خيّبت "الثورة الإسلامية" في إيران آمال الشعب الإيراني بعد 39 سنة من الحكم، فهي أغدقت الوعود بـ"التغيير"، ولكن النظام تحول شيئاً فشيئاً إلى نظام ديكتاتوري فاسد، لا يختلف عن النظام السابق الذي خلَفته الثورة أي نظام الشاه. ولا تأتي التظاهرات والاحتجاجات الإيرانية من عبث حتى لو حاول المشككون والمدافعون عن النظام الحاكم أن يقللوا من شأنها، ويستطيع نظام الملالي أن يلقي التهم يميناً وشمالاً ككل الأنظمة الديكتاتورية التي تتذرع بنظرية المؤامرة في كل مرة تواجه عجزاً عن حل أمورها مع شعوبها، ولكن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تعصف بالنظام الحاكم ولن يستطيع أن يتجنبها.
يقف برج الحرية أو برج آزادي في وسط ساحة طهران، هذا الصرح الذي شيد عام 1971 ليرمز إلى الحداثة، متفرجاً على عناصر النظام يزرعون الساحات مقابر ومحولين أجواء العاصمة الإيرانية إلى أجواء موت وكآبة من مقبرة "بهجت الزهراء" إلى "ضريح الخميني"، لا يوجد بلد في العالم يمجد الموت كما في إيران، شعارات الموت "الموت لأميركا" و"الموت لإسرائيل" والموت لكل من يعادي إيران تخرج صادحة من الحناجر عقب كل صلاة جمعة، إذ إن هذا النظام وبعد الحرب العراقية الإيرانية حوّل الساحات العامة إلى مقابر جماعية ومراكز لتشريف ضحايا الحرب، وأجبر الناس على حضور صلوات الجمعة بموجب القانون، ومع أن إيران بلد إسلامي، أصبح من يلبي حضور صلوات الجمعة لا يزيدون عن ثلاثة بالمئة من السكان، وهؤلاء يأتون خوفا من فقدانهم لوظائفهم، أو فقدان الحظوة في الجامعات بالنسبة للطلاب، والكثير منهم يعتبر أن صلاة الجمعة فقدت جوهرها الديني وأصبحت منتدى للنظام من أجل تحفيز مناصريه وإعادة تأكيد ايديولوجيته، ذلك أن الجيل الجديد من الشعب الإيراني بدأ "يتخلص من الوهم" لقائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني، حسب تعبير "ماكس فيبر" عالم الاجتماع الذي فسر الدينامية التاريخية من منظور الكاريزما والروتينية و"سيادة الرجل الكاريزمي"، كاريزما الساعة الأولى (شعلة الحماس) بدأت تخبو أو هي انطفأت بالفعل، لذا يحاول من خلف القائد الأول الخميني أي علي خامنئي أن يسد الفراغ الذي خلّفه القائد الأول ولكنه يعجز لأنه لا يملك الكاريزما القيادية "الخمينية"، فقام بالاتكال على القمع الذي يمارسه الجناح العسكري أي الحرس الثوري الإيراني (حرس الباسداران).
لا يستطيع الإنسان مهما كان مؤمنا بالقضية أية قضية أن يعيش وهو يشعر بأنه مراقب على طريقة الأخ الأكبر، حيث تخضع الجامعات لرقابة وحراسة مشددة عن كثب من جهاز استخبارات وعناصر الحرس الثوري أو عبر تجنيد شبكة من الطلاب ليتجسسوا على زملائهم، وهذا ما يشكل عاملاً من الضغط النفسي الرهيب، كما يعيش المواطن الإيراني تحت ضغط "الاقتصاد المقاوم،" حيث وحسب عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محمد رضا باهنر، فإن عدد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر وصل إلى 18 مليون شخص من أصل 80 مليون نسمة، أي ما يقارب ربع السكان، عوامل دفعت إلى ارتفاع نسبة متعاطي المخدرات، وحسب منظمة مكافحة المخدرات الإيرانية فإن 2.8 مليون مواطن أي حوالي 3.5 في المئة من السكان يتعاطون المخدرات بانتظام، وهذه نسبة عالية بالنسبة لبلد إسلامي محافظ.
تحول النظام الإيراني وبعد حربه مع العراق إلى دولة انتقامية هجومية خوفاً من حرب محتملة عليه، أما مع جيرانه عن طريق التوسع أو عن طريق شن الحروب، أو عن طريق زرع أو دعم ميليشيات وتيارات شيعية متشددة متطرفة دينياً خارج أراضيه على نسق حزب الله اللبناني ولواء فاطميون الأفغاني والحوثيون في اليمن والحشد الشعبي العراقي، ولكن هذا ما كلفه كثيراً مادياً ومعنوياً، وكان كله على حساب بنيانه وقوته الداخلية، إذ رويداً رويداً فقد التواصل مع مواطنيه وفقد المواطن الثقة والأمل "التغييري" بهذا النظام، إذ تكشف للشعب الإيراني أن هذه الثورة لم تفِ بأي من وعودها، وأنها لم تكن سوى حركة دينية إقصائية وإزاحة كل من يعارضها ومن ساهم في نجاحها داخليا، وأن مزراب الذهب الإيراني يتدفق إلى الخارج ليغذي حروب النظام العبثية الخارجية، وهذا ما سمعناه في الهتافات المنددة في التظاهرات "انسحبوا من سوريا وفكروا بنا" و"لا للبنان ولا لغزة.. نعم لإيران" و"الموت لحزب الله".
قد يكون الشعب الإيراني بدأ ثورته الاجتماعية ولكن هذه الثورة لم تبدأ الآن بل كانت تتحضر في النفوس لتنفجر اليوم، لكل شعب ساعة بيولوجية خاصة به، وهي التي تقرر موعد استيقاظه، والشعب الإيراني قد يكون اختار الآن أن يخرج إلى الشارع، إذ لا يهم الإيراني فتوحات النظام الخارجية وهلاله وبدره الذي بشر به قيس الخزعلي من على الحدود اللبنانية، وفي طهران العاصمة هناك من يعرض أطفاله وأعضاء جسده للبيع.
"الثورة الإيرانية" ذات طابع اقتصادي اجتماعي سياسي، ومع تمدد رقعة التظاهرات وتوسعها لتشمل كل محافظاتها وأكثر من 70 مدينة من تبريز إلى الأهواز، مشهد وكرمان، علماً أن ما يصل إلى الإعلام هو القليل، حيث معلوم التضييق الذي يمارسه النظام على وسائل التواصل والإنترنت والإعلام، يتبين أن النظام يخسر يوميا في تعامله مع مواطنيه، وهو يعلم ذلك، ذلك أن الجيل الشاب الإيراني الذي يتحرك للحاق بركب التطور يرى نفسه متأخرا أشواطا عن المجتمع العالمي، وهو يشعر بالإحراج من العيش بهذا التخلف في بلد ما زال يعيد دورة الحياة إلى القرون الوسطى، من هنا تأتي مطالبة الشعب الإيراني "بالاستفتاء" وبتغيير النظام، يكفي ما صدرته الثورة الإيرانية إلى الخارج ونموذجها حزب الله، حيث طالعنا أمينه العام السيد حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة يقول إنه لا يستطيع أن يرشح "أخت" إلى الانتخابات حسب تعبيره طبعا، لأنها لا تستطيع أن تقوم بالواجبات الاجتماعية من تقديم عزاء أو تهنئة أو ملاحقة معاملات، ولكن على المجتمع الدولي أن يترك الشعب الإيراني وشأنه، وأن لا يتدخل كما يفعل رئيس الولايات المتحدة الآن، إذ لا يفعل سوى التأثير السلبي على مجريات الأحداث، ودفع النظام الإيراني إلى الاعتماد على هذا الخطاب كتهمة تلصق بهذا التحرك والقول بأن قوى الاستكبار هي وراء التظاهرات.
قد يكون من المناسب أن أعيد ما كتبته منذ شهرين عقب استفتاء كردستان أي منذ أكثر من شهرين: "مرة جديدة تريد إيران أن تخوض حروبا على غير أراضيها، لا يهمها إن قامت حرب وإن سقطت أرواح طالما الدماء هي دماء عربية وكردية، المهم جشعها ومكاسبها طالما الحرب بعيدة عن ديارها، تظن أن الحروب والانقسامات لن تطرق أبوابها، هذه المرة قد تواجه ثورة داخلية بدأت مع ثورة أكراد كردستان".
هذه الثورة مستمرة، وقد يكون النظام ما زال قويا ويستطيع أن يقمع المتظاهرين بالقوة وهو يملك وسائله للقمع، ولكن المهم أنه بات يعلم أن بنيانه تخلخل ولن يستطيع أن يقف شامخا لأن الأرض تحته تزلزلت، وعقدة الخوف انكسرت لأن الشعب يطالب بـ"خبز عمل حرية" قد حدد معالم طريقه وهو بذلك عرف معنى الصرح المزروع في وسط ساحة الحرية في طهران، هذا الصرح الذي يرسم الطريق الذي ينتظر البلد منذ زمن.. الحرية.
قرابة الأربعين عاما مضت لما يمكن وصفه بآخر الأنظمة ظهورا في المنطقة، وبظهوره شهد الشرق الأوسط أسوأ التحولات والظروف والمتغيرات وعلى مختلف الأصعدة، وطيلة الأربعين عاما لم ينتج هذا النظام للمنطقة وللعالم إلا تراجعا أمنيا وثقافيا وحضاريا كذلك، تحول النظام في إيران إلى أزمة حقيقية للعالم وأزمات يومية متنوعة في المنطقة، ولم يؤسس النظام لنفسه أيا من عوامل البقاء والاستمرار والحيوية، ولم يحقق طيلة أعوامه الماضية أية مكاسب داخلية أو خارجية يمكن أن تجعل من بقائه مطلبا لأي طرف إقليمي أو دولي، بل الواقع على العكس من ذلك تماما.
اليوم على الإيرانيين وعلى المنطقة وعلى العالم كله السعي بكل جدية وواقعية للتخلص من هذا النظام، إنه أشبه ما يكون بتلك الأوبئة أو الأخطار الحضارية المدنية التي يتحفز العالم كله لمواجهتها، حفاظا على أمنه واستقراره ودفاعا عن مكتسباته الحضارية والإنسانية، لماذا إذن يجب التخلص من هذا النظام وتغيير الواقع السياسي في إيران ؟
أولا: يمثل النظام آخر نموذج في العالم للدولة الدينية الكهنوتية المتغلبة بقوة الأساطير والغيبيات، والنظام الوحيد الذي يدار دينيا وسلطته الأعلى هي سلطة الدين لا النظام ولا القانون ولا الأعراف ولا حتى المصالح السياسية، وتمثل المسألة الدينية محور النظام والموجه الفعلي لسلوكه وتوجهاته السياسية، وبالتالي فهو لا ينتمي لنا في هذا العالم الذي تحركه مصالح السياسة والأمن والتنمية والرقي، وما يقوم به النظام من تأسيس ودعم للميليشيات في لبنان واليمن والبحرين لا يَصُب في مصلحته السياسية ولا علاقة له بأمن إيران الإقليمي، بل على العكس من ذلك تماما، وهو يقوم بكل ذلك انصياعا للتعليمات الدينية المتطرفة.
ثانيا: يحاول النظام الدفاع عن نموذجه الذي لو كتب له البقاء فسيمثل شرخا حضاريا كبيرا وسيؤسس كما حاول طيلة العقود الماضية لفكرة أن الدينية الكهنوتية يمكن أن تبني دولة، وهو ما شجع كل الجماعات والميليشيات والأحزاب الموجودة في المنطقة.
ثالثا: تخلو المنطقة العربية اليوم من أي أحزاب أو تيارات مدنية أو علمانية حيث استوعبتها الدولة الوطنية الحديثة، وكل الأحزاب والحركات والميليشيات القائمة التابعة لإيران تنطلق من موقف ديني غير وطني وتمثل أبرز عوامل تهديد الأمن والاستقرار في بلدانها والمنطقة، وأكثرها مصنف في المنطقة والعالم كمنظمات إرهابية، وإذ تمثل تلك الميليشيات أبرز منتج إيراني للمنطقة فهي تعكس رؤية النظام المستقبلية التي تقوم على هدم الدولة الوطنية ومواجهة الانتماء الوطني بالانتماء المذهبي والإعلاء من الطائفية التي تتجاوز الدولة لصالح الميليشيا.
رابعا: أبرز محفز للإسلام السياسي هو النظام الإيراني ويشمل ذلك الإسلام السياسي الشيعي والسني، وبقاء النظام واستمراره يعني توسيع فرص التهديد المستمر للكيانات الوطنية في المنطقة والاستمرار في بناء النظم الميليشياوية المتطرفة التي تريد أن تجعل من الدين والمذهب والطائفة محورا لبناء كيانات جديدة لن تقدم إلا مزيدا من العنف والتشدد ومواجهة كل قيم الحضارة الإنسانية.
خامسا: كانت الحياة العامة في المنطقة قبل الثورة الإيرانية تسير في تصاعد حضاري متوازٍ مع ما يحدث في العواصم الأوروبية، وجولة يسيرة على لقطات للحياة في القاهرة وبغداد ودمشق قبل الثورة تبرز ذلك بكل وضوح، جاءت الانتكاسة الثقافية الكبرى في المنطقة بعد الثورة وأصبح التدين المتشدد إشكالية يومية كبرى هجمت على كل شيء وتراجعت الحياة المدنية في المنطقة وبرزت توجهات مناهضة للثورة الإيرانية لم يكن أمامها إلا الإعلاء من الشأن الديني المتشدد، ردا على مزايدات الثورة واستخداما لذات السلاح وتصاعدت الطائفية في المنطقة إلى أقصى حدودها وتفشت مظاهر التشدد في كل شيء.
سادسا: الجغرافية الإيرانية شبه معطلة اليوم وإسهامها الحضاري والتنموي لا قيمة له لأنها ترزح تحت نظام لا يتصل بالواقع، إنه نظام يقاتل ويتصرف ويبني اقتصاده ومواقفه انطلاقا من الغيب والتاريخ ولا علاقة له بالواقع، وإذا ما تغيرت المعادلة فسيتمكن هذا الجزء من العالم من استثمار مقدراته الحضارية والجغرافية.
سابعا: لا يمكن الرهان على أن يغير النظام الإيراني سلوكه لا في الداخل ولا الخارج، فالقضية ليست أصلا في سلوكه، لأن كل تصرفاته نتيجة طبيعية لبنيته الفكرية التي تأسس عليها، وإذا ما تغير سلوكه بالفعل فهذا يعني تغير بنيته وهو ما لا يمكن أن تقوم به النخبة الحاكمة في طهران.
ثامنا: كل دول المنطقة اليوم في حراك مستمر وواسع نحو مزيد من التغير والتحديث والانفتاح والتعايش وتشهد عواصم المنطقة إيقاعا عاليا في المشاريع والقرارات المدنية التي تعزز قيم الحياة المتحضرة وتصبح جزءا من العالم المتجدد، لكن النظام الإيراني يقع خارج ذلك كله، ويسعى لإعاقة كل تلك الخطوات بالحروب والمكائد والميليشيات والتشدد والطائفية، ولكي تواصل المنطقة نماءها يجب أن تتخلص من هذا الخطر المتربص.
تاسعا: هذا العالم الجميل وهذه الحياة التي تطيب كل يوم وهذه التقنيات والثورات الاتصالية والتقدم في مواجهة الأخطار والانتصار على الأمراض والأوبئة والخطوات الكثيفة نحو مستقبل متحضر حيوي واتصال إنساني وقيمي هو أعلى ما توصلت إليه الإنسانية، كل ذلك لا يمكنه أن يستوعب نظاما كالنظام الإيراني، ولا ذلك النظام لديه القدرة على استيعاب هذا العالم، وبالتأكيد العالم الجديد هو الذي سينتصر.
تعرضت روسيا إلى أكبر هجوم منذ أن تولت حماية النظام السوري عام 2015. فأمس الأول، أكدت المتحدثة باسم خارجيتها، ماريا زاخاروفا الهجوم الذي وقع يوم 31 ديسمبر الماضي، واستهدف مطار حميميم.
وخلال تأكيدها استخدمت زاخاروفا جملة هامة، حيث قالت "القوات الروسية محمية بشكل جيد بفضل منظومة الدفاع الجوي.لكن ما يثير القلق هو أن الإرهابيين يمتلكون أسلحة حديثة..".
وأعلنت المتحدثة أن الهجوم يهدف إلى عرقلة "مؤتمر الحوار الوطني السوري" المزمع عقده في مدينة سوتشي الروسية، والذي تأجل بعد اعتراض تركيا على دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي إليه.
ونفت زاخاروفا ما ذكرته صحيفة كومرسانت، التي كشفت عن الهجوم، عن إصابة سبع طائرات حربية.
ومنذ الكشف عن الهجوم مطلع الأسبوع لم يتبنه أحد حتى الأمس.
من الملفت أن منظومة الدفاع الجوي "Pantsie-S1"، التي تحمي مطار حميميم، على الرغم من تشغيلها، لم تتمكن من تدمير كافة الصواريخ الحديثة المصوبة تجاه المطار. وهذا ما يشير إلى أن عددًا كبيرًا من الصواريخ استُخدم في الهجوم.
السؤال الرئيسي يطرح نفسه في هذه النقطة..
إذا كان الهجوم من تنفيذ عدد من التنظيمات "المتطرفة" ومن بينها جبهة النصرة كما أعلنت موسكو، يجب العثور على إجابة لسؤال "كيف حصلت على هذا النظام الصاروخي؟".
استخدم داعش صواريخ "غراد" روسية الصنع بعد تركيبها على شاحنات صغيرة. وهذا النظام المتحرك والفعّال في ساحات القتال يمكنه إطلاق 40 صاروخًا على المنطقة ذاتها خلال ثوانٍ.
استخدمت قوات المعارضة صواريخ غراد العام الماضي لدحر هجوم النظام على حلب العام الماضي. ولم تظهر إجابة آنذاك عمن قدم الصواريخ ذات المدى 18-45 كم، للمعارضة السورية. ولاحقًا استخدمت جبهة النصرة وداعش هذه الصواريخ.
وفي الواقع، لم يقتصر هجوم المعارضة السورية بالأسلحة الحديثة على القصف الأخير.
فالأسبوع الماضي أُسقطت طائرة للنظام السوري بواسطة صاروخ محمول على الكتف. وقبل أيام سقطت مروحية روسية من طراز Mi-24 وهي متجهة إلى مطار في حماة وقُتل طياراها، وأعلنت موسكو أن الطائرة سقطت بسبب "عطل فني".
عدم توسع هذه الهجمات المتوالية في إدلب، التي اعتبرت منطقة خفض توتر بموجب مباحثات لأستانة، أمر غير ممكن. فروسيا ردت أمس الأول على الهجوم بقصف مكثف على إدلب. ولم يسلم مستشفى السلام في معرة النعمان خلال القصف.
تمكنت روسيا من كسر إرادة المعارضة والسكان المدنيين في حلب قبل عامين من خلال فرض نموذج يستند إلى القصف المكثف على كل نقطة مستهدفة دون مراعاة وجود مدنيين فيها.
فإذا اتجهت الأمور إلى هذا الاتجاه سيؤثر ذلك على مؤتمر سوتشي الذي يثور خلاف بالأساس حول من سيشارك به.
والأهم من ذلك هو أنه مع انتهاء خفض التوتر في إدلب سيكون هناك موجة نزوح جديدة، وهذا ما ستكون فاتورته ثقيلة على تركيا، وسيجر المنطقة إلى وضع متأزم يستحيل الخروج منه..
بدا واضحا منذ انهيار منظومة "تنظيم الدولة الإسلامية" في الشرق السوري أن مرحلة جديدة من الصراع ستفتح بين النظام من جهة و "قوات سوريا الديمقراطية" من جهة ثانية.
وتصريح علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني قبل نحو شهرين من أن الرقة ستكون الهدف المقبل، ليس تصريحا عاديا يمكن المرور عليه، فالرجل الذي يمتلك مهارة سياسية عالية خبرها طوال ستة عشر عاما قضاها كوزير للخارجية، لا يمكن أن يطلق مثل هذا التصريح عبثا.
الوجود الأمريكي الذي يبدو أنه شبه مستدام في سوريا يؤرق طهران ودمشق أكثر مما يؤرق موسكو، فهذا الوجود يمنع النظام من استكمال سيطرته على الشمال والشمال الغربي الغني بالثروات الطبيعية، ويحول دون إعادة عافية الاقتصاد، في وقت يحد من المرور الإيراني البري المريح.
ولا يمكن اعتبار اتهامات الأسد الأخيرة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" بالخيانة منعزلا عن هذا السياق، فالتصريح يأتي عشية انطلاق محادثات استانا التي ستحدد في نسختها الثامنة مصير المرحلة المقبلة لمحافظة إدلب ومحيطها، وربما تحدد أيضا طبيعة مواجهة الوجود الأمريكي.
بطبيعة الحال، لا يسمح التوقيت الحالي بإطلاق معركة عسكرية بين النظام و "قسد" بسبب فائض القوة لدى الطرفين، وبسبب رفض موسكو وواشنطن لمثل هذه المعركة، ولعل رفع سقف الرد الكردي على تصريحات الأسد يؤكد أن المعركة غير واردة في هذه المرحلة، لا العكس.
العلاقة بين النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وذراعه العسكرية علاقة مفارقة، وربما تكون التعبيرَ الأفضل عن مفارقات الأزمة السورية.
ارتبط الحزب بعلاقات أمنية ـ عسكرية واضحة مع النظام منذ 2012 في حين رفض أن يكون جزءا من سياسته، ويرتبط بتحالف واضح مع الولايات المتحدة بينما يمد جسور التواصل والتنسيق مع الروس، ويرفض محاربة النظام في حين يقدم نفسه على أنه جزء من المعارضة.
هذا الوضع المعقد سمح للحزب وأذرعه العسكرية بالبحث عن مساراتهم الخاصة، دون الوقوع في مصيدة النظام / المعارضة.
ما جرى قبل أشهر بين النظام و "قسد" في بلدة العكيرشي بالرقة، وما جرى في أحياء حلب قبل أيام، يمكن أن يتكرر في مناطق عدة تسيطر عليها "قسد"، خصوصا في أقصى الشمال الشرقي وأقصى الشمال الغربي لسوريا.
وهكذا نشأت خلال السنوات الماضية معادلة "تحالف الضرورة"، لكن تحت هذا التحالف يكمن الخلاف العميق بين الجانبين، وظل كل طرف ينظر إلى الآخر على أنه عدو، لكنه عداء مؤجل حكمته ضرورات الحرب: بالنسبة للنظام فإن الأولوية هي لمحاربة فصائل المعارضة الوطنية التي تمتلك وحدها الشرعية في تغيير الحكم، وبالنسبة للوحدات الكردية فالعدو الرئيسي هو الذي يمنعها من بسط هيمنتها في مناطقها.
في المراحل السابقة لم يمنع النظام توسيع النطاق الجغرافي لهيمنة "قسد"، لكنه اليوم لا يتحمل بقاء الوضع على ما هو عليه، ويبدو مستعجلا للقيام بخطوات عسكرية ما، لا تصل إلى مستوى فتح معركة متكاملة، لكنها كافية لضبط العلاقة مع القوى العسكرية الكردية، مستغلا الاستعجال التركي لحسم مصير ريف حلب الغربي والشمالي.
وإذا كان مفهوما النشاط العسكري التركي خلال المرحلة السابقة في ريف حلب الغربي وإزالة الجيش التركي لقسم من الجدار المحاذي لمدينة عفرين، فإن توجه قوات عسكرية روسية من مدينة تل رفعت إلى قرية الشيخ هلال لا يبدو مفهوما، ذلك أن الدخول العسكري الروسي إلى تل رفعت قبل أشهر كان بهدف ضمها إلى مناطق خفض التوتر وقطع الطريق أمام الأتراك.
إما أن الروس يمهدون الطريق للأتراك للسيطرة على تل رفعت ومحيطها مقابل ترك عفرين للوحدات الكردية، أو العكس، أي ترك الروس تل رفعت للوحدات الكردية مقابل تخليها عن عفرين إما لصالح تركيا أو لصالح النظام.
وثمة احتمال آخر متعلق بترسيم الروس للحدود بين "قسد" وفصائل المعارضة في تلك المنطقة، كمقدمة لتسيم جغرافي في عفرين بحيث تحل قوات النظام محل الوحدات الكردية، لتترك محافظة إدلب لتركيا في هذه المرحلة على الأقل.
فرضت المرحلة السابقة إقامة "تحالف الضرورة" بين النظام والوحدات الكردية، في حين ستفرض متطلبات المرحلة المقبلة إقامة ما يمكن تسميته "مساكنة الضرورة"
وما جرى قبل أشهر بين النظام و "قسد" في بلدة العكيرشي بالرقة، وما جرى في أحياء حلب قبل أيام، يمكن أن يتكرر في مناطق عدة تسيطر عليها "قسد"، خصوصا في أقصى الشمال الشرقي وأقصى الشمال الغربي لسوريا.
لن تسمح روسيا بنشوء معركة عسكرية بين النظام والوحدات الكردية، ليس فقط لأن هذه المعركة ستؤدي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة فحسب، بل لأن الروس بحاجة ماسة إلى القوى العسكرية والسياسية الكردية في المرحلة المقبلة لاستكمال مخططاتها في رسم معالم التسوية السورية.
وإذا كانت القوة الكردية تعبر عن نفسها عسكريا على أرض الواقع، فإنها ستعبر عن نفسها في مقبل الأيام كقوة سياسية، هذا أمر تدركه موسكو ولذلك تبدو حريصة على إدخالهم إلى الساحة السياسية عبر مؤتمر سوتشي المقبل.
وبناء على هذه الوقائع والتطورات؛ يصعب تحديد مسار العلاقة بين النظام والوحدات الكردية، ويرتبط الأمر بطبيعة التحالف الأميركي/ الكردي، ومدى وحدود السياسة الأميركية في الشمال السوري.
لقد فرضت المرحلة السابقة إقامة "تحالف الضرورة" بين النظام والوحدات الكردية، في حين ستفرض متطلبات المرحلة المقبلة إقامة ما يمكن تسميته "مساكنة الضرورة".
حتى أسبوع مضى، كانت إيران تبدو مستقرّة، لم تصل إليها رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة، أو تتأثر من جرّاء الحروب الكبيرة من أفغانستان إلى لبنان واليمن، مرورا بالعراق وسورية. وعلى الرغم من أنها محرّك أساسي في كل ما يحصل داخل هذه الجغرافيا الشاسعة المتفجرة، إلا أنها بقيت قادرةً على تجنيب نفسها وصول الشظايا إليها.
منذ أسبوع، قرّر الشارع الإيراني أن يهزّ ثبات المعادلة التي تعايش معها الإيرانيون عدة عقود، ويولّد مفاجأةً خارجةً عن كل الحسابات. هذه هي المرة الأولى التي يواجه الحكم في إيران، منذ سقوط الشاه، حركةً احتجاجيةً واسعة، تضع البلد أمام استحقاقاتٍ كثيرة، داخلية وخارجية.
ويكمن التحول الأساسي في تحرّك الشارع ضد نظام الحكم، وهو الأمر الذي لم يكن في حساب أحد، وقد حصل الأمر من دون مقدماتٍ أو أي إشاراتٍ وعلاماتٍ مسبقة، ويبدو، حتى الآن، أن العالم الخارجي ليس وحده الذي فوجئ بالهزّة الشعبية في بلدٍ اعتاد الزلازل، بل السلطة الإيرانية نفسها التي يشهد العالم بصلابة نظامها الأمني والاستخباراتي الذي بلغ من القوة حد إحصاء أنفاس الشعوب في عموم المنطقة، وليس شعب إيران فقط.
وصل النظام الأمني والسياسي الإيراني إلى درجةٍ من التعقيد التي يبدو فيها التفكير بإمكانية زعزعته من الداخل ضربا من الخيال، وهو يعد الإنجاز الوحيد الذي استطاعت أن تحقّقه المؤسسة الحاكمة منذ نحو أربعة عقود. كل ما قامت به هو الاستثمار في بناء نظام حديدي قائم على أجهزة أمن وجيش وطبقة واسعة من رجال الدين، وما عدا ذلك، لم تنجز اقتصادا متينا، ولا دولة مدنية حديثة، تحكمها المؤسسات والقانون.
أهمل النظام الإيراني شعبه، وصرف جل وقته، وسخّر موارده الاقتصادية، على تحقيق طموحاتٍ خارجية، بدءا من تصدير الثورة في مطلع الثمانينات، إلى بسط النفوذ على عواصم عربية ذات ثقل سياسي وتاريخي، مثل دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء. ومن هنا، وصل الوضع الداخلي الإيراني إلى مستوىً من التعقيد الذي يجعل من الحراك الشعبي ضده اليوم مشتبكا ومتداخلا ومرتبطا بقضايا خارجية كثيرة، في الوقت الذي يفتح فيه الأبواب بسهولةٍ لأعدائه الخارجيين.
الأعداء الخارجيون للنظام الايراني كثر، ومن لم يكن عدوا فقد كان يسايره من أجل مصالح ومنافع اقتصادية او سياسية. ويأتي الحدث اليوم ليعيد خلط الأوراق، ويجعل من حركة الشارع بوصلةً للمواقف الخارجية، فإذا كسبت الاحتجاجات مساحةً تستطيع أن تقف عليها لمواجهة أجهزة القمع ستجد إلى جانبها كل القوى الإقليمية والدولية المتضرّرة من النظام الإيراني، وفي هذه الحالة سوف يزيد الضغط عليه من أجل استنزافه، وتصفية الحسابات معه. وحتى لو نجح النظام في احتواء الاحتجاجات، فإنه لن يتمكّن من ذلك إلا من خلال القوة، وهو في هذه الحالة لن يكون في موقع من ربح الرهان، بل سوف يخرج ضعيفا، ويجد نفسه، بعد حين، مجبرا على التراجع، من أجل حماية نفسه، وهو في هذه الحالة سوف يضطر للانكفاء نحو الداخل، وسيوظف إمكاناته وجهوده، من أجل حماية القلعة الداخلية. وهذا يعني أن مشروع الأطماع الخارجية الإيراني سوف يبدأ بالتراجع التدريجي، طبقا لحجم التهديد الداخلي الذي سوف يواجهه النظام، غير القادر، في وضعه الحالي، على تقديم حلول عاجلة لمشكلات اقتصادية مزمنة.
هذه هي المرة الأولى التي يتعرّض فيها المشروع الخارجي لامتحان فعلي، ففي المرات السابقة، سواء الحرب مع العراق، أو التدخلات الحالية في لبنان وسورية والعراق واليمن، كان الشارع الداخلي متماسكا وموحّدا، أما اليوم فلم تعد الصورة كذلك، وبات الانقسام واضحا، وترجم النظام إحساسه بالخطر عبر المظاهرات المضادّة التي أراد منها القول إن شرعيته الشعبية لم تتأثر.
وكأن روسيا وإيران وتركيا قد أنجزت كافة التسويات وانتهت من صناعة السلم في سورية ورتبت جميع الملفات المتعلقة بالصراع في هذا البلد المنكوب، وهي الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة، والتي غالباً ما تتعلق بهيكلية الحكم وتوزيع المناصب وترسيم أدوار الفاعلين.
الهروب من جنيف إلى سوتشي، في حين لم يتم إنجاز تفصيل صغير واضح، ليس هدفه ترشيق المفاوضات على ما يقول الروس وتحريكها عبر ورشة عصف فكري تتكون من 1700 شخص يمكنها إنتاج أفكار خلاقة تنقذ المفاوضات من مأزقها الحالي ووضع الجمود الذي وصلت إليه، وتقديمها لوفدي النظام والمعارضة باعتبارها أفكار من صناعة سورية وتملك قوة معنوية، كون الروس يعتبرونها «سوتشي» ممثلة لجميع السوريين، ما دام أن الألية التي ستنتجها اسمها المؤتمر الوطني، وأن أعضاءه يمثلون كامل الطيف السوري، بطوائفه وقومياته وطبقاته وفئاته وشرائحه.
وليس خافياً أن الهدف من وراء ذلك، هو إيجاد آلية جديدة تحتل مكانة عليا وتصبح جميع الأطر والآليات الأخرى تابعة لها على قاعدة التدرج، فيمكن تحديد مشروعية أي إطار انطلاقا من مدى توافقه مع طروحات الألية الكبرى التي لا يجوز مخالفة ما تقرره، وإن كانت تسمح بالإجتهاد ولكن دائما تحت سقف ما تقرره هي، وضعية تشبه تراتبية الدستور مقارنة بالقوانين المحكومة بالتكيف الدائم معه، وفي حال الاختلاف يتم الرجوع إلى هذا الإطار واستبعاد الأدنى لمصلحة الأسمى، والذي سيكون هنا الأمن والاستقرار والشرعية وفق تعريف الثلاثي المقرر روسيا وإيران وتركيا.
حسناً، ألم يطالب السوريون بتغيير سياسي، هذا تغيير سياسي يكاد يوازي قلب منظومة حكم كاملة وإحلال أخرى بدلاً منها، والأمر لن يقتصر عند المئات التي ستحضر سوتشي بل سيتم ضخ الألاف من الكوادر الجديدة في مؤسسات الدولة، من عناصر ميليشياوية وأعضاء لجان محلية وأشخاص تمت تسوية أوضاعهم عبر ما يسمى بالمصالحات، وهم من أبناء المناطق ويعرفون احتياجاتها ومطالب سكانها، كما تكونت لديهم خبرات إدارية وتفاوضية ويستطيعون القيام بالتوسط بين القاعدة الشعبية والهرم السلطوي.
النخبة التي ستقود هؤلاء جميعاً وستقود سورية في المرحلة المقبلة، هي التي سيتم الإعلان عنها في سوتشي، بعد أن تحدّد قوائمها روسيا وإيران وتركيا !، ويبدو أن العدد المعروض أكبر من قدرة مؤتمر سوتشي على إستيعابه لذلك سيتم غربلته لإختيار المناسب والأفضل.
وتتكون هذه النخبة في الغالب، وكما بات معلوماً لدى السوريين، من أشخاص مفحوصين، تم اختبارهم واختيارهم بعناية، في قاعات قاعدة حميميم ودهاليز المعسكرات الإيرانية ومكاتب المخابرات السورية، والكثير منهم تمت صناعتهم خصيصاً لمثل هذه المهمة، وغالبية هذه النخبة برزت في الحرب وأثبتت فعاليتها في خدمة الروس والإيرانيين ونظام الأسد، وهم تجار حروب وقادة ميليشيات وحزبيين متنقلين. أو من الرماديين والمتشاطرين الذين يسيرون مع الموجة. فضلاً عن أولئك الذين يقدّرون أن الحرب انتهت لصالح نظام الأسد ومشغليه وآن الأوان كي يلحقوا بالركب.
مهمات هذه النخبة ستكون واسعة، فهي بعد تقديم أوراق إعتمادها والإعلان الصريح عنها، ومن ثم إعلان موافقتها على المشروع الروسي للدستور وشكل الانتخابات المقبلة، لن تذهب للعطالة، بل سيكون مطلوب منها التجهّز لمهام تشريعية وتنفيذية أخرى، باعتبار أن هذه النخبة هي البنية التحتية للحكم، وهي من ستتولى إدارة البرلمان والبلديات والمجالس المحلية والنقابات، وستزكّي النخبة التنفيذية الأدنى التي ستتولى تنفيذ المهمات المقبلة في مرحلة الإعمار من إصلاح وتنظيف الشوارع إلى تسيير شؤون قطاعات التعليم والصحة وغيرها.
وبالطبع، بالنسبة للبنية الفوقية للحكم، وهي هنا رأس النظام وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، فهي بنية مقدسة وخارج أطر النقاشات، إما بذريعة انها شرعية، على ما يؤكد الروس، أو لضرورة الأمن والاستقرار، وكل ما هو ممكن هنا، تغيرات على مستوى الحكومة، والتي هي بالمناسبة بنية غير فاعلة أو مؤثرة في تنظيم الحكم في سورية.
ما قبل سوتشي لن يكون كما بعدها، إذ ستصبح محرمة المطالبة بالانتقال السياسي كما سيصبح جرماً المطالبة برحيل الأسد، وفق المنطق الروسي ستكون الوقائع السياسية قد تجاوزت هذه الأمور، ومن يلجأ لها سيكون إما شخص غير بناء وإما في أهون الأحوال منفصل عن الواقع. فما دام قد جرى النص على تغيير الدستور أو إصلاحه وإجراء إنتخابات بما فيها البرلمانية والرئاسية فإن الميدان السياسي للأزمة السورية يكون قد أغلق الباب على أي مطالب أو إعتراضات جديدة، وحاصة وأنه تم بموافقة الأمة السورية جمعاء عبر ممثليها الذين حضرو مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي.
ليس ثمة خيارات ذات قيمة لدى المعارضة لمواجهة هذه الإستراتيجية الماكرة لتصفية القضية السورية، وبخاصة في ظل تراجع دولي أمام الثلاثي الصانع لهذه الإستراتيجية، وتغير مطالب البيئة الدولية، لكن ذلك لا يعني الاستسلام والرضوخ، بل على المعارضة إدراك حقيقة أن قيمتها في التصنيف الشعبي والدولي تضعها في مكان لا تستطيع روسيا تجاوزه، ورفضها لمؤتمر سوتشي وعدم حضوره سيجعلان المؤتمر مجرد فكرة فاشلة بلا أي قيمة، وستكون قيمته الوحيدة كشفه لقوائم العملاء والمرتبطين بالأجهزة الروسية والإيرانية والتركية.
تمر إيران، منذ أكثر من أسبوع الآن، بحالة من الاضطرابات الداخلية إثر الحشود العارمة من مختلف الأحجام التي تنظم المسيرات الاحتجاجية في أكثر من 30 مدينة إيرانية لم تُستثنَ منها العاصمة طهران. وبفضل المشاهد التي لم تُشاهد في هذا البلد منذ عام 2009 عندما تمكن النظام الحاكم من إخماد الانتفاضة الشعبية في طهران، ثارت كثير من التساؤلات حول ما يُشار إليه مؤخراً، وعلى نحو مجازي، بـ«الأحداث».
والسؤال الأول المطروح هو: من هم المتظاهرون؟
كما جرت العادة، يحلل النظام الإيراني الاحتجاجات بأنها نتيجة لمؤامرات من قبل الولايات المتحدة التي، مع مغادرة الرئيس باراك أوباما الذي سعى إلى نوع من التوافق مع القيادة الحالية في طهران، قد أصبحت - تحت إدارة الرئيس دونالد ترمب - عاقدة العزم على تغيير النظام الحاكم في
البلاد.
والتحليل الحكومي الإيراني يتسم بكثير من الصبيانية حتى يستحق مناقشته بصورة جدية ومفصلة. ويكفي القول إنه في حين أن إدارة الرئيس ترمب تفضل بالفعل تغيير النظام الحاكم في إيران إلا أنها، وحتى الآن على أقل تقدير، لم تفعل أي شيء على الإطلاق للتحرك على هذا المسار.
وعلى أية حال، إن كان تغيير الأنظمة الحاكمة بهذه السهولة لكانت الولايات المتحدة قد نجحت في تنفيذ ذلك مع كوبا وكوريا الشمالية منذ فترة طويلة.
ويمكن للولايات المتحدة، عبر سياقات مختلفة، إضافة إلى القوى الكبرى الأخرى، المساعدة في إطالة حياة أي نظام حاكم من خلال منحه الشرعية التي لا يستحقها وإمداده بالمساعدات الاقتصادية والسياسية التي يحتاجها للبقاء على قيد الحياة.
وهذا بالضبط ما صنعته إدارة نيكسون - فورد الأميركية تجاه الاتحاد السوفياتي في سبعينات القرن الماضي.
وهذا أيضاً ما صنعته إدارة أوباما للجمهورية الإسلامية بين عامي 2009 و2017، ولا يزال الاتحاد الأوروبي يتابع تنفيذ هذه السياسة حتى الآن.
ومع ذلك، وبعيداً عن الغزو العسكري الكامل، لا يمكن لأية قوة خارجية، مهما كانت عظمتها وسلطتها، أن تنجح في إسقاط نظام حاكم يحظى بقدر ولو يسير من الدعم المحلي وما يكفي من الثقة الذاتية التي تؤهله لمواجهة التحديات والصعاب.
ومما لا شك فيه، تندفع القوى الكبرى بين الحين والآخر صوب مستنقع مؤامرات تغيير الأنظمة الحاكمة، ولكن غالباً ما ينتهي الأمر بها إلى المراهنة على الجياد التي يمكن أن تتحول إلى الركض بأسرع ما تستطيع.
إن تغيير النظام الحاكم هو عمل الشعب المعني بالأحداث الداخلية في بلاده، ولا يمكن للقوى الخارجية سوى المساعدة من خلال عدم دعم الظالمين.
ولكن إن لم تكن الأحداث الإيرانية الأخيرة «مؤامرة أميركية»، فمن يحتج ويتظاهر الآن في إيران؟ والإجابة المباشرة هي: إنه الشعب غير الراضي عن طغمته الحاكمة.وبقدر ما تمكنت من متابعة الاحتجاجات الجارية في إيران فإنها تجري تقريباً في كل المحافظات الإيرانية ويتصدرها الشباب المتعلمون والرجال والنساء من أبناء الطبقة المتوسطة الذين يرغبون في الإعراب عن مظالمهم المشروعة ضد النظام الحاكم الذي أثبت فشله داخلياً على كل الأصعدة والمجالات.
وبعض من هذه المظالم ذات طبيعة اقتصادية؛ إذ إن البطالة الجماعية من القضايا الكبرى في إيران مع نسبة 25 في المائة من خريجي الجامعات عاجزون عن العثور عل
ى عمل لمدة بلغت 4 سنوات بعد التخرج. وتقول الإحصاءات الرسمية إن معدلات البطالة تقترب من 12 في المائة، وعندما يتعلق الأمر بالمناطق الحضرية الكبرى فإن المعدلات ترتفع عن ذلك بكثير.
ثم هناك مشكلة التضخم، الذي بلغت نسبته 13 في المائة على أساس سنوي، ويسبب التآكل الشديد في الدخول الضئيلة للأسر المتوسطة في البلاد.
ومما يزيد الأمور سوءاً انتشار الفساد والاختلاس على نطاق كبير وواسع.
وفي عام 2017 وحده، انهارت خمسة مصارف وصناديق استثمارية، مما عصف بمدخرات ما لا يقل عن 2.5 مليون أسرة من الطبقة المتوسطة والطبقة دون المتوسطة
. وحيث إن المؤسسات المنهارة كان يسيطر عليها الملالي البارزون أو كبار جنرالات الحرس الثوري، فإن فشل هذه المؤسسات يعتبر فشلاً للنظام الحاكم ذاته. وأدى انهيار صناديق المعاشات، بما في ذلك معاشات المعلمين، إلى تفاقم آثار فضائح الفساد. ومن المثير للاهتمام، أنه لم يتم اعتقال أحد على خلفية أي من حالات الفشل المعلنة تلك، إذ يعتقد أن المسؤولين عنها قد سمح لهم بالفرار إلى المنفى الاختياري في كندا.
ومع ذلك، أظهرت الاحتجاجات أنه يستحيل الفصل بين القضايا الاقتصادية المحضة والسياسية المحضة في البلاد. وفي الواقع، فإن كل القضايا في أي مجتمع تحمل السمة السياسية في خاتمة المطاف بسبب أن السياسات تؤثر على مناحي الحياة كافة.
على سبيل المثال، يستند إعفاء كثير من المصارف وصناديق المعاشات الإيرانية من قواعد الشفافية والمساءلة القانونية بحجة أنها تخضع لسيطرة كبار الملالي أو جنرالات الحرس الثوري، إلى قرار سياسي في المقام الأول. وحقيقة أن يتخرج في إيران مئات الآلاف من الرجال والنساء الحاصلين على الدرجات الجامعية من دون مهارات حقيقية تفيدهم في سوق العمل هو ثمرة قرار سياسي بكل تأكيد.
كما كشفت الاحتجاجات أيضاً عن إدراك كبير لدى المواطنين العاديين للتكاليف الهائلة للسياسة الخارجية الإيرانية المضللة التي حولت إيران إلى شريك في الجرائم التي يرتكبها الطغاة في سوريا والإرهابيون في لبنان واليمن. فليست هناك مصلحة مباشرة لإيران في دعمها لبشار الأسد وذبحه للشعب السوري أو لتأييد حسن نصر الله الذي يقوم بدور المملوك المطيع في بيروت.
ومن بين الشعارات المتكررة في كل الاحتجاجات الإيرانية كانت الدعوة إلى الإفراج الفوري عن كل السجناء السياسيين في البلاد. وحقيقة أن الجمهورية الإسلامية ظلت طيلة أربعين عاماً تحتل المرتبة الأولى عالمياً في عدد السجناء السياسيين والمرتبة الثانية عالمياً بعد الصين من حيث حالات الإعدام، هو أمر يرجع بالأساس إلى القرارات السياسية وليست اقتصادية.
هل تسير إيران على طريق تغيير النظام؟
توصلت، قبل أكثر من عشر سنوات، إلى استنتاج مفاده أن تغيير النظام هو الوسيلة الوحيدة التي يمكنها إنقاذ إيران من المأزق التاريخي الذي خلقه هناك الخميني وزمرته. ولقد توصلت إلى هذا الاستنتاج، والذي بسطت القول بشأنه في كتابي بعنوان «الليلة الفارسية»، وهو لا يتعلق بحبي للنظام الخميني من عدمه، وأنا فعلاً لا أحب هذا النظام. ولا يتعلق الأمر أيضاً بفكرة أن النظام الخميني هو أسوأ حالاً من حلفائه في كوريا الشمالية أو فنزويلا أو زيمبابوي، بل إن طرحي للمسألة يستند إلى اعتقاد مفاده أن النظام الخميني، سواء كان جيداً أو سيئاً، قد عفّى عليه الزمن ولم يعد يعمل بكل بساطة. وهو نفس الاستنتاج الذي توصل إليه الكثيرون ممن يعملون داخل النظام نفسه.
وحتى وقت قريب، اعتقدت حفنة ممن هم داخل النظام أو يعملون في دوائر قريبة منه أنه يمكن تفادي مواجهة تغيير النظام الحاكم بإجراء تغيير داخلي في النظام نفسه. غير أن أعواماً طويلة من التجارب حول هذا المفهوم تحت قيادة محمد خاتمي ومؤخراً حسن روحاني، قد أثبتت افتقار نظام الخميني لأية آلية فاعلة للإصلاح والتغيير من الداخل. وبالنسبة لإيران، فإن تغيير النظام الحاكم هو الخيار الأكثر حكمة، والأكثر تعقلاً، والأقل تكلفة. وهذا لا يعني بالضرورة أنني أتنبأ بتغيير النظام الحاكم في طهران من الآن وحتى بداية السنة الفارسية الجديدة في مارس (آذار) المقبل. بل إن كل ما أقوله هو إذا ما أراد الشعب الإيراني لبلاده أن تتخلى عن صفوف الخاسرين والأمم المضطهدة فإنهم في حاجة إلى نظام جديد وأفضل من اختيارهم. أما بالنسبة للقوى الأجنبية الحالمة بالتوافق مع إيران، فأقول: عليكم التخلي عن تلك الأوهام. فإن النظام الذي يعاني من مشكلات مع شعبه فإنه يعاني ولا بد من مشكلات مع البلدان الأخرى.
وبعد مرور أربعين سنة من استيلاء الملالي على الحكم، لا بد لإيران أن تتوقف عن العمل كمطية للثورة المفلسة وتعاود اكتشاف الذات كدولة قومية تتصرف تصرف الدول العادية.
وهذا الأمر يستلزم تغيير النظام.
ينطلق الموقف التركي في مقاربته للحلول المقترحة للصراع السوري من مسألتين أساسيتين: أولاهما، ما يتعلق بأمنه القومي الذي يهدده، وفق تعبيره، «الحزام الإرهابي» في تسمية صريحة للإدارة الذاتية الكردية. وثانيتهما، ما يتعلق بنصيب تركيا من التحكم بالصراع الدولي على سورية، ورغبتها في ضمانة التهدئة «المزعومة» في إدلب وعفرين وفق اتفاقات «خفض التصعيد»، التي وقّعت في جولات آستانة، باعتبار أنها تتعلق مباشرة بالمسألة الأولى الخاصة بمنع قيام دولة كردية تمتد من شرق سورية إلى البحر المتوسط. ولعل هذا ما يفسّر اليوم خفوت الحديث عن المشاركة في مؤتمر سوتشي التي تدعو روسيا اليه، بهدف تنويع خيارات الحلول الروسية، من العسكرية التي توّجتها بمسار آستانة، ومؤتمر سوتشي الذي يؤسّس لعلاقة جديدة بين المعارضة والنظام السوري على أساس التسويات المباشرة، بعيداً من القرارات الأممية الصادرة بخصوص القضية السورية.
وتتحدد جملة التفاهمات التركية الدولية والإقليمية ومنها (التركية- الروسية، أو التركية- الأميركية) في سياق ضمان «الأمن القومي التركي»، بعيداً من تفاصيل وأسباب الصراع السوري- السوري، وغير متطابقة مع مواقف تركيا وتصريحات قادتها الداعمة لمطالب المعارضة السورية، وكل ما يحقق مصلحة تركيا الأمنية هو المعيار الأساسي لها في التفاهمات مع الدول المتصارعة على سورية، وهو ما أدى إلى إعادة العلاقات مع روسيا، على رغم الخلافات التي وصلت إلى حد القطيعة إثر إسقاط القوات التركية مقاتلة حربية روسية من طراز سوخوي 24 (25 /11/ 2015).
وعلى ذلك كان التقارب مع روسيا نتيجة مباشرة لتوتر العلاقات التركية ـ الأميركية حيث اعتبرت تركيا أن الولايات المتحدة تساند عدوها التاريخي «الأكراد»، الذين تعتبرهم امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور والمصنف «بالإرهابي»، ما ساهم بتبني حكومة أردوغان مشروع روسيا «الانشقاقي» عن المسار الأممي التفاوضي السوري-السوري في جنيف، والانجرار وراء مسار آستانة الذي يجمع بين المتناقضين والمتواجهين في الصراع على سورية، أي موسكو وطهران من جانب النظام، وتركيا من جانب المعارضة السورية. وأيضاً، مع تقاطع المصالح مع النظام السوري، الذي يتشارك مع تركيا مخاوفها من التحركات الكردية وانتزاع مناطق الشمال لإعلان كيان مستقل عن سورية، الأمر الذي هيأ الظروف لاستمرار مسار آستانة وعقد اتفاقيات خفض التصعيد العسكرية تحت مظلته.
إلا أن التذبذب الروسي الذي يراوغ في موقفه من القضية الكردية في سورية، بين مراعاة رغبة الولايات المتحدة، التي تسيطر على الشمال والشرق من سورية (مناطق السيطرة الكردية)، والتردد في تنفيذ اتفاق «خفض التصعيد» في مدينة إدلب، والتي وضّحها تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف، خلافاً للتفاهمات الآستانية مع تركيا، بإعلانه أن «المهمة الرئيسية لقواته هي تدمير جبهة النصرة بعد أن اعتبر أن المعركة ضد داعش في جزئها الرئيسي انتهى». ما وضع اشارات استفهام كبرى من قبل تركيا حول جملة التفاهمات التي انبثقت من آستانة، والتي تعطي تركيا وليس روسيا هذه المهمة في إدلب، ما يعني أن واقع التفاهمات الروسية ـ التركية في مسألة تقاسم النفوذ في سورية قد يشهد تغييراً في ملامح الخريطة النهائية، التي كانت تركيا قد اطمأنت إليها، وبدأت بإعادة انتشار فصائل المعارضة وهيكلتها وفق ما يخدم الوجود التركي، والمعركة التي تستعد لها مع هيئة تحرير الشام «النصرة سابقاً».
أيضاً فإن التصريحات الروسية التي أكدت دعوة ممثلي الادارة الذاتية الكردية إلى مؤتمر سوتشي، خلافاً للوعود التي قدمت لتركيا، ولفصائل المعارضة المشاركة في الجولة الثامنة لمحادثات آستانة (كانون الأول من العام المنصرم)، يضع عملية التقارب مع الجانب الروسي على شفا الانهيار وكذلك تفاهمات سوتشي، في وقت تلوح فيه الإدارة الأميركية بإمكانية فتح صفحة علاقات جديدة مع حكومة أردوغان، على رغم وقوف كلا الطرفين على الضفتين المتواجهتين فعلياً.
بناء على ذلك فإن خيارات تركيا اليوم تتراوح بين التمدد باتجاه الانفتاح على المشروع الأميركي، أو المضي في المسارين الروسيين (آستانة وسوتشي)، ما يضعها أمام خيارين مرّين، أي بين التحالف مع داعم عسكري لقوات سورية الديموقراطية التي تناصبها العداء، أو التماس الطريق الروسي إلى «سوتشي» التي تمنح الإدارة الذاتية الكردية الدعم السياسي، من خلال مشاركتها في حوار اعتبرته روسيا مؤسساً للحل السياسي بين «الشعوب» والمكونات السورية.
وفي كلا الخيارين تتخوف أنقرة من تجرّع هزيمة مطالبها بما يتعلق بتحجيم دور أكراد قوات سورية، وإبعاد شبح إقامة «كانتون كردي» على الحدود الشمالية السورية المقابلة لمناطق تركية ذات الأغلبية الكردية، وهو ما دفع القوات التركية- التي تعثرت حركتها أكثر من مرة- لإعلان بدء معركتها مع القوات الكردية، لتحرير منطقة عفرين بهدف تبديد الحلم الكردي بوصل مناطق نفوذهم، من مدينة المالكية شرقاً حتى جبل الأكراد والتركمان على الساحل السوري غرباً، والوصول إلى البحر المتوسط.
ولعل تعويل تركيا على إنهاء الدعم الأميركي للقوات الكردية، لتحقيق استدارة كاملة من طرفها عن المشروع الروسي لايزال يفتقد «الثقة» بسبب التصريحات المتضاربة للمسؤولين الأميركيين حول دعم الأكراد، إلا أنه ومع تلك التصريحات يمكن ملاحظة أمرين في هذا السياق:
-اعلان قيام جيش كردي مع قوميات عربية وشركسية وسريانية في الشمال السوري (جيش شمال سورية) من جانب الأكراد من دون أي اشارة أميركية لذلك، على رغم الإعلان الأميركي عن مساعدات عسكرية للمعارضة بقيمة 500 مليون دولار، منها 100 مليون للتدريب العسكري، علماً أن الحديث الأميركي لم يخصّص «قوات سورية الديموقراطية» بأي تصريح مباشر حول هذه المساعدات، بينما تحدثت للمعارضة السورية التي قد تكون القوات الكردية منها.
-الدعم الأميركي المعلن من قبل إدارة ترامب، والذي لا يختلف عن الدعم المعلن من قبل ادارة أوباما عام 2015، وقد أدت الظروف المحيطة بعمل فصائل المعارضة العسكرية والسياسية إلى افشال توجيهه إلى فصائل الجيش الحر لتشكيل جيش موحد لقتال «داعش»، حيث رفضته آنذاك قادة الأركان والائتلاف والحكومة الموقتة (سليم إدريس، خالد خوجا، احمد طعمة)، لتتوجه المساعدات الأميركية إلى القوات الكردية التي قدمت نفسها كقوة معتدلة ومنظمة ووافقت على الشروط الأميركية. لذا ربما يمكن القول اليوم إن تركيا التي دفعت ثمناً باهظاً بسبب عدم تفهم دواعي تشكيل الجيش الموحد لقتال «داعش»، قبل ما يزيد عن عامين ونصف العام، يمكن أن تدفع المزيد اليوم لو كررت الفصائل المبررات نفسها «التي يشك في أنها بدفع تركي» لرفض العرض الأميركي.
في هذه الظروف والمداخلات قد تتسبب تركيا بنفسها -مرة أخرى- في حصر المساعدات الأميركية بالقوات الكردية من دون سواها، وتكون سهلت فتح الطريق أمام مواجهة بين فصائل سورية مدعومة تركياً مع أكراد سورية، من دون أي دعم دولي، وبأدوات فصائلية إسلامية غير مرحب بها مجتمعياً ودولياً، في حرب ستكون ظالمة لكلا الطرفين، وضدهما. وفي مثل هذا الوضع ربما يصبح المجال مفتوحاً على مصراعيه أمام قوات سورية الديموقراطية لتكون الطرف الفاعل في تغيير معادلات التسوية التي قامت عليها مبررات انعقاد مؤتمر سوتشي، ما يبقي الصراع السوري في غاية التعقيد، والتداخل، وهذا لا يقتصر على النظام الذي سلم قراره لإيران وروسيا، بل وعلى المعارضة التي لم تتلمس طريقها الصحيح بعد في التعاطي مع القضية الكردية من منظور سوري بحت، وهو حتماً يشمل مختلف الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة أو المتورطة في هذا الصراع.
الإيرانيون لا يريدون دخول الجنة بأمعاء خاوية. هذا ببساطة ما قاله المتظاهرون الموجوعون، في مواجهة وعود «دولة الولاية» وبانتظار «ظهور الإمام الحجة».
إيران، بتعبير هنري كيسنجر، «ثورة» و«ليست دولة». وهي مشروع عقائدي لا يتعامل مع العالم بقواعد تعامل الدول فيما بينها، ولا يني يشتغل على تصدير نموذجه، عبر دعم ميليشيات وهويات فرعية في عموم محيطه وأبعد. وهي، بنظر نظامها وعقيدة هذا النظام، مشروع إلهي غيبي، وظيفته في السماء وليس على الأرض، مما يجعل الخسائر الدنيوية في الأرزاق والأرواح تفاصيل يجب تجاوزها، تمهيداً لظهور الغائب.
هذا بالضبط ما انتفض في وجهه فقراء إيران، الذين غابوا عن انتفاضة «الحركة الخضراء» عام 2009، فالأخيرة حافظت على كونها مظاهرات طبقة وسطى مركزها شمال طهران، وعنوانها الأبرز سياسي يتصل بالاحتجاج على نتائج الانتخابات التي يعتقد الإيرانيون المنتفضون يومها أنها زُورت لصالح محمود أحمدي نجاد على حساب مير حسين موسوي. يومها كان فقراء إيران غارقين في التمتع بنتائج السياسات الاقتصادية الشعبوية لأحمدي نجاد كالقروض الميسرة والمدعومة والتحويلات النقدية المباشرة إلى حساباتهم المصرفية، مستفيداً من الارتفاعات الجنونية في أسعار النفط التي وصلت في صيف 2008 إلى حدود 150 دولاراً للبرميل!
هذه المرة خرج الفقراء إلى الشارع وبقي متظاهرو «الحركة الخضراء» في بيوتهم، مع فارق أن مظاهرات اليوم بدت أعرض جغرافياً في تغطيتها عدداً أكبر من المدن والبلدات، لكنها أقل عدداً في المجموع أو المشهدية من التجمعات المركزية التي شاهدناها في 2009. انطلقت الاحتجاجات من مدينة مشهد، الممسوكة أمنياً من قبل السلطات لأنها تحتضن مقام الإمام الرضا، الذي يعد من كبرى مؤسسات النظام وأثراها. يخضع المقام لوصاية منظمة «أستان قدس رضوي»، التي يرأسها إبراهيم رئيسي، الراسب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح روحاني، والذي كان يعتقد أنه مرشح المرشد لخلافته في سدة ولاية الفقيه.
المظاهرات التي انطلقت في الأسبوع الأخير من عام 2017 بدأت اقتصادية، احتجاجاً على ارتفاع أسعار البيض، وسريعاً ما تحولت إلى مظاهرات سياسية راديكالية تجرأت على كسر محرمات لم تكسر عام 2009 تطال هيبة الولي الفقيه وصوره التي أحرقت أو مزقت، ودعوات لتغيير النظام وصلت إلى حدود الصراخ بشعارات تترحم على رضا شاه.
غير أن انطلاق المظاهرات من مشهد عقّد الأمور بالنسبة لمتظاهري عام 2009؛ ليس فقط لأن الأثر الاقتصادي للأزمات الراهنة أخف وطأة عليهم، من الطبقات المتوسطة الدنيا والفقيرة، بل لأن انطلاق المظاهرات بدا للوهلة الأولى كأنه بترتيب ورعاية من المحافظين في وجه حكومة روحاني. في هذا السياق يلاحظ المعلق الإيراني بورزو درغاهي أن الذاكرة الإيرانية تلعب دوراً مهماً في دفع الإيرانيين للتحرك أو لجمهم، بحسب النتائج المحتملة للاحتجاج ومصادره ورعاته؛ إذ إن كثيرين ممن تظاهروا عام 1978 لإسقاط الشاه انتهى بهم الأمر إلى أن يعيشوا عقوداً في ظل نظام أسوأ بما لا يقاس من النظام السابق.
وأُضيف إلى ذلك، أن صدمات الانهيار المجتمعي والدولتي التي أنتجها الربيع العربي، ولم تكن حاضرة في حسابات المتظاهر عام 2009، تخيف الإيراني من سلوك هذا الطريق.
كما أن عدم وضوح برنامج الاعتراض اليوم بمثل وضوحه عام 2009 وتمحوره آنذاك حول حدثٍ محدد هو الانتخابات الرئاسية، وطعنٍ محدد هو الاعتراض على تزوير نتائجها، أبقى مستوى التعبئة للتظاهر حتى الآن في حدود منخفضة.
إنها بهذا المعنى الداخلي الإيراني، انتفاضة معلقة بين ذاكرتين؛ ذاكرة إسقاط الشاه واستئناف مسار انحداري في سمعة ومقام ودور وموقع الدولة الإيرانية، وذاكرة الربيع العربي الحادة فيما تثيره من مخاوف حقيقية على الاستقرار والمصير والوجود.
لا تلغي كل هذه الخلفيات والفروقات بين اليوم وعام 2009 الإصابات العميقة التي مني بها نظام الثورة الإيرانية برمته، لا سيما في لحظة يسيطر فيها الإصلاحيون على الرئاسة والبرلمان وأغلبية المواقع المحلية والبلدية، مما يعني أن الإصلاح من داخل النظام نفسه وعبر التيارات الإصلاحية احتمال معدوم.
كما أن غياب جزء من النظام عن تصدر المظاهرات اليوم، كما فعل مير حسين موسوي ومهدي كروبي عام 2009، جعل كل النظام هدفاً للمتظاهرين وغضبهم.
صيف عام 1999 تظاهر أنصار الرئيس محمد خاتمي احتجاجاً على إغلاق صحيفة «سلام» الإصلاحية، واندلعت مظاهرات كانت الأكبر يومها في تاريخ إيران منذ سقوط الشاه. كان الصراع ما زال داخل أجنحة النظام وتياراته وفي كنف مؤسساته. بعد عشر سنوات، في 2009 حصلت «الانتفاضة الخضراء» وحملت نعياً أولياً للنظام الإيراني عبر الشكوى من التزوير وانسداد أبواب التغيير من داخل مؤسسات النظام. بعد أقل من عشر سنوات اليوم تبدو المظاهرات أكثر راديكالية في خيبة أملها من عموم النتائج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية لنظام الثورة، كما في رفضها استمرار نظام الملالي برمته.
ربيع إيران لا تزال دونه شروط كثيرة، لكن الأكيد أن خريف النظام بات في مراحل متقدمة جداً بعد أربعة عقود من دولة ولاية الفقيه.
تشبه تظاهرات إيران هذه الأيام تلك التي اندلعت ابتداء من سيدي بوزيد في تونس في أواخر 2010 فأشعلت ما عرف بـ «ربيع» العرب. في تشابه الحدثين ذاك الجانب المفاجئ الذي لم تستشرفه أقلام وحناجر أعتى خبراء الشأن الإيراني. وفي التشابه أيضاً عفوية التحركات التي لا قيادة لها ولا بيانات حزبية ترفدها. وفي التشابه أيضاً تفشي العدوى وانتقالها من مدينة إلى أخرى واحتمال شيوعها لتصبح ربما، في تمرين التشابه، شبيهة بالثورة التي نفخ في رياحها روح الله الخميني قبل أقل من أربعة عقود.
لا يختلف النظام الإيراني في تفسيره لحـــراك الناس عن تفسير أنظمة المنطقة لحراك الناس في مدنها. وما يحصل في عرف الحاكم في طهران هو أعمال عبث وفوضى يرتكبـــها خارجــون عـــن القانون (جرذان بالنسبة للقذافي ومندسون بالنسبة للأسد وحرامية سابقاً بالنسبة للسادات). ومن يقف خلف تلك «الهبّة» في مدن البلاد، وفق بيان الحرس الثوري، هم الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، وبالتالي فإن من يهدد النظام الثوري هم الجواسيس عملاء «الاستكبار».
في بدايات الحراك السوري عام 2011 كانت سلطات دمشق تصدر بيانات تتحدث عن مواجهات مسلحة تتضمن تفجيرات كبرى كانت نتائجها مقتل إرهابيين ومقتل رجال أمن. لم تأت تلك البيانات يوماً على ذكر أعداد المدنيين التي تسقط في تلك «الأحداث». وإذا ما كان أمر ذلك السلوك الرسمي غريباً، فإنه ليس كذلك في عرف الحاكم في دمشق كما في طهران أو في أي أنظمة ديكتاتورية أخرى. لا شعب في إيران إلا ذلك الذي يصفق لـ «الثورة الإسلامية» وذلك الذي يخنع لسطوتها، أما من هم غير ذلك فمن نوع الجرذان والمندسين والخونة إلخ...
سيكون من الرصانة مراقبة الحراك في إيران من دون المغامرة باستشراف مآلاته. لم تتوقع أعتى الأجهزة الأمنية الغربية وأعرق مؤسساتها البحثية سقوط الاتحاد السوفياتي على رغم العمل الدؤوب من قبل هذا الغرب على إسقاطه. وسيكون من السخف ركوب موجة الحراك الحالي للتبرع بتفسير حوافزه أو التجرؤ على توقع نهاياته. فإذا ما كان في خروج الناس إلى الشارع عفوية مربكة، فإن في الحدث ما يجعله عابراً وكذلك ما يجعله مفصلياً في تاريخ إيران الحديث.
المفارقة أن المتظاهرين وضعوا الطبقة السياسية برمتها في سلة واحدة. والمفارقة أيضاً أن رد الحرس الثوري ومحيط الولي الفقيه لا يختلف عن ردود صدرت عن وزراء حكومة الرئيس حسن روحاني، بما يؤكد وعي الشارع بأن الجميع باتوا في سلة واحدة. وحتى الرموز الإصلاحية بدت تعابير خطابهم العتيق متقادمة لا تتسق مع شعارات المدن الغاضبة.
بيد أن تبرم مواطن إيراني عادي في مشهد أو تبريز ضد بلديته أو محافظته أو حكومته أو نظامه يقلق إلى حد الرعب رعية باتت تابعة في صعدة أو البصرة أو دمشق أو ضاحية بيروت. نجح نظام الولي الفقيه في جعل «ولاء الشيعة لإيران» وفق تعبير الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. لا منطق تاريخياً بإمكانه أن يجمع مصير شيعة المنطقة بمصير الحكم في طهران، ومع ذلك فهذه حقيقة باتت تتجاوز أنصار الأحزاب والتيارات التابعة لطهران وتنسحب على البيئات الحاضنة في رد فعلها القلق على الحدث الحالي البعيد.
كان الحدث التونسي تونسياً وكذلك الأمر في ليبيا ومصر. لم يكن كذلك في سورية واليمن، ولا غرابة في ربط ذلك في البلدين الأخيرين بانخراط إيران المباشر في الحرب داخلهما. أن تهب رياح على طهران فذلك نذير شؤم على أيتام زرعتهم طهران في مدن المنطقة منذ عقود فجعلتهم، من حزب الله في لبنان مروراً بفصائلها في العراق وسورية وأفغانستان وباكستان انتهاء باليمن، يحومون بولاء أعمى حول كعبة الولي الفقيه في طهران. وقد لا يكون مستغرباً أن يستيقظ الأيتام ذات فجر على غياب الأم الوالدة والصدر الحنون.
لكن ربما يجب الإقرار بأن أي تغيير حقيقي في إيران لا يعني الشيعة فقط (أو غالبيتهم). نجحت طهران في تنصيب نفسها عاملاً أساسياً لفك عقد المنطقة برمتها، وبالتالي فإن ملفات سورية والعراق ولبنان واليمن مرتبطة مباشرة بالمزاج الحاكم في طهران. والصحيح أن الحناجر الغاضبة في إيران هذه الأيام ترى أن للتعفن الداخلي أوراماً نبتت خارج البلد وتستنزف الموارد وتعبث براهن الإيرانيين كما براهن المنطقة ومستقبلها.
تطورات الأحداث السريعة في إيران، شكلت مفاجأة غير سارة لموسكو، لجهة التوقيت وبسبب انتقال الاحتجاجات من تبني مطالب اقتصادية معيشية إصلاحية، إلى رفع شعارات سياسية تطالب بالقصاص من النخبة السياسية في البلاد.
لم تكن موسكو مستعدة وهي تحتفل مع نهاية العام بنجاحها في رسم ملامح واقع جديد في سورية والتحضير لترجمته سياسياً، لتطور قد يربك خططها ليس في سورية وحدها، بل وفي المنطقة.
المتابعة الروسية الحذرة للحدث الإيراني، تطورت من إقرار في البداية، بأن التظاهرات تعبر عن «سخط شعبي على الأوضاع المعيشية والاقتصادية» وفقاً لبيان حذّر الروس في إيران من التواجد في المناطق التي تشهد اشتباكات. إلى خطاب اقترب في مضمونه من الرواية الرسمية لطهران التي تحمّل «الأعداء» مسؤولية تفاقم الموقف وتتحدث عن «مؤامرة خارجية».
وموسكو وهي تحذر من «تدخل خارجي يهدف إلى زعزعة الاستقرار في البلاد» كشفت عن مخاوف جدية لديها من انزلاق الأمور نحو سيناريو «المواجهات العنيفة وسفك الدماء».
على رغم المفارقة التي عكسها الموقف الروسي المعلن، لجهة أن روسيا لم ترَ في مقتل عشرات في أسبوع سفكاً للدماء. لكن الأهم أن لهجة التحذير، والتشديد على رفض التدخل من الخارج، عكسا إسراعاً في التلويح بأن موسكو لن تسمح بتحويل الاحتجاجات في إيران إلى عنصر ضغط إضافي على طهران، خصوصاً أن لديها خبرة طويلة في عرقلة أي تحرك دولي يرفع شعار مواجهة العنف الزائد ضد المتظاهرين.
ليس من السهل على روسيا وهي ترسخ وجوداً دائماً في المنطقة، أن يتعرض شريكها الإقليمي الأساسي لهزات كبرى. والأمر ذاته ينسحب على تركيا وإن بدرجة أقل، ويكفي تذكّر الموقف الروسي المعارض منذ اللحظة الأولى لمحاولة الانقلاب العسكري في تركيا منتصف 2016.
والخشية الروسية لها ما يبررها. خصوصاً مع قناعة جزء مهم من النخبة الروسية بأن إيران حتى لو نجحت في سحق الانتفاضة وتكرار سيناريو عام 2009، ستخرج أضعف وأقل قدرة على المناورة إقليمياً. لأن الهوة ستتسع بين النخب المسيطرة وجزء كبير من الإيرانيين، ما يعني تزايد وتائر الاحتجاجات وتكرار التظاهرات. كما أن الصراع سيحتدم أكثر بين الإصلاحيين والمحافظين. وكل من الطرفين يسعى إلى توظيف الاحتجاجات لمصلحة مواقفه، الأول من خلال التقاط المطالب الإصلاحية المرفوعة في الشارع لتبرير سياساته، والثاني لأنه يعتبر التدهور الحاصل فشلاً للفريق الإصلاحي ما يستوجب سياسة داخلية أكثر تشدداً.
هذه القناعة التي عبر عنها مقربون من الكرملين، تضع رهانها الأكبر على انحسار الاحتجاجات، لكنها تدفع موسكو في الوقت ذاته، إلى مراجعة حساباتها والاستعداد لكل السيناريوات المستقبلية بما في ذلك انشغال طهران داخلياً لفترة على الأقل.
صحيح أن روسيا لا تشاطر إيران في كل سياساتها الإقليمية، وخصوصاً ما يتعلق بتسليح وتمويل «حزب الله» أو التدخل في شؤون بلدان المنطقة. لكن ثمة خشية روسية من أن انحسار الدور الإيراني سينعكس على السياسات التي أطلقتها موسكو في المنطقة وهي تستند في جزء مهم منها إلى التحالفات الإقليمية وبالدرجة الأولى مع طهران.
والتوازن الدقيق الذي أقامته روسيا حتى الآن في الشرق الأوسط، من خلال الحفاظ على روابط مؤثرة مع كل الأطراف، يبدو معرضاً لهزة كبيرة، على خلفية الهزات التي أحدثتها الاحتجاجات في المدن الإيرانية. وسيكون على موسكو التي أعلنت أكثر من مرة أمام زوارها العرب أنها لا ترى في السياسة الإيرانية الإقليمية تهديداً لأي طرف، أن تضع خيارات بديلة، لا يبدو الكرملين مستعداً لها، على الأقل حالياً.
باتت التسريبات التي نشرت قبل أشهر عدة عن تسليم كامل المنطقة الواقعة شرقي سكة الحديد للميليشيات الإيرانية وروسيا أمراً واقعاً لا يمكن التهرب منه أو إنكاره مع وصول جحافل الميليشيات التابعة للنظام إلى مدينة سنجار التي تعتبر قلب المنطقة وشريانها ومركزها المدني والتجاري وعقدة مواصلات المنطقة.
مع سيطرة النظام وحلفائه على سنجار واجتيازهم جميع القرى من بلدة الخوين بريف إدلب الجنوبي وصولاً لسنجار على طول الخط الحديدي دون أي مقاومة إلا من بعض أبناء المنطقة وبالأسلحة الفردية التي بحوزتهم بعد أن قامت الفصائل وأبرزها هيئة تحرير الشام بنقل كامل عتادها العسكري الثقيل والمتوسط من مطار أبو الظهور العسكري وصوامع سنجار إلى جهة مجهولة، لعلمها المسبق بحسب التطورات الراهنة بالعملية وماخطط ودبر.
الجدل الحاصل عن تسليم كامل المنطقة للميليشيات بات واقعاً اليوم ومسألة سيطرة قوات الأسد على مطار أبو الظهور العسكري بات مسألة وقت لا أكثر بعد أن تمكنت من السيطرة على صوامع سنجار، وسط غياب الفصائل وأرتالها ودباباتها عن المعركة واكتفاء هيئة تحرير الشام الفصيل المسيطر على المنطقة مسبقاً ببيان تتحدث فيه أنها لم تسلم أي منطقة وأنها لم تنسحب خلافاً للوقائع.
في الطرف المقابل لاتفاق شرقي السكة وبعيداً عن الإعلام تتحدث معلومات عن إعداد تركي كبير لبدء معركة عفرين بضوء أخضر روسي، قد تشارك فيها الفصائل الموجودة في إدلب وفي ريف حلب الشمالي كلاً من محاوره في المعركة، بهدف السيطرة على كامل منطقة الشريط الحدودي مع تركيا ووصل المناطق المحررة بريفي حلب الغربي وإدلب الشمالي مع ريف حلب الشمالي.
حسب التسريبات والمعلومات فإن الصمت التركي أولاً عما يجري شرقي إدلب كونها طرف ثلاثي مع روسيا وإيران في اتفاق خفض التصعيد وتأخرها في نشر قواتها في عمق محافظة إدلب كان متفقاً عليه من الجانب الروسي بحيث تسيطر روسيا وحلفائها على شرقي سكة الحديد وتسيطر تركيا في المقابل على مناطق واسعة في عفرين، بعدها يتم ترسيم الحدود وتنفيذ خطة الانتشار التركي في عمق محافظة إدلب تتبعها هدنة طويلة.
ترسم الأيام القليلة القادمة صحة هذه المعلومات لاسيما أن قوات المعطيات على الأرض في ريفي حماة وإدلب الشرقيين تسير وفق ماسرب على أكمل وجه، وكذلك تشير التعزيزات التركية المستمرة على الحدود ونشرها منصات صواريخ في منطقة ريف حلب الغربي تبين اقتراب المعركة في المنطقة لامحال، إلا أن الإجابة على ساعة الصفر لمعركة عفرين لم يحدد تجيب عنه الأيام والأسابيع القادمة.