للمنشقين عن نظام بشار اﻷسد سواء كانوا مدنيين أم عسكريين، وهي كذلك تشكل مكانا يلتجئ إليه الهاربون من بطش النظام وإجرامه وبراميل الموت التي يلقيها طيران النظام السوري يوميا على الكثير من مدن وقرى سوريا وتحصد أرواح العشرات من المدنيين شيوخا وأطفالا ونساء .
ويضاف إلى ذلك كله أن المنطقة العازلة تفرض مناخا ملائما لعمل مؤسسات المعارضة وعلى رأسها الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم والمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني وهذا يؤمن اطلاعا مباشرا على احتياجات أهلنا في سوريا والتفاعل معها بشكل سريع والاستجابة لها حسب الأولويات وبشروط واقعية تتناسب مع حال الثورة وبالتالي تكون هذه المؤسسات بديلا عن النظام السوري المتهالك وتقدم نموذجا مقبولا بدلا من النظام المستبد وتفريخاته الإرهابية في المنطقة كلها .
في المنطقة العازلة يمكن للجيش الحر أن ينتظم ضمن مؤسسة عسكرية وطنية مركزية بتراتبية واضحة ولها محددات وطنية وبالتالي يمكنه التمدد التدريجي حتى يستطيع تحرير الأراضي السورية بأكملها .
ولا شك أن المنطقة العازلة مهمة جدا لتخفيف الحمل الهائل المترتب على دول الجوار وخاصة تركيا والتي لم تعد تستطيع تحمل المزيد من اﻷعباء الناتجة عن العدد الكبير من اللاجئين والذي تزايد بشكل مضطرد في الآونة الأخيرة .
والأهم من ذلك كله أن المنطقة العازلة تمثل خطوة جدية ومتقدمة على طريق الخلاص من هذا النظام المجرم، ولهذا كله فنحن نؤيد المطلب التركي في فرض منطقة عازلة على الحدود السورية التركية وندعو إلى تضافر الجهود السياسية والإعلامية لإقناع المجتمع الدولي بضرورة هذا الإجراء وأهميته لتخفيف المأساة الإنسانية في سوريا والتخلص من بشار اﻷسد ونظامه المستبد في سوريا.

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٤
نيران في طرابلس والموقد في سورية

كلما اشتعلت النيران في لبنان، واندلعت جولات جديدة من المواجهات العسكرية على حدوده، أو داخل مدنه، وآخرها الجولة الجديدة، المندلعة هذه الأيام، بين الجيش اللبناني ومسلحين في درب التبانة في طرابلس، تعود الذاكرة إلى أواخر الحرب الأهلية اللبنانية واتفاق الطائف الذي كرس صيغة 1943. ثم تعرِّج على عدوان "عناقيد الغضب" الإسرائيلي في عام 1996، وما تبعه من نقمة عالمية على إسرائيل، فاقمها ارتكابها مجزرة قانا في أثنائه، وقد ظلت ذيول العدوان تمتد إلى مايو/أيار من عام 2000، حين انسحبت القوات الإسرائيلية من الشريط الحدودي، معتبرة نفسها انسحبت من الأراضي اللبنانية كافة، وهو انسحاب اعتبره فرقاء لبنانيون منقوصاً لاحتفاظها بمزارع شبعا. فقد اشتَمَّ كثيرون مما بدا أنه تبرع سورية بمزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل إلى لبنان، رائحة نيران ستبقى تحت الرماد اللبناني إلى وقت بعيد. فعن طريق اعتبار مزارع شبعا لبنانية التبعية، سيحصل حزب الله على المشروعية التي ستسمح له بالاحتفاظ بسلاحه لمحاربة المحتل الإسرائيلي، وإجباره على الانسحاب من المزارع. وبالتالي، سيضعف من حجة الأطراف اللبنانية المطالبة بتسليم سلاح الحزب إلى السلطة اللبنانية وانتشار الجيش اللبناني على حدود البلاد الجنوبية في مواجهة الجيش الإسرائيلي. وهو أمر لم يتم، ما أدى إلى إضعاف هيبة الدولة وإحداث إحباط لدى من حلم ببسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، والانتقال إلى صيغة الدولة المدنية، بدل صيغة الطوائف الحاكمة وميليشياتها المتمترسة في مناطق نفوذها، والتي تعد عامل تفجير دائم يضع لبنان على حافة حرب أهلية مؤجلة.

