لم تتوقَّف صحيفة عربية، موقع، تلفزة، دائرة حكومية، هيئة أهلية، صمتاً على تدمير حلب، واحتجاجاً على حقول القتل المفتوحة فيها. فعلت هذا مجلة ألمانية. مثلما فعلت مستشارتها ما لم يفعله العرب والمسلمون، الذين يتشدَّقون بمكارم الأخلاق والعرى الوثقى. لا مديح هنا ولا هجاء. لقد تجاوزنا أغراض الشعر العربي الطنّانة، الهازجة. تجاوزنا المفرقعات الكلامية. صرنا في موقعٍ آخر، ووقت آخر. فحيال هذا القتل الجماعي، مطلق السراح، يحق لنا قول ما قاله مفكر ألماني: بعد أوشفتز، الشعر بربرية. الكلام بربرية. ماذا ينفع الكلام حيال غبار الموت الأبيض الذي يتصاعد من زوايا مدينة الحب والطرب والطعام الشهي والعبقرية الفنية والتجارية، والصمود الطويل، الطويل، أمام محاولات محوها من الوجود؟ لا مديح ولا هجاء ولا رثاء، فقد صرنا وراء الكلام، ووراء الشعر، ووراء عورات العرب التي لا تسترها أية بلاغةٍ في الكون. تقول المجلة الألمانية (راجع "العربي الجديد"، 8 أكتوبر/ تشرين الأول) ما لا تقوله صحيفة عربية. تقول ما جدوى الكلام. والنقرات على الموقع. وعدّادات قراءات "فسيبوك"، أمام العجز التام للكلام والصور عن التعبير عمّا يجري هناك.
قلت شيئاً كهذا في هذا المنبر مراراً. قلت لنفسي: سأصمت. لن أستخدم هذه اللغة المراوغة التي تعطي مائة اسم للجربوع، ولكنها غير قادرة على تحريك شعرةٍ في مفرق أمةٍ تموت من الكسل والنفاق والجهل والتديّن الكاذب. هذا ما قاله عنهم القرآن. لست أنا من اخترع المنافقين، ولست أنا من هجا الأعراب. ولست أنا من عرف أن هؤلاء كاذبون. وأنهم متصنّعون. وأنهم أبعدُ الناس عن مكارم الأخلاق الحقيقية. تتوقف مجلة ألمانية عن الكلام، لأنه عاجز. تصمت، لأنها غير قادرة على إنقاذ طفل من تحت الردم، فيما نستمر نحن في الثرثرة. أين تجمّهر عشرة أشخاص في أيّ عاصمةٍ عربية احتجاجاً على قتل هؤلاء من دون سببٍ سوى أنهم محاصرون في المدينة، التي قرّر الطاغية بوتين وتابعه ماتي أن يجعلها نقطة تحوّل في صراعات القوة؟ لا تهمنا صراعات القوة. إلى الجحيم بمجلس الأمن والقوى العظمى غير القادرة على إرسال شحنة أغذية، أو أدوية، إلى مدينةٍ تموت. يفعلون أم لا يفعلون ليس مهماً. يجبرون روسيا على وقف بلطجتها التي صارت سورية ساحتها المفتوحة، أم ينحنون أمام العاصفة السلافية، هذا شأنهم. هذه صراعات القوة والمصالح بينهم.
لا شأن لنا في ذلك، على الرغم من أننا مسرح هذه الصراعات. وقودها وحطبها. ما يهمُّ هو نحن. أيننا؟ بل هل ظل معنى لضمير الرفع المنفصل المبني على الضمّ هذا؟ من يستخدمه؟ على ماذا يدلُّ؟ أين هو خارج درس النحو؟ خسرت المستشارة الألمانية شعبيةً وحضوراً سياسياً بسبب سياسة الباب المفتوح. دخل بلادها، في أقل من عام، أكثر من مليون لاجئ، معظمهم من سورية، ولم تغلق الباب، كما تفعل دول استعمرت المنطقة ونهبتها بعدما قسَّمتها قطعاً، تكبر أو تصغر، حسب مواردها. أيّة دولة عربية، غير الأردن ولبنان، وإقليمية غير تركيا، فتحت حدودها لنحو خمسة ملايين سوري، شرَّدتهم زرافةٌ تريد أن تفاوض العالم على عرشٍ من الجماجم؟ لِمَ لا تحلّ دول الخليج كارثة اختلالها السكاني بمن يتحدَّث لغتهم ويكتب مثلها من اليمين إلى اليسار؟ يقرّر منبر صحافي ألماني ذائع الصيت أن يصمت، لأنه غير قادر على شحن اللغة بما هو أكثر من الوصف. "يقول لِمَ لا يهزّنا سقوط المزيد من القتلى في سورية؟ هل لأنَّ ما يحدث بعيدٌ عنا؟ أم لأننا تبلَّدنا من كثرة الصور المروّعة والأخبار؟ أم لأننا لا نهتم بتلك الصور، بقصد أو من دون قصد، حمايةً لأنفسنا؟ أم لأنَّ سورية، ببساطة لا تعنينا بما يكفي؟". ماذا لو قرَّرنا أن نسوّد صفحات صحفنا. أن نوقف بثَّ الثرثرة ومسابقات الأزياء والطبخ، والغناء والرقص، وأخبار الهزل الغنائي؟ هل يمكن أن نفعل ذلك يوماً، نصف يوم؟ ساعة؟
أراهنكم: هذا لن يحدث. ليس لأن الحياة "لازم تستمر"، بل لأنَّ النار لم تمتد إلينا.. مؤقتاً.. فقط.
ما الذي يمكننا الكتابة عنه، وحلب قد حدثت، وحلب ما زالت ما هي عليه، وحلب تملأ العين وتفيض عنها بما يُغرق الروح ويُميتها. بل ما الذي يمكن الحديث عنه بعد، ولا تكون سورية وحلب موضوعه؟
تسألني كلود، بعد مضي دقائق من موعد لقائنا في المقهى، وبعد يوم من وصولي إلى باريس: أخبريني، ما الذي يحدث في سورية الآن، فأنا لم أعد أفقه شيئاً.
وكلود التي تقترب من سبعينياتها هي من الناشطين والمهتمّين بأحداث العالم، ومن الذين ينظمون مظاهراتٍ، ويسيرون في مسيراتٍ، ويعتبرون أنهم يقفون دوماً إلى جانب الضعيف والمظلوم، وتحديداً العرب والفلسطينيين، في كفاحهم ضد إسرائيل، وذلك منذ عام 1968 وحتى مقتلة مجلة تشارلي التي جعلتها تتراجع عن حماستها تلك، وإنْ بضع خطوات. فحرية التعبير لدى كلود أمر مقدّس، بقدر ما هي العلمانية، يليها توازنها النفسي والجسدي الذي تعالجه بكل أنواع الأعشاب والوصفات والرياضات الروحية، وبكل ما يُعنى بمسائل الطاقة من قريب أو بعيد. حين تكرّرت الأعمال الإرهابية في باريس، قفزت كلود قفزةً مهمةً إلى الوراء، إذ ما الذي ينبغي توقعه منها، هي التي خسرت صديقاً عزيزاً في الهجمة على صالة باتاكلان، ولم تكد تنساه حتى جاءتها مقتلة نيس.
إذاً، تسألني كلود، من باب الاهتمام والتضامن، عن أحوالنا، نحن الذين نحيا dans la région، (في المنطقة) كما تقول، فأتردّد في الإجابة قبل أن أنزلق ببطء، لأنتهي مستميتةً في الشرح ومحاولة الإقناع، فيما تقذفني هي باستفساراتٍ مشكّكةً عمّا قد يكونه الحلّ السوريّ في غياب بديل. وحين أفتح باب تلكؤ الغرب في أخذ موقفٍ، وتركه سورية وحلب لقمةً سائغةً في فم الغيلان، تقاطعني قائلة: أليس كل شيء أفضل من إرهابيي الإسلام؟ أتريديننا أن ندعم إرهابيين؟
أصمت وأنظر في وجه كلود، فيشتعل بياضه بالحمرة. "الأمر معقد جداً، تعرفين"، تقول متلعثمةً، وقد ضبطت نفسها تحكي بلغة حكّامها. أشعر وكأنها قد عزمت، في قرارة نفسها، ألا تراني بعد الآن، هي التي تريد الابتعاد عن مواضيعنا المشؤومة، المسيئة لاتّزانها النفسي. لا حاجة للمواصلة، أفكّر. لقد ضاعت منّا كلود. لم يعد رأسها يفرز. إنها كمن هو مصابٌ بعمى الألوان، فكيف بها حين تكون الألوان على هذه الدرجة من التشظّي والتضارب والكثرة.
والحال، لمَ قد يضطر أي رأسٍ أن يفرز إلى هذه الدرجة عندما يحيا في ظروفٍ سوية؟ أجل. في بلاد كلود، الأشياء سوية بمعنى ما. في بلادها الأشياء واضحةٌ، موضبة، ومنطقية. في بلادها لا التباس "وإلا ففي حد أدنى لا يعكّر كرامة العيش"، لا اقتراب من النار، ولا زلازل يومية، ولا براكين.
تقول كلود، وأنا أصدّقها: "قلبي لم يعد يحتمل كل هذا العنف يا صديقتي"، ثم تضع عينيها في الزجاج. وقلبي أنا؟ ماذا عن قلبي أنا، أفكّر في قرارة نفسي، أتظنينه يحتمل كل هذا؟ لقد قتل لكم عشراتٌ بطريقةٍ وحشية، وهذا أمر فظيع، وربما حتى المئات. لكن، ها هو يُقتل لنا هذي الأعداد كل يوم، قصفاً وغرقاً وتعذيباً وحصاراً وتجويعا، فلمَ تراني أشعر بالذنب تجاه قتلاكِ أنت، وأنا في الحقيقة لا ذنب لي؟ ما الذي يجعل قتلاك، يا كلود، أكثر موتاً من قتلاي؟ ما الذي يجعلهم أكثر براءةً وأكثر
حياة؟ ألأنهم لم يولدوا dans la région (في المنطقة) حيث يجاور الموت أطفالاً رضّعاً بعمر أيام؟
أفكّر للحظة، لو أنني كنت مكان كلود، فهل كنت سأكون أفضل موقفاً منها؟
يميل عليّ رجل سبعيني من الطاولة المجاورة، ويسألني هامساً وابتسامة رؤوفة تعلو محيّاه:
- أنت من سورية، أليس كذلك؟
- أجل، يا سيدي. أجيبه، اليوم، أنا من سورية.
مما لاشك فيه أن الثورة السورية التي خرجت ضد الظلم والاستبداد في 2011 تسير بمشيئة الله وبمعجزة إلهية كبيرة، حيث انها صمدت رغم كل الخطوب والمؤامرات والتحالفات التي حيكت ضدها طوال السنوات الستة الماضية، قدم فيها الشعب السوري الألاف من الشهداء والملايين من المشردين، وسط استمرار القتل وشلالات الدماء على كامل تراب المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.
بدأت الثورة كحراك سلمي تطور سريعاً للمسلح بهدف وقف تسلط القبضة الأمنية على الشعب والدفاع عنه بكل الوسائل المتاحة، فكانت البذور الأولى للحراك بتشكيل حركة الضباط الأحرار والجيش السوري الحر، تلاها ظهور تشكيلات وحركات متعددة الأسماء والرايات والأهداف، رفعت شعارات مختلفة، وكلها تهدف لإسقاط نظام الأسد، على تنوع منهاجها.
ومع تطور الحراك المسلح وتوسع الحركات لفصائل تضم ألوية وجيوش وجبهات وفيالق، بدأت الأمور تأخذ منحى جديد في الثورة وتزداد تعقيداً مع تنوع الأفكار وبدأ التعصب للفصيل وللجماعة على حساب الثورة والشعب، فكل يدعي أحقيته في الوجود والسيطرة، وصحة منهجه، تلتها موجات الطعن بالمناهج الأخرى وبدأت فتاوى التكفير والردة تتردد، فنشبت الحرب بين هذه المكونات والفصائل وبات الأسد يتفرج.
فكانت أولى الحروب بين الجيش الحر وتنظيم الدولة وبين التنظيم والفصائل الإسلامية في ريفي دير الزور والحسكة والرقة وامتدت إلى حلب وإدلب وحماة واللاذقية وريف دمشق ودرعا، فانحسر التنظيم من عدة محافظات بينما سيطر بشكل كامل على محافظات الرقة والحسكة وامتد إلى حلب وريف حماة الشرقي وريف دمشق ودرعا.
وعلى الرغم من تشارك الجميع في قتال التنظيم واتفاقهم على ردته إلا أن الشقاق والاقتتال بين الفصائل لم يتوقف فعاد في أواخر عام 2014 بين جبهة النصرة والجيش الحر، وتمكنت النصرة بمساعدة علنية لجند الأقصى وسرية من عدة فصائل من انهاء جبهة ثوار سوريا وحركة حزم وعدة مكونات في الشمال، تلاه انتهاء عدة مكونات حوربت بتهم جديدة غير الغلو والردة، كالعمالة والتخطيط لضرب الفصائل الإسلامية وغرها، فحوربت الفرقة 13 في إدلب وشبت حرب بين الفصائل في الغوطة الشرقية بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن، أيضاً في درعا والاقتتال المستمر بين الثوار ولواء شهداء اليرموك وحركة المثنى.
ولو خضنا في نتائج الاقتتال في كل مرة لوجدنا خسائر باهظة للثوار في كل مرة دون أن تعوض حتى اليوم، فدرعا جمدت جبهاتها مع نظام الأسد وباتت تحارب الغلو، وريف دمشق خسرت أرضها الزراعية والمئات من الدنمات والمناطق والقرى، كما استفرد نظام الأسد بداريا وحلب وريف اللاذقية، وعشرات المناطق في ريف دمشق الغربي وحمص، وأخيراً في حماة، وبدأت مرحلة التهجير للشمال تتسارع مفرغاً جميع المناطق التي يخشى على سلطته فيها من أي سلاح أو ثوار، كما فرغت داريا رأس الحربة في خاصرة النظام بدمشق، ويتم العمل على حصار باقي المناطق وإجبارها على التسليم أو الاستمرار بالتجويع والحصار.
هذه النتائج السلبية للاقتتال الداخلي تحت أي بند كان تتطلب وعي عميق بخطورة المرحلة الراهنة، مع تكاتف واتفاق الجميع من قوى القتل ضد الشعب السوري، ما يوجب على الجميع إيجاد مظلة قضائية متفق عليها، تتولى فض النزاعات ومحاسبة المعتدين بأقل الخسائر الممكنة، لتجنب الساحة المزيد من الدماء والخسائر على الأرض من جميع النواحي.
كما يتطلب على الفصائل جميعاً توحيد صفوفها ضمن قيادة موحدة تعي خطورة المرحلة، وتغلب مصلحة الشعب الثائر على مصلحة فصائلها ومناهجها ورايتها بفصيل موحد قادر على قيادة المرحلة، وتسيير الدفة بالاتجاه الصحيح والتغلب على جميع العقبات التي تعترض طريق اسقاط نظام الأسد وكل من يقصف في وجه نيل الشعب السوري حريته وكرامته التي بذل لأجلها الدماء والتضحيات ومازال يقدم.
يبهرك باتقانه اللامحدود في تصيّد أخطاء الجميع ، يرى الشذر في أعين الجميع أكثر من أحدث المجاهر ، يحلل الخطأ و أسبابه، يبرع في اختراع و اختيار الأوصاف و التعابير .
يحمل هموم الأمة في كل مكان يحل به ، في البيت أو في تناقلاته في أرجاء الطبيعة ، لا هدف له إلا القضية و نصرة للدين و حماية للشرع ، فهو المنظر الذي لا يشق غباره و لاتفند فتاويه.
يملك حقوق يمكن القول أنها ذات حصرية بشخصه و تمتد لمن يسير على نهجه ، يفرّق جيداً بين خبثاء البشر و أشرارهم ، و يميّز المجاهد عن المقاتل ، وكذلك الشهيد عن القتيل و ذات الأمر ينسحب على الورع المؤمن عن المنافق المرتد.
لا يهمه في قول الحق لومة لائم ، ولايهم من ينتقد بشر أم وزير أو حتى رئيس جمهورية ، فالناس سواسية أمامه إلا من رحم ربي من الأولين و ثلة من الآخرين ، و الأخيرين هو من يعرفهم عزّ المعرفة.
عندما يخطئ أياً كان و تحت أي مبرر ، فيسارع للتصويب و التهديف ، يطلق العنان لخياله الخصب بالتوصيف، فمثلاً و ليس حصراً فبعد أن صحح خطأ معرفات قناة “ت ر ت “ التركية في نقل الآية القرآنية التي قالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، قبل يومين ، عاد اليوم المتمتع بـ”الصحو” ليكشف عن الخطة التركية بشأن سوريا ، بالاعتماد على صفحة فيسبوكية تحمل اسم “أخبار تركيا”، و أحاط بحنكة و ذكاء النقاط السلبية كاشفاً عن حبث الجميع ، مستبقاً الصورة بتعليق مهذب قائلاً:”هديةإلى لاعقي الأحذية والمطبلين لهم:إستمروا باللعق”، و لكن التهذيب بالتهذيب يذكر فقد نبه على أن “ لا نتعاطى السب والشتم؛لعق الأحذية افتخر به المعنيون أنفسهم”.
أبو محمد المقدسي ، المتواجد في الأردن مستعد أن يشتم باراك أوباما و حتى أصغر طفل في غزة أو في حلب ، دون أن يشعر بأي امتعاض ، و كذلك يشتم كل الفصائل السورية من أحرار الشام و حتى أصغر كتيبة ، و يقسمهم بحنكة عالية بين مفحوصين و مرتدين و تابعين لأمريكا أو مدعومين من التحالف أو متشاركين مع تركيا ، و أعمالهم جميعاً حتماً “الهباء المنثور”، و الثبور في الدنيا و الخسارة أمام سيوف الحق ، ولايفوته مناسبة و محفل سلبي كان أم ايجابي إلا و يتصدر له بالفتوى الجازمة ، يتقن تمام الاتقان غربلة المندسين و المرجفين و المرتدين و أولئك المنافقين ، ويصطفى الجند الميامين ، أنصار الحق و الدين ، حتى يغير بالتسميات فيصف “الصقور” بـ”الحمائم” لأنهم اقتربوا من “الناجين المنجين”.
و لكن لايوجد شيء بلا حدود :
حدود الشيخ ، الجالس خلف الحدود ، تقف عند أي راية ترفع شعار يناصره ، سواء أكانت داعش أم النصرة و كذلك جند الأقصى ، فهنا لامكان للكلام ، و كل حرامهم حلال زلال ، و “جل ّ من لايخطئ”، فهم من بُشرنا بهم ، وهم من لا يذرون للأعداء أي أثر ، ويبيدون من يشاؤون ، و لكنهم يعانون من غيظ المرتدين و كثرة الصليبيين ، وتعدد الرايات و الدول التي تواجههم ، و الحدود و بالحدود تذكر ، يجلس “المقدسي” لاهمام في منزله في “عمان” آمناً سالماً مع عائلته ، يتصفح جهاز “الكفرة” على مواقع “الكفرة” ليظهر الحق لـ”الكفرة” .
لن يتوقف الصخب المرافق الاستعدادات لمعركة الموصل. والأرجح أنه لن يتوقف أثناء المعركة التي باتت قريبة ولا بعد انتهائها. ومرد هذا الصخب إلى تنوع الأطراف الطامحة إلى المشاركة في تحرير المدينة. وإلى اختلاف أجندات هذه الأطراف. والأهم أنها تاريخياً شكلت عقدة وصل بين بلاد الرافدين وإيران وتركيا. لذا، سيؤشر مستقبلها بعد التحرير إلى مآل محافظة نينوى ومستقبل العراق برمته وأهل السنّة خصوصاً وسائر القوى المنخرطة تحت شعار محاربة «داعش». فالذين سيمسكون بها أو يتقاسمونها ستكون لهم كلمة وازنة في تقاسم السلطة في كل البلاد. لهذا السبب، ربما تتأخر ساعة الصفر لانطلاق الحرب من أجل تحريرها. وقد تتأخر الساعة بانتظار ما سيؤول إليه مصير مدينة حلب. فالأميركيون الذين يديرون عملياً معركة ثاني أكبر مدن العراق، وهم من يرسم حدود الأدوار فيها يعنيهم مصير الإرهابيين بعد تحريرها. ومما لا شك فيه أن «تنظيم الدولة» لن يجد مفراً من التوجه نحو الرقة، ملجأه الأخير. وهو ما قد يبدل في مجريات الحرب في سورية برمته. وربما أعاق خطط النظام في دمشق وحلفائه الروس والإيرانيين الذين يرفعون شعار الحسم العسكري أساساً لأي تسوية لأزمة بلاد الشام.
اختار الأميركيون الجيش العراقي و «البيشمركة» قوة أساسية في معركة الموصل. وعززوا حضور قواتهم بمزيد من الجنود، بناء على طلب الحكومة. اطمأنوا منذ أن تدخل الروس في سورية وأقاموا وحدة تنسيق أمنية مع بغداد ودمشق وطهران في العراق، إلى أن موسكو لن تُستدعى إلى بلاد الرافدين كما هي الحال في بلاد الشام. كأن ثمة تفاهماً بين الدولتين الكبريين على تقاسم النفوذ: لنا هنا ولكم هناك. وهذا ما تشي به الحملة الروسية على حلب من جهة والحملة الأميركية القريبة على الموصل. والقاسم المشترك هنا وهناك إيران وتركيا. وهذا مرد الصخب المرتفع بين الأطراف الإقليمية والمحلية المنخرطة في الحرب على «تنظيم الدولة»، والمصاحب الحملتين على المدينتين الرئيسيتين. وواضح أن ثمة صراعاً علنياً بين طهران وأنقرة على وراثة «داعش» في محافظة نينوى كلها، فضلاً عن شهية الكرد الذين لا يخفون أن تضحياتهم في مكافحة الإرهاب لن تكون مجانية. الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته يحذران منذ أيام من خطر مشاركة ميليشيات «الحشد الشعبي» في معركة استعادة الموصل. ولا تقيم وزناً لاعتراضات حكومة بغداد التي نقلت الأزمة بينهما إلى مجلس الأمن الذي يقلل هو الآخر من شأن الشكوى التي رفعها وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، على حد ما صرح به الوزير نفسه. وحكومة بن علي يلدريم ليست وحدها في معارضة اشتراك الميليشيات الشيعية. واشنطن تعترض أيضاً. فضلاً عن قادة «الحشد العشائري» السنّي. بينما يصر «الحشد» على دوره في تحرير المدينة.
الأكثر خطراً في هذا الصخب المواكب حملةَ استعادة الموصل هو الصراعات في صفوف القوى السياسية العراقية كافة بلا استثناء. ولم تعد هذه الصراعات بين المكونات والطوائف والعرقيات. نخرت صفوف الجميع. تحالف القوى الشيعية يقيم على جمر هدأت طهران من لهيبه أخيراً. أعادت التيار الصدري إلى قلب التحالف. وقدمت لرئاسة التحالف عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي. وخففت من حملة نوري المالكي على خصومه. وأرجأت سعيه إلى إطاحة الوزير الجعفري الذي كان عراب إخراجه من رئاسة الحكومة. وكبحت حملته على رئيس الوزراء حيدر العبادي. واضح أنها لا ترغب في ضعضعة صفوف القوى الشيعية على أبواب تغيير كبير سيخلفه تحرير الموصل. وليس وضع الجبهة السنّية بأفضل حال بعد إطاحة وزير الدفاع من منصبه. حتى العشائر تخوض صراعاتها لتحجز لها حصة من ميراث «أبي بكر البغدادي». أما الكرد فواضح تماماً أن إطاحة وزير المال هوشيار زيباري وجهت ضربة قاسية إلى تحالفهم مع القوى الشيعية، مثلما عمقت الخلافات بينهم، بين الحزب الديموقراطي الذي يتزعمه رئيس كردستان مسعود بارزاني من جهة والاتحاد الوطني وحركة «التغيير» من جهة ثانية. وقد اتهم زيباري زعيم «دولة القانون» بأنه وراء إقالته خطوة على طريق إزاحة رئيس الوزراء. وقد ساهمت أصوات الكرد المناوئة لبارزاني في توفير الأصوات المطلوبة لإطاحة وزير المال. لذلك، لم يتأخر رئيس الإقليم الكردي في التوجه إلى بغداد سعياً لإقامة تحالف جديد مع القوى الشيعية وعلى رأسها رئيس الحكومة والتيار الصدري والحكيم... على رغم أن الخلافات بين بغداد وأربيل عميقة إلى درجة يستحيل معها التفاهم على اتفاق ينهي خلافات على تقاسم الأرض والثروة النفطية، لم تجد لها تسوية على رغم التفاهم المتين الذي نشأ بين المكونين الكردي والشيعي منذ الغزو الأميركي بلادَ الرافدين. علماً أن الجمهورية الإسلامية كانت ولا تزال عاملاً مساهماً في الخلافات الكردية، مثلما هي ضابطٌ حدودَ الخلافات بين القوى الشيعية... ولو إلى حين.
تسعى الميليشيات الشيعية من وراء مشاركتها في تحرير الموصل إلى مد نفوذها، ومن ورائه نفوذ إيران إلى مناطق الأكثرية السنّية لترسيخ حضورها في العراق وإبعاد أي تهديد محتمل لهذا الحضور. كما تسعى إلى الحد من التمدد الكردي في مزيد من الأراضي، فيما لم تهضم بعد تغلغله في كركوك. بل لن تسكت على خروج المدينة عن السلطة. وتدرك أن مساهمة «البيشمركة» في تحرير الموصل يرسخ حضور حكومة أربيل في محيط المدينة. ويسهل عليها الدفاع عن انتشارها في الأراضي المتنازع عليها. مثلما يسهل عليها التواصل التجاري والاقتصادي مع تركيا. وتعي ميليشيات «الحشد» أن عودة القوى السنّية إلى إدارة محافظة نينوى وحدها يعزز موقع هؤلاء الذين حاولت حكومة المالكي مواجهتهم في السنوات الأخيرة وساهمت في قيام «دولة البغدادي». ولا تخفي طهران رغبتها في إبعاد النفوذ التركي عن العراق وكردستان، كما هي سياستها في سورية. قد تكتفي بترك الأرياف المحاذية لتركيا، والتي تعتبرها هذه جزءاً من فضائها الأمني ومصالحها السياسية والاقتصادية. لذلك، لم تتوانَ عن تعزيز الشقاق داخل صفوف الكرد والسنّة العرب أيضاً. وإن راج أنها على دراية بالتفاهم بين أنقرة وموسكو في شأن مستقبل حلب، وتعي ما يربط بين أنقرة وواشنطن على رغم ما يشوب العلاقة بين العاصمتين هذه الأيام. فما لا يغيب عن حساباتها أن هناك أكثر من مطرقة تضرب على أوتارها. من المرجعية في النجف إلى تشظي القوى الشيعية وتنافسها على السلطة وما تدر من مكاسب ومصالح. ومن العودة الأميركية وما قد تخلف من مكاسب للكرد والسنّة العرب... إلى مشهد التظاهرات الشعبية في الساحات التي كانت تنادي قبل أشهر بأعلى الصوت برفع يد طهران عن بغداد!
أما حكومة بن علي يلدريم فتصر على دورها في تحرير الموصل، كما الرقة. لم تلتفت إلى اعتراض بغداد ودمشق قبلها على تدخلها الميداني. ولم تستدعِ موافقة من المنظمة الدولية. حجتها كما الآخرون أنها جزء من التحالف الدولي لمحاربة «دولة الخلافة» و «دولة الكردستاني». لكن هدفها الأول ضمان قدرتها على إحباط تمدد حزب العمال الكردستاني في كلتا المدينتين والبلدين أيضاً. وبعد ذلك عدم ترك الجمهورية الإسلامية لاعباً وحيداً في الإقليم. أما الميليشيات السنّية من «حشد» وطني أو عشائري فتستقوي بالموقفين الأميركي والتركي لاستعادة حكم المدينة. لأنها تدرك أن خسارتها ثاني أكبر مدن البلاد يعني سقوط آخر قلاعها في مواجهة تفرد السلطة المركزية في إدارة العراق وثروته، وتعريض محافظة نينوى للتقسيم. وهذا ما يقود إلى تقويض طموحها إلى إقامة إقليم لأهل السنّة على غرار كردستان.
إذا كان مصير حلب سيقرر مستقبل سورية، فإن مصير الموصل سيقرر أيضاً مستقبل العراق. ستحصد إيران الكثير من استعادة دمشق للعاصمة الشمالية. وسيكون لها نصيبها من استعادة المدينة الثانية في العراق الذي قد ينزلق إلى حروب أهلية. يبقى السؤال عن حصة تركيا، وعن دور الولايات المتحدة وروسيا اللتين تتحملان العبء الأكبر في إدارة الحملتين هنا وهناك. هل تبقى لديهما القدرة على التحكم برسم المشهد الإقليمي أم يسلمان للقوى الإقليمية بحصاد ما يزرعان؟
منذ انتهاء الحرب الباردة في يوم ما من سيرورة تداعي المنظومة السوفياتية، والعالم يبحث عن نقطة توازن جديدة تتأسّس عليها العلاقات بين الدول وآليات تصريف الاختلاف وتسوية الصراعات. كانت البداية في إيكال مهمات جديدة لهيئة الأمم المتحدة التي بدت وكأنها دائرة صنع السياسة العالمية، إذا صحّ التعبير. بدلالة أن الولايات المتحدة والدائرين في فلكها استطاعوا إدارة مجلس الأمن من دون كبير عناء بما يخدم انتصار الرأسمالية التاريخي على الاشتراكية السوفياتية. أما روسيا الخارجة من انهيار الاتحاد السوفياتي فبدت مُنهكة تماماً وغير قادرة على وقف الإنزلاق نحو تسيّد أميركا ونظام عالمي يقوم على قطب واحد مركزي ومراكز أقلّ شأناً.
أسوق هذا الكلام في ضوء ما نراه من تسخين لمحركات المواجهة الروسية - الأميركية التي لم تعد الديبلوماسية قادرة على إخفائها. قد تكون نقطة الاشتعال سورية المأزومة لكن التوتّر متنقل من موقع لآخر عبر العالم. فالولايات المتحدة التي اعتمدت مؤخراً التصعيد في التصريحات ضد روسيا انطلاقاً من الشأن السوري، كانت صعّدت في بولندا ودول البلطيق وفنلندا وأوكراينا ورومانيا وتشيخيا من خلال سلسلة من المعاهدات ذات الطابع العسكري مع نصب بطاريات صواريخ مضادة في المناطق الشرقية والجنوبية المحاذية لروسيا. أما الروس الذين ما زالت عقيدتهم العسكرية الموروثة عن النظام السوفياتي تقول إنهم قد يتعرّضون لهجوم أميركي غربي في كل لحظة، فبدوا في السنوات الأخيرة عصبيين مستعدين للمواجهة. وهم يفعلون ذلك الآن بخطوات عملية على الأرض. فليس أنهم أنقذوا نظام الأسد من السقوط بل نراهم مصرين على التمسك بمحور يمتد من طهران (الحدود الجنوبية لموسكو) إلى سورية مروراً بالعراق وصولاً إلى لبنان (على الشاطئ الشرقي للمتوسط). وقد رأينا في تصريحاتهم الأخيرة أنهم (وللآن في إطار حرب كلامية في بدايتها) مستعدون لإحياء شبكة قواعدهم العسكرية في مواقع استراتيجية من العالم. وقد ذكروا فيتنام وكوبا مثلاً كمواقع يدرسون إعادة بناء قواعدهم العسكرية فيها على غرار ما كان في الزمن السوفياتي.
شيء ما يحصل على هذه الجبهة يُنذر بتصعيد ليس في التصريحات فقط بل في الأعمال على الأرض. وقد رأينا التعزيزات العسكرية الروسية على الجبهة السورية وإرسال المزيد من منظومات السلاح ربما لحسم معركة حلب. وعادة ما يدفع ثمن مثل هذه المواجهات تلك الدول الضعيفة أو أهالي المناطق التي تُعتبر استراتيجية. يتواجه العملاقان الأميركي والروسي في الراهن من خلال أجساد شعوب أخرى ومقدراتها وأوطانها. في هذا، لن يحصل أي تغيير في مواجهة هذه الأيام عن تلك، أيام الحرب الباردة. حروب بالوكالة، قتال بشعوب مستضعفة وأبنائها وبناتها، بينما تسلم تماماً أراضي البلدين وحاضرتيهما. قد تُباد حلب ولا يلحق الأذى زورقاً واحداً على شاطئ الولايات المتحدة.
أي تصعيد في سورية مثلاً قد يبدأ من إيعاز أميركي بتسليح المعارضة ومدّها بأسلحة نوعية دفاعية وهجومية، وقد ينتهي بتدخّل أميركي عبر وكلاء أو مباشرة في سورية ضد النظام وروسيا، وليس بالضرورة مع المعارضة. ومن شأن تصعيد كهذا أن يستقدم ردّاً روسياً واسعاً يخرج من نطاق حدود سورية إلى لبنان والدول المجاورة الأخرى بقصد ضعضعة الأوضاع في دول لا تزال واقفة على رجليها ضمن شبكة المصالح الأميركية أو الغربية. من شأن لحظة كهذه، إذا أتت، أن تؤسس لشرق أوسط جديد بمفهوم تفكيكه بالكامل قبل إعادة بنائه، إذا حصل البناء مجدداً! نقول هذا في ضوء ما يتكشّف في السنوات الأخيرة من أننا حيال عالم جديد في تعقيداته وأعرافه وانهيارات نُظُمه المعهودة. فليس مصادفة أن تعود للواجهة اقتراحات لإعادة بناء نظام مجلس الأمن بحيث تُضاف إلى عضويته الدائمة دول جديدة أو يتمّ تعديل نظام حق الفيتو فيه. فالمنظومة الدولية كما تأسست عليه مع انتهاء الحرب العالمية الثانية لم تعد قادرة على العمل والتأثير بخاصة في ما يتصل بوقف جرائم الحرب المتنقلة من مكان إلى مكان لا سيما سورية. أو قد نقول هذا في شكل مغاير. لم تعد قادرة على تحقيق المصالح في شبكة من العلاقات المعقّدة، لا لتلك الدول العظمى ولا لتلك المرتبطة بها.
إذا كنّا شهدنا تفكك دول وأقاليم وانفجار العنف المدمر فيها فإن هذا الانفجار مرشح للتوسّع في ظل ما استشعره من نزعة عالمية نحو تعديل «النظام» المعمول به وتعديل خرائط المصالح وتوازنات القوى. لقد اختلطت خريطة الأشياء عالمياً على نحوٍ يدفع باتجاه تغيير قواعد اللعبة. ولأن الديبلوماسية فشلت في كثير من المواقع فقد نرى القوى العالمية تجرّب غيرها. عضّ الأصابع أولاً ومن ثم كسرها، تسخين الأجواء ورفع حدة السجال الكلامي تمهيداً لحروب أو تفجير موجات من عنف محسوب قد يتطور إلى ما هو غير محسوب. ومَن يعتقد أن العالم بخير وأن هناك قوى ضابطة له كفيلة بمنع ما أشرنا إليه يكون واهماً حتماً في ظلّ التجربة الإنسانية في المئة سنة الأخيرة على الأقلّ. بينما الكواكب والأجرام خاضعة لقانون التجاذب والتنافر فإن الإنسان يختار مصائره ومسالكه ـ وهي ليست آمنة دائماً ولا هي محكومة لمنطق اللاحرب!
يكفي الصور و الفيديوهات التي تأتي تباعاً ، و بشكل متصاعد، إلى أن عصر عاصمة الأمويين قد ولّى إلى غير رجعة قريبة ، و باتت محصورة بين فكيين من “العهر” (الشيعي - الشاذ) ، بشكل لم تعهده العاصمة الأقدم عبر التاريخ ، و كمركز ثقل المسلمين لمئات السنين.
بين مشاهد حفل الألوان و اللطميات بمناسبة عاشوراء ، يضيع بريق “دمشقنا” بكل ما تحمله الكلمة من معان و من دلائل ، الأمر المتزامن مع إفراغ أي جيب هنا أو هناك يمكن أن يعكر صفو سير منهج التمييع و إلغاء صورة “دمشقنا” التي ربّت العلماء و المهنيين ، و كانت قبلة الجميع ، و احتضنت كل ما يمكن أن يتخيله عقل من ملل و شعوب و ديانات ، دون أن تفقد أيٍ من ألقِها الآخاذ.
بعيداً عن انشائيات الكلام، المعبق بريح ياسمينها المميز ، تسير الأمور في “دمشقنا” على نحو مريع ، وفق مخطط أقل ما يوصف بإنه “شيطاني” ، إذ يجمع بين الاحتلال بالقوة النارية و القوة الناعمة ، بحيث يتم التغيير ليس لفترة منظورة ، قد تمتد لعقود و أجيال، وأخشى أن نقول أن ليس باليد حيلة للوقوف في وجه هذا المد المرعب.
تضع اليوم “ملالي ايران” سكان “دمشقنا” بين خيارين لاثالث لهما ، إما التفلت و نشر الشذوذ بحيث تنتهك المبادئ بشكل كامل و يتحول الزاحفين في هذا الخيار إلى سراديب لايعرف أين ستصل ، أو التشييع على المذهب الشيعي الاثني عشري ، الذي يمنح آياته العظمى قدرات “إلهية” ، من خلال السيطرة على العقول و الأفكار و يتحولوا لرعاع بصدق الكلمة الفعلي و ليس كمجاز.
ومهما حاول موالو الأسد و إيران إخفاء ما يحدث بإلباسه لبوس غريبة، لايمكن أن يغير من واقعية مايحدث ، فإخلاء داريا لأجل المقام المزعوم “سكينة” ، وضرب طوق رهيب حول “السيدة زينب” و التوسع به بدوائر متتابعة ، و حلقات قد تصل للقصر الجمهوري، و الزج بآلاف المقاتلين بحجة الحماية ، يرافقهم آلاف مخترقي العقول لتحقيق الغزوين الفعلي و الروحي، كل ذلك لتدمير بنية المجتمع السوري.
تركز عدسات الوكالات الإيرانية الفاعلة في دمشق أكثر من وسائل اعلام الأسد ، على الفئات العمرية الصغيرة في تغطيتها لفعاليات ما يقال عنها “بالحسينيات” لترسيخ فكرة هامة ألا وهو أن دمشق هي شيعية و ليست سنية ، ولاحتى مسيحية ،إذ أن فحوى خبر أوردته “فارس” يتحدث عن حي باب توما بأن فيه من الشيعة الكثر ، وقدموا أكثر من ١٥٠ قتيل، أي كل ما هو موجود في “دمشقنا” هو عبارة عن وهم ، و همُ الحق و الحقيقة.
في تسارع الخطط و سرعة ظهور النتائج ، يبقى حال الثوار على ماهو عليه ، راكداً خانعاً و منشغلاً بمن "يخالفني"في التوجه و الرؤية ، والتفسير الشرعي حول هل نحن مجاهدين أم مقاتلين ، هل قضيتنا هي صراع بين الحق و الباطل الظاهر ، و بين صراعات الحق النسبي فينا بيننا ، و في ظل هذه “المعمة” تضيع دمشق بين “عهرين”.
حسناً فعل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تنظيمه مؤتمراً عن دور الجيش في السياسة في البلاد العربية، فالواقع أن تاريخ هذه السياسة في جميع الأقطار لا ينفصل عن تاريخ الجيوش وتكوينها، ومنذ القرن التاسع عشر بالنسبة لبعض الأقطار. ومن الصعب فهم كثير من مسائل السياسة العربية بمعزل عن فهم هذا الدور وأسبابه ومآلاته، بل أصبح هذا الدور يتجاوز اليوم، مع تفاقم أزمة الدولة العربية، مسألة تفرّد القادة العسكريين بالسلطة، كما حصل حتى الخمسينيات من القرن الماضي، وينزع إلى ما أطلق عليه مدير عام المركز العربي، الدكتور عزمي بشارة، في محاضرته الافتتاحية الغنية، عسكرة الدولة والمجتمع، ما يعني تلويث النظام الاجتماعي بأكمله، وتفريغ المجتمع من دينامياته المختلفة لصالح ضبطه عسكرياً وأمنيا من الداخل. وفي اعتقادي، أن الأمر يتجه، اليوم، إلى أبعد من ذلك، ويجنح إلى ترسيخ عقيدة التمييز شبه العنصري ضد المجتمع، وتفقد الدولة طابعها الوطني، وتتحوّل إلى أداة للسيطرة في يد أليغارشية واحدة، تجمع بين جميع أصحاب المصالح والنفوذ من النخب العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتتخلى عملياً عن مفهوم الدولة الوطنية لصالح دولة النخبة الخاصة. ولا يمكن ضمان ذلك، من دون تقديم الخيار العسكري، أي الأمني والمخابراتي، لتنظيم المجتمع، على أي خيار آخر. وهذا ما كنت قد أثرته وحذرت منه، في كتاب "المحنة العربية: الدولة ضد الأمة" التي نشر في أول التسعينيات من القرن الماضي.
وعلى سبيل المساهمة في هذه النقاشات المهمة التي لن نتوقف بالتاكيد عن تناولها في السنوات المقبلة، رأيت من المفيد الإشارة إلى ملاحظاتٍ متعلقة بتناول هذه الإشكالية الكبرى.
الأولى، أن من غير الممكن فهم الموقع الذي يحتله الجيش، من دون وضعه في سياق العلاقات مع المؤسسات الأخرى، السياسية والاجتماعية. بمعنى آخر، المؤسسة العسكرية جزء من بنية
الدولة ومن منظومتها، ولا تتشكل وتتحرّك في الفراغ. ولا يستقيم فهم الدور الذي وقع على كاهل النخبة العسكرية، من دون فهم تطور الدولة نفسها وإعاقة تكوينها، في المشرق العربي خصوصاً، فهي، في نظري، لا تزال نموذجاً للدولة غير المنجزة. وبالتالي، لا تزال مؤسساتها، بما فيها العسكرية، غير ناجزة، كما لا تزال الاختصاصات والوظائف التي ترتبط بها غير محدّدة وغير مميزة أيضا. وعلى الرغم من تعدّد مؤسساتها، تفتقر دولنا لنخب متعدّدة سياسية واقتصادية وعسكرية متميزة ومدركة حدود صلاحياتها وأصول عملها، والمهام الخاصة المكلفة بها. وتكاد تختصر بنخبةٍ هلاميةٍ واحدة، تفتقر للتكوين والتأهيل الجدّي، وعلى استعداد لشغر أي منصبٍ في إطار نزاعٍ على السلطة والنفوذ، لا تحكمه قواعد ولا معايير ولا أصول ثابتة، فليس من المؤكد أن العسكري يدرك معنى كونه عسكرياً، ولا السياسي يعرف غاية عمله في السياسة، ولا يقبل أيضا المفكّر أو رجل الدين حدود صلاحياته ومهامه. كلٌّ يسعى، في إطار الصراع غير المقنن على النفوذ والمواقع والمنافع، أن يثمر رصيده، مهما كان نوعه، من أجل التقرّب من السلطة والمشاركة في ملكية دولةٍ تحولت هي نفسها إلى بضاعة، وشيء، ومصدر موارد، وفقدت فكرتها الأساسية كإطار شرعي وقانوني لتنظيم حياة الناس، وترتيب شؤونهم وخياراتهم العامة. ولذلك، تماهت جميع النخب في بنيةٍ واحدةٍ، تشبه الكائن وحيد الخلية، تختلط داخلها، وفي ذهنها الصلاحيات، وتضيع المسؤوليات، ولا يميز عملها سوى السعي الدائب إلى توسيع دائرة المنافع الشخصية والنفوذ. وهذا هو أيضاً السبب الكامن وراء انقساماتها وتعدّدها الشكلي وعداواتها الدائمة ونزاعاتها، واحتقار بعضها العميق بعضها الآخر.
والملاحظة الثانية أن الجيش لم يكن مؤسسةً مستقلةً بذاتها ولو نسبياً. وبالتالي، ليس هناك مؤسسة عسكرية حية مدركة وظيفتها، وصاحبة مبادرة في ما يتعلق بها. جميع مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش، أجسام جامدة، تفتقر لوعي خاص بمهامها وأصول عملها، وإلى نخبٍ مؤمنةٍ بها وبغاياتها، وإلى حيز من الاستقلال داخل الدولة، يطوّر هويتها، وينمّي لديها القدرة على بلورة أجندتها الخاصة، لتشارك بإيجابية مع غيرها من مؤسسات الدولة في صياغة القرار العمومي. ولأنها كذلك، فهي تبقى جثةً هامدةً، أو قوالب فارغة من المشروع والرسالة. وبالتالي، عرضة للاستباحة والاحتواء من جميع المبادرين والمغامرين من الجماعات الطموحة للاستيلاء عليها، وتسييرها لصالحها، مهما كانت منابتهم ووظائفهم الأصلية أو الشكلية، وسواء أكانوا مدنيين أو عسكريين. ودور الجيش يختلف باختلاف القوى الداخلية أو الخارجية التي تسطو على مؤسستها، وتضعها في خدمة مشاريع سلطتها السياسية، أو الاقتصادية، أو الأيديولوجية.
الملاحظة الثالثة أنه، مع تدهور وضع الدولة القانونية، وسيطرة النزاعات المتعدّدة بين النخب على النفوذ والسلطة، بدل تمايزها وتقاسمها الصلاحيات والمسؤوليات في إطار الوحدة، لم تعد هناك دولة مؤسسية مستقلة عن النظام، وتتحكّم في سير السلطة، أو تحكم ممارستها حسب أصول وقوانين مرعية، وتضبط حسب الدستور علاقات مؤسساتها ونخبه المتميزة في ما بينها. أصبح النظام هو الدولة الحقيقية التي تخترق الدولة وتوجهها، وتشترط قواعد عملها، وصارت إرادة السيد الأوحد الذي يتحكّم بالنظام هي القانون الذي يحكم الدولة نفسها، وصار الرئيس أو الأمير سيد الوطن، أي صاحبه ومالكه والمتصرّف به. وهذا ما يفسّر سبب تراجع نموذج الدولة في البلاد العربية مع مرور الوقت، بدل أن يتطوّر نحو دولةٍ مكتملة الوظائف والأوصاف والمهام، فالدولة لم تعد سوى أداة من أدوات الصراع على السلطة بين أجنحة النخبة المتنافسة، كالحزب والطائفة والقبيلة والأجهزة الأمنية، ومزرعة لشراء الأنصار والمحاسيب، وليست مؤسسةً لتحقيق برنامج بناء أمة وضمان مصالح المجتمعات، وتمكينها من الاندراج في حضارة عصرها، ومشاركتها في صوغ السياسات العالمية. بمعنى آخر، ليست المشكلة في الجيش. ولكن، في الدولة التي لا تملك وسائل الحيلولة دون سقوط ما يمثله الجيش من قوةٍ منظمةٍ عنفيةٍ في يد "عصابةٍ"، أو طغمةٍ تتحكّم بالمجتمع وتخضعه لإرادتها ومصالحها.
والملاحظة الرابعة أنه لا يمكن إصلاح الجيش، وتقنين دوره في المجتمع، من دون إصلاح الدولة، أو بالأحرى إعادة بنائها على أسسٍ قانونيةٍ، تضمن فصل السلطات الدافع إلى إنتاج نخبٍ اجتماعيةٍ متميزة ومتكاملةٍ لا متنازعة. كما لا يمكن تطوير ثقافة التخصص والاحتراف في السياسة والإدارة والحرب والاقتصاد، من دون تطوير نموذج الدولة نفسها، وتحويلها من دولةٍ رافعةٍ لنخبة متميزة إلى دولةٍ لجميع مواطنيها، وفي خدمتهم والارتقاء بشروط حياتهم المادية واللامادية. وهذا هو المقصود من الدعوة الديمقراطية، فالصراع من أجل الديمقراطية هو صراع على تملك الدولة: دولة عامة الناس وعمومهم، أم دولة الخاصة، وأداة تمايزهم وتخصيصهم.
والنتيجة ربما كان ما يميز الأوضاع العربية اليوم، في أغلب أقطارنا، ليس تغوّل الجيش على الدولة أو المجتمع، وإنما تغول أوليغارشية جامعة لكل أصحاب النفوذ والسلطة والمال، والتأييد الخارجي على الدولة والمجتمع والجيش معاً، وجميع المؤسسات الأخرى وتحييدها، لصالح مؤسسةٍ خفيةٍ وغير منظورة، تخترق المؤسسات جميعاً وتستعمرها وتحركّها من الداخل، هي الدولة الموازية التي لا تختلف عن العصابة الخاصة، والتي يشكّل تعطيل الدستور والقانون وإلغاء السياسة والمجتمع المدني وآليات التضامن الاجتماعي على تعدّدها وتنوعها، شرط وجودها واستمرارها، كما تشكل الأجهزة الأمنية سداها ولحمتها.
أردت من ذلك أن أقول إن الدور الذي احتله الجيش في الحياة السياسية العربية لا يُفهم إلا من خلال علاقة المؤسسة العسكرية بمؤسسات الدولة الأخرى، وعلاقة الدولة نفسها بالنخبة الحاكمة والطبقة التي تستند إليها. فالانحراف الذي شهدته الجيوش العربية، أو أغلبها، عن مهامها الدفاعية لا ينبع من تاريخه الخاص وبنيته، وإنما هو جزء من إشكالية أوسع، هي أزمة علاقات السلطة داخل الدولة العربية نفسها، سواء بسبب نقائص هذه الدولة، وانعدام أفق تحولها إلى دولةٍ مكتملة، تعمل لصالح سكانها لا نخبها، أو بسبب النزاعات التي لا حل لها بين النخب المتنافسة على السيطرة الشاملة، أو في هشاشة مؤسسات الدولة وافتقادها الحياة، وانعدام روح المسؤولية العامة لدى النخب التي تحرّكها. تغوّل الجيش هو التعبير الأمثل عن تهلهل الدولة، وفشلها في أداء مهامها الأساسية، وافتقادها إلى التماسك والنضج السياسي والتنظيمي معاً، لا عن تكوّن نخبة عسكرية حقيقية.
وترجع أزمة علاقات السلطة التي تفضي إلى تضارب الصلاحيات والمسؤوليات، وتحول دون نضوج المؤسسات وامتلاكها هويتها الخاصة واستقلالها الذاتي، وفاعليتها، إلى مشكلةٍ أكبر، تتعلق بانسداد طريق تطور الدولة نفسها، وتحولها من مؤسسةٍ خاصةٍ لخدمة مصالح مالكيها، من نخبة الجيش والأمن والمال والاعلام المتحدة والمحاربة، إلى مؤسسةٍ عمومية، ملك مواطنيها، أي، بمصطلح الأدبيات السياسية الحديثة، إلى دولة أمة. وهذا ما أدى إلى أن تنحط الدولة إلى مستوى أداة استيلاء واحتلال، وحوّل الجيش، بما يمثله من رصيد القوة والعنف، إلى مليشيات خاصة، كما هو واضح اليوم في سورية والعراق، بمقدار ما رد "الشعوب" المجرّدة من السلاح إلى حال الأقنان التابعين والعبيد. وما نشهده، في هذه الحقبة، هو بالأحرى زوال دور الجيش، وصعود نجم المليشيات الأهلية، بموازاة تفكّك الدولة وموت السياسة.
أما تحليل أسباب هذا الانسداد فهو موضوع نقاش آخر.
لم يعد أحد يجادل في أن معادلات القوة في العالم تغيرت خلال السنوات الخمس الماضية. الحديث ليس فقط عن مسارات النفوذ العالمي، والذي كانت تحتكره الولايات المتحدة الأميركية عقدين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بل أيضاً في مجال استعراض القوة العسكرية الذي لم يكن أحد يقارع فيه الولايات المتحدة. لكن، من الواضح أن الأمور متغيرة بشكل كبير في المرحلة الحالية، خصوصاً بعد اتخاذ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خيار الانكفاء عن الملفات العالمية، والانكفاء إلى الداخل الأميركي، ما أفسح المجال أمام القوة الروسية بالصعود.
استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا المجال أحسن استغلال، فمن التدخل المباشر في الحرب السورية، وما تلا ذلك من مجازر وتدمير، إلى مناكفة أوروبا على الساحة الأوكرانية، غير آبه بكم العقوبات التي فرضت على بلاده، والتي يبدو أنها جاءت بمفعول عكسي، إذ زادته غطرسةً، وهو ما يمارسه فعلياً على الأرض سياسياً وعسكرياً، وأمام أنظار الغرب بأسره الذي بات واضحاً توجهه إلى استرضاء الروس في كل صغيرة وكبيرة عالمياً، وليس فقط في الساحة السورية.
استرضاء جعل روسيا قطباً سياسياً أساسياً في العالم، وربما أصبحت متقدمةً على الولايات المتحدة في هذا المجال، بفعل أوراق القوة التي تمتلكها على أكثر من ساحة. لكن، يبدو أن هذا لم يشبع بوتين بعد، وربما يرى فيه تحولاً مؤقتاً لا بد من تكريسه عملياً وبشكل دائم.
تكريس بحاجة، بحسب ما يعتقد بوتين، إلى حدث ضخم وأساسي يقلب الموازين فعلياً في العالم، تماماً كما كان الأمر في أعقاب الحربين العالميتين، الأولى والثانية، واللتين ساهمتا عملياً في أفول إمبراطوريات وظهور أخرى على الساحة العالمية. ففي الحرب العالمية الأولى، كانت النهاية الفعلية للإمبراطورية العثمانية، والتي تقاسمت تركتها الدول الحليفة، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا. ثم جاءت الثانية لتعلن نهاية هاتين القوتين الأساسيتين في ذلك الحين، على الرغم من انتصارهما عملياً في الحرب، بعدما باتتا مدينتين للولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً. وبالتالي، كانت الحرب الثانية بداية صعود القوة الأميركية التي استمرت قرابة سبعة عقود.
مثل هذه القراءة التاريخية هي التي تدور في ذهن بوتين اليوم، وإنهاء عصر الإمبراطورية الأميركية، وبروز الروسية على أنقاضها بحاجة إلى حدثٍ ضخم على غرار الحربين العالميتين السابقتين، وهو عملياً ما يحضر له سيد الكرملين الذي يقرأ ملامح الضعف الواضحة في المعسكر الآخر. من الواضح أن بوتين يحضر فعلياً لمثل هذه الحرب، سواءً عبر استفزاز الأطراف الأخرى، ولا سيما الولايات المتحدة، أو من خلال الحشد العسكري واستعراض العضلات الذي يقوم به على الساحة السورية، والتي يرى أن منها، أو على أرضها، ستكون المواجهة الأساسية. وعلى هذا الأساس، كان إرسال مزيد من البوارج الحربية والمقاتلات النفاثة، ونشر منظومة "أس 300" المضادة للصواريخ، والتي بالتأكيد لم تأت لمواجهة صواريخ غراد التي حصلت عليها المعارضة المسلحة أخيراً. أضف إلى ذلك التهديدات المباشرة التي بات يطلقها الجنرالات الروس للولايات المتحدة، والتي لم يسبق أن سمعها المسؤولون الأميركيون، إلا في إطار الحرب الدعائية التي تشنها كوريا الشمالية على سبيل المثال، والتي لم تكن تؤخذ على محمل الجد. أما اليوم، فها هم المسؤولون العسكريون الروس يهدّدون باستهداف أي تحرك عسكري أميركي على الأرض السورية، والذي من شأنه أن يزلزل المنطقة.
بناء عليه، كل معطيات الحرب العالمية التي تريدها روسيا باتت جاهزة، باستثناء عنصر واحد، وهو الطرف الآخر المحارب. فمن الواضح أن: لا الولايات المتحدة، ولا أي من حلفائها، في وارد الدخول في مثل هذه الحرب حالياً. وهذا ربما ما يثير جنون بوتين الذي يريد حربه العالمية الخاصة.
ثمّة إشارة ذكية في مقالة الصحافي البريطاني، ديفيد هيرست، في موقع "عربي 21" عن معركة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في حلب، وتتمثّل في الدلالات السياسية والرمزية والاستراتيجية المترتبة على سقوط حلب، بالكامل، في يد النظام السوري وشركائه الإيرانيين، بفعل التدخل العسكري الروسي العنيف الذي يشبه، إلى درجةٍ كبيرةٍ، ما حدث في غروزني من "سياسة الأرض المحروقة".
دلالات القضاء على المعارضة، إن نجح الأمر بالطبع، في حلب الشرقية، وإجراء هندسةٍ ديمغرافيةٍ فيها شبيهةٌ بما جرى في حمص وريف دمشق، وهجرة من تبقوا من "السوريين" (الأغلبية السنيّة) إلى مناطق أخرى، وربما إلى الخارج، ذلك يعني أنّ حاضرةً ومدينة تاريخية مهمة من المدن السنيّة العربية المشرقية استولت عليها إيران ومعها نظام بشار الأسد الذي أخذ صبغة طائفية بحتة.
لا أودّ (أنا) ولا أنتم أن نقرأ المشهد بهذه الطريقة، أي الطائفية، لكنّها القراءة التي ستسود، للأسف، لدى ملايين السنّة، وهي التي ستغذّي خطاب "داعش" وجبهة النصرة والتطرّف السني الذي أصبح "الرد الوحيد" على هذا النفوذ الإيراني والتحالف الجديد (موسكو- طهران)، مع الفراغ الاستراتيجي في المنطقة، وغياب أي نظام إقليمي عربي فاعل، وتراجع الدور التركي بصورة ملحوظة.
مع السياسات الإيرانية الكارثية في المشرق التي تمزج الطائفية بالسياسة والنفوذ الإقليمي، فإنّ المشاعر التي ستسود هي التي تحدّثنا عنها سابقاً، وسيغلي الماء في القدر أكثر وأكثر، مع وجود استعداداتٍ كبيرة وتسريباتٍ معتبرة عن أنّ معركة الموصل وانتزاعها من يد داعش أصبحت على الأبواب، وتستعد قوات الحشد الشعبي، ذات الصبغة الطائفية، لتنفيذ المهمة، وللسيطرة عليها، كما حدث في الفلوجة والرمادي ومدن سنيّة أخرى.
تاريخياً، مدن العراق والشام هي الحواضر السنيّة الأكثر أهمية، من بغداد إلى دمشق، والموصل وحلب، فإذا وقعت جميعاً اليوم في قبضة الحكومات المرتبطة بالنفوذ الإيراني والروسي، وفي ظل حالة الطائفية المرعبة التي تجتاح المنطقة، فإنّ سقوط حلب سيكون بمثابة "نقطة تحوّل" ليس باتجاه انتصار النظام السوري وشركائه، والوصول إلى تحقيق حلم "سورية المفيدة" بالسيطرة على المدن السورية (دمشق، حلب، حمص وحماة) وترك البادية والصحراء للآخرين، بل ستكون منعطفاً نحو انفجار كارثي للصراع والطائفية ولتطريف المجتمع السني، على الأقل في العراق وسورية، مع نسبةٍ كبيرةٍ من الشباب العربي المنفعل بهذه التطورات، وبخيبة الأمل والإحباط من ضعف الدول العربية ومحدودية قدرتها على الردّ.
ليست القضية في "شرق حلب" بعدد المقاتلين المتبقين، ولا بحجم وجود جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) فيها، كما يزعم المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بل في أنّ سقوط هذه المنطقة التي صمدت، إلى الآن، في مواجهة آلةٍ عسكريةٍ إجرامية دموية، يعني رمزياً انفجار مشاعر عارمة محبطة وخيبات أمل كبيرة من المجتمع السني، وتعزيز الشعور بتهديد الهوية السنية في المنطقة العربية، وإذا ما انضمت الموصل إلى حلب لاحقاً، فإنّ الهزيمة العسكرية لـ "داعش" ستتحوّل إلى انتصار معنوي كبير لكل القوى المتشدّدة!
هل نبالغ في هذا التقدير لردود الفعل أو للنتائج المترتبة على هذه المقامرات الدولية والإقليمية في كل من سورية والعراق؟ لو كان البديل عن "داعش" أو حتى في حلب والمدن الأخرى هي أنظمة ديمقراطية، أو بالحدّ الأدنى وطنية لها درجة من الاستقلالية، فسيكون كل ما سبق بمثابة مبالغة وتهويل، وألقوا به في سلّة الإهمال. لكن، إن كان البديل، كما حدث في بغداد ودمشق والمدن الأخرى، وسيحدث، لاحقاً، إن تحقق في المدن المتبقية، هو نظام طائفي سافر، ترتفع فيها الرمزيات الطائفية، ويخضع لطهران، وتنضم المدن الجديدة السورية إلى العراقية، فإنّ ما يُسمى في الأدبيات الغربية "التمرّد السني" سيصبح "الخيار الرئيس" لنسبةٍ كبيرة من الشباب العربي!
ليس هناك ما هو أشد إثارة للغضب من لجوء سياساتٍ دوليةٍ مسؤولةٍ إلى ما يرتكبه "داعش" من جرائم، لكي تنسينا جرائم مماثلة، أو أشد، ترتكبها "داعشيات" دولية وإقليمية وأسدية، تمسك بتلابيب منطقتنا وتفتك بشعوبها، تفوق فظاعاتها فظاعات "داعش" أو تماثلها، على الرغم من أن بعض هذه الداعشيات هي جهة دولية تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن الدولي، وتنفذ جرائمها بأحدث التقنيات العسكرية التي تستهدف أبرياء السوريين، وتغمرهم بأنماط من الإرهاب لا يجاريها فيها أحد، لكن يتم تجاهلها بحجةٍ مضحكة هي التركيز على محاربة الإرهاب. والآن:
ـ ماذا نسمي ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وإطلاق جنود "جيش الدفاع" النار على أطفال في مقتبل العمر، والإجهاز عليهم حتى وهم جرحى أو أسرى، بينما يتفرّج العالم على ما يجري كأنه ليس إرهاباً، بل ويقبل حجج القتلة التي تدحضها كاميرات وشهادات صحافيين عرب وأجانب، يؤكدون أن القتلى كانوا عزّلاً، وأن الجنود أطلقوا النار عليهم على الشبهة، وليس لأنهم هاجموهم، أو كانوا يحملون سكاكين؟
ـ وماذا نسمي ممارسات الحشد الشعبي في العراق الذي تحميه المرجعية والحكومة، ونشر صور يظهر فيها "مجاهدوه" وهم يحتفلون بإحراق أشخاص علقوهم على شجرةٍ كالخراف، ثم أشعلوا النار فيهم، وشرعوا يستمتعون بمنظرهم وهي تلتهمهم؟ لماذا لم يغضب العالم كما غضب يوم أحرق "داعش" الطيار الأردني معاذ الكساسبة؟ هل صمت لأنه سعد بضحكات القتلة وسخريتهم من ضحاياهم؟ أليس هؤلاء القتلة "دواعش" بامتياز، فلماذا يسمح لهم بمواصلة استباحة حياة مئات آلاف العراقيين الذين كان "داعش " قد طردهم من منازلهم، ويمنعهم هؤلاء من العودة إليها، لمجرد أنهم لا ينتمون إلى مذهب "مجاهدي" الحشد الذين نافسوا "داعش" على اغتصاب النساء، وتسبّبوا في انتحار كثيرات منهن؟ أليست أفعالهم "داعشية" إجرامية من أحط طراز؟
ـ وكيف لا يسكت "العالم الحر" عن دور جيش الأسد في تعليم الداعشيين فنون الإجرام على أصولها؟ ألم ير صور دفن مواطنين سوريين أحياء، لأنهم لم يقولوا إن بشار الأسد، وليس الله، هو ربهم؟ ما معنى ألا يعامل النظام كما يُعامل "داعش"، إذا كان قد ذبح أطفالاً أمام أهليهم، وألقى أسراً كاملة من أعلى المبانى إلى الشوارع وهم أحياء؟ وما معنى موافقة أميركا على بقاء الأسد رئيساً، إن كانت تتهمه بالإرهاب وتحارب "داعش"؟
ـ أخيراً، أليس من الداعشية أن تستخدم روسيا أفتك الأسلحة ضد نساء وأطفال وشيوخ ليسوا مسلحين أو محاربين، ولم يعلنوا "الجهاد" ضد الكرملين أو يتظاهروا في موسكو، مطالبين بإسقاط عبد الأمير أبو تين؟ أليست جرائم القتل الجماعي التي تستهدف السوريات والسوريين إرهاباً، أم أن الإرهاب حكر على "التنظيمات، حتى إن مارسته الدول". لذلك، تشن أميركا الحرب على تنظيماته، وتسكت عن قيام جيشي روسيا وجيش إيران به، بل وعن عصابات القتل العابر للحدود التابعة لهما؟ هل تسكت واشنطن، لأنها موافقة على سحق مقاومي بشار الأسد ومخابراته "المندسين" في صفوف الشعب، وتؤيد أن تطهرها موسكو وطهران منهم، وإن استعارا وسائلهما من "داعش"؟ ثم ما المشكلة إذا كانت جرائم الإرهابيين مجرد لعب أطفال بالمقارنة مع ما أنجزاه من أعمال؟
كيف كان "العالم الحر" سيقبل أعمال البر والإحسان الروسية والإيرانية والأسدية، لو أن "داعش" لم يحجب جرائمهم بجرائمه، وتغطي إرهابيي الحشد الشعبي ومرتزقة الأسد؟ وهل كانت هذه الجهات ستنافس "داعش" في الإجرام، لو لم تتمتع بضوء أخضر، يسمح لها بقتل أعداد غفيرة من بسطاء الناس في سورية والعراق وتصفيتهم، وعلى امتداد المنطقة؟
إذا كانت الداعشية تتخطى اليوم تنظيم داعش، وتشمل دولةً كبرى هي روسيا، وإقليميةً هي إيران، والعصابة الحاكمة في دمشق. لماذا لا تشملها الحرب ضد الإرهاب التي تشن منذ عام ونصف ضد "داعش"؟ ولماذا هذا التمييز بين إرهابٍ يحارَب، وآخر يرحَّب به، ويعتبر سياسة شرعية، على الرغم مما يحمله من تهديد لأمن العالم وسلامه، ويتصف به من طبيعة فوق داعشية. أخيراً، هل نحارب داعشيةً تقتل الأفراد، ونقبل أخرى، أشد قوة وإرهاباً منها، تقتل الشعوب؟
يبدو أن العلاقة بين روسيا والغرب دخلت مرحلةً جديدة، يمكن تسميتها مرحلة المد الروسي، بعد عقود من الانحسار عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، فبعد اختفاء الأخير ورثته روسيا، لكنها كانت حينها منهكةً ومهدّدةً بحركات انفصالية داخلية، فضلاً عن أزمة اقتصادية خانقة. ولولا البعد الإستراتيجي لتركة الاتحاد السوفييتي التي ورثتها روسيا وحدها لما استقام أمرها. ذلك أن هم الولايات المتحدة الإستراتيجي، مباشرة بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي، كان إفراغ باقي الجمهوريات السوفييتية السابقة من الأسلحة النووية، وتركيزها في يد روسيا دون سواها، للحيلولة دون الانتشار النووي. وقد نجحت الولايات المتحدة في هذا المسعى الذي يصبّ أيضاً في مصلحة روسيا الضعيفة منهكة القوى، ما سمح لها بأن تتصرّف وكأنها قوة كبرى، على الرغم من ضعفها.
موازاةً مع مشكلات روسيا الداخلية الاقتصادية والسياسية، توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً، على الرغم من تنديدها ومعارضتها ذلك، وسار على خطاها الاتحاد الأوروبي. واتضح من التوسع الأطلسي أن روسيا لم تخسر فقط مناطق نفوذها في أوروبا، بل أصبحت أيضاً مطوّقةً بحزام أطلسي، على مقربةٍ من حدودها الغربية. وطوال تسعينيات القرن الماضي، والعقد الأول من القرن الحالي، شاهدت روسيا عاجزةً "الناتو" يتوسع شرقاً. وعلى الرغم من اتفاق باريس الموقع بين الطرفين في 1997، اعتبره بعضهم بمثابة الإعلان الحقيقي لنهاية الحرب البادرة، والذي تم بموجبه إنشاء مجلس الشراكة الأطلسي-الروسي، إلا أن الشك المتبادل بقي السمة الأساسية للعلاقة بين الطرفين، على الرغم من إقرارهما بأن عهد الحرب الباردة قد ولى. والسبب ليس فقط الإرث الثقيل لعقود الحرب الباردة، وإنما توسع الحلف شرقاً، وسياسة روسيا في جوارها الأقرب، وسعي بعض دول أوروبا الشرقية المنضمة حديثاً إلى "الناتو" إلى دفعه إلى اعتبار روسيا تهديداً إستراتيجياً للحلفاء.
على كلٍّ، بدا المشهد مختلاً تماماً: روسيا ضعيفة في مقابل غرب قوي يتوسع شرقاً عبر الذراعين العسكرية (الناتو) والاقتصادية (الاتحاد الأوروبي). إلا أنه بعد حوالي عقدين من الانحسار الروسي، بدأت الأمور تتغير شيئاً فشيئاً، وبدأت روسيا تسترجع تدريجياً المبادرة في علاقاتها مع القوى الغربية. بدأت مرحلة المد الروسي مع المواجهة العسكرية مع جورجيا في العام 2008، والتي ندّد بها الغرب بشكل واسع. تسببت هذه المواجهة، فيما تسبّبت، في تعليق التعاون بين "الناتو" وروسيا، إلا أن أكبر مواجهةٍ سياسيةٍ، وحتى عسكريةٍ، عبر أطرافٍ ثالثة بين روسيا والغرب، ستندلع بعد حوالي 22 سنة بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي. يتعلق الأمر بالصراع حول أوكرانيا التي تحوّلت إلى مسرحٍ للصراع بين الطرفين. وتعد الأزمة الأوكرانية (حرب أهلية، ضم روسيا كريميا...) دلالة على بلوغ التوسع الغربي حدوده القصوى، والتحمل الروسي سقفه الأقصى، بل ودلالة على عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية، بعد أن تحسنت ظروفها الاقتصادية بشكل ملحوظ. ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وروسيا تزاوج في سياستها حيال الغرب بين الاستعراض والاستفزاز، استعراض عضلاتها العسكرية دليلاً على عودتها القوية عالمياً.
بعد أن حسمت جزئياً الأزمة الأوكرانية لصالحها، من دون أن يعني ذلك تسويةً للأخيرة. وبالتالي، تأمين جوارها الشرقي الأقرب، تبنّت روسيا استراتيجية مماثلة دولياً بولوجها الأزمة السورية عسكرياً، وبشكل مباشر، بعد أن كانت تكتفي بدعم النظام السوري سياسياً وتسليحه. اغتنمت التدخل العسكري الجوي الغربي في سورية والعراق لمحاربة "داعش" لتدخل هي الأخرى على الخط. بالطبع، يتغنى الجميع بالحرب على الإرهاب. لكن، لكل طرفٍ أهدافه التي لا علاقة لها بالإرهاب. بتدخلها العسكري المباشر إلى جانب النظام السوري، قلبت روسيا الحسابات السياسية، وحتى موازين القوى في المسرح العسكري السوري، وأصبحت الشريك الأساسي الذي لا يمكن الاستغناء عنه، للبحث في أي تسوية سلمية للأزمة. وفضلاً عن مبرراته المباشرة، لا سيما العلاقة "التحالفية" التقليدية بين روسيا وسورية، يندرج التدخل الروسي ضمن إستراتيجيةٍ أشمل، وهي تصفية حساباتٍ مع القوى الغربية التي طمعت، حسب المنظور الروسي، في بسط نفوذها على الإقليم الأقرب جغرافياً وسكانيا (أوكرانيا) من روسيا. ومن ثم، فهذه الأخيرة تحارب في سورية، وعيونها أيضاً على أوكرانيا، فهي تريد أن تدعم تقدّمها في لعبة الشطرنج هذه مع القوى الغربية.
يدل هذا الاستعراض للقوة الروسية الذي انتقل من الجوار الأقرب إلى الشرق الأوسط، والذي لم يشهد له مثيلاً، حتى في عز الحرب الباردة، إلى عودتها قوةً كبرى على الساحة الدولية، وانخراطها في رهاناتٍ وصراعات نفوذ عالمية، كانت سنين حكراً على القوى الغربية دون سواها. وفي بعض الأحيان، يتحوّل هذا الاستعراض للقوة إلى نوعٍ من الاستفزاز، كما يدل على ذلك تحليق مقاتلات روسية على مقربة من السواحل الفرنسية (المقابلة للسواحل البريطانية والمتاخمة للإسبانية) ولمرتين في أقل من عامين، قبل أن ترافقها مقاتلاتٌ فرنسية، وتجبرها على الابتعاد من المجال الجوي الفرنسي، والعودة من حيث أتت. ويبدو أن هذه المقاتلات قادرةٌ على حمل صواريخ نووية، لكنها لم تكن مزودةً بمثل هذه الصواريخ لدى تحليقها بالقرب من السواحل الفرنسية. فضلاً عن هذا، حلقت، في أبريل/ نيسان الماضي، مقاتلاتٌ روسية على مسافةٍ اعتبرتها الولايات المتحدة قريبة جداً من مدمرةٍ أميركية في المياه الدولية في بحر البلطيق.
تثير كل هذه الحوادث المتتالية تساؤلاتٍ عن أهداف هذه الاستفزازات الروسية. قد تكون محاولةً لاختبار رد فعل الدول الغربية، أو ببساطة استفزازها لدفعها إلى ارتكاب خطأ تستغله روسيا في دعايتها في وجه الدعاية الغربية. بصفةٍ عامة، تشير كل هذه المعطيات إلى عودة قوية لروسيا على الساحة العالمية. ما يعني أن الولايات المتحدة في مواجهة قوتين مختلفتين من حيث الطبيعة: الروسية العسكرية التي استعادت عافيتها والصينية الصاعدة. إنها دلالات تحوّلات القوة العالمية، وتقلبات المشهد الدولي.