كلما طال الزمن على الأحداث العنيفة المريرة في بلدي سوريا أشعر مثل كثيرين بأن هذه الأحداث تتغير بل وتتخبط كي تثير فينا الخوف من أن يصيبنا ما يصيب الآن «الجماهيرية الاشتراكية الليبية العظمى» ـ كما كان يسميها العقيد القائد المصروع ـ وهو مصير لا يبتهج به أحد بالتأكيد هنا سواء أكان مواليا للنظام الحاكم أم معارضا له، ففي ليبيا اليوم لا وجود حتى الآن لدولة نظامية بل لمجموعة كانتونات غير مكتملة ومتنازعة بعنف، فإذا انتهى الأمر في بلدنا إلى هذا المصير الفظيع فهذا معناه أن الربيع العربي لا حضور له في أرضنا المسكينة بعد أن تحول الربيع إلى صيف خانق محرق.
لقد نشبت الثورة في سوريا كي تحقق تغيرا طال انتظاره في اتجاه الكرامة والعدالة والتآخي الوطني بين الطوائف المتنوعة، كما ظهر ذلك واضحا في الشعارات التي رفعتها التظاهرات السلمية في البدايات، غير أن تحول هذا الأسلوب السلمي إلى الكفاح المسلح قاد البلاد شيئا فشيئا إلى صراع رهيب على السلطة بعد أن اختلط الغرباء بالسوريين كما في «جبهة النصرة» و «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» والمختصر باسم «داعش».
هكذا صرنا، نحن المواطنين الذين لم يتركوا وطنهم، لا موضوع لنا نعاني في متاهاته نقاشا مريرا لا يهدأ حول المصير الأخير لهذه الأحداث إلى أين تقودنا، وأية حفرة سوف ترمى بها جثثنا!…
لقد كان في وسع النظام الحاكم في البدايات أن يرطّب الجو الذي احتقن بسبب أحداث درعا المريعة من خلال تصرف السلطة الأمنية هناك التي اختارت في معاقبة صبيان المدارس الذين كتبوا عبارات مسيئة للنظام على الجدران عقابا مفرط القسوة، لو رطّب النظام هذا الجو حقا، بمحاسبة المسؤول الأمني هناك ولو حسابا شكليا، إذن لهدأت الخواطر في تصورنا ولم يحدث ما حدث فيما بعد في درعا ومدن القطر الأخرى.. وكان بالمقابل في استطاعة المعارضة أن تحافظ على أسلوبها السلمي في التظاهرات بدلا من استخدام السلاح.
صحيح أن هذا التغير قلب المناخ رأسا على عقب وأن المعارضة نجحت نسبيا في الصمود وهي تواجه جيشا محترفا منظما، ولكنها في الوقت نفسه لم تنجح في توحيد صفوفها في جبهة مقاتلة واحدة وبإشراف قيادية إدارية واحدة وهذا ما أدى إلى وضع موجع مديد ومستمر حتى كتابة هذه الأسطر. لم يكن لهذا الوضع البائس من معنى سوى مزيد من الدمار وتشريد الملايين ومصرع الأطفال والنساء بمئات الألوف، والأفظع والأوجع من كل هذا الخراب تشويه الوجدان الوطني والروح الاخلاقية، وهكذا باتت المصالحة الوطنية بين النظام الحاكم والمعارضة المسلحة ضرورة حضارية وأخلاقية لا بد منها لإنقاذ البلاد التي ندعي حبها من كارثة مريعة شاملة لجميع الأطراف إذا ما استمرت الأحوال على ما هي عليه سنوات أخرى من سيئ إلى أسوأ» إذ لن يستطيع النظام أن يقضي على المعارضة قضاء مبرما كما يبدو، وبالمقابل لن تستطيع المعارضة القضاء على النظام بالمعنى المطلق نفسه. الطرفان الآن بحاجة لا تقبل النقاش إلى هذه المصالحة ولو تطلب تقديم التنازلات من الطرفين حفاظا على الدولة أولا، بدلا من الفوضى كما هو الحال في ليبيا، وثانيا إنقاذ ما تبقى من الأطفال والنساء من الجوع والجهل والحرمان والذل والموت.
ليس من حل في تصورنا سوى مصالحة وطنية حقيقية بعيدا عن التعصب والعنف والكراهية والحقد والأطماع المادية السخيفة والمذلة.
لقد فرحتُ منذ أشهر حين اتصل بي هاتفيا مدير التراث في وزارة الثقافة يطلب مني المشاركة في ندوة سوف تُعقد قريبا، كما قال، تحت شعار المصالحة الوطنية. وما زلت حتى الآن أنتظر عقد هذه الندوة إذ لم يتصل بي أحد بعد ذلك وكأن الندوة أُلغيت أو أن مشاركتي الشخصية فيها أُلغيت.
ماذا يحدث في سوريا؟ من يحكمها فعلا؟ ولماذا يحاسبنا لنظام على أننا أعداء لا يجوز التعامل معهم إطلاقا؟ البلد يموت يا ناس! ولن يبقى من سوريا التي تتشدقون بحبها سوى فتات الموائد ونفاياتها. أهذه هي سوريا التي تحبونها فعلا وتريدون أن تجعلوا منها بلدا جميلا متقدما كي يغدو، كما قال عنه رئيس وزراء سوريا الأسبق في الخمسينات خالد العظم رحمه الله، كما أذكر حين قال: «سأجعل من سوريا «سويسرا» الشرق.. إذا ما أحسن حكامها قيادتها.. فاتركوني أعمل لهذا الهدف ثم حاسبوني بعد ذلك على تقصيري..» ولكنهم لم يتركوه يعمل وكان قادرا على ذلك! الله! الله! يا خالد العظم!.. أين أنت؟ وأين سوريا السويسرية التي تحدثت عنها؟ ماذا بقي منها كي تصبح سويسرا الشرق.. يا سيدي أو مثل أفغانستان على الأقل؟!
قليلاً من الحياء والتعقل يا بشر!!!
عامان على تشكيل الائتلاف الوطني بكل ما رافق ذلك من تناحر، وتوجّس وشعور بالاستياء، وبالخوف من هذا الكائن الذي تأكد أنه قد ولد مشوّهاً معاقاً، يبدو اليوم أنه قد دخل نفقاً طويلاً معتماً لا آخر له. فلم يستطع الائتلاف سوى تجذير الانقسام داخل المعارضة السورية، وتعميق اختلافاتها على كل المستويات، وشكل حالة فريدة في استخدام المال السياسي، وارتهان قراره بالأطراف الإقليمية والدولية المكونة له، والمؤثرة فيه. ولم يستطع أن يكون ممثلاً حقيقيا للثورة السورية، بعد أربع سنوات على انطلاقتها.
جاءت ولادة الائتلاف الوطني في نوفمبر 2012 في محاولة لإعادة تنظيم صفوف المعارضة، التي أعاق تشرذمها تحقيق أي إنجازات فعالة على الصعيد الوطني، وفي مقدمتها وضع استراتيجية بناءة للعمل، تلتزم بها كافة القوى والتيارات المكونة آنذاك للمجلس الوطني. الإخفاقات في التوصل إلى تفاهمات حول القضايا الأساسية، اصطدمت بتصورات آنية مرحلية، ومصالح حزبية، وسعي للاستحواذ على القرار، فوصل المجلس الوطني إلى مأزق، لم تستطع التوسعة التي استحدثها، أن تقوده إلى بر الأمان، بل كانت مؤشراً على استمرار الإشكاليات المتصلة بالتمثيل والمحاصصة. وفي الوقت نفسه كانت ثمة جهود تُبذل لإنشاء مؤسسات بديلة عن المجلس الوطني، كان الائتلاف الذي التقط الداعمون السياسيون للثورة السوريه خيوطه الأولى- أو أنهم نسجوها- الأوفر حظاً بما تلقّاه من دعم سياسي ومالي إقليمي ودولي مباشر.
تضمّنت تشكيلة الائتلاف، الشخصيات التي كانت تهيمن على المجلس الوطني، وتسببت إلى حدّ كبير في الأزمات التي عصفت به، وكان من الطبيعي، أن تنقل هذا الإرث من المشكلات، التي لم تعمل الأطراف المعنية بشكل جدي، على إيجاد حلول لها، إلى الإطار الجديد للمعارضة المتمثل بالائتلاف، يضاف إلى ذلك الطريقة التي تم فيها اختيار الأعضاء المؤسسين، بمعايير غير موضوعية، أثبتت تجربة العامين، خطأها.
تفتقد مؤسسات المعارضة، بشكل رئيس، إلى استراتيجية وطنية شاملة، تجيب على أسئلة الواقع السوري، ومتطلبات المرحلة، وآليات وخطط العمل من أجل الوصول إلى الأهداف الكبرى للثورة السورية، وهي الحرية واستعادة الكرامة الوطنية. عجز المجلس الوطني وكذلك الائتلاف في أي إنجاز من هذا النوع، مع تغير شبه دائم لمعطيات الواقع، بما قاد الثورة بعيداً عن الوصول إلى أهدافها التي قامت من أجلها. عمّت الفوضى صفوف المعارضة، وكان التشتت والشرذمة وتعدد مصادر التمويل سبباً مباشراً لذلك.
تتمحور الخلافات في مؤسسات المعارضة، حول الهيمنة عليها، والاستحواذ على مركز القرار، بما يعكس خلافات القوى الإقليمية الداعمة لكل من تيارات وأطراف المعارضة. لم تكن- حتى الآن- الخلافات حول قضايا جوهرية، معنية بخطط وبرامج عمل، أو حول سياسات المعارضة، وغير ذلك. بل إن الفساد السياسي والإداري قد لحق بجميع مكونات الائتلاف بشكل خاص، تبدّى ذلك في دوارات انعقاده التي تشهد في كل مرّة الخلافات ذاتها، مع تطور الانقسام بصورة أفقية وشاقولية، أصبح معها التوافق شبه مستحيل.
أدى ذلك إلى إضعاف المعارضة السورية أمام نظام الأسد، الذي يعمل ككتلة واحدة، مع أنصاره وداعميه. وفي الوقت الذي يواصل فيه النظام ارتكاب المجازر اليومية بحق السوريين، كانت مؤسسات المعارضة: الائتلاف بمكوناته السياسية وهيئاته الثلاث: الحكومة المؤقتة والأركان، تفتقد إلى شرعية التمثيل الثوري، الذي فشلت في الحصول عليه من الدور الذي يفترض أن تقوم به. هذه مسألة جوهرية، أطاحت بالمجلس الوطني، كما تطيح بالائتلاف.
ما تحقق فعلياً هو انكشاف ضعف المعارضة وهشاشتها، وعدم قدرتها على القيام بأي دور على الصعيدين الوطني والدولي. محلياً خسرت متانتها التي تحققت لها مع العام الأول للثورة، بالتفاف جماهيري واسع لقوى الحراك الثوري السلمي والمسلح، فاكتسب المجلس الوطني آنذاك شرعيته الثورية، التي لم يستطع المحافظة عليها، بسبب انغماسه في الخلافات، وابتعاده عن مهامه الأساسية، وبالتالي عدم تمكنه من مواكبة تطورات الفعل في الداخل السوري، أو الاستجابة الفعالة لمتطلبات، وغياب أي برامج رافعة للنضال الوطني ضد الاستبداد.
الائتلاف الوطني منذ تشكيله، لم يحظَ بالشرعية الثورية، وظل تشكيله مثار توجّس وقلق، ولم يستطع أن يبني جسور التواصل مع قوى الداخل والخارج، كإطار وطني شامل وجامع لمعظم قوى المعارضة. وفي ظلّه شهدت الساحة الوطنية تفرّقاً وفوضى في السلاح، التي كان المجلس الوطني، قد تغاضى عن إشراع أبوابها في ردهاته الخلفية. وفي حُمّى الصراعات على العضوية، والمكاسب والمناصب، والتحالفات مع القوى الإقليمية، افتقدت مؤسسات المعارضة القدرة على إقناع المجتمع الدولي، لتعزيز دعمه السياسي والمادي للثورة السورية، ليتراجع هذا الدعم إلى أدنى مستوياته، بسبب أداء الائتلاف والمجلس الوطني، دون أن نغفل الأسباب الجوهرية المتصلة بضعف أو برودة الدعم الدولي للثورة السورية، وهي أسباب تتصل ببنية المعارضة، ومستقبل الدولة والعلاقة مع إسرائيل. يضاف إلى ذلك أن القضية السورية، أضحت واحدة من تجليات الصراع الدولي في المنطقة، بما في ذلك دور إيران في المنطقة.
غير أن المعارضة السورية، بقياداتها التي لم تستطع إنجاز برنامج وطني، وإستراتيجية عمل واضحة، تتحمل مسؤوليات أساسية فيما آلت إليه الأوضاع في سوريا. لاشك أن نظام الأسد الإجرامي، يلعب دوراً محورياً غير مباشر، عبر أطراف إقليمية ودولية، تعمّق الإنقسام، وعبر اشتغاله على مكونات المعارضة في الداخل السوري وسعيه الدائم إلى تفتيت قواها، بكل الوسائل الممكنة وفي مقدمها القتل والتدمير والاعتقال والتهجير، فيما تقف المعارضة غير قادرة على فعل أي شيء. ويبدو النظام- حقيقة- أول وأهم المستفيدين من حالة المعارضة الهشة والمتردية.
يضاف إلى ذلك دخول قوى الظلامية الإسلامية المتمثلة بوجه خاص في جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” اللتين غنمتا فرص التسلح والفوضى القائمة في المناطق غير الخاضعة لسلطة النظام، لتملأ فراغاً عجز الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة عن المبادرة إلى ملئه، بتولي زمام الإدارة الانتقالية، التي تتولى خدمة المجتمعات المحلية.
لا شك أن ما يجري اليوم في أروقة الائتلاف الوطني من تخاصم، يعود إلى عقلية التهميش والإقصاء التي تمارسها أطراف محددة، وكذلك إلى غياب الفهم الحقيقي لجوهر الممارسة الديمقراطية، في ظل سيطرة قوى وأشخاص، تسبّبت جميعا في الابتعاد عن مسار الثورة السورية.. بل وضعتها في مهب الريح.
هل تعلّم الأميركيون من أخطاء الدرس الذي فرضوه على العراق، بعد إسقاطهم نظام صدام حسين، وهو أن أي نظام غير ديمقراطي يلي في بلداننا نظاماً استبدادياً، لا بد أن ينتج الإرهاب بديلاً حتمياً ووحيداً له؟
نصّب الأميركيون والإيرانيون نظاماً عراقياً، آلت قيادته، بعد سنوات من التخبط، إلى خبير في الأنشطة الأمنية السرية، هو نوري المالكي، الذي أقام سلطته على فئة عراقية واحدة، لها أغلبية عددية محدودة، وتمتلك وعياً تاريخياً بما تسميه "المظلومية"، يعبر عن نفسه، على الصعيد العام، من خلال توق جارف إلى السلطة والحكم، كما أقامها على جهاز أمن كبير ومتشعب وجيش جرار وحديث العتاد، دربه الأميركيون والإيرانيون، وأشرفوا عليه. وقد اتبع المالكي أساليب في الحكم ميزت بين المواطنين، وعرضت قطاعات واسعة منهم لعمليات قمع وملاحقة وإقصاء مستمرة، كانت جزءاً من سيرورة إنتاج وعي فئوي، يعزز غلبة طرف على طرف، ليس فقط على الصعيد السلطوي الداخلي، وإنما كذلك على صعيد العلاقات مع إيران: المرجعية الإقليمية للمالكي، المدعوم من مؤسستيها الدينية والعسكرية، وبصورة خاصة من جنرالات الحرس الثوري، الحاضرين بقوة في حياة العراق السياسية والعسكرية. وبالنتيجة، خال الأميركيون والإيرانيون أن هذا النمط من تنظيم الحكم أدخل العراق في مرحلة استقرار مديدة، وإن واجهت مشكلات هينة سيكون من السهل التغلب عليها من دون صعوبات تذكر.
لكن، لم تتفق حسابات البيدر مع حسابات الحقل، فقد أصيب النظام بالضعف، نتيجة القمع والفساد والملاحقات الأمنية بالذات، التي أرهقت الشعب والقوى السياسية في كل مكان من العراق، وخصوصاً في مناطقه الغربية، حيث أغلبية المواطنين من العرب السنة الذين دأبوا على تبني رؤى ديمقراطية ووطنية لمشكلات بلادهم، تتصل بالتوزيع العادل للثروة، والتنمية المتوازنة، والحقوق السياسية والقانونية المتساوية لجميع المواطنين، وبالتمثيل العادل للعراقيين في الحكم والسلطة، وأخيراً، بالحريات العامة واستقلال القضاء ونزاهته، وبالطابع الوطني لأجهزة الجيش والأمن.
" أي نظام لن يكون قوياً وحصيناً ضد الإرهاب، وقادراً على كبح جماحه، إذا لم يكن ديمقراطياً "
هذه المطالب التي كان من شأن تحقيقها تأسيس مناخ عدالة ومساواة، في بلادٍ تعاني من طائفية الحكم، وأثرها التخريبي على المجتمع، وكان من شأن تلبيتها إحداث نقلة مهمة نحو دمقرطة البلاد، وإخراجها من احتجازات داخلية وخارجية، لا مصلحة فيها لشعبها ودولتها، تحول بين العراق وانتهاج سياسات تمكّنه من بدء عملية تقدم مفتوحة، تخرجه من تاريخ حافل بالتخبط وبمآزق غدا أسيراً لها، على صعيد نظم حكمه وعلاقاتها مع شعبه. بعد عشرة أعوام من حكم فئوي، تبين أن ما أقيم في العراق لم يكن سلطة قوية، وأجهزة أمن وجيش فعالة وقادرة على مواجهة التحديات الداخلية، وبالضبط منها، التي تمثلها تنظيمات الإرهاب، ومع أن وضع العراق بدا وكأنه تحت السيطرة، فإن تكلفة ضبطه كانت ترتفع من يوم إلى آخر، بشرياً ومالياً، مادياً ومعنوياً. كما تبين كذلك أن سرطاناً حقيقياً كان ينمو بصور شتى في أحشاء الظلم والإقصاء، وعندما تحرك ظهر أن حجمه أكبر من قدرة الأجهزة القمعية والجيش على احتوائه والتغلب عليه، وأنه عصف بهما وتسبب في انهيارهما وإخراجهما من ثلث العراق في أيام قليلة، بينما تخليا عن معظم أسلحتهما ومقراتهما من دون مقاومة. فجأة، بدا أن هناك سلطة بديلة، قامت على أنقاض السلطة الحاكمة.
سارع الأميركيون إلى إقالة المالكي، واحتواء الكارثة التي حلت بجيش بلاد الرافدين وأمنها وحكومتها، فهل فعلوا ذلك، لأنهم أدركوا أن أي نظام لن يكون قوياً وحصيناً ضد الإرهاب، وقادراً على كبح جماحه، إذا لم يكن ديمقراطياً، ولم يعبر عن إجماع وطني حول الحكم، ولم يقم تطابقاً حقيقياً بينه وبين خيارات المجتمع يضعه في خدمته؟ وهل قرر الأميركيون تطبيق نموذج حل جنيف للأزمة السورية في العراق، لاعتقادهم أن إطاحة ديكتاتور يحتل رأس السلطة ضرورية لإنقاذ النظام وكبح جماح الإرهاب؟ وبالنسبة لنا في سورية: هل قرروا التخلي عن خيار الفوضى بديلاً للنظام الأسدي، وقبول الخيار الديمقراطي الذي طالب الشعب به عند بدء الثورة، وتعاون النظام والإرهابيون على دحره، وقاتلوا كل داع له ومطالب بتحقيقه، وأضعفوه إلى حد بعيد؟ هل قررت واشنطن قبول الديمقراطية ودعم أنصارها السياسيين والعسكريين، الموزعين على قوى ترفض الاستبداد السياسي القائم والبديل الإرهابي الداهم؟ وهل سنرى نتائج قرارها على الأرض، ميدانياً وعملياً، في الحقبة القريبة المقبلة، بعد خروجها من عوالم الشك والتوجس الملازمين سياساتها وطريقتها في رؤية مشكلات المنطقة وثوراتها؟ أعتقد أن حدوث تبدل في الموقف الأميركي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بترتيب أوضاعنا، كتيار ديمقراطي متنوع الانتماءات والقراءات، وبقدرتنا على التفاعل بإيجابية مع الجيش السوري الحر ووحدات المقاومة التي ترفض الخيارين الطائفي والمذهبي، وعلى التواصل مع الداخل السوري بطرق تعطيه الأولوية في خططنا وعملنا. وأخيراً، برغبتنا في أن نعمل لنكون حقاً بديل النظام القائم والإرهابيين في آن معاً. دفع درس العراق أميركا إلى البحث عن حلول بديلةٍ لنظامه، شجعتها على الانخراط في الصراع ضد الإرهاب، أهمها حكومة وحدة وطنية مستقلة نسبياً عن القوى الإقليمية، تضم، في الوقت نفسه، ممثلين عن معظم تيارات الداخل العراقي وتوجهاته. ترى، ألا يجب أن نقيم، نحن في سورية، وضعاً يقنع العالم أن بديل النظام الحالي سيكون ديمقراطياً، عبر إقناعه بأننا نحن، أيضاً، ديمقراطيون، وأننا بدأنا إقامة الظروف الكفيلة بجعل شعبنا يثق بصدقنا وجديتنا ويتفاعل بإيجابية مع ما نعده به: سورية الحرة، دولة العدالة والمساواة والكرامة؟
حينما سقطت الموصل في بداية الصيف الماضي بيد «داعش»، ليتبع ذلك سيطرتها على ثلث مساحة العراق، ولتتعزز أيضا سيطرتها على ثلث الأراضي السورية، أعلن تنظيم «داعش» دولة الخلافة. وصار يهدد بالتــمدد في مناطق اخرى من المنطقة العربية، بما فيها السعودية والكويت والأردن.
وقد تسبب هذا التطور بالارتباك والقلق بين أوساط صناع القرار في المنطقة والعالم، واتخذت واشنطن ومعها 40 دولة، من بينها دول الخليج وعلى رأسها السعودية قرارا بتشكيل تحالف دولي لمواجهته، والقضاء عليه. وساد اعتقاد في أوساط دول التحالف بأن «داعش»؛ الذي تغول في المنطقة؛ ليس سوى ناتج عرضي عن الأزمة السورية واستمرارها، وعن سياسات المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق الطائفية والاقصائية المدعومة من إيران. وبناء على ذلك الاعتقاد كان يجري الحديث عن أن القضاء على «داعش» يتطلب معالجة الأزمة السورية وإنهاء نظام الأسد، والإطاحة بالمالكي ليس فقط كشخص وانما كمنهج وسياسات. ويبدو أن الجزئية المتعلقة بالعراق وبالمالكي كان عليها اتفاق وإجماع، وكانت سهلة التحقق لوجود إجماع عراقي من جهة، ولحصول انتخابات في العراق قبل اشهر من سطوع نجم «داعش» من جهة ثانية، فحدث ما حدث وتم تغيير المالكي وانتخاب العبادي بدلا عنه، الذي تعهد واتفق مع الفرقاء السياسيين بالابتعاد عن سياسات المالكي في التفرد والطائفية والإقصاء والتهميش.. وبدأت العملية السياسية تنطلق مجددا على أسس تحظى بقبول عراقي عام، وبدأت خطوات التغيير.. ورغم ان التغيير لا زال في بداياته، يبدو أنه أتى أكله، كما يقال، اذ انتقلت العمليات العسكرية من الدفاع لمواجهة «داعش» الى الهجوم على مواقعه وتحرير المناطق التي سيطر عليها، وقد تحققت في هذا الإطار إنجازات مهمة معروفة والبقية آتية على الطريق.
أما في ما يتعلق بالشق السوري ونظام الأسد، فيبدو ان العملية معقدة، لأسباب عديدة، أهمها ثقل وحجم الدعم الخارجي الذي يتلقاه نظام الاسد من ايران وروسيا. واتجه تفكير دول التحالف إلى ضرورة تكثيف العقوبات الغربية على موسكو، ليس فقط بسبب أوكرانيا حتى – ان كانت هي السبب المباشر- وانما ايضا بسبب سوريا. كما ان التصلب الغربي في المفاوضات النووية مع إيران وعدم رفع العقوبات عنها من دون ابرام اتفاق نهائي كان ايضا سببه ليس الملف النووي بحد ذاته فحسب، وانما ايضا السياسات الايرانية في المنطقة، ولاسيما في سوريا والعراق واليمن. وتصادف ان أسعار النفط تراجعت لاسباب اقتصادية، ولما كانت روسيا وايران من الدول المصدرة للنفط، فقد جرى التفكير في ان يتم استغلال موضوع أسعار النفط لزيادة الضغط عليهما. فقد كانت هناك قرارات سيــاسية بالعمل على خفض اسعار النفط أكثر لتكثيف الضغط على الدولتين فكيف حدث ذلك، وما هي النتائج المتوقعة من ذلك؟
مع انخفاض أسعار النفط الى نحو 95 دولارا لأسباب متعلقة بالعرض والطلب في السوق العالمية للنفط (أي لأسباب اقتصادية)، اتخذت المملكة العربية السعودية قرارا بزيادة كميات الإنتاج، الأمر الذي أدى الى المزيد من التدهور في اسعاره، بل ذهبت الرياض أبعد من ذلك بأن خفضت أسعار النفط الخفيف المصدر إلى السوق الآسيوي خلال 3 شهور متتالية (وفق مؤشر دبي وعُمان)، كما أنها خفضت أسعار النفط الثقيل الذي يتم تصديره إلى أمريكا الشمالية ليصبح أقل من (مؤشر أرجوس) بنسبة 10٪. و»أرجوس» هو مؤشر أسعار النفط الثقيل والمتوسط في أمريكا الشمالية والخاص بنفط المكسيك والسعودية على سبيل المثال. أما مؤشر دبي وعمان فهو مؤشر أسعار الخام الخفيف في الأسواق الآسيوية.
وقد بررت الرياض زيادة إنتاجها بأسباب اقتصادية في مقدمتها: ان النفط هو مصدر أساس في دخل الاقتصاد السعودي، وبالتالي تراجع أسعاره قد تسبب في انخفاض هذا الدخل، وكان لابد من زيادة الانتاج لتعويض النقص وبهدف تحقيق الاستقرار في اقتصاد البلد. وكان ايضا من بين الأسباب رغبة المملكة في المحافظة على عملائها أو كسب عملاء جدد في السوق، فضلا عن رغبتها في أن تُخرج مستثمرين كبارا يعملون بقطاع الغاز الصخري من السوق، بحيث يصبح الاستثمار في هذا الميدان غير مجد مع انخفاض الأسعار.
ولكن يبدو أن الأسباب السياسية هي الأقوى في قرار المملكة بهذا الصدد بهدف زيادة الضغط على ايران وروسيا. وفي هذا الصدد يقول جون ألين جاي ، مؤلف كتاب «الحرب مع إيران: العواقب السياسية والعسكرية والاقتصادية»، إن الرئيس الإيراني حسن روحاني يشعر بعدم الارتياح إزاء انخفاض أسعار النفط الحالي، حيث وعد إبان حملته الانتخابية بتحقيق «الازدهار الاقتصادي»، وخفض التضخم، وأن تكون إيران واحدة من أكبر 10 اقتصادات في العالم خلال 30 عاما. وأشار تحليل جاي، الذي نشرته مجلة «ناشيونال انترست» الأمريكية، إلى أن إيران وضعت ميزانية العام الحالي على أساس أن سعر النفط 100 دولار للبرميل، وصادرات النفط 1.5 مليون برميل يوميا، وتفاءلت بعد أن وصلت أسعار النفط ذروتها في يونيو/حزيران الماضي، عند 113 دولارا للبرميل. وبالتالي فإن روحاني سيجد صعوبة في الوفاء بوعوده، وذلك من شأنه إضعافه في الداخل، بينما تكثف العناصر المحافظة في مجلس الشورى انتقاداتها، وقد ينضم المحافظون الأكثر اعتدالا إلى المعركة. وأضاف التحليل، أن تراجع سعر النفط يزيد من تكلفة الفرصة البديلة في حالة عدم التوصل إلى اتفاق، لأن هذا يقلل نفوذ إيران على طاولة المفاوضات، ومن وجهة نظر المتفائلين، فمن المرجح التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي وأن يكون مناسبا للغرب.
وفي اعتقادي ان المهم بالنسبة للسعودية ودول الخليج الاخرى هو ان تشعر ايران من خلال انخفاض اسعار النفط بوطأة تكلفة دعمها لنظام الأسد، وان استمرار هذا الدعم من شأنه ان يفقرها. وهو أمر ينطبق الى حد ما على روسيا التي صارت عملتها تتهاوى وصار اقتصادها يشعر بضرر بالغ نتيجة العقوبات الغربية بسبب اوكرانيا، ثم جاء انخفاض اسعار النفط ليزيد من كاهل المصاعب الاقتصادية ويفاقمها.
والحقيقة ان سؤالا يطرح بهذا الصدد، هل ان السعودية ودول الخليج لم تتضرر من انخفاض أسعار النفط، او انها اعتمدت الخيار الشمشوني؟
بالمنطق الاقتصادي، السعودية والدول الخليجية أول المتضررين من تراجع أسعار النفط، ولكن التكلفة الاقتصادية على روسيا وإيران جراء خفض أسعار النفط أكبر كثيرا من تكلفته على دول الخليج. لاسيما ان للسعودية ودول الخليج فوائض نقدية كبيرة تحققت لها خلال الفترة السابقة نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
ويبدو لي ان سياسة الضغط هذه من شأنها ان تحقق نتائجها، وقد برز ذلك خلال زيارة الأمير سعود الفيصل الى موسكو الجمعة الماضية، اذ طلب الجانب الروسي التنسيق بضرورة خفض كميات المعروض من النفط في الاسواق العالمية بغية رفع الأسعار، وقد تم الإيحاء من الجانب السعودي بأن التعاون يجب ان يكون في هذا المجال والمجالات الاخرى، في المقدمة منها الأزمة السورية والتعاون في مجال مكافحة الارهاب والاوضاع الاقليمية الاخرى، أي الوضع في العراق واليمن وليبيا والصراع الفلسطيني الاسرائيلي وايضا الوصول الى اتفاق نووي مع ايران بشكل مرض لجميع الاطراف الاقليمية، فضلا عن تفعيل العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وفي الصدد السوري لمحت موسكو إلى أنها لا تمانع في الاطاحة برأس النظام السوري على ان يتم الابقاء على مؤسسات الدولة والنظام في المرحلة الانتقالية، بما يحقق الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية على أساس «جنيف 1». وقد أبدت موسكو لأول مرة تفهما واسعا للمطالب العربية التي تحملها السعودية بخصوص الازمة السورية.
وفي رأينا ان التراجع الروسي في سوريا من شأنه ان يحفز التراجع الايراني ايضا، خاصة مع زيادة الضغوط الدولية عليها، ومع زيادة الضغط النفطي عليها. وهذا ربما سيسهم في الوصول الى تسوية من شأنها ان تتخلى فيها روسيا وإيران عن الأسد.
مفارقة، ولكنها بحاجة إلى مزيد من التدقيق لفهم أبعادها. دولة الإمارات تعتبر أحد أهم التجمعات الإسلامية في السويد (الرابطة الإسلامية في السويد) منظمة إرهابية، في حين هم ينفون أي علاقة لهم بأي جماعة سياسية، إضافة إلى ذلك تم تصنيف جمعية الإغاثة الإسلامية ضمن المنظمات الإرهابية، علماً بأنها تتلقى أموالاً من دافع الضرائب السويدي عبر وكالة التنمية السويدية. وهكذا فإن الدولة التي تعد من بين الدول الأكثر علمانية واللا دينية في العالم هي اليوم في موقع الشبهة بخصوص وجود أنشطة داعمة للإرهاب على أراضيها.
ردود الفعل الأولية على ذلك تشير إلى حيرة وعدم فهم، ولكن وفي السياق الأوسع وضمن أوروبا ككل، وبغض النظر عن الموقف من قائمة الإمارات، فإنه لا يمكن إغفال أن القارة بمجملها أصبحت بالفعل مركزاً للتجنيد بالنسبة للمنظمات التي توجه المقاتلين إلى سوريا والعراق، للالتحاق بتنظيم «داعش» وأخواته. أما السويد فتعد بحسب الدراسات من أهم مراكز جمع التبرعات والتمويل للجماعات الإرهابية المرتبطة بـ»القاعدة». ومن المهم الإشارة هنا إلى أن أحد أهم قادة «حركة الشباب الصومالية» فؤاد شنغولي يحمل الجنسية السويدية، وكان مقيماً لسنوات طويلة في السويد، تمكن خلالها من جمع الكثير من التبرعات. وفي نظرة سريعة على عموم القارة الأوروبية يتكرر المشهد بدرجات مختلفة. وفي إحصائيات صادرة مؤخراً، كانت نسب التجنيد الأعلى لصالح الجماعات المقاتلة في سوريا، هي في بلجيكا قياساً إلى عدد السكان، ولكن فنلندا الاسكندنافية كانت الأعلى في نسبة التجنيد بين أبناء الجاليات المسلمة فيها. أما كوبنهاغن عاصمة الدنمارك فقد أوقفت الشرطة فيها قبل أسابيع أشخاصاً يبيعون تذكارات وميداليات تحمل شعارات «داعش». وخلصت تقارير أمنية أوروبية إلى أن فيينا أصبحت قبلة جهاديي أوروبا ونقطة تجمعهم في طريقهم إلى سوريا عبر البلقان ثم تركيا.
ولا يتوقف التجنيد في أوروبا على الجاليات المسلمة، بل ان عدداً لا بأس به من الأوروبيين الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً تطوعوا للقتال. وقد يكون السبب في ذلك هو الرغبة في اختصار المراحل ودخول الجنة بسرعة، حسبما يقول بعض الباحثين.
المحصلة أن ما كانت تأمل فيه دول أوروبا مع نهايات عام 2013 في خفض معدلات تدفق الجهاديين إلى سوريا من أوروبا لم يتحقق، بل على العكس، إذ يبدو أن معدلات التأييد لـ»داعش» ومحاولات الالتحاق به أصبحت أكبر في هذه الفترة. السلطات الأوروبية شعرت ببعض التفاؤل بسبب النجاحات الجزئية لبرامج إعادة دمج وتأهيل الجهاديين العائدين من القتال إلى بلدانهم، حيث تأمل تلك البرامج في إزالة الخطر المحتمل لأولئك العائدين، و»نزع راديكاليتهم»، ولكن التدفق لم يتوقف.
المشكلة في النظرة الأوروبية للمسألة أنها قاصرة كلياً عن فهم ذهنية التنظيمات الإرهابية، وما زالت معظم الاستراتيجيات الأوروبية تتعامل مع «داعش» من ناحية الخطر الذي تشكله على تلك البلدان نفسها. والواقع أن التنظيمات السلفية الجهادية رغم كونها متقاربة فكرياً ولديها القدرة على التحالف والاندماج والإمداد المتبادل، إلا أنها تختلف في التعقيد اللوجستي والتقني والمالي، عدا عن التغيير في النظرة الميدانية العملياتية. فتنظيم «القاعدة» تراجع كثيراً إلى الخلف إلى الحد الذي يمكن القول فيه إن أيمن الظواهري أصبح زعيماً فخرياً لا فعلياً، حيث لم يستطع أن يملأ الفراغ الذي خلفه أسامة بن لادن. الطبيعة تكره الفراغ، ولهذا ظهرت قيادات ميدانية مختلفة ، بعضها نما إلى حجم إعلان خلافة مثل البغدادي، فيما بعضها الآخر ما يزال صغيراً. ومع ذلك فإن التطور المهم من ناحية أهداف تلك التنظيمات تمثل في الانتقال من استهداف أمريكا والغرب في فترة قوة «القاعدة» إلى هدف السيطرة على الأرض وفرض سلطتها على ساكني تلك الأرض وحكمهم ضمن الأيديولوجيا المتشددة لتلك التنظيمات، والاستفادة من خيرات تلك الأرض ونفطها وثرواتها. وهكذا فإن جهد «داعش» وغيره من المجموعات السلفية الجهادية غير منصب في هذه المرحلة على إيذاء الغرب، وإن كان من غير المستبعد تنفيذ بعض العمليات المتفرقة كنوع من الانتقام أو التكتيك المرحلي.
الأوروبيون يرون في تجربة سوريا والعراق خطراً مستقبلياً يماثل ما واجهوه عند انتهاء حرب أفغانستان، أي عودة جماعية للمقاتلين وانخراط نسبة منهم في عمليات إرهابية في أوروبا. ولكن تلك النظرة لا تلاحظ بشكل كاف ما يعانيه سكان المنطقة نفسها من ويلات «داعش» وغيره. وفي حالات معينة مثل حالة الأيزيديين ومسيحيي الموصل وأكراد كوباني كان هناك اهتمام كبير، ولكن النسبة الكبرى لضحايا «داعش» هي من سكان المناطق السنية التي يسيطر عليها هذا التنظيم، لم تحظ بكثير اهتمام. كما أن النظرة الأوروبية عاجزة عن التعامل مع أسباب نجاح التجنيد على أراضيها، وما تزال غير قادرة على التعامل مع شيوخ ودعاة يقومون علناً بتشجيع الشبان على الالتحاق بالقتال. وإلى جانب عوامل كثيرة متفرقة فإن أهم عاملين ينجحان في دفع المزيد من الشباب الأوروبي إلى سوريا والعراق هما ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل من ناحية، والصراع السني ـ الشيعي من ناحية أخرى. وقد أصبح من الشائع أن ترى في مساجد بعض المدن الكبيرة – وحتى الصغيرة – شعارات تتعلق بـ»أهل السنة والجماعة» وهو ما لم يكن يجري التطرق إليه سابقاً.
اليوم ومع وصول المقاتلين الأوروبيين في سوريا إلى عدة آلاف، ومع وجود دعاة يقومون بالتجنيد بشكل مستمر في كل أنحاء القارة، ومع تحول عاصمة الموسيقى فيينا إلى نقطة تجمع للمقاتلين الذاهبين إلى سوريا، فيما عاصمة اللادينيين ستوكهولم من أكبر مراكز تجميع الأموال للإرهاب وبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي تشهد أعلى نسبة تجنيد في أوروبا، في ضوء كل ذلك يمكن القول وبكل ثقة أن أوروبا تحولت بالفعل إلى مصدّرة للإرهاب.
"في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية" هذه المقولة الشهيرة لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص يؤكد فيها أن الحرية وحدها لا تكفي للاستمتاع بمخرجاتها وهناك بون شاسع بين الفكرة ونتائجها.
طالب ثوار سورية منذ البداية بالحرية باعتبارها الشرط الكافي لتحقيق المطالب الأخرى في التخلص من حكم آل الأسد، لكنهم لم ينجحوا في تطبيقها وممارستها بالشكل المطلوب لصالحهم عندما أتيحت لهم الفرصة لذلك، سواء في المناطق المحررة أو ضمن مؤسسات وهيئات المعارضة المختلفة في الخارج.
فشل المعارضة في إدارة شؤونها وتقدير مصالح الثورة أوصلها في النهاية لحالة هامشية سواء بالنسبة للداخل أو تجاه الدول الصديقة وابتعادها عن دائرة صنع القرار المتعلق بالثورة ومستقبل البلاد أو حتى مجرد التأثير فيه.
من بين اجتماعين فقط للمعارضة حضرتهما شخصيا بدعوة خاصة كان أحدهما في اسطنبول في حزيران 2012، وهو مخصص لتشكيل لجنة مهمتها التحضير لمؤتمر يجمع أطياف المعارضة في القاهرة، واستمرت الاجتماعات يومين بلا طائل. ولم يبدُ لي وقتها أن حضور ممثلي الدول الصديقة لفرض أسماء معينة في اللجنة بقدر سعيهم لتحديد مهامها وصلاحياتها بعكس المعارضين الذين كان همهم وشغلهم الشاغل طرح أسماء معينة لتمثيلها في اللجنة مع أن عدد الحاضرين كان محدودا وغير كبير.
خصص مجلس الشعب قبل الثورة إحدى جلساته لاتخاذ قرار بخصوص الموقف من المشاركة في اجتماعات البرلمان العربي المزمع انعقاده في أربيل بكردستان بدلا من بغداد بسبب الظروف الأمنية وقتها، وﻷن دور مجلس الشعب كان شكليا وليس له الحرية في اتخاذ القرار فقد وقع أعضاء المجلس في حيرة شديدة من أمرهم في معرفة اتجاه التصويت الذي تريده القيادة السياسية والذي عليهم العمل عليه، وساهم في ذلك عدم وجود توجيه مسبق من الشعبة الحزبية للأعضاء مما سبب بخلق حالة من الفوضى وقام رئيس المجلس بإعادة التصويت على القرار عدة مرات دون جدوى بغية تحويله من الرفض إلى القبول بالمشاركة.
تشكيل اللجنة التحضيرية لاجتماع المعارضة لم يتم في نهاية المطاف سوى باقتراح ملزم قدم لهم من ممثلي الدول الحاضرة للاجتماع حيث تمت الموافقة عليه فورا دون نقاش وبدا أن يومين من الاجتماعات ضاعا دون جدوى.
في المقابل فإن جلسة مجلس الشعب السابقة الذكر تم تعليقها بعد كل ما حصل وخرج الأعضاء يناقشون بحدة واستغراب مجريات الجلسة وصرح أحدهم بأنه من غير الممكن أن يعمد المجلس لتعديل قراره على العكس من رغبة الأعضاء وأن ذلك يمثل خيانة لمبادئ حزب البعث القومية، ولن يصوت هو على أي قرار لو سارت الأمور بهذا الاتجاه، ولكن الشعبة الحزبية أصدرت تعليماتها وتم في اليوم التالي التصويت خلال دقائق فقط بالموافقة على قرار الحضور وكان ذلك العضو أول الأعضاء الذين يرفعون أيديهم عالبا بالموافقة.
وفق الآليات التي كان يعمل بها النظام قبل الثورة، ربما يمكن فهم وتبرير ما حدث في اجتماع مجلس الشعب السايق الذكر، لكن غير المفهوم أو المبرر هو عجز أعضاء المعارضة عن اتخاذ قرار بتسمية أعضاء اللجنة وإسناد ذلك للغير رغم أنهم ممثلون مفترضون لثورة أولى شعاراتها وأهدافها الحرية.
رغم تخلصها من سيطرة النظام إلا أن حالة من الفوضى سادت المناطق المحررة بسبب عدم القدرة على إدارتها ذاتيا، ما أثار موجة من ردود الأفعال العكسية ضدها كما أثار فشل المعارضة في تقديم مشروع سياسي وطني جامع ومقنع شكوك دول الأصدقاء وعدم اعتمادها المعارضة بديلا عن النظام لفشلها الذريع في تنظيم العمل ضمن مؤسساتها المختلفة. ومن هنا يأتي من يحمل المعارضة مسؤولية تاريخية في إفشال الثورة وعدم تحقيق أهدافها.
لماذا تخلت المعارضة عن حريتها المكتسبة، ولم تحتفظ بقرارها المستقل لصالح الشعب السوري، ووقعت فريسة للتجاذب والاستقطاب الإقليمي والدولي.
لماذا يستمر السوريون في التخلي عن حريتهم في تحديد طريقة حياتهم ومستقيلهم السياسي، وهل يمكن القول إن ذلك صفة ملازمة لهم لا يمكن الخلاص منها
تستند مواقف المسؤولين في مؤسسات النظام حيال قراراته إما إلى مصلحة أو قناعة بها أو بسبب الإدراك باستحالة تغيير أي شيء يقرره النظام عبر دائرة القرار الضيقة والغامضة بعيدا عن المؤسسات الدستورية والقانونية الموجودة والتي ينحصر دورها في تنفيذ قرارات وتوجيهات القيادة الحكيمة والرشيدة للبلاد.
يتذرع المعارضون باستمرار لتبرير فشلهم بحالة التصحر السياسي التي سادت البلاد لعقود وسببت غياب العمل المؤسساتي الحقيقي ومنع منظمات المجتمع المدني الحرة من العمل، ولا يفهم كيف لم يساهم كل هذا الوقت الطويل من عمر الثورة لتجاوز ذلك. ويبدو أن المعارضين يركزون على العوامل الموضوعية ويتهربون من الخوض في العوامل الذاتية المتعلقة بشخصيات المعارضة التي ظهرت فيها حالات واسعة من الأنانية والفردية والنرجسية ولم ترقَ تصرفاتهم لمستوى تضحيات الشعب السوري وتضحياته العظيمة.
ومن اللافت ظهور حالات واسعة من الفساد تم ارتكابها من معارضين خلال فترة قصيرة نسبيا حيث عملت مؤسسات المعارضة بدون مساءلة أو شفافية.
فشل المعارضة في الاستفادة من مناخ الحرية المفتوح أمامها شكل ضربة قاسية للهدف الأساسي للثورة، وبات الحديث يدور حول جدوى الحرية كفكرة مجردة في حال عدم الاستفادة منها بالشكل الأمثل لصالح الناس. واستغل بعض مؤيدي النظام ذلك للحديث عن عبثية الثورة ومسؤوليتها عن الحالة المأساوية التي وصلت إليها البلاد.
بالمحصلة لا تكفي الحرية وحدها كفكرة أو تطبيق مجرد في تحقيق شيء وبالعكس فقد تساهم في خلق حالة من التشرذم والخلافات والفوضى العارمة، ومؤكد أنه بلا وعي أو ضوايط أو آليات للعمل والمراقبة فإن الحرية تنقلب من نعمة إلى نقمة.
ويبقى المشهد الأكثر قساوة على السوريين منظر جنود الأسد وهم يعذبون أحد المنتفضين المطالبين بالخلاص من النظام ... بدكن حرية ... هكذا يصرخ جنود الأسد بتهكم في وجهه وهم يعذبونه ويدوسونه بأقدامهم ويصرخون في وجهه "هاي منشان الحرية".
في حين كان الانتباه العام منصرفاً إلى ما يُسمّى "الصراع الشيعي/السني" في المنطقة، واعتبار سوريا حلقة مركزية فيه، غاب إلى حد كبير الاهتمام بالصراع "السني/السني" في المنطقة، إذا شئنا استخدام المفردات نفسها لوصف صراع متعدد الأوجه لا يتوقف عند الملمح الطائفي فحسب. وإذا كان واضحاً تحكم المرجعية الإيرانية في المقلب الآخر، حيث لا يخفي المسؤولون الإيرانيون ضلوعهم المباشر في بؤر النزاع الممتدة من صنعاء إلى لبنان، لا يمكن الزعم بوجود تنسيق من أي نوع على "المحور السني" الذي يغلب عليه التشتت أو التنافس، وحتى الاحتراب الداخلي، الأمر الذي تجلّى تحديداً من خلال الساحة السورية واستخدامها مكاناً ووسيلة لتصفية الحسابات.
منذ الوقت الذي بدا فيه النظام السوري آيلاً إلى السقوط ظهر التنافس على أشده ليسعفه بتشتيت معارضيه، على المستويين العسكري والسياسي. وإذا ظهر إسقاط الأسد آنذاك ممنوعاً بقرار دولي "أميركي تحديداً" فإن سلوك أصدقاء المعارضة الإقليميين لم يساعد مطلقاً في تشجيع الإدارة الأمريكية على توجه مختلف. "الأصدقاء" كان لهم الدور الأبرز في إضعاف وتفتيت أطر المعارضة السورية، بما فيها تلك التي اتفقوا في وقت سابق على دعمها، وكان لهم الدور الأبرز في انقسام الفصائل المسلحة. ولم يتوقف الخلاف عند الانقسام بل تعداه في كثير من الحالات إلى اقتتال داخلي يعكس تصفية حسابات بين الداعمين المختلفين، وكأن النظام سقط وحان وقت النزاع على تركته.
من المغالطات الشائعة على هذا الصعيد تصوير إيران كمنتصر في الحرب السورية، لأن الصراع في سوريا وعليها انتزعها من الاحتكار الإيراني السابق على الثورة السورية، ما اضطرها إلى إنفاق الكثير من الدعم العسكري والاقتصادي لاستعادة النفوذ السابق، مع تلميحات وتسريبات عن موافقتها على تقاسم للنفوذ يُبقي لها حصة "الأسد". لم تتعرض إيران لهزيمة سورية كاملة بسبب الانقسام في الصف الآخر، وأيضاً بسبب عجز هذا الصف عن تظهير بديل سوري قوي ومُتفق عليه. المكسب الإيراني الأكبر هو في أن الصراع معها لم يكن له الأولوية كما يجري تضخيمه في وسائل الإعلام، إذ لا اتفاق في ذلك مثلاً بين تركيا وقطر اللتين يتقارب موقفهما أحياناً من الشأن السوري على وقع الخلافات الخليجية، وبالتأكيد لا اتفاق مطلقاً بين السعودية وتركيا اللتين تخوضان نزاعاً ضروساً على أرضية خلافهما الحاد حول انقلاب السيسي في مصر. وعلى رغم اتفاق دولة الإمارات التام مع توجه السعودية المصري إلا أن مقاربتها للشأن السوري يكتنفها الكثير من الشبهات حول اصطفافها إلى جانب النظام.
وإذا كان انقلاب السيسي في مصر قد أزّم العلاقات الخليجية/الخليجية، وأزم علاقة السعودية بتركيا، إلا أن العلاقة بين المحور السعودي وتركيا لم تكن في أحسن حالاتها قبل ذلك، وهذا في حد ذاته أمر لافت بين بلدين كادت مواقفهما أن تتطابق حينها في شأن عدم المساومة مع نظام الأسد. وأكثر ما يلفت الانتباه هو غياب التنسيق مع تركيا التي تعادي الأسد وتمتلك أكبر حدود مع سوريا، الحدود التي أصبحت شبه مفتوحة مع تحرير معظم مدن الشمال السوري من حيث المساحة والثقل. تظهر أهمية ذلك أكثر فأكثر مع ارتهان السعودية إلى الممر الأردني لدعم الفصائل المسلحة التي تمولها، ومن المعلوم أن المعبر الأردني مُمسك بقوة وتحت الملاحظة الدقيقة للإدارة الأمريكية التي أوقفت عبور المساعدات في العديد من المناسبات الحاسمة. بل إن تقدم "الثوار" في الجبهة الجنوبية يسير غالباً بما لا يقطع الشعرة بين الحكومة الأردنية والنظام السوري؛ هكذا مثلاً لا تقتحم فصائل المعارضة معبر نصيب بصفته المنفذ الأخير للنظام على الأردن، ولا تقطع الأوتوستراد الدولي بين عمان ودمشق.
لقد تسلل الغموض الأمريكي وتناقضاته إزاء الملف السوري بين شقوق المحور السني المزعوم، ومن هذه الجهة على الأقل يتبين تهافت المحور الذي لم يكن له وجود في الواقع، وجرى تسويقه إعلامياً لخدمة المحور الآخر، ولخدمة السياسة الأميركية الحالية في المنطقة. ما أظهرته ساحة الصراع السورية أن التناقضات ضمن "المذهب" الواحد أعمق من التناقض الطائفي المفترض، ولئن دفع السوريون من دمائهم ثمن تلك التناقضات فلأن الساحة السورية صارت مفتوحة لكل اللاعبين الإقليميين الكبار، ومن السذاجة الظن بأن وحدة المذهب كافية لإذابة الخلاف في المصالح السياسية ضمن الإقليم، أو حتى ضمن سوريا نفسها. مع ذلك، ما حصل لم يكن الخيار الوحيد المتاح، إذ كان في وسع الدول المتنافسة على تركة إيران في سوريا أن توازن بين أولوية الانتهاء من النفوذ الإيراني ووراثته تالياً، إلا أن قصر النظر السياسي، وليس التهافت والتقاعس المذهبي، هو ما سيجعل المكاسب أقل من المأمول.
أصلاً، لا مصلحة للسوريين في محور "سني" صلب، كما يتراءى للباحثين عن منازلة إقليمية كبرى، لأنهم مرة أخرى سيدفعون بدمائهم ثمنها. مصلحة السوريين هي في سياسة إقليمية رشيدة حقاً، وفي ألا يُستخدموا لتصفية الخلافات العالقة في ملفات أخرى. فوق ذلك، لا مصلحة للسوريين في أن تتعين الخلافات الإقليمية على أرضهم بين مزاعم الاعتدال والتطرف الإسلاميين.
فماهي أسباب هذه الإستقالة أو " الإقالة " المتوقعة والغير مفاجئة !
لابد من التعريف بالوزير تشاك هيغل وبخلفياته السياسية , تشاك هيغل هو أحد السيناتورات ( الجمهوريين ) وقد عينه الرئيس الأميركي أوباما في منصب وزير الدفاع لكي بنزع تخوف الجمهوريين من السياسات العسكرية لأوباما ( الديمقراطي ) . ولكن أوباما استخدم هذا التعيين لكي يكون واجهة لأخطاء كثيرة وقع فيها أوباما إن كان على صعيد سياسته العسكرية أو الخارجية .
وبعد انتقادات علنية كثيرة " والإنتقادات الأكثر والأعنف كانت في الغرف المغلقة والإجتماعات المنفردة " من قبل هيغل على هذه السياسات , فقد طلب أوباما من السيناتور الجمهوري أن يقدم طلب استقالته .
إسرائيل , من المعروف عن الوزير هيغل أنه دائما مايغرد خارج السرب بالنسبة لولاء المسئولين الأميركيين الأعمى لإسرائيل والوقوف معها في كل ماتقوم به , مع بعض الإنتقادات التي يقومون بها للحفاظ على بعض ماء الوجه أمام المجتمع الدولي .
وقد تعايش الرئيس الأميركي مع انتقادات هيغل للسياسة الأميركية تجاه إسرائيل ولم تعد إعتراضات هيغل على سياسات اوباما تجاه إسرائيل تؤرق مضجعه .
بشار , في نهاية الشهر الفائت صرح هيغل بان ضربات التحالف الدولي الجوية ضد تنظيم داعش قد تساعد نظام بشار على البقاء وعلى السيطرة على المناطق التي ستنسحب منها قوات تنظيم الدولة "داعش تحت تأثير الضربات الجوية للتحالف الدولي .
وهذه الإستفادة لنظام بشار ستكون مخالفة لسياسات أميركا " المعلنة " ومخالفة لتصريحات الرئيس الأميركي التي أعادها وكررها عشرات المرات بأن بشار قد فقد شرعيته وعليه التخلي عن السلطة .
تنظيم الدولة " داعش " , لايخفى على أي متابع للأوضاع في سورية والعراق على فشل ضربات التحالف الدولي بوضع حد لتحركات داعش إن كان في سوريا أو في العراق , ففي العراق نرى أن تنظيم " داعش " ينسحب من مناطق ويتقدم في أخرى ومركز مدينة الرمادي ليس عنا ببعيد وقاعدة الحبانية التي تحوي على عدد لابأس به من الأميركيين ,وهؤلاء الأميركيين إن وقعوا في أيدي داعش فسيكون لهم تأثير كبير على الحملة الدولية ضدها وقد تضع نهاية غير سعيدة لهذا التحالف ولهذه الضربات الجوية .
أميركا , جميع الأميركيين من شعب وسياسيين , وجميع المتابعين للسياسة الدولية يعلمون أن السياسة الخارجية في عهد أوباما , بل وأصبحت السياسة الخرجية الأميركية في كثير من الأحداث مجرد سياسة تابعة للسياسات الخارجية الروسية وتنازلت أميركا عن كثير من القضايا لصالح روسيا , ويمكننا القول بأن الملف السوري هو خير دليل على تبعية أميركا للسياسة الروسية إذا ماقارنا سياسة أوباما في ليبيا وتدخله العسكري فيها وسياسته الحازمة في الملفين المصري والتونسي , وكيف رفع الغطاء عن زين العابدين بن علي وعن حسني مبارك , وهنا نعيد التذكير بملف التبعية الأميركية لإسرائيل .
بالنتيجة نرى أن منصب وزير الدفاع الأميركي هو منصب مهم جدا , ولكن أوباما جعله مطية لتنفيذ سياسات خرقاء في أصعب واخطر الملفات الملتهبة عالميا .
ولأن هيغل هو من الحزب الجمهوري وأوباما من الحزب الديمقراطي , ولكي لايتحمل الجمهوريين نتائج هذا الفشل الديمقراطي ولكي لايؤثر عليهم في الإنتخابات الأميركية القادمة .
ولنفس السبب من جهة الديمقراطيين ولكي يحاولوا توريط الجمهوريين معهم في هذا الفشل .
فقد تمت إستقالة وإقالة وزير الدفاع الأميركي .
هي مصلحة حزبية بحتة وسعي لإقناع الناخب الأميركي بالتصويت للحزب الذي يتبع له تشاك هيغل أو أوباما وليس فيها أي نوع من محاولة إحقاق الحق وإبطال الباطل .
أكثر من نصف مليون فلسطيني كانوا يعيشون في سورية، موزعين على تسعة مخيمات تعترف بها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وثلاثة لا تعترف بها الوكالة، بالإضافة إلى مخيمي الحسينية وبرزة، اتسم وضع اللاجئين الفلسطينيين في سورية سابقاً بالنموذجية، خصوصاً إذا ما قورن مع أوضاع أهلهم في دول الجوار، فقد منحت سورية الفلسطينيين اللاجئين فيها جميع حقوق المواطنة، باستثناء حقي الترشح والانتخاب.
66 عاماً مرّت على بدء وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى سورية، اندمجوا فيها بشكل كبير مع المجتمع السوري، حيث لم تكن مخيماتهم معزولة، بل كان معظمها متداخلاً مع المناطق المجاورة، فلا حدود واضحة تعزل مخيماتهم عن محيطها، وكحال الشعب السوري، عانى اللاجئون الفلسطينيون في سورية الكثير في السنوات الأربع الأخيرة، فقد استشهد منهم 2535 لاجئاً، وفقاً لإحصاءات نشرتها مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، مطلع الشهر الجاري.
أربع سنوات من الحرب لم يسلم فيها مخيم من المخيمات من قصف أو انفجار سيارة مفخخة، أو اشتباكات أو حصار، ولعل مخيم اليرموك من أكثر المخيمات الفلسطينية تضرراً في سورية، اليرموك الذي سميّ عاصمة الشتات الفلسطيني، لما يتمتع به من مكانة معنوية عند اللاجئين الفلسطينيين، عاش أهاليه منعطفات كبيرة في السنوات الأخيرة، أبرزها القصف الجوي الذي استهدف مسجد عبد القادر الحسيني في ديسمبر/ كانون أول 2012، وما تلاه من انشقاقات في صفوف الجبهة الشعبية – القيادة العامة، الموالية للنظام، وما رافقها من سيطرة الكتائب المحسوبة على المعارضة السورية المسلحة على المخيم، وما لحقه من حصار مشدد، فرضه الجيش النظامي، مدعوماً من فصائل فلسطينية موالية له، حيث نزح نحو مليون فلسطيني وسوري منه، فيما يعاني حوالى 20 ألفاً من المدنيين المتبقين ويلات الحصار، فقد استشهد "155" منهم بسبب الجوع ونقص الدواء، وحتى هذه اللحظة، يرزح المخيم تحت حصار مشدد، فلا خبز ولا ماء للأصحاء، ولا دواء للمرضى، لم يكن الحصار سبباً في تشتت اللاجئين الفلسطينيين من اليرموك إلى البلدات السورية والبلدان المجاورة فقط، بل كان سبباً في هجرة الآلاف منهم إلى الدول الأوروبية، راكبين ما يعرف بقوارب الموت، غير مبالين بمخاطرها، فلم يبق أمامهم من شيء يراهنون عليه سوى حياتهم.
إن كان وجود مجموعات محسوبة على المعارضة السورية المسلحة حجة النظام السوري بحصار مخيم اليرموك، فما حجته بحصار مخيمي السبينة والحسينية اللذين يُمنع سكانهما من العودة إليهما منذ أكثر من عام؟، فالمخيمان يخضعان لسيطرة النظام بشكل كامل، بعد أن تمكن الجيش السوري النظامي، مدعوماً بفصائل فلسطينية، من فرض سيطرته التامة عليهما، إذاً لماذا الحصار؟ ذلك السؤال الذي لا يزال معلقاً منذ ذلك الوقت.
وفي حلب التي يوجد فيها مخيم حندرات والنيرب، تسيطر مجموعات المعارضة المسلحة على الأول كاملاً، ما دفع جميع أهاليه إلى مغادرته، منذ أكثر من عام ونصف، فكانت الاشتباكات العنيفة والمعاملة السيئة التي تلقاها اللاجئون من مجموعات معارضة، من أبرز الأسباب التي أدت إلى عدم عودتهم إلى المخيم، يضاف إليها استهداف المخيم المستمر بالقذائف والبراميل المتفجرة. أما مخيم النيرب الذي يتمتع بأهمية استراتيجية للطرفين، بسبب مجاورته مطار النيرب العسكري، فيعيش أهاليه تحت سيطرة الجيش النظامي والمجموعات الموالية له، وسط إجراءات أمنية مشددة دفعت شباباً عديدين من المخيم إلى تركه، خشية الاعتقال، أو إجبارهم على الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.
وبالانتقال إلى جنوب سورية، نرى أن مئات من عوائل مخيم درعا نزحوا عنه، بسبب القصف العنيف والمتكرر بالبراميل المتفجرة والقذائف الثقيلة، والتي أدت إلى دمار ثلثي منازل المخيم، إضافة إلى غياب الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة، ما دفع أهاليه لتركه، بحثاً عن الأمن الذي افتقدوه.
وفي ريف دمشق، يعيش مخيم خان الشيح حالة من الحصار الناعم، بسبب إغلاق جميع الطرق التي تربطه مع مركز العاصمة، ما يدفع اللاجئين فيه إلى سلوك أحد الطرق الفرعية، وهو طريق "زاكية – خان الشيح"، مخاطرين بحياتهم وحياة أبنائهم، في محاولة منهم لتأمين بعض الحاجيات لأبنائهم، حيث تعرض لاجئون عديدون للقصف والقنص، عند مرورهم على ذلك الطريق.
أما مخيمات العائدين في حماة، والعائدين في حمص، والرمل في اللاذقية، وجرمانا وخان دنون، وبرزة، والسيدة زينب في ريف دمشق، فتعيش نوعاً من الاستقرار من الناحية الأمنية، حيث تقع جميعها في مناطق خاضعة لسيطرة النظام، وبعيدة نسبياً عن مناطق الاشتباك، إلا أن معاناة الأهالي، الاقتصادية والمعيشية، حيث تنقطع الكهرباء والمياه ساعات طويلة، إضافة إلى غلاء المعيشة وارتفاع إيجارات المنازل، وانتشار الحواجز الأمنية التي تضيق عليهم حركتهم.
اليرموك، الحسينية، السبينة، حندرات، وخان الشيح ودرعا، مخيمات كانت تستوعب أكثر من ثلثي اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على البحث عن مكان آخر داخل سورية أو خارجها، فقد وصل الأمر إلى أن يهرب آلاف منهم إلى البلدان الأوروبية، سالكين أخطر الطرق البحرية والبرية، للوصول إليها.
تعرضت المخيمات الفلسطينية في سورية للاغتيال المادي والمعنوي، ودفع آلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى ترك مخيماتهم يطرح تساؤلات عديدة، أهمها هل يعلم النظام في سورية أنه ينفذ أجندات ضد اللاجئين الفلسطينيين؟ وهل يدرك أن استهداف المخيمات الفلسطينية في سورية خدمة مجانية للصهاينة؟ هل يذكر أن شارون توعد مخيم اليرموك في يوم من الأيام، وقال له "لك يوم يا مخيم اليرموك"؟
مع الثورة السورية، كنا أمام نماذج عدّة من المثقفين/السياسيين السوريين: الشعبوي، مثقف البلاط، الحيادي، الانتهازي، الأيديولوجي، الطائفي، الثوري، العقلاني، الثوري العقلاني.. إلخ. واللافت أن مواقف هؤلاء، جميعاً، تحدّدت منذ اليوم الأول للثورة، ولم تطرأ أي تعديلات جوهرية على خطابهم وتصوراتهم ومواقفهم، خلال السنوات الأربع الماضية، على الرغم من زخم الحوادث والمسارات المتعرجة للواقع وتغيراته المتنوعة.
لكن، في الحقيقة، كنا أمام نموذجين فاقعين وطاغيين، عموماً، للشخصيات العاملة في المستويين، الثقافي والسياسي، وهذان النموذجان حدّدا، أيضاً، مسارات المعارضة السورية، واصطفافاتها المختلفة. وعلى الرغم من أن الصفات المدرجة لا تتوفر، بالتأكيد، كاملة في أي من الشخصيتين الفاقعتين، وأن الواقع يحتوي تنوعاً كبيراً بينهما، وكذلك مع إدراكنا استبدادية فعل التصنيف نفسه، بما يتضمنه من تبسيط أحياناً، وما يضمره من خطر وضع البشر في قوالب نمطية غير مطابقة، تماماً للحقيقة، إلا أننا نعرض هذين النموذجين من الشخصيات المثقفة والسياسية، في صورة الحد الأقصى، طمعاً باستفزاز تفكيرنا من جهة، وبهدف تجاوزهما واقعيّاً من جهة ثانية.
الشخصية الأولى: تقيم غالباً خارج سورية، تفتقد، في الغالب الأعم، إلى تاريخ نضالي، لديها انحياز أعمى للثورة، بما يجعلها تتنكر للأخطاء وتتستر عليها. المحرك الأساسي لتوجهاتها وخطابها هو الحقد القديم إزاء نظام الحكم في سورية، مشكلتها الأساسية مع النظام، وليس مع نهج الحكم، مغرمة بالصوت العالي، وتتوفر على حد أقصى من "المزاودة" على الآخرين، شعبوية وغرائزية في أدائها، وشعبويتها ناتجة من الجهل، أو الانتهازية التي تدفعها نحو السعي "الرخيص" للحصول على الحظوة بين الناس، فهاجسها الأساسي محاولة كسب الشارع بأي طريقة كانت، تشيع في خطابها كثيراً مقولات الخذلان والدم، ضحالة في المعرفة السياسية، بما يجعلها أقرب إلى "البلاهة السياسية"، غير عارفة بسورية والسوريين وطبيعة نظام الحكم، معظم وعيها يُبنى استناداً إلى الشائعات والكلام الشفوي أو المنقول.
تعتمد لغة سياسية غوغائية، زوادتها الأساسية المبالغة الخالية من أي معانٍ سياسية حقيقية، مقاربتها السياسية للحوادث مبنية على أساس طفولي، لا يرى إلا الحدود القصوى للظواهر. لذلك، تستند خياراتها إلى قانون "الكل أو لا شيء"، منهج عملها هو "السبحانية" و"الدروشة"، ولا تتقن التخطيط والمراكمة، تسيطر عليها خفة طاغية إزاء الإعلام، جهل مريع في العلاقات السياسية الخارجية وموقع سورية فيها، داعشية الهوى والنهج، حتى لو كانت "علمانية"، وفي حال كانت من الشخصيات التي اعتقلت، سابقاً، فإنها تطمح إلى الحصول على أجرتها وتعويضاتها من الثورة على شاكلة الفوز بمنصب سياسي، أو مال، عاشقة للسلطة، وقد اندفعت نحو اللهاث وراء المواقع، وتصدّر المشهد السياسي، بحكم كونها قصيرة النفس وغير واثقة بنفسها، تتوفر على براغماتية مغالية وفاقعة، إذ لا تتوانى عن اللعب والمساومة بأي شيء، في سبيل المكاسب الشخصية، ساهمت، بخطابها وأدائها، بقدر ما في تغيير طبيعة الحراك الشعبي، وخفض صفته الوطنية، تعطي انطباعاً بأنها غريبة عن سورية، ولا تشبه السوريين، مندرجة في سياسات سعودية قطرية تركية، في أغلب الأحوال. إيران مختزلة بالفرس والمجوس والشيعة، وأخيراً هي لا تعرف الخجل أو التواضع، ولا تعترف بعجزها وقصورها وعدم كفاءتها، على الرغم من فشلها الواضح والمتكرر، ولا تتقن ولا تقبل الرجوع خطوة إلى الوراء، في سبيل مراجعة الذات.
" الشخصيتان معاقتان ومعيقتان، في الوقت نفسه، ولا تنتجان واقعيّاً سوى الهذر والكوارث "
الشخصية الثانية: تقيم غالباً داخل سورية، تفكيرها "الأقلوي" يجعلها "علمانية" في الظاهر، وطائفية في الجوهر، في العمق هي ضد الثورة، ربما لأن الثائرين لم يأخذوا رأيها، أو يعترفوا بقيادتها، تحليلاتها تقوم على أساس أن كل ما يفعله النظام "طبيعي"، ويفترض في الثورة أن تكون مثاليةً في مواجهته، في رأسها أوهام قديمة، ما زالت مستمرة حول حزب الله وإيران. في العمق، لا مشكلة جوهرية لها مع النظام القائم، لأسباب طائفية أو أيديولوجية (ممانعة، مقاومة، قومية عربية...)، والنقطة الرئيسية التي تطرحها، علناً أو ضمناً، هي "كسر احتكار السلطة"، أي المشاركة في النظام، رائحة الأيديولوجية والأوهام النضالية تزكم الأنفاس، مقولات العمالة والاتهام تملأ رأسها، وتتعيش عليها، حالة متفشية من التعالي واحتقار الناس، ليس من النادر أن تتفاخر عليهم باعتقال النظام لها في الزمن الغابر: "أين كنتم أيها الحثالات عندما كنا نناضل".
الهامشية المزمنة تدفعها إلى سلوك تعويضي، يتمثل في نشر كتاباتها السابقة، لتقول للناس بشكل غير مباشر "أنا أفهم منكم"، أو "ألم أقل لكم"، أو إلى ممارسة "تفكير الجكارة"، بالسير عكس البديهي والمعروف أو الواضح، خطابها صادم للمزاج الشعبي، وهذا يعطيها شيئاً من النشوة والانتصار، إضافة إلى كونه خطاباً موتوراً وعصابيّاً، فأي نقد للخطاب يحولها من داعية سلمية إلى داعشية أو تشبيحية الخطاب، حس السخرية والشماتة مسيطران، وتتمنى فعليّاً خسارة الثورة، ويرتفع صوتها في كل لحظةٍ، يظهر فيها أن الثورة تخسر، سريعة في اتهام الثورة، ومترددة، وتحسب كلماتها بدقة تجاه النظام، تتظاهر بالحكمة، وهي، في جوهرها، جبن أو خوف من الخسارة الشخصية، افترضت الهزيمة سلفاً أمام النظام القائم. لغتها السياسية أقرب إلى لغة جمعية حقوق إنسان في سويسرا، أو إلى لغة كائنات تعيش في سنغافورة أو جزر القمر، تشعرك أنك أمام كائنات أيديولوجية، أو ديناصورات قومية أو ستالينية، مغرمة بالشعارات، وتعتقد، في العمق، أنه بمجرد قولها تتحول إلى واقع، منابرها الإعلامية هي منابر النظام ذاتها، نشاطها البسيط والهامشي ينحصر كله في مناطق سيطرة النظام، معظم جهدها ينصب على البيانات السياسية، أخلاقياتها تطهرية في الظاهر، لكن مصدرها وقاعها أيديولوجي محنط. وفي العمق، لا تتوفر على المبدئية والصدقية، مندرجة، بشكل مباشر أو غير مباشر، في سياسات إيرانية روسية، تركيا بالنسبة لها هي الدولة العثمانية، وتعاني من "عقدة خليجية"، جوهرها أوهامها عن نفسها والآخر، وشعورها المزعوم بالتفوق الحضاري على البدو.
أخيراً، لا شك أن هاتين الشخصيتين معاقتان ومعيقتان، في الوقت نفسه، ولا تنتجان واقعيّاً سوى الهذر والكوارث. في اعتقادي إن سورية تستحق، على الرغم من البيئة القاسية على الصعد كافة، والدم الضاغط على رؤوسنا وأرواحنا، أن يذهب جميعنا، المحسوبون بشكل أو آخر على ساحة الثقافة والسياسة، في طريق التفكّر في أنفسنا، وإعادة النظر في موروثاتنا الفكرية والسياسية والنفسية، ووضع بديهياتنا ومقولاتنا موضع نقاش وتقويم جديين، علّنا ننجح في معركة بناء أرواحنا وعقولنا من جديد، أو إفساح الطريق لكائنات سياسية وثقافية جديدة: مبدئية وواضحة، عارفة وعاقلة، في الآن نفسه.
فشلت محاولات تقسيم سورية، حين كان للتقسيم دعاة، فكيف حين يرفض السوريون جميعاً التقسيم، وكيف حين يجمعون أن سورية مؤلفة من خمسة أحرف لا تقبل القسمة، ولا يمكن أن تعيش إلا دولة واحدة موحدة.
حين حاولت الحكومة الفرنسية الإبقاء على "دولة العلويين"، وإنشاء إمارة جبل الدروز، كان هناك من يؤيد هكذا كيانين، أما اليوم فلا أحد من الموالين، أو المعارضين، يؤيد ذلك.
يومها، بسهولة بالغة، استطاع محمد علي العابد، بتأييد من غالبية السوريين، ضم لواء اللاذقية وإمارة جبل الدروز إلى الجمهورية السورية. ويومها، اصطدمت المحاولات الفرنسية للبقاء على الكيانين بالحماس السوري العارم لدولة سورية واحدة. جميع محاولات تشجيع العلويين على الانفصال ذهبت أدراج الرياح، وظلت الدويلة المزعومة هيكلاً يقاد، شكلاً، من مجلس تمثيلي، وفعلاً من الحكومة الفرنسية.
كانت النزعة الانفصالية التي شجعها الفرنسيون قوية آنذاك، إذ كان في المجلس التمثيلي المزعوم اتجاهان: الأول طائفي، يريد تكريس الانفصال عن سورية، بدعوى الخوف والاختلاف (كان فيه ثمانية من الطائفة العلوية، وواحد من الطائفة الاسماعيلية، ومسيحي)، والثاني وحدوي، لا يقبل أن تكون اللاذقية إلا محافظة سورية (فيه رجل من الطائفة العلوية، هو جابر العباس، وثلاثة من السنة، واثنان من المسيحيين)، وقد تمكن هذا الاتجاه من تغيير اسم دولة العلويين إلى حكومة اللاذقية عام 1930.
رفضت الكتلة الوطنية، برئاسة هاشم الأتاسي، أي اتفاقية مع الفرنسيين الذين كانوا يراوغون (كما تفعل أميركا وحلفاؤها اليوم) على حساب الدولة الوطنية السورية، ولم تقبل بأي وضع خاص لأي كيان منفصل عن الجسم السوري. وعمت المظاهرات حلب وباقي المحافظات السورية، وتعاطف العالم العربي والعالمي مع مطالب الشعب السوري في الوحدة. رضخ الفرنسيون، في النهاية، إلى مطلبي الوحدة والاستقلال. وتقدم أبناء الطائفة العلوية نفسها الصفوف، يطالبون بالكيان الواحد، ويذكر السوريون حين قال نائب طرطوس، منير العباس، للفرنسيين، بصريح العبارة "إن مصلحة العلويين أن يكونوا جزءاً من سورية".
تكلل هذا النضال بتوقيع هاشم الأتاسي على معاهدة مع الفرنسيين عام 1936، تنص على: (1) محافظة اللاذقية وجبل الدروز جزء من الدولة السورية، و(2) أن تحظى هاتان المحافظتان على نظام إداري ومالي خاص، و(3) أن تخضعان لدستور الجمهورية السورية (والحقيقة أنه من الحكمة والمنطق أن تخضع كل المحافظات السورية لنظم إدارية ومالية خاصة، حتى يمكن تنمية جميع المحافظات بالتكامل مع بعضها).
" لن تؤدي دعوة دي ميستورا سوى إلى مناطق ذات هويات عرقية ومذهبية ودينية متباينة "
تطالعنا الأخبار، اليوم، بهلوسات الانفصاليين وتجار الحروب وتمنياتهم، فالبغدادي يحلم بدولة مسخ في غرب العراق وشمال وشرق سورية، شرط أن تهيمن على بئرين من النفط، والنصرة وأمراء الحرب شمال حلب يهيئون أنفسهم لتقاسم السلطة مع داعش، ويحلم انفصاليون كثر بدولة في الجنوب وفي الساحل.
بالونات اختبار تطلقها مجموعات من المشعوذين والأكاديميين الغربيين، لجس نبض السوريين، في مقدمتهم، هذه الأيام، جوشوا لانديس، اليهودي الأميركي ورئيس قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، حيث يشجع دعاة التقسيم بأطروحة، يدّعي أنها تستند إلى مقاربات تاريخية وإلى تغيرات حدثت في المنطقة في القرون الماضية، وأن الربيع العربي، هو في نهاية المطاف، تنظيم للخلافات بين الطوائف والأعراق والأديان، بعد فشل الدولة القومية. يتناسى لانديس تاريخاً طويلاً من الاندماج الذي عاشته هذه المنطقة بين الطوائف والأعراق والأديان، ويتناسى أن الانقسام لم يكن يوماً إلا من فعل الفرنسيين والإنجليز سابقاً، والأميركان اليوم. وحتى حين يدعم لانديس أطروحته، بدعوى فشل بناء دولة علمانية وطنية في العراق، فهو يتناسى دور أميركا في إقامة دولة محاصصات طائفية وعرقية، وحين يستشهد بدعوات المنظمات الطائفية الإرهابية، يتناسى سبب التفاف الناس حول هكذا دعوات.
لا أحد من السوريين يريد من لانديس، وأمثاله، أن يعلمهم كيف يتقاسمون أرضهم، وكيف ينشئون دولة في الشمال ودولة في الجنوب، لأنهم يعرفون كيف يحافظون على أرضهم موحدة لوطن يسوده العدل والمساواة.
وفي سياق التقسيم، تندرج دعوة دي ميستورا لإقامة مناطق حكم ذاتي مجمدة، وما يسميه تبادل لمناطق النفوذ. ولن تؤدي تلك الدعوة سوى إلى مناطق ذات هويات عرقية ومذهبية ودينية متباينة، ومناطق نزاع للمجموعات المتصارعة وأمراء الحرب، للقضاء على ما تبقى من سورية ونسيجها السوري التاريخي المتعدد، كما يشير اختيار ميستورا حلب إلى هدفه الذي ينسجم مع أفكار التقسيم المشؤومة.
لا يمكن أن تعيش سورية إلا دولة واحدة، لأنه كلما تدخل الاستعمار، أو تدخلت الحرب والمواقع الجغرافية، تعود من جديد موحدةً، فأهلها من دم واحد وعرق سوري واحد.
لا يكلّ تنظيم «داعش» من محاولة إبهار الغرب بصورته، وقد نجح؛ فالتنظيم يبدي هوسا لا محدودا بـ«كيف نراه»، ويجهد لنيل اعتراف الغرب بقوة صورته وبقدرتها على التأثير. فلتكثيف القتل عبر تصويره وإعطائه عمقا ملحميا، دور في هوية الجماعة. صحيح أن «داعش» يجهد لإعادة المناطق التي تحت سيطرت مئات الأعوام إلى الوراء، من حيث الممارسة والمظهر واللباس والقوانين وطريقة القتل ذبحا وصلبا ورجما. لكن مع ذلك فهذا الجهد للعودة إلى ماضي «الخلافة» تشذ عنه علاقة التنظيم بالصورة، فهذه لا يبخل عليها العقل الداعشي، بل يرفدها بأحدث تقنيات العصر.
وشغف هذا التنظيم بصورته ظهر مرارا في الفيديوهات التي أنتجها، بحيث تبدو المساحات التي يسيطر عليها التنظيم أقرب إلى مدن إنتاج سينمائي يوظف فيها قسرا ممثلون ضحايا لا يملكون خيار عدم لعب دور القتلى، فنراهم يؤدون أمام الكاميرات موتهم الحقيقي بكل ما فيه من عذاب وألم ودم على يد جلادين ينظرون إلى العدسة وهم يقتلون؛ فهم يذبحون ويرجمون ويصلبون للصورة وليس لشيء غيرها.
كتب الكثير عن هوليوودية «داعش» وجاذبية الصورة بالنسبة إلى التنظيم، لكونها وسيلته في الحرب النفسية قبل القتال الفعلي. فالقتل في كنف التنظيم هو قتل للقتل وللصورة.
أما «كومبارس» الضحايا فهو يتجدد دائما، فيما «بطولة» الجلادين يجري تكريسها عبر بعض الوجوه، كما يحصل مع أشهر قتلة «داعش»، المعروف بالجهادي «جون»، الذي نفذ عمليات ذبح الرهائن الأميركيين.
هذه الحاجة الملحّة لإبهار الغرب لا تخطئها العين في فيلم التنظيم الأخير، الذي يُظهِر عملية إعدام جماعي لجنود وضباط من سلاح الجو السوري، وبعدها إعدام مماثل لرهينة أميركي، هو بيتر كاسيغ.
في هذا الشريط بذل العقل «السينمائي» الداعشي ذروة قدرته التصويرية والإخراجية، بحيث بدا العنف الممارس بمثابة محتوى لا مفر منه للإبهار البصري. ومن تمكّن من مشاهدة الشريط بالغ الوحشية لن تفوته ملاحظة نقاوة الصورة وتعدد كاميرات التصوير وتوليف المشاهد، بل حتى زوايا التصوير.
نعم، في الفيديو الأخير دشن تنظيم «الدولة الإسلامية» مرحلة جديدة من دعايته، ومن هوسه الجنوني بصورته. بدا أن عملية الإعدام أعد لها مخرج سينمائي، وليس مجرد جلاد فقد روحه. فعملية الإعدام أتت عبر سياق تصويري مشهدي تمت دراسته قبل تنفيذه بحيث بدت عملية الإعدام تلبية لحاجات الصورة، وليس لشيء آخر، فالكاميرات نقلت لنا ببطء تلك العيون الباردة للقتلة ووجوههم المكشوفة التي تشي بتنوع الأصقاع التي أتوا منها. ارتصفوا خلف ضحاياهم، بعد أن التقط كل منهم سكين الإعدام من سلة وُضعت خصيصا لمزيد من الرعب البصري. وحده الجهادي جون ارتدى زيا أسود وقناعا للوجه وقاد عملية الإعدام التي تمت بشكل متزامن ومبالغ في تصويره مقربا صوتا وصورة.
طرح البعض تكرارا دعوة إلى مقاطعة بث أفلام التنظيم والحدّ من تداولها، باعتبار ذلك وسيلة ستضعف من انتشاره حتما. المشكلة هي في ضعف قدرتنا كمشاهدين وكإعلام عن الانجذاب نحو تلك المشاهد التي نقف أمامها عاجزين يتملكنا الرعب، وأيضا الانبهار.. لكن الصورة رغم كل عنفها ستقع حتما في فخ الرتابة، وتلك ستحصل لا محالة إن لم تكن قد بدأت فعلا، وحينها لن يعود لذلك الموت العميم وقعه كما هو اليوم.
الأرجح أن هوس الصورة هو ما سيصيب التنظيم بمقتل.