وتمارس الزعامات الطائفية عمليات استقطاب في المجتمع اللبناني، غير مفتقرة المحفزات التي تساعدها في إنجاح هذه العملية، بملكيتها القرار السياسي، وفرضها تجهيلاً على فئات من الشعب، وإفقاراً يسهل لها التحكم بأجيال كثيرة عاطلة عن العمل، وزاحفة إلى أمام باب الزعيم الطائفي، بانتظار فرصة عمل هنا، أو عقد مياومة هناك، أو فتات أو وعود مما يجود به الزعيم. وهي، بذلك، جاهزة لتلقي الخطاب الطائفي، والذوبان فيه إلى درجة العماء الذي يعبر عن ولائها، ويجعل منها وقوداً لأي حرب طائفية، أو معركة كبرى بين الأحياء المتقابلة. وهذه الزعامات التي وجدت في طرابلس ملعباً لها، وجدت بؤساً مقيماً منذ قيام الدولة بشكلها الحالي. ووجدت في الجنوب، في واقع الحرمان وقصص القتل في كربلاء الغابرة، مطية لها، لظهورها بمظهر المدافع والحامي من تهديد أبناء الوطن، الشركاء فيه، أو أبناء أوطان أخرى، تهديداً قادماً لا محالة، هم في وجهه بالمرصاد.

"مقولة إن المواطنين في هذه البلاد يعيشون لحظات سلم أهلي، تحمل، في طياتها، نذر حرب أهلية"

لذلك، لا تتعجب غياب مناصري الأحزاب والجماعات الدينية والطائفية عن المظاهرات المطلبية التي تجوب شوارع البلاد كل حين، مطالبة بتعديل قوانين الضمان تارة، وتعديل سلسلة الرتب والرواتب وغيرها من المظاهرات التي تطالب بتحقيق مطالب أغلب مواطني البلاد، بغض النظر عن الطائفة التي ينتمون إليها. لا بل إنك لا تجد في أدبيات هذه الأحزاب، أو أجنداتها، أي توجه اجتماعي، أو مطلبي تدرجه فيها، ولو حتى من باب الديماغوجيا. فهذه الأحزاب أو الجماعات الطائفية ترغب في استمرار فقر مواطني بلدها وجهلهم، لتسهل عليها مهمة اقتيادهم، وتأليبهم على الطوائف الأخرى، والظهور أمامهم بمظهر المدافع عن الطائفة.

ولن نضيف شيئاً إذا قلنا إن تدخل حزب الله في الحرب الدائرة في سورية فاقم من حدة الاحتقان الغائر في النفوس المتحفزة، منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، في فبراير/شباط من عام 2005، حين كانت الشبهة بتنفيذ الاغتيال تحوم حول سورية وحزب الله. ما دفع، إضافة إلى رفض حزب الله المتكرر تسليم أسلحته إلى الدولة، أطرافاً عديدة من الطوائف الأخرى، إلى إعادة تأسيس ميليشيات أو أشكالٍ من العسكرة، للذود عن الطائفة، في حال شن أكبر فصيل عسكري في لبنان عمليات اغتيال أو هجمات ضد الطوائف المقابلة له.

كما أن الشارع المقابل في طرابلس، في جبل محسن، وهو الموالي للنظام السوري، لم يألُ جهداً في إظهار موالاته واصطفافه إلى جانب النظام الذي يعتبر أبناء الشارع الآخر أنه يقتل يومياً أبناء طائفتهم في سورية. وقد ظهر أن أبناء جبل محسن مغالون في دعمهم، على الرغم من عدم حصولهم على أية مكاسب لافتة من النظام السوري. ما يضعهم في صف الخاضعين طائفياً الذين لا تجد ما يفسر ولاءهم، أو دفاعهم عن طرف بعيد عنهم كل هذا البعد، ولن يجديه نفعاً قتالهم العبثي شركاءهم في الوطن، أبناء الطائفة الأخرى.

