مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٦ نوفمبر ٢٠١٦
سورية والتحول من نظام رئاسي إلى برلماني

تبدو المبادرات الأوروبية تتحرك في مساحة ضيّقة، لكنها، في الوقت نفسه، المساحة المعنيّة باتخاذ قرار في الحرب السورية موقعاً، والمتعددة الجنسيات واقعاً، فحراك فيدريكا موغريني (منسّقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي)، أخيراً، باتجاه طهران ثم الرياض، قد ينمّ عن انفراجةٍ ما ربما تتوقّعها السيدة المنسّقة، بحيث تتمكّن من خلالها من العبور باتجاه حل سياسي، بتحويل الحديث عن مصير الأسد إلى حديثٍ آخر، يتعلق ربما بشكل النظام الجديد للدولة السورية.

البحث فيما وراء ما تطرحه المبادرة الأوروبية، بخصوص قابلية الحديث عن نظام جديد للحكم في سورية، والذي يبدأ من إيران، وهي الطرف المعني مباشرةً بتحديد مصير الرئيس السوري، والتعامل مع تحديد صلاحياته، وبعدها في عواصم دول مؤثّرة على الجانب الآخر من الحل، مثل الرياض، ولاحقاً أنقرة وربما الدوحة، تجري ضمن حلقة تواصل مع المبعوث الأممي، ستيفان ديميستورا، أيضاً، الذي لن يدخر جهداً في لقاءاته المتنوعة مع أطيافٍ معارضة وشبه معارضة وموالاة في استشراف رؤيتهم وقابليتهم للتفكير من جديد، بشكل عملي وبراغماتي، في خرق حالة المراوحة في المكان، والغرق باتجاه الاستعصاء الكلي الذي ظل يتمحور حول مصير الأسد.

وبعيدا عن حالة "الفوبيا" التي تراودنا، أو معظمنا، من كل طرحٍ جديد يخالف أو يختلف عن تصوراتنا للحل السياسي، لا بد من التمعّن بالأفكار أو الاقتراحات المطروحة، ومراجعة اختباراتها التاريخية، ما يفيد بعقد مقارناتٍ واقعيةٍ بين ما تطرحه المبادرة، بخصوص تحويل النظام السياسي في سورية إلى نوع من حكم برلماني أو رئاسي ـ برلماني، علماً أن سورية مرّت بفترة حكم مماثلة، بعد الاستقلال عام 1946 وقبل حكم حزب البعث في 1963.

اللافت أن رؤية المعارضة التي قدمت في مؤتمر لندن (يوليو/ تموز 2016) تتحدث عن نظام حكم رئاسي بكل معنى الكلمة، ما يفسّر تعاملها مع صلاحيات الرئاسة التي ترغب بانتقالها من يد الأسد إلى هيئة حكم انتقالية غير محددة الملامح، بعبارة "كاملة الصلاحيات"، من دون التفحص في معاني هاتين الكلمتين أو تداعياتهما.

بديهي أن الأمر يتطلب نزع صلاحيات الرئيس، والانتهاء من حكم الاستبداد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أو الذي يطرح على المعارضة التي قدمت تلك الرؤية، ما هي ضمانة عدم إعادة إنتاج الاستبداد، مع رئيس آخر، أو مع طغمة حاكمة أخرى؟

الواقع أن الثورة السورية، وهذا ما يسهو عنه كثيرون، مطالبة ليس فقط بإنهاء حكم الاستبداد، وإنما بالتأسيس لنظام حكم آخر، يضمن عدم إعادة إنتاجه أيضا، وهذا لا يمكن حسمه، أو القطع معه، إلا بوضع دستور جديد لنظام حكم جديد، يؤسس لدولة المواطنين الأحرار المتساوين، دولة المؤسسات والقانون، وليست دولة الرئيس أو الحاكم. وبديهي أن ينصّ هذا الدستور على الفصل بين السلطات، التشريعية والقضائية والتنفيذية، والتسليم بأن السلطة والسيادة هي للشعب من خلال ممثليه المنتخبين، وفق قانون انتخابي جديد، يقوم على التمثيل النسبي الذي يتيح أوسع مشاركةٍ سياسيةٍ وأوسع تمثيل، ويضمن عدم هيمنة طرفٍ على طرف آخر، أغلبية أو أقلية، إضافة إلى التأكيد على مبدأ تداول السلطة، والحق في المشاركة السياسية، وضمنها حرية الأحزاب ووسائل الإعلام.

عدم إعادة إنتاج نظام الرئيس، أو الحاكم الفرد، يتطلب ـ أيضاً، ليس انتزاع الصلاحيات منه، وتكريس الفصل بين السلطات، فحسب، إذ يفترض أن يتم حسم ذلك عبر التخلّي عن النظام الرئاسي، والتحوّل نحو نظام برلماني، بحيث يصبح الرئيس في منصب بروتوكولي، ويقوم بتكليف الجهة (الحزب أو الائتلاف) الأكثر تمثيلاً في البرلمان برئاسة الحكومة، وتسيير دفة الحكم. يمكن أن يحصل الأمر نفسه، أيضا، مع وجود نظام رئاسي وبرلماني، بحيث يتم تقسيم الصلاحيات بين الرئيس المنتخب من الشعب، ورئيس الحكومة (المنتخب من البرلمان)، وقد يحصل أن الرئيسين من حزب واحد أو من حزبين مختلفين، على غرار ما يجري في الجمهورية الفرنسية. وطبعا، يمنع هذا النظام تمركز السلطة عند أيّ من الرئيسين، ويمكن أن يضفي نوعاً من الحيوية على النظام السياسي، ويعزّز من وضع السلطة في حقل التداول، كما يعزّز من شأن المشاركة السياسية.

من المفيد إدراك أنه لا يوجد نظام سياسي لا يوجد فيه عيوب، أو لا توجد فيه سلبيات، وهذا بديهي، لكننا هنا نتحدث عن النظام الأقل سوءا، أو الأقل سلبيةً، أو الأكثر تناسباً مع أوضاعنا على ضوء التجربة التي عشناها، واختبرناها وجرّت علينا كل هذه الكوارث.

ما أقصده أن على المعارضة السورية أن تتلقّف مثل هذه المبادرة، بل وعليها أن تتبناها، وهذا يجعلني أطرح سؤالاً عن أسباب عدم تفكير المعارضة من الأساس بهذا المخرج الذي يجنّب الصراع السوري عقدة كبيرة، تتمثل في موقع الرئاسة، ولا سيما أن الثورة السورية لم تستطع إسقاط النظام، وأن الوضع الدولي والإقليمي لا يسير وفقاً لأطروحاتها؟

المساعي الأوروبية بشأن فتح آفاق إيجاد شكل جديد لحكم سورية، والذي لا بد سيجد صداه عند المبعوث الأممي ديميستورا وفريقه، وبناءً على الملاحظات التي أبدتها بعض القوى السياسية على رؤية المعارضة للحل، وخصوصاً فيما يتعلق بشكل الحكم الرئاسي والصلاحيات الواسعة للهيئة الانتقالية التي من المفترض أن تحل مكان الرئيس، من دون رقيب عليها من أي جهة كانت، بما في ذلك المؤتمر الوطني، يضعنا، نحن المعارضة، أمام مسؤولياتنا في التعاطي الإيجابي مع فكرة عدم تركيز السلطات والصلاحيات بيد شخص، أو حتى جهة، لنستطيع تحقيق الغاية الأساسية للثورة، وهي إسقاط منظومة النظام الذهنية أولاً، كي لا يكون منتج الثورة مجرد تغيير أسدٍ لإنتاج غابة من الأسود التي تتأهّب للوثوب.

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٦
حكمة السعودية في مواجهة الخطر الإيراني أنقذتنا من الكارثة!

نعم نحن في مواجهة غير متكافئة، مواجهة بين عصابات تقودها وتمولها وتدربها وتزرعها إيران في المنطقة العربية لأهداف فاقت أهداف إسرائيل الاستعمارية لتتحول إلى هلال شيعي يبدأ في إيران ولا يبدو أنه يكتمل في لبنان!

هذا الهلال الشيعي الذي تربص بدولنا العربية، والمؤسسات التي حاولت في كل الأوقات أن تعمل بهدوء وتتعاطى مع الإرهاب الإيراني بالحكمة والدبلوماسية، بعيداً عن التشنجات الطائفية والكيدية، ما جعلنا فعلاً في مواجهة غير متكافئة، فهذه المواجهة بين جهات تسعى جاهدة إلى فرض الهدوء والأمن والاستقرار داخل المجتمعات العربية والإسلامية، وبين جهة تسعى إلى إشعال نار الفتنة الطائفية والتقسيم!

لو افترضنا قيام السعودية بدعم التنظيمات الإرهابية كالقاعدة، وتبنيها ودعمها بالمال والسلاح، وتوجيهها لضرب الداخل الإيراني ومصالح طهران في العالم، فهل كانت إيران تجرؤ على التمادي في توسعها الطائفي في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين؟ لقد كان للمملكة العربية السعودية الدور الأبرز في محاربة الإرهاب ومنع انتشاره والقضاء على مخططاته في السعودية وعدد من الدول، ورفضت المملكة إعطاء الشرعية لأي فصيل إرهابي حتى من باب الكيدية مع إيران، فقابلتها إيران بمزيد من التعنت والتآمر والتمادي في دعم مجموعة إرهابية، كان أولها حزب الله، وتلاها الحشد الشعبي في العراق، ووصل هذا الدعم لمجموعات طائفية في البحرين، وبعدها الحوثي في اليمن، والذي نفذ انقلاباً على السلطة هناك تنفيذاً لأوامر إيرانية صريحة، ودعم عسكري إيراني غير محدود بالسلاح والمال والمستشارين العسكريين، ليعلن حيدر مصلحي وهو وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة أحمدي نجاد أن جمهوريته باتت تسيطر على أربع عواصم عربية، هي بغداد وصنعاء وبيروت ودمشق.

نعم يعود الفضل للسعودية ودبلوماسيتها التي احتوت تمادي إيران لسنوات، حتى وصلت هذه الأيادي الخبيثة إلى البحرين واليمن، فكان لا بد للمملكة من القيام بتحرك عسكري يذكر طهران وقادتها أن في السعودية قيادة بحجم حكمتها وصبرها، فهي مستعدة أيضاً للمواجهة والدفاع عن أرضها وأراضي العرب والمسلمين، وأن حلم الخميني باحتلال العواصم واحدة تلو الأخرى وتصدير ثورته الطائفية إليها لن يتم في عهد سلمان بن عبد العزيز والقيادة السعودية الحاكمة والمتزنة!

من هنا نجد أن الخطط الإيرانية لم تأخذ بعين الاعتبار هدوء السعودية في التعاطي معها، واعتبارها جمهورية إسلامية، يجب عدم إذكاء الفتنة الطائفية بيننا وبينها، بل اعتبرت أن هدوء وحكمة السعودية ضعف إلى أن أعلن خادم الحرمين الشريفين انطلاق عاصفة الحزم لاسترداد الشرعية في اليمن، وإنهاء حالة التمرد والانقلاب هناك، والتأكيد على أهمية استقرار أمن مملكة البحرين ومحاربة الإرهاب فيها، ومعاقبة حزب الله في لبنان عبر وقف كافة الدعم السعودي للجمهورية اللبنانية، عسكرياً بسبب سياسات الحكومة وتبعية حزب الله لمشروع إيران الطائفي، وسعيه إلى مساندة الحوثي في اليمن ونظام الأسد في قتل الشعب السوري وتحريضه الدائم على السعودية ودول الخليج العربي.

من يراقب الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط وكيفية إدارة السعودية لهذه الأزمات من مصر إلى البحرين مروراً بباقي الدول العربية، يدرك تماماً أنه لولا حكمة وهدوء القيادة السعودية، وسعيها لوأد الفتنة الطائفية لكانت المنطقة تشهد اليوم حرباً هي الأضخم منذ الحرب العالمية الثانية تتسبب بقتل المسلمين لبعضهم بعضاً، وهذا ما تتجنبه المملكة وتعمل جاهدة على عدم الخوض به والقضاء على أي آمال بالوصول إلى هذه المرحلة!

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٦
لماذا لا يتعلم العرب من التاريخ القريب قبل البعيد؟

هل كانت الثورات شعبية فعلاً، أم إن ضباع العالم استغلوا مظالم الشعوب ودفعوها للثورة، لكن ليس لإسقاط الطغاة وتحقيق أحلام الشعوب في الحرية والكرامة، بل لتحقيق مشاريع القوى الكبرى في بلادنا من تدمير وتخريب وتهجير وإعادة رسم الخرائط، كما فعل المستعمر الغربي بنا قبل حوالي مائة عام عندما حرضنا على ما يسمى بالثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، ووعدنا بالحرية والاستقلال، ثم تبين لنا لاحقاً أنه استخدم العرب كأدوات للتخلص من العثمانيين كي يحل محلهم في استعمار المنطقة وإعادة تقسيمها واستغلالها؟

ليس هناك شك بأن معظم بلادنا العربية تحتاج إلى ألف ثورة وثورة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ولا شك أن من حق الشعوب أن تطالب بحقوقها وبتحسين أوضاعها والتخلص من طغاتها. هذه بديهيات لا نجادل فيها أبداً، لكن السؤال الذي يجب أن نسأله الآن بعد أن بدأت تتضح نتائج ما أسماه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالربيع العربي: هل كان هذا الربيع يهدف فعلاً إلى مساعدة الشعوب للتخلص من الظلم والطغيان وبناء دولة الحداثة والديمقراطية والمدنية التي ضحكوا علينا، وأغروا الشعوب بها؟ الأمور دائماً بخواتيمها. والخواتيم أمامنا صادمة جداً، لا بل تفضح مخططات ومشاريع كل الجهات التي حرضت الشعوب على الثورات.

شتان بين أجندات الشعوب وقياداتها وطلائعها الثورية، وبين القوى الخارجية التي دخلت على خط الثورات، أو حرضت على اندلاعها. لا شك أن الذين ثاروا في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن والعراق كانوا فعلاً يريدون أن يطالبوا بأبسط حقوقهم الإنسانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يكونوا يطمحون إلى أكثر من قليل من أوكسجين الحرية ولقمة عيش نظيفة غير مغمسة بالذل والخنوع. لكن حتى هذه المطالب البسيطة والصغيرة التي شجعها ضباع العالم كانت لو تحققت يمكن أن تقض مضاجع هؤلاء الضباع الذين تخيفهم أي صرخة ألم تطلقها الشعوب المقهورة، فهم يعرفون تمام المعرفة أنه ما أن تبدأ الشعوب تتحرر شيئاً فشيئاً، فلا شك أنها ستبدأ بمراقبة ثرواتها الوطنية، وستبدأ بالمطالبة بتوزيع الثروة ومساءلة كل من يتلاعب بمصائر الأوطان لإرضاء أسياده ومشغليه في الخارج. لهذا، لم تكن القوى الخارجية التي بدت وكأنها مناصرة للثورات في البداية تريد بأي حال من الأحوال نجاح أي ثورة، بل كانت تدفع الشعوب إلى المحارق لأغراضها الخاصة، وليس أبداً من أجل انتشال الشعوب من براثن الاستبداد والطغيان. إن التشجيع الدولي للثورات في بداية الأمر كان الهدف منه ضبط حركة الثورات بما يتناسب مع مصالح وحوش العالم بالدرجة الأولى. وهل هناك طريقة لإعادة الشعوب إلى زريبة الطاعة أفضل من الظهور بمظهر الصديق لثورات الشعوب؟ بالطبع لا.

هنا بدأ يظهر من سموا أنفسهم بأصدقاء الشعب السوري مثلاً. وعندما تسمع مثل هذا الاسم، لا شك أنك تستبشر خيراً، وتأخذ الانطباع أن هناك قوى حية في العالم تقف إلى جانب القضايا العادلة، وتناصر مطالب الشعوب المسحوقة. لكن هيهات، فالوحوش لا يمكن أبداً أن تكون رحيمة، بل عاشت وما زالت تعيش على اللحوم والدماء، وبالتالي لا يمكن أن يأتي منها سوى البلاء والخراب.

انظروا الآن إلى تلك القوى الشريرة التي ظهرت بمظهر المناصر للربيع العربي. ماذا قدمت للشعوب الثائرة؟ هل فعلاً ساندتها للتخلص من الطغاة والظالمين فعلاً، أم إنها كانت إما تريد أن تقضي على بعض الحكام كي تستولي على ثروات بلادهم كما هو الحال في ليبيا، أو أنها تريد أن تقضي عبى بعض البلدان والأوطان، وتترك الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب كمغناطيس لجذب كل الجماعات التي يمكن أن تساهم في تخريب البلدان وتدميرها، كما هو الحال في سوريا.

بعبارة أخرى، لم يكن الهدف أبداً مساعدة الشعوب وتخليصها من الطواغيت أبداً، بل لا نبالغ إذا قلنا إن ما يسمى بالربيع العربي الذي ضحك به علينا الرئيس الأمريكي المنصرف أوباما لم يكن سوى محاولة لإسقاط الأوطان لا الأنظمة، بدليل أن الذي سقط في سوريا فعلاً هو سوريا الوطن، والذي تشرد هو سوريا الشعب، بينما ما زال النظام جاثماً على صدور السوريين، ليس لأن ضباع العالم يحبونه، بل لأنهم يستخدمونه كأداة تدمير وتخريب.

ويجب ألا ننسى مشروع الفوضى الخلاقة أو بالأحرى الهلاكة الأمريكية الذي بشرتنا به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، والتي كانت تهدف أمريكا من خلاله إلى نشر الفوضى بهدف إعادة رسم الخرائط وإعادة توزيع المصالح وتدويرها. وقد وجدت أمريكا في بعض الطواغيت الطريقة الأمثل لتنفيذ الفوضى. باختصار، لقد أرادتها الشعوب ثورات لإسقاط الطغاة والطغيان، بينما أرادتها القوى الخارجية معولاً لإسقاط الأوطان.

شتان بين الثوار والداعمين، فبينما يسعى الثوار للتغيير والإصلاح فعلاً، فإن الداعمين للثورات ليسوا دائماً فاعلي خير، بل ربما في كثير من الأحيان يستخدمون مظالم الشعوب لتحقيق غاياتهم قبل غايات الشعوب الثائرة. وهذا ما حصل على ما يبدو حتى الآن للأسف.

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٦
زمن ما بعد العرب

هل نحن في الطريق إلى ما قبل أم ما بعد سايكس بيكو؟ عندما نتأمل تدخلات إيران الانقلابية التي تطاول مجمل دول المنطقة العربية، كيانات وبنى، ونتابع تفوهات أتباعها من إرهابيي الحشود الشيعية الموالية لها، والدوافع الحقيقية لقيامها، مجتمعة ومتفرقة، بغزو سورية، ونفكر بإصرار مليشيا حزب الله، مثلاً، على خوض معركته ضد شعبنا، حتى النهاية، كما تعهد قائدها حسن نصر الله، وحين نستمع إلى تصريحات نوري المالكي، رجل إيران الأبرز في العراق، حول معنى صيحة "لبيك يا حسين"، وقوله إنها لن تقف عند نينوى، بل ستشمل حلب واليمن أيضاً، ونستمع إلى ما كرّره وراءه قتلة الحشد الشيعي حول تصميمهم على نقل حربهم ضد أحفاد قتلة الحسين من العراق إلى سورية، وننتقل من قادة تنظيمات الإرهاب إلى الإرهابيين من قادة الدول، بدءاً ببشار الأسد في دمشق المحتلة، مروراً بقادة موسكو وضاحية بيروت الجنوبية وبغداد وطهران الذين يفاخرون بحربهم ضد الشعبين، السوري والعراقي، بحجة أنهما شعبان إرهابيان، وفي المقابل، ما أن نتأمل السياسات التركية التي تعلن تارة أن لديها خرائط تثبت تخليها في عشرينيات القرن الماضي عن أراض تركية في العراق وسورية، منها الموصل وحلب، وتقول، تارة أخرى، إنها لن تسمح لأحد بتقاسم المنطقة في غيابها أو على حسابها، فإننا نجد أنفسنا حيال سياسات متناقضة ظاهريا، لكنها تدور حول موضوع واحد، يضع تأمله يده على الخلفيات الحقيقية التي حالت دون إنهاء الصراع في سورية وعليها، وحوّلته أكثر فأكثر من صراع محلي إلى صراع عربي/ إقليمي/ دولي مفتوح بوسائله ورهاناته على حروبٍ تقف وراء انخراط إيران وموسكو المباشر فيه، وتعامل بلدان الخليج المتحفظ بصور شتى معه، بعد تباعده المتعاظم عن دعم مطالبة الشعب السوري السلمية بالحرية وتغيير النظام الأسدي.

تدور جميع الأفعال التي نراها اليوم، ومعظم تصريحات المشاركين في حروب منطقتنا، حول إعادة هيكلة مكونات ودول منطقتنا عامة، والمشرق العربي بصورة خاصة. هذه نتيجة دخول قوة جديدة إليها، تمثلها إيران، بما لها من توابع محلية، نظمتها عسكرياً وسياسياً، وفصلتها من مجتمعاتها ووضعتها في مواجهة مباشرة، ومتعدّدة الأنماط معها، وأوكلت إليها، منذ قرابة ثلاثين عاماً، مهام تناط عادة بكتائب عسكرية ترابط في أراض معادية خارج وطنها. ومثلما أعاد حزب الله إعادة هيكلة السلطة في لبنان، ووضعها تحت وصاية المرشد الإيراني خامنئي وإشرافه، وربطها بخطط ومصالح طهران المباشرة، تريد إيران تقاسم المنطقة، بحيث تتفق حصتها منها وحجم وزنها الخارجي واختراقاتها الداخلية للمجتمعات العربية، المشرقية اليوم والخليجية غدا، اعتمادا على نهجٍ يستخدم آليات سيطرة متراتبة ومتنوعة، نجحت في وضع يدها على العراق وسورية بفضلها، وشرعت تديرهما كولايتين إيرانيتين، كما صرح أكثر من مسؤول إيراني، فضلا عن السيطرة بالواسطة أو من الباطن، بمعونة ما لها في البلدان المعنية من مليشيات احتلالية، مثل مليشيا حزب الله والحوثيين. والحال، بقدر ما يحكم الملالي قبضتهم على المشرق وجنوب الجزيرة العربية، وينجحون في كسب أو تحييد مصر، وعزل السودان واختراقه، بقدر ما ستتعاطم فرص انتقالهم، من الحكم بالواسطة، إلى السيطرة المباشرة على البلدان الخاضعة اليوم لكتائبها، المرابطة في لبنان واليمن. ماذا يعني هذا؟ له معان متعددة، منها:

أولاً، ما يجري في سورية والعراق ليس غير مدخل إلى توطيد وجود إيران الاحتلالي في البلدين، وتحويله إلى احتلال شامل برضى حكامهما الذين صار وجودهم ومصيرهم مرتبطاً بطهران التي تعمل لشرعنة هذا الوضع، ولكسب الاعتراف الدولي به. بما أن حسم المعركة في البلدين وعليهما يحولهما، بقدر ما يكتمل، إلى قاعدتين لتدخلٍ أوسع في بلدان عربية أخرى، يجري اليوم استكمال مراحله النهائية، عبر إيصال ميشال عون إلى رئاسة لبنان، بما يرجح أن يترتب عليه من انتقال أوضاعه إلى حقبة مغايرة من نواحٍ عديدة، للحقب التي مر بها منذ استقلاله، بما في ذلك حقبة احتلاله أسدياً. ومثلما قفزت إيران من قاعدتها العراقية إلى منصتها السورية، ستقفز في فترة غير بعيدة من قاعدتها السورية إلى الأردن وفلسطين والخليج، ومن دمشق وبغداد إلى تركيا. عندئذ، ستجد شعوب المنطقة نفسها أمام عمليات اقتلاع وإبادة من النمط الذي جربه الملالي والأسد والروس ضد شعب سورية.

ثانياً، ستتبدل بنية المنطقة إلى الحد الذي يعيدها إلى فترة ما قبل سايكس/ بيكو التي قسمت المشرق العربي إلى دول حول حراك شعوبها بعضها إلى كياناتٍ وطنية، كالعراق وسورية، الدولتان المستهدفتان اليوم بتبدل يطاول بنيتهما السكانية والحكومية والعقائدية، والحجة: إحداث تغيير جذري فيهما يمنع دول الخليج من دعم الثورة السورية، "بؤرة الإرهاب ومنتجته" في لغة الملالي والأسد وبوتين، التي لا بد من كسرها، لأنها تقاتل، عن وعي أو غير وعي، لإحباط خطة اقتسام المشرق إيرانياً وأسدياً، وحماية وحدة دوله ومجتمعاته، وأخذها إلى الحرية والاستقلال، والكرامة والمساواة والعدالة. في فهم إيران، لن يكون هناك بالضرورة سورية مفيدة، لأن إيران ترفض أن تقتصر حصتها عليها، وتضع يدها اليوم على سلطتها، وتقاتل في معظم الأرض السورية، لتشطب وجود صاحبها، أي شعبها، وتقضي على ثورتها.

ثالثاً، ستلد الحرب المتعددة الأطراف على بلادنا، وفيها حروب متعاقبة ستنتشر إلى بلدان الخليج وتركيا، التي أعتقد أنها ستنخرط فيها، لأنها ستوضع أمام خيارين، أحلاهما مر، هما: استباق الحرب، كي لا تدخل إليها، أو اتخاذ موقف دفاعي، هدفه البقاء خارجها، لكن الخيار الثاني لا يضمن أن لا تنتقل الحرب إليها، من خلال اختراقات إيران أو سورية والعراق: قاعدتا طهران اللتان ستتوليان هذه المهمة أيضا.

رابعاً، علينا اليوم، كسوريين، مواجهة خطة التدمير والاحتلال التي تلعب إيران الدور الأكبر فيها، وتنفذها بتصميم واستماتة، ولن ننجو من نتاىجها الوخيمة دون إعادة نظر عميقة وعقلانية في رؤيتنا وممارستنا الصراع، محلياً، وضد طهران وموسكو، وفي بنى تنظيماتنا السياسية والعسكرية، لأن هذا شرط نجاحنا في حماية مجتمعنا ودولتنا، ولمنع إدماجها في الكيان الإيراني، وحكمها من الباطن بواسطة نظم مذهبية، أو يعاد إنتاجها مذهبياً، لتخضع مجتمعات أعيدت هيكلتها طائفياً، تأتمر سلطاتها بأمر المرشد، وتنفذ ما يطلبه منها، مثلما يفعل حزب الله في لبنان. تتخطى الصراعات الدائرة اليوم الصراع الداخلي بين النظام والشعب، الذي رسمنا مواقفنا انطلاقا منه، ويتخلق بديل خارج هذه الثنائية، تختلف النتائج التي ستترتب عليه أشد الاختلاف عن الثورة، لن يبقى في حال نجاحه شيء على ما هو عليه اليوم في بلادنا ومنطقتنا، سواء في ما يتصل بمجتمعاتها أم بدولها أم بعقائدها، بحيث نجد أنفسنا حيال انقلابٍ سيطوي، إذا ما نجح، تاريخنا. ومن يتابع ما عاشته الأسابيع القليلة الماضية من أفعال وأقوال، سيضع يده على دلائل تشير إلى أننا ذاهبون، في حال قرّرت إيران مصير التطورات، إلى ما بعد سايكس/ بيكو، وربما إلى ما قبل العرب (!).

اقرأ المزيد
٥ نوفمبر ٢٠١٦
مدخل إلى النظام السياسي في إيران


لا يمكن فهم النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية من غير الرجوع إلى السياقات العامة التي اندلعت من خلالها الثورة الإيرانية في العام 1979، والتي بدورها أسست لنظام سياسي متميز في شكله ومضمونه عن غيره. وبالعودة إلى الوراء قليلا، من المهم التأكيد على أن الثورة الإسلامية في إيران التي وقعت في نهاية عقد السبعينيات من القرن العشرين قد اتخذت لها مساراً مغايراً عن النموذج الثوري الذي كان سائداً في العالم الثالث آنذاك والذي تمثل بالثورة على الأنظمة الرأسمالية الموالية للغرب وإحلال أنظمة حكم شمولية اشتراكية. لم تكن الثورة الإسلامية بتدبير من المعسكر الشرقي الاشتراكي ضد المعسكر الغربي الرأسمالي، بل كانت ثورة نابعة من عمق المجتمع الإيراني؛ والديني منه على وجه الخصوص، ومتجهة بمشروع معد مسبقاً إلى إحلال نظام إسلامي، يقوم على نظرية الولي الفقيه التي تعتبر التمظهر الأكثر تطوراً في بنية العقل السياسي الشيعي.

لم يكن  الخميني – وهو الأب الروحي لنظرية الولي الفقيه – يقصد من ثورته الاكتفاء بالاطاحة بنظام ملكي موالي للغرب فقط، بل كان يهدف إلى تأسيس دولة، ونظام سياسي يقوم على نظرية سياسية ثيوقراطية، والتي شهدت مسارات من التطور عبر التاريخ حتى وصلت إلى شكلها الناضج والعملي على يديه. فقد تم الدمج ولأول مرة في تاريخ المذهب الشيعي بين المنصب السياسي والمقام الديني في منصب واحد، وبيد رجل واحد. ومن هنا يمكن الاطمئنان إلى الافتراض الذي يقول: بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحديثة هي امتداد للدولة الصفوية مع اختلاف بسيط هو أن الفقيه كان يقوم بدور مانح الشرعية للحاكم في الدولة الصفوية بينما أصبح هو الحاكم ذاته في الجمهورية الإسلامية.


ومن هناك لم يكن مفهوم الدولة وفق نظرية الولي الفقيه مقتصراً على الإدارة الوظيفية لمؤسسات الدولة الشرعية بل تعداه إلى فرض حالة من الوصاية الوجدانية على الشعب، والتحكم في تصوراته ومنطلقاته الدينية والشخصية، ولذلك لم يكن مستغرباً أن يتم النص في دستور الجمهورية الإسلامية على أن يكون الرئيس الإيراني منتمياً لمذهب الدولة الرسمي وليس دينها الرسمي، فالرئيس يجب أن يكون شيعياً اثنى عشرياً وليس مسلماً فقط. وفي ذات السياق، فالوالي الفقيه الذي تعود إليه كل السلطات يعتبر الحاكم السياسي والمرشد الديني في الوقت ذاته، فهو نائب الإمام المعصوم الغائب وفق العقيدة الاثنى عشرية، والنيابة رغم أنها نيابة وظيفة لا نيابة مقام إلا أنه تمنح الولي الفقيه سلطة الإمام في كافة المجالات، ولذلك يكتسب موقعه نوعاً من القداسة تجعل من أحكامه ذات صفة ألوهية.

ومع ذلك لم يكتف الولي الفقيه بقداسة موقعه لاحكام قبضته على مقاليد الحكم؛ ففي نهاية المطاف فإن الدول لا تحكم فقط بكلمة الله بل بأنظمة ومؤسسات قادرة على ضبط النظام وتسير عجلة الاقتصاد والتنمية، ومن هنا كان تميز النظام الإيراني الإسلامي في إنشاء وتكوين المؤسسات والأجهزة الشرعية الكثيرة والمتداخلة فيما بينها والتي من شأنها أن تعمل على تركيز السلطة في يد طبقة واحدة هي طبقة الفقهاء، وتحصن موقع الولي الفقيه، وتضمن استمرار واستقرار نظام الحكم والثورة. فعلى سبيل المثال تم إنشاء الحرس الثوري كقوة عسكرية موازية بل ومتفوقه على القوات العسكرية النظامية؛ وإنشاء مجلس صيانة الدستور ليكون وصياً على مجلس الشورى (البرلمان)، ثم إنشاء مجمع تشخيص مصلحة النظام ليبت في الخلافات التي قد تقع بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور.


مجلس خبراء القيادة في إيران - عام 2014
أما من حيث موقع إيران على خريطة النظام الدولي، فقد حاول الخميني أن يرسم لإيران خطاً مغايراً بعيداً عن التنافس بين المعكسرين الشرقي – السوفيتي، والغربي – الأمريكي، حيث كان شعار الثورة الإيرانية منذ البداية :"لا شرقية ولا غربية بل حكومة إسلامية"؛ وفي حين جعل من الولايات المتحدة العدو الأول لإيران والثورة، ونعتها بالشيطان الأكبر، حاول أن يحافظ على مسافة أمان من الاتحاد السوفيتي دون العمل على استفزازه، فقد كان للمعسكر الشرقي أهمية خاصة لإيران، فبعيد المقاطعة الغربية للنظام الثوري الإسلامي، وجدت إيران في الأسواق الاشتراكية متنفساً اقتصادياً لها. إن الحياد، وعدم الدوران في فلك أي من العسكرين الشرقي والغربي، كان من أهم ركائز السياسة الخارجية للإمام الخميني.

آمنت إيران الثورة بأن النظام الدولي القائم على القطبين لا بدَّ وأنه قد وصل لنهايته، فمع ظهور الجمهورية الإسلامية كان هناك قطب ثالث قائم على النموذج الإسلامي (الشيعي) قد أخذ في الظهور والتمدد. ومن هنا تبنت إيران مبدأ تصدير الثورة كواحد من الركائز الرئيسية الأخرى في سياستها الخارجية، فقد جادل الإيرانيون بأن الأنظمة القائمة على مبدأ الثورة الإسلامية قادرة على تشكيل نموذج موازي للنموذجين السائدين آنذاك في النظام الدولي، بالاضافة إلى أن الدول التي سوف تتبنى هذا النموذج من شأنها أن تتعايش بسلام. فمن حيث المبدأ فكما أن الدول الديمقراطية لا تتحارب فيما بينها، رأى الإيرانيون أن الدول الثورية أيضا لا تتحارب فيما بينها.

في النهاية علينا التأكيد بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر دولة وثورة في آمن واحد، وهي وإن لم تتخل عن الثورة فإنها لم تهمل بناء الدولة. كما أنها كيان له مشروع يسعى لتحقيقه. وبالرغم من تداخل المنطلقات الدينية والسياسية في تحديد سلوكها السياسي سواء مع الفاعلين الخارجيين أم الداخليين، فإن إيران لا شك تبقى دولة لا يمكن تجاهلها في أي ترتيبات إقليمية، وهي كغيرها من اللاعبين تسعى لتعزيز قوتها ونفوذها بما يضمن لها أمنها واستقرارها، فهي بذلك لا تشذ عن غيرها من الدول في النظام الدولي القائم، ولا بدَّ من التعامل معها ضمن هذه المحددات الواقعية للوصول ربما لتفاهمات أو صيغ يمكن أن تعيد الاستقرار إلى المنطقة من جديد.

تتميز تركيبة منظومة صنع القرار الإيراني بثنائية المؤسسات والاستراتيجيات، حيث يقابل كل مؤسسة للدولة مؤسسة للثورة ولاؤها الأول والأخير للولي الفقيه.

أولاً: المؤسسات السياسية

فيما يلي تفصيل صلاحيات ومسؤوليات أهم المناصب في النظام السياسي الإيراني وفق حجم السلطات.

1- المرشد الأعلى (غير منتخب)

الولي الفقيه أو المرشد الأعلى منصب أحدثه الخميني بعد انتصار الثورة الإيرانية، ويعدّ المنصب السياسي الديني الأعلى في البلاد حيث يقوم من يشغره بنيابة "الإمام المهدي" حتى خروجه في آخر الزمان. مهامه الدينية هي الإفتاء والبتّ في الأحكام، أمّا سياسياً فلديه كافة الصلاحيات الدستورية التي تخوّله تخطي وتعطيل كافة المناصب والقرارات الرسمية عدا قرار عزله الصادر عن مجلس الخبراء.

يتمّ انتخاب المرشد الأعلى من مجلس الخبراء، وتمتد ولايته مدى الحياة نظرياً وفقاً للمادة (111) من الدستور. ويحقّ للمجلس عزله إذا ثبت عجزه عن أداء وظائفه القانونية، أو فقده لأحد مكونات أهليته المنصوص عليها في الدستور.

يحدّد الدستور مسؤوليات وصلاحيات المرشد الأعلى كالتالي:

تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من:
فقهاء مجلس صيانة الدستور.
رئيس السلطة القضائية.
رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية.
رئيس أركان القيادة المشتركة.
القائد العام لقوات حرس الثورة الإيرانية.
القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.
تنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث.
المصادقة على تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب.
تحديد السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجتمع تشخيص مصلحة النظام.
الإشراف على تنفيذ السياسات العامة.
تعيين ستة أعضاء ستة من مجلس خبراء القيادة المكون من اثني عشر شخصاً.
إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
قيادة القوات المسلحة.
إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
عزل رئيس الجمهورية.
العفو العام وإلغاء عقوبات الإعدام.
2- الرئاسة (منتخب)

يعتبر رئيس الجمهورية أعلى مسؤول رسمي في البلاد بعد مقام المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية. وهو صاحب المسؤولية عن تنفيذ الدستور ورئاسة السلطة التنفيذية، إلا فيما يتعلق بمسؤوليات المرشد الأعلى. ويُنتخب رئيس الجمهورية لفترة مدتها أربع سنوات بوسيلة التصويت المباشر من الشعب، وليس لديه الحق في تولّي منصبه أكثر من مرتين.

صلاحيات رئيس الجمهورية:

رئاسة السلطة التنفيذية، وهذا يعني أنه يقوم مقام منصب رئيس الوزراء وحصر صلاحيات السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية فقط.
تعيين وعزل الوزراء، بشرط موافقة مجلس الشورى.
الإشراف على هيئة التخطيط والميزانية.
قيادة مجلس الأمن القومي.
تنص المادة 115 من الدستور على ضرورة توافر الشروط التالية في منصب الرئيس:

إيراني الجنسية
ذو إدارة وحنكة وافية
حسن السلوك والأمانة
مؤمن بالمبادئ الأساسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية
يعتنق المذهب الرسمي للبلاد
3- السلطة القضائية (غير منتخب)

لا تخرج السلطة القضائية عن السياق العام لآلية الحكم في إيران وتبعيتها المباشرة للولي الفقيه، ومهمة السلطة القضائية بحسب الدستور إحقاق العدالة، ويرأسها شخص مجتهد وعادل ومطلع على الأمور القضائية يعينه المرشد الأعلى لمدة خمس سنوات. وتطبّق السلطة القضائية الأحكام الشرعية وفق المذهب الشيعي الجعفري، وتمّ ذلك في سنة 1984 بعد إلغاء كافة القوانين الوضعية السابقة انسجاماً مع المرسوم الذي أصدره الخميني عام 1982.

صلاحيات رئيس السلطة القضائية:

تنصيب وعزل القضاة،
نقل وتحديد وظائف وترفيع القضاة،
تشكيل المحكمة العليا للبلاد
الإشراف على صحة تنفيذ القوانين في المحاكم وتوحيد المسيرة القضائية وأدائها لمسؤولياتها القضائية.
4- السلطة التشريعية (منتخب)
ا. مجلس الشورى:(البرلمان)
وينص الدستور على المهام التالية للبرلمان:

إعداد التشريعات،
إعلان الحرب،
منح الحقوق الخاصة بإقامة قواعد عسكرية،
المصادقة على المعاهدات الدولية،
الموافقة على إعلان حالة الطوارئ في البلاد،
الموافقة على القروض ودراسة الموازنة السنوية وإجازتها،
عزل رئيس الجمهورية ووزرائه المعينين من قبله.
تتجدد ولاية البرلمان كل أربعة أعوام، ويضم 290 عضواً منتخبين عن طريق الاقتراع الحر المباشر، ويجب أن تتوفر شروط التالية في المرشح:

إيراني الجنسية
ألا يقل عمره عن 25 عاماً، وألا يزيد عن 85 عاماً
الحصول على أغلبية مطلقة
الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور
 ب. مجلس خبراء القيادة:

مجلس خبراء القيادة الإيرانية هو أحد الأفرع التشريعية في البلاد من صلاحيته صيانة الدستور وتعيين المرشد الأعلى الثورة الإسلامية في إيران، ويتألف حالياً من 86 عضواً يتمّ انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثماني سنوات. عين أول مجلس خبراء عام 1979 من 70 عضواً بأمر من الخميني لمراجعة مسودات الدستور تجهيزاً لطرحه لاستفتاء شعبي. ارتفع عدد أعضائه إلى 83 عضواً عام 1982 ليعكس عدد السكّان حيث يحق لكل محافظة انتخاب عضو إضافي لكل 500 ألف نسمة فيما لو زاد عدد سكّانها عن المليون، ورفع مؤخراً إلى 86 عضواً ليس فيهم امرأة واحدة، وغالبية هؤلاء الأعضاء من رجال الدين.

يتمّ انتخاب أعضاء مجلس الخبراء بواسطة اقتراع شعبي عام ويجتمع أعضاؤه في دورة عادية مرة واحدة كل سنة. وتبلغ مدة مجلس الخبراء ثماني سنوات. وأعضاؤه غير ممنوعين من تولّي المناصب الحكومية المختلفة.

 
آية الله أحمد جنتي الرئيس الحالي لمجلس صيانة الدستور
أحد أفرع السلطة التشريعية وأقواها لما يتمتع به من حق نقض القوانين الصادرة عن البرلمان إذا تنافت مع مبادئ الشريعة الإسلامية، أو مبادئ الثورة الإيرانية وفق المادة 98 من الدستور. يعين المرشد الأعلى نصف أعضائه المكونين من 12 فرداً فيما يعين رئيس السلطة القضائية نصفها الآخر، علماً أنه رئيس السلطة القضائية يرشحه رئيس الجمهورية ويصادق على تعيينه المرشد الأعلى.

5- مجمع تشخيص مصلحة النظام (غير منتخب)

هيئة استشارية يتم تعيين أعضائها الـ 39 من قبل المرشد الأعلى ويسند إليها مهمتين رئيسيتين وفق المادة 112 من الدستور الإيراني وهي حل الخلافات والأزمات الواقعة بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، وتقديم النصح والمشورة للمرشد الأعلى.

6- مجلس الأمن القومي الإيراني (غير منتخب)

مهمته الدفاع عن الثورة الإسلامية ومصالح البلاد الاستراتيجية ويترأسه رئيس الجمهورية، ويضم كبار القيادات العسكرية والسياسية والقضائية. ويختص مجلس الأمن الوطني الأعلى بتعيين السياسات الدفاعية والأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحددها المرشد الأعلى، فينا ينسق النشاطات السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالأمن والدفاع وفق المادة 176 من الدستور.

عدد أعضائه 13 عضواً وهم رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس الأركان، القائد العام لقوات الحرس الثوري، رئيس السلطة القضائية، رئيس مجلس صيانة الدستور، وزير الخارجية، وزير الاستخبارات، وزير الداخلية، وزير المال، ومستشارين يعينهما المرشد الأعلى. ورغم سيطرة المرشد الأعلى العملية على المجلس من خلال تبعية 6 أعضاء له، إلّا أنه يمتلك حق نقد قراراته بالإضافة إلى حق تعيين سكرتير المجلس.

7- المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية (غير منتخب)

شكل المجلس عام 2006 ومهامه تقديم المشورة ومراقبة أداء الحكومة الخارجي، والاستفادة من خبرة الدبلوماسيين القدامى.

ثانياً: المؤسسة العسكرية
كسائر المؤسسات الرسمية الإيرانية تتسم المؤسسة العسكرية بثنائية مؤسسات الدولة المتمثلة بالجيش الإيراني، ومؤسسات الثورة المتمثلة بالحرس الثوري.

1-الجيش الإيراني

يعتبر الجيش الإيراني أو Artesh "العسكرية التقليدية لإيران" وجزء من القوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية. ومهمة الجيش حماية وحدة أراضي الدولة الإيرانية من التهديدات الخارجية والداخلية.

اعتبر الجيش الإيراني ما قبل اندلاع الثورة الإسلامية الطفل المدلّل للولايات المتحدة في المنطقة، حيث قامت الحكومات الأمريكية المتتالية بدعمه وتسليحه بأحدث التقنيات لمواجهة خطر تمدد الاتحاد السوفيتي في بحر قزوين وللحدّ من الطموحات القومية العربية في المشرق العربي. اعتمد الشاه على الجيش الإيراني في توطيد أركان وحكمه وفي قمع معارضيه، ولقد ارتكب الضباط الإيرانيين في هذا الصدد العديد من الجرائم بحق المدنيين مما أورث كرهاً بين شرائح واسعة من الشعب. شهد الجيش الإيراني أبان انتصار الثورة الإسلامية انشقاق 60٪ من عناصره، ولقد سعت حكومة الخميني لتعزيز قوتها على الصعيد الداخلي من خلال شن عملية تطهير الجيش من الضباط على صلة وثيقة مع أسرة بهلوي. وعلى الرغم من نجاح الثورة في تطهير الجيش وفي تطويعه بشكل كامل لخدمة النظام الجديد، لم يحظَ الجيش بدرجة الاهتمام بنظيره الثوري (الحرس الثوري)، وينعكس ذلك بشكل واضح في ميزانيته التي تبلغ ثلث ميزانية الحرس الثوري.

ينقسم الجيش الإيراني إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي: القوات البرية، البحرية، والجوية، ويبلغ عدد المجندين فيه 420 ألف مجند.


2- الحرس الثوري

تأسست قوات الحرس الثوري عقب الثورة في 5 مايو/ أيار عام 1979 بهدف حماية الثورة ومكتسباتها. وتفصّل المادة 150 من الدستور مهام الحرس كالتالي: يحافظ حرس الثورة الإسلامية الإيرانية على منجزات ودور الثورة وفي نطاق واجبات هذه الهيئة، ومجالات مسؤوليتها يوازي الواجبات التي تقع على القوات المسلحة الأخرى التي يحددها القانون، مع التركيز على التعاون الأخوي والانسجام فيما بينها. وتكمن أهمية الحرس الثوري في بنائه العقائدي القائم على الطاعة العمياء للمرشد الأعلى، ويقوم الأخير بتعيين كوادره الإدارية والقيادية حسب معيار الولاء والوفاء له.

ساعدت قوات الحرس الثوري جبهة الخميني في صراعه ضد حلفائه الثوريين، كجماعة مجاهدي خلق، كما عملت كثقل مضاد للمؤسسة العسكرية النظامية الموالية للشاه. وبعد زوال الأسباب الداعية لإنشاء الحرس شكّل الخميني لجنة بهدف دمج الحرس بمؤسسات الجيش، ولكن لم يتسنّ متابعة أعمال اللجنة إلى وفاة الخميني. وقام علي خامنئي إثر تعيينه بمنصب المرشد الأعلى للثورة بحلّ اللجنة للحفاظ على حليف ونصير قوي على الصعيد الداخلي. والجدير بالذكر أن رفسنجاني كان أكبر المساندين لعمل اللجنة التي كانت ستقضي إلى تحويل الحرس إلى جيش محترف، وإلغاء الثنائية الموجودة بينه وبين الجيش، وبالتالي ترسيخ دور مؤسسات الدولة على حساب مؤسسات الثورة.

يعتبر الحرس الثوري الإيراني الذراع الأقوى لصناعة وتنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية، ولقد مكنه دوره في تصدير الثورة الإيرانية من تأكيد مكانته وأهميته في الأمن القومي الإيراني. وتحظى وزارة الخارجية باهتمام خاص لدى الحرس الثوري، لكونها أحد أهم مراكز صنع قرار السياسة الخارجية. وقد كان لبعض مسؤولي الخارجية الإيرانية من المحسوبين على الحرس الثوري بصمات واضحة فيما آلت إليه علاقات إيران الخارجية.

يقارب عدد قوات الحرس الثوري الإيراني حوالي 125 ألف مجند و90 ألف متطوع و300 ألف احتياطي، وينفذون مهماتهم في أسلحة البر والجو، ويمتلكون أسلحة نوعية وحديثة، ويتكون من خمس فيالق أو وحدات رئيسية، يرأسها حالياً مجتمعةً اللواء محمد على جعفري، وهي:

أ. قوات التعبئة (الباسيج):
 
متطوعين في قوات الباسيح
أسست قوات الباسيج إثر انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1980 تلبية لنداء الخميني لإنشاء جيش الـ 20 مليون رجل. تتميز الباسيج بكونها الجهاز الأساس لاستقطاب الشباب وتجنيدهم في خدمة المرشد الأعلى ومؤسسات الثورة، ويحظى المنتسبين إليها بامتيازات خاصة على مستوى مؤسسات الدولة. تضم الباسيج 90 ألف متطوع، و300 ألف مجند احتياطي، وتنشط في تجنيد أعداد أكبر أبان الحرب ليصل عدد المتطوعين فيها للملايين، ويقودها حالياً اللواء محمد رضا نقدي (عراقي المولد).

تساهم الباسيج في ضبط الأمن الداخلي من خلال تسيير دوريات في المدن بالإضافة إلى قيامها بمهام شرطة الآداب، ولقد تمّ استدعاها النظام في عدّة مناسبات لقمع المعارضة، كان أحدثها أثناء أحداث 2009، إثر انتصار أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية.

لا يقتصر نشاط الباسيج على الصعيد الداخلي، بل لها نشاطات خارج البلاد خصوصاً في تجنيد الأجانب المليشياوية، فلقد تدخلت على سبيل المثال لا الحصر في تشكيل قوات محلية في العراق بدعوى حماية المراقد، وكذلك في سورية حيث أرسل عشرات آلاف الشيعة الأفغان الهزارة للدفاع عن نظام الأسد.

ب. فيلق القدس:

تعتبر قوات فيلق القدس بمثابة القوات الخاصة للحرس الثوري، وهي الجهة الرئيسية المسؤولة عن العمليات العسكرية خارج حدود البلاد. تولى اللواء قاسم سليماني قيادة الفيلق في العام 2011 وينوبه حسين همداني، وعدد المنجدين فيه 5000 وفق مصادرٍ إعلامية.

أُنشِئ فيلق القدس في حرب الخليج الأولى لمواجهة العراق، ونشط لاحقاً في تدريب وتسليح المليشيات المناوئة لأعداء النظام الإيراني إقليمياً ودولياً، وقد دعم الفيلق عبد العلي مزاري رئيس حزب الوحدة الشيعي ضد حكومة محمد نجيب الله في أفغانستان، والتحالف الشمالي بقيادة أحمد شاه مسعود ضد حركة طالبان، وطالبان والقاعدة لاحقاً ضد الغزو الأمريكي، كما لها علاقات شبه رسمية مع كل من حزب الله اللبناني، وحماس والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

ينقسم الفيلق إلى عدّة وحدات جميعها ينشط خارج إيران، أشهرها الوحدة 400، وهي وحدة العمليات الخاصة يقودها حامد عبد الإله، والوحدة 190 اللوجستية المسؤولية عن تسليح أذرع الحرس الثوري في العالم ويقودها بهنام شهرياري.

ثالثاً: الأحزاب السياسية الإيرانية
لا تجيز النسخة الأولى للدستور الإيراني إنشاء الأحزاب السياسية في البلاد، فيما سمحت المادة 26 بتشكيل منظمات وجمعيات واتحادات مهنية بموجب "الحرية النقابية" شريطة ألا تنتهك مبادئ الاستقلال والحرية والوحدة الوطنية ومبادئ الإسلام والجمهورية الإسلامية. ولقد شرّع لاحقاً قانون الأحزاب في سبتمبر 1981 للسماح بتشكيل الأحزاب ولتنظيم الحياة السياسية، ويشترط القانون الحصول على تصريح من وزارة الداخلية ليبدأ الحزب بممارسة نشاطاته.

فيما يلي قائمة قصيرة من الكيانات والمجموعات الرئيسية التي تعتبر أحزاباً سياسية:

1- المحافظون:
الأحزاب: الجمعية الإسلامية للمهندسين، حزب الائتلاف الإسلامي، جمعية رجال الدين، أنصار حزب الله، حزب المفكرين العصريين الإسلامي الإيراني، جمعية أنصار الثورة الإسلامية

التحالفات الانتخابية: ائتلاف بناة إيران الإسلامية، ائتلاف المتطوعين المستقلين الإيرانيين.

الجمعية الإسلامية للمهندسين
حزب الائتلاف الإسلامي
جمعية رجال الدين
ائتلاف بناة إيران الإسلامية
 
الجمعية الإسلامية للمهندسين منظمة سياسية أصولية إيرانية، قريبة من حزب الائتلاف الإسلامي، وغالباً ما تتبع قرارته. شكّلت الجمعية في نهاية حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق بهدف رفع سوية الشعب الإيراني على الصعيد المعرفي والسياسي والعلمي والتقني، وللدفاع عن حقوقه الأساسية في الحريات مثل حرية التعبير والتجمعات، وتنشط في محاربة التأثير الغربي على المجتمع الإيراني.

معلومات عامة:

الأمين العام: محمد رضا باهنر
التأسيس: 1988
الترخيص: 28 أيار/ مايو 1991
المقر: طهران، إيران
وسائل الإعلام المملوكة: صحيفة جام الأسبوعية
التصنيف الأيديولوجي: محافظ
التحالفات الوطنية: جبهة أتباع خط الإمام والقائد
التحالفات الانتخابية: تحالف بناة إيران الإسلامي (2004)، الجبهة الأصولية المتحدة (2008، 2012)، الائتلاف الأصولي الأكبر (2016)
الموقع الالكتروني: mohandesin.ir
أبرز الأعضاء:

محمود أحمدي نجاد، الرئيس السادس لإيران، انقلب على الحزب بعد الفوز بالرئاسة.
محمد رضا باهنر، الأمين العام الحالي ونائب الرئيس السابق للبرلمان الإيراني
منوشهر متكي وزير خارجية سابق
محمد ناظمي أردكاني وزير سابق
2- الإصلاحيون:

الأحزاب: درب الأمل الأخضر، حزب جبهة المشاركة الإسلامي، مجمع علماء الدين المجاهدين، جمعية نساء الجمهورية الإسلامية، حزب الثقة الوطني، الحزب الديموقراطي، منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، مكتب تعزيز الوحدة، حزب العمّال الإسلامي، شبكة تكافل العمّال الإيرانيون، الجبهة الوطنية.

التحالفات الانتخابية: الائتلاف الشعبي للإصلاح، مجلس تنسيق جبهة الإصلاح.

جبهة المشاركة الإسلامي
مجمع علماء الدين المجاهدين
درب الأمل الأخضر
 
أول الأحزاب الإيرانية المشكلة بعد انتخاب الرئيس الإيراني محمد خاتمي، ويضم العناصر الأساسية للمجموعة الطلابية المسماة بـ " دانشجویان پیرو خط امام" (الجامعيين التابعين لخط الامام) وهي الكتلة التي اقتحمت السفارة الأمريكية في بعد انتصار الثورة الإسلامية. يعتبر الحزب الأكثر تحرراً في إطار الحكومة الإسلامية والفكر الإسلامي في إيران، وسياساته وآراءه التنظيمية والعقائدية مشتقة من اراء الدكتور علي شريعتي.

الأمين العام: محسن ميردامادي
المتحدث الرسمي: حسين كاشفي
التأسيس: 5 ديسمبر 1998
تاريخ الحظر: 2009
المقر: طهران، إيران
وسائل الإعلام: صحيفة مشاركت (الرسمية)
التصنيف الأيديولوجية: ديمقراطي، ليبرالي
الشعار: إيران لجميع الإيرانيين
أبرز الأعضاء:

محمد رضا خاتمي، أخو الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي
سعید حجاریان، صحفي وناشط سياسي
الهه کولایی، أستاذة علوم سياسية في جامعة طهران
 3- البراغماتيون:

حزب تنفيذيون لبناء إيران
حزب الاعتدال والتنمية
حزب الاعتدال والتنمية
 
حزب سياسي براغماتي وسطي عقد مؤتمره الأول في عام 2002. جزء من الائتلاف الشعبي للإصلاح. للحزب علاقات جيدة مع محمد خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني.

الرئاسة: حسن روحاني
الأمين العام: محمدباقر نوبخت حقیقی
التأسيس: عام 1999
المقر: طهران، إيران
التصنيف الأيديولوجي: وسطي، براغماتي
أبرز الأعضاء:

حسن روحاني، رئيس إيران الحالي
محمدباقر نوبخت حقیقی، سياسي واقتصادي إيراني
فاطمة هاشمي رفسنجاني، ابنة الرئيس رافسنجاني
4 - الأحزاب والحركات المحظورة:

تنظيم العمال الثوري الإيراني
حزب توده
حزب العمال
الحركة الخضراء
حركة الخضر من أجل حرية إيران
الجبهة الوطنية الإيرانية
حركة مجاهدي خلق
الرابطة الآرية
الحزب الشيوعي
الحزب الدستوري
حزب الأمة الإيرانية
حزب الحركة الفارسية
منظمة مجاهدي خلق إيران
 
أكبر وأنشط حركة معارضة إيرانية. تأسست المنظمة عام 1965 على أيدي مثقفين إيرانيين أكاديميين بهدف إسقاط نظام الشاه. ظهرت خلافات بينها وبين نظام الحكم الإيراني الجديد بعد سقوط نظام الشاه، وصلت بعد عامين ونصف العام إلى حد الاقتتال بين الجانبين في صراع محتدم يستمر حتى الآن. قامت الحكومة الإيرانية بإعدام عشرات الآلاف من أعضائها والمنتمين إليها ولكن لا تزال المنظمة مستمرة في نشاطاتها داخل إيران وخارجها حتى إسقاط السلطة الإيرانية الحالية عل حد تعبيرها.

تعدّ حركة مجاهدي خلق الإيرانية جزءاً من ائتلاف واسع شامل يسمى بـ «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» الذي يعمل كبرلمان إيراني في المنفى، والذي يضم 5 منظمات وأحزاب و550 عضواً بارزاً وشهيرًا من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية والخبراء والفنانين والمثقفين والعلماء والضباط إضافة إلى قادة ما يسمى بـ «جيش التحرير الوطني الإيراني» الذراع المسلح لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية.

رئيس الحركة: مريم رجوي ومسعود رجوي
الأمين العام: زهرة أخياني
التأسيس: سبتمبر 1965
المقر: باريس، فرنسا، معسكر الحرية في العراق (2012-2016)، معسكر في العراق (1986-2013)
وسائل الإعلام: صحيفة مجاهد
الجناح العسكري: جيش التحرير الوطني
التصنيف الأيديولوجي: ماركسي قومي
الشعار: فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما

اقرأ المزيد
٤ نوفمبر ٢٠١٦
مجزرة حاس وضمير الروس

مهما قيل عن وحشية الروس في محاربتهم المعارضة السورية، بالطبع عدا داعش التي مارس الروس وغيرهم جرائمهم في سورية تحت ظلالها، بوصفها تنظيماً إرهابياً، أجمع العالم عليه من خلال سلوكه على الأرض، ومهما قيل أيضاً فيما فعلته آلة الحرب الروسية بشأن المدنيين، وقتلها إياهم تحت أنقاض بيوتهم، بصواريخها الفراغية والارتجاجية التي تجرَّب لأول مرة، إذ لم تستثن، في حربها المجنونة هذه، المدارس والمشافي، بل تعمدتها دون غيرها، ما أدخلها في دائرة مجرمي الحرب.. ومهما فعلت كذلك بشأن مساندة النظام في دمشق اليوم ضماناً لوجودها الدائم في سورية، وتحقيقاً لحلمها التاريخي، في الوصول إلى المياه الدافئة، كما يجمع معظم المحللين السياسيين وقرَّاء التاريخ السياسي العالمي.. أقول مهما فعلت في هذا وذاك وذلك، فإنها تدرك تماماً، وربما أخذت تدرك، أخيراً، أن وجودها في سورية وعدمه غير مرتبط بهذا النظام المتهالك، وإن ارتبط، فسوف تزهق أرواح سوريين كثيرين، وتأخذ المزيد من الأحقاد، ويساهم في عزلها أكثر فأكثر، وهي الدولة التي خرجت من نظام قمعي شمولي، كما زعم قادتها الجدد من يلتسين إلى بوتين، ومعهما الغربُ كله، إلى نظام الحرية، والعدالة، وحقوق الإنسان. وفي النهاية، لن يستمر النظام دونما آلتها العسكرية الوحشية التي تملكها وحدها من دون حلفاء النظام المعلنين..! لكن هذه الآلة الوحشية التي استخدمتها روسيا جعلتها في الفترة الأخيرة، فيما يبدو للجميع، وعبر تصريحات قادتها السياسيين، تعيد حساباتها على نحو أكثر دقة، وخصوصاً بعد مجزرة مدرسة حاس، في ريف إدلب التي فاق ضحاياها 22 تلميذاً ومعلماً، ما ألَّبَ العالم أجمع على هذه الوحشية غير المسبوقة التي منعتها أيضاً من كسب مقعد لها في المجلس الأممي لحقوق الإنسان.. ولعلها من جانب آخر تدرك أن الولايات المتحدة ليست الحليف الأقوى للمعارضة السورية، فالعلاقات الروسية السورية لم تبدأ بحزب البعث، ولا بعائلة الأسد، بل بدأت مع البرجوازية السورية في الخمسينيات، وروسيا الاتحاد السوفييتي هي التي وقفت إلى جانب استقلال سورية ولبنان، وهي التي استضافت شخصيات سورية كثيرة في خمسينيات القرن الماضي، منها مصطفى السباعي، الشخصية الإسلامية المتنورة، والمرشد العام للإخوان المسلمين آنذاك الذي عاد من زيارته عام 1957 ليتحدث عن الاتحاد السوفييتي حديثاً طيباً، وليكتب كتابه الشهير اشتراكية الإسلام.. ثمَّ إنها، أي روسيا، تعرف حقيقة النظام، وغباء استبداده، وهي التي نصحته، في بداية الثورة السورية، وعبر دبلوماسيين كثيرين، منهم جنرال كبير بأن يقوم بإصلاحات سياسية واجتماعية، وأن يمد يد التلاقي لشعبه، لكنه أبى واستكبر (من مقابلة على قناة روسيا اليوم مع أحد الجنرالات الروس). ولعل الحرس القديم كما قال الجنرال الروسي: "رفض الإصلاحات"، والحقيقة أنه رفض أيَّ نوع من المهادنة مع المتظاهرين السلميين، ما يعنى أنه رفض التنازل عن أيٍّ من مغانمه، وما أعتقد به أنا: أنَّ الإيرانيين لعبوا دوراً في هذا المجال، فهم الأكثر خسارةً من نظام تعدّدي لا طائفي في سورية. ومن هنا، جاء فيما بعد حادث تفجير ما عرفت بخلية الأزمة في أكبر معقل للنظام، حيث لا يستطيع الذباب الأزرق أن يقترب من قيادة الأركان أمام ساحة الأمويين.

ولا يفوتنا، في هذا المجال، ذكر أن الروس حاولوا مراراً فتح أقنيةٍ مع المعارضة التي رفضت أي حلٍّ يبقي رأس هرم السلطة السورية في مكانه، حتى وإن كان في مرحلةٍ انتقالية، فالمعارضة كانت مستاءة من الموقف الروسي المنحاز منذ البداية، ومنذ الفيتو الأول الذي قاد، بالدرجة الأولى، البلاد السورية إلى أسوأ حال.

يضاف إلى ذلك، وهذا الأهم، خطورة معركة حلب، هذه الأيام، واحتمال تحوُّلِها إلى حرب شوارع، واستحالة استخدام الطيران، أو القصف عن بعد بالأسلحة الفتاكة المشار إليها، ما يدعو إلى غرق الروس أكثر فأكثر بالدماء السورية، وهم الذين قدموا بمهمةٍ مدتها ثلاثة أشهر فقط، وعلى الرغم من تضاعف هذه المدة إلى أربعة أمثال، إلا أنها لم تجلب للجيش الروسي، ولا لقيادته السياسية، غير الخزي والعار، وتسويد السمعة الدولية، وهم الذين حصدوا ما حصدوه من مكاسب، قبل هذا الوقت، إذ قاربوا حلولاً لقضايا كثيرة خاصة بهم، إن مع الأميركان أو مع الأوروبيين.

وهناك ناحية غاية في الأهمية، لا تتعلق بصمود الجيش الحر فحسب، بل بحاضنته الشعبية التي تقارب ثلاثمئة ألف إنسان، رفضوا العروض الروسية الأخيرة، في الخروج من وطنهم الصغير حلب، وأصرّوا على البقاء مع أبنائهم وإخوتهم أمواتاً أو منتصرين، ما قوى عزيمة الجيش الحر، وزاد من تصميمه، فوحد صفوفه، وخبرات فصائله، مستنداً إلى دعم أكبر مما كان، وإلى حاضنةٍ شعبيةٍ تشعل روح المقاومة في نفوس عناصره وقادته.

اقرأ المزيد
٤ نوفمبر ٢٠١٦
الصورة الفيسبوكية لليأس السوري

عند استعادة الحديث عن الأعوام الأولى للحراك السوري، يميل كثيرون إلى الحديث عن أن الشوارع "غصّت" بالشباب السوري، في المظاهرات والوقفات السلمية. لا شك أن الحراك كان موجوداً وفعالاً، خصوصاً في العام الأول، قبل التحول إلى خطاب تسليحي علني. ولكن جدلاً ليس قليلاً كان يتناول أعداد هؤلاء الشباب، ونسب المشاركة.

والحقيقة أن هذا الجدل غير منصف إطلاقاً، إذا اقتصر على "الشارع" بمعناه الحرفي، فلم يكتف الشباب الناشط السوري بالعمل على المظاهرات وحسب. كان عدد كبير منهم من الأوائل المشاركين في تخطيط الأنشطة المدنية، وإنجاز نشاطات فنية بصرية (غرافيتي مثلاً) أو موسيقية، فيما انهمك جزء كبير منهم في مساعدة الوافدين وتأمين احتياجاتهم والمناصرة عبر مجموعات وصفحات "فيسبوك" أطلقوها من باب "الفزعة" لمساعدة إخوتهم السوريين في المدارس والملاجئ، أو ممن لا مكان لهم. شهدت تلك الفترة الوسيطة حضوراً راسخاً لتشارك الهم السوري والمعاناة الإنسانية التي جمعت السوريين في مناطق مختلفة، وتجدر الإشارة إلى أن النظام الحاكم نفسه، في تلك المرحلة من الانفجار التاريخي، لم يملك إلا ترك هذه المجموعات تعمل على تنظيف الفوضى التي خلفتها سياساته العشوائية. وبذلك، كان في كل محافظة أو مدينة عشرات المجموعات التي تعمل في مبادراتها المستقلة قصيرة الأمد، من جمع بطانيات إلى تأمين ألبسة أو مساعدة في تحضير مراكز الإيواء. بدا وكأن هذا الحشد من الشباب السوري المنتشر كان الطرف الذي حال دون انهيار المجتمع فجأة ودونما إنذار، والأهم أنهم قدموا كل تلك الجهود من دون طلبٍ من أحد.

هناك سببان كبيران أديا إلى تراجع هذه الظاهرة، فمن جهة أولى، كان أغلب هؤلاء الشباب يتطوعون بجهودهم أو بأموالهم في محنةٍ سوريةٍ، افترضوا أنها ستدوم أسابيع أو ربما بضعة أشهر. ليس من المستغرب أن نسبة كبيرةً منهم قد استنفذت لاحقاً، وأعلنت عجزها عن الاستمرار في هذه الحلقة المفرغة، خصوصاً مع تداخل أدوار "المساعدين" و"المحتاجين". تعرّض بعض هؤلاء، عاجلاً أم آجلاً، لخسارات متلاحقة، مادياً ومعنوياً ونفسياً، من دون تعويض أو مساعدة أو أمل بالحل.

من جهة ثانية، بعد انقشاع غبار الفوضى في عدة مناطق من سورية، عاود النظام السوري ترتيب أولوياته للتحكم بتفاصيل العمل المدني بالترغيب والترهيب، فشدد التضييق على أغلب ناشطي العمل المدني باتجاه العمل تحت "سقف الوطن"، أو الهروب خارج البلاد.

في العامين الأخيرين، اختفت تلك المجموعات التي كانت تعمل بجد في تأمين أوضاع النازحين في سورية، أو العمل على حمايتهم، وانتشر ناشطوها في أصقاع الأرض، متجهين نحو الخلاص الشخصي والهروب من الجحيم السوري إلى أبعد ما يمكن. لكن، حينما عبر كثيرون منهم هذه المرحلة، عاد ذلك النشاط بصورة أخرى، بل بهدف آخر تماماً: إخراج باقي السوريين من الجحيم ذاته، فظهرت من جديد المجموعات التي تنذر نفسها لمساعدة السوريين، إنما لتقدّم، هذه المرة، خدمات تبدأ من تأمين المنح الدراسية، إلى تأمين العمل للاجئين، وصولاً إلى تيسير خدمات تزوير الأوراق الرسمية للسوريين وتقديم المساعدة والإرشاد في دول اللجوء. وتخصصت عشرات المجموعات في "فيسبوك" في (لم شمل السوريين) و(تهريب السوريين)، فيما تخصصت صفحات أخرى في ملاحقة وعرض تفوق سوريين عديدين في بلاد اللجوء دراسياً أو أخلاقياً أو علمياً... وما تزال هذه المجموعات تتكاثر بالعشرات، بشكل تطوعي وغير مأجور في معظم الحالات.

إنه اليأس يعلن نفسه، اليأس من أن المأساة السورية قابلة للإصلاح. هو انتصار خيار "الوطن الكريم" على خيار "الوطن السوري"، مع محاولات جميع أطراف النزاع التأكيد على استحالة اجتماعهما.

اقرأ المزيد
٤ نوفمبر ٢٠١٦
عزل تركيا عن شمال العراق وشرق سورية

ثمة مقاربة تحليلية تقول أن الهدوء الملتبس الذي تعيشه العلاقة التركية - الإيرانية، والمصالحة المُقيَّدة التي تمّتْ قبل أشهر بين أنقرة وموسكو، سيكون مصير كلٍّ منهما إلى التفكك والاضطراب في حال استمرت استراتيجية عزل تركيا عن التأثير في شمال العراق وشرق سورية.

مظاهر هذا العزل ومؤشراته قد تتمظهر في تحرك «الحشد الشعبي» صوب تلعفر التركمانية، وهو الذي يقول أن مسعاه سيكون الحيلولة دون هروب «داعش» من الموصل باتجاه سورية والرقة، فيما تذهب تكهنات بأن الهدف المستتر لـ»الحشد» هو تأمين طريق بين سورية وإيران عبر العراق. وإذا صحّت الأنباء عن أن الدعم الإيراني للميليشيات الموالية لطهران في تلعفر صار يشمل «حزب العمّال الكردستاني»، فإن هذا يغذي مقاربة عزل تركيا، التي أعلن وزير دفاعها، فكري إشيق، أن (بلاده ليست في وارد الانتظار وراء حدودها مع العراق، وستفعل كل ما هو ضروري إذا أصبح لمقاتلي «حزب العمال الكردستاني» وجود في منطقة سنجار). وسيبقى السؤال حاضراً في الفترة المقبلة عن سلّة الخيارات المتاحة أمام تركيا لتأمين ما تراه «خطوطاً حُمراً» في العراق وسورية.

ومثلما يتمّ ابتزاز أميركا التي تقود عملية الموصل من خلال إقحام الميليشيات الشيعية في المعركة، وتجاوز ما اتفق عليه بالنسبة الى المحور الغربي للموصل الممتد باتجاه الرقة السورية، يتمّ ابتزاز تركيا بالميليشيات نفسها، إضافة إلى تقديم الدعم الإيراني لـ «وحدات الشعب الكردية» في أرياف حلب، لتكون أنقرة أمام معضلتين: احتمالات خسارة أو تهديد ما أنجزته عملية «درع الفرات»، وضياع قيمة التنازلات التي قدمتها أنقرة لموسكو في حلب حينما بدأت بتلك العملية، إثر الاعتذار الشهير الذي قدّمه الرئيس رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين.

سياسة العزل تقتضي تكرار الاتهام من جانب موسكو وطهران ودمشق بأن أميركا وتركيا تتلكآن في مواجهة الإرهاب حين تترددان في التعاون مع مطالب موسكو بفصل الفصائل المعتدلة عن الفصائل المتطرفة في حلب، ومن هنا مواصلة الابتزاز لتبرير العنف المفرط و»الأرض المحروقة» اللذين تقودهما موسكو وطهران والنظام السوري في حلب، ومواصلة استراتيجية إفراغ شرق حلب من السكان، وهو ما يصبّ في مصلحة الاستراتيجيتين الإيرانية والروسية اللتين تقاومان سياسة الاستنزاف الأميركية لهما بضرب منهج «إدارة التوازنات»، الذي تحاول واشنطن ممارسته في الموصل والرقة، وسيتحقق هذا الضرب في حال تبيّن من إدارة المعارك في الأيام المقبلة، أنّ ثمة قراراً روسياً - إيرانياً بالسيطرة على كامل حلب قبل مجيء إدارة أميركية جديدة.

وعلى رغم تحذيرات تركيا من محاولة عزل تأثيرها وتأمين مصالحها في شمال العراق وشرق سورية، فإن موسكو وطهران والميليشيات الشيعية لم تختبر بما فيه الكفاية جدية ميدانية عالية من جانب أنقرة في الإصرار على موقفها الهادف إلى منع العزل مهما كانت كلفة ذلك، ولا يبدو التحالف مع أثيل النجيفي وأسامة النجيفي مؤثراً وكافياً في هذا السياق، وهو ما قد يفتح المجال للتكهن بأن اختبارات من هذا النوع قد تشهدها المنطقة، إذا لم تتقدم «التسويات» و»حفظ ماء الوجه» على صوت الرصاص والمقاتلات وكسر العظم من الأطراف المتصارعة.

اقرأ المزيد
٤ نوفمبر ٢٠١٦
الشرق الأوسط بين "تعهد" ترامب و"تخوف" كلينتون

الرئيس الذي اعتمد شعار «عدم الفعل» كسياسة عامة تقترب رئاسته من النهاية، وإذا تطلع الرئيس الأميركي باراك أوباما على المشهد الجيوسياسي العالمي، يجد أوروبا مرعوبة من الحزم الروسي، وبلاده تواجه المطحنة الصينية، ويرى موجة غير مسبوقة من الهجرة العالمية، فيها الأفارقة، والعرب والآسيويون، ويرى تغيرًا للمناخ، تم التوقيع على الحد منه، لكن لم يبدأ تطبيقه بعد، ويرى بالتحديد الشرق الأوسط كنقطة محورية لكثير من هذه التحديات. فالهجرة بالذات التي طالت الآن أبناء الدول الغارقة في الحروب قد تشمل لاحقًا أبناء دول غنية، بلغت درجة الحرارة فيها الصيف الماضي نقطة غير مسبوقة، مع ما سيليها من جفاف لأرضها ولمياهها.

من المؤكد أن إدارة الرئيس الأميركي المقبل ستواجه توترات كثيرة في الشرق الأوسط: حروبًا أهلية متعددة، انهيارًا للدولة وتشردًا للشعوب، وهذا يفرض على الإدارة المقبلة، أكانت من الجمهوريين أو من الديمقراطيين اتخاذ نهج استباقي قصير وبعيد الأمد، لذلك تعمل نخبة من مراقبي السياسة الخارجية في الحزبين على وضع الأساس للسياسة الخارجية الأميركية.

ليس من غير المألوف أن تنكب المؤسسات المتخصصة على وضع الدراسات المهمة في الأشهر الأخيرة من فترة أي رئيس أميركي لتصحيح أخطائه، والتأثير على من سيخلفه. مركز «التقدم الأميركي» وضع تقريره بعنوان: «الاستفادة من قوة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط – خطة لتعزيز الشراكات الإقليمية». أشرف على التقرير بريان كاتوليس، زميل متقدم في المركز، بمشاركة محللين وباحثين آخرين، أمضوا السنتين الأخيرتين في المنطقة. يرى التقرير أن أحداث المنطقة الأخيرة جعلت بعض الأميركيين يتساءل عن معنى التدخل الأميركي في المنطقة، لكن هذه الأحداث بالذات بدءًا من صعود «داعش»، إلى أزمة اللاجئين التي امتدت إلى أوروبا تثبت أن للولايات المتحدة مصالح مهمة على المحك إزاء ما يحدث في المنطقة.

يدعو التقرير الولايات المتحدة إلى الابتعاد عن دور إدارة الأزمات إلى مفهوم القيادة الأميركية المتجددة والمتفاعلة في المنطقة التي تصعّد التزاماتها العسكرية، إضافة إلى انخراط دبلوماسي واقتصادي.

هناك دعوة للرئيس المقبل إلى تنويع التعاون المتعدد الأطراف مع الشركاء الإقليميين، واتخاذ خطوات سريعة وحاسمة لوضع إطار أمني إقليمي، مع الإشارة إلى أن يكون مستعدًا لاستخدام القوة الجوية لحماية شركاء الولايات المتحدة والمدنيين في عدة مناطق في سوريا، مع التفكير بإقامة مناطق آمنة، وأيضًا حماية المعارضة السورية المعتدلة من هجمات النظام وغارات الروس.

ليس معروفًا ما إذا كان ممكنًا تطبيق هذه الاقتراحات من قبل الرئيس الأميركي المقبل. فالمرشح الجمهوري دونالد ترامب «قرر» أن يحتفظ بخطته العسكرية لهزيمة «داعش»، ولا يبدو أن هذه الخطة تشمل حماية المدنيين بل هو يرى أن النظام السوري يقوم بهذه المهمة، وكذلك القوات الروسية. أما المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون فقد قالت في تعليقات خاصة للمصرفيين، حسب تسريبات «ويكيليكس»: «إن إقامة ملاذات آمنة ستكون أمرًا صعبًا يتطلب تدمير الدفاعات الجوية السورية، وبالتالي لا يمكن الاعتقاد بأن خوض الحرب ضد الأسد ليس أيضًا ضد الروس».

من هنا، يقترح التقرير تكثيف التواصل الدبلوماسي مع الشركاء الإقليميين الذين يرتبطون بواشنطن بعلاقات قديمة، بهدف تنظيم مؤتمر إقليمي في أوائل عام 2018 يقوم على رؤية مشتركة طويلة الأجل للشرق الأوسط.

