كان شهر آذار (مارس) الذي حمل شؤماً تاريخياً بعد مقتل الإمبراطور يوليوس قيصر في 15 آذار سنة 44 ق.م. يمثل مرحلة بالغة الصعوبة بالنسبة الى القوى الإقليمية والدولية.
وبما أن ذهنية الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخضع دائماً لمعايير رجل الأعمال في صفقات الربح والخسارة، فإن سياسته الشرق أوسطية بدأت تتضح معالمها في ضوء اختيار طاقم إدارته.
ومن أجل إخضاع قراراته السياسية الى قوة تنفيذية محترفة، انتقى عسكريين للعب هذا الدور الخطير. ومن أبرز انتقاءاته في هذا المجال كان وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، ووزير الأمن الداخلي الجنرال جون كيلي، ومستشار الأمن القومي الجنرال هيربرت ماكماستر.
وزير الدفاع الجديد (66 سنة) هو جنرال متقاعد، سبق أن قاد كتيبة المارينز خلال حرب الخليج الأولى، كما قاد فرقة من مشاة البحرية أثناء غزو العراق. وفي سنة 2010 عينته وزارة الدفاع رئيساً للقيادة الأميركية المركزية التي تشمل كل منطقة الشرق الأوسط بما فيها أفغانستان.
وواضح من الاتصالات الهاتفية التي أجراها ترامب مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن الرئيس الأميركي الجديد عازم على إحياء علاقات الصداقة مع دول الخليج العربي. لذلك وظـّف الوزير الجنرال ماتيس مبادرة رئيسه من أجل الاتصال بولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، والتنسيق معه على برنامج بدأ بمناورة قوات بحرية مشتركة... وانتهى بزيارة رسمية للبيت الأبيض يوم الثلثاء الماضي.
وفي لقاء عمل موسع، عرض الأمير محمد بن سلمان أمام الرئيس ترامب وفريقه رؤيته للحروب المستعرة في اليمن وسورية والعراق وليبيا، منبهاً الى خطورة الاتفاق الذي عقده الرئيس السابق باراك أوباما مع طهران، الأمر الذي شكل تهديداً متواصلاً للاستقرار والأمن في الشرق الأوسط.
ورأت طهران في التغيير الذي طرأ داخل البيت الأبيض تراجعاً عن مختلف التعهدات التي قدمتها الإدارة السابقة الى وزير الخارجية محمد جواد ظريف. لذلك قرر المرشد الأعلى علي خامنئي امتحان إرادة ترامب عبر عمل عسكري نفذه «الحرس الثوري» على تجربة صاروخ يُسمى «خرم شهر». وهو صاروخ معدّل لصاروخ «عماد»، مع قوة دفع يصل مداها الى أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر. وأحدثت التجربة قلقاً مدوياً في الدول الغربية، خصوصاً أن الصاروخ يستطيع إصابة أهداف في العواصم الأوروبية، وأن تطويره لحمل رأس نووي يشكل استفزازاً لدول الحلف الأطلسي، إضافة الى دول الخليج العربي.
إيران أنكرت أن يكون الاتفاق الذي وقّعه وزير خارجيتها محمد جواد ظريف يحتوي على بند ينص على موضوع الصواريخ الباليستية. والسبب أن طهران ألغت برنامج إنتاج سلاح نووي. إذاً، ليست هناك حاجة الى صاروخ يحمل قنبلة نووية. ولكن هذا العذر لم يقنع الإدارة الأميركية التي أثارت نقاشاً حاداً في مجلس الأمن. كما لم يقنع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو الذي سافر الى موسكو لبحث سلسلة مخاوف تتعلق بمستقبل إيران في سورية.
وقالت الصحف الإسرائيلية إن نتانياهو استعرض مع الرئيس فلاديمير بوتين عدة احتمالات تتعلق بسيطرة إيران في سورية. وتوقع أن تخرج بمكاسب جمة عقب الانتصار على «داعش» بفضل المقاتلين التابعين لإمرتها، سواء جيش إيران النظامي و «الحرس الثوري»، أو مقاتلي «حزب الله». وذكرت هذه الصحف أيضاً أن نتانياهو أعرب أمام بوتين عن اضطراره للانزلاق نحو حرب مفاجئة في حال نفذت إيران وعودها بإقامة قاعدة بحرية دائمة في ميناء طرطوس، أو في حال استعد «الحرس الثوري» مع «حزب الله» لاستعادة هضبة الجولان السورية. وذكر في معرض الشكوى أمام سيد الكرملين أن طهران أشرفت على تشكيل ميليشيا شيعية عراقية باسم «النجباء»، أعلن قائدها أن كتيبته معدة خصيصاً لتحرير الجولان.
في أحاديث أدلى بها خبراء روس شبه إجماع على أن بوتين متمسك بتحالف المصالح مع إيران، وأنه يسعى الى ضمان سيطرة بشار الأسد على سورية، أو على أجزاء كبيرة من سورية. ويبدو أن بوتين لم يعد بالتدخل لحماية الأمن الإسرائيلي، ولكنه وعد بغض النظر عن المخالفات التي تقوم بها إسرائيل لحماية مصالحها. وهذا ما حدث في السابق حول الضربات المنسوبة الى إسرائيل في الأراضي السورية ضد قوافل السلاح الإيراني المرسل الى «حزب الله».
يقول بعض المحللين إن نتائج معركة تحرير الرقة، عاصمة «داعش» في شرق سورية، ستؤثر في مصير الوجود الإيراني وطريقة انتشاره. وهم يربطون تقديراتهم بالقوى التي ستنجح في استرداد الرقة. هل هي قوى تركية بمعاونة معارضين سوريين سنّة، أم قوى كردية تعتمد على القوات الأميركية لاستعادة المدينة. ففي حال حدوث هذا الأمر فإن النتيجة ستؤدي الى إنشاء حاجز بين شيعة العراق وبين سورية التي يسيطر عليها بشار الأسد. ولكن في حال نجحت قوات بشار الأسد والمحاربون الإيرانيون في إخضاع الرقة لنفوذها، فإن إيران عند ذلك تستطيع إنشاء ممر بري يبدأ في طهران، ويمر في العراق ويمتد نحو شرق سورية... الى أن يصل الى دمشق ومن ثم لبنان. وهذا معناه تحقيق «الهلال الشيعي»!
العسكريون الذين يرسمون سياسة ترامب الخارجية يعرفون جيداً أن قوة إيران الإقليمية ناتجة من توظيف «أذرعها السياسية» في المنطقة. فهي تستعمل الحوثيين في اليمن للضغط على السعودية. وتستخدم «حزب الله» في لبنان كرافعة لتهديد إسرائيل. ولكنها في الوقت ذاته تربك الجيش النظامي وتمنع قيادته من اتخاذ أي قرار مستقل. وكان من الطبيعي أن يؤثر هذا الانفصام السياسي في دور لبنان العروبي، إذ إنه عرّض الدولة لانشطار دائم حول خوفها من ارتكاب أي خطأ تجاه «حزب الله» وإيران.... وبين انحيازها المشكوك في صدقيته تجاه مبادئ الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي. وهذا ما يربك الرئيس ميشال عون، ويحرج موقفه داخل القمة العربية المقبلة التي ستعقد في عمان آخر الشهر الجاري.
وما ينطبق على اليمن ولبنان، ينطبق على سورية المرتهنة لإيران منذ اندلاع ثورة الخميني. ومن المؤكد أن هذا الوضع الانشطاري يسري على حركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي».
وقد ظهر هذا التباين في المواقف عقب استقبال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للموفد الأميركي جيسون غرينبلات، على أمل تحريك عملية السلام المجمدة منذ سنة 2014. وصدر عن رام الله بيان يقول إن أبو مازن قد يلتقي ترامب قبل انعقاد القمة العربية في الأردن آخر هذا الشهر. لذلك أرسل عباس رئيس أجهزة استخباراته ماجد فرج الى واشنطن، بهدف استكشاف الخطة الأميركية قبل التورط في التودد للسفير الأميركي ديفيد فريدمان، الملقب بسفير إسرائيل في إسرائيل!
ويتخوف عباس من احتمال طرح مسألة نقل سفارة أميركا من تل أبيب الى القدس، وفاء لتعهد ترامب خلال حملته الانتخابية. وقد استعد للدفاع عن قناعاته بالقول إن نقل السفارة الى القدس يعني اعتراف أميركا بأن القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل. ولكن لم يخطر بباله أن ترامب أعد له مفاجأة مفادها: نقل سفارة أميركا الى القدس الغربية مقابل نقل الممثلية الأميركية لدى فلسطين الى القدس الشرقية. ومثل هذا التوازن يمكن أن يصبح مقدمة لإنشاء «قدس كبرى» مع بلدية مشتركة للفريقين.
كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» تقول إن العسكريين الثلاثة داخل الإدارة الأميركية أقنعوا الرئيس دونالد ترامب بأن الموقف السلبي الذي اتخذه سلفه اوباما طوال ثماني سنوات أعطى إيران الفرصة لتقوية «أذرعها» الممتدة من اليمن حتى لبنان. وقدموا له خطة عسكرية تبعد المواجهة مع إيران لأسباب اقتصادية، ولكنها تركز على ضرب «داعش» و «القاعدة» في أي مكان.
والثابت أن تنظيم «القاعدة» كان يتهيأ خلال الشهرين الماضيين لملء الفراغ السياسي والأمني الذي سيحدثه طرد تنظيم «داعش» من العراق وسورية والبلدان الأخرى. وكان قائد فرع اليمن قاسم الريمي - وكيل زعيم «القاعدة» في جزيرة العرب - قد تحدث باسم وريث أسامة بن لادن أيمن الظواهري، معلناً اليمن قاعدة متقدمة للنضال ضد أميركا وحلفائها.
لهذه الأسباب وسواها باشرت القوات الأميركية عملية تقليم أذرع الإرهاب عندما شنت عشرين غارة على مواقع في محافظات أبين والبيضاء وشبوة. وأكد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» نشر قوات أميركية إضافية في سورية قبل الهجوم على الرقة. وتضم هذه القوة أربعمئة جندي التحقوا برفاق آخرين يبلغ عددهم خمسمئة يشكلون وحدة من مشاة البحرية.
والغرض من كل هذا - كما تُجمع الصحف الأميركية - ليس أكثر من تأكيد يحرص الرئيس ترامب على إبرازه أمام الرأي العام، أنه يريد الظهور بمظهر رئيس مخالف لنهج سلفه اوباما الذي رفض إصدار قرار يقضي بمشاركة قواته في أي قتال على أرض الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، يرتفع سؤال مهم يتعلق بالمدى السياسي المطلوب في حرب أميركا ضد «وكلاء» إيران في المنطقة. وهل يمكن أن تتورط القيادة العسكرية الأميركية في حرب مفتوحة مع الدولة المساندة لخصومها في المنطقة؟
على رغم التصنيف الذي أعلنه ترامب لمواطني ست دول إسلامية بينها إيران، إلا أن هذا القرار لم يمنعه من الموافقة على استكمال تصنيع ثمانين طائرة مدنية من طراز «بوينغ» كانت طهران قد اشترتها عقب رفع العقوبات الدولية عنها السنة الماضية. ومعنى هذا أن المصالح الإيرانية في نظر ترامب لا تخضع لتصنيف الممانعة، كونه يقيس الأمور بمقياس الربح والخسارة.
ولكن سلوك الإدارة الأميركية الجديدة مع إيران لا يطمئن «حزب الله» الى معاملة مماثلة، خصوصاً بعدما تأكدت إسرائيل من أن مرتفعات الجولان ستكون مادة مقايضة قبل رسم الخطوط النهائية لمنطقة الشرق الأوسط بعد سقوط «دولة داعش»!
حضرت اللغة العربية بكامل هيبتها و سطوتها ، في الخطابات المحتفلة بالثورة السورية التي أتمت عامها السادس و دخلت في سابعه ، و ترنح الخطباء أمام الكميرات بكامل أناقتهم ، فارضين علينا واجب استماعهم .
انطلق كل من قائد حركة الأحرار الاسلامية و هيئة تحرير الشام ، في خطابهما المسجل ، بكل رحابة صدر مستلين لغة تميزهم عن كل ما يحيط بهم من “رعية” ، حتى يثبتوا أنهم ليسوا منهم ولايمثلونهم ، مكررين ذات العبارات و ذات الجمل التي باتت عبارة عن “عجينة” تستخدم في كل وقت و ظرف لسد الشروخ في جسد السوريين عموماً و جمهور الثورة على وجه خصوص.
لغة مقيتة ، مليئة بضروب البلاغة و التعابير و التشابيه الشديدة الفصاحة لدرجة أنك تحتاج لمختار الصحاح و بعض من المراجع اللغوية ، لتفسيرها و فك طلاسمها ، و في ظنهم أنهم بذلك يتحولون لقادة على مستوى يفوق الحاجة و بالتالي فهم الحاكمون بلا منازع .
ذات الأهداف و الاستراتيجيات التي كرروها هنا ، و في كل مرة و مناسبة و فرصة ، تتاح لهم بالظهور على ملايين السوريين المكلومين من ظلم البشرية الأجمع ، ليخرج هؤلاء بهيباتهم و يزيدون الظلم ظلما.
لم أجد في خطابات التشكيلين أي جديد ، فالدعوة للتوحد و ضرب الأسد وحلفاءه و بالطبع تسفيه الآخر و جعله غريباً عن الأرض ، ولا أنسى الكلام عن مواضيع تخص الأمة الاسلامية ، مع التعريج على سيف الحق الذي يستلونه ولا يوجد منه إلا نسخة واحدة بيد المتحدث.
الدعاء و الابتهال ، و الرجاء من “العلماء” للاجتماع و ايجاد المخرج للثورة من عنق الزجاجة التي وجدت نفسها بها ، دون أن يكون لأحد غير “العلماء” دور في هذا الخلاص ، فلا خبراء و لا اختصاصين لهم الدور أو حتى الحق في إبداء حرف غير التأييد و الابتهال لله لحفظ السادة “العلماء”، فطالما وجدت اللحية و بضع الثقافة الفقهية ، يجعل منك مغرداً و فعالاً و ناثراً للعلم و الدراية على الأمة “الثغاء” التي تجهل كيف تذهب إلى مخدعها.
يخطىء من يظن أن الثورة هي من يخطب باسمها أو يخرج في هذا المقطع أو ذلك ، فالثورة هي الشعب بأكمله ، و بكل حالاته ، لاحاجة لأن يعتلي منصتها متعالٍ و متباهٍ في لغة ليست لغتنا ، و طريقة طرح لا جدوى منها إلا للملمة بعض من كرامة الخطباء المندثرة تحت غبار بيت أو بناء أو مسجد أو مدرسة أو مشفى ، دمره طيرانٌ ما .
كل الأطراف في المنطقة تحاول أن تعيد تموضعها، تحسباً إن تم الاتفاق على إنهاء الحرب في سوريا، وفق المشروع الروسي. هذه مرحلة مهمة ترسم الأوضاع في المنطقة وتعيد ترتيبها، لا ندري للأسوأ أم الأفضل. وواحد من أهم التطورات دخول إسرائيل على الخط، الموضوع الذي كتبت عنه قبل أيام.
فالإسرائيليون لاعبون مهمون فيما يسمونه بمناطقهم الأمنية، وهي الدول التي تحاذيهم، وإن لم يظهروا على رادار الأحداث.
يهمنا أن نعرف ما جرى في موسكو؛ لقاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع القيادات الروسية، وتحديداً فلاديمير بوتين، سوريا كانت موضوعها الرئيسي، وفق رواية الجانبين. نتنياهو ليس ضد الاتفاق بين الأطراف السورية المتقاتلة، وفق مشروع الروس، أي ببقاء بشار الأسد في الحكم وإعطاء المعارضة صلاحيات محدودة. بل هي الأفضل لهم، نظام ضعيف ومعارضة منهكة.
مصادر عن نتنياهو تقول إنه سافر إلى موسكو بهدف «انتزاع» تعهد من «صديقه» بوتين بشأن «ضرب» الوجود الإيراني ووجود «حزب الله» وباقي الميليشيات الموالية لطهران من سوريا. والأرجح أن كلمة «ضرب» هنا تعني فرض اتفاق سلام يجبرهم على الخروج من سوريا.
الرد «الصادم» الذي قاله بوتين لنتنياهو، وفق المصدر:
إنه لا يمكن لموسكو أن تظهر بمظهر الذي يتفق مع إسرائيل بشأن ضرورة ضرب الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا في الوقت الراهن، لأن موسكو تعتبر أنها لا تزال «تحتاج» للدور الإيراني في سوريا «إلى حين انتهاء الحرب مع (داعش)، وإلى حين التوصل إلى حل
سياسي لسوريا».
لكننا نعرف أن الوعود المستقبلية في مثل هذه المراحل الأساسية من صنع الاتفاقيات لا يعتمد عليها، وغالباً لا تتحقق. فموسكو تعد بأنها ستقلص وجود إيران وحلفائها لاحقاً، لكن تحقيق مثل هذا الوعد يتطلب ضمانات دولية صريحة. فقوات سوريا دخلت لبنان بحجة وقف الحرب هناك عام 1976 ولم تخرج إلا عام 2005، بعد اغتيالهم عدداً كبيراً من القيادات اللبنانية من بينهم رفيق الحريري. استمرت سوريا قوة احتلال في لبنان نحو ثلاثة عقود، ومن الممكن أن تبقى إيران قوة احتلال في سوريا لزمن طويل مقبل.
ويذكر المصدر أن موسكو تتوقع من إسرائيل تقبل الطرح الروسي، من منطلق أنه سبق لموسكو أن ساعدت إسرائيل وقدمت لها إحداثيات استخبارية لتنفيذ ضربات تستهدف «حزب الله» في سوريا «عربون حسن نية روسي تجاه إسرائيل»، وهذا يؤيد رواية تقول بأن الروس هم من سلموا إسرائيل إحداثيات خلايا ابن مغنية قرب القنيطرة لاغتياله.
ويبدو أن موسكو تضع إسرائيل أمام خيار واحد، وهو القبول بالوجود الإيراني في سوريا، بحجة أنها تحتاج إليها، أو في الحقيقة لا تستطيع مواجهتها. إنما يذكر المصدر أن موسكو لا تعارض أن تلجأ إسرائيل إلى إضعاف دور «حزب الله» في سوريا، من خلال إطلاق يد إسرائيل لضرب «حزب الله» في لبنان، وأن موسكو لن تعارض هجوماً إسرائيلياً يستهدفه.
وهنا لا نفترض أن إسرائيل ستقتلع «حزب الله» من لبنان، وإنما تريد إضعافه، لأن الحزب أقوى من ذلك. الروس يَرَوْن أن هجوماً كبيراً سيدفع «حزب الله» إلى سحب وجوده من سوريا للتركيز على هجوم إسرائيلي محتمل عليه في لبنان.
وهذا يفسر عودة التهديدات الإسرائيلية ضد «حزب الله» في لبنان؛ تريد إضعافه بـ«استنزاف» المخزون الصاروخي في حرب تسيطر عليها إسرائيل. وهذا في وجهة النظر المنقولة عن الروس والإسرائيليين سيضعف وجود الإيرانيين في دمشق. ووجهة نظري أن المشروع السوري القائم على حروب خارجية سيؤدي إلى المزيد من التوتر ويوسع من دائرة الاضطرابات. من دون إلزام إيران وحلفائها بالخروج من سوريا كشرط لإنهاء الحرب، فإنها لم تنته بشكل أو آخر.
ليس دخول الحرب السورية سنتها السابعة وحده الرقم الصادم من بين أرقام أخرى لامتناهية عن نتائج مأساة العصر التي أنتجتها.
حلّت ذكرى اندلاع انتفاضة الشعب السوري السلمية على النظام الظالم في 15 آذار (مارس) 2011 مع تواريخ أخرى لها رمزيتها، لعلاقتها بما اقترفه على مر التاريخ، منها على سبيل المثال لا الحصر ذكرى 14 آذار 2005، يوم نزل أكثر من مليون لبناني إلى الشارع ومهدوا لإنهاء الوصاية السورية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في سياق الانتفاضة على 3 عقود من القهر الذي مارسته الاستخبارات التابعة للنظام السوري على اللبنانيين وطبقتهم السياسية، في محاولة لإخضاعهم وتغيير قواعد الحكم والسياسة في بلدهم. وهو قهر لم تنته فصوله بعد.
وفي 16 آذار أمس، مرت الذكرى الـ40 لاغتيال النظام السوري أحد أهم زعماء لبنان ممن أنتجتهم العروبة وطبعوا المشهد السياسي اللبناني والعربي، باستثنائيته، كرمز لرقي السياسة، كمال جنبلاط. وهو اغتيل لرفضه الالتحاق بما سماه السجن الكبير الذي صارته سورية على يد النظام.
تكثر التواريخ المتصلة بما آلت إليه بلاد الشام، خلال شهر آذار. لكن الأرقام المتصلة بأزمتها تزاحمها.
أحدثها ما أذاعته أول من أمس «يونيسيف» عن أطفال المأساة: 5.8 ملايين طفل بحاجة إلى المساعدة- 2.8 مليون موجودون في المناطق التي يصعب الوصول إليها- 280.854 في المناطق المحاصرة، و2.3 مليون لاجئون في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر. وفي عام 2016 وحده قتل 652 طفلاً، بزيادة 20 في المئة عن العام الذي سبقه، بينما تقول إحصائيات أخرى أن عددهم منذ 6 سنوات بلغ 17411 طفلاً. تقرير المنظمة الدولية يتضمن أعداد الأطفال الذين جرى تجنيدهم للقتال من جميع الأطراف، وعدد الجرحى منهم خلال سنة، لكن يصعب توثيق عدد الذين تعرضوا للعنف الجنسي.
الإحصاءات المتحفظة تشير إلى مقتل زهاء نصف مليون سوري مدني، ويصل بعضها إلى الحديث عن مليون قتيل، إذا جرى جمع عدد القتلى من قوات النظام والتشكيلات والميليشيات العسكرية التابعة له (نحو 120 ألفاً) مع عدد قتلى الفصائل المعارضة على اختلافها، إضافة الى الفصائل الإسلامية، في ظل وجود مقابر جماعية بعضها اكتشف والآخر لم يجر اكتشافه بعد، من دون احتساب عدد القتلى من المحاربين من الميليشيات المتعددة الجنسيات، سواء المساندة للنظام أم المعارضة له... لا تشمل الإحصاءات المعلومات عن أن زهاء 45 ألفاً قضوا تحت التعذيب في سجون النظام... منهم ما وثقته منظمة العفو الدولية عن مقتل 13 ألف معتقل شنقاً في سجن صيدنايا وحده.
ومع اختلاف أرقام كلفة إعادة إعمار سورية بعدما دمرت قوات النظام وحلفائه في شكل أساسي قرى سوِّيت أبنيتها تماماً بالأرض، وأحياء مدن بأكملها، فإن بعض الفيديوات والصور الملتقطة لا تشبه دماراً بحجم الذي حصل في حروب أخرى سجل التاريخ فظاعتها. فالرقم الأدنى يتحدث عن الحاجة إلى 100 بليون دولار، والدراسات التقديرية للأمم المتحدة تشير إلى 200 بليون، فيما يذهب بعض التقديرات إلى أكثر.
أما سعر صرف الليرة فانخفض قبل أشهر قليلة 13 ضعفاً عما كان عليه عام 2011 فيما تمتلئ جيوب أركان النظام الذين يهرّبون أموالهم إلى الخارج على رغم العقوبات الغربية، ويكدس تجار الحرب المحميون ثروات خيالية.
ومع حديث رأس النظام في سورية عن السيادة وعن أن مصير سورية يقرره السوريون، يفيد موقع «خريطة الحرب السورية» بأن عديد الميليشيات الأجنبية المقاتلة إلى جانب جيش الأسد تطور كالآتي: 26 فصيلاً مقاتلاً من العراق، 8 تشكيلات وفصائل فلسطينية منتمية إلى محور المقاومة من سورية وخارجها، 5 تشكيلات عسكرية رسمية وميليشيوية إيرانية، 3 ميليشيات لبنانية، بينها «حزب الله» طبعاً، واثنتان من سوريين ولبنانيين، واثنتان من الميليشيات الأفغانية، «أنصار الله» اليمنية، «الزينبيون» الباكستانية، و «سرايا المختار» البحرينية... ما عدا 17 ميليشيا محلية وطائفية من السوريين.
ولا ضرورة لذكر عدد الجيوش الموجودة على التراب السوري، المعلنة تحت عنوان اتفاقات مع النظام والمساعدة التقنية، كالروسي والإيراني والكوري الشمالي، أو بحجة محاربة الإرهاب وحماية الحدود، مثل التركي والأميركي، أو غير المعلنة، بذريعة التدريب وغيره، مثل البريطاني والفرنسي والأردني وبعض خبراء جيوش أوروبية أخرى. الإحصاءات قد تكون غير دقيقة عن آلاف الغارات الجوية الروسية والسورية على المدنيين، وبعض الغارات على «الإرهابيين».
تعذر الحصول على عدد اتفاقات وقف النار وقرارات مجلس الأمن. والأرجح أن الميدان السوري سيفصح عن زيادة الأرقام المذكورة في 15 آذار 2018.
أُغلقت الجولة الأخيرة للمحادثات السورية المنعقدة بجنيف على ما أعتبره سفير الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا تقدماً بالمقارنة بالجولات السابقة، لأن الحكومة السورية وكذلك المعارضة قد توصلتا إلى اتفاق في شأن البنود التي يجب أن تكون ضمن أجندة المفاوضات. من المفترض أن تنعقد المفاوضات التالية في وقتٍ لاحق من هذا الشهر وسوف تشمل مسألة الإرهاب كإحدى القضايا الرئيسية المطروحة للنقاش، إضافة إلى الحكم والدستور والنظام الانتخابي.
كان إدراج مكافحة الإرهاب على الأجندة بطلبٍ من الوفد الحكومي السوري الذي كان محل اعتراض شديد في الأصل من قبل الهيئة العليا للمفاوضات لقوى المعارضة، التي اعتبرت أن هذه الإضافة هي وسيلة للنظام السوري وحلفائه لتحويل الانتباه بعيداً من مناقشة عملية الانتقال السياسي. لكن بما أن الهيئة العليا للمفاوضات تفتقر إلى الركيزة السياسية الدولية أو العسكرية الموازية لتلك التي يتمتع بها النظام وروسيا، في النهاية لم يكن لدى الهيئة خيار سوى قبول الأمر.
هذا التطور الأخير في مسار الصراع السوري هو مثال آخر على الكيفية التي بدأ فيها ميزان القوى يميل على نحوٍ متزايد في مصلحة النظام السوري وحليفته روسيا. على رغم أن روسيا قد صرّحت في الآونة الأخيرة في شأن الحاجة إلى إجراء محادثات السلام، سواء من خلال عملية آستانة أو جنيف، لكنها ما زالت بعيدة عن الجدية في شأن تسوية النزاع في سورية، بل بالأحرى هي استطاعت أن تستفيد من فرص متعددة في مجرى الصراع وأن تستخدمها لإخفاء نواياها الحقيقية.
تقرير جديد ينشره معهد تشاتام هاوس بعنوان «السياسة الغربية تجاه سورية: تطبيق الدروس المستفادة»، يؤكد أن مكانة روسيا في القضية السورية هي إلى حدٍ ما نتيجة لتراجع نسبي لموقف الغرب حول سورية. فلم يكن الخطاب الأميركي عن تغيير النظام في سورية متناسباً مع المستوى الكافي من العمل لتنفيذه، سواء ديبلوماسياً أو عسكرياً. وأصحاب المصالح الغربيون، من الاتحاد الأوروبي إلى الدول الفردية، لم يقوموا بوضع استراتيجية شاملة لإنهاء الصراع، وفضلوا تضييق إطار الملف السوري لإعطاء الأولوية لمسألة العمل العسكري ضد الجماعات الإرهابية، مع إعطاء بعض الأهمية لتوفير المساعدات الإنسانية والدعم للحكم المحلي ولكن في شكل محدود.
التراجع الغربي مهّد الطريق لروسيا لكي ترى في سورية فرصة منخفضة التكلفة لمواجهة الغرب، لا سيما بعد «الخط الأحمر» الخاص بأوباما. لم يُقابل تصويت روسيا المستمر بالفيتو في مجلس الأمن للأمم المتحدة برد فعلٍ قوي في الغرب. اليوم، روسيا نفسها تقوم بمنح الوعود التي لا توفي بها لأنها تعتمد على أنها لن تواجه مساءلة نتيجة ما تقوم به. مثلاً، أثناء محادثات آستانة في كانون الثاني (يناير)، وافقت روسيا على السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة في سورية ولكنها في شباط (فبراير) هاجمت قوافل المساعدات.
تمكنت روسيا من تقديم سردها الخاص في شأن النزاع السوري من دون اعتراض أو الطعن من قبل الغرب الذي قام بتطبيع هذا السرد. فهي قدمت تدخلها في أيلول (سبتمبر) 2015 في سورية على أنه وسيلة لمكافحة الإرهاب، بينما في الحقيقة كانت معظم الضربات الجوية ضد الجيش السوري الحر. بررت روسيا هذا من خلال الزعم بأنه لم يوجد هناك فعلياً أي معتدلين بين المتمردين السوريين.
في الوقت نفسه، أثبت تنظيم «داعش» أنه أداة مفيدة لروسيا والنظام السوري، حيث أن غالبية هجمات داعش في سورية كانت ضد الجيش السوري الحر. كما أصبح داعش وسيلة لروسيا للتخلص من المتمردين الشيشان على أراضيها، إذ إن العديد منهم رحلوا إلى سورية للانضمام إلى داعش.
إن غالبية الجيش السوري الحر قد تم إضعافه نتيجة لهجمات روسيا والنظام السوري وداعش وبسبب انقطاع التمويل الأميركي، ما أدى إلى تدفق المقاتلين للانضمام إلى جماعات مثل جبهة فتح الشام، والتي أظهرت قدرة عسكرية أكبر وتمويلاً أفضل من الجيش السوري الحر. وجعلت هذه التداعيات من السردية الروسية نبوءةً تحقق ذاتها.
طالبت روسيا الغرب تصنيف الجماعات المتمردة بين «معتدلة» أو «متطرفة» وأصبحت القائمة الشغل الشاغل للغرب عام 2016، في حين أخذت روسيا حريتها في تطبيق تلك التسميات. فقررت أولاً أن أحرار الشام وجيش الإسلام هما من الجماعات الإرهابية. ثم دعت كلتا الجماعتين في عام 2017 إلى محادثات آستانة على أساس كونهما من الجماعات المعتدلة.
لقد كان التغير في التسميات تكتيكاً روسياً يهدف إلى إضعاف تلك الجماعات من الداخل. أحرار الشام، التي تعاني بالفعل من الخلافات الداخلية، انشقت نتيجة لدعوة آستانة من بعد قبول بعض قادتها الدعوة ورفض بعضهم الآخر لها. وفي الوقت نفسه، هددت روسيا بمحاصرة الغوطة الشرقية معقل جيش الإسلام، تزامناً مع توجيهها الدعوة إلى الجماعة للذهاب إلى آستانة. وأدت الانقسامات بين الفصائل لهجمات من قبل جبهة فتح الشام على الجيش السوري الحر، بالتالي إلى إضعاف الأخير.
التدخل الروسي في ذاته جاء سريعاً في أعقاب إعلان المملكة العربية السعودية في ربيع 2015 أنها كانت على وشك استضافة مؤتمر في الرياض لتنسيق مساعي المعارضة السورية. بحلول الوقت الذي انعقد فيه المؤتمر في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، والذي ضم جماعات المعارضة المختلفة التي حتى ذلك الوقت لم تكن قد تعاونت في شكل منهجي، كانت روسيا بدأت بالفعل حملتها العسكرية. ومنذ ذلك الحين، وهي تقوم باستخدام العمل العسكري في شكلٍ مستمر على الأرض باعتباره وسيلة لإضعاف المعارضة السورية سياسياً.
تم إبرام اتفاقيات متعددة لوقف النار بين النظام والجيش السوري الحر ولكنها فشلت نتيجة لاستئناف الجيش السوري التحركات العسكرية ضد الجيش الحر، ولكن روسيا اعتادت إلقاء اللوم على الجيش السوري الحر في مسألة فشل الاتفاقيات. في شباط (فبراير) 2016، كانت الهيئة العليا للمفاوضات في فيينا للمشاركة في المحادثات في حين كان يتم خرق اتفاق وقف الأعمال العدائية من قبل النظام. قاد هذا الجيش السوري الحر إلى الضغط على الهيئة العليا للمفاوضات للانسحاب من المحادثات خوفاً من فقدان الصدقية، خصوصاً أن المحادثات كانت تستند إلى نجاح هذا الاتفاق.
ومنذ ذلك الحين، تسعى روسيا في شكل منهجي لتشويه سمعة الهيئة العليا للمفاوضات، ليس فقط من خلال استخدام اتفاقيات وقف النار كوسيلة لإراحة الجيش السوري، بل أيضاً من خلال تهميش الهيئة العليا للمفاوضات. فقامت روسيا بإقصاء الهيئة في محادثات آستانة، وخلال محادثات جنيف التي تلتها، فرضت روسيا على الهيئة قبول مشاركة منصات «المعارضة الموالية» ووبخت الهيئة عندما عارضت هذا الإدراج. واتهمت روسيا في وقتٍ لاحق الهيئة العليا للمفاوضات بعرقلة المحادثات عندما اعترضت الأخيرة على إدراج مكافحة الإرهاب على أجندة جنيف.
في كل هذا، رسالة روسيا واضحة: موسكو الآن تمسك بزمام الملف السوري. حتى أنها تمكنت من الضغط على الأردن وتركيا للانحياز إليها، باستغلال هدف الأردن بتجنب أعمال القتال الفعلية على حدوده كما الاستراتيجية التركية الفاشلة تجاه الصراع السوري، والتي كانت تعتمد على الدعم السياسي والعسكري الغربي لإسقاط النظام، والذي لم يتحقق مطلقاً. وجاء الاندماج الأخير للفصائل التي كانت مدعومة من قبل الأردن وتركيا مع جبهة فتح الشام لتشكيل هيئة تحرير الشام في تحدٍ لأسيادها السابقين ليعزّز سردية روسيا حول التطرف.
على رغم أن دي ميستورا قد شدّد على أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري في سورية، وعلى رغم مباركة روسيا لعملية جنيف، فإن التطورات الموجودة على أرض الواقع تعمل لمصلحة روسيا والتي ليست بعجلة كبيرة للاتفاق على تسوية سياسية. من دون استراتيجية غربية للوقوف في وجه روسيا، فإنها ستستمر في متابعة تكتيكها لإخفاء نواياها الحقيقية في سورية.
تحط رحال كل من وفد النظام و «وفود» المعارضة من جديد في جنيف، في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، ضمن جولة خامسة من مفاوضات يفترض أنها ستتناول الانتقال السياسي المنشود، كمقدمة لمرحلة انتقالية ينتهي فيها، ولو شكلياً، الحكم الاستبدادي القائم.
يذكر أن هذا الانتقال أضحى بمثابة واحدة من أربع «سلال»، ما يشكل رزمة، يفترض أن توضع على طاولة المفاوضات في آن معاً بالتوازي، إذ تناقش الوفود كل «سلة» منها، وستقسم الوفود بدورها إلى أربع جماعات، على فرض أن الأوضاع نضجت، عند النظام والمعارضة، للانتقال إلى مرحلة ما بعد مجرد إبداء «النيات»، التي يعتمدها المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا لفرض حل سياسي للصراع الدائر منذ ستة أعوام.
بيد أن ما يجدر أخذه في الاعتبار أن الجولة التفاوضية المقبلة لا تأتي ضمن معطيات جديدة، لا عند النظام ولا عند المعارضة، على رغم أنها، في الوقت ذاته، تأتي ضمن تغيرات نوعية كبيرة في تموضع القوى الدولية والإقليمية داخل الأراضي السورية من جهة، وفي سياق تغييرات في واقع العلاقات الدولية بين الدول الفاعلة أو المؤثرة في الصراع السوري من جهة أخرى، ما يعيد تأكيد حقيقة أن الحل السياسي أو العسكري ليس في أيدي السوريين، على رغم تعدد منصاتهم وولاءاتهم وجهات دعمهم، وهذا بالنسبة إلى النظام أو المعارضة على حد سواء.
إلى ذلك، من المفهوم أن يستمر النظام في تعنّته وذهابه نحو مزيد من العنف لكسب مزيد من المساحات، في ظل مساندة ومشاركة فاعلة من حلفائه الإيرانيين والروس والميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية وغيرها، ولكن من غير المقبول أن تستمر أطراف المعارضة في تشتتها واختلاف رؤاها، مع انعكاسات ذلك على مكانتها التفاوضية، في وقت تنتزع منها الفصائل المسلحة أوراق قوتها على الأرض، بل تتحول تلك الأوراق، مع تنازع تلك الفصائل أو تقاتلها مع بعضها، إلى نقاط ضعف في أكثر من مكان من غوطة دمشق إلى جنوبها إلى شمال سورية، إذ يشير ذلك إلى افتراق الملف السياسي عن الملف العسكري، أو على الأقل عدم قدرة السياسيين على إيجاد تقاطعات نفوذ على الفصائل المسلحة.
هكذا لم تعد المفاوضات اليوم بين المعارضة السياسية والنظام، أو بين أصحاب نفوذ على مساحات كبرت أو صغرت من الخريطة السورية، أي بين النظام وفصائل معارضة مسلحة، بل هي مفاوضات بين دول باتت تبسط سيطرتها في الميدان، وعلى مسارات الصراع مع دول تتنازع معها على هذا النفوذ، ما جعل العملية التفاوضية مجرد قناع لنزاعات ومساومات دولية، تتغير معالمها عن سابقاتها من الجولات التي عقدت منذ عام 2014 وحتى نهاية الجولة الرابعة في الثالث من هذا الشهر، ولعل هذا ما يجعل دي ميستورا يقر بذلك صراحة في إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي في 8 من الشهر الجاري بقوله «إن مستقبل سورية ليس في أيدي السوريين فحسب».
ولعل دي ميستورا في إحاطته هذه، يحاول أن يجد للسوريين منفذاً إلى طاولة التفاوض «الشكلية»، حيث يعلم الجميع أن التفاوض الحقيقي في مكان آخر وبين أطراف آخرين أيضاً، وذلك من خلال حرصه على وضع تصور كامل لما يمكن نقاشه داخل القاعات التي ستناقش «السلال» الأربع المقترحة، وهي: «الحوكمة»، وتعني إنشاء حكومة انتقالية تمثيلية وغير طائفية، وصوغ الدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب، على أن تنتهي هذه العملية في غضون 18 شهراً، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
ولم ينس المبعوث الدولي التلويح، للمنتظرين من الدول، بأن ملف إعادة الإعمار قد يدرج أيضاً كسلة إضافية، ربما لإثارة الشهية الاقتصادية ولجلب التشجيع على تسهيل إيجاد الحلول في السلل السابقة.
في هذا السياق، من المستغرب أن بعض أوساط المعارضة يحمل دي ميستورا مسؤولية تعثر العملية التفاوضية، وتحديد جدول الأعمال، وحتى تشكيله وفد المعارضة، في حين أن الرجل هو مجرد موظف، أو مسيّر، يعكس في مواقفه، أو في تسييره العملية التفاوضية، الإرادة الدولية، وتحديداً إرادات الفاعلين الدوليين والإقليميين في مسارات الصراع السوري، وهذا على ما يبدو ما لا تدركه هذه الأوساط أو تتصرف باعتبار أنها لا تدركه.
أيضاً، تأخذ هذه الأوساط ذاتها على دي ميستورا طرحه التوازي في نقاش القضايا السياسية، في حين يفترض أن النظام هو المتضرر من فتح النقاش في كل هذه المسائل دفعة واحدة، ما يعني أن المعارضة غير مهيأة لمناقشة هذه الأمور، أو أنها لا تعي أهمية فتحها كلها في آن معاً، لكشف النظام، هذا مع إدراكنا حقيقة أن مصير المفاوضات لا يتعلق بهذه الجولة أو تلك، ولا بالمفاوضات بين النظام والمعارضة، وإنما بمدى حسم الدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة موقفها، لجهة وقف الصراع السوري وإيجاد حل له. ضمن ذلك يبدو أن من مصلحة المعارضة القبول بالشروع ببحث كل الملفات، فهي لن تخسر شيئاً، سوى كشف حقيقة النظام، وعدم التسهيل عليه عملية التنصل من هذه القضايا. لكن قبول المعارضة لذلك يفترض أنها مهيأة، وأن لديها رؤية لكل ملف من الملفات المطروحة على المفاوضات، وهذا ما يدرك قادة المعارضة أنهم لم يعملوا من أجله على نحو صحيح، ليس خلال الأيام المنصرمة فقط بل خلال سنوات، حيث تتطلب هذه الرؤية الحصول على توافقات وطنية، كان من واجب «الائتلاف» العمل عليها، خلال الأربع سنوات ونصف السنة من عمره. هذا ينطبق على «الهيئة العليا للمفاوضات» أيضاً، التي كان من واجبها العمل على عقد «مؤتمر وطني» يوحد رؤية المعارضة للحل السياسي، وصوغ ورقة دستورية، وتنظيم عملية التفاوض وفق مشروع وطني يسقط المحاصصات الهوياتية، الطائفية والإثنية والفصائلية، المضرة، التي تمّ بموجبها تشكيل الوفود من أطراف المعارضة، التي تجلس تحت سقوف منصاتها، وعندها كان يمكن أن تُترك للنظام فرصة رفض هذا الترتيب، بدل أن تتبرع هي برفض ذلك عنه، أو إعلان تبرمها أو تشكيكها به.
يملك النظام كل الأسباب التي تجعل من مناقشة السلال الأربع دفعة واحدة خطراً على بقائه، الذي يعول عليه، من خلال إطالة عمر المفاوضات تارة، وتعطيلها تارة أخرى، في حين أن السير في خطوات التفاوض وفق ما وضعه المبعوث الدولي، يمكّن المعارضة من إنجاز ما عليها - في حال كانت رؤيتها متكاملة للحل السياسي- وتحقيق ما طالبت به المجتمع الدولي من التزام ضمانة ما يتم التوصل له.
ولعل الأهم الذي يجب الانتباه إليه أن التزام الفترة المحددة يقتصد الوقت الذي تمر عقاربه على أجساد السوريين حصاراً واعتقالاً وتعذيباً وتشريداً، ويدفع القوى الفاعلة الدولية والإقليمية باتجاه تحديد مواقعها النهائية على الخريطة السورية المرسومة بالدم، بأسرع وقت، وبأقل أكلاف ممكنة.
إذا لم يكن الوجود الأميركي في منبج تدخّلاً في سورية، فما عساه يكون. وإذا لم يشكّل حضور رئيس الأركان الروسي في أنطاليا، إلى جانب نظيريه الأميركي والتركي، اعترافاً بذلك التدخل، فكيف يمكن أن يُفهم. لم تصرّ موسكو على تنسيق أميركي مع بشار الأسد، لكنها لا تزال تتوقّع أو تأمل بأن يحصل. في منتصف شباط (فبراير) الماضي التقى الجنرالان جوزف دانفورد وفاليري غيراسيموف في باكو، في إطار التنسيق الأميركي-الروسي «المحدود»، حرص البنتاغون على تأكيد أنهما لم يبحثا في نشر قوات أميركية (بلغت بضعة آلاف) في سورية، ولم يكن قد حصل لقاء كهذا بينهما منذ كانون الثاني 2014، أي قبل شهر من الحدث الأوكراني. ومع أنهما أنشآ تنسيقاً محدوداً لتفادي أي احتكاك جوّي منذ التدخّل الروسي في سورية، إلا أن محاولات تطويره الى تعاون عسكري واستخباراتي، عبر اتفاق جنيف بين جون كيري - سيرغي لافروف (أيلول/ سبتمبر 2016)، لم تنجح بسبب معارضة البنتاغون والاستخبارات.
في المقابل حاول فلاديمير بوتين توجيه التطبيع الروسي- التركي، بعد الخلاف والقطيعة، نحو تطبيع أو مجرّد تنسيق بين أنقرة ودمشق، وإذ لم يتوصّل الى اقناع رجب طيب أردوغان اختار أن يستقطب تركيا في مسار آخر، وكان أن قنّنت روسيا تقاربها مع أكراد «حزب الاتحاد الديموقراطي» ووفّرت تغطية لعملية «درع الفرات» التي خاضها «الجيش السوري الحرّ»، بدعم تركي، فتمكّن من إنهاء سيطرة تنظيم «داعش» غرب الفرات. بذلك تكون روسيا سهّلت عملياً التدخّل التركي في سورية واعترفت به، ومع أن الجانب الأميركي وفّر غطاءً جوّياً متقطّعاً للعملية لضرب «داعش» إلا أنه لم يبدِ ارتياحاً للتنسيق الروسي- التركي خارج اتفاقاته مع أنقرة. وأظهرت التطوّرات الأخيرة معالم التفاهمات أو التقاطعات بين الأميركيين والروس، إذ تولّوا احتواء الاحتكاكات بين قوات النظام السوري و«الجيش الحرّ»، بعد معركة الباب، وأجازوا للقوات «العربية- الكرديّة» تسليم قرى جنوب الباب الى قوات الأسد. وفيما كان أردوغان يؤكّد أن المعركة التالية ستكون لإجلاء الأكراد من منبج، إذا بقوات مدرّعة من «المارينز» تتمركز في المدينة قاطعةً الطريق على الطموح التركي.
في اجتماع انطاليا بدا الجانب الأميركي حاسماً في عزمه على الاعتماد على القوات الكردية لقتال «داعش» في الرقّة، فمع أن لديها أجندة خاصة إلا أنها تحت إمرته ومرتبطة بدعمه. وإذ بدا أن الروسي متفهّمٌ لهذا الخيار، لم يتضح الموقف الأميركي من العلاقة المؤكّدة بين نظام الأسد و «حزب الاتحاد الديموقراطي»، لذلك انطلقت تحليلات متسرّعة للجزم بأن الأميركيين مقبلون بدورهم على صيغةٍ ما للتعاون مع النظام استجابةً لضرورات تحرير الرقّة، وقد يُقدِمون على تعاون كهذا لكنهم لا يريدون أن يكون تعاوناً غير مباشر مع الإيرانيين. كل ذلك يعني أن ثمة توافقاً أميركياً– روسياً غير مصرّح به على عدم إشراك تركيا في هذه المعركة مع رسم حدود تدخّلها، وكذلك عدم إشراك إيران، ما يطيح طموحاً مهمّاً لها للبدء بتحقيق التواصل على خط طهران - بغداد - دمشق - بيروت. بقيت هناك نقاط غير محسومة تستغلها أنقرة، خصوصاً بعد لقاء بوتين- أردوغان، بمواصلة الإصرار على انسحاب الأكراد من منبج حتى لو تطلّب ذلك تسليمها الى قوات الأسد. وتستغلّها طهران بالإلحاح لدى موسكو ليكون لها دور، كذلك الأسد الذي يرى أن الترتيبات الجارية تتجاوز دوره ونظامه، فيكرّر اعتبار الأميركيين والأتراك «غزاة»، طالما أنهم لم ينسّقوا معه. وتطالب روسيا علناً بالتنسيق فيما تتعايش جيداً مع «الغزاة»، بل تمنحهم مشروعية. فالمتوقّع تزايد القوات الأميركية شمال سورية، وتأكيد قادتها أنها باقية لفترة مفتوحة بعد تحرير الرقّة. وبهذا التوجه لدى ادارة ترامب، تحت راية «دحر داعش»، لم يكن لدى بوتين ما يقدّمه لأردوغان في خلافه مع واشنطن سوى اقناعه بتغيير معطيات الوضع ودفعه باتجاه تقارب مع دمشق، لكن الرئيس التركي مدرك أنه لن يكسب شيئاً من هذه الخطوة الرامية فقط الى اجتذابه أكثر نحو روسيا ومفاقمة مشاكله مع أميركا.
على رغم أن إيران لم تتناول اللقاء العسكري في انطاليا، إلا أنها تعتبر أنه منطقياً! ما كان يجب أن يتمّ من دونها، وأن هناك حلقة مفقودة في تخطيطها لحصد ثمار تدخّلها، فهي لم تتأهّل دولياً كما تهيّأ لها (وكما زيّنت لها ادارة اوباما) غداة التوقيع على الاتفاق النووي، وليس لها في أي حال أن تتخيّل قائد «الحرس الثوري» أو «فيلق القدس» رابع الجنرالات الثلاثة. قد لا يكفي ذلك لدفع إيران الى مراجعة سياساتها وتغييرها، لكن الأمر يتعلّق بالمكانة التي تتصوّرها إيران لنفسها في المنطقة، وبالاستراتيجية التي بنتها على أساس توظيف القوى الدولية الكبرى لخدمة «تصدير الثورة»، وكذلك بالأدوات (الميليشيات) التي أنشأتها وتستخدمها لتنفيذ مشروعها وهيمنتها. ذاك أن الفارق بين الدول الإقليمية كافةً أن إيران لديها أطماع في البلدان التي اخترقتها ولم تتردّد في تخريبها ودفعها الى هاوية التقسيم، ولا يضاهيها سوى اسرائيل في الأطماع والتخريب ونيات التقسيم، أما السعودية ومصر وحتى تركيا فلا مشكلة لها مع أي حلول للأزمات اذا كانت تضمن عيش السوريين والعراقيين واليمنيّين وتعايشهم في بلدانهم، ولو متصارعين سياسياً من دون تذابح أو شحن طائفيين.
أكثر من أي مرحلة مضت، تبدو معالم المشهد السوري الآن أقرب الى رقعة شطرنج في الحركة ما قبل الأخيرة، ولا تزال نهاية اللعبة غير واضحة. وعلى غير المألوف يخوض اللاعبان الأمــيركي والروسي المواجهة متنافسَين – متواطئَين، لا يباليان بمكانة أي قطعة وفاعليتها، فكلّها عندهما بيادق سواء كانت دولاً، نظاماً وشعباً، أو تنظيماً ارهابياً. كانت تركيا وإيران تعتقدان أن اللاعبَين لن يمسّا بدوريهما لأنهما «الملِكَتان» البيضاء والسوداء على الرقعة وتحمي كلٌ منهما أحد «الملِكَين» (الشعب والنظام)، فإذا بالأولى تعاني احتواءً مربكاً وبالأخرى تترقّب بداية تهميش قد يتحوّل اقصاءً. كل ما يأمله الأسد ألا يكون أحد البيدقين المرشّحين للقتل، طالما أن معادلة «الأسد أو داعش» هي التي غيّرت مسار اللعبة، وحلمه أن يعود النقطة التي تتقاطع عندها مصالح اللاعبَين، وقــد لا تكون حساباته مخطئة هنا، فواشنطن ترامب لا تستهدفه، وروسيا لم تضغط عليه لاحترام وقف إطلاق النار بل تشاركه خروقاته وتمارس أشد الضغوط على الفصائل المسلحة لإخلاء الجبهات المتبقية تحت سيطرتها، كما حصل أخيراً في حي الوعر بحمص، وكما بات متوقّعاً في الغوطة الشرقية. لكن تفريغ مسار آستانة من جدواه، وإبقاء مسار جنيف بلا تفاوضٍ جدّي، مع استعدادات متسارعة لمعركة الرقّة تليها دير الزور مع دور مؤكّد لقوات النظام، تكون أميركا وروسيا عادتا واقعياً الى رسم خريطة «سورية المفيدة» الموسعة، كما لم يتخيّلها الأسد ولا الإيرانيون، بمعزل عن جيوب عدة في الشمال والجنوب. عشية الذكرى السابعة للانتفاضة الشعبية، يبدو هذا سيناريو لإدخال سورية في نفق جديد، مع حكم استبدادي «منتصر» لم يفقد شيئاً من قدراته الإجرامية. ثمة حلقة مفقودة تتمثّل في الخواء السياسي وحتى الانساني، وتبدو الدولتان الكبريان متقاعستَين في بلورتها وممعنتين في إهمالها، بحجة انتفاء البدائل. لكن، اذا كان ستيفان دي ميستورا المعروف بانحيازه للنظام يعتقد بأن الانتخابات غير ممكنة بوجود الأسد، فلا أحد يستطيع الإقناع بأن إعادة السيطرة الى الأسد تعني إنهاء الصراع أو يمكن أن تكون عنواناً للاستقرار.
عندما تدعوك امرأة مغرمة بك لتناول الطعام من مطبخها، ومن صنع يديها، لا تشك أبدا أن مذاق أطباقها سيكون أكثر بلاغة مما لو كتبت إليك رسائل حب، وربما ستفرش لك الورود من الباب إلى الباب؛ لكن هذا لا ينطبق على من يريد إقناعنا، من أحزاب الإسلام السياسي ودعاة ولاية الفقيه الإيراني وعطشى السلطة الذين يعانون الجفاف منذ قرون ومعهم رهط من المظلومين الجدد الأثرياء، بأنه بصدد إعداد طبخة جديدة تتكون من أفضل وأطيب وأشهى أنواع الحكم الديمقراطي كمناسبة لنبذ الماضي القريب بوعود وتتبيلات محبة صادقة تعوض المكائد والدسائس التي غالبا ما انتهت بالتسمم كالعادة.
14 عاما من غياب سماحة الدين الإسلامي في ظل حكم ساسة يتوضؤون 5 مرات بدماء الضحايا من الشعب العراقي، ومعها النوافل أيضا ثقة منهم باستمرار شعوذة السلطة.
في حالة اللادولة واللاسيادة تنمو طحالب الميليشيات والسرقات والمافيات وجيش من المرتشين والفاسدين والمحتالين والمزورين مع غياب للقانون إلا في حالات الاستجابة لمشاريع كبرى.
يحضر القانون برفقة جوقة منشدين لتوفير غطاء لأسوأ ما يشهده العراق في قادم أيامه، تمهيدا لحشده السياسي بعد تمرير قوانينهم الخاصة التي تم فيها زجه بالمهمات الخاصة للحرس الثوري الإيراني بما جنبهم ردود الأفعال الدولية والإقليمية رغم أنها مكشوفة وعارية.
كيف نصف نظام الحكم في العراق، إسلامي وهو لا يمت للإسلام بصلة رغم عناوين الأحزاب، وليس بنظام علماني أو ليبرالي، ودون رشد لأنه لم يبلغ سن الفطام والشبع، معظم قادته يحملون على أكتافهم وزر الخيانة العظمى الموثقة والمثبتة بالاحتلال، حقائق دامغة وأقوال مسجلة لبدائية ووحشية مطلقة زرعت الإبادات المجتمعية المتقابلة والتشفي بالموت والإقدام على ارتكاب المجازر تحت أنظار العالم وإعلامه؛ نظام حكم بلا برامج أو واقعية سياسية أو بناء لجسور ثقة مع محيطه أو مع المجتمع الدولي، فقراء تحولوا مع استلام السلطة إلى أغنياء تتندر عليهم الصحافة وتستذكرهم الدول التي كانوا يتقاضون منها منح الرعايا وتمنع بعضهم من شراء معالمها لمعرفتها وتدقيقها بمصادر أموالهم المشبوهة.
يستوردون، بانتقاء غريب، أحداث الماضي البعيد ويزجون بها كعثرات أمام مستقبل الشعب، ولا أقول شعبهم، ويطلبون منه مع كل دورة انتخابية التجديد لهم بعد أن يستعرضوا له مشاريع ومسودات الحياة الفاضلة وهم أول من ينتهكونها ويتجاوزونها، في تعاط هجين لاستغلال الشعائر الدينية والطقوس والتعصب لإمداد وتغذية مقاييسهم الثابتة ولو على حساب البسطاء الذين يتبعونهم وهم مغمضو العيون باعتبارهم معممين وبالتالي مقدسين.
ولا نذهب بعيدا إلى شواهد من تاريخ التعصب للتوجهات الدينية وانقساماتها حتى داخل المعتقدات والتعاليم غير السماوية، فتنظيم الدولة الإسلامية بيننا وتنظيم ولاية الفقيه بيننا، أي إن الإرهاب بيننا ونحيا في مأزقه وتشظياته، فبماذا يختلف الإرهاب عن فكرة الظلم في الحكم إن في إدارة دولة أو إدارة دائرة عامة أو حتى شركة خاصة أو مدرسة بنظام تعليمي متخلف يعتمد الضرب والإهانة والتربية بالخوف والإذلال، ماذا نقدم لأجيالنا؟
تنشط العديد من الدول في حاضرنا بتأسيس رؤاها وذلك بجلب واستقدام المستقبل إلى الحاضر ليأخذه معه محركا ودافعا وبثبات يتحقق في التعليم واستثمار الإنسان كوسيلة وغاية؛ ماذا سننتج من جيل المخيمات والنزوح والعذابات وذاكرة الاحتقار المتعمد الذي تنتهجه حكومات وأحزاب تفرخ الإرهاب في مداجن سياسات التجويع ومعسكرات التشريد والطائفية وأيضا الفقر والإهمال والبطالة وفقدان الرغبة في الحياة تحت ظلال خناجر دستور جاهزة للإشهار عند الحاجة.
سياسيون يتباكون على ضربة لم تحدث لمفاعل نووي إيراني، لأنه المفاعل النووي الذي سيحمي بلاد المسلمين من المطامع الإسرائيلية في التمدد من النيل إلى الفرات؛ متناسين أن إيران استهدفت المفاعل النووي العراقي لكنها لم تستطع تدميره، كان ذلك قبل فترة من العدوان الصهيوني على مفاعل تموز في بغداد في 7 يونيو 1981؛ دلالات وإشارات ممانعة أصبحت مثار صمت بعد سخرية طويلة تحولت في يومنا هذا إلى غضب لم تكتمل بعد تداعياته رغم بلوغه مرحلة الجنون؛ في الأمر تتمة.
العراق هل هو أميركي أم إيراني أم الحقيقة تتمثل في استحواذ الإرهاب عليه؟
يمكن أن يكون بلدا لكل التسميات والأقوام والمزاجات والقوى السياسية والمذهبية والقومية، لكنه بكل تأكيد ليس عراقا لأهله، والعبرة دائما بالحكام فهم الذين يأخذون بيد الشعب، وهم أخذوه لكن إلى نظام رسخ عن سبق وإصرار دوامة العنف المستدام، ودفاع حيدر العبادي رئيس الوزراء، في ملتقى السليمانية الخامس عن مرحلة ما بعد داعش، عن الحشد الشعبي وسلاحه، وإدانته للسلاح خارج سيطرة الدولة بما يقترب من تعداده السابق للفصائل التي كان يصفها بالخارجة عن القانون وبلغت 100 ميليشيا سرعان ما برمجها كقوات عسكرية بإمرته، وهو يدري أنها لا تأتمر بأوامره، وهناك مستجدات لا تنقطع لميليشيات، حتى خارج منظومة هيئة الحشد الشعبي، تقاتل خارج الحدود ستجد لها مكانا شاغرا وبفارغ الصبر سيتم ملء الفراغ.
مصطلح “الفضائيين” في العراق شائع ومتداول ويقصدون به منتسبي الجيش خصوصا والذين يستلمون الرواتب دون أن يكون لهم وجود فعلي وعملي، وهو جزء من قضايا الفساد المالي التي تم الكشف عنها، وعزا بعضهم احتلال الموصل وغيرها من المدن إلى عدم وجود المقاتلين كما هي الأعداد المسجلة في قوائم الرواتب؛ في هكذا نظام أصبح الشعب تائها في فضاء دولة لا تحكمها جاذبية الوطن ومصالح البلاد والناس وغدهم.
الغارة الأميركية الإعلامية لحملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب قبل انتخابه رئيسا لم تعد إعلامية، وبرنامجه في القضاء على الإرهاب العالمي بدأ يتموضع في سوريا وبوضوح أكبر في العراق وذلك بزيادة القوات ونشرها دون ضجيج وعلى ودفعات وبأماكن متفرقة، والأخبار صادمة بكل تأكيد للإرهاب الداعشي المتواجد على أطراف محافظة الأنبار في مدن عانة وراوة والقائم، والاستعدادات والترقب للمعارك حاضرة في تهيئة الحشود العشائرية ومنها من لا علاقة له بالحشد الشعبي الطائفي ويقاتل مع القوات العسكرية لتحرير مناطقه.
رد الفعل يأتي من بعض قادة الحشد بالرفض لمشاركة أعداد إضافية من القوات الأميركية في الحرب ضد الإرهاب، رغم أن الأميركيين يشاركون في الدعم الجوي الكبير الفاعل في معركة الموصل وكذلك في إسناد القطعات الأرضية. لماذا التوجس من الحرب الحاسمة على الإرهاب؟ الجواب في الصراع الأميركي القادم مع إيران، الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، وهي حرب سيخوضها الحرس الثوري الإيراني لكن وقودها من العراقيين من منتسبي الحشد، وهو وقود متوفر ورخيص وتحت الطلب وبأمر الولي الفقيه طبعا.
المشهد يبدو تصعيدا أميركيا سيقابله طبعا تصعيد إيراني. أدوات إيران وأذرعها بإنتاج واسع على الأرض العراقية، لكن التصعيد في العراق سيكون أولا انتخابيا وذلك بخصم النسبة العربية منه؛ أما ما نلمسه من تقارب في العلاقات بين العراق والعرب فهو مجرد ابتسامة لقناع إيراني ربما لمرة واحدة إذا أسعفه الزمن ضمن سياسة الملالي الذين سيكشرون عن أنياب مشروعهم الإمبراطوري ضد العرب كما فعلوا دائما بتعبيد الطريق لعرابهم نوري المالكي أو أحد قادة ميليشياتهم لتسلم السلطة. أميركا بدأت بالتواجد الدائم لمحاربة الإرهاب في العراق، وهناك من ساسة العراق مازال يرى أن الحل لا يأتي إلا من داخل أقبية الأغلبية السياسية الطائفية؛ للعراق بقية، بقية من عروبته ومن شعبه الصابر.
هذا أسبوع مهم للدبلوماسية السعودية... تعزيز العلاقة مع الصين، أكبر مستورد للبترول في العالم، وفتح صفحة جديدة مع الرئيس الجديد الأميركي دونالد ترمب لإصلاح ما أفسده الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي تقارب مع إيران ضد مصالح وأمن الخليج والسعودية.
والسعودية التي وجدت نفسها في زاوية ضيقة نتيجة الحروب والتبدلات الجيوسياسية، والنفطية أيضاً، تشن حملة دفاع مضادة... الملك سلمان بن عبد العزيز يجتمع مع القيادة في الصين التي طلبت التوسط لإيران التي أصبحت تنشد المصالحة، في الوقت نفسه التقى الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، بالرئيس الأميركي.
وعن اجتماع البيت الأبيض وصفه متحدث سعودي لشبكة «بلومبيرغ»، بأنه «نقطة تحول تاريخية... وأن اللقاء أعاد الأمور إلى مسارها الصحيح وشكّل نقلة كبيرة للعلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية كافة». والإشارة هنا واضحة إلى إعادة الأمور التي أفسدها أوباما إلى مسارها، وإعادة العلاقة الخاصة بين البلدين التي بنيت على تفاهمات الاجتماع بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت على الطراد «كوينسي»، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
قيل رسمياً القليل عن اجتماع محمد بن سلمان مع ترمب، الذي لم يمر على رئاسته سوى أقل من شهرين، إلا أن البيت الأبيض أظهر اهتماماً كبيراً. فالرئيس، الذي قدم موعد الاجتماع قبل موعده بيومين، أشرك معه أركان البيت الأبيض، بما فيهم نائب الرئيس. وما صدر، بصفة غير رسمية، يوضح أن واشنطن بدلت سياستها تجاه إيران، وأنها لن تقف مكتوفة اليدين حيال نشاطاتها الإرهابية. ومنذ أسابيع تبنت إدارة ترمب موقفاً مختلفاً عن أوباما، حيث سمحت بشحن الذخيرة للقوات السعودية، وتقديم المعلومات الاستخباراتية لدعمها في اليمن.
لقد مرت السعودية بفترة مضطربة في علاقتها مع واشنطن خلال فترة الرئيس السابق أوباما، بل إن المنطقة كلها مرت بمرحلة مضطربة لا مثيل لها في تاريخها، حيث شجع انفتاحه على إيران توسعها عسكرياً في العراق وسوريا واليمن. ومن مضاعفات سياسته الفوضى التي عمت المنطقة. رحلة الأمير محمد بن سلمان ضمن موضوعاتها إقناع ترمب بعلاقة جديدة تنشد تصحيح الوضع، ومواجهة هيمنة إيران. وكذلك مواجهة الإرهاب، العدو المشترك للجميع، بمحاربته جماعياً. واقتصاديا، أشار متحدث في الوفد إلى أن الجانب الأميركي راغب في تعزيز المشاركة في مشروعات الرؤية الاقتصادية.
وفِي الصين لم تكن إيران الوجبة الوحيدة على قائمة الملك والرئيس، وبخاصة أن العلاقات جيدة في النفط، والاقتصاد، والتعاون العسكري، وفي ملفات حساسة، من أهمها التعاون الأمني. وهناك مشروع الصين الواعد والمثير، طريق الحرير، اقتصادي عملاق له إشكالات سياسية معقدة، نتيجة أنه يمر بمناطق نزاعات. ومن الخيارات المُحتملة له، أن يتخذ هذا الطريق من الأراضي السعودية ممراً أو يكون درباً موازياً.
وكل المعلومات التي تصدر عن بكين تبين أنها ماضية في تعزيز حضورها بهدوء عجيب، في مناطق غرب آسيا وشرق أفريقيا. فالصين، اليوم، هي القوة الاقتصادية العالمية الثانية بعد الولايات المتحدة، وتحتاج، ككل الدول الكبرى، إلى الموارد الأولية، ومصادر الطاقة، وتأمين ممرات تجارتها، وحماية استثماراتها ومصالحها. والصين، بخلاف بقية الدول الكبرى، لا تعتمد سياسة النفوذ بالوجود العسكري، بل تستخدم نفوذها الاقتصادي لفرض مواقفها أو حماية مصالحها.
أمام العالم، نموذجان في منطقة الشرق الأوسط؛ واحد يعرض رغبته في تعزيز علاقاته بالتعاون التنموي والاقتصادي، ونموذج يستخدم الحروب والإرهاب وسيلة لفرض علاقاته.
بنظرة طائرٍ يمر فوق سوريا، على فَرضِ أنه محميٌّ من الطائرات والقذائف، سيقول: ليت ما كان لم يكن، فإنها كانت "محميّةٌ" طبيعية جيّدة لمعيشة الكائنات الحية، عدا الإنسان.
أصعب من دمار البيوت على رؤوس أصحابها، أنها خاوية فأهلها هم جدرانها وأعمدتها مهما تهاوَتْ، أقسى من انعدام طُرق الحياة، أن بعضًا من الناس لم يعودوا معنيين بالبحث عنها، أشد قهرًا من ظروف الاعتقال، المنتظرات لأي خبرٍ عن المُعتقل وليس انتظار عودته، أكثر بُعدًا من الموت، أولئك المختطفين أو المختفين، فلا العزاء يُعزّي فاقديهم، ولا الانتظار يخفف غيابهم، أفظعُ من الهزيمة، أن لا تعرف عدوّك.
نعم، ليت كل ذلك لم يكن، فما من أحدٍ يسعى إلى أن يُقتل أهله، ويُهدم البيت وأصحابه تحت أنقاضه، وأن يموت الناسُ جوعًا ـ وهذا ليس مجازًاـ، وأن تضطرب أنفاس الخلائق ولو للحظة بالغازات السامة، وأن ينشأ جيلٌ لا يعرف مبادئ العلم والتفكير، عداك عن كل المصائب الأخرى، وهذه من البَدَهيّات التي لا نقاش فيها، ولكن لماذا ما زال الناس يصرّون على معايشة كل هذه المآسي والآلام؟! لماذا خرج الناس وهم يعلمون أنهم سيُقتلون، ثم خرجوا وهم يُقتلون، ثم خرجوا بعد أن قُتلوا، ثم خرجوا على قاداتهم، وما زالوا يقاوِمون بما أوتوا؟، لماذا يُصرّون على دفع هذه الأثمان من جيوبهم لا من جيوب سواهم، من نفوسهم ونفوس أبنائهم، من دمائهم التي جرت أكثر من مياههم، لماذا كل هذا؟ لأن اتفاقًا ضمنيًا بين الناس يقول لهم: كل ثانيةٍ نتراجع فيها ثمنها سنواتٌ من الخنوع والخضوع، لأن الناس لن تُسلّمَ أمرها لطاغيةٍ ولا لمحتل، مرةً ثانية.
إذا كان الصدام مع النظام قد جلب للناس كل هذه المصائب، فإنه كالمخاض موجِعٌ ولازمٌ، فحتميّة الصدامات بين الناس والسلطات القمعية تبشّر بالمصائب والآلام، وهذا ما اعتمده نظام الأسد، أن يقول للناس في كل مكان: "هذه مصائر الصدامات معنا"، ولعل أنظمة أخرى أعانته على ذلك لإيصال هذه الرسالة، ومنها المجتمع الدولي "المُتحضّر" الذي ترك الناس أمام مصائرهم، ووقّع على قرار إعدامم ودفن مستقبلهم متحججًا بألاعيب وشماعاتٍ سئم الأطفال من انتقادها وردها على مُطلِقيها.
تنوّعت المواقف بين السوريين في ذكرى انطلاق الثورة، ولعل هذه السنة كانت الأوضح على اختلاف المواقف بينهم أو على المزيد من إلقاء حجارة الرجم عليها، وهذا يؤكِّدُ أن لا مقدّس الآن، وكل شيء عُرضة للمراجعة والتفنيد، وربما كان عام 2016 أسوأ ما مرّ على الثورة والبلاد، وهذا ربطٌ جيّد، فكلما رأينا الثورة منتعشة تأمّلنا بمستقبل البلاد، والعكس بالعكس، فهو اعترافٌ ضمنيٌ بأهمية الثورة ومآلاتها.
ليتها لم تكن، يحقّ لأي متألمٍ أن يقولها، نعم ليت هذا الصدام لم يكن، ولكن صمامات الأمان بين السلطة والناس كانت مهترئة، تصدّأت من عفن الطغاة وأعوانهم ـ مشايخ ومفكرين ووجهاء ـ فكان ما كان.
ليتها لم تكن، يحق لأي مخذولٍ قولها، وهو الذي رأى مَن اغتنوا مِنْ جُرحه، وسكنوا مِنْ تشرّده، وشبعوا مِن جوعه، لكن المحاولات الفاشلة لا تعني النهاية أبدًا، وخاصة أن الناس لم تُهزم، وعادةً الناس لا يُهزمون.
ليتها لم تكن، تلك السلطة / العصابة، التي تقتل من يحلمون وتصلبهم على جدران جبروتها، تحاصر الناس ثم تطلب من عجوزٍ أن يُقلد صوت الكلب كي يأخذ رغيف خبز لعياله ـ كما حدث في مخيم اليرموك ـ، هذه السلطة التي ليتها لم تكن، كي لا نتصادم معها هذا الصدام الهائل.
ست سنوات من الموتِ الفائضِ والعناد، لا بد أن الثوار ـ جميع الثوارـ قد أخطؤوا بأماكن وأصابوا في أخرى، فثورات الكريستال خيالٌ علميٌ أمام واقعٍ كهذا، ولا بد أن الانحرافات كثيرة، ولا بد أن "الصف الأول لم يتجذّر"، ولا بد ولا بد ..، ولكن، أعرفُ سيدةً ما زالت تخبِزُ للناسِ، وتنسج صوفًا، وتصلّي، وتقدّم للأمل المقطوعِ من الأشجار .. أغانيها، تلك الثورة.
"في ذكرى الثورة السورية"
كان هناك رجل عربيّ أصيل..
شهمٌ كريمٌ وفارس مقدام ومغوار..
له في المعارك صولات وجولات..
ذو شأن عظيم..
كان وجيهاً في قومه..
كان أكبرهم سناً.. وأفضلهم حكمة وأكثرهم خبرة..
كان لا يردّ سائلاً ولا فقيراً ولا محتاجاً..
كان يقري الضيف ويكرم الغريب ويحسن معاملة الصغير قبل الكبير..
يحترم الجميع.. ويحب الجميع..
جاءت عصابة من خارج المدينة..
احتلت المدينة وأعدمت كل وجهائها..
أبقت على هذا الرجل..
ولكنها سجنته.. وعذبته..
دخلت بيته..
وعبثت بأشيائه الخاصة وبأوراقه..
لبست ثيابه وسرقت هويته..
غيرت كل شيء..
غيرت ملامح البيت وملامح المدينة..
لم ينكر على هذه العصابة أحدٌ شيئاً مما فعلته..
فأعجبها الحال فسكنت بيت الرجل..
واغتصبت زوجته وقتلت جميع ابناءه..
ومازلت تعذب الرجل كل حين..!
أنجبت الأم المغتصبة طفلاً صغيرا معتقلاً..
قاموا بتقييده إلى سرير أمه منذ ولادته..
ومنعوا الجميع من رؤيته أو الحديث معه..
يرمون له فتات طعامهم وبقايا فضلاتهم حتى يبقى على قيد الحياة لا أكثر!
ما أرادوا له خيراً وما أرادوا له حياة..
أبقوه فقط لكي يخبروا العالم أن لديهم طفل بحاجة إلى مساعدة..
وقاموا بجمع التبرعات والمساعدات على اسم هذا الصبي المعتقل!
بقي هذا الطفل مقيداً إلى سريره قرابة الخمسون عاماً..!!
أبوه ينازع..
ما يزال تحت التعذيب..
أمه باتت عجوزة..
لا تقوى على شيء..
ومغتصبوها يعيثون فساداً في البيت وفِي البلاد..
قرر هذا الطفل "الكهل" أن يفك وثاقه بيديه..
قرر أن يقوم..
قرر أن ينهض ليأخذ بثأر أبيه وأمه..
فك قيوده فجأة وقام..
قام.. ولكنه لم يكن قد تعلم المشي بعد!!
خمسون عاماً لم يجرب خلالها الحياة..
وفجأة انطلق إلى العالم الذي كان ينظر إلى عجوزٍ في الخمسين من العمر.. ولكنه لا يعرف المشي ولا يعرف حتى الكلام!
لم يستطع هذا الكهل أن يقف..
حاول أن يستند إلى شخص يقف بجانبه.. تعود أن يراه دائماً من الشباك.. إنه جاره..
فما كان من الجار إلا أن أدار ظهره لهذا العجوز فوقع على الأرض..
تمالك نفسه ووقف من جديد..
حاول المشي فتعثر..
حاول الكلام فتلعثم..
مد يده للجميع..
فأدار الجميع ظهورهم له..
وقع من جديد..
أراد أن يخبر العالم بما كان يفعله المجرمون به.. وما كان يفعله في أبيه وأمه من قبله.. فما استطاع الكلام..
وما وجد من يريد الاستماع أصلاً..
حاول أن يذكرهم من هو أبوه!
وكيف كان أبوه يكرمهم ويحميهم ويحل مشاكلهم في أوقات أزماتهم.. فوجدهم له منكرون!
قرر أن يعتمد على نفسه ويتعلم المشي والكلام..
أمه مقيدة هي الأخرى ولا تقوى على الحراك..
أبوه ينازع في المعتقل وقد يكون فارق الحياة!
لا بد أن ينهض..
لا بد أن يستجير بأحد..
لا بد أن يطلب المساعدة لأبيه وأمه..
قام..
وبكل إصرار وعزيمة..
مشي خطوته الأولى..
فالثانية..
فالثالثة..
بدأت الابتسامة ترتسم على شفتيه العجوزين.. ابتسامة نصرٍ لطفلٍ قد تعلم المشي لتوّه..
انتبه بعض الجيران..
قاموا بتنبيه المغتصب..
المنتبه أصلاً والذي كان يخشى هذه اللحظة..
فما كان من الجميع إلا أن تحلقوا حول هذا العجوز الطفل وانهالوا عليه ضرباً ورفساً بكل ما ملكوا من قوة ومن وسائل..
يقوم المسكين ويقع..
والجميع يضربه بلا هوادة وبلا شفقة وبلا رحمة..
لم يكتفوا بذلك..
لاحقاً.. اكتشف هذا الكهل الطفل أن الجميع كان يعرف بقصته..
والجميع كان يشاهد مأساته..
والجميع كان يبارك لمغتصبي أمه ويهنؤوهم على فحولتهم ورجولتهم!
والجميع كان لا يريده أن يقوم.. بل كان يتمنى له الموت..!!
نفس الأشخاص الذين ساعدهم أبوه من قبل..
نفس الجيران الذين أكرمهم أبوه من قبل..
هم من قاموا بطعن هذا الطفل ومساعدة مغتصبي أمه..!!
ستّ عجاف..
ستّ شداد..
ستّ ثقال..
سيعقبهن فرج من الله..
هي اليد التي ستمتد لتغيث هذا الطفل المظلوم أخيراً..
يوماً ما..
وقبل أن يأتي الطوفان ليقتلع الجميع..
سيطلب الجميع من هذا الطفل أن يسامحه..
وسيطلب من هذا الطفل أن يساعده..
وسيطلب من هذا الطفل أن يعينه..
حينها..
هو الوحيد الذي سيكون قوياً..
وهو الوحيد الذي سيكون خبيراً..
وهو الوحيد الذي سيمد يد العون لتلك الأيدي الغادرة التي لطالما غدرت به..
وهو الوحيد الذي سيبقى على خلق أبيه، فيساعدهم ويكرمهم..
وهو الوحيد الذي سيحافظ على شرف أمهاتهم، فينقذهن من براثن المعتدين المغتصبين الآثمين..
وهو الوحيد الذي سيبقى كهلاً بجسده.. طفلاً بروحه..
الأم: سوريا
الرجل: الشعب السوري
الطفل: الثورة السورية
الجيران: الدول العربية والإسلامية
المغتصب: *** يمكن ملأ هذا الفراغ بأي شيء تراه مناسباً: (النظام السوري.. المعارضة السورية.. الجماعات المتشددة.. العصابات الإرهابية.. داعش.. النصرة.. العالم.. إلخ) فالكل شريك في الجريمة الإنسانية البشعة التي تُمارس في حق الشعب السوري المسكين الأعزل..
يتذكر السوريون “الخازوق” الذي أُعدم فيه معارضون سياسيون وأبطال النضال الوطني أيام الحكم العثماني لسورية، ولا تزال ساحة المرجة شاهد على تلك الإعدامات التي سجلها التاريخ.
التاريخ، الذي يحفل بالدماء وعمليات إبادة، يكتبه المنتصر ويبكيه المسحوق، فالخازوق أصبح مجرد حكاية في صفحة أو اثنتان بكتاب التاريخ المدرسي، وتحول معنى الخازوق من “أبشع أداة إعدام في التاريخ”، إلى كلمة أخرى عامية، يستخدمها الناس في الأحاديث اليومية وللتندر أحيانًا.
اليوم بعد 6 سنوات على انطلاق الثورة السورية، يبدو المشهد أكثر تعقيدًا وتشابكًا على المستوى الدولي، وفي ذات الوقت، أكثر مأساوية ودموية على المستوى السوري.
حاول البعض البحث عن مقارنة مع شعوب أخرى تعرضت لما يشبه ما تعرض ويتعرض له السوريون من إبادة، لكن هذه المقارنات، وان نجحت في إيجاد شَبَه في التدمير والقصف، كان من الصعب عليها العثور على تجربة خضعت فيها الدولة لاتحاد شاذ بين مختلف الأضداد على تدمير إرادة شعب وقمعه كما يحدث في سورية.
ويبقى التاريخ حبيس المنتصر، فلا أحد يمكنه أن يعرف كيف ومن سيكتب التاريخ، وكيف ستتحول الثورة السورية ودماءها على يده.
اليوم وبعد 6 سنوات على انطلاق الثورة السورية، ومع وجود احتلالين مباشرين من قطب دولي “روسيا”، وإقليمي “إيران”، لا تزال ممارسات نظام الأسد ذاتها في درجة القمع والتعذيب والملاحقة، كما أن تجار الحرب الذين خرجوا من عباءة النظام ما زالوا يُقاسمون السوريين لقمة عيشهم، أما المحتلين فما زالت وسائل إعلامهم على جهوزيتها في مواجهة أي تحرك دولي، أو تقرير لمنظمات إنسانية ترصد جرائم الحرب.
قبل عامين خرجت صور “سيزر” للعالم، وجالت صور الجثث التي لا تشبه الجثث، جالت بعض دول العالم في معارض تم تنظيمها لإلقاء الضوء على جرائم الحرب التي ارتكبها الأسد، وعلى معنى أن يموت البشر تحت التعذيب، ولكن… عادت القضية للنوم، وكأن ثمة من يريد موتها.
آخر تصريحات الأمم المتحدة جاءت مؤخرًا على لسان المفوض السامي لحقوق الإنسان، الذي قال “إن سورية بأسرها تحولت إلى غرفة تعذيب”، وأن النزاع الذي يدخل عامه السابع هو “الكارثة الأسوأ من صنع البشر” منذ الحرب العالمية الثانية.
والمأساة السورية تستمر، والتصريحات تستمر، والدم لا يتوقف، والتاريخ ينتظر المنتصر.
اليوم وبعد 6 سنوات على انطلاق الثورة السورية، اعتدنا كسوريين على فشل وخذلان المعارضة السياسية أو كما سماهم السوريون “ثوار الفنادق”، وألفنا النكات حول فسادهم، وهاجمناهم بالجلسات العامة والخاصة، ولكن عندما جاء الخذلان من الداخل، هرب السوري إلى نفسه، ونطق الشهادتين تحضيرًا لموته.
الداخل، أو كما أحبوا أن يسموا أنفسهم “ثوار الخنادق”، جاء الخذلان من الداخل، فعُقدت المصالحات على طول سورية وعرضها، وتمت الموافقة على تهجير السكان وتجميعهم في مدينة إدلب، تحت رحمة الاحتلال الأسدي والروسي والإيراني، وتم تسليم حلب، وحمص، ووادي بردى، وداريا والمعضمية وكناكر ومضايا والزبداني، والغوطة تسير على طريق التسليم، وانتشرت اتهامات الخيانة بين الفصائل، وخرجت إلى العلن فضائح لقادة عسكريين، وانشغل حاملو السلاح بالتطبيل لروسيا في أستانة 1 لأنها اعترفت بهم وتجاهلت المعارضة السياسية التي تكلمت باسم السوريين لسنوات، وبدأت الهيئات الشرعية تزداد وتصدر الأحكام وتغلق الجمعيات الإنسانية والصحف والمجلات، وتمنع المقالات، ولا يزال التاريخ يتفرج على ما يحدث في سورية، فكل منتصر على شبر سيكتب تاريخ هذا الشبر من الأرض.
اليوم وبعد 6 سنوات على انطلاق الثورة السورية، ذهب أوباما “الجبان” و”المتردد”، وجاء بدلًا عنه وحش من نوع آخر، أطلق العنان لسادية وعدوانية اتجاه اللاجئين، واعتبر الأسد حليفًا في الحرب على داعش، ولم يهتم كما لم يهتم سلفه، بأن فرق الإعدام هي الرد الوحيد لدى النظام والمحتلين للرد على ضحكة طفلة أو كلمة حب سورية.
تغير العالم كثيرًا في هذه السنوات الستة، فالتعصب والعنصرية يتغلغلان أكثر، وما كانت أوروبا تحاربه لعقود وتحاول تغطيته من مشاعر يمينية عنصرية أصبح في البرلمانات وعلى شاشات التلفزة، وصار مُرشحًا للرئاسة، وما وصول ترامب المتطرف بفكره المتعصب لرئاسة أمريكا إلا دليلًا على مدى الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه العالم.
التاريخ يكتبه المنتصر، وكما حصل أوباما على جائزة نوبل للسلام يومًا ما، وحصل تشرشل على نوبل الآداب، ولأن الحرب لا تحدد من هو صاحب الحق، وإنما تحدد من تبقى، فإنه وفي عيد الثورة السادس، يبقى لنا أن نحاول أن لا ننسى أنها ثورة منذ اليوم الأول، وأن العالم كله تآمر على ثورتنا فحولها إلى حرب.