هل تمتد النار السورية لتطال البلد الجار، لبنان، الأقرب والأسرع للتجاوب مع نارها؟ يبدو البلد مهيئاً، في لحظة أو أخرى، لهذا الدخول القوي في حربٍ لا يعرف لها شكلٌ أو مستقر. ويبقى غياب المجتمع الأهلي، أو منظماته، الذي يفاقم نتائج غيابِه، غيابُ الدولة بمؤسساتها التي يمكن أن تحصن هذا المواطن من الانزلاق في أتون حرب طائفية، لا ناقة له فيها ولا جمل، يبقى عاملاً في ازدياد الاصطفاف الطائفي. تلك الحرب التي وجدت، للتو، لها مقدمات في الاشتباكات في عرسال والهجمات على قواعد حزب الله في بريتال في بعلبك، وأخيراً ودائماً في طرابلس. كما تجد لها علائم في ما يحكى عن وجود عناصر تابعة لجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في البلاد، تتحضر للعمل على الانتقام من وجود حزب الله في سورية. وتبقى مقولة إن المواطنين في هذه البلاد يعيشون لحظات سلم أهلي، تحمل، في طياتها، نذر حرب أهلية، يمكن أن تقع، في أي لحظة، لتثبت أن ما يعتبرونه سلماً أهلياً، ليس سوى سلم أهلي هش ومزيف، ينتظر لحظة وقارباً مناسبين للعبور إلى أراضٍ أو بحارٍ مجهولة.

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٤
السوريون ومصير سوريا

لم يعد محط جدل الآن لدى مختلف فئات الشعب السوري أن نسبة مشاركة السوريين في تقرير مصير وطنهم تقارب الصفر، لم تعد عائلة الأسد ولا المافيا الأمنية الاقتصادية المحيطة بها ( هذا إذا صح اعتبارهم جزء من الشعب السوري بعد كل الجرائم التي ارتكبوها بحقه و التي يندى لها جبين الإنسانية ) ولا مؤسسات المعارضة التي فُرضت على الشعب السوري كممثلاً له، ولا مئات الفصائل المسلحة التي انتشرت كالفطر على أرض سوريا ، جزءا من آلية صنع القرار فيما يتعلق بسوريا ومصير ثلاثة وعشرين  مليون سوري.
 فالنظام وتحت ضغط الخسارات المتتالية والتي وصلت حد عجزه عن استعادة السيطرة على حي من أحياء دمشق كجوبر رغم تدميره تماماً وتسويته بالأرض، أصبح قراره مرهوناً بإرادة حماته من مليشيات لبنانية وعراقية وإيرانية ترتبط جميعها بقرار الولي الفقيه في طهران،  الذي يقدم له مستلزمات بقائه  من مال وسلاح من خزينة الشعب الإيراني المنكوب بملاليه، و مقاتلين من مرتزقته العرب اللبنانيين والعراقيين الذين تقدم لهم ايران كل شيء بدءا من ملابسهم العسكرية والخبز الذي تقتات به عائلاتهم وانتهاءً بسلاحهم الذي يوجهونه إلى الجهة التي يريدها وليهم الفقيه. بينما تنقسم المعارضة السياسية بين ائتلاف تم فرضه من قبل صانعيه كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري بالرغم من تبعيته وفساده، عاملان (التبعية والفساد)  أدَٰيا الى إفقاده أي تأييد شعبي أو تأثير فعلي على الأرض، ليتحول إلى أداةً طيعة في أيدي غير سورية ولخدمة مصالح غير سورية.  وهيئات وتجمعات سياسية صغيرة متناثرة لاحول لها ولا قوة إما لضعفها الناجم عن شعاراتها الجوفاء المتجاهلة لآلام الشعب السوري، و الناجمة في جزء منها عن اتقاء بطش النظام،  وفي الجزء الآخر عن تراثها القومي اليساري الذي يعتبر ان معارضة الغرب والإمبريالية هدف يفوق في أهميته التضامن مع الام السوريين الناجمة في جزء كبير منها عن الدعم اللامحدود التي تقدمه للنظام القوى تحمل نفس شعاراتها ( إيران وحزب نصر الله).  وأخرى أصغر حجماً كل منها لا يتجاوز عدد أعضائه عدد لجنته التنفيذية. في حين تشتت القوى العسكرية (ماعدا داعش والنصرة) وعلى ضعفها وضعف سيطرتها على الأرض الى عشرات الألوية والكتائب التي يتبع كل منها للداعم الذي يقدم له المال والسلاح ويتغير ولاءه بتغيُٰر داعمه، بينما بقيت الكلمة الفصل في المعارضة لتنظيمي داعش والنصرة اللذان يحملان فكراً وبرنامجاً يتجاوز الشعب السوري والأهداف التي دفعته للثورة على آل الأسد ونظامهم.
من كل ما سبق نستنتج أن مصير سوريا وشعبها والى أجل غير مسمى هو في أيدي قوى إقليمية ودولية متناقضة المصالح، ففي جهة تقف إيران وملحقاتها الطائفية في المنطقة والتي تعتقد أنها تخوض حرباً دينية مذهبية انتقاما للحسين بن علي (رضي الله عنهما) ومن خلفها روسيا التي تأمل بالعودة الى الساحة الدولية كقوة عظمى على اجساد السوريين ودمائهم، وفي الجهة الأخرى تقف الولايات المتحدة التي وجدت ما يجري في سوريا فرصة لاستنزاف خصومها الإيرانيين وحلفائهم عبر جرهم الى حرب دينية باهظة التكاليف ضد الخصم الآخر للولايات المتحدة المتمثل بالفكر القاعدي الداعشي (حرب دينية مذهبية بين أصوليتين تود الولايات المتحدة إضعافهما ما أمكن ليسهل القضاء عليهما). إضافة لدول الخليج العربي وتركيا الذين وبسبب مصالحهم المتناقضة ساهموا في تعميق المأساة السورية وإفساد مؤسسات المعارضة وتقزيمها عبر التنافس على شراء ولاءها ومحاولة السيطرة على قرارها.
لم يتوقف هذا التنافس حتى بعد أن تمكنت الولايات المتحدة من جر بعضهم الى تحالف ضد الإرهاب سيسهم في حده الأقصى في تقليم أظافر داعش التي انفلتت من عقالها بعد أن استطاعت السيطرة على الكثير من المال والسلاح من ترسانة  الجيش العراقي الكرتوني الذي انشأته الولايات المتحدة وسلحته ودربته، لكنه بالتأكيد لايهدف الى إنهاء المأساة السورية والحفاظ على سلامة سوريا ووحدة الشعب السوري، فقد تكون الإدارة الأمريكية مطمئنة أن ترك سوريا تتدمر وتتفسخ الى إمارات متنازعة ومتناثرة على أسس قومية ومذهبية لن يهدد أمن اسرائيل، بل قد يجعلها اكثر أمناً عبر تدمير الشعب السوري وطاقاته وإشغاله في حرب أهلية قد تمتد عقوداً، و في نفس الوقت لا يهدد أمنها القومي. لكن هل شركائها العرب في التحالف الذي أنشأته لديهم نفس الشعور وهم مطمئنين تجاه الأمن القومي للعرب والأمن الوطني لدولهم وشعوبهم !!! ؟؟؟. انا شخصياً وبمحدودية معلوماتي وقدراتي العقلية أنصحهم أن لا يناموا في العسل فقد يكون دورهم بعدنا مباشرة.
من هنا لم يبق امام السوريين ومحبي سوريا وشعبها إلا إحدى وسيلتين، إما الإستكانة والدعاء الى الله دعاء العاجز؛ أن يجعل مصلحة إحدى القوى العظمى تتوافق وإيقاف مأساتهم (وليس ذلك على الله بعزيز).  أو أن يبادروا وبشكل واعي لتشكيل مؤسسات قادرة على إقناع معظم السوريين انها تمثل مصالحهم وتسعى لإيقاف مأساتهم، مؤسسات يقوم على تمويلها وبالحد الأدنى رجال أعمال وطنيين بعيداً عن بيع الولاءات لهذه الدولة أو تلك مقابل أموال تؤدي الى المزيد من الفساد والتبعية. مؤسسات قادرة على جمع السوريين، جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو السياسية حولها، بحيث تكتسب شرعية تمثيلها لهم من خلال ثقتهم بها، وليس من خلال فرضها عليهم من قبل الآخرين.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان