مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٨ نوفمبر ٢٠١٤
أميركا.. آخر العلاج تقسيم سورية

تقسيم سورية، بذريعة نقلها من الدّمار الدموي إلى الإعمار المالي، وتجنيبها المستقبل الرهيب، بذرة لخيار جيواستراتيجي، يبدو أنه سيوضع في المختبر، لمعرفة مدى صلاحيته وقدرته على الحياة، أو ربما لتجهيز البيئة المناسبة لإنضاجه، واستكمال عناصر نموه. ومن الواضح، ومن ظروف طرح هذا الخيار، أنه سيكون من أقوى التوجهات للمرحلة المقبلة، وخصوصاً وأنه يتزامن مع طرح قريب للأمم المتحدة، عبر بعثتها إلى سورية، والتي يقودها ستيفان دي ميستورا، والمتوقع أن يشكل نواة لنجاح هذا الخيار.
لا يقلّل من جدّية هذا الطرح أنه جاء في برنامج تلفزيوني، وبواسطة باحث أميركي، جوشوا لانديس، إذ دائماً ما كان يتم التبشير بالاستراتيجيات الأميركية على شكل هذا النمط من البلاغات، التي قد تتخذ، مرة، شكل محاضرة أكاديمية يلقيها فوكوياما، ويعلن فيها بداية هيمنة القطبية الأميركية على العالم، أو يفجّرها صموئيل هنتغتون، في كتابٍ يتوقع فيه بداية حرب الحضارات بين المسيحية والإسلامية، ويلتقي لانديس معهم، بامتلاكه الأداة اللازمة، بعد أن وضع الإطار النظري ورسم حدود سورية الشمالية الشرقيّة للسنّة، وسورية الغربية الجنوبية مع نظام الأسد، أما المبرر فهو من أجل حياة أفضل للطرفين.
في الواقع، لا يبدو أن هذا الطرح بداية لسياسة أميركية جديدة، بقدر ما هو إعلان لنهاية سياسةٍ، صار الوقت مناسباً لتظهيرها وإيضاحها، سياسة تم توجيه دفّتها باتجاه هذا الخيار، منذ لحظات تأسّسها الأولى، فقد ظلّ توجه أوباما الداعي إلى إسقاط الأسد ضعيفاً، لم يصنع له روافع، ولم يجعل لإستراتيجيته تلك أنياب، مجرد كلام لا يساعد على إقالة مسؤول أمني صغير في طاقم بشار. في مقابل ذلك، اتبع سياسة السقوف المفتوحة التي تشرعن كل ما هو تحتها، لقد اشتغل أوباما على مروحة واسعة من الخيارات والفروض، كان يجعلها دائماً مرنة جداً، ليوسع إطار حراكه بداخلها، وصنع لهذه الحركة فلسفةً تقوم، مرّة، على شعار الحفاظ على الدولة ومؤسّساتها، ومرّة بعدم جدوى أي حل باستثناء الحل السياسي، غير أنه، في كل تلك المرحلة، كان يترك نظام الأسد يرسم خطوط الدولتين بأريحية. واليوم، حين يقبل الأميركيون التقسيم، فهم فقط سيضعون الرمل على الخطوط التي رسمها الأسد. منذ أكثر من عامين، كان سير معارك النظام بهذا الاتجاه، ربما لم يخرج عن الخريطة التي أرادها النظام سوى حلب، وقد صار الهدف واضحاً من حربه فيها، لوضعها في إطار البازار والمقايضة بها بمناطق أخرى، وتحويلها إلى رمادٍ، يستهلك من طاقات الدولة المقابلة عقوداً لإعادة إنعاشها.

" ظلّ توجه أوباما الداعي إلى إسقاط الأسد ضعيفاً، لم يصنع له روافع، ولم يجعل لإستراتيجيته تلك أنياب "

أمام هذا الوضع، لا تجد واشنطن نفسها مضطرة للتبرير والشرح، فهي، ببساطة، محكومة بالوقائع التاريخية والاجتماعية، وبنمط صراع ديني معقد، ليست مسؤولة عنه، وأنّه لم يكن في مقدورها التأثير على المسارات. الناس لا تريد الجلوس مع بعضها، ولا تستطيع قوة في العالم أن تجبرهم على ذلك، أو صناعة دول قومية بالفرض على شعوبها، ولا أن تصنع لهم هويات وطنية مشتركة.

لكن، ثمّة أسباب جيواستراتيجية بعيدة المدى، لمثل هذا التوجه. بحسابات أوباما، لن تعود سوريّة دولة مركزيّة، كما كانت قبل الثورة، ولكن تفتّتها إلى كيانات عديدة قد ينطوي على مخاطر كبيرة للمنطقة، يكفي تقسيمها لكيانين، يشكلان قطع إسناد للمراكز الجيوسياسية الأميركية، دولة من الساحل إلى الجنوب، تكون أولاً تجمعاً للأقليات، وتتميز بعدم سيطرة أكثرية معيّنة فيها، هذه الدّولة لن تكون أفضل حالاً من لبنان، كيان معطل على مستوى القرار والمشروع، ودولة في الشمال والشرق، عاصمتها حلب ذات غالبية سنّية، تصلح لدور الدّولة العازلة بين الأكراد والترك تمتص نزاعاتهما، وتشكل شرفة ومنفذاً لسنّة العراق باتجاه المتوسط، عبر منفذ كسب.
وثمة أسباب شخصية تتعلق بأوباما نفسه، فهو شخصية ضعيفة، لا يستطيع تبني خيارات قوية، والدفع بها، ويواجه الآن الجمهوريين الذين سيحاولون تغيير قواعد اللعبة في الموضوع السوري، ودفعه لمواجهاتٍ لا يرغب بها، كما يواجه أوباما ضغطاً قوياً من حلفائه الأتراك والخليجيين في موضوع مصير بشار الأسد، ولا بد أنه قدّم وعوداً في هذا المجال، والأرجح أن خيار التقسيم سيخلق وقائع جديدة، حتى لو لم ينفّذ هذا القرار، فإنه سيشغل خصومه ومنتقديه.
يحاجج بعضهم أنّ نظام الأسد لا يريد هذا الحل، ودليلهم أنّه ما زال يقدم خدمات للمناطق المحرّرة، كما أنه يبذل جهداً عسكرياً ملحوظاً لاستعادة المناطق التي تقع خارج سيطرته، غير أنّ ذلك يمكن تفسيره في إطار الاستثمار الضروري لهذه الحالة، ذلك أن الأسد لا يريد أن يقال عنه إنّه يدفع باتجاه التقسيم، لأن ذلك سيفشل خطته، ويظهره طرفاً منفّذاً أجندات خارجية، ويمنح الثورة ضده مبرّرات أخرى، ثم إن النظام لا يمكنه الادعاء بالشرعية، إن فعل ذلك، كما لا يمكنه تسخير مقدرات الدّولة كلّها لصالح حربه، إضافة إلى أنّه يريد دفع الطرف الآخر لهذا الطرح لإظهار الثّورة تمرّداً انفصالياً، ما يتيح له النجاة من جرائمه.
اليوم، تأخذ السياسة الأميركية نمطاً جديداً ضمن سياقها القديم، يقوم على تنويع الخيارات، ففي آخر تصريحاته، ركّز وزير الخارجية الأميركي على أنّه يجب أن يكون أمام السوريّين خيار ثالث غير خيار المتشدّدين والأسد، وقد سرح الخيال حينها، صوب اتجاهات عديدة، لكن، لم يخطر ببال أحد مثل هذا الخيار الفريد!

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٤
أوباما أمام امتحان الخروج من البقعة الرمادية

يصرّ الرئيس باراك أوباما على تأبّط الغموض، بنّاءً كان أو مدمِّراً، كركيزة لسياساته لأنه يرتاح إلى البقعة الرمادية. البعض يرى فيه رئيساً واعياً لرغبات الأميركيين المتقلِّبة والمتناقضة ويدعم أساليب اللاوضوح واللالتزام بالذات في السياسة الأميركية الخارجية. البعض الآخر يعارض أن يكون الرئيس الأميركي في صميمه متردداً، يختبئ وراء الغموض، يخشى الحسم. استقالة وزير الدفاع - تشاك هاغل – أو إقالته – وُضِعَت في إطار المعارضين لأنماط اللاحسم التي يتبناها الرئيس أوباما بإصراره في مسألة أساسية كالحرب على «داعش» أن يكون غامضاً في شقّها المتعلق بالرئيس السوري بشار الأسد. وزير الخارجية جون كيري الذي يتقن الإِبحار على حركة البوصلة المتحركة للرئيس أوباما، يمكن وصفه اليوم بأنه الديبلوماسي البارع في تشكيل أي مشهد سياسي وتلوينه كما يبتغيه الرئيس. لذلك، لوّن كيري تمديد المفاوضات النووية مع إيران بالإنجازات، وهو يعلم جيداً أن الفجوة ربما ضاقت لكنها ما زالت على عمقها. كذلك، فعل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ليس دعماً للرئيس الأميركي وإنما سنداً للرئيس حسن روحاني الذي تم تسويقه على الساحة العالمية بأنه منقذ إيران من التطرف والتشدد. فالاعتدال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يُحاكم اليوم على أنغام المفاوضات النووية بينما يستفيد التشدد، عملياً، من تخفيف العقوبات بموجب المفاوضات. الأشهر السبعة المقبلة لن تكون سهلة على الرئيس باراك أوباما وهو يقفز بين المفاوضات النووية والكونغرس الجمهوري الذي يتربَّص لطهران... بين نيران الحرب على «داعش» وطلقات الرصاص من أقطاب «التحالف» الدولي على القيادة الأميركية لهذه الحرب. الأشهر السبعة المقبلة ستكون مسرحاً للعنجهيّات بمختلف أنواعها – تلك التي تميّز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو التركي رجب طيب أردوغان، أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو – وستكون أيضاً المساحة لإفرازات وتداعيات الغموض ونقيضه.

تظاهر المدن الأميركية احتجاجاً على تبرئة هيئة محلفين شرطياً أبيض قتل شاباً أسود امتدت من مدينة فيرغسون في ولاية ميسوري إلى أوكلاند في كاليفورنيا. وهذه التظاهرات التي عمّت أكثر من 170 مدينة تحت عنوان معارضة «العنصرية» ستسيطر على انتباه الإعلام الأميركي الذي ينصبّ تقليدياً على مسألة تلو الأخرى، وستزيد المراقبة على الرئيس أوباما، لكنها لن تستحوذ حصراً على كامل السياسة الأميركية، الداخلية أو الخارجية. توقيتها الذي تزامن مع استقالة وزير الدفاع ومع انتهاء المفاوضات النووية بين اللانجاح واللافشل، زاد الضغوط على باراك أوباما، لا سيما وهو يستعد لمعارك ضارية مع الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون الآن بعد الانتخابات النصفية. فهذا الكونغرس الجمهوري سيتربّص بالرئيس الديموقراطي في كل شاردة وواردة – وعلى رأسها في السياسة الخارجية، المفاوضات مع إيران، والحرب على «داعش» بشقيها العراقي والسوري، ومصير العملية التفاوضية بين فلسطين وإسرائيل.

إيرانياً، يعتزم الكونغرس الجمهوري قطع الطريق على تنازلات أميركية في المسألة النووية كما يعتزم إدخال قوانين إضافية تضاعف العقوبات على إيران وتوسّعها لتعاقبها على أدوارها الإقليمية خارج حدودها. إدارة أوباما ستسعى للحد من اللهجة العقابية وإجراءات العقوبات لأن أوباما ما زال يأمل بأن تقترن إنجازاته وتركته بالاتفاق مع إيران. لكن أوباما أيضاً بات يدرك اليوم صعوبة الاتفاق مع إيران على المسألة النووية كما على طموحاتها الإقليمية، وبات يعي أن المعركة بين قوى الاعتدال وقوى التشدد في طهران قد لا تنتهي كما تصوّر.

عدم انهيار المفاوضات النووية لاقى ترحيباً عالمياً، بما في ذلك من الدول الخليجية التي ارتاحت لقرار التمديد لأن البديل كان المواجهة وتصاعد التوتر مع إيران في ظروف تفرض التركيز على الحرب ضد «داعش» وهو على الأبواب الخليجية.

القمة الخليجية التي ستُعقَد في الدوحة في غضون أسبوعين ستعكس أجواء الترحيب بالتمديد والارتياح له بدلاً من نبرة الشماتة أو دعم التصعيد. صحيح أن الدول الخليجية مستفيدة من «حشر» الكونغرس الجمهوري للرئيس أوباما في الزاوية كي لا يتهاون مع إيران، لكنها لا تريد أن تكون عصاه وهو يهدد إيران في المسألة النووية. فالدول الخليجية منفتحة على التفاهمات إذا برزت في الأفق الإيراني قوى اعتدال قادرة على إبرام التفاهمات.

الانقسام داخل إيران واضح، برز بعضه في أعقاب التمديد للمفاوضات النووية وتمثّل في التصريحات على مستوى مرشد الجمهورية علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، حيث إن الأوّل شن حملة على الغرب، والثاني أبرز فوائد المفاوضات.

المتشددون هتفوا «الموت لأميركا». وفي مجلس الشورى قال النائب الأصولي حميد رسائي «مرّت سنة على محاولة روحاني أن يغيّر بمفتاحه السحري الطابع المتوحش لأميركا، لكن مفتاح الثقة انكسر في القفل...». نائب رئيس البرلمان، محمد حسن أبو ترابي فرد، اعتبر أن «الدرس المكتسب من المفاوضات النووية الأخيرة يتمثل في عدم إمكان الوثوق بأميركا. ولغة القوة هي الوحيدة التي تفهمها».

لكنّ الملفت هو ما جاء على لسان مستشار وزارة الخارجية الإيرانية، محمد علي سبحاني، متهماً نائب رئيس الجمهورية العراقي الحالي (رئيس الحكومة السابق) نوري المالكي باتباع سياسات مذهبية خلال فترة رئاسة حكومته، ما أدى إلى تشكيل حاضنة لتنظيم «داعش». هذا ما نقله عنه موقع إلكتروني إيراني «نامة نيوز»، إذ أضاف: «لولا سياسة حكومة المالكي الإقصائية ضد المجموعات السنّية في البلاد، لما وَجَد التنظيم حاضنة شعبية له بين أهل السنّة». ووفق الموقع نفسه، وجه سبحاني انتقادات إلى نظام الأسد قائلاً: «إن الشعب السوري عبّر في البداية عن مطالبه المشروعة بالطرق السلمية، إلا أن نظام الأسد حاول كبت التظاهرات بالقوة المفرطة، ما أدى إلى ظهور مجموعات مسلحة في ما بعد»، مضيفاً أنه «لو اتخذت الدولة السورية في بداية التظاهرات خطوات لتهدئتها، لما وصلت الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم».

إذا كان النقاش داخل إيران على نسق هذه التصريحات، وتلك التي داخل مجلس الشورى، فما ستشهده الأشهر المقبلة على الأرجح هو مراجعة جديّة للمسيرة الإيرانية ستؤثر حتماً في السياسات الإيرانية الإقليمية، وليس فقط على الداخل الإيراني.

الأرجح أن تتأزم الساحة السورية وتزداد تعقيداً ودموية في الفترة الآتية لأنها ساحة للمد والجزر بين القوى الإقليمية والدولية ولأنها أيضاً بوتقة امتحان الغموض كما يمارسه الرئيسان أوباما وبوتين مقابل الوضوح الفاقع كما يعبر عنه الرئيس أردوغان.

الانقسامات الإيرانية ستنعكس بالتأكيد على مصير سورية، عاجلاً أم آجلاً، نظراً إلى عمق التورط الإيراني المباشر وغير المباشر في الساحة السورية. فالعقوبات الاقتصادية تقيّد أيدي القوى المتشددة التي استفادت من رفع بعض العقوبات انتقالياً، لكنها الآن ستعاني جدياً. هذه القوى المتشددة راهنت – وهي تظن أن حنكتها بارعة – على قوى الاعتدال في مفاوضاتها النووية لأن نجاحها يؤدي إلى رفع العقوبات. أصرت القوى المتشددة على معارضة التدريجية في رفع العقوبات لأنها المستفيد الأكبر من الرفع المباشر للعقوبات لأنه يضع الأموال فوراً في أيديها. وهذا يمكنها من تنفيذ سياساتها في سورية والعراق واليمن ولبنان فيما يمكنها أيضاً من الاستقواء على قوى الاعتدال.

لذلك، قد يبدو تيار الاعتدال الخاسر الأكبر من اللانجاح في المفاوضات النووية. واقع الأمر، هو أن تيار التشدد والتطرف هو الخاسر الجدي لأن عدم رفع العقوبات يساهم في إفشال مشاريعه الإقليمية ويقطع الطريق على تصاميمه للانقلاب على قوى الاعتدال بعدما تحصل على رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية.

قد تؤدي هذه الحالة إلى سياسات تلطيفية لطهران كي لا تتوسّع في التورط إن كان في سورية أو اليمن أو العراق أو لبنان، لا سيما أن تنظيم «داعش» دخل الحلبة، وإلحاق الهزيمة به يتطلب قطعاً مشاركة القوى السنّية. أسعار النفط تلعب دورها في نهج تلطيف السياسات اضطراراً، لأن التوسّع مكلف مادياً ومالياً ولأن الداخل الإيراني يعاني اقتصادياً.

لعل لبنان يستفيد من فسحة التلطيف فيتم التفاهم على إخراجه من الفراغ الرئاسي في الأشهر القليلة المقبلة، ولربما أكثر عاجلاً مما هو آجلاً. العراق يشهد تجربة في التوافق والتلطيف، إذ إنه يحسّن علاقاته خليجياً. اليمن بقعة كبيرة جداً على أي من الفاعلين فيها، ولذلك لن تستطيع قوى التشدد الإيراني بسط السيطرة على اليمن حتى وإن بدا ذلك ممكناً انتقالياً. أما سورية، فإنها الساحة المفتوحة على الاحتمالات.

قد يضطر الرئيس باراك أوباما إلى الابتعاد قليلاً عن سياسة اللاوضوح لأنه لن يكون قادراً على ربح الحرب التي أعلنها على «داعش» وهو يتأبط الغموض. هذا ما أبلغه به وزيره المستقيل تشاك هاغل، وهذا ما سيصر عليه أي عاقل ليوافق على تولي مهام وزارة الدفاع الأميركية في هذه المرحلة من مسيرة الرئيس أوباما.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٤
لماذا حلب؟

ولماذا ذهب ديمستورا إلى مقر حزب الله في لبنان مباشرة في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي؟ ولماذا يُرحب النظام بمشروع المناطق المجمدة؟ وما الهدف من كل المشروع؟ وأهم من ذلك ما المشروع المركزي وعلاقته بحرب حلب الكبرى أو استسلامها.

وقبل استعراض المسار السياسي الدقيق والتصريحات الدولية وساحة النفوذ المتغيّر في الشرق العربي، نُذكّر بقضية مهمة، وهي أن المشاريع الإنسانية العاجلة لكوارث سابقة التي تقرر القوى العالمية المؤثرة تدشينها لم تحتج في يوم من الأيام لإعلان مناطق مجمدة، هذا مصطلح أنتج لمشروع وحالة سياسية خاصة بالثورة السورية، وإلا فالمعتاد والقائم والمنتشر أن تفرض هدنة إنسانية ويخرج المدنيون سالمين وتغاث مناطق القتال بالإعاشة الإنسانية، فلماذا في سوريا اختلف الوضع؟

    "مصطلح المناطق المجمدة أنتج لمشروع وحالة سياسية خاصة بالثورة السورية، وإلا فالمعتاد أن تُفرض هدنة إنسانية ويخرج المدنيون سالمين وتغاث مناطق القتال بالإعاشة الإنسانية، فلماذا اختلف الوضع في سوريا؟"

يختلف الوضع في هذا المشروع الجديد لكون وضع سوريا مختلفا بالكامل في حجم التواطؤ وتنحية المعيار الإنساني، فتصدر الفظائع والمذابح التي ارتكبها النظام، وسوء الوضع الإنساني الذي أكل فيه الناس الشجر، ثم ماتوا جوعا بعد أن استهلكوا ورقه الأخضر، فضلا عن العجز الصحي وغيره، كل ذلك لم يتحرك لأجله المبعوث الأممي لفرض هدنة إنسانية تكررت في كل الحروب إلا في سوريا، ومع ذلك أي مساحة إنسانية يمكن أن تتحقق لهذا الشعب المغدور المحاصر فهي مشروعة للضحية في إطارها الإنساني وليس للمبتز الدولي والإقليمي.

هنا يقفز لنا سؤال المرحلة الخطير عن الهدف من خلق هذا المشروع لمناطق مجمدة هل هو سياسي أم إنساني، وما مهمة هذا المشروع في السياق السياسي والعسكري الشامل؟ وما الغرض من مبادرة ديمستورا في هذا الحراك الضخم نحو حلب؟

يجب التذكير أولا بأن حلب هي قلب الثورة السورية، وأن تصفية الثورة يمر عبرها قبل غيرها، ولذلك هي تحت هذا الحصار الشرس سياسيا وعسكريا، كما أن اختراق داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) ومن يؤيدها من مجموعات من النصرة لبنائها الميداني، حقق تفتتا لقوة ميدانها وتماسكها الاجتماعي العام كجسم للثورة السورية، وإن كانت الخلافات التي بين فصائلها قد فتحت الطريق لجحيم داعش الذي صُب على المدنيين وعلى الثوّار، ثم عاد المحور الدولي والإقليمي لاستثمار مساحة الفوضى الذي حققه داعش.

ومنذ استنزاف وتفرق البناء الميداني للثوّار بدأ النظام ومرجعيته الكبرى في إيران التقدم لحرب حلب الكبرى، فهذه الحرب -وفق تصور هؤلاء- هي مخطط ضخم تتجاوز نتائجه آثار معركة إلى حجم حرب مسقطة للثورة السورية كليا، غير أن هذا التصور لم يكن منفردا لدى الإيرانيين بل قناعة مشتركة في الوقت نفسه لواشنطن تبلورت في حرب داعش. ولكن ما مهمة التوافق الأميركي الإيراني بعد حرب داعش الدولية؟ وما بوصلته؟

هنا العنوان الرئيسي في القضية، قرار حصار حلب الجديد وإسقاطها، جاء في تصريحات متعددة من الجانبين ضمن قرار التنسيق لفرض واقع جديد على المشرق العربي يبدأ بمسمى حرب داعش ويعبر بواسطتها لتصفية الثورة السورية، وتقوية النظام الطائفي في العراق وإعادة صناعته من جديد من ذات الاحتلال المزدوج.

إن الربيع الأميركي الإيراني صعد بصورة واضحة في المنطقة وعزز تعاونه إستراتيجيا ومرحليا بعيدا عن حكايات الشيطان الأكبر وترمومتر الملف النووي وأضحى تحت المشاهدة العلنية وليس التخمين الظني، وتأكيدات واشنطن على أن الشريك لمثل هذه المهام هو طهران تمارس اليوم تنفيذيا، بل إن الصحافة الأميركية تطرح رؤية جديدة مهمة جدا لوضع كل هذا الحراك في سياق واحد.

ما يطرحه الإعلام وتدور حوله تصريحات مسؤولين أميركيين أن البيت الأبيض كان ينسق مع دول الخليج لاحتواء إيران، واليوم ينسق مع إيران لاحتواء دول الخليج العربي!

هذا التحوّل شبه العلني الذي تُنسب إليه مفاوضات مسقط السرية هو ما بات يحكم قواعد اللعبة في المشرق العربي، إيران هي الطرف الفاعل والشريك الإقليمي أمام الآخرين الذين لا ترى فيهم واشنطن قدرة لتحقيق شراكة قوية في السياسة الإقليمية وإن راعت مصالحها معهم.

ليس ذلك فحسب، بل تتحد هذه الشراكة في بعض الأهداف في سوريا، فالخشية من الثورة السورية لدى تل أبيب كمهدد للأمن القومي للاحتلال الإسرائيلي كان حاضرا بقوة في كل تعاطي الغرب مع القضية السورية، كما أن الخشية من قوة دولة ديمقراطية في الشام أيضا يخيف الغرب الذي كان دائما يرفض الإرادة الشعبية للشرق ويخشى من قوة استقلاله.

    "أهم ما تحتاجه الثورة أمام الخذلان العربي المستمر هو حسن تنظيم صفوفها وإطلاق موجتها التجديدية، حينها ستقوى ميدانيا وسياسيا وتفرض حضورها على تقاطعات عربية ودولية تعبر بعدها لحماية هذا الشعب "

من هنا نعرف الخيوط التي تحاصر حلب وأن مبادرة ديمستورا سواء كانت قصدا فصنعت لذلك، وهذا مرجح أو أُخضعت لمصالح القطبين فهي تأتي اليوم في ظل هذه الحرب الكبرى على حلب. إن التدرج الذي اشترطه النظام هو عدم وقف التصعيد العسكري في المناطق التي يتقدم فيها، فيما يفرض التجميد في المناطق التي يسهل له التجميد حسمها أو يحتاج لإخضاعها بمفاوضات.

أي أن التجميد الذي يحمله المبعوث الأممي ديمستورا، في داخله عملية ابتزاز للثوار وتمهيد لما قيل إنه حل سياسي بالتجميد، فما الحل السياسي الشامل في سوريا الذي يقوم على التجميد وعلى أن الأسد جزء من الحل، كما تقول واشنطن؟

إنه برمجة عمليات استسلام متنقلة لتحقيق هيمنة قوات النظام الذي لن يألو جهدا في تصفية إنسان الثورة أول ما يستقر له الوضع، وتُزرع في كل مدينة سورية سربرنيتسا وتحت بصمة مبعوث أممي كما جرى في البوسنة، ولا يوجد في سجل هذا النظام مطلقا ما يمكن أن يعوّل عليه في سلامة بقية الشعب الذي لم تصله قذائفه وآلياته.

ولكن تبقى قضية الميدان -وكما أكدنا مرارا- هي كلمة الحسم، وصمود الثوار فيها يعني اختراق هذه الجولة الشرسة من الحصار، وبالتالي الإعداد لحقبة جديدة من عمر الثورة تعتمد بعد الله على دعم تركيا ذات الموقف الصلب والمتحد في مصالحه مع الثورة السورية، خاصة حين طرح الرئيس أردوغان محور حلب أمام محور عين العرب/كوباني متسائلا عن سر الصفقات لأجل تلك والصفقات لخنق الأخرى رغم أنها أرض سورية للجميع.

وعليه فإن موقف الثورة وتركيا متحد من حيث المصالح وخريطة التقدم التي يعد لها المحوران بعد كوباني وبعد تراجع داعش في عدة مواقع، ومخاطر تدوير الكرّة على الثورة السورية، وأهم ما تحتاجه الثورة الآن أمام الخذلان العربي المستمر هو حسن تنظيم صفوفها وإطلاق موجتها التجديدية للثورة والثوار، حينها ستقوى ميدانيا وسياسيا وتفرض حضورها على تقاطعات عربية ودولية تعبر بعدها لحماية هذا الشعب واستئناف مسيرة النصر.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٤
"استقالة" هيغل... تغيير في الاستراتيجية؟


في الشكل، وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل قدم استقالته وقبِلَها الرئيس الأميركي باراك أوباما. في المضمون، أسئلة كثيرة تدور حول هذه الاستقالة بالنسبة إلى التوقيت والأسباب والأبعاد. السؤال المطُروح صحافيا، يتعلق بما إذا كانت الاستقالة "حرة" أو "تحت ضغوط". فالمتحدث باسم البنتاغون جون كيربي قال إنها جاءت بناء على اتفاق ثنائي بين هيغل وأوباما، في حين ذهبت الصحف الأميركية صوب الحديث عن "استقالة تحت الضغط".

أما في السياسة فكلام الصحف لا يتعدى تحويل الأنظار عن لبّ الحاصل. وللإشارة فإنّ أبعاد التصريحات والمؤتمرات الصحافية تبقى أداة من أدوات السياسة، يسعى من خلالها السياسي إلى