تحتفل جمهورية إيران الإسلامية هذه الأيام، من خلال المسيرات والخطب النارية، بالذكرى الثامنة والثلاثين لاحتلال السفارة الأميركية في طهران، واحتجاز الدبلوماسيين الأميركيين كرهائن طيلة 444 يوماً. وفي الوقت الذي يسعي فيه الكونغرس الأميركي إلى تضييق الخناق على إيران، لا تزال القيادة في طهران حبيسة أوهامها القديمة التي يتمحور أغلبها حول الولايات المتحدة التي بثت الرعب، وكذلك سحرت لبَّ الملالي منذ استيلائهم على السلطة منذ 40 عاماً. فالملالي يخشون الولايات المتحدة، لأن نظرتهم للتاريخ يحكمها إيمانهم بنظرية المؤامرة. فهم يرون الولايات المتحدة كماكينة شيطانية مركزية تديرها زمرة ضئيلة من المتآمرين الذين عقدوا العزم على الهيمنة على العالم، ويرون المعارك السياسية داخل الولايات المتحدة كجزء من سيناريو محبوك هدفه إرباك العالم الخارجي. فبحسب أحد الملالي البارزين، فإن الرئيس دونالد ترمب «يلعب بهوس وفق نظرية هنري كسينغر، بهدف بث الرعب في نفوس المسلمين»، فيما يرى ملا بارز آخر أن المبارزة التي جرت بين هيلاري كلينتون وترمب «لم تكن سوى عرض مسرحي لإرباك العالم».
وفي بعض الأحيان، يجري تصوير الولايات المتحدة على أنها باتت «على حافة الهاوية» بسبب «انعدام الأخلاق واستشراء الفساد المتأصل فيها»، وفي أحيان أخرى يصفونها على أنها «الشيطان الأكبر» القوي الشرير كما تصفه الكتب المقدسة. وبالنسبة لبعض الملالي، ومنهم آية الله إمامي كشاني، فإن كراهية الولايات المتحدة جزء لا يتجزأ من الإيمان، وبالنسبة لآخرين مثل آية الله قراءاتي، فهو يرى أن الصلاة لا تصح إلا إذا اختتمت بعبارة «الموت لأميركا»..
ويواظب الرئيس حسن روحاني الذي يعتبر أحد الملالي ذوي الرتب المتوسطة، هو وجميع أعضاء إدارته، كل يوم على الوطء بأقدامهم على العلم الأميركي قبل دخول مكاتبهم. ونادراً ما مرَّ يوم منذ وصول الملالي إلى السلطة من دون احتجاز الجمهورية الإسلامية لبعض الرهائن الأميركيين. ويعتبر اليوم الذي تعرضت فيه السفارة الأميركية في طهران للهجوم في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 «ثورة ثانية»، وتحتفل فيه الحكومة الإيرانية بتنظيم المسيرات وعقد المؤتمرات وإقامة المعارض، وتدشين الحملات الدعائية في جميع أنحاء البلاد.
ولا تزال الجهورية الإسلامية تحتفظ ببقايا جثامين ثلاثة أميركيين على الأقل تعود لمدير سابق لمحطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في بيروت كان قد اختطفه «حزب الله»، وقتل نتيجة للتعذيب في إيران، وعميل متقاعد لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) كان يعمل لدى شركة أميركية خاصة في دبي، وضابط أميركي انتدب للعمل مع قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بجنوب لبنان.
ومن الملالي وأتباعهم التكنوقراطيين من رسموا الولايات المتحدة على أنها غوريلا ساذجة تزن 800 كيلوغرام يسهل خداعها واستقطابها.
في عام 2015 وفي ذروة محادثات الاتفاق النووي، روج محمد جواد ظريف، الموظف الذي درس في الولايات المتحدة ليلعب دور وزير الخارجية في بلاده، لبعض القصائد الفكاهية حول هذا المضمون. فمثلاً تقول إحدى القصائد: «لا تعتقدوا أنه ظريف بالفعل، فهو يستطيع بضربة واحدة أن يسقط ستة منهم (في إشارة إلى مجموعة 5 + 1)»، وقال البيت الثاني بنفس القصيدة: «ظريف يحارب وأميركا ترتجف».
ويزعم الخبير الاستراتيجي للحرس الثوري، الدكتور حسن عباسي، الملقب بـ«كسنغر الإسلام»، أن لإيران «عشرات الآلاف من العناصر النائمة» داخل الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، وجميعهم مستعدون «لتفجير وتفتيت الولايات المتحدة إلى قطع صغيرة في غضون لحظات».
أضاف الدكتور، أن «الأميركيين يدركون هذا ولذلك فهم يخشوننا». في الحقيقة، بدا الرئيس السابق باراك أوباما مصمماً على مسايرة الجمهورية الإسلامية بأي تكلفة كانت، فقد كان أوباما على قناعة بأن الولايات المتحدة قد أخطأت في حق إيران، وأن عليه أن يكفر عن ذلك الذنب، وهو ما اعتبره الملالي وتابعوهم مؤشراً على ضعف الولايات المتحدة.
بيد أن الصفوة الحاكمة الآن تبدو مفتونة بالولايات المتحدة. فقد جرى الإعلان في طهران في أغسطس (آب) الماضي عن قائمة تضم 700 طفل من أبناء كبار مسؤولي الجمهورية الإسلامية يدرسون حالياً في الجامعات الأميركية. وبحسب عضو المجلس الإسلامي كريمي قدوس، فإن نحو 1500 من مسؤولي الجمهورية الإسلامية يحملون إما جنسية مزدوجة (أميركية) أو إقامة دائمة في الولايات المتحدة، ناهيك عن الأعداد الضخمة من المسؤولين والأعضاء السابقين في «الحرس الثوري» المقيمين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، بعضهم من العاملين في المراكز البحثية والجامعات.
ومنذ عامين، وصف الرئيس روحاني الاتفاق النووي الذي وقعه مع أوباما بأنه أعظم انتصار دبلوماسي في تاريخ الإسلام. لكن الآن، وفي عهد الرئيس الجديد، فإن «الشيطان الأعظم» يسلط الضوء على هشاشة هذا «الانتصار»، وذلك لأن عائدات النفط الإيرانية تراكمت عبر السنين، وجمدت في البنوك الغربية واليابانية والصينية والهندية، وفي غيرها من الدول التي تخشى العقوبات الأميركية حال تراخت عن تجميد تلك الأرصدة، وهذا هو السبب في تعطيل ما أطلق عليه «صفقة القرن» الشهيرة التي أبرمتها إيران مع شركة «توتال» الفرنسية العملاقة. كان ذلك أيضاً المصير المؤسف الذي آلت إليه اتفاقات مبدئية، كان من المفترض أن تقوم إيران بمقتضاها بشراء طائرات ركاب طراز «إيرباص» و«بوينغ». كذلك ضاعت وعود كانت إيران قد حصلت عليها من روسيا بالحصول على حدود ائتمانية بقيمة 5 مليارات دولار ذهبت إلى غياهب النسيان، بعدما تيقن الجميع من أن ترمب لن يغني من كتاب التراتيل الذي كتبه سلفه أوباما.
وعلق ظريف مؤخراً على هذا الوضع بقوله «حالياً لا نستطيع فتح حتى حساب مصرفي في لندن لسداد رواتب موظفي سفارتنا هناك».
ولكي نكون واثقين، ففي فترة حكمه الأخيرة، قام أوباما بطمأنة إيران إلى حدّ ما بشأن معالجة مشكلة تدفقاتها النقدية، لكن من الواضح الآن أنه بعد رحيل أوباما، فمن غير المرجح أن تنعم طهران بشيء من الراحة في القريب العاجل.
ماذا تفعل إيران إذا؟
على إيران البحث في جذور تلك العداوة غير المبررة، ومحاولة اقتلاعها بمراجعة سياساتها الخارجية وطريقة إدارة دبلوماسيتها. فمن اللافت أنه بعض مرور 38 عاماً الآن، لم يحدث أن أخبرنا الملالي عن السبب الذي جعلهم ينظرون إلى الولايات المتحدة بوصفها «عدواً» بدلاً من خصم أو، لنكون أكثر واقعية، قوة على خلاف مع إيران.
وهذا هو السبب في أن جميع الإيرانيين تقريباً يعانون في حياتهم اليومية، من دون تسجيل ولو نقطة واحدة في مرمى «الشيطان الأعظم».
وعلى مدار أربعة عقود تقريباً، فإن الوطء بالأقدام على العلم وحرق صور الرؤساء الأميركيين وترديد هتاف «الموت لأميركا» لم يحل أياً من مشاكل إيران، ولا «الشيطان الأعظم» غير من نهجه. فالمنطق يقول: إنه عندما تفشل سياسة ما فمن العقل تغييرها. لكن في إيران اليوم، فإن العقول المتحجرة لا تزال متمسكة بالهتاف وحرق الأعلام.
تقلبات المشهد السياسي ومياعة مناطق النفوذ وموازين القوى في الشرق الأوسط تثير تساؤلا مهما لدى أي قارئ ومتابع مفاده: هل السياسة الأمريكية جادة في تقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وفي العمل على افشال مشروع الهلال الشيعي، أم أن مواقفها العملية هي اثبات واضح لعكس ما تزعمه وتدعيه في تصريحاتها العلنية؟
ما جرى ويجري في العراق وسوريا واليمن ولبنان هي خير مفاتيح للإجابة على السؤال الآنف، لكننا سنكتفي بالعراق وسوريا فهذين المثالين يفيان بتقديم صورة واضحة حول حقيقة التواطؤ الأمريكي -الايراني في إعادة هيكلة الشرق الأوسط بطريقة تُسهّل اجندات مشروع الهلال الشيعي.
فبعد سقوط صدام عملت أمريكا ما بوسعها لتسليم مقاليد السلطة الى شيعة العراق، ممن يدينون بولائهم المطلق للمرجعة المذهبية في قم إيران وليس نجف العراق. حيث تجل النفوذ الايراني في العراق بفترة حكم المالكي بشكل واضح، وبلغت ذروتها بانسحاب الجيش الأمريكي من العراق في ٢٠١١ بضغط إيراني واضح ليتحول العراق إلى عمق استراتيجي إيراني إضافي تمد من خلاله أذرع ونفوذ فيلق القدس من طهران نحو العواصم العربية، مصدرة الحرب والخراب والتشيّع.
استمر الحال في العراق على ما هو عليه حتى مجيء داعش، الذي استطاع السيطرة على اغلب مناطق السنة في العراق ومنها المناطق المتنازع عليها بين اقليم كردستان وحكومة المركز في بغداد، وذلك بتواطئ فاضح من قبل حكومة المالكي واولياء امره في طهران. لكن قوات البيشمركة تمكنت من دحر التنظيم المتطرف وبسط سيطرتها على اغلب المناطق المتنازع عليها، حتى ان انتهت عملية الاستفتاء في إقليم كردستان في الخامس والعشرين من أيلول الماضي، لتجد إيران وأذرعها العراقية في الاستفتاء ذريعة كافية لإتمام عملية قضم العراق، وخصوصا المناطق الكردستانية الغنية بالنفط وتحويل تلك الجغرافيات الى معابر مفصلية تتوج الانجاز الجيوسياسي لتفاصيل مفهوم الهلال الشيعي.
كل متابع يدرك بان العبادي وميليشيات الحشد الشعبي لم يكن ليستطيعوا السيطرة على كركوك وحقولها النفطية بتلك السهولة دون دعم مباشر من حرس الثورة الايراني وبدون الحصول على ضوء اخضر من الأمريكان. بينما المفارقة الأكبر التي تواجه المتابع هي تزامن احداث السيطرة على كركوك بتصاريح نارية أطلقها البيت الأبيض في الخامس عشر من أكتوبر الماضي ضد إيران والتزاماتها بالاتفاقية النووية، وذلك بإعلان دونالد ترامب عن سلسلة من الاجراءات العقابية لتجفيف مصادر التمويل لميليشيات فيلق القدس. بالمقابل تتالت تصريحات المرجعيات الإيرانية: “بان بسط السيطرة على نفط كركوك كان ضرورة تاريخية كي لا تذهب عائداته الى أعداء الثورة الايرانية”، واستكمالا للمشهد تذرعت الحكومة العراقية بعدة حجج، لإيقاف استخراج وتصدير نفط المنطقة عبر أنبوب كركوك- جيهان التركية، فيقوم ايران بتنفيذ مشروعه المُعد مسبقا بمد انوب لنقل نفط كركوك الى ايران، أي تحويل عائدات النفط العراقي الى مصدر تمويل إضافي لإيران وميليشياتها، تلك الميليشيات التي تدعي أمريكا بانها ستجفف مواردها المالية.
كل مهتم بالعملية السياسية في العراق يدرك بان العبادي هو الحلقة الأضعف في موازين المعادلة الشيعية العراقية وهو الشخص الأقل شعبية، وكافة المحاولات الامريكية لتسويق العبادي إقليميا، والترويج لزياراته المكوكية الى دول الجوار وعقد اتفاقيات ثنائية مع المملكة السعودية، وغض الطرف عن استعانته بالحشد الشعبي، وتحديدا فصائل منه مدرجة تحت قائمة الإرهاب لأفشال مشروع الاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان، لن تاتي اكلها بل بالعكس لها مردود عكسي سلبي. تلك الخطوات لن تجدي نفعا في تقوية جبهة العبادي داخليا وإعادة العراق الى محيطه العربي الطبيعي، ولن تؤدي الى تقويض النفوذ الايراني وتغيير موازين القوى في العملية السياسية العراقية، كما ان تلك الخطوات لن تحول العبادي الى بطل قومي يلتأم حوله صدع البيت العراقي، بل انها في المحصلة تخدم تفاصيل مشروع الهلال الشيعي وكما نوهنا آنفا تغذي مصادر تمويل الميليشيات القائمة على تنفيذ المشروع، ونتائجها واضحة في توسع رقعة الهيمنة الإقليمية الايرانية على حساب نظيره السني، هذا الواقع ينسف في الوقت نفسه مزاعم الولايات المتحدة، في الحد من النفوذ الايراني وتجفيف تمويل اذرعه ” الارهابية”.
وفي سوريا ومنذ بدأ الثورة في عام ٢٠١١، تواطئ الامريكان وتخاذلوا بتعمد أمام خطط النظام بعسكرة الثورة. ورغم التصريحات المتكررة بدعم مطالب الشعب السوري، والخطوط الحمراء المعلنة، لكن الامريكان اكتفوا بالمطالبة بتنحي الأسد، الذي اعلنوا فقدانه للشرعية مرارا، بينما على ارض الواقع كانوا يراقبون ميليشيات حزب الله وعصائب أهل الحق والحرس الثوري الإيراني كيف تعيث فسادا وتتفنن في قتل الشعب السوري وكيف تغير ديموغرافية سوريا دفاعا عن الأسد وطائفته، دون تحريك ساكن، على طول الست سنوات لم يقدموا للثورة السورية سوى دعم خجول ومتردد لبعض فصائل الجيش الحر،اما بعد انشقاق داعش عن جبهة النصرة واعلانه عن دولته المزعومة في سوريا والعراق، فقد اختزلت المواقف الامريكية في دباجة واحدة مكررة وهي: محاربة الإرهاب والقضاء على داعش تحديدا هي على رأس اولويات واشنطن، أما اللوحة من زاوية أخرى تظهر مشهدا أكثر قتامة.. فقد دأب الأمريكان على تنفيذ مخططات تمعن في إفشال الثورة السورية على عدة مستويات، أولها، تفتيت صفوف المعارضة السورية الحقيقية، تارة بإخضاع امرها لمشيئة دول اقليمية وعربية ومخططاتها، أو بلعب دور العراب لربط الأطراف المعتدلة بالتنظيمات المتطرفة أو بتجفيف كافة الخيارات البديلة الممكنة لإجبار المعتدلين على الهروب الى أحضان التنظيمات المتطرفة. على مستوى آخر كانت تبحث عن حليف داخلي يتمكنون من خلاله الامعان اكثر في تشتيت صفوف الثورة السورية، اذ وجدوا حينها ضالتهم في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
وعبر تحالفاتهم المبهمة مع الحزب استطاعوا تحييد قسم كبير من الكرد عن مقاومة النظام السوري مما شكل احدى عوامل الانهاك المهمة للثورة السورية، المستوى الثالث كان بالعمل على تفتيت ما تبق من فصائل الجيش الحر كما تزامنت هذه المرحلة مع التدخل الروسي العسكري المباشر، والذي تم دون اعتراض أمريكي يذكر.
تجلت هذه المرحلة أولا بقتل زهران علوش الذي كان يشكل خطرا جسيما على العاصمة دمشق، ومن ثم تتالت الدعوات لمؤتمرات أستانة التي أفرزت مفهوم مناطق تخفيض التصعيد، ليتسنى من خلالها للنظام السوري التفرغ لمهاجمة ديرالزور والسيطرة عليها وفتح خيار طريق الإمدادات الإيرانية إلى دمشق عبر معبر البادية السورية في محيط محافظة دير الزور.
جدير بالذكر ان التركيز على خيار البادية السورية كطريق لإيصال الامدادات من طهران الى دمشق تم تبنيه بعد فشل الخيار الاول، أي الطريق العابرة عبر أراضي كردستان العراق من طهران نحو دمشق، حيث كان الرئيس مسعود البارزاني قد رفض الطلبات الايرانية المتكررة منذ عام ٢٠١٢ لجعل أراضي كردستان العراق ممرا لقوافل الامداد العسكرية الايرانية لدمشق، منذ ذاك التاريخ وبدات محاولات طهران للي ذراع الرئيس بارزاني داخليا بهدف اجباره على قبول املاءات فيلق القدس لكن جميعها باءت بالفشل. الى ان شارك الفيلق ميدانيا ليستطيع هذه المرة السيطرة على كركوك. واضافة الى الأسباب المذكورة سابقا، التحرك الميداني لقاسم سليماني تنطوي أيضا على نزعة انتقامية من إقليم كردستان لرفضه المتكرر للانصياع للمطالب الايرانية في فتح أراضي كردستان العراق امام الامدادات العسكرية الايرانية، وما اصرار الحكومة المركزية في بغداد لبسط سيطرتها على المنافذ الحدودية بين إقليم كردستان وسوريا سوى عملية احياء للمشروع ذاته.
لا يمكن لعاقل ان ينكر بان المواقف الامريكية تجاه الثورة السورة قد قدمت خدمات جلية لبشار الأسد ونظامه وحلفاؤه، حيث انها عززت مزاعم النظام السوري امام الرأي العالمي في محاربة الإرهاب و” الازمة” هو صراع بين الخير والشر صراع بين قوات حكومية و” ارهاببيين “ولا وجود لما يسمى بثورة شعبية، اما ميدانيا فقد ساهمت واشنطن في إتمام مخطط الهلال الشيعي وترسيخ دعائمه ليتحول الى امر واقع راسه في طهران وذيله في بيروت باذرع تمر ببغداد ودمشق وحتى اليمن.
اما ورقة اليمن ومحاولة دفع المملكة السعودية للغوص في مستنقع الحرب هناك فقد ازكت ناره لسببين أساسيين أولهما كان محاولة استنزاف قدرات المملكة السعودية عسكريا واقتصاديا، حيث انها تبوأت موقع القطب الاكثر ثقلا في مواجهة التمدد الشيعي في العالمين العربي والسني في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، ثانيا لزعزعة الاستقرار الداخلي للملكة لإجبارها على إعادة النظر في قائمة أولويات امنها القومي والانكفاء عن لعب دور محوري في دعم الثورة السورية كدولة وطرف مهم جدا بين مجموعة “أصدقاء الشعب السوري”، لذلك نرى التحولات التي جرت في مواقف المملكة تجاه اسقاط نظام الاسد، خصوصا بعد استلام الملك سلمان لمقاليد الحكم، ففي الوقت الذي كانت فيه السعودية تقدم دعما سياسيا وعسكريا للمعارضة السورية المتمثلة بالإتلاف وفصائل الجيش الحر المعتدل، وبعد المضي في عمليات عاصفة الحزم ضد الحوثيين المدعومين إيرانيا..، أصبح سقوط بشار الأسد أمرا ثانويا بالنسبة للملكة السعودية.
التوسع الايراني وخروقات الحرس الثوري الايراني وفيلق القدس لسيادات الدول حدث ويحدث على مرأى ومسمع امريكا دون أن أي تدخل فعلي لأيقاف وتقويض هذا التمدد والدفاع عن امن ومصالح شركاؤها المفترضين من دول المحور السني، أما الان وبعد سيطرة قوات الحشد الشعبي وداعمها الأساسي أي فيلق القدس على مساحات شاسعة من أراضي كردستان العراق، خصوصا جبال شنكال( سنجار)، التي جعلت عواصم المنطقة من انقرة مرورا بالرياض وحتى تل ابيب تحت رحمة أهواء مدافع ايران البعيدة المدى، فقد آن الاوان لمراجعة الحسابات، لان الخطر الأكبر بات على مرمى حجر من حدائق دورنا. لقد بدأت ايران بالانتهاك العملي لحرمات الحليف الأضعف في المحور السني الشرق اوسطي، أي الكرد، ولم يسعفهم احد من الاشقاء، والسؤال هنا من هو التالي على قائمة النهم التوسعي الايراني ؟ سؤال مهم برسم الإجابة من قبل عقلاء القوم.
مرت الغارة الإسرائيلية ليل أول من أمس على ما قيل أنه مصنع للذخائر قرب مدينة حمص السورية، من دون أن تثير قدراً يذكر من الاهتمام. بعد نصف ساعة من انتشار النبأ، اختفى من موجزات الأخبار ومواقع الأنباء العاجلة.
إنها مجرد حركة على لوح شطرنج الصراع الإسرائيلي– الإيراني سبقتها حركات وستتبعها شبيهات لها كثيرات إلى أن يُعد مسرح المواجهة العسكرية المفتوحة في سورية ولبنان أو أن يجري التوصل إلى تسوية سياسة في إطار رسم خرائط المشرق العربي بعد فشل الثورات.
في السادس عشر من الشهر الماضي، شنت الطائرات الإسرائيلية غارة على موقع للدفاع الجوي السوري بعد إطلاقه صاروخاً على طائرة إسرائيلية كانت في دورية استطلاع «روتينية» في الأجواء اللبنانية. بعد أيام، أطلقت رشقة من الصواريخ على مرتفعات الجولان المحتلة، حمّلت إسرائيل المسؤولية عنها إلى عناصر «حزب الله» المنتشرين هناك وأعقبت ذلك بنشرها صورة واسم من قالت إنه المسؤول عن قوات الحزب في منطقة الجولان. أول من أمس، ردت الدفاعات الجوية على الغارة على الموقع المستهدف بصاروخ يبدو أنه سقط على السلسلة الشرقية لجبال لبنان محدثاً دوياً كبيراً، أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران.
غارتان في أقل من شهر وقبلهما مناورات ضخمة للجيش الإسرائيلي استعداداً لحرب على جبهتي الشمال، السورية واللبنانية، وتهديدات مستمرة من المسؤولين الإيرانيين لإسرائيل، في سياق عريض هو العثور على حل وسط للحاجات الاستراتيجية الإيرانية والإسرائيلية في بلادنا، التي نغيب عنها كمقررين لمصيرها ومستقبلها ونحضر فيها كضحايا وأطفال يموتون جوعاً في الغوطة وكلاجئين، حاليين ومحتملين، نشكل أزمة للدول المضيفة.
لم يتفق الروس والأميركيون- وكأنها عبارة مستلة من قاموس الحرب الباردة- لم يتفقوا على «مصالح» إسرائيل وعلى «مصالح» إيران في سورية (وفي لبنان، استطراداً). هذا ما بقي من الثورة السورية ومن التضحيات المرعبة التي قدمها السوريون ومن دمار بلدهم وتدخل القوى الإقليمية والدولية لإفشال الثورة وتحويلها «مهاوشة على صيدة» على ما قال أحدهم قبل أيام.
وإذا كانت الحرب هي الخيار الإسرائيلي المفضل، فإن بنيامين نتانياهو، الذي يتجاذبه إغراء التصعيد في غزة حيث فجر نفقاً مكتشفاً قبل أسابيع لإفشال المصالحة الفلسطينية، وإغراء ضرب «حزب الله» و «الحرس الثوري» الإيراني في سورية، يعلم أن الأمر يتطلب إعداداً كبيراً لئلا تتكرر نتائج حرب تموز (يوليو) 2006، فيهدي نصراً آخر إلى علي خامنئي وحسن نصرالله. والإعداد يتطلب حسماً أميركياً للموقف من الاتفاق النووي مع إيران واقتناعاً أميركياً، أيضاً، بأن الدور الروسي في سورية لن يفضي إلى النتيجة التي تريدها واشنطن. هذان المعطيان لم يتحققا بعد وقد لا يتحققان في القريب العاجل بسبب استمرار المضمون «الأوبامي» للسياسة الخارجية الترامبية.
الغارة الليلية قرب حمص تصب في الخط التصاعدي للاستعدادات للحرب المقبلة. ويمكننا، في الإطار ذاته، أن ننتظر في القريب العاجل رداً من الجولان بصواريخ مجهولة الهوية. لكن الواضح أن الإسرائيليين والإيرانيين ينتظرون إشارات صريحة من راعييهما الدوليين للقفز إلى نقلة نوعية في العمل الميداني، ما دام البازار السياسي لم يقفل بعد. لقد عادت منطقتنا ساحة خالية من الأهل.
أربك تغير ميزان القوى في الأزمة السورية صانعي السياسة الإسرائيلية، وربما كان أكثر ما أربكهم التحول الواسع في مسار الأزمة لمصلحة نظام بشار الأسد وحلفائه، منذ التدخل العسكري الروسي قيل نحو عامين، لذا كان عليهم تعديل تقديراتهم لنتائج الأزمة في ضوء ميزان القوى الجديد، ومن أهمها التقدير الذي ذهب إلى أن نظام الأسد كان آيلاً للسقوط.
لكن المعضلة الكبيرة التي واجهوها، ولم يجدوا لها حلاً بعد، هي كيفية التعامل مع تداعيات التغير الذي حدث، خصوصاً امتداد النفوذ الإيراني إلى منطقة الحدود الإسرائيلية السورية. لم يكن هذا الاحتمال ضمن تقديراتهم السابقة أصلاً. أما وقد أصبحت قوات وميليشيات تابعة لإيران قريبة من هذه الحدود، فقد فرض عليهم هذا التطور أن يراجعوا حساباتهم كلها تقريباً، فقد ازدادت أهمية منطقة جنوب سوريا التي لم تتعرض إسرائيل إلى أي تهديد منها منذ انتهاء حرب 1973. وكان وصول أسلحة إلى «حزب الله» عبر الحدود السورية اللبنانية هو أقصى تهديد يمكن أن يواجههم. لم يتوقعوا أن تقترب ميليشيات تابعة لإيران من حدودهم، وتزداد معدلات التهديد المترتب على إرسال السلاح، واتخاذه بُعداً جديداً بصناعة بعض أنواعه في مناطق سورية قريبة من الحدود.
لذلك تغيرت حسابات إسرائيل حتى على صعيد أولوياتها بشأن الأزمة السورية. فقد أصبح هدفها الأول هو إخراج القوات والميليشيات التابعة لإيران من سوريا. ولأن هذا هدف بعيد المنال في المدى القصير، وربما المتوسط أيضاً، تُركِّز إسرائيل على هدفين يأمل صانعو سياستها أن يؤدي إحراز تقدم باتجاههما إلى تقريب الهدف الأبعد.
أول هذين الهدفين هو إبعاد القوات الموالية لإيران مسافة كافية من حدودها. أما الثاني فهو منع إقامة قواعد ومنشآت عسكرية، وأي بني تحتية إيرانية أو تابعة لإيران في سوريا. وسعياً لتحقيق الهدف الأول، اعترضت إسرائيل على اتفاق خفض التصعيد في منطقة جنوب غربي سوريا، رغم أنه ينص على عدم وجود قوات غير سورية فيها، وبالتالي انسحاب الميليشيات الموالية لإيران مسافة تتراوح بين 8 و32 كم.
لكن هذه المسافة لا تكفي لطمأنة إسرائيل القلقة لسبب ثان هو أن الاتفاق يقيد حركتها لمواجهة ما تعتبره مصادر تهديد قرب الجولان، رغم أنه لم يمنعها من قصف مواقع على مدى أبعد ثلاث مرات خلال خمسة أسابيع، كانت الأولى في 9 سبتمبر الماضي ضد مخزن صواريخ، ومركز بحوث في محافظة حماة تفيد معلومات إسرائيلية أنه مخصص لصنع أسلحة، والثانية في 22 من الشهر نفسه ضد مخزن أسلحة في محيط مطار دمشق الدولي، والثالثة في 16 أكتوبر ضد بطارية صواريخ شرقي دمشق.
وربما تكون معضلة إسرائيل الأولى على هذا الصعيد أنها لا تثق في أن روسيا ستفي بوعدها بشأن إخراج القوات الأجنبية من سوريا، فيما تريد المحافظة على علاقاتها الجيدة مع موسكو، ولا ترغب في المخاطرة بها، وهي لا تستطيع الاعتراض على الرد الذي تتلقاه من موسكو كلما عبرت عن قلقها من الوجود الإيراني، وهو أن الأولوية لمكافحة الإرهاب، وأن رحيل القوات الأجنبية عموماً سيكون في مرحلة تالية.
يبدو الموقف الروسي منطقياً، لكن إسرائيل تخشى أن تُرسِّخ إيران حضورها العسكري بحيث يتعذر إخراج القوات الموالية لها حتى إذا التزمت روسيا بهذا الموقف، كما تخاف إسرائيل أن تتغلب مصالح موسكو مع طهران في النهاية، وخاصة في ضوء التطور المتزايد في العلاقات الاقتصادية والعسكرية بينهما.
لذا تظل حسابات إسرائيل مرتبكة، سواء اختارت قبول موقف روسيا وانتظار انتهاء الحرب على الإرهاب في سوريا، أو لجأت إلى المناورة عبر مواصلة دعم العلاقات معها وممارسة بعض الضغوط عليها في آن معاً، والأرجح أن يرتبط خيار إسرائيل بمدى استجابة روسيا لمطالب محددة يبدو أن الاتصالات بشأنها ما زالت مستمرة منذ زيارة بنيامين نتنياهو موسكو في أغسطس الماضي. ومن أهم هذه المطالب إبعاد القوات الموالية لإيران إلى مسافة 40 كم من الحدود وفرض رقابة قوية على تحركاتها، والحصول على حرية حركة كاملة في المجال السوري، مع التعهد بعدم استغلالها إلا في حالة نقل أسلحة إلى لبنان، أو إقامة منشآت عسكرية تابعة لإيران، كما تطلب إسرائيل وضعها في أجواء الاتصالات المتعلقة بإعادة ترتيب الأوضاع في سوريا لكي تتمكن من وضع خططها وتعديلها في ضوء معلومات متجددة.
لم يحقق المؤتمر الأخير في آستانة في جولته السابعة أي تقدم يذكر، فقد أخفقت روسيا من جديد في معالجة ملف المعتقلين مع النظام، وهو الملف الأكثر أهمية في جدول أعمال المؤتمر، وكانت روسيا قد طلبت تأجيل بحثه مرات. ويبدو أن النظام السوري لا يريد الإفراج عن المعتقلين كي لا يواجه أسئلة عن عشرات وربما مئات الآلاف ممن قضوا تحت التعذيب، وقد رأى العالم نماذج قدمتها الصور الشهيرة التي سربها قيصر وتجاوزت خمسة وخمسين ألف صورة عن ضحايا التعذيب.
وكان وفد المعارضة قد شارك في لقاءات آستانة من منطلق الحرص على إيقاف شلال الدم، ورأى أن تخفيض التصعيد يمكن أن يكون مرحلة تمهيدية لوقف شامل لإطلاق النار، ولكن الخروقات اليومية في مناطق خفض التصعيد من قبل النظام جعلت الاتفاقيات بلا مصداقية ولا سيما في الغوطة حيث يشتد الحصار والقصف ويهدد المئات بالموت جوعاً ومرضاً.
ويبدو أن مؤتمر آستانة قد فقد أهميته ولن يجدي الاستمرار فيه وقد وصل إلى جدار مسدود، ولعل هذا ما دفع روسيا للتفكير في الدعوة إلى مؤتمر عام رغبت في البداية أن تعقده في سوريا باسم مؤتمر الشعوب السورية، ثم حولته إلى «سوتشي» باسم مؤتمر الحوار الوطني، وقد دعا إليه الروس العديد من التنظيمات التي تعلن أنها معارضة ولكنها في أهدافها وأدبياتها لا تختلف عن طروحات النظام. كما دعيت أيضاً تنظيمات معارضة جادة أعلن كثير منها رفضه الحضور لمؤتمر يقفز فوق قرارات الأمم المتحدة، ويجعل روسيا وحدها المتفردة بالحل النهائي للقضية السورية الدولية. ويتجاهل مبادئ جنيف 1 وعملية الانتقال السياسي التي اعتمدتها كل القرارات الأممية ليناقش الانتخابات والدستور، ومن المفترض أن تتم مناقشة هذه القضايا بعد الانتهاء من تأسيس هيئة حكم انتقالية، وبدء عهد جديد ينتهي فيه عهد الاستبداد والديكتاتورية ليبدأ بناء دولة سورية مدنية ديموقراطية غير طائفية عبر حكم ذي مصداقية، وهذه التعابير هي جوهر ما دعت إليه الشرعية الدولية في جميع قراراتها.
وترى المعارضة الوطنية السورية أن هدف روسيا من هذا المؤتمر هو إعادة تأهيل النظام، وربما هي تستعجل عقده، وتزاحم سواه من المؤتمرات لتعلن انتصاراً قبيل الانتخابات الرئاسية، ويبدو واهماً من يظن أن الشعب السوري الذي قدم تضحيات غير مسبوقة تاريخياً على مذبح الحرية سيقبل عودة ذليلة إلى حضن النظام، ولا سيما أنه يدرك أن النظام سينتقم بوحشية من كل من ثار عليه أو عارضه. وحسب النظام أنه فقد كل الشعارات الإنسانية وجعل البوط العسكري شعاراً له تأكيداً على سطوة الدولة الأمنية. واشترط قيادي في حزب «البعث» على كل من يفكر في العودة إلى وطنه سوريا أن يقبّـل بوط العسكري وليس جبهته مثلاً، وهذه غطرسة تكشف طبيعة النظام!
والسوريون يعرفون جيداً أن النظام غير قابل لتغيير سلوكه إطلاقاً، وأن المجرمين فيه غارقون في سلوك الجريمة المتوحشة، وقد فقد هؤلاء كل المشاعر الإنسانية، ويكفي النظر إلى الضحايا من الأطفال وحدهم دليلاً على حالة التوحش التي يعيشونها. وما تقترحه روسيا من مصالحات مع هؤلاء هو دعوة للرضوخ لمنطق الاستبداد وانتصار للديكتاتورية، وإذلال متعمد للملايين من الشعب السوري المضطهد، ومكان هؤلاء المجرمين هو المحاكم العادلة.
وأما المؤتمر الثالث الذي تترقبه المعارضة السورية وتدعو إليه فهو مؤتمر الرياض الثاني، وهي تطمئن فيه إلى رعاية المملكة العربية السعودية والعديد من دول أصدقاء سوريا، وتعلن المعارضة أنها تريد مزيداً من توحيد المعارضات التي تتوافق مع رؤية الشعب السوري وتعبر عن مبادئ ثورته، وتصر على أن الانتقال السياسي عبر بيان جنيف 1 والقرارات الدولية وبيان الرياض الذي أطلقه مؤتمر الرياض محدداً ثوابت الرؤية والهدف، هو الطريق إلى الحل السياسي النهائي برعاية الأمم المتحدة.
وأما المؤتمر الرابع المرتقب فهو الجولة الثامنة من مباحثات جنيف التي تحدث عنها دي مستورا ولم يحدد بعد موعداً رسمياً لها، وقد تكون في نهاية هذا الشهر نوفمبر (2017)، ونرجو أن يتمكن دي مستورا في هذه الجولة الجديدة من دخول جاد في بحث عملية الانتقال السياسي، فإن لم يفعل فستكون نتيجة الجولة مثل سابقاتها، فشلاً يتوج به دي مستورا مهمته التاريخية.
في زاوية الزنزانة المظلمة ثمةَ خطيئة تكاد تشقًق منها السماء …
فعندما أصيب عبد المجيد بالشلل في قطاع الإفراديات إدارة المخابرات الجوية بدمشق نتيجة لغرزهم مسمار في ظهره …..لم يكن يعلم أن المساعد :
(( نصر اسبر )) سيفقؤ له عينه اليمنى بالكبل في قسم التحقيق …..ليسوء حال عينه الثانية وخلال أسبوع واحد يمسي ضريراً في ظلمات بعضها فوق بعض …..
ويكون أحد المقُعدين الذين كانوا في زاوية زنزانتنا صرخة وجع تطعن ضمير هذا العالم الدنيئ
في قطعة الجحيم تلك لم يكن المقعدون المصابون بالشلل يذهبون معنا للمراحيض كانت كل فضلاتهم تحتهم …. في بعض الأحيان كنا نحفضهم بأكياس الخبز التي نادراً ما كنا نحصل عليها .. وكانت رائحتهم قاتلة لدرجة أننا نحبس أنفاسنا حين نُحفض واحداً منهم ….
في كل مرة كنت أقترب فيها من عبد المجيد لأتأكد إن كان حياً أم أنه استشهد و أسأله أخي عبد المجيد كيف أنت :
كان يستجيب لأي كلمة بخليط عميق من ملامح الأسى التي كانت تتصارع لتفوز بوجهه الجميل
و يمد يده التي ترتجف إليَّ ....
ويحاول أن يدير وجهه بالإتجاه الصحيح نحوي لترتعش كالعادة شفتيه عدة مرات ويسيل لعابه خارج فمه قبل أن يقول بلهجته الحَمويه :
_ خيي وائل أنا مشتاق للأولاد ...كتير … والمشكلة حتى لو طلعت من هون كيف بدي شوفهن أنا عميت أخي وائل ….. مبارح حلمت إني طلعت وشفت الولاد وبستهن كلهن
ثم يضخ حزن الكون كله بقلبي حين يبدأ بالبكاء دون دموع ..ويقول :
_أنا مسجون بعتمتي خيي وائل … أنا ما بقى تفرق معي الأماكن كلها بالنسبة إلي صارت سجن .. ويشهق ليكمل جملته التي لازالت تقضم قلبي ويقول : بلكي بحضنهن مرة قبل ما موت …
_كنت أظن أن العميان لا يحلمون لكني عرفت في الزنزانة أن كل شيء يحلم حتى الأشياء والشوارع والنوافذ ….
في منتصف الليل سحلوه من رجليه وهو يتلفت في عتمات عينيه ولا يعرف أين هم آخذوه..
وبعد أيام كانت جثته في الممر كأنها وطنٌ مهجور لم يسكن فيه أحد سوى دموعنا عليه .. دموعنا التي ذهبت هباءً
_ حين خرجتُ من المعتقل ورأيت ابنتي لأول مرة لم تعرفني …وحين سألتني من أكون اخترقني سؤالها كرمح …. لم أستطع حتى أن أجيبها من أكون !! كيف يخبر أبُ إبنته أنه والدها كيف …!!
غصصت وانتحبت بكاءً لصورة عبد المجيد التي سيطر ت على ذهني عندما سألني كيف يمكن أن يرى أولاده بعد أن أقعدوه وأعموه …. !!
أنا خَجلٌ من عبد المجيد لأني رأيت طفلتي ….. و هو لن يتمكن بعد اليوم من رؤية ملامح أطفاله ….!!
وخجل لأن نصر اسبر لازال يعيش ككل الأخرين في وطني المحتل ولم يحاكمه أحد ..
وخجل من الظلام الذي كان سجن عبد المجيد الكبير ولم يطلق سراحه منه الموت …..
رائحته التي كانت تؤلم الجدران أطيب عندي من طيوب الدينا … وقطع البراز التي كانت قد يَبست على قروحه التي ملأت ظهره وفخذيه كنت أقشرها له بقطعة قماش من قميص معتقل مات بالأمس ...
عبد المجيد كان يحلم أن يعود يوماً لكنه بقي هناك لأجلكم …
قبل الموت أعطاكم قوته وبصره .. وبعد الموت أعطاكم روحه وحياته …
آه يا وجعي آه يا عبد المجيد … أنا اليوم ـأتمنى لو كنت ضريراً ولا أرى ما يفعله بنا من حسبناهم منا قبل أعداءنا …..
عبد المجيد كان شريك العذاب كان السوري المسحوق الذي تحتاجون لمجهرٍ كي تروه .. عبد المجيد هو أنا وكل السوريين الذين خانهم كل هذا العالم الرخيص … هل تسمعوننا أيها السادة هناك .. !!!
أنتم يا من تفاوضون على بحر من دماءنا وتراث من هتافاتنا و حضارات من مقابرنا … لم يعد لدينا لكم سوى جملة واحدة يا سادتي :
سنطئ عليكم ونثور من جديد …..
تتوج استقالة سعد الحريري سلسلة من الإجراءات التي تم اتخاذها طوال شهور طويلة، بغية تأمين عزل تام لحزب الله أحد أبرز أذرع إيران في المنطقة، تمهيداً للإقصاء العسكري الذي يبدو أنه بات قريبا.
العقوبات الاقتصادية المتتالية التي أفضت لحصار شبه تام لتمويل الحزب، تلاه إعلان أمريكي هو الأول من نوعه حول وضع أبرز قياديّي الحزب في قائمة المطلوبين وبمقابل مالي يصل للاثنين 12 مليون دولار، وات الأمر فعلت إسرائيل التي غيرت منحى تعاملها مع الحزب من اغتيال القياديات إلى كشف أوراقهم كما حدث مع "أبو علي" الذي اعتبرته إسرائيل المسؤول عن عمليات الحزب على الحدود.
المقدمات الآنفة كانت تحتاج لنزع الصبغة السياسية للحزب، الذي يسيطر على المفاصل الرئيسية في السلطة اللبنانية بكافة جهاتها الحكومية و البرلمانية و الأمنية و العسكرية، ولعل الإقصاء الحكومي يكون ضربة جيدة بإلغاء وجوده السياسي، وسحب الحجة التي كانت لطالما توضع عند التمهيد لأي ضربة للحزب وعلى أي مستوى.
السعودية التي تقع في راس الحربة في إطار مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، بدت أكثر جدية في دعم أي طرف يساعدها في وقف هذا التمدد وتحجيمه، قبل الوصول الأمر لأراضيها، وبعد الفشل في العراق بات لزام عليها الدخول إلى الساحتين السورية و اللبنانية، فظهر وزير شؤون الخليج ثامر سبهان في الرقة معلنا دعمه للتحالف و قوات سوريا الديمقراطية على أن أمل يكونوا يد ضاربة أو محجّمة لإيران، وسبهان ذاته أعطى للحريري الضوء الأخضر للخروج من الحكومة وهدها.
اللغط الدائر حاليا يتجاوز الحدود السورية، وفيما يبدو سيقتصر دورنا كسوريين على متابعة ما سيجري، ومن جهة الآثار السلبية فهي لن تكون أسوء مما مرّ خلال السنوات السبع، ووفقاً للخارطة فإن إسرائيل لم يكون لها دور على الحدو مع سوريا مع إغلاقها يوم أمس آخر الثغرات في حضر عندما تم منحها الحق في الدفاع عن الدروز، في وجه أي تقدم من أي طرف بما فيه المعارضة السورية.
الحدود اللبنانية الجنوبية ساحة القتال الجديد بين حزب الله و إسرائيل و الحدود الشرقية لسوريا ستكون أقل حدة في مواجهة بين قسد المعززة من التحالف الدولي و تحالف عربي يرأسه السعودية و تقف خلفه أيضاً الإمارات، وفيما بين الجبهتين ستكون ساحة ضبابية يضيق المكان هنا في قرائتها .. و يبقى للحديث بقية
تناول المحللون والنقاد تلك المؤتمرات المتعلقة بالشأن السوري منذ بداياتها وباختلاف صبغتها، و وضعوها موضع النقد بكافة حيثياتها وأسبابها ونتائجها "الوهمية". وصولًا إلى مؤتمر "سوتشي"، المزمع عقده في 7.11.2017، بدعوة من العدو الروسي.
تحليلات وشروحات مختلفة قبيل مؤتمر "آستانة" ومن قبله مؤتمر "جينيف" تتمحور بنقد المؤتمرات بعينها، دون الحديث عن تلك الشريحة التي تناولتها تلك المؤتمرات في أروقتها.
شريحةٌ خاصة لا شك آنها تعيش حالة من حالات الثورة آو المعارضة، لكن بقوانين ومبادئ وآليات عمل خاصة بها.
يضفون على أنفسهم التميز ويكررون على مسامعنا نفس السيناريو الذي سمعناه قبل الذهاب الى مؤتمر "جنيف"، وإن كانت جنيف أقل خطرا مما تلاها إلا أنها ممر لما بعدها، ليكرروا مرةً اخرى قبيل ذهابهم إلى "آستانة" ذلك الخطاب ومفاده.. (لنذهب ونكون نبض الثورة، نطالب بالمعتقلين، هدفنا إسقاط بشار الآسد، وآخر الكلمات.. إن لم نذهب يذهب غيرنا ويفرط بحقوق الثورة)
تلك الشريحة وبعد أعوام من تحقيق "اللا شيء" من المطالب، يلوحون اليوم لحضور مؤتمر "سوتشي"،" مؤكدين أنهم يرون (نبض الثورة-إطلاق سراح المعتقلين وإسقاط بشار الآسد)، في مؤتمرات لا تعدو أن تكون ثغرة في جسم ثورتنا.
وباعتبارها مؤامرات على الثورة وليست مجرد مؤتمرات. فما زالت فصولها تتوالى لتتسع الثغرة وتصبح رتقاً..
ديدن المحتل في العصر الحديث إضفاء الشرعية لاعتدائه على الآخرين، ابتداءً بالمستعمر الذي احتل بلادنا مطلع عشرينيات القرن الماضي بذريعة "صك الانتداب" الصادر عن عصبة الأمم، وصولا إلى روسيا في تاريخنا هذا.
والتي بات قادتها ومنظريها يتبجحون أن.. ("سلطة شرعية" في دمشق طلبت منا التدخل). وإن كان هذا ليس غريبا في المشهد السوري على نظام الآسد، ولكن ما يدعوا للاستهجان هو إضفاء الشرعية على روسيا من سوريا الثورة، من خلال مؤتمرات منحتهم صفة المراقب والضامن تارةً، ومقرراً تارةً أخرى.
ليس الغريب أن تصادر روسيا قرار نظام "بشار الآسد"، إنما العبء الثقيل منحها هذا الأمر عن الثورة، بمؤتمرات عدة ابتداءً "بأستانة" التي كانت منعطفاً خطيراً في مسار ثورتنا ومآلاتها.
ذهبت تلك الشريحة إلى "أستانة" بحثاً عن مناطق آمنة لا تلبث أن تحقق أدني متطلبات الثورة، فوصلوا إلى مناطق خفض التصعيد المشوهة, والتي تُوجت "باتفاق القاهرة" للتنفيذ، وبدوره تمخض عن (أربع مناطق معزولة غير مستقرة)، تعاني العجز من كل صوب، غير قادرة على الصمود حتى أمام لقمة العيش.
ليس صعباً استيضاح امر هذا الاتفاق، الذي رُسمت معالمه خارج المظلة الأممية، استحصلت روسيا منه مرجعية الثورة كما أرادت، شرعيةً تمنح الروس آفاقاً لتوسيع نفوذها خارج النظام السوري، تُعتبر قيمة مضافة على ما تم تحصيله في "أستانة"، ليأتي الان مؤتمر "سوتشي" بأوراقه المختلطة، خطوةً روسية متقدمة في زيادة أسهم المشروعية. مستهدفةً بذلك إخراج نظام "بشار الأسد" من مأزق سوريا "دولة ممكنة"، الخيار الذي بات يقض مضجع النظام وأعوانه، لتتوسع روسيا اليوم في خيارات تُملكها القرار في سوريا سياسيا وعسكريا. متبجحون قاداتها في ردهات الأمم المتحدة والاجتماعات الدولية ذات الصلة بالشأن السوري "بالوصاية الشرعية".
إن الجهد الذي يبذله الروس يصب على بعد أميال من المراحل الأخيرة لجمع الأوراق، وما تريد من مؤتمر "سوتشي" إلا نزع اخر أوراق التوت التي تستر عورتنا، لتصبح روسيا المكلف الوحيد الرسمي بالدولة السورية وإدارتها.
وما ذلك إلا بمباركة شريحة من السوريين تحكمهم مبادئ وقوانين، مطلقين بها العنان للمحتل الروسي قاتلا منكلا بالشعب السوري تحت راية "الشرعية".
في الوقت الذي تؤكد التقارير استمرار إشعال إيران للحرب في اليمن، ويقول حسن روحاني الرئيس الإيراني، إن بلاده مستمرة في إنتاج الصواريخ الباليستية، وفي الوقت الذي لم يتقبل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، رافع شعار «هيهات من الذلة»، انتقاد فقراء بيئته الحاضنة، فأصر على إذلالهم وإجبارهم بعد التهديد، بالقول علناً إنهم «فدى حذائه»، في هذا الوقت تبحث أوروبا والاتحاد الأوروبي عن طرق ووسائل للمحافظة على علاقاتها مع إيران في مواجهة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تماشياً مع خطة إيران: عزل ترمب والانخراط في العالم.
لقد كانت القيادة الإيرانية تأمل منذ زمن طويل في شق التحالف بين أوروبا والولايات المتحدة حول إيران، ومؤخراً اتّحدت الفصائل الإيرانية المتنافسة وراء الحفاظ على الاتفاق النووي، باعتباره جزءاً من الجهود الإيرانية الرامية إلى ضمان أن تكون روسيا والصين وأوروبا بشكل خاص، إلى جانب طهران ومتعاطفين معها، في أي اشتباك محتمل بينها وبين الولايات المتحدة. استخدم روحاني كل وسيلة لتأكيد أن بلاده هي الشريك الأكيد والموثوق لأوروبا مقارنةً مع إدارة ترمب، ولتحقيق هذا، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، يتطلع روحاني إلى أوروبا، لكن مشكلته تكمن في أن أغلب مراكز السلطة في إيران لا تعتقد أن هذا هو الطريق الصحيح، فهؤلاء يرون الانفتاح على أوروبا مغامرة من المرجح أن تخسرها إيران، لأن الأوروبيين سيتبعون حتماً سياسة الولايات المتحدة بشأن إيران، لذلك فإن الذين عارضوا الاتفاق النووي دفعوا لتطوير علاقات أقوى وأكثر استراتيجية مع روسيا. وفي لقاءات خاصة غالباً ما يشير المسؤولون الإيرانيون إلى نظرائهم الأوروبيين، بأنه إذا ما تخلى ترمب عن الاتفاق النووي فلن تقبل إيران التوصل إلى حلول وسط مع الغرب على صعيد المسائل الإقليمية.
أثبت الرئيس الأميركي أنه صعب وعنيد، وفي العديد من القضايا الأمنية العالمية اعتمد الأوروبيون نهجاً مختلفاً جداً عن النهج الأميركي الترمبي، والخلاف الأكبر كان حول إيران. ترمب مصرّ على احتواء عدوانيّ لإيران، بعيد عن المحطات الدبلوماسية التي أنشأها باراك أوباما، الرئيس الأميركي السابق. كما أدان ترمب إيران منذ حملته الانتخابية لأنها «نظام متعصبين» و«دولة مارقة»، وحثّ الدول الأخرى على عزلها.
في تقرير صدر عن «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، حمل عنوان «الصدام القادم: لماذا تعمد إيران إلى شق أوروبا عن الولايات المتحدة»، جاء أن المسار الحالي يزيد من خطر حدوث سباق تسلح نووي، وزيادة في التصعيد العسكري في الملعب الخلفي لأوروبا. ثم إنه من شأن المواجهة المباشرة أو غير المباشرة بين القوات الأميركية والإيرانية أو المدعومة من إيران في الشرق الأوسط أن تزيد من تأجيج الصراعات الإقليمية خصوصاً في العراق وسوريا، والتي كلفت أوروبا غالياً..
من الواضح أن الحكومات الأوروبية استجابت بشكل إيجابي لدعوات روحاني بتحسين العلاقات، وساعدت هذه الاتصالات إيران على مواصلة العمليات التي تزعزع الاستقرار في المنطقة، خصوصاً أنه لم يتم اختبارها جدياً بأي حلول إقليمية، لكن، يقول المدافعون عن هذه الاتصالات، إنها أدت إلى بعض نتائج إيجابية لإيران والغرب مثل تخفيف الجمود السياسي في لبنان عام 2016، ثم إن أميركا استفادت من العمل مع إيران من خلال الحكومة العراقية، في مكافحة «داعش».
من ناحيتها تشعر إيران بالإحباط بسبب المستوى الضعيف للاستثمار الأوروبي في الاقتصاد الإيراني. يريد روحاني اجتذاب 50 مليار دولار سنوياً من الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز نمو الوظائف. بعض المصارف الأوروبية الصغيرة والمملوكة من الدولة، خصوصاً في النمسا والدنمارك وفرنسا وألمانيا، وفّرت تمويلاً لصفقات واستثمارات في إيران، وقدمت بعض الحكومات مثل الدنمارك وإيطاليا قروضاً ائتمانية لدعم الصادرات إلى إيران، لكن المصارف الأوروبية الكبيرة التي إيران في أشد الحاجة إلى تمويلها لاستثمارات ضخمة وطويلة الأجل ظلت مترددة.
لكن على الرغم من الجهود الأوروبية لإبقاء الأبواب مفتوحة مع إيران والتحرك في الاتجاه المعاكس لإدارة ترمب، هناك ميل في واشنطن لدى الحزبين إلى أن الحكومات الأوروبية عندما تواجه خيار التجارة مع إيران أو عقوبات أميركية ثانوية، فإنها والشركات الأوروبية ستختار الحفاظ على علاقاتها الأميركية. كما أنهم يعتقدون أن اعتماد موقف تصادمي مع طهران، مثل قتل الاتفاق النووي، أو الضغط من أجل تغيير النظام، سيدفع بالأوروبيين إلى قبول شروط أقل تطرفاً مثل إعادة التفاوض على الاتفاق، ومطالبة إيران بتغيير سلوكها في الملفات الإقليمية.
يتساءل التقرير الأوروبي عما ينبغي أن تفعله أوروبا، ويجيب بأنه في ظل ترمب ستكون واشنطن أقل مرونة وتعاوناً في حل المشكلات المصرفية والمالية التي تواجه الشركات الأوروبية حالياً، وتحتاج أوروبا بالتالي إلى السماح لبنك الاستثمار الأوروبي بتوفير التمويل للشركات الأوروبية التي تقوم باستثمارات مشروعة في إيران. لكن بالنظر إلى الدرجة العالية من التداخل بين المصارف الأوروبية والنظام المالي الأميركي، فإن للشركات الأوروبية الآن أصولاً أكثر تعرضاً للمراقبين والمنظمين الأميركيين الذين يمكنهم أن يجبروها على الاختيار بين السوق الإيرانية والأسواق الأميركية، وسيكون من الصعب جداً على القادة الأوروبيين تهديد ترمب سياسياً عبر الآليات الدولية، التي لم يبدِ تجاهها أي احترام. ولهذا ينصح التقرير أوروبا بأن تضع عدة خطط طوارئ ذكية، ويرى أنه من الضروري أن تزيد الحكومات الأوروبية من تنسيقها مع الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية واليابان.
لكن، من دون الولايات المتحدة من المستبعد أن تقبل إيران جميع الالتزامات الواردة في الاتفاق النووي، أما أوروبا فترى أن بقاء إيران متمسكة بالاتفاق، يحدّ من قدرتها على توسيع برنامجها النووي، وهذا بدوره يقلل من احتمال قيام إسرائيل أو أميركا بضربات عسكرية ضد منشآتها النووية.
يعتقد التقرير أنه في العام المقبل يجب أن تتحقق نتائج ملموسة للجهود الأوروبية التي عليها أن تعمل على حرية الملاحة في الخليج العربي، خصوصاً أن إدارة ترمب قالت بشكل صريح إنه مجال يجب فيه التحقق من الأنشطة الإيرانية المشبوهة.
وحول الصراع اليمني يرى التقرير أن فرنسا والمملكة المتحدة تدعمان بقوة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، لذلك على أوروبا أن تدفع للتوصل إلى حل وسط بالتركيز على وقف إطلاق النار. أما في سوريا فنظراً إلى رفض الإدارة الأميركية التعامل مع إيران، قد يكون من المفيد أن تقوم فرنسا بدور التواصل مع إيران للمضي قدماً في عملية سياسية في سوريا، وعلى الأوروبيين أن يؤكدوا للإيرانيين أنه من دون التقدم على هذه الجبهات، سيكون من الصعب على إدارة ترمب أن تتراجع عن اتخاذ مواقف أكثر تشدداً تجاه الحرس الثوري.
في المستقبل القريب جداً، سوف تضغط واشنطن على الأوروبيين لفرض عقوبات صارمة رداً على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهناك دعم أوروبي لهذا النهج شرط ألا تقوض العقوبات الاتفاق النووي.
باختصار، إيران والولايات المتحدة تسيران نحو التصعيد، وفي حالة تأرجح الاتفاق النووي، يعتقد الأوروبيون أن الأمل ضئيل في انفراج دبلوماسي مع إيران حول قضايا خلافية أخرى، وبالتالي فمن المرجح أن يتفاقم عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
نجحت إيران في أخذ المنطقة رهينة، ونجحت في اللعب على نقاط الضعف الأوروبية، أوروبا خائفة من أن تنجرّ إلى علاقة مواجهة مع إيران يعمقها استكمال العقوبات، فتصحو وتقوم على تهديد دائم من التصعيد. لم تنجح إيران في رمي الكرة في الملعب الأميركي، ووقعت أوروبا في حب الاستثمار في إيران والتجارة معها، فكافأتها هذه بكرةٍ من نار قد تسقط في الملعب الأوروبي قريباً، لأن القرار بيد ترمب.
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالحروب المندلعة في سوريا والعراق، فإن حربا شرسة تندلع في الإقليم وقد تجاوزت مرحلة البداية بأشواط كثيرة، غير أن ما يؤجل النقل المباشر لوقائعها ورفعها إلى مستوى الأحداث الخطرة في التقييم الدبلوماسي والعسكري؛ حقيقة أن الحرب تخاض، حتى اللحظة، ضمن نطاقات محددّة، وكونها تجري من طرف واحد في الغالب.
مؤشرات الحرب على لبنان تؤكد انخراط إسرائيل بشكل جدي في تفاصيلها. فطائرات الاستطلاع تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة، ولا تستثني كيلومترا واحدا من المساحة اللبنانية، من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها، كما يعمل سلاح البحرية الإسرائيلية على إجراء مسح يومي للمياه الإقليمية اللبنانية، وكذلك زرع إسرائيل لأجهزة التشويش والتنصت قرب الجنوب اللبناني بكثافة، فضلا عن الرصد العادي والمكثف لقرى الجنوب وتعزيز بنك الأهداف الإسرائيلي، والذي يبدو أنه يركز على مناطق شرق البقاع التي يعتقد الإسرائيلون أنها ستكون مواقع إطلاق الصواريخ في الحرب القادمة.
وكانت إسرائيل قد أعلنت، على الملأ، أنها أنجزت البنية التحتية للحرب على حزب الله، وأتمت استعداداتها النهائية قبل أكثر من شهر، عندما أجرت مناورات وصفها المراقبون بأنها الأقوى منذ سنوات. وقد جرى الحديث حينها عن مسعى إسرائيل لمعالجة وترميم نقاط الضعف، وخاصة في سلاحها البري، وتعويض هذا الضعف من خلال جعل الخطط الحربية أكثر رشاقة ومرونة، بما يتكيّف مع التغيرات الحاصلة في قوّة حزب الله، سواء على مستوى تطوير قدراته الصاروخية وزيادة كميتها ومدى استهدافها، أو من خلال الخبرة التي حصل عليها عبر مشاركاته في الحروب الدائرة في سوريا والعراق، وحتى اليمن.
وليس خافيا أن نهاية الحرب السورية، أو على الأقل انخفاض زخمها إلى حد بعيد، دفع إسرائيل إلى تغيير حساباتها بعد أن تغير المشهد؛ نتيجة الانخراط الروسي في الحرب لصالح المنظومة التي تقودها إيران، وبعد أن وجدت إسرائيل نفسها أمام واقع جديد أصبحت إيران فيه دولة حدودية معها من خلال انتشار مليشياتها (العراقية والأفغانية) وحزب الله، قرب الجولان وتشكيلها وضعية خطيرة من شأنها إضعاف الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي، وخاصة إذا استقرّت هذه المليشيات في هذه المنطقة وأسّست أنساقا دفاعية وخطوط إمداد مع العمقين السوري والعراقي، مستغلة انشغال القوى الكبرى (روسيا وأمريكا) بالحرب على داعش في الشمال.
تقوم التقديرات الإسرائيلية في شن الحرب بهذا التوقيت على حزب الله؛ انطلاقاً من عدم السماح للترتيبات الإيرانية بالاكتمال في الجبهة المقابلة، وتحوّلها إلى أمر واقع يصعب إزاحته بعد ذلك، واعتقاد إسرائيل أن حزب الله الآن يمّر بمرحلة ضعف مفصلية نتيجة استنزافه في سوريا بشكل كبير، وانتشاره على مساحة واسعة، ما يفقده التركيز في الرد على إسرائيل. ورغم المخاطر التي تنطوي عليها هذه الحرب، إلا أن التقدير الإسرائيلي يذهب إلى أن تلك المخاطر ستكون أكبر فيما لو انتهت انشغالات حزب الله وإيران في العراق وسوريا، حيث سيكونان أمام مرحلة ترميم قوتهما العسكرية وتحشيد آلاف المقاتلين على الحدود، كما ستعمل الحرب مع إسرائيل على ترميم صورة الحزب وإيران في الشارعين العربي والإسلامي؛ بعد التأثيرات السلبية التي طالتهما نتيجة حروبهما في سوريا والعراق.
يحاول حزب الله، ومن خلفه إيران، التهرّب من المواجهة المباشرة مع إسرائيل، ويعمل بأقصى طاقته على استيعاب استفزازاتها اليومية التي تهدف بشكل واضح وعلني إلى استدراجه للاشتباك معها. ويفعل الحزب ذلك انطلاقا من قناعته بأن الحرب مع إسرائيل لا تشكّل له أولوية؛ ما دامت الأمور غير مستقرة لصالح حلفائه في سوريا والعراق، وأنه (أي الحزب) يعمل مع إيران على صناعة مشهد استراتيجي، ستكون له، في حال اكتماله، تأثيرات بعيدة المدى على الوضع الإقليمي؛ تجعل إسرائيل وغيرها يخضعون للأمر الواقع الذي ستتم صناعته، والذي ستتشكّل عناصره من تموضع عشرات آلاف المقاتلين على خطوط التماس السورية، مدعومين بخطوط إمداد مفتوحة من إيران مباشرة، وعشرات القواعد الثابتة في الأراضي السورية، بالإضافة إلى مصانع إنتاج الذخيرة والأسلحة التي سيجري تشغيلها في سوريا ولبنان، الأمر الذي سيؤدي إلى انقلاب المشهد الاستراتيجي كلية لصالح إيران ووكلائها.
بالإضافة لذلك، ما يشجع إسرائيل على تطوير الحرب، التي بدأت بشنها بالفعل على حزب الله، وتحويلها إلى حرب كاملة الأوصاف، التشجيع الأمريكي، والذي يأتي في سياق استراتيجية ترامب في الحد من نفوذ إيران عبر ما يسمى بتقطيع مناطق نفوذها وتقليم أذرعها، بعد أن أكدت الإدارة الأمريكية أن حزب الله يشكل الذراع الإقليمية الأخطر في كامل المنظومة الإيرانية. كما أن لعبة الموازنة التي تقوم بها روسيا في المنطقة، والتي تهدف إلى إرضاء الجميع وعدم إغضاب أي طرف، تشكل محفزاً لإسرائيل لتطوير الحرب ضد حزب الله، وخاصة أن روسيا تفصل بين تحالفها مع الحزب في سوريا وصراعه مع إسرائيل، باعتبار أن هذا الأمر خاضع لتقدير المصالح الأمنية الإسرائيلية، ويجري خارج إطار المصالح الأمنية الروسية المحصورة في سوريا.
من المبكر السؤال عن الكيفية التي ستنتهي إليها الحرب والزمن الذي ستستغرقه، لكن الحرب بدأت بالفعل، وكونها لا زالت من طرف واحد، فذلك لا ينفي صفة الحرب عنها. ويكفي للتدليل على حقيقة أن قطارات الحرب قد انطلقت على سككها، أن الرأي العام الإسرائيلي والدولي صارا مهيأين بشكل كبير لتقبل فعالياتها، وحتى التعايش معها.
استعادة الرقّة من تنظيم "الدولة الإسلامية" دشّنت مرحلة جديدة في الأزمة السورية، قوامها مَن يدير محافظة الرقّة وكيف ولأي هدف. وفيما كان التوافق على إنهاء سيطرة "داعش" وطرده قائما وعلنيا، بين الأطراف الدولية والإقليمية، إلا أنه كان شكليا، بدليل أن التناقضات التي بدأت تظهر من شأنها أن تخلق صراعات لاحقة.
فمن جهة كشفت المراحل الأخيرة من الحرب على التنظيم تغلغل الدول وأجهزتها في صفوفه، وسعيها إلى سحب عملائها قبيل الهجمات الأخيرة، ومن جهة أخرى نشأ سباق بين تلك الدول إلى لملمة فلول التنظيم واستيعابها بغية إعادة تدويرها لاحقا.
في الوقت نفسه يبدو الصراع على دير الزور، المعقل الأخير وحقوله ومنشآته النفطية، أكثر انكشافا في جانبه الدولي، تحديدا بـ"تقاسماته" الأمريكية - الروسية، ذاك أنه كان باستطاعة مقاتلي الميليشيات الإيرانية المقاتلين تحت مسمّى "قوات النظام" خوض المعركة في عموم محافظة دير الزور بغطاء جوّي روسي، غير أن موسكو شاءت تغليب "تفاهماتها" مع واشنطن على معطيات الوضع الميداني، وتركت أكراد "قوات سوريا الديمقراطية" يتقدمون شرقي المحافظة، وتعمل حاليا على استقطابهم واستمالتهم سياسيا بحيث لا يكونون ورقة يحتكرها الأمريكيون.
ما إن أُعلن أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتزم تخصيص تمويل عاجل للرقة حتى ردّت روسيا بموقف مستغرب يمزج الترحيب "بأي مساعدة" بالتساؤل "لماذا الرقّة وحدها؟". إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إن بلاده ناشدت الأمريكيين والأوروبيين خلال الأعوام الماضية "إرسال مساعدات إنسانية إلى سوريا، ولم نلقَ منهم أي تجاوب"، وعزا المساعدة العاجلة إلى الرغبة في "إخفاء آثار القصف الوحشي لطيران التحالف الدولي والأمريكي، ودفن آلاف المدنيين تحت الأنقاض في الرقة". لماذا هذا القلق الروسي، خصوصا أن "مناشدات المساعدة" المشار إليها لم يكن لها أثر في الأنباء، ثم إن مصير مدنيي الرقّة بالقصف الأمريكي لا يختلف عن مصير مدنيي حلب بالقصف الروسي، فكلاهما كان مأساويا والقصف في الحالَين كان وحشيا.
الواقع أن موسكو تروّج حاليا لعملية بقيادتها لإعادة الإعمار في سوريا، وتبدي انزعاجا من الشروط الأمريكية والأوروبية، ولذلك تنظر إلى محاولة إنعاش الرقة بارتياب، كونها منطقة خارج سيطرة النظام، أي خارج سيطرتها.
تعاني استراتيجية روسيا السورية مشكلة مزدوجة. فهي من جهة لم تكن تملك تصوّرا لنهاية الصراع المسلح ولا لما بعده، إلا أنها توصّلت بعد عامين من التدخّل المباشر إلى خطط تحاول تطبيقها على الأرض، وتحتاج فيها إلى شركاء (أمريكا والأردن وإسرائيل في الجنوب، تركيا في الشمال، دول الخليج في خلفية المشهد...)، ومن جهة أخرى تريد استخدام هذه الخطط في مساومات لا علاقة لها بالوضع السوري (مقايضات في أوكرانيا وملفات الدفاع في أوروبا...)، لكن الأطراف الغربية تستبعد مساومات كهذه.
ثمة جديد هو أن واشنطن توشك أن تعلن عن استراتيجية تمهّد لعودتها إلى التعاطي مع الأزمة السورية، والمعروف من عناصرها أنها تدعم حكما محليا في مناطق الشمال والجنوب التي لا يسيطر عليها النظام في انتظار بلورة حل سياسي. بل إن أمريكا تسعى إلى "مناطقها" للضغط على روسيا كي تشارك، بشكل أو بآخر، في تحجيم نفوذ إيران وصولا إلى إخراجها من سوريا. وأقلّ ما يعنيه ذلك أن حربا في صدد أن تلد حربا أخرى في سوريا.
شكّلت فعاليات (المنتدى الأميركي لسياسة سورية)، في العاصمة الأميركية واشنطن، يومَي 26 و27 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي دعت إليها منظمة “الأميركيين من أجل سورية حرة”، مع عدد من المنظمات الأخرى التي تضم نخبة من الناشطين السوريين – الأميركيين المعارضين للنظام، مبادرةً غير مسبوقة وعلى غاية الأهمية.
ما يجب التنويه إليه هنا أن هذه المبادرة هي الأولى من نوعها على الصعيد العالمي، التي تتوخّى تحويل الاهتمام الدولي في الصراع السوري إلى جذره السياسي، بعد أن استغرق في الجانب الإنساني أو الاجتماعي، لا سيّما على خلفية قضية اللاجئين، هذا أولًا. ثانيًا، لقد حصلت هذه الفعاليات في الولايات المتحدة الأميركية، أي في الدولة الأكثر قدرة على التحكّم بالصراع الدولي والإقليمي الجاري على سورية، لذا فثمة أهمية كبيرة لإقامة أنشطةٍ، يمكنها أن تلفت انتباه الرأي العام وصنّاع القرار فيها، إلى المسألة السورية، للتأثير في السياسة الخارجية المعتمدة في الصراع السوري، وبما يخدم توق السوريين للخلاص من الاستبداد والتدخلات الخارجية، والمضي في عملية التغيير الديمقراطي. ثالثًا، تكتسب هذه الفعاليات أهميتها من كونها تحاول أن تشتغل، على نحوٍ متوازٍ، على مسألتين: أولاهما، محاولة تشكيل جماعة ضغط (لوبي) يكون همّها التواصل المنتظم مع صناع القرار الأميركي (الإدارة، الكونغرس، رجال الإعلام، الشخصيات العامة المؤثرة). وثانيتها، محاولة تنظيم الجالية السورية في الولايات المتحدة، للاشتغال في خدمة القضية السورية، بوصفهم مواطنين أميركيين من أصول سورية.
وحقًا، إن فعاليات المنتدى لاقت نجاحًا لافتًا؛ حيث إنها استطاعت استقطاب عددٍ من النخبة الأميركية، من صناع القرار في الشأن السوري، وقد لفت الانتباه حضورُ نحو 25 عضو كونغرس حفلَ الاستقبال، في مقر الكونغرس، وإلقائهم كلمات أكدت وقوفهم إلى جانب الشعب السوري، وحقه في الحرية والمواطنة والديمقراطية. ومن دلالات نجاح المنتدى، المشاركة السورية الكبيرة في فعالياته، لا سيّما أنها التجربة الأولى، ما تمثل بحضور نحو 150 – 200 شخصية، من أطباء ومهندسين وأكاديميين وإعلاميين. وفضلًا عن هذا وذاك، ثمة المداخلات التي قدمت في فعاليات المنتدى، ولقيت نقاشًا مستفيضًا وحيويًا من الحاضرين.
على أي حال، فإن هذه المبادرة يفترض البناء عليها، وتطويرها، وتعميمها؛ لأن أكثر ما يفتقده السوريون في أحوالهم الصعبة، هو تشتّت قواهم وغياب المنابر التي تعبّر عنهم، كما أن هذا الأمر يعود بالسلب على الثورة التي بات غياب الشعب عن فعالياتها، من أهم عوامل ضعفها، بل إن هذا الأمر جعل فكرة الثورة ذاتها في موضع التساؤل. ومعلوم أن التغييب حصل نتاج عدة عوامل، يكمن أهمها، أولًا، في انتهاج النظام الحلَّ الأمني، بأقصى قدر من العنف، وبأقصى قدر من القتل والتدمير، والحصار والتشريد. وثانيًا، في حصر مواجهة النظام بالعمل المسلح، ما يعني إقصاء الشعب من معادلات الصراع، والاعتماد على مجموعات المقاتلين، وانتهاج العسكرة. وثالثًا، بسبب اضطرار ملايين السوريين إلى ترك بيوتهم ومناطقهم وبلدهم، والتشرد في أصقاع الدنيا.
يمكن القول إن النظام هو الذي يتحّمل المسؤولية الأساسية عن كل ما جرى، لتشويه الثورة أو لإضعاف بُعدها الشعبي، بيد أن ذلك لا يعفي كيانات المعارضة، السياسية أو المسلحة، من مسؤوليتها عن ذلك، أيضًا، نتيجة السياسات الطاردة، أو التسلّطية، التي انتهجتها في المناطق المحرّرة، ونتيجة عدم إيلائها الاهتمام المناسب لأهمية تنظيم مجتمعات السوريين في بلدان اللجوء.
من أجل كل ذلك، فإن مجموعة الشخصيات الأميركية – السورية التي اشتغلت، وسهرت من أجل عقد هذا المنتدى تستحق كل التحية والتقدير على الجهد الذي بذلته، أولًا، باعتبار ذلك خطوة لتنظيم أحوال الجالية السورية. وثانيًا، بالنظر إلى أهمية كل ذلك في تحريك الجالية السورية ضمن المجتمع الأميركي.
ما يجب التأكيد عليه هنا، وسط محاولات التشويش المقصود، أو غير المقصود، أنّ ما كان في واشنطن ليس مؤتمرًا للمعارضة، وإنْ كان ثمة قياديون من المعارضة بين المشاركين، مثل رياض سيف رئيس الائتلاف، ونصر الحريري رئيس الوفد التفاوضي، وجواد أبو حطب رئيس الحكومة المؤقتة، وميشيل كيلو الكاتب السياسي المعروف، والقيادي السابق في الائتلاف، وأيمن الأصفري رجل الأعمال السوري، وآخرون كثر.
في المحصلة؛ إن ما يجب لفت الانتباه إليه، أنه لم يكن ثمة مؤتمر في اجتماع واشنطن المذكور، كما لم يكن ثمة محاولة لإقامة منصّة تفاوض على ما تخيّل أو توهم وأشاع البعض.