مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٠ مارس ٢٠١٧
حول مفاجأة المعارضة للنظام السوري في دمشق

بعد يوم واحد من إعلان قائد «حزب الله» حسن نصر الله أن «يوم الانتصار الكبير يقترب» وأن «مقاتلي المؤامرة المسلحة ضد سوريا قد هزموا» فاجأت المعارضة العسكرية السورية النظام وحلفاءه اللبنانيين والإيرانيين في عقر داره، العاصمة دمشق، منطلقة في هجوم مباغت وعنيف من أطراف حيّ جوبر شارك فيه آلاف العناصر، ما أدّى، حسب مصادر المعارضة على الأرض، إلى تدمير غرفة عمليات النظام وانهيار دفاعاته.

تعيد العمليّة إلى الأذهان بدايات الثورة السورية حين حاول المتظاهرون الوصول أكثر من مرة قادمين من أطراف دمشق الريفية إلى منطقة العباسيين، وهي تطلّ على أحياء غنيّة ومختلطة طائفيّاً (القصّاع والتجارة والعدوي)، وكانت قوّات الأمن والجيش السورية تواجههم بالرصاص والقنص والقصف، وهو ما سجّل دافعاً أوّلياً لاتجاه الثورة السورية نحو شكلها المسلّح اللاحق.

شهدت المواقع التي تهاجمها المعارضة حاليّاً، بعد ذلك، جولات عديدة كانت تعرّض أمن النظام للخطر الشديد، لكنها كانت تتوقّف أحياناً لأسباب عسكرية، أو نتيجة إيعازات من «حلفاء» المعارضة العرب بعد ضغوط أمريكية شديدة، إلى أن انتهى الحال بالطرفين إلى قبول ما يشبه الحدود لسيطرة كل طرف فيما استمرّ النظام بجولات القصف الجوّي التي لا تنتهي، والتي تمنع تحويل الأمر الواقع العسكري إلى حالة طبيعية، وقد تمّ «تشريع» هذا الوضع من خلال اتفاقات «مصالحة»، كما هو الحال في حي برزة، او اتفاقات وقف إطلاق نار، كما هو الحال في حيي تشرين والقابون.

تجيء العمليّة الكبيرة بعد محاولات النظام للتقدم في محوري برزة وتشرين حيث سيطرت على شارع رئيسي يربط الحيين الواقعيين في شرق دمشق وهو ما يمهد لعزل حيّ برزة، لكن رد المعارضة، لو تم تثبيته، يفتح حيّي جوبر والقابون الكبيرين على بعضهما ويوقف حصارهما معا.

تثبت العمليّات الأخيرة، مجدّداً، إمكانية ضعضعة سيطرة النظام وحلفائه على الأرض، رغم السيطرة الجوية والقوّة الناريّة والبشرية الكبيرتين اللتين يتمتع بهما، ولكنّها تثبت أيضاً ضعف القرار المركزيّ للمعارضة السورية، فـ»ملحمة حلب الكبرى» التي شهدت تحرير مناطق شاسعة وإخراج النظام من كليّات عسكرية محصّنة في الراموسة وغيرها، لم تتزامن مع هجمات أخرى في دمشق ودرعا وحماه وإدلب، حيث تتواجد قوّات كبيرة للمعارضة، بحيث تتشتّت جهود النظام العسكرية ولا يستطيع التركيز على جبهة واحدة، وهو الذي حصل وأدّى إلى كارثة كبرى في حلب، وقبلها داريّا وغيرها.

على الصعيد الإعلامي، ورغم الجرائم الهائلة التي ارتكبها النظام على مدى ست سنوات والمثبتة بالأفلام والصور والوثائق دوليّاً، فقد صار واضحاً أن الوزن الإعلامي للمعارضة على الساحة الدولية قد تراجع نتيجة التعقيد الكبير للوضع السوري، والتداخل الإقليمي الكبير، وتشرذم المعارضة وصعود اتجاهات متطرّفة داخلها، وفوق كل ذلك الجهد الإعلامي المنظّم، ليس للنظام وحلفائه والاتجاهات اليمينية المتطرّفة في الغرب فحسب، بل كذلك على أطراف محسوبة على الثورة السورية صار شغلها الشاغل تضخيم دور «جبهة النصرة» في أي معركة أو حصار لوصم المعارضة السورية، كلّها، بالإرهاب.

رغم الطابع المفاجئ والمؤلم لقوات النظام في دمشق، فإن المسار العامّ للثورة السورية يشير إلى خلل كبير في استراتيجية المعارضة، سياسياً وعسكريّا، يساهم فيه عدم وجود غطاء إقليمي فاعل ومؤثّر، كما هو الحال مع التحالف الروسي ـ الإيراني المساند للنظام، وهو ما أدّى ويؤدي إلى تراجعات جسيمة للمعارضة وانحسارات عن مناطق حافظت لسنوات طويلة عليها، وكذلك إلى تراجعات سياسية شهدنا فصولها بين مباحثات جنيف 1 وجنيف 4.

من جهة أخرى، فإن سنوات الثورة، وخوض النظام المريع في الدماء السورية، وتنازلاته المهينة لروسيا وإيران، لم يبق منه سوى الهيكل الشكليّ لدولة فاشلة وأشلاء نظام وراثيّ قروسطي بشع، وكل محاولات «بعثه» من موته الافتراضيّ ستتكلل بالفشل.

اقرأ المزيد
٢٠ مارس ٢٠١٧
عن الغارات الإسرائيلية على سورية

أغار الطيران الحربي الإسرائيلي، فجر 17 مارس/ آذار الجاري، على مواقع في سورية مستهدفاً أسلحة "متطورة" لحزب الله، كما صرّح بذلك رئيس وزراء كيان الاحتلال ، بنيامين نتنياهو، فيما أطلقت المضادات الأرضية السورية نيرانها باتجاه الطائرات المغيرة. الملفت أن الطائرات، وفقاً للروايات المتداولة، قدمت من ناحية لبنان في غارتها على ريف حمص؛ والملفت أيضاً أن منظومة الحماية الروسية "إس 300" التي نصبتها روسيا على الساحل السوري قرب قاعدة حميميم الجوية لم تعط ِ أي إنذار للقوات السورية عن الطائرات المغيرة، ما يعني أنها غضت الطرف عن الغارة، إن لم نقل إنها حصلت بضوء أخضر روسي، بعد زيارة نتنياهو إلى موسكو، ما يطرح مجموعة أسئلة عن التنسيق بين إسرائيل وروسيا، في مقابل التباين، إن لم نقل الخلاف الذي بدأ يتصاعد بين إيران وروسيا في سورية، والذي بدأ بالظهور الواضح، اعتباراً من "صفقة حلب" بين روسيا وتركيا.

استهداف إسرائيل "أسلحة حزب الله" في سورية، والإعلان عن ذلك رسمياً في بيان الناطق باسم "جيش الاحتلال"، خلافاً للمرّات السابقة؛ وإطلاق المضادات الأرضية باتجاه الطائرات المغيرة هذه المرة خلافاً أيضاً لكل المرات السابقة، يفتح النقاش على أسئلة كثيرة، قد تتيح المجال لاستقراء المرحلة المقبلة، أو الأيام المقبلة.

قبل أيام، كشف أحد مساعدي قائد الحرس الثوري الإيراني أن بلاده بنت مصانع لإنتاج الصواريخ في لبنان تحت الأرض. وقبلها بمدة، جرى تسريب أخبارٍ عن استلام حزب الله لمجموعة صواريخ متطوّرة من نوع "ياخونت". وبعدها، توعّدت الـ "مليشيات" العراقية التي تقاتل في سورية بفتح جبهة الجولان لمقاتلة إسرائيل، فيما توعّد أمين عام حزب الله في لبنان، حسن نصرالله، في خطابٍ له، بقصف كل أنحاء فلسطين المحتلة، بما في ذلك مفاعل ديمونة النووي. وفي مقابل ذلك، هدّد وزير "الدفاع" الإسرائيلي بتدمير البنية التحتية في لبنان، واعتبر الجيش اللبناني هدفاً في أية حرب مقبلة مع حزب الله، فيما عملت الدعاية الإسرائيلية على تضخيم قدرة حزب الله وخطره العسكري.

وفي مكان آخر، كانت الولايات المتحدة الأميركية الجديدة برئاسة، دونالد ترامب، تضع عدداً من مسؤولي ومؤسسات حزب الله على لوائح الإرهاب، بينما شدّد أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس "على ضرورة الالتزام بالقرار 1701 الذي يحافظ على الهدوء على طرفي الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة"، وأشار إلى أن سلاح حزب الله يهدد الاستقرار في لبنان والمنطقة، فهل يعني هذا كله أن تلك التصريحات والمواقف من كلا الجانبين تمهّد المسرح للحرب المقبلة؟ وماذا عن لبنان فيها؟

المفارقة في كل هذا الجو أن رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، دافع عن سلاح حزب الله في مقابلة له مع تلفزيون مصري قبيل زيارته، أخيرا، إلى مصر، مع علمه بأن هذا السلاح شكّل، على الدوام، مادة خلافية في لبنان، ومنحه غطاءً شرعياً، عندما اعتبر أن الجيش اللبناني لا يملك القدرة الكافية للدفاع عن لبنان أمام أي عدوانٍ إسرائيلي.

ثمّة في لبنان من يبدي الآن قلقه من عدوان إسرئيلي جديد يدمّر البنية التحتية، ويدمّر معها كل الإنجازات، وقد تكون إحدى ارتداداته دخول لبنان في حربٍ أهليةٍ جديدةٍ، نجا منها طوال السنوات الماضية، خصوصا في ظل الانقسام الذي تعيشه الساحة السياسية اللبنانية، وفي ظل حالة التوتر والاحتقان المذهبي الذي تعيشه البلاد على خلفياتٍ وملفاتٍ كثيرة، منها ما يتصل بالأزمة السورية، ويرى هؤلاء أن لبنان لا يحتمل اليوم الوقوف إلى جانب أيٍّ من المحاور المتقاتلة، أو تلك التي تتوعّد بعضها بالقتال.

أمام هذا المشهد الملبّد بالغيوم السوداء، وأمام انسداد أفق الحل السياسي في سورية، وأمام الرسائل التي يتبادلها بعض الأطراف في المنطقة، وفي ظل حالة الاحتقان وحروب الوكالات في أكثر من بلد عربي، يبدو أن لبنان سيكون عرضةَ، أكثر من أي وقت مضى، لدخول حالة الفوضى والحروب التي تجري في المنطقة، خصوصا وأن اللبنانيين لم يتعلموا إلى الآن من شرور حالات الانقسام التي يعيشونها ونتائجها.

اقرأ المزيد
٢٠ مارس ٢٠١٧
جدل معركة الرقة يحدد ملامح الدور التركي مستقبلاً

يكاد مستوى النفوذ والتأثير الإقليميين يعكس عمق انخراط الأطراف الإقليمية والدولية في الأزمة السورية، كما الثقل الدولي لكل منها، فبينما أظهر حجم التدخل العسكري الفاعل لروسيا مدى حرص قيادتها على استعادة دورها الإقليمي ونفوذها العالمي كقوة عظمى، حاولت إيران بتدخلها العسكري المكثف تأكيد حضورها كقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها. وبينما تم التدخل العسكري الروسي والإيراني في سورية بتوافق مع نظام الأسد، وفق زعم الأخير، جاء إرسال واشنطن قوات وأسلحة ومعدات أميركية أخيراً لدعم جهود قوات سورية الديموقراطية في محاربة «داعش»؛ من دون تفاهم أو تنسيق مع نظام الأسد.

غير أن الأخير كالَ الاتهامات لكل من واشنطن وأنقرة بانتهاك سيادة بلاده، وطالب الأمم المتحدة بإلزام الأتراك إنهاء «غزوهم». وفي وقت تسعى إيران وروسيا وأميركا وحتى أكراد سورية، إلى تأمين مصالحهم وتعظيم مكاسبهم فى مرحلة ما بعد تسوية الأزمة السورية والقضاء على «داعش»، تبقى تركيا أسيرة قلق بالغ يتملكها بهذا الصدد، كونها لم تُدع للمشاركة في معركتي الموصل والرقة، وهو ما قد يفقدها فرصة حجز مقعد على طاولة المفاوضات التي ستناقش مصير سورية والمنطقة برمتها بعد تسوية الأزمة السورية والقضاء على «داعش». فلطالما برَّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إصراره على التدخل العسكري في سورية برفض بلاده أن تكون «الطرف الغبي»؛ أو «المستضعف» في الأزمة السورية، في وقت تسعى الأطراف كافة لاستغلال فزَّاعة الحرب على «داعش» كمظلة لتحقيق مآربها في سورية والمنطقة.

ومما يفاقم معاناة تركيا أن الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة عسكرياً في سورية، قد بدت وكأنها تلاقت عند تحجيم الدور التركي، ليس في سورية وحدها وإنما على الصعيد الإقليمي ككل. فقد عكف بشار الأسد على تأكيد رفضه أي تدخل عسكري تركي في بلاده. وفي رد منه على دعم أنقرة للمعارضة السورية المسلحة وسعيها لإسقاط نظامه، وبعد ادعائه قصف القوات التركية مواقع لقوات حرس الحدود السورية القريبة من مدينة منبج، طالب نظام الأسد الأمم المتحدة، بإلزام تركيا سحب قواتها «الغازية» للأراضي السورية. وبعدما تحوَّل الأكراد إلى رقم صعب ومهم في المعادلة السورية، أبت قوات «سورية الديموقراطية» إلا رفض الوجود العسكري التركي أو مشاركة أنقرة أو أي قوات موالية لها في معركة الرقة. ولم تتورع قيادة قوات «سورية الديموقراطية» عن تأكيد أن لديها القوة الكافية لانتزاع مدينة الرقة من تنظيم «داعش» بدعم من التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة.

وعلى رغم التقارب الروسي اللافت مع تركيا خلال الآونة الأخيرة، والذي لم يتأثر حتى بحادثة مقتل السفير الروسي لدى أنقرة، نهاية العام الماضي، ثم تأكيد الزعيمين الروسي والتركي خلال قمة سادسة جمعتهما قبل أيام في موسكو قوة التعاون والتنسيق السياسي والعسكري بينهما في شأن سورية، إلى حد وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه بمثابة عودة إلى الشراكة الحقيقية بينهما، ما دفع تركيا إلى طلب تزويدها أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة من طراز «إس 400»، في صفقة ستكون، حال إتمامها، الأضخم والأولى من نوعها لبلد عضو في حلف شمال الأطلسي. لا تبدو موسكو مستعدة للتضحية بعلاقاتها الوثيقة مع إيران والتنسيق الإستراتيجي معها في سورية، كما لا تريد إغضابها أو زيادة حنقها إزاء موسكو بسماح الأخيرة لأنقرة بتعزيز حضورها العسكري والسياسي في سورية. وعلى رغم التنسيق التركي الروسي، الذي قاد إلى تنفيذ صفقة «الباب» لتركيا في مقابل حلب لروسيا ونظام الأسد، إلا أن روسيا تبدو متوافقة مع واشنطن في ما يخص الاعتماد على قوات «سورية الديموقراطية» في محاربة «داعش» ومعركة الرقة، وتحييد القوات التركية أو القوات الأخرى الموالية لها كـ «الجيش السوري الحر»، والبيشمركة الكردية العراقية. فقد استضافت روسيا المؤتمر الكردي، ودعت وحدات حماية الشعب الكردي إلى مفاوضات جنيف، فيما تنسق مع واشنطن ونظام الأسد وأكراد سورية بخصوص العمليات على الأرض. وهو التنسيق الذي تجلى في تسليم مجلس منبج العسكري قرى عدة في ريف منبج إلى نظام الأسد أخيراً، بوساطة روسية. وعلى رغم خلافاتهما، يتفق الجانبان الروسى والأميركي على دعم أكراد سورية سياسياً وعسكرياً، والاعتماد عليهم في محاربة «داعش» خلال معركة الرقة، على رغم تواضع قدرات أكراد سورية، خصوصاً قوات «سورية الديموقراطية»، التي تعتمد بالأساس على الدعم العسكري والتدريبي الأميركي.

ويبدو أن واشنطن تفضل التنسيق مع قوات «سورية الديموقراطية» في محاربة «داعش» على تعاون تركي حذر يستند إلى تحالف استراتيجي هش مع الغرب، لا يمكن للأتراك التنصل منه بسبب احتياجهم الملح له. ومع استمرار أزمة الثقة بين واشنطن وأنقرة، يبدو أن أقصى ما يمكن أن تقدمه إدارة ترامب في ما يخص الجدل في شأن مشاركة القوات التركية في مواجهات منبج أو معركة الرقة، سيقتصر على الحيلولة دون حدوث مواجهات بين القوات التركية وقوات «سورية الديموقراطية». وهو ما قد تضطر تركيا للقبول به، بعدما تجاهلت أميركا مبادراتها لاستبدال أو تحييد الكرد من معركة الرقة، كالاستعانة بقوات «الجيش السوري الحر»، إضافة إلى البيشمركة الكردستانية العراقية في محاربة «داعش»، أو تقديم خطط تتضمن حلولاً بديلة للاعتماد الأميركي على قوات «سورية الديموقراطية»، كالقيام بعمل دولي مشترك ضد «داعش»، كما رفضت واشنطن كذلك المطالب التركية خلال اللقاء الثلاثي لرؤساء أركان تركيا وروسيا والولايات المتحدة، بتقليص اعتمادها على قوات «سورية الديموقراطية».

وعلى رغم هذا الإجماع اللافت من جانب الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة السورية على تحجيم الدور التركي داخل سورية، تظل تلك الأطراف بحاجة إلى عدم خسارة تركيا أو إقصائها تماماً، لاسيما أن الأخيرة لا زالت تحتفظ بأوراق قوة مهمة مثل حدودها الطويلة الممتدة مع سورية، فضلاً عما بحوزتها من قواعد عسكرية يمكن أن تخدم العمليات الدولية ضد «داعش»، علاوة على نجاح تركيا في الزج بقوات عسكرية على الأرض تقاتل داخل سورية، فضلاً عن تنسيقها مع طيف من القوات الموالية لها من عرب وتركمان وأكراد كالجيش السوري الحر وقوات البيشمركة الكردية العراقية، فضلاً عن القوات التي قامت أنقرة بتدريبها في معسكر بعشيقة من أبناء الموصل العرب والتركمان للدخول إلى المدينة وإدارة أمورها، وهناك أيضاً إمكانية استثمار أنقرة علاقاتها مع عشائر الموصل العربية والكردية والتركمانية الكبرى لتحريك تمرد داخلي ضد «داعش».

ومثلما تحرص أنقرة على الاحتفاظ بتحالفها الإستراتيجي الهش مع واشنطن والغرب، فإنها ستسعى كذلك للتمسك بعلاقاتها القلقة مع روسيا، حيث آثر أردوغان أثناء محادثاته مع بوتين أخيراً؛ تجنب الخوض في ملفات شائكة وأمور خلافية حول سورية، بينما وضع التعاون الاقتصادي على قمة أولويات تلك المحادثات، لاسيما أمن الطاقة واستكمال مشروع خط أنابيب السيل التركي ومحطة أكويو الكهرو- ذرية. كذلك، أعرب أردوغان خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عن أمله بأن ترفع روسيا العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على تركيا عقب إسقاط الأخيرة قاذفة روسية من طراز سوخوي -24 فوق سورية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، خصوصاً أنه تم استئناف العلاقات رسمياً بين البلدين في آب (أغسطس) من العام الماضي، بعد اعتذار أردوغان وتنفيذه شروط موسكو لطي صفحة هذا الخلاف، على أن يسعى أردوغان بالتوازي لانتزاع تعهد أميركي روسي صريح وصارم بكبح جماح تطلعات أكراد سورية في شأن الاستقلال أو الحكم الذاتي، بعد القضاء على «داعش» والشروع فى إعادة ترتيب الأوضاع داخل سورية.

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٧
«خطوط حمر» لترامب من سورية إلى... اليمن؟

تعزيز الحضور الأميركي العسكري في سورية بدل المشهد الاستراتيجي في هذا البلد. من المبكر الحديث عن استراتيجية متكاملة واضحة لواشنطن حيال الإقليم. هذا الحضور، وإن ارتفع عدد الجنود على الأرض وأُرسل مزيد من المعدات يبقى رمزياً. لكنه يؤشر إلى سياسة مختلفة عن تلك التي نهجتها إدارة الرئيس باراك أوباما. قد لا يكتفي البنتاغون بألف جندي لإدارة الحرب على «عاصمة الخلافة». قد يعززهم بألف أخرى. وكان وعد بارسال عدد ماثل إلى الكويت ليتيح مرونة أكبر للقيادة العسكرية في تحريك ما يلزم من قوات في إطار الحرب على «داعش» في الموصل والرقة. مثل هذه القرارات يؤكد أن واشنطن تعتمد خيارات مختلفة عن السابق. تريد استعادة دور حيوي ببناء قواعد جديدة للصراع في المشرق العربي، انطلاقاً من الحرب على «تنظيم الدولة» في هاتين المدينتين.

الأموال التي خصصها البنتاغون لفصائل سورية معارضة لم تثمر في بناء جسم عسكري قادر على إمساك مناطق محددة، بخلاف ما فعلته وتفعله إيران طوال السنوات الست الماضية من عمر الأزمة في بلاد الشام. أو بخلاف ما أثمرته العمليات الروسية من تمكين للقوات النظامية من استعادة كثير من المدن والدساكر. لذلك كان لا بد للإدارة الجديدة من أن توقف برنامج المساعدات للمعارضة عموماً. وأن تعتمد خياراً آخر يسهل لها الإمساك بالأرض. عززت قوتها العاملة شمالاً مع «قوات سورية الديموقراطية»، وقد يرتفع عدد جنودها هناك إلى ألفين وأكثر إذا اقتضت الحاجة. وأرسلت مزيداً من المعدات العسكرية. والأهم من ذلك أنها أعلنت بوضوح اعتمادها خيار الإدارة السابقة، أي العمل مع الكرد. يتيح لها هذا بناء منطقة خارجة عن نفوذ باقي اللاعبين في الميدان السوري. لذلك سارعت إلى دخول مدينة منبج رافعة العلم الأميركي على بعد نحو مئتي متر من انتشار قوة روسية، وقريباً من قوات النظام وحلفائه من الميليشيات. وليس بعيداً عن القوات التركية وحلفائها من «الجيش الحر» الذين كانوا ينذرون بالهجوم على منبج. لقد رسمت بوضوح حدودأً لانتشار الآخرين. لا بل رسمت خطاً أحمر لهؤلاء جميعاً. لموسكو وطهران وأنقرة ودمشق. لم يعد ممكناً تجاوز هذا الخط من دون المجازفة بصدام مباشر مع القوة الأميركية.

بات واضحاً أن عودة الولايات المتحدة إلى دور نشط في الإقليم لن يتوافر من دون تدخل عسكري وبناء تحالف قوي مع قوة كردية تحتاج إلى سند دولي لتحقيق أهدافها وإن بحد أدنى من الحكم الذاتي، على غرار ما في كردستان العراق. وهذه لم تكن لترى النور لولا الدعم الأميركي الذي حرم قوات صدام حسين من إعادة إخضاع المنطقة لسلطته كما فعل مع جنوب العراق بعد تحرير الكويت. وتعول إدارة الرئيس دونالد ترامب على هذا الانخراط من أجل تحقيق جملة أهداف. على رأسها بالطبع تفعيل الحرب لإسقاط «عاصمة الخلافة». ثم إطلاق قواعد جديدة لإدارة الأزمة في سورية. والإنطلاق منها لبناء سياسة واعتماد خيارات جديدة لا تقتصر على بلاد الشام بل تتعداها إلى العراق. أي مواجهة النفوذ الإيراني في هذين البلدين. لذلك إن تحويل واشنطن الشمال السوري منصة يمكنّها من الإشراف على جنوب البلاد، وعلى نفطها ومياهها. وعلى جزء من نفط العراق أيضاً. وأبعد من ذلك يمكنها من الإطلال على تركيا، عبر الربط بين «الكردستنانين». ومن ثم توفير خط يصل الرقة بالموصل، ومنها إلى بلاد الرافدين كلها حيث لا يخفي البنتاغون رغبته في تعزيز قواته في هذا البلد بعد تحرير ثاني أكبر مدنه.

يمكن هذه الخطة الأميركية أن تهدد الجسر الذي تقيمه إيران لدعم انتشارها من بغداد إلى شاطىء المتوسط. ولقطع هذا الجسر كلياً والسيطرة على البوابات الحدودية بين العراق وسورية، لا بد من تحريك «جبهة الجنوب» السوري التي تلقت فصائلها دعماً مالياً وتدريباً من البنتاغون ورعاية من الأردن وغيره من قوى عربية. وإذا قدر للأميركيين بالتفاهم مع القوات العراقية وحكومة حيدر العبادي و»البيشمركة» إبعاد الميليشيات عن الموصل، فإن ذلك سيسهل بقاءهم في العراق. ويعزز موقف أهل السنة، الأمر الذي يفاقم الصراع بين مختلف القوى السياسية في بغداد. وهو ما ينهك الجمهورية الإسلامية ويستنزفها. علماً أن قادة «الحشد الشعبي» الموالين لطهران لن يسهلوا للمؤسسة العسكرية استعادة دورها السابق قوة وحيدة في البلاد. بل سيجهدون للحصول على ثمن سياسي. وسيرفضون تسليم سلاحهم بالحسنى. أما في سورية، فإن ما قد يقصر عنه الأميركيون تتولاه إسرائيل، كما فعلت في الغارة الأخيرة وما قبلها. وكان بنيامين نتانياهو واضحاً في زيارته الأخيرة لموسكو: التوكيد على تفاهمات سابقة مع الرئيس فلاديمير بوتين. ومضمونها عدم السماح بتهديد الحدود الشمالية لإسرائيل (الجولان)، وعدم وصول أسلحة نوعية إلى «حزب الله»... ومنع الجمهورية الإسلامية من تعزيز وجودها في بلاد الشام بعد التسوية السياسية. إنها مرحلة جديدة تعتمد فيها الولايات المتحدة الدخول من الأبواب نفسها التي دخلت منها الجمهورية الإسلامية... وبالانخراط الميداني. لا يعني ذلك بالضرورة أنها تعد لمواجهة مباشرة معها. فهي تدرك أن الحرب ستفتح أبواب الجحيم في الإقليم كله، من مياه الخليج إلى مياه المتوسط، مروراً بالمشرق العربي كله. مثلما لا يعني بالضرورة أن طهران راغبة أو قادرة على خوض حرب واسعة في الإقليم، سواء من جنوب لبنان أو في شرق سورية وغرب العراق.

لم تعد الرقة إذاً محور صراع محلي بقدر ما باتت عقدة الصراع الدولي والإقليمي. الموقف الأميركي الجديد سيخلف تغييرات حتمية على الواقع الحالي للأزمة السورية. ويفرض على المعنيين إعادة تموضع. وإلى أن تكتمل تفاصيل المشهد المستجد، من المبكر توقع ثمار من الجولة الثالثة للمفاوضات في جنيف قريباً، وإن أبدت واشنطن تأييدها الصريح لجهود المبعوث ستيفان دي ميستورا. لن يكون حظ هذه الجولة أفضل من اللقاء الأخير في آستانة. هذه المرة لم تثمر الضغوط التركية كما حصل سابقاً. وحتى الغضب الروسي على المعارضة كان ضعيفاً لم يترك أثراً. تبدل المشهد. وهذا ما تدركه قوى في «الائتلاف الوطني» وفصائل على الأرض قد لا ترى أنها ملزمة مثلاً بموقف أنقرة من الكرد الذين على اختلاف قواهم وبينها تلك المنضوية في صفوف «الائتلاف» يرغبون في استقلال إداري لمناطقهم. لذلك اتهمت موسكو طرفاً ثالثاً بعرقلة اجتماع العاصمة الكازاخية قبل أيام، وهي تشير ضمناً إلى واشنطن. حتى تركيا تكاد تسنفد جنوحها نحو روسيا. الرئيس رجب طيب أردوغان كبت حتماً مرارته بعدما دفع الروس قوات من النظام وحلفائه إلى الانتشار في ريف منبج وشرق حلب للحؤول دون تمدد قوات «درع الفرات» جنوباً. بل قد يشعر قريباً بأن موسكو تستغل مواقفه الجديدة وأزمته مع أوروبا ومع واشنطن لتحقيق مآربها. ألم ترسم له هي الأخرى حدوداً لانتشار قواته؟

واشنطن ترسم خطاً أحمر في الرقة قد يمتد بالتأكيد إلى الموصل إذا كان على الرئيس ترامب أن ينقلب على سياسة سلفه التي تركت العراق ساحة لإيران، وسمحت لها بتعزيز حضورها في المشرق العربي كله. إنها الخطوة الأولى، بل الامتحان الأول ولن يكون الأخير. الامتحان الثاني في مواجهة طهران سيكون حتماً في اليمن. لقد أعادت المحادثات التي أجراها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي الجديد الحرارة إلى العلاقات بين بلديهما. وكان اليمن حاضراً بين كم من التفاهمات. وكان سيد البيت الأبيض بادر إثر تسلمه السلطة إلى تعزيز اسطوله في البحر الأحمر. وعبر عن حرصه على أمن حلفائه في الخليج في وجه تمدد الجمهورية الإسلامية. ولا شك في أن الولايات المتحدة في جنوب شبه الجزيرة تعتمد الآن موقفاً مختلفاً. صحيح أنها معنية بمواصلة حربها على «القاعدة» في هذه المنطقة، لكنها ستكون معنية أيضاً بالتعجيل في تسوية سياسية ترفع يد طهران وحلفائها الحوثيين وشركائهم عن صنعاء. وهذا هو الامتحان الثاني أمام الإدارة الجديدة. أي أن عليها أن ترسم خطاً أحمر مشابهاً لما ترسم في الرقة وربما الموصل.

تأتي هذه الخطوات الأميركية فيما لم يكتمل جهاز الإدارة الجديدة بعد. كما أن الكونغرس لم ينخرط في نقاش يتناول عودة التدخل العسكري في الخارج، مهما كان خجولاً. أي أن الاستراتيجية الخارجية لم تكتمل عناصرها. صحيح أن الرئيس ترامب يدفع نحو سياسة مخالفة ليس لسياسة سلفه أوباما الذي عزف عن التدخل تاركاً لروسيا وغيرها كسب مواقع متقدمة في الشرق الأوسط، بل لسياسة الرئيس السابق جورج بوش و»محافظيه» الذين دمرت حروبهم الاستباقية بلداناً وخلفتها لقمة سائغة للآخرين. كما أن سياسة واشنطن حيال الشرق الأوسط لا تتحدد بما ترسمه هي وحدها. الأمر يتعلق أيضاً بباقي القوى في الإقليم لئلا نقول تلك المنتشرة قي سورية والعراق، ومدى قدرتها على مقاومة التوجه الجديد لواشنطن. فلا يخفى على الرئيس ترامب أن روسيا إذا لم يصلها الترياق المنتظر منه، قادرة على تعزيز تحالف قائم على الأرض اليوم، من إيران إلى العراق وسورية ولبنان. فضلاً عن قاعدة ذهبية خبرتها كل الإدارات السابقة قوامها أن التركيز على الجبهة الداخلية لإعادة تحريك الاقتصاد لا يتيح للولايات المتحدة خوض حروب كبيرة في الخارج، بقدر ما يتطلب الأمر تعاونها مع القوى الكبرى، من الصين إلى روسيا. فهل تصمد الخطوط الحمر لخليفة أوباما؟

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٧
"خرافة" تتحول إلى واقع .. محتلو دمشق ينهارون و يترنحون أمام حملة فاقت التوقع


لبست اليوم الحقيقة دور الاشاعة ، و تجاوز في حدودها الادراك للواقع ، فتحولت دمشق من قلعة الأسد و مليشياته و حلفاءه ، إلى مدينة متهاوية بعد أن تمكن ثوار الغوطة في ساعات قليلة من قلب الصورة تماماً ، و كسر الطوق المحيط بالغوطة الشرقية و اعادت شريانها إلى دمشق .


مرت شهور طويلة عن أحاديث كانت أشبه بـ”خرافة” عن وجود عمل عسكري ضخم قادم باتجاه دمشق ، سيما أن المعطيات و تتالي تساقط المناطق حرباً أو تهديداً ، جعل من قضية اطلاق معركة أشبه بأمر يأتي ضمن المستحيلات .

مع آذان فجر الأمس ، الأحد ١٩/٣ ، وهو اليوم الأول للثورة السورية في عامها السابع ، هز انفجار عنيف جداً أرجاء دمشق قاطبة ، تلاه آخر ، وماهي إلا فترة قصيرة  اشتعلت بعدها السماء و يختلط نور الصباح مع نيران الاشتباكات .

في البداية حاول النظام بكل ما لديه من بروبغندا اعلامية ، من تخفيف من يحدث معتبراً أن الأمر ، أشبه بمسلسل طويل تشهده جهبة جوبر منذ أربع سنوات ، وماهي إلا ساعات و تعود الأمور لمجرايها ، لكن الأمر كان قد خرج عن سيطرته .

و تلا الانفجاريين الذين وقعا فجراً ، فجر جديد للمحاصرين في الغوطة و أقرانهم في أحياء دمشق الشرقية ، القابون و برزة و حي تشرين ، الذين عانوا من شهر و نيف من القصف و التهديم و القتل و التشريد ، ليصل المحاصرون بالغوطة مع نظرائهم في الأحياء الشرقية ، عبر سلسلة من الانهيارات المفاجئة في صفوف قوات الأسد الممثلة بالحرس الجمهوري ، الذي يعتبر اعتى قوات الأسد ، و أشدها تسليحاً ووفاءً له ، من بقايا قواته المتناثرة في بقاع سوريا و المنضوية ضمن مليشيات زبعد ما تكون عن عن مصطلح “جيش”.


بناء الكهرباء فمعل كراش و انكشاف كراجات العباسين و من ثم الانتقال إلى الشط المقابل إلى ما يعرف بمعمل “السيرونيكس” و ما بينهما من المنطقة الصناعية في القابون ، تحولت في مجملها ، من حصون للأسد و حلفاءه طوال السنواات الماضية إلى متاريس للثوار و جسر وصل بينهم.

معركة دمشق اليوم ، التي انطلقت بمشاركة الجميع ( فعلاً و كدور قادم ) و الغالبية العظمى من أبناء الغوطة الشرقية ، كشفت ضعف ووهن قوات الأسد و مختلف المليشيات ، حيث تحولت دمشق خلال ساعات إلى مدينة كهلة منكفأت على ذاتها و ذلك في المناطق الملاصقة للاشتباكات و انتقل إلى الأبعد فالأبعد ، فيما حافظت بعض المناطق المعروفة بشدة ولائها و دعمها و يشكل سكانها غالبية زعمائم الدعم و القيادة للنظام ، على بعض من الحياة فيها ، وسط رعب و خوف من مجهول قد يغير المعادلة بين فينة و أخرى ، و يحول الدفة و يرجح الكفة ، لمن ظن الأسد و روسيا و ايران أنهم في حكم المنتهين ، فيما هم سيكون المنهين للأسد و المحتلين.

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٧
"اشتباك" في سماء سورية

لم تكن الغارة الإسرائيلية على الأراضي السورية شيئاً جديداً في السياق الميداني خلال السنوات الست الماضية، وخصوصاً أن طيران الاحتلال لم يتوان عن قصف مجموعة من الأهداف، ونفذ عمليات اغتيالٍ لم تحظ بأي رد عسكري، لا من الجانب السوري، ولا من الطرف الذي نفذت ضده عمليات الاغتيال، والمقصود حزب الله الذي خسر عدداً من كوادره في قصف إسرائيلي، غير أن معطى جديداً ظهر بعد الغارة الأخيرة، تمثّل في الرد السوري بصواريخ مضادة للطائرات، وذلك للمرة الأولى منذ بدء مثل هذه الغارات، ما فسّره بعضهم تغييراً في قواعد الاشتباك في السماء السورية، وذهب آخرون إلى أكثر من ذلك، بالإشارة إلى أن دمشق لن تتوانى بعد اليوم عن مثل هذه الانتهاكات الإسرائيلية.

غير أن الأمور لا تسير بالضرورة وفق هذا المعطى، والذي يبدو مرتبطاً باشتباك روسي إسرائيلي، أكثر منه إسرائيلي سوري، وخصوصاً أنه يأتي بعد زيارة بنيامين نتنياهو إلى موسكو، ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، وما رافقه من تسريبٍ حول تفاهم روسي إسرائيلي يتيح لدولة الاحتلال التحرك بحرية في السماء السورية، وهو ما دفع الكرملين إلى الخروج، لنفي مثل هذا التفاهم، وإن كان موجوداً بشكل ضمني طوال السنوات الماضية.

من الواضح أن تسريب هذا التفاهم الضمني، والسعي الإسرائيلي إلى أن يكون علنياً، استفز موسكو ووضعها في موقفٍ محرج مع حلفائها الحاليين، وتحديداً مع إيران التي تعيش معها حالياً حالة من الشد والجذب من ضمن الخلاف حول الأولويات على الأراضي السورية. والنفي السياسي الصادر عن الكرملين قد لا يكون كافياً لنكران وجود مثل هذا التفاهم، فلا بد من حدث عملي على أرض الواقع، يؤكد أن كل ما قيل وتسرب عن لقاء نتنياهو وبوتين ليس له أي أساس حقيقي.

"الاشتباك الجوي" الذي وقع أول من أمس قد يكون عاملاً أساسياً في تأمين هذا النفي عملياً، من دون أي خسائر للطرفين. فمن الواضح أن إعطاء الضوء الأخضر الروسي للرد السوري جاء من دون قصد التسبب بإسقاط الطائرة الإسرائيلية، وإنما إعطاء الانطباع بأن التحرك الإسرائيلي في الأجواء السورية لاحقاً لن يكون من دون رد. وعلى هذا الأساس، لم تكن الصواريخ التي أطلقت على المقاتلة الإسرائيلية من الطراز الحديث، أي "أس 400" التي تقول روسيا إنها نشرتها على الأراضي السورية، بل من طراز "أس 200" التي لم تتمكن من إصابة هدفها. حبك رواية "الاشتباك" تتطلب أيضاً تحركاً إسرائيلياً، وهو ما أمّنته سلطات الاحتلال عبر الإعلان عن إطلاق صواريخ حيتس لاعتراض المقذوف السوري.

قد لا يكون "الاشتباك" مسرحية روسية إسرائيلية بالمطلق، لكنه على الأقل تحرّك روسي أساسي، فإذا لم تكن الغارة الإسرائيلية منسقة مع موسكو، فإن الطرف الروسي استغلها لإثبات براءته من السماح لإسرائيل باختراق الأجواء السورية، وبالتالي، سمح للسوريين أولاً بأن يعلموا بوجود خرق جوي إسرائيلي، وهم الذين لم يكونوا سابقاً يدركون هذا الخرق أو وجود غاراتٍ إلا بعد حدوثها، وأعطى ثانياً الضوء الأخضر لإطلاق القوات السورية الصواريخ المضادة للطائرات، بعد تحديد طرازها، وهو أمر بالتأكيد لم يكن ممكناً بدون هذا الضوء الأخضر.

وسواء كان "الاشتباك" منسقاً بين روسيا وإسرائيل أو مستغلاً من موسكو، فإنه حقق الغرض منه، وهو أقل بكثير جداً من الحديث عن قواعد اشتباك جديدة تفرضها سورية في سمائها المستباحة من كل أنواع الطائرات والتدخلات.

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٧
مبروك عليك العراق وسوريا ولبنان يا إيران!

قال لي ديبلوماسي وخبير إيراني قبل أشهر كلاماً مؤلماً جداً. قال: «أنتم العرب تزرعون، ونحن الإيرانيين نحصد. ساهمتم كثيراً مثلاً في تدمير العراق، ثم سقط في حضننا كالثمرة الناضجة». أليس في كلامه الكثير من الحقيقة؟ إذاً قبل أن نتباكى على سوريا ولبنان واليمن الآن تعالوا نرى كيف بعنا العراق، وسلمناه لإيران على طبق من ذهب من قبل، وكيف راحت أمريكا تساوم الإيرانيين لا العرب على العراق. والسبب أن السياسة كالطبيعة لا تقبل بالفراغ، وإذا حدث فراغ ما فلا بد أن يملأه أحد، وهذا بالضبط ما فعلته إيران في العراق، فقد وجد الإيرانيون أن بلاد الرافدين أصبحت رزقاً سائباً ينهبه كل من حط بأرض العراق باستثناء العرب طبعاً. لقد كان العرب أول من ذبح العراق، لكنهم أبوّا إلا أن يتركوا الذبيحة للآخرين. ولا اعتقد أن إيران جديرة باللوم أبداً في التهام الذبيحة العراقية، ففي عالم السياسة حلال على الشاطر وليذهب الأغبياء إلى مزبلة التاريخ.

إن المتباكين على سوريا ولبنان واليمن الآن، يجب أن يعرفوا كيف خسرنا العراق كقطر عربي. كفانا تعييراً للعراقيين بالانسلاخ عن أمتهم العربية والاتجاه شرقاً. ماذا تتوقع من شعب شارك العرب في ذبحه من الوريد إلى الوريد، وكانوا سباقين إلى التآمر عليه وحصاره ومنع حتى أقلام الرصاص عن تلاميذه؟ هل تريد من ذلك الشعب أن يهتف باسم العروبة ويصيح: أمجاد يا عرب أمجاد، أم من حقه أن يلعن الساعة التي وُلد فيها عربياً؟

لا أدري لماذا ظن البعض أن العراق عربي لمجرد أنه عضو مؤسس في الجامعة العربية. ألم يكن حرياً بهم أن يعلموا أن تلك العضوية عضوية فارغة وغير قابلة للصرف في أي بنك، وأنها ليست ضماناً بأي حال من الأحوال للحفاظ على عروبة بلاد الرافدين؟ لماذا لم ينتبه أدعياء العروبة والإسلام إلى تلك الحقيقة الساطعة وهي أن العراق يقع عند البوابة الشرقية للعالم العربي، وفي اللحظة التي يختفي فيها حراس تلك البوابة فإن الإيرانيين سيدخلونها فوراً، خاصة وأن العراق يمثل للإيرانيين المدخل الأهم على المنطقة العربية لتصدير ثورتهم. ولو لم يقاتل العراق ثماني سنوات ضد إيران لتم تصدير الثورة الإيرانية إلى العرب بعد أيام فقط من هبوط طائرة الخميني في طهران. لماذا نسي العرب أنهم بذّروا مليارات الدولارات لمساعدة العراق في حربه ضد إيران؟ لماذا لم يلحظوا أن العراقيين الذين عادوا على ظهر الدبابات الأمريكية كانوا في معظمهم من الأحزاب التي رعتها إيران لأعوام كحزبي المجلس الأعلى والدعوة، وهم بالتالي سيتحالفون مع الإيرانيين فيما بعد بشكل طبيعي؟ لماذا لم يعوا أيضاً أن إيران استطاعت أن تخلق لها قاعدة قوية متقدمة في لبنان وسوريا واليمن البعيد عنها جغرافياً؟ وبالتالي كان من السهل جداً عليها أن تفعل الشيء نفسه في حديقتها الخلفية، العراق، خاصة وأن التربة والظروف مهيأة لذلك أكثر من بقية البلدان بمائة مرة بسبب التماس الجغرافي والخلفية الدينية والتداخلات التاريخية بين البلدين والأطماع الإيرانية القديمة.

هل تستطيع أن تـُبعد أكثر من نصف الشعب العراقي عن إيران لمجرد أن جنسيته عربية في جواز سفره؟ بالطبع لا. لقد كان حرياً بالمهتمين بالأمة العربية، إذا كان هناك مهتمون فعلاً، أن يعوا أن الرابط الطائفي قد يتفوق على الرابط القومي في العديد من الدول العربية، خاصة وأن معظم الأنظمة العربية الحاكمة كرست الطائفية والقبلية والعشائرية بدلاً من خلق دولة المواطنة، وبالتالي فمن السهل جداً أن تستقطب هذه الطائفة أو تلك لصالح دولة أخرى كما شاهدنا في العراق ودول عربية أخرى. إن الاصطفاف الطائفي السريع في العراق أثبت كم هي بعيدة دولنا عن مفهوم المواطنة، وكم هي سهلة على الفرز والاستقطاب! لماذا نلوم المائلين باتجاه إيران في العراق إذا كان الآخرون يميلون باتجاه العرب على أساس طائفي أيضاً، علماً أن القوات الغازية لم تدخل العراق من جهة إيران بل عبر أراض عربية سنية؟

ليس من حق أحد أن يلوم العراقيين على الاحتماء بإيران والإصغاء إلى رجال دينها في العراق. ولا أبالغ إذا قلت إن هناك شرائح عربية كثيرة مستعدة للحاق بإيران والانسلاخ عن الدول العربية لو اتيحت لها الفرصة، ليس فقط بسبب التفرقة ضدها في هذا البلد العربي أو ذاك، بل أيضاً لأن الانتماء إلى إيران أصبح أجدى بكثير من الانتماء إلى ما يُعرف بالأمة العربية. فبينما تتسول الدول العربية جمعاء الحماية الأجنبية، وتبذر ثرواتها على أمور سخيفة، وتتآمر على بعضها البعض بطريقة مفضوحة ودنيئة، وتقمع أي حركة مقاومة حرة، وترفع شعار أنا ومن بعدي الطوفان، ها هي إيران تجمع شتات شيعتها من كل أصقاع العالم ليكونوا صفاً واحداً تحت امرتها، وها هي تنافح الغرب بقوتها العسكرية، مع العلم أنها على حدودنا، وتشترك معنا في إرث إسلامي وشرقي واحد.

من يستطيع أن يلوم العراق على الإنضواء تحت اللواء الإيراني بعدما نبذه أبناء جلدته الأقربون وتآمروا عليه، وباعوه بالجملة والمفرّق، وجعلوه يكفر بعروبته؟ لقد كان العراق جزءاً مما يسمى بالوطن العربي لثلاثة أرباع القرن، وقد حاول فعلاً أن يحمل مشعل النهضة العربية بعد أن نجح في القضاء على الأمية تماماً، وأسس صناعة حربية عز نظيرها، وبنى مفاعلاً نووياً، واستثمر المليارات في النهضة العلمية، ونافس الغرب بمستشفياته وأطبائه، لا بل كان يستورد البقدونس بطائرات خاصة من شدة البطر والرفاهية، لكن بعض «أشقائه» مثلاً سهـّل للإسرائيليين مهمة قصف مفاعل تموز النووي الذي وصفه صدام حسين ذات مرة بـ»عز العرب».

أيها العرب، قبل أن تتباكوا إذاً على سوريا ولبنان واليمن التي تساقطت في الحضن الإيراني كالثمار الناضجة، عليكم أن تعرفوا أن الذي باع بغداد لن يشتري دمشق ولا بيروت ولا صنعاء.
الحقيقة مرة أيها العرب، لكنها كالدواء إذا أردتم أن تعالجوا المرض.

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٧
منبج تقاطع مشروع التفتيت في سورية

إعلان وزير الدفاع التركي، فكري أشيق، أن أولوية بلاده في مسألة مدينة منبج السورية هي للمحادثات الدبلوماسية، يعني أن تركيا مازالت تفاوض حليفها المفترض، واشنطن، على تسوية سياسية للأزمة السورية، وأن الأولوية هي للخروج بهذا التفاهم، شرط أن تلتزم الإدارة الأميركية الجديدة بالتعهدات القديمة المقدمة حول انسحاب قوات سورية الديمقراطية من المدينة، وتسليم الأخيرة للقوات التركية والجيش السوري الحر، لتكون جزءاً من مشروع المنطقة الآمنة المعلنة في أعقاب انطلاق عملية درع الفرات قبل ثمانية أشهر.

الإعلام التركي المقرب من حكومة "العدالة والتنمية" كان ينشر قبل أيام تسريباتٍ عن الخطة العسكرية التركية المعدة لدخول مدينة منبج، لكن الإعلام نفسه اليوم يتحدّث عن معرفة أنقرة لصعوبة الوصول إلى ما تريد، وأنها لهذا السبب حذرة في تحديد مواقفها وخطط تحرّكها، على الرغم من إعلانها عدم التخلي عن وجود الخيار العسكري الذي سيكون آخر البدائل، كما قال الوزير التركي، في حال الوصول إلى طريقٍ مسدود، سياسياً ودبلوماسياً.

تعرف أنقرة أن ما يجري على الأرض يتعارض مع ما تقوله هي، فكل التطورات الميدانية والسياسية تتقدم في منحى آخر، تحاول إدارة ترامب فرضه على الجميع في شمال سورية:
- واشنطن تضع اللمسات الأخيرة على تشكيل جيش الرقة، وهي لن تحزن كثيراً إذا لم يشارك الأتراك في هذه المعركة، إذا لم نشأ القول إن ذلك يفرحها، لأنه سيقلب معادلات "درع الفرات" لصالح غضب الفرات هذه المرة.
- وواشنطن تردّد أنها لا تحتاج إلى وحدات البشمركة السورية التي دربتها أربيل بمعرفة أنقرة وتشجيع منها في معركة الرقة، وإنها ستكتفي بخوضها مع وحدات صالح مسلم (قوات سورية الديمقراطية).
- وهي تقرر إرسال قوات عسكرية أميركية إضافية إلى شمال سورية، يصفها النظام السوري بأنها قوات تدخل واحتلال، لكنه يفتح الطريق أمامها في إطار لعبة تحالفات واصطفاف محير، يجمع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والنظام السوري والمجموعات المحسوبة على إيران بغطاء عسكري أميركي روسي إيراني في مواجهة تركيا والجيش السوري الحر في منبج ومحيطها.

باتت خطة واشنطن في شمال سورية شبه واضحة، بعد وصول لقاءات تركية أميركية عديدة، في الأسابيع الأخيرة، إلى طريق مسدود، وفشل المحادثات العسكرية الثلاثية في أنطاليا بين قيادات الأركان التركية والروسية والأميركية، وعدم تفاهم الرئيسين، رجب طيب أردوغان وفلايدمير بوتين، في لقائهما أخيراً، على خطة تحرّك مقبولة، وترضي أميركا أيضاً حول نقطتي الخلاف الأهم: تفاصيل معركة الرقة ومن سيتسلم منبج.

تريد أميركا: - إنهاء خطة درع الفرات، وحصر حدود المساحة الجغرافية للمنطقة الآمنة التركية، بما هي عليه اليوم.
- تحويل منبج إلى قاعدة انطلاق عملياتها السياسية والعسكرية في سورية قبل تسليمها إلى حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) ليضمها إلى مناطق نفوذه.
- إلزام روسيا بالتفاهم معها حول ما تقوله هي، وليس كما كانت تريد موسكو أن تفعل في تحديد مسار العمليات السياسية والعسكرية في سورية.
- محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الرقة، لكن الأولوية ستكون للضمانات والتفاهمات على حدود الكيان الكردي، والتسليم بحصته السياسية والجغرافية والدستورية.
- تسليم الملف السوري لروسيا، بعد تحقيق مطالبها تماماً كما فعلت في العراق، عندما تخلت عنه للنفوذ الإيراني.
- محاصرة المعارضة السورية بالتفاهمات الجديدة التي سيكون موضوع مصير الأسد والمرحلة الانتقالية في سورية آخر التفاصيل فيها.

يقول نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان كورتولموش، إن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي، وتتفرج على محاولة تشكيل دولة كردية على حدودها، لكنه يدرك تماماً أن العودة الأميركية السريعة والمفاجئة إلى قلب المشهد السوري لم تكن لتختار الحليف الكردي المحلي، لو لم تستغل تركيا غياب واشنطن القسري، وتحاول استغلاله باتجاه بناء فرض حالةٍ من الأمر الواقع عليها في سورية، تحرمها من المشاركة في تحضير الطبخة، وتلزمها بتناول ما يوضع أمامها على الطاولة. رفع العلم الأميركي على مداخل منبج ليس من أجل الفصل بين حليفيها، القوات التركية والكردية هناك، بل من أجل توفير الحماية الكاملة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وبالتالي الدويلة الكردية، وإفهام أنقرة أنها لا يمكن أن تحدد بمفردها من هو الإرهابي، خصوصاً إذا ما كان موالياً وحليفاً لواشنطن، ويحقق لها ما تريد.

فشل تركيا في الجمع بين واشنطن وموسكو حول تفاهمات مشتركة في سورية قد يدفع اللاعبين الدوليين إلى التفاهم بدونها هناك. لذلك، تجد نفسها اليوم وجهاً لوجه أمام قرارات خطيرة ومكلفة، قد تفتح الطريق أمامها في شمال سورية، لتصل إلى ما تريد، أو ترى نفسها محاصرة ومعزولة وراء الجدار العظيم الذي بنته على الحدود التركية السورية، لتحمي نفسها من الخطر القادم من الجنوب.

لا نعرف تماماً إذا ما كانت النقلات التركية، أخيراً، باتجاه واشنطن، مثل الإعلان عن اقتراب التوصل إلى صفقة تزويد تركيا بصواريخ إس - 400 الروسية ومبادرة أنقرة بدعوة العشائر العربية في شمال سورية للاجتماع في مدينة أورفا التركية الحدودية، لبحث سبل مواجهة نفوذ صالح مسلم في شمال سورية، وإشعال الضوء الأخضر أمام المعارضة السورية، لعدم المشاركة في لقاء أستانة، أخيراً، هي تحذيرية، وإذا ما كانت ستجد آذاناً صاغية لدى الأميركيين، لكننا نعرف أن تركيا تدفع ثمن الثقة بحليفها الأميركي الذي نصحها بالتوجه نحو مدينة الباب، لمحاربة تنظيم داعش مقابل وعودٍ لم تتحقق بسحب الوحدات الكردية من غرب الفرات إلى شرقه. سيشعل التباعد التركي الأميركي حتماً نقاشات حادة في المحافل السياسية والأمنية والعسكرية الأميركية حيال مقامرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وفريق عمله في اختيار صالح مسلم حليفاً، بدلاً من الأتراك، ومحاولة محاصرة تركيا بلعب الورقة الروسية ضدها، إذا ما شعرت أن أنقرة تقاوم وتناور لتعطيل مخططها في سورية. وقد عاد السيناتور الأميركي، جون ماكين، الذي التقى أخيراً القيادات التركية في أنقرة، في محاولةٍ لإيجاد صيغة تفاهم ترضي الأتراك والأميركيين، عاد بيد فارغة، ليوجز المشهد على النحو التالي "أصبحنا في صف واحد مع الروس ضد حليفنا التركي".

تزداد مهمة تركيا في سورية مشقة، وهي تحمل أكثر من كرتونة بيض بين يديها. نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في منتصف إبريل/ نيسان المقبل المفصل التاريخي في حياة تركيا والأتراك، نحو حقبة تغيير سياسي واستراتيجي واسع في الداخل والخارج، لكننا لا نعرف الكثير عن ارتداداته، بعدُ بين احتمالي نعم ولا، لدى الحليف الأميركي.

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٧
من الإرهابيون نحن أم هم.!؟

 

 

بقلم: عبد الرحمن عمار

 

بخطى سريعة تمت صناعة الإرهاب وإلصاقه بالإسلام وتحييد الشعوب والأديان الأخرى.. وبخطى أسرع أصبح الإرهاب محصوراً بالمسلمين السنة تحديداً، والعرب بشكل خاص، كل ذلك عبر حملات سياسية وعسكرية وإعلامية عالمية منسقة ومدروسة.

وقد بلغت الحملات ذروتها بتصنيع تنظيم الدولة ونشر مقاتليه في العراق والشام ثم في العديد من الدول العربية والأجنبية دون أن يتساءل أحد من العارفين أو الجاهلين عن تلك القدرة الخارقة التي يمتلكها التنظيم، بحيث يضرب في قارات الأرض كلها دون أن يؤثر فيه أحد، وكأنه سوبرمان يلبس طاقية الإخفاء.

كل ما يذكره العالم ويتداوله الإعلام العالمي أن " داعش " يمثل الإسلام، لذلك فهو يقتل ويسفك الدماء، والأدهى والأهم من ذلك أنه يقطع الرؤوس، ولذلك يجب القضاء عليه، أو بالأحرى القضاء على الإسلام والمسلمين، فالكل محكوم بالإرهاب.

منذ عدة سنوات امتدت تهمة الإرهاب من الحاضر إلى الماضي حتى وصلت إلى الرسول الكريم. وما الرسوم المسيئة إلا غيض من فيض من عملية التشويه العالمية المتعمدة ضد الإسلام والنبي الكريم، فالعقيدة الإسلامية، بحسب زعمهم، هي عقيدة تشجع على الإرهاب، بل هي منبع الإرهاب الفكري وصولاً إلى الإرهاب الدموي الذي يمارسه في هذه الأيام تنظيم الدولة وغيرها من التنظيمات المصنفة عندهم بالإرهابية، وهذا محض افتراء وتزييف.

وما داموا قد عادوا إلى تاريخنا واستحضروا الاتهامات الباطلة وصولاً إلى الوقت الراهن، فنحن من حقنا أن نعود إلى تاريخهم، ونستحضر أجزاء قليلة جداً من الوقائع الموثقة في أدبياتهم التاريخية، فنذكر على سبيل المثال كيف تمت إبادة الهنود الحمر على أيدي الرجل الأبيض، منذ أن داست قدما كولومبس أرض القارة الأمريكية. وقد علق أحد الكتاب ساخراً بمرارة: لو كان هنالك أية وسيلة توثيق فعالة في تلك الأيام لتسجيل وتصوير وتدوين ما فعله كولومبوس بالأرض التي نزل عليها في ذلك اليوم من عام 1492م، لمنح أبو بكر البغدادي وقادة حلف المقاومة والممانعة جوائز نوبل للسلام ".

إن كولومبس وخلفاؤه مارسوا على مدى أكثر من ثلاثة قرون أنواعاً شتى من عمليات القتل والإبادة، وقد سجلت أفلام الكاوبوي الأمريكي الكثير من هذه الممارسات، ومنها ما كان يفعله " صيادو الرؤوس "، فكل مغامر أبيض كان يتجول على أطراف القبائل الهندية، ثم يأتي برأس هندي أحمر أو أكثر، وينال جائزة مادية مغرية.

والأدهى والأمر من ذلك كان الرجل الأبيض يتعمد تسميم المياه ونشر الأمراض والأوبئة الفتاكة بين شعوب بدائية لا معرفة لها ولا قدرة على مقاومة تلك الأوبئة. ونتيجة لكل ذلك تمت إبادة تلك الشعوب الهندية بشكل شبه كامل، فبحسب المصادر الغربية كان عدد سكان الهنود الحمر في الأمريكيتين أواخر القرن الخامس عشر، أكثر من مائة مليون نسمة، وبحسب قانون النمو السكاني، فمن المفترض أن يكون العدد الآن أكثر من خمسمائة مليون نسمة، إلا أن عددهم في الوقت الراهن هو أقل من مليون نسمة، ومثلما فعل الرجل الأبيض بالهنود الحمر كذلك فعل بسكان أستراليا الأصليين.

ولو انتقلنا إلى احتلال فرنسا للمغرب العربي، ومنها الجزائر عام 1830 واعتمدنا على الكاتبة الفرنسية ( كوليت جانسون ) في سرد ما فعله الفرنسيون من فظائع لتأكد لنا مرة أخرى أن الرجل الأوروبي، دون أن نعمم، هو أسّ الإرهاب ودعاماته، وسوف نكتفي هنا بعدة أمثلة أوردتها الكاتبة لتثبيت ما نرمي إليه.

تصف الكاتبة بسخرية مرة حال المفهوم الاستعماري الفرنسي للجزائر حين تقول: إن فرنسا فتحت الجزائر وباركته المسيحية جمعاء، ومن واجبنا أن نحمل شعب الجزائر على اعتناق العقيدة الفرنسية حتى يلمسوا السعادة الروحية.!!.

وفي تقرير أرسله الجنرال روفجيو الى فرنسا يقول فيه: خرجت قوة من الجنود من مدينة الجزائر في ليل 6 إبريل عام 1832 وانقضّت قبيل الفجر على أفراد إحدى القبائل وهم نيام تحت خيامهم فذبحتهم جميعاً بغير تميّز في الأعمار والاجناس، وعاد الفرسان الفرنسيون من هذه الحملة وهم يحملون رؤوس القتلى على أسنة رماحهم ".

ويقول غيره في كتابه " رسائل جدي " دخلنا إلى مدينة " الأحراج " واستولينا عليها ففعلنا فيها ما فعلنا.. لقد كانت مذبحة شنيعة حقاً كانت الجثث منتشرة في الميادين والشوارع والخيام حتى أننا أحصينا 2300 جثة، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لأننا لم نترك جرحاهم على قيد الحياة أبداً ".

وهنا نشير إلى أن عدد من سقطوا في المعارك التي حدثت في الجزيرة العربية بين المسلمين والمشركين خلال عشر سنوات من عمر الدعوة، لم يتجاوز ألفي قتيل، ومع ذلك لا يزال الغرب يرفع مقولته المهترئة بأن الإسلام انتشر بالسيف.

وكان الإعلام الفرنسي في ذلك الوقت ينهج نهج أولئك الجنرالات من حيث التشفي والاعتزاز بالقتل وسفك الدماء وقطع رؤوس الجزائريين. ففي أكتوبر من عام 1836 كتبت إحدى الصحف قائلة:

لقد أُرسل إلى فرنسا مؤخراً عشرون رأساً ليبلغ عدد الرؤوس التي وصلت إلى معسكر العمليات ثمانية وستين رأساً، وهى معلقة على سناكي البنادق، إنها لصفقة عظيمة وبداية طيبة تفتح لنا الطريق.. ".

وفي المنحى الإجرامي ذاته، نذكر ما جرى في المغرب عام 1950 أثناء تصوير بعض المشاهد من فيلم " الوردة السوداء "، فبحسب أحد مواقع التواصل الاجتماعي، قام الماجور الفرنسي " لويس مورين " بإعدام اثنين من المقاومين المغاربة شنقاً على الشجر، لكي يتم استخدامهم في أحد مشاهد الفيلم عوضاً عن استخدام الدمى، وبذلك يكون المشهد أكثر واقعية.!!. فالماجور المذكور كان من معجبي الممثل الأميركي " أريسون ويلز ".. بطل الفيلم.!!.

أما قياصرة روسيا وصولاً إلى بوتين، فقد مارسوا أنواعاً شتى من الإبادة ضد الشعوب الإسلامية في منطقة القوقاز وغيرها. ونكتفي بالإشارة هنا إلى أن عدد سكان الشيشان المسلم كان نحو سبعة ملايين في القرن الثامن عشر، أما اليوم فلا يزيد عن مليون ونصف إنسان. ولا نتحدث هنا عن طائرات بوتين التي دمرت الحجر وأبادت البشر في سورية، فالقوي ليس إرهابياً ولا يدان.!!. ولاسيما إذا كان الضحايا سوريين من أهل السنّة.!!.

لقد نجحت السياسة العالمية، وبمساهمة التقنيات الإعلامية الرهيبة، في أن تحصر الإرهاب بالمسلمين السنة تحديداً، أما الإسلام الشيعي فقد اصبح في منأى من هذه التهمة، وحين ترتكب الميليشيات الشيعية في العراق أو سورية جرائم كبرى بحق المدنيين العزل، فالعالم لا يهتم كثيراً لذلك، ولا توصف تلك الجرائم بالإرهابية.

من هنا يمكن أن نتساءل: مَن سمع بالعراقية " وحيدة محمد " والتي يُطلق عليها " أم هنادي ".. هذه المرأة سلطت الضوءَ على جرائمها شبكةُ سي. إن. إن الأمريكية، ربما من باب الإعجاب برجولتها.!!. فقد اعترفت بقطع رؤوس الكثير من" الإرهابيين ". كما أكدت أنها طبخت العديد من تلك الرؤوس المقطوعة، وتتباهى في صفحتها على التواصل الاجتماعي بنشر صور لها وهي تحمل رؤوساً مقطوعة.

أما إرهاب الأسد والمجازر التي ارتكبها، فلا حاجة للتذكير بها، ولكن للتدليل على عمق مأساتنا، نكتفي بما قالته لمى ابنة الطائفة العلوية، وابنة أحمد اسكندر أحمد، أشهر وزير إعلام في عهد الأسد الأب، والتي انشقت في حزيران عام 2013، بعد أن كانت مهيأة لتصبح قنصلاً دبلوماسياً في باكستان.

تقول لمى في لقاء صحفي: كنا نسكن في ضاحية الشبيحة القريبة من دمشق، ومن بيتي في تلك الضاحية كنت شاهدة على مجزرة " جديدة الفضل "، و " جديدة عرطوز " في آب 2012.. في مجزرة " جديدة الفضل" بقينا نسمع الرصاص لأربعة أيام، كان الدم طرياً على الأرض وشاهدنا كيف جمعوا الجثث وأحرقوها. لقد شممنا روائح احتراق الجثث..".

وأخيراً تقول لمى: على المرء أن يكون وحشاً كي يقدر أن يستمر مع النظام ".

ولم تستمر لمى، فقد انشقت عن النظام المحسوب عليها، وأراحت ضميرها الحي.

ومع ذلك فالإعلام الغربي والعربي الذي لا ضمير له، لم يسلط الضوء كما ينبغي على هذه الأفعال الشنيعة، ولا كيف كان العشرات من السوريين والعراقيين يُحرقون، وهم أحياء.

والسؤال المطروح: لو أن أحداً من أي تنظيم إسلامي سني فعل جزءاً بسيطاً مما فعلته " أم هنادي " وغيرها، أو مما فعله شبيحة الأسد، فكيف سيكون رد فعل الإعلام العالمي وحتى العربي نفسه.!!؟.

 

اقرأ المزيد
١٨ مارس ٢٠١٧
لا تحلّوا مشكلات روسيا

لم تقدّم روسيا أي مقابلٍ لمشاركة المعارضة السورية في لقاءات أستانة، المكان الذي لم يذكر في أي قرار دولي، ولم تتوافق عليه أطرف الصراع السوري، وترغب روسيا في جعله بديلا لجنيف، مكان المفاوضات الشرعية قانونيا ودوليا الذي تحمل اسمه وثيقة دولية، تقدم خريطة طريق لحل سياسيٍّ، ينهي حكم الأسد.

ولم تفهم روسيا معنى "المرونة" التي أبدتها المعارضة في أستانة، على الرغم من أنها لم تكن صحيحة أمس، وليست صحيحة اليوم أيضا، لأنها لم تقيد الروس بما التزموا به، سواء تعلق الأمر ببدء تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، أم بالوقف التام لإطلاق النار، أم بالقضم الروسي/ الأسدي لمناطق المعارضة، أم بكبح مخطط روسيا الزاحف الذي يستخدم القوة لإرغام المعارضة على القبول باحتوائها داخل النظام الأسدي، من خلال الانخراط في "حكومة وحدة وطنية"، هي بحد ذاتها مخالفة لوثيقة جنيف، وللقرارات الدولية الخاصة بتطبيقها.
حوّل الروس لقاءات أستانة عن وظيفتها المعلنة، وقلبوها إلى مكان لتطويع الفصائل وفصلها عن مرجعيتها السياسية التي يعملون لاستبدالها بمنصاتٍ، يمكن أن تصير بديلا للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ولهيئة التفاوض العليا، يتخلى عن وثيقة جنيف، بحجة قبول القرار 2254، الذي تعطله موسكو بدوره، لكي تمرّر بديلها الذي يبقي على الأسد ونظامه، ويحتوى المعارضة في إطاره.

لهذه الأسباب، كان من الطبيعي أن يقاطع وفد الفصائل لقاء أستانة الثالث، ردا على إعلان روسيٍ ينكر وجود علاقة بين أستانة ووقف إطلاق النار، الأمر الذي يجعل اللقاء هدفا منفصلا عن نتائجه أو جدول أعماله، ويتنكّر لالتزام روسيا والأسد في لقاء أستانة السابق بوقف زحفهما نحو مناطق المعارضة، وبوقف الحرب بدل تصعيدها. ويعني أن انعقاده صار إلزاميا، وأن المعارضة فقدت الحق في مغادرته أو الاعتراض على حق روسيا والأسد في مخالفة قراراته.

من الواضح أن روسيا مارست الخداع، حين قالت إن هدف أستانة هو إيجاد الأجواء المساعدة على بلوغ حلولٍ تلبي مصالح جميع الأطراف، بدءا بفرض وقف إطلاق نار شامل، يلتزم الجميع به، مع المحافظة على الأوضاع القائمة لدى الطرفين السوريين، غير أن استمرار الحرب، وانخراط طيران وجيش روسيا المكثف فيها، وما ترتب عليها في سوق وادي بردى والقابون وبرزه وحرستا ووعر حمص، أكدا أن موسكو ليست معنيةً بتنفيذ أي قرار دولي، وأن هدفها إلزام المعارضة بقبول انفرادها بحل يترجم قراءتها القرار 2254، المخالفة لنص بيان جنيف1 وروحه، إذ تنقذ النظام، وتمنع سقوط الأسد، وتقوّض أي مشاركةٍ دولية في المفاوضات، وأي مخرج متوازن يلبي مطالب الشعب السوري. بعد انفراد جيشها بممارسة قدر من قوة بدل موازين القوى، تريد دبلوماسيتها من لقاءات أستانة فصاعدا الانفراد بفرض حلّ يبدل القرارات الدولية، ويلغي حقوق السوريين.

أربك رفض الفصائل الذهاب إلى أستانة حسابات روسيا، وأكد أنها لم تنجح في وضعها تحت إبطها، وذكّرها أنها لن تحقق أهدافها بالوقوف على ساق النظام وحده، وتحتاج بشدة إلى ساق المعارضة أيضا، خصوصا بعد تكثيف حضور أميركا العسكري في الشمال السوري، الذي يصير أكثر فأكثر عقدة الصراع المحلي والإقليمي والدولي، ويتصاعد الصراع من خلالها على المنطقة وقواها من عرب وكرد وترك، ويدخل إلى مرحلة جديدة يدير الجباران فيها رهاناتهما بواسطة قواتهما العسكرية، الأمر الذي يزيد حاجة روسيا إلى المعارضة، ويمكّنها من إضعاف الموقف الروسي، إن نجحت في وضع الخطط والبرامج الضرورية لتحقيق ذلك، وصمدت في رفض الانصياع لأية ضغوط إقليمية تخدم موسكو، وترغمها على اتخاذ مواقف تتعارض مع مصالح الشعب السوري.

إذا كان هناك معارضون ذهبوا إلى أستانة، فليغادروها حالا، لأن دورهم ليس حل مشكلات روسيا السورية، ولأنه ليس من حقهم إدارة ظهورهم للوقائع التي تخدم قضيتنا، بقدر ما نعد أنفسنا للإفادة منها، بينما يعني تفاعلنا الإيجابي مع روسيا تخلينا عن دورٍ يستطيع جعل أيدي فلاديمير بوتين في وطننا أقصر من أنفه.

اقرأ المزيد
١٨ مارس ٢٠١٧
اللف والدوران الروسي

تريد روسيا فرض منظورها في سورية، حيث ما زالت مصممةً على بقاء بشار الأسد. لكن هل يشكّل بقاء الأسد حلاً؟ هذا ما لا يجيب الروس عليه، ولا أظن أنهم يفكرون به، لأن العنجهية التي تتحكم بهم تمنعهم من طرح هذا السؤال. يظنون أنهم قادرون على فرض الحلّ الذي يريدون، لأنهم "قوة عظمى"، وربما "أعظم من عظمى"، في عالمٍ اعتقدت أنها قادرة على أن تحكمه.

أولاً، لم يعد لدى النظام جيش، فقد تلاشى الجيش العربي السوري في خضم الصراع. لقد انشق أكثر من خمسين أو ستين ألفاً، بعد أن حسموا أمرهم أنهم مع الثورة. وقد عانى الجيش من فرار أكثر من مائتي ألف، لأنهم لا يريدون خوض الحرب ضد شعبهم، ولا يريدون قتل الشعب. وقتل ما يقارب المائة ألف جندي وضابط، وهم يقاتلون الشعب. لهذا، لم يبقَ سوى أقل من مائة ألف جندي وضابط (وربما العدد هو 70 ألفاً)، وكان بشار الأسد قد قال، صيف سنة 2015، أن حجم الجيش هو 130 ألف ضابط وجندي. وقد تكسرت "البنية الصلبة" التي اعتمد عليها النظام، منذ بدء الحرب على الثورة، أي الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، كما أن الشباب بات يهرب من الجندية الإلزامية، حتى وإنْ اقتضى ذلك الهروب خارج سورية.

ثانياً، فرضت سياسة القتل والتدمير هجرة ربع السكان تقريباً إلى خارج سورية، إضافة إلى تهجير أكثر من نصف السكان خارج مدنهم وبلداتهم وقراهم. وقتل أكثر من نصف مليون شخص، نتيجة الوحشية التي مورست. إضافة إلى من قتلوا في السجون، وهم عشرات الآلاف كذلك. وهم في الغالب من فئة الشباب.

ثالثاً، بالتالي، وفي ظل وجود بشار الأسد ومجموعته، ليس من الممكن بناء جيش يكون "حامي" النظام، حيث لن يثق من انشق أو فرّ من الجيش أو من الجندية، أو حتى اللاجئين الذين غادروا، بأن في وسعهم العودة إلى سورية. وبهذا، لن يستطيع النظام بناء جيش جديد، وهو يعتمد الآن على شبيحة (هم عماد الفرقة الرابعة وغيرها) أو على قوات حزب الله والحشد الشعبي العراقي والحرس الثوري الإيراني والمرتزقة الأفغان في فيلق زينبيون. وحتى كل هذه القوى لم تستطع منع سقوط النظام، ما حدا بروسيا إلى أن تتدخل لمنع ذلك. ولا شك في أن كل المعارك تخاض بقوى حزب الله وإيران، وبتغطية جوية روسية.

السؤال الجوهري هنا: كيف يمكن لروسيا أن تبقي بشار الأسد؟

بالتأكيد هي بحاجة إلى قوات على الأرض، وليس إلى الطيران والقصف الجوي فقط. هذا ما تقوم به أذرعة إيران الآن، لكن ذلك يعني أن على روسيا أن تقبل بمصالح إيران في سورية، وأن تخلّ باتفاقها مع الدولة الصهيونية التي تريد إبعاد إيران وإنهاء حزب الله. والمصالح هنا جوهرية، حيث تريد إيران مشاريع و"خط نفط وغاز" عبر سورية، وهو ما يتنافى مع المصلحة الروسية التي تريد التحكم بخطوط النفط والغاز. لهذا، بدأت إشارات روسية لحزب الله تطلب انسحابه من سورية، وتسمح بقصف الطيران الصهيوني له في سورية.

إذن، البديل هو قوات روسية، وهو ما بدأ منذ السيطرة على قاعدة حميميم، والمشاركة في معارك عديدة، ومن ثم إرسال "الشرطة العسكرية" إلى حلب، والقلمون. لكن ذلك سيقود حتماً مع زيادة القوات الروسية إلى تعرضها لحرب عصاباتٍ، هي ليست قادرة عليها، وسوف تقودها إلى أفغانستان جديدة. لكن العنجهية لا تسمح لها بأن تقبل "الحلّ الأسهل"، حيث ستكون دولة محتلة، برضى حتى أطراف عديدة في المعارضة. الحلّ الذي يبدأ باستبعاد بشار الأسد ومجموعته من أي حل سياسي، وتطبيق "جنيف1" الذي هو حلّ أمثل لها هي بالتحديد. حيث تعترف كل الأطراف الإقليمية والدولية بأنه يُطبق تحت إشرافها.

على كلٍّ، ربما يفيدنا الغباء الروسي.

اقرأ المزيد
١٨ مارس ٢٠١٧
السبع العجاف في سوريا

يتفاءل السوريون بأن يكون العام السابع الذي يمر على مأساتهم عام اقتراب النهاية، وولادة عام (فيه يغاث الناس) بعد ما ذاقوا من الويلات ما لا يطاق وما يفوق التخيل من العذاب والدمار والقتل والتهجير والتشرد. وتتزامن ذكرى الثورة مع اقتراب عقد الجولة الخامسة من المفاوضات في جنيف، وكانت الرابعة قد انتهت إلى جملة من التصريحات التي استقبلها السوريون ببرود، وما تم إعلانه عن القبول بمناقشة موضوع الانتقال السياسي فقد أهميته عند ربط تقدم المفاوضات حوله بسلال ديمتسورا الأخرى (الانتخابات، الدستور) وقد أضاف الرابعة (الإرهاب) وهي السلة التي تحمل كل أنواع المتفجرات والقنابل الموقوتة القادرة على نسف أي تقدم يحققه المتفاوضون في السلال السابقة. ولم يخف ديمستورا مكيدة ربط سلة الإرهاب بالسلال الثلاث، فقد قال «إما كل شيء أو لا شيء»! ومن البدهي أن تتعثر المفاوضات حول موضوع الإرهاب على رغم كون الجميع يدينونه ويتبرؤون منه، ولكن اختلاف التفسير للإرهاب سيجعل المفاوضات أشبه بندوة سياسية من برامج الحوارات التلفزية الساخنة! فالنظام وحلفاؤه يرون كل من يحمل السلاح ضد النظام إرهابياً، والمعارضة المسلحة ترى أنها حملت السلاح للدفاع عن الشعب بعد أن صبر شهوراً على إرهاب النظام، ويرى النظام أن الميليشيات المحلية والأجنبية التي هبّت للدفاع عنه هي منظمات تعمل في إطار الشرعية، بينما يراها المعارضون والشعب السوري المشرد تنظيمات إرهابية مثل «حزب الله» وكل الميليشيات الطائفية.

وكان حرياً بديمستورا أن يعتمد ترتيب الأولويات، وأن يكون الحديث عن الانتقال السياسي وحده هو الأولوية المطلقة، وحين ينتهي إلى تنفيذ ما جاء في بيان جنيف 1 وفي القرارات الدولية حوله، ويتم إعلان هيئة حكم انتقالية تمارس صلاحياتها، يبدأ الحديث عن الانتخابات وعن جمعية تأسيسية تضع مشروع الدستور. وقد فصلت رؤية الهيئة العليا للمفاوضات سيناريو الحل وفق القرارات الأممية ووضعت خطة متكاملة لم تغفل التفاصيل، وقد شارك في بنائها مختصون في الدساتير والقوانين ونخب سياسية متعددة الرؤى، وطرحت للحوار مع العديد من تنظيمات المجتمع المدني، كما طرحت على صعيد دولي في لندن، ثم في الجمعية العامة في نيويورك.

وكنت أرجو أن يقدم النظام رؤيته لسيناريو الحل السياسي من وجهة نظره، كي يدرس الفريقان المتفاوضان الرؤيتين معاً، ولكن النظام لم يبدِ إلى الآن أية جدية في طرح الحل السياسي، ولم نسمع أكثر من الحديث عن حكومة وحدة وطنية كأن الثورة قامت من أجل إشراك بعض المعارضين في الحكومة. ولئن كانت المعارضة قد قبلت بالتشارك مع النظام في هيئة حكم انتقالي، فإن الهدف ليس تشكيل حكومة وإنما تشكيل بنية دولة مدنية ديمقراطية ينتهي فيها الاستبداد والطغيان والتغول الأمني الذي قمع الحريات وواجه الشعب بالقتل لمجرد أنه طالب بالحرية والكرامة، ولابد من أن ينتهي دور المنظومة الحاكمة التي ارتكبت من الجرائم ما لم يرتكبه حاكم في التاريخ ضد شعبه.
ومع أنني غير متفائل بأن تحقق الجولة الخامسة تقدماً في المفاوضات إلا أنني أجد الإصرار على متابعة العمل السياسي ضرورة لإبقاء القضية السورية محط أنظار العالم واهتمامه، ولكن من الواضح أن النظام ليس مضطراً للتنازل عن أي شيء عبر التفاوض، ما دامت دول كبرى في العالم تناصره، وأخرى تسكت عن مجازره، وأخرى تكتفي باستنكار إعلامي لما يفعل، وما دامت روسيا والصين تملكان حق «الفيتو» الذي يمنع عنه العقوبات وحتى الإدانة في مجلس الأمن. وهو يرى العالم يهتم بقضايا الإرهاب أولاً، ولا يعنيه كثيراً أن يزداد عدد القتلى المدنيين يومياً، وهم يموتون تحت الأنقاض وملايين السوريين يعيشون في الملاجئ والمخيمات أو مشردين على أبواب الدول! وهذا ما يدفع النظام إلى متابعة الحسم العسكري وجعل المصالحات القسرية مع التهجير والتغيير السكاني وسيلة الحل الوحيدة عنده، وروسيا تساعده، وتسعى معه لفرض الإذعان والاستسلام على المعارضة.

وأعداء الثورة السورية يدعون أنها انتهت، وقد ارتاحوا لهجرة أكثر من نصف الشعب السوري، وسيتابعون تهجير من يشكون بولائهم عبر الترهيب المستمر وعبر الاعتقال والتعذيب، ولكنهم يتجاهلون أن الحلول القسرية لم تنهِ قضية وطنية في التاريخ كله، ولاسيما أن دماء الشعب ما تزال تنزف، وسيبقى الدم يلاحق المجرمين مهما طال الأمد.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان