من الإرهابيون نحن أم هم.!؟
من الإرهابيون نحن أم هم.!؟
● مقالات رأي ١٩ مارس ٢٠١٧

من الإرهابيون نحن أم هم.!؟

 

 

بقلم: عبد الرحمن عمار

 

بخطى سريعة تمت صناعة الإرهاب وإلصاقه بالإسلام وتحييد الشعوب والأديان الأخرى.. وبخطى أسرع أصبح الإرهاب محصوراً بالمسلمين السنة تحديداً، والعرب بشكل خاص، كل ذلك عبر حملات سياسية وعسكرية وإعلامية عالمية منسقة ومدروسة.

وقد بلغت الحملات ذروتها بتصنيع تنظيم الدولة ونشر مقاتليه في العراق والشام ثم في العديد من الدول العربية والأجنبية دون أن يتساءل أحد من العارفين أو الجاهلين عن تلك القدرة الخارقة التي يمتلكها التنظيم، بحيث يضرب في قارات الأرض كلها دون أن يؤثر فيه أحد، وكأنه سوبرمان يلبس طاقية الإخفاء.

كل ما يذكره العالم ويتداوله الإعلام العالمي أن " داعش " يمثل الإسلام، لذلك فهو يقتل ويسفك الدماء، والأدهى والأهم من ذلك أنه يقطع الرؤوس، ولذلك يجب القضاء عليه، أو بالأحرى القضاء على الإسلام والمسلمين، فالكل محكوم بالإرهاب.

منذ عدة سنوات امتدت تهمة الإرهاب من الحاضر إلى الماضي حتى وصلت إلى الرسول الكريم. وما الرسوم المسيئة إلا غيض من فيض من عملية التشويه العالمية المتعمدة ضد الإسلام والنبي الكريم، فالعقيدة الإسلامية، بحسب زعمهم، هي عقيدة تشجع على الإرهاب، بل هي منبع الإرهاب الفكري وصولاً إلى الإرهاب الدموي الذي يمارسه في هذه الأيام تنظيم الدولة وغيرها من التنظيمات المصنفة عندهم بالإرهابية، وهذا محض افتراء وتزييف.

وما داموا قد عادوا إلى تاريخنا واستحضروا الاتهامات الباطلة وصولاً إلى الوقت الراهن، فنحن من حقنا أن نعود إلى تاريخهم، ونستحضر أجزاء قليلة جداً من الوقائع الموثقة في أدبياتهم التاريخية، فنذكر على سبيل المثال كيف تمت إبادة الهنود الحمر على أيدي الرجل الأبيض، منذ أن داست قدما كولومبس أرض القارة الأمريكية. وقد علق أحد الكتاب ساخراً بمرارة: لو كان هنالك أية وسيلة توثيق فعالة في تلك الأيام لتسجيل وتصوير وتدوين ما فعله كولومبوس بالأرض التي نزل عليها في ذلك اليوم من عام 1492م، لمنح أبو بكر البغدادي وقادة حلف المقاومة والممانعة جوائز نوبل للسلام ".

إن كولومبس وخلفاؤه مارسوا على مدى أكثر من ثلاثة قرون أنواعاً شتى من عمليات القتل والإبادة، وقد سجلت أفلام الكاوبوي الأمريكي الكثير من هذه الممارسات، ومنها ما كان يفعله " صيادو الرؤوس "، فكل مغامر أبيض كان يتجول على أطراف القبائل الهندية، ثم يأتي برأس هندي أحمر أو أكثر، وينال جائزة مادية مغرية.

والأدهى والأمر من ذلك كان الرجل الأبيض يتعمد تسميم المياه ونشر الأمراض والأوبئة الفتاكة بين شعوب بدائية لا معرفة لها ولا قدرة على مقاومة تلك الأوبئة. ونتيجة لكل ذلك تمت إبادة تلك الشعوب الهندية بشكل شبه كامل، فبحسب المصادر الغربية كان عدد سكان الهنود الحمر في الأمريكيتين أواخر القرن الخامس عشر، أكثر من مائة مليون نسمة، وبحسب قانون النمو السكاني، فمن المفترض أن يكون العدد الآن أكثر من خمسمائة مليون نسمة، إلا أن عددهم في الوقت الراهن هو أقل من مليون نسمة، ومثلما فعل الرجل الأبيض بالهنود الحمر كذلك فعل بسكان أستراليا الأصليين.

ولو انتقلنا إلى احتلال فرنسا للمغرب العربي، ومنها الجزائر عام 1830 واعتمدنا على الكاتبة الفرنسية ( كوليت جانسون ) في سرد ما فعله الفرنسيون من فظائع لتأكد لنا مرة أخرى أن الرجل الأوروبي، دون أن نعمم، هو أسّ الإرهاب ودعاماته، وسوف نكتفي هنا بعدة أمثلة أوردتها الكاتبة لتثبيت ما نرمي إليه.

تصف الكاتبة بسخرية مرة حال المفهوم الاستعماري الفرنسي للجزائر حين تقول: إن فرنسا فتحت الجزائر وباركته المسيحية جمعاء، ومن واجبنا أن نحمل شعب الجزائر على اعتناق العقيدة الفرنسية حتى يلمسوا السعادة الروحية.!!.

وفي تقرير أرسله الجنرال روفجيو الى فرنسا يقول فيه: خرجت قوة من الجنود من مدينة الجزائر في ليل 6 إبريل عام 1832 وانقضّت قبيل الفجر على أفراد إحدى القبائل وهم نيام تحت خيامهم فذبحتهم جميعاً بغير تميّز في الأعمار والاجناس، وعاد الفرسان الفرنسيون من هذه الحملة وهم يحملون رؤوس القتلى على أسنة رماحهم ".

ويقول غيره في كتابه " رسائل جدي " دخلنا إلى مدينة " الأحراج " واستولينا عليها ففعلنا فيها ما فعلنا.. لقد كانت مذبحة شنيعة حقاً كانت الجثث منتشرة في الميادين والشوارع والخيام حتى أننا أحصينا 2300 جثة، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لأننا لم نترك جرحاهم على قيد الحياة أبداً ".

وهنا نشير إلى أن عدد من سقطوا في المعارك التي حدثت في الجزيرة العربية بين المسلمين والمشركين خلال عشر سنوات من عمر الدعوة، لم يتجاوز ألفي قتيل، ومع ذلك لا يزال الغرب يرفع مقولته المهترئة بأن الإسلام انتشر بالسيف.

وكان الإعلام الفرنسي في ذلك الوقت ينهج نهج أولئك الجنرالات من حيث التشفي والاعتزاز بالقتل وسفك الدماء وقطع رؤوس الجزائريين. ففي أكتوبر من عام 1836 كتبت إحدى الصحف قائلة:

لقد أُرسل إلى فرنسا مؤخراً عشرون رأساً ليبلغ عدد الرؤوس التي وصلت إلى معسكر العمليات ثمانية وستين رأساً، وهى معلقة على سناكي البنادق، إنها لصفقة عظيمة وبداية طيبة تفتح لنا الطريق.. ".

وفي المنحى الإجرامي ذاته، نذكر ما جرى في المغرب عام 1950 أثناء تصوير بعض المشاهد من فيلم " الوردة السوداء "، فبحسب أحد مواقع التواصل الاجتماعي، قام الماجور الفرنسي " لويس مورين " بإعدام اثنين من المقاومين المغاربة شنقاً على الشجر، لكي يتم استخدامهم في أحد مشاهد الفيلم عوضاً عن استخدام الدمى، وبذلك يكون المشهد أكثر واقعية.!!. فالماجور المذكور كان من معجبي الممثل الأميركي " أريسون ويلز ".. بطل الفيلم.!!.

أما قياصرة روسيا وصولاً إلى بوتين، فقد مارسوا أنواعاً شتى من الإبادة ضد الشعوب الإسلامية في منطقة القوقاز وغيرها. ونكتفي بالإشارة هنا إلى أن عدد سكان الشيشان المسلم كان نحو سبعة ملايين في القرن الثامن عشر، أما اليوم فلا يزيد عن مليون ونصف إنسان. ولا نتحدث هنا عن طائرات بوتين التي دمرت الحجر وأبادت البشر في سورية، فالقوي ليس إرهابياً ولا يدان.!!. ولاسيما إذا كان الضحايا سوريين من أهل السنّة.!!.

لقد نجحت السياسة العالمية، وبمساهمة التقنيات الإعلامية الرهيبة، في أن تحصر الإرهاب بالمسلمين السنة تحديداً، أما الإسلام الشيعي فقد اصبح في منأى من هذه التهمة، وحين ترتكب الميليشيات الشيعية في العراق أو سورية جرائم كبرى بحق المدنيين العزل، فالعالم لا يهتم كثيراً لذلك، ولا توصف تلك الجرائم بالإرهابية.

من هنا يمكن أن نتساءل: مَن سمع بالعراقية " وحيدة محمد " والتي يُطلق عليها " أم هنادي ".. هذه المرأة سلطت الضوءَ على جرائمها شبكةُ سي. إن. إن الأمريكية، ربما من باب الإعجاب برجولتها.!!. فقد اعترفت بقطع رؤوس الكثير من" الإرهابيين ". كما أكدت أنها طبخت العديد من تلك الرؤوس المقطوعة، وتتباهى في صفحتها على التواصل الاجتماعي بنشر صور لها وهي تحمل رؤوساً مقطوعة.

أما إرهاب الأسد والمجازر التي ارتكبها، فلا حاجة للتذكير بها، ولكن للتدليل على عمق مأساتنا، نكتفي بما قالته لمى ابنة الطائفة العلوية، وابنة أحمد اسكندر أحمد، أشهر وزير إعلام في عهد الأسد الأب، والتي انشقت في حزيران عام 2013، بعد أن كانت مهيأة لتصبح قنصلاً دبلوماسياً في باكستان.

تقول لمى في لقاء صحفي: كنا نسكن في ضاحية الشبيحة القريبة من دمشق، ومن بيتي في تلك الضاحية كنت شاهدة على مجزرة " جديدة الفضل "، و " جديدة عرطوز " في آب 2012.. في مجزرة " جديدة الفضل" بقينا نسمع الرصاص لأربعة أيام، كان الدم طرياً على الأرض وشاهدنا كيف جمعوا الجثث وأحرقوها. لقد شممنا روائح احتراق الجثث..".

وأخيراً تقول لمى: على المرء أن يكون وحشاً كي يقدر أن يستمر مع النظام ".

ولم تستمر لمى، فقد انشقت عن النظام المحسوب عليها، وأراحت ضميرها الحي.

ومع ذلك فالإعلام الغربي والعربي الذي لا ضمير له، لم يسلط الضوء كما ينبغي على هذه الأفعال الشنيعة، ولا كيف كان العشرات من السوريين والعراقيين يُحرقون، وهم أحياء.

والسؤال المطروح: لو أن أحداً من أي تنظيم إسلامي سني فعل جزءاً بسيطاً مما فعلته " أم هنادي " وغيرها، أو مما فعله شبيحة الأسد، فكيف سيكون رد فعل الإعلام العالمي وحتى العربي نفسه.!!؟.

 

المصدر: شبكة شام الاخبارية الكاتب: عبد الرحمن عمار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