كما يدعو مركز «التقدم الأميركي» الإدارة الأميركية الجديدة إلى مواجهة النفوذ الإيراني السلبي، وضمان امتثالها لبنود الاتفاق النووي، وفي الوقت نفسه استخدام النفوذ مع الشركاء الإقليميين لنزع فتيل الصراعات الداخلية، والعمل مع الشركاء العالميين لخلق مواثيق دولية، تدعم فعالية ونمو الحكومات الشرعية والمجتمعات في المنطقة.

يجد التقرير إيجابية في الإدارة الثانية للرئيس أوباما، حيث ضاعفت من استثماراتها في الشراكات مع دول المنطقة، خصوصًا على الجبهة العسكرية، لكنه يجد أن هذا النهج غير مكتمل، لا بل يفتقر إلى إطار استراتيجي للمدى الطويل.

هناك عدم ثقة متبادل بين أميركا وحلفائها، وذلك لعدة أسباب؛ أبرزها حرب العراق عام 2003، وما أسفر عنها من زعزعة الاستقرار في المنطقة، والردود الأميركية على الانتفاضات العربية، والخلاف حول دور الإسلام السياسي، والموقف الأميركي من الحرب الأهلية في سوريا، والقلق من أن الاتفاق النووي مع إيران كان محاولة لبناء شراكة أميركية معها، يضاف إلى ذلك جهود إدارة أوباما لإعادة التركيز الأميركي على مناطق أخرى في آسيا، فخلقت انطباعًا خاطئًا في الشرق الأوسط بأن أميركا على وشك الانسحاب الكامل من المنطقة.

من ناحية عدم الثقة التي عاشتها أميركا، فإن السبب كان هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، إضافة إلى دعم بعض شركائها الإقليميين التفسيرات المتطرفة للإسلام. من هنا يدعو التقرير الأميركي الإدارة المقبلة إلى السعي لإعادة تقويم الارتباط الأميركي في المنطقة والتركيز على تعزيز التعاون «مع الشركاء المعروفين» والمزيد من التواصل مع جيل الشباب، وجهود أكثر لبناء حوافز إيجابية لدعم الشرعية السياسية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.

لا يتردد التقرير في أن يطلب من الإدارة المقبلة أن تلتزم. فإذا كانت الخطوات التي دعا إليها لا يمكن تطبيقها دفعة واحدة، لكن قد تتحقق إذا نصّت الولايات المتحدة وبوضوح على التزاماتها وأهدافها بعيدة المدى في المنطقة، لأنه في وقت التجزئة الإقليمية تستطيع واشنطن أن تلعب دورًا مهمًا في بناء الشراكات على جبهات الأمن والدبلوماسية والاقتصاد، وتعمل بالذات على منع استمرار انهيار أنظمة دول الإقليم.

تقرير «الاستفادة من قوة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط» يعترف بأن العلاقات بين واشنطن والدول الأخرى تتغير، فالأطراف كلها يجب أن تحترم دورة التاريخ وحق الشعوب كلها بالتعبير عن رأيها في ظل قوانين تحفظ حقوقها. في صفحاته يدعو الإدارة الأميركية المقبلة إلى وجوب العمل مع شعوب المنطقة وشركائها الموثوقين الذين يُمكن الاعتماد عليهم من حكومات قادرة وقطاع خاص «لإبرام صفقة جديدة مع الشرق الأوسط».

هناك توافق في العالم على تدني الهالة الأميركية وتقلُّص دورها. هكذا أراد الرئيس الحالي باراك أوباما. والمقابلة التي أعطاها لمجلة «أتلانتيك» في الشهر الأول من العام الحالي، كانت بمثابة جرس إنذار لكثير من الدول العربية، فكان عليها أن تنوع في تطلعاتها وتكون حذرة. ورغم الاعتراف بأن أميركا تبقى القوة الأقوى في العالم اقتصاديًا وعسكريًا، فإن هذا لم يمنع الصين مثلاً من مواصلة استراتيجيتها، ولم يمنع روسيا - بوتين، رغم كل المشكلات الاقتصادية وأزمة أسعار النفط من التحدي.

تقرير مركز «التقدم الأميركي»، يؤكد أهمية الشرق الأوسط لأميركا. فموقع المنطقة الجغرافي حيوي للنقل البري والبحري والتجارة العالمية، وهي مستمرة حتى اليوم في دورها بربط آسيا وأفريقيا وأوروبا حتى مع مشكلاتها الحالية. يقول التقرير إن للمنطقة إمكانات كبيرة للنمو الاقتصادي على المدى الطويل. ويشير إلى عدد من دول الخليج العربي الغنية، التي تتجه إلى تنويع اقتصادها، فهذا يمكن أن يخلق إمكانات جديدة للنمو الاقتصادي والاستثمار الأجنبي المباشر. ثم يقول: «في الشرق الأوسط هناك (طعن) للحريات الأساسية، وبالتالي ما سينتج عنه سيكون له التأثير المباشر على الأمن الأميركي»، ويعطي مثلاً: «شراسة نظام الأسد ضد شعبه في سوريا، والصراع ضد المجموعات المتطرفة التي تهدف إلى إقامة مجتمع اليوم كما تتخيل أنه كان قائمًا قبل ألف سنة».

وكنصيحة لدول المنطقة، يطرح التقرير ما أصبح واقعًا حتى لو حاول كثيرون قمعه، وهو بروز التعددية السياسية والدينية، والمزيد من الانفتاح، والمساواة للنساء واحترام حقوق الإنسان العالمية بغض النظر عن العرق أو الدين أو التوجه الجنسي.

إذا احترمت دول الشرق الأوسط هذه الحقائق، يقول التقرير إن ذلك سيكون من مصلحتها، لأن الولايات المتحدة يمكنها أن تشجع وتساعد الناس والبلدان في المنطقة على التوجه نحو طريق التقدم، لكن يبقى الأمر متروكًا لشعوب المنطقة للسير فعلاً في هذا الطريق.

اقرأ المزيد
٤ نوفمبر ٢٠١٦
في تحويلنا نحن السوريين، كائنات بيولوجية

كي تكتمل مأساة السوريين، بات النقاش الدولي حولها شبه مقتصر على جلسات لمجلس الأمن، يُمنح فيه مندوبا روسيا والنظام حرية التحدث ببذاءة، كمقايضة مع إدانات غربية لا تتجاوز التنصل من المسؤولية الأخلاقية. هكذا، لا يكون من شأن لجثث أطفال مدرسة حاس في المجزرة الأخيرة سوى كونها مادة لتكرار الجدل الدولي الممجوج. لكن الأخير يبقى على رغم تكراره متحلياً بقدرته على التأثير، فتكرار الإهانة الجماعية المشتركة يجعلها موغلة في الأعماق، ويُرجّح أن يجعلها غير قابلة للشفاء.

قتل الأطفال على باب مدرستهم ليس جديداً، وفي ذمة النظام وحلفائه نحو 3500 مدرسة دُمّرت وهي فارغة أو أثناء وجود التلاميذ فيها، ولكن مثلما يزيد تكرار الإهانة الدولية (المتلطية وراء العجز) حجم الحقد، فتكرار المجازر يفاقم الألم والحقد. ليست مرات الاستهداف هي الكثيرة فقط، وإنما النقاش الدولي في ما هو مسموح من طرق القتل العشوائي وما هو ممنوع، ما يجعل المسألة برمتها تتعدى موضوع الحرب بكل ضوابطها وفق القانون الدولي. نحن، على نحو أكثر تحديداً، ضحايا حرب يلتبس فيها السلوك الدولي بسلوك القاتل في شكل يندر مثيله. حتى الصمت الدولي على جرائم إسرائيل لا يقدم معياراً لحالتنا، لأن القاتل الإسرائيلي لم يخرق قوانين الحرب إلى هذه الدرجة، كماً ونوعاً.

لم يحدث في التاريخ المعاصر أن عانى ملايين من التجويع، ولم يحدث هذا الإقرار الدولي بسلاح التجويع ومن ثم التفاوض حوله، بل حول تفاصيل ما يجب إدخاله لسد رمق المدنيين المحاصرين، ولوقت قصير في الحالات القليلة التي نجح فيها التفاوض. ولم يحدث في التاريخ المعاصر أن يُضطر مجلس الأمن إلى مناقشة الحد المسموح به من جرائم الحرب، واعتبار التقليل منها إنجازاً، مع أن التقليل منها في حالات الهدنة المحدودة كان يعِد بجرائم أفظع قبل الهدنة وبعدها. ولا ننسى أن الأمم المتحدة رعت عمليات تهجير مدنيين تحت طائلة التجويع، والإدارة الأميركية ذاتها ضغطت على المعارضة للتنازل سياسياً تحت طائلة سلاح القصف والحصار والتجويع من جانب النظام وحلفائه.

كل هذه السياسات يعني تحويل السوريين كائنات بيولوجيةً محضة، هدفها البقاء على قيد الحياة وسد الرمق، لا غير. وهذه هي سياسة النظام قبل الثورة، إذ كان يعتمد تصوير بقاء السوريين على قيد الحياة، بالحد الأدنى من الخدمات التي احتكرها، إنجازاً يقايض به على حرياتهم، وفي مقدمها الحريات السياسية وحرية الرأي. سياسة التجويع، عقاباً على العصيان، امتداد للمقايضة القسرية السابقة، فعندما قرر السوريون التحول إلى كائنات فوق بيولوجية، عمد النظام إلى محاولة إعادتهم إلى الحظيرة البيولوجية السابقة، وبالتأكيد إلى ما دونها بعمليات الإبادة.

في الجوهر، لا جديد في سلوك النظام سوى التحول في مستوى العنف والقسر. الجديد عند السوريين هو الخيبة المتكررة، فعملية التحول إلى الوجود السياسي رافقها أملٌ بأن يصبحوا جزءاً من العالم، ولم يتوقعوا في أكثر الاحتمالات بؤساً أن يتواطأ على محاولة إعادتهم إلى عهدهم السابق. المنهجية المعتمدة في «تخفيض مستوى العنف»، وإيصال مساعدات غذائية محدودة جداً إلى المحاصرين، لا تعني سوى التعامل مع السوريين في حد وجودهم الأدنى. يعزز صدقية هذا الاتهام مستوى التعامل الأممي مع نازحي المخيمات في بعض دول الجوار، حيث لا تقدّم المنظمات الدولية سوى ما يقارب حد الكفاف، مع حد أقل من الخدمات التعليمية والصحية. وإذا كان بعض العالم عاجزاً بحق عن وقف المقتلة السورية، وردع مرتكبيها، يصعب تصور العجز عن تقديم الحد اللائق إنسانياً للنازحين.

الأدهى أن يُعتبر النزوح نعمة ونجاة مما هو أسوأ في الداخل، وأن يُصوّر الوصول إلى الغرب كأنه وصول إلى النعيم، بصرف النظر عن الإجراءات المشددة الأخيرة لمنع تدفق اللاجئين. فاللاجئ المحظوظ، وفق هذا المعيار، حقق شرطه البيولوجي الكامل مع المساعدات التي توفر له شروطاً معيشية تعادل التي يحصل عليها العاطل من العمل في الغرب. في هذا «النعيم»، لا أسئلة عن الفضاء الاجتماعي والمجتمعي الذي خسره اللاجئ «المحظوظ»، ولا أسئلة عن تمزق العائلات بين عديد الدول، أو التمزق بين صغار الأسرة ذاتها وكبارها الذين سيتمثل كل جيل منهم ثقافة مختلفة يفرضها التفكير بلغتين، ما دام أفق العودة شبه منعدم.

بالطبع لا أسئلة عن الكائن الذي فقد فرصته في التحول إلى كائن اجتماعي- سياسي، وفق المفهوم الأشمل لشرط الوجود. فلاجئو الجيل الأول قلما يزاولون نشاطاً عاماً يتعلق ببلدانهم الجديدة بعد حرمانهم منه في بلدانهم الأم.

المقارنة بين السيء والأسوأ لا تتوقف عند حد، فوفقها يُحرم ضحايا الدرجة الثانية والثالثة من شرطهم الإنساني. فأولاً يُعتبر محظوظاً من نجا من الموت، وثانياً يُعتبر محظوظاً من لم يفقد عزيزاً من الدرجة الأولى، ولا حساب مطلقاً لتأثيرات العيش تحت الخطر، أو الخوف على مَن هم تحته، أو تلك التأثيرات المتأتية من سوريّة أصحابها واهتمامهم بقضيتهم الذي لم ينقطع على وجه العموم. مثل هذا «الترف» لا يبدو مباحاً، على رغم تأثيراته المستدامة في غياب العدالة، تلك التأثيرات التي تدلل على بديهية أن الإنسان ليس كائناً بيولوجياً فحسب، بما يتلوها من آثار قد يدفع العالم ثمنها وهو يعاند ما هو بديهي، وينكر من خلال ذلك أحقية السوريين بالثورة.

ظاهرياً، ربما يُسجّل بعض النجاح لهذا التواطؤ على تجريد السوريين، واختزالهم في الحد الأقصى إلى قضية شفقة خاسرة. إذ من المنطقي أيضاً أن تتضاءل آمال بعضهم وفق ظروفهم، بمن فيهم الخاضعون طوعاً أو قسراً لسيطرة النظام ويتمتعون بالأمان في مقابل التضحية بأبنائهم على الجبهات، وفي مقابل إفقارهم المستمر. غير أن النجاح الظاهري لا يعني اقتناع السوريين باستــحقاقهم أدنى شروط العيش، وإلا كانت سياسة النــــظام خلال أربعة عقود قد أثمرت ولم تحدث الثورة أساساً. ثمـــة تيــــار يتــــندر عليه السوريون يرفع أصحابه مقولة «كنا عايشين»، وهي مقولة تضمر لوم الثورة مع تواضع المتطلبات لدى بعضهم ووضـــاعتها لدى آخرين، غير أن ما فيها من تحسر على ذلك «الفردوس المفقود» يضمر استحالة عودته.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٦
الانشغال بالموصل والرقة لتبرير التخلي عن حلب

ساقت الولايات المتحدة وحلفاؤها من «أصدقاء سورية» الغربيين خلال السنتين المنقضيتين على ظهور تنظيم «داعش»، مجموعة من الشعارات شكلت غطاء لتحركاتهم العسكرية والسياسية. وكان تعبير «ترتيب الأولويات» وتلويناته، الأكثر استخداماً من جانبهم كلما ارتفعت المطالبات لهم بالتحرك لتخفيف الضغط عن المعارضة السورية، أو دُعوا إلى اتخاذ موقف يردع الهجمات المستشرية عليها.

وهكذا ظهر شعار «أولوية الحرب على الإرهاب» ليغطي قراراً بغض الطرف عن التدخل العسكري والسياسي الإيراني في شؤون العراق وسورية، ثم قراراً آخر بإشراك موسكو في إدارة الملف السوري إلى جانب طهران وميليشياتها، قبل أن تنجح روسيا في التحول إلى طرف مقررٍ في هذا النزاع وتبدأ تدريجاً في رفع سقف شروطها ومطالبها.

واليوم، يترافق بدء معركة الموصل والانخراط الأميركي بقوة فيها، مع حملة تصريحات تدّعي أن الخطر الذي يمثله التنظيم الإرهابي على الغرب سيتقلص إلى حدود كبيرة في حال استعادة المدينة منه، علماً أن معظم الاعتداءات التي شنت في مدن أوروبية وأعلن «داعش» مسؤوليته عنها، نفذتها في الغالب خلايا محلية، ولو بتعليمات من قيادة التنظيم في سورية والعراق. والقضاء على هذه المجموعات المتطرفة المزروعة في أوروبا أو المتسللة إليها يتطلب جهوداً متشعبة من نوع آخر، بينها إنهاء أزمة اللاجئين بإزالة أسباب نزوحهم ووقف الحرب في بلادهم.

أما الحقيقة الأخطر، فهي عِلم الأميركيين المسبق بأن معركة الموصل ستكون صعبة وطويلة جداً، بسبب رفض «داعش» الانسحاب منها، وتحضيراته المكثفة لمواجهة شرسة عبر زرع الألغام وتفخيخ المباني، وحيازته ترسانة ضخمة من الأسلحة الحديثة التي تركها له الجيش العراقي بعد انسحابه، وقدرته على شن هجمات في مناطق عراقية أخرى لتخفيف الضغط عن مقاتليه. ويؤكد أكثر من مسؤول عسكري أميركي في تصريحات موثقة أن المدينة قد تشهد أطول حرب شوارع في التاريخ إذا ما نجح الجيش العراقي وميليشيات «الحشد الشعبي» وقوات «البيشمركة» الكردية في اختراقها، فضلاً عن التعقيدات التي ستولدها مشاركة الميليشيات الشيعية الممولة والمسلحة من إيران في المشهد الديموغرافي والسياسي اللاحق.

ومع ذلك، فإن واشنطن أخذت في حسابها كل الاعتبارات، لذا اقترح عسكريوها مباشرة معركة الرقة، عاصمة «الخلافة»، قبل الانتهاء من استعادة الموصل، في حال اختار «داعش» سحب قواته إليها عبر المنفذ الذي تُرك في غربها عمداً لهذا الغرض. لكن معركة الرقة في حال تقررت لن تشهد أي مشاركة للقوات النظامية السورية أو الروسية المشغولة بتعزيز مواقعها في «سورية المفيدة»، بل سيكون الجهد الأساس المبذول فيها من جانب المعارضة السورية والأكراد، وسيخرج هؤلاء منها منهكين.

واشنطن إذن مصرة على الاستغلال الأقصى لشعار «أولوية القضاء على داعش»، واعتبار كل ما عدا هذه المهمة التي رسمتها لنفسها، محاولة لتشتيت اهتمامها وتعديل حساباتها بما لا يتناسب مع مصالحها واستراتيجيتها، بما في ذلك التطورات السورية، خصوصاً في حلب التي تبدو كأنها غير معنية بوقف تدميرها وإنقاذ مدنييها.

أي أن الأميركيين، بكلام آخر، يمنحون روسيا وبشار الأسد الفرصة الزمنية اللازمة للاستيلاء على حلب بكاملها، بعد استقدام الروس تعزيزات بحرية وجوية وصاروخية ضخمة لهذا الغرض، تحت أنظار واشنطن وسائر الغربيين، وتأكيدهم أن المحاولات الديبلوماسية توقفت جميعها. ويبقى الأمل في أن تتمكن المعارضة السورية من الصمود مدة تكفي لكسر إرادة آلة القتل الروسية، ولو أنه أمل فيه الكثير من التفاؤل.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٦
السوريون ونتائج الانتخابات الأميركيّة

تتباين مشاعر السوريين ومواقفهم من النتائج المرتقبة للانتخابات الرئاسية الأميركية، تبعاً لتباين رهاناتهم واصطفافاتهم السياسية ومرجعياتهم الفكرية.

والبداية من أوساط النظام السوري، التي لا تخفي عموماً رغبتها في نجاح دونالد ترامب وسقوط هيلاري كلينتون، إما لأن بعضهم يعتبر الأخيرة أخطر على الصراع الدموي المستعر في البلاد مستحضراً تصريحاتها عن تحميل النظام مسؤولية ما جرى وتكرار مطالبتها برحليه، وحماستها لدعم المعارضة وتمكينها، بينما تشي مواقف ترامب بتأييد السلطة القائمة والمساندة الروسية لها في التصدي لتنظيم «داعش» والإرهاب الجهادي، لتصل إلى اعتبار الرئيس بوتين صديقاً وفياً ومثالاً يحتذى! وإما لأن ثمة من يجد في ترامب، بتصريحاته العنصرية والاستفزازية وبعض مسلكياته غير القانونية وغير الأخلاقية، الشخص الذي يجب أن يفوز كي يظهر الوجه الحقيقي لأميركا البشع والأناني والجشع... (كذا)، والذي طالما أخفته، كما يعتقدون، تحت عناوين نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان! في حين يعول طرف ثالث على نجاح ترامب لما قد يسببه من احتقانات وتوترات في صفوف الأقليات الأميركية، تشغل واشنطن عن السياسة الخارجية، وتعزز اهتمامها بالبيت الداخلي، ما يعمق عزلتها وسلبيتها ويترك ساحات الصراع العالمية مفتوحة كي يستفردون بها، من دون رقيب أو حسيب!

في المقابل، تميل أوساط المعارضة السورية على اختلاف أطيافها إلى كلينتون في رهان ضمني أو معلن بأن يحمل نجاحها تغييراً في الموقف السلبي والمتردد لواشنطن من المأساة السورية نحو دور فاعل يمكنه تغيير موازين القوى على الأرض، والضغط على النظام السوري وحلفائه لوقف العنف والالتفات إلى المعالجة السياسية التي بات السوريون في أمسّ الحاجة إليها، وإذ ينضم الى هؤلاء معارضون إسلاميون يحبذون نجاح كلينتون رداً ورفضاً للتصريحات المسيئة للإسلام والمسلمين التي كررها ترامب في غير مناسبة، فإن بعضهم ينطلق من حسابات الحليف الإسلامي التركي ليميل بمشاعره نحو ترامب في رهان على أن يفضي نجاحه إلى إضعاف الولايات المتحدة وما تسببه من منغصات لحكومة أنقرة، ومثلهم من ينظر إلى الأمر من القناة الفلسطينية ويعتبر مجيء كلينتون أكثر ضرراً ما دام الحزب الديموقراطي هو الأقرب تاريخياً الى دولة إسرائيل من الحزب الجمهوري، حتى لو كان ترامب هو من يمثله اليوم! بينما يذهب معارضون آخرون إلى تأييد نجاح كلينتون حتى وإن لم تتخذ موقفاً جديداً من المحنة السورية، والدافع هو قطع الطريق على شخصية عبثية كترامب من قيادة أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، ما يطلق العنان لمزيد من الانفلات المجنون نحو التطرف والتعصب والعنف.

من جهة أخرى، يظهر الشارع السوري المنكوب عدم اكتراثه بالانتخابات الأميركية، ويبدو الأمر سيان عنده، سواء نجح ترامب أم كلينتون، ربما بسبب تلمّس غالبية السوريين عدم وجود فوارق جوهرية بين موقفي المرشحين من محنتنا، إن لجهة تشاركهما في منح الأولوية لأوضاعهما الداخلية، وإن لجهة سوق حجج وذرائع متشابهة في تبرير إهمال الوضع السوري وترك جرحه النازف مفتوحاً، وربما بسبب شيوع إحساس بأن البيت الأبيض الذي استمر في استرخائه المخزي وإحجامه لأكثر من خمسة أعوام ونصف العام عن حماية المدنيين السوريين، واستهتر بما يحلّ بهم من فظائع ودمار وخراب، لن يكون محرجاً سياسياً وأخلاقياً إن استمر في الإحجام عن اتخاذ أي موقف أو تدبير يساهم في تخفيف حدة مأساتنا الإنسانية.

لكن الغريب أن تحضر هذه المرة أسباب أخرى غير سياسية شجعت فئات من المجتمع السوري على متابعة العملية الانتخابية الأميركية، مرة أولى، بدافع الفضول لمتابعة جديد الفضائح التي تثار حول الحياة الشخصية لكل مرشح، ولمعرفة كيف سيتعاطيان في لحظة إعلان النصر أو الاعتراف بالهزيمة، بخاصة بعد أن جاهر ترامب بأنه لن يقبل النتيجة في حال لم يفز، وهل تترتب على ذلك ردود أفعال حادة من أنصاره في الشارع، وتشهد بعض المدن الأميركية تظاهرات وفوضى، أم يبقى تهديده مجرد كلمات دعائية يتم تناسيها بعد انتهاء العملية الانتخابية؟! ومرة ثانية، لحسابات تفرضها معاناة المهجرين واللاجئين السوريين، إن في مخيمات الشتات حيث يعولون على نجاح كلينتون في تخفيف حدة ما يكابدونه ربطاً بما أظهرته من تعاطف إنساني مع معاناتهم، ضد ترامب غير المهتم بأوضاع الضعفاء والمظلومين في بلاده، فكيف بأوضاعهم؟! وإن لدى طالبي اللجوء في البلدان الغربية نتيجة تحسبهم من أن يفضي نجاح ترامب إلى تشجيع قوى اليمين المتطرف في أوروبا وتمكينها من التقدم انتخابياً، وانعكاس ذلك تشدداً على شروط حياتهم وفرص قبولهم واستقرارهم.

وعلى رغم إدراك السوريين، أياً كانت مواقعهم، أن مواقف واشنطن تحددها مصالحها الخاصة وليس رغباتنا وحاجاتنا، وأن لا تعويل يذكر على الرئيس الجديد تجاه مأساتنا، لم تخدعهم اندفاعات روسيا ونجاحها في ملء الفراغ الذي خلفه انحسار سياسة واشنطن للتقليل من دور الأخيرة ووزنها، بل إن غالبيتهم تدرك حقيقة الدور الريادي للولايات المتحدة عالمياً، وخبرت كيف يهدأ التصعيد الروسي ويتراجع عندما تعترضه جدية المواجهة الأميركية، وتدرك أيضاً أن موقف واشنطن السلبي من محنتنا كان له تأثير كبير في ما وصلنا إليه، وأن ليس من تغيير نوعي في توازنات القوى القائمة ومسار الصراع الدموي إن لم تحدوه سياسة حاسمة للبيت الأبيض في إطفاء هذه البؤرة من التوتر، والأمر لا يرتبط فقط بما تحوزه الولايات المتحدة اليوم من قوة سياسية وعسكرية واقتصادية وعلمية، لا تضاهيها أية قوة، أو بدورها التاريخي الراهن بصفتها القاطرة التي لا تزال تجر الإنسانية وراءها، ثقافياً وحضارياً، وإنما أيضاً بنجاحها الملموس والموثق، في تقرير مصير الكثير من الصراعات الوطنية والأزمات الإقليمية، بما يعني أن موقف واشنطن ودورها لا يزالان شرطين لازمين، يتعززان في الخصوصية السورية مع غلبة التدخلات الخارجية، لتحديد مسار الصراع القائم ورصد احتمالات تطوره.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٥ يونيو ٢٠٢٥
قراءة في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية
فضل عبد الغني مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٥
هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا و3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية
فضل عبد الغني" مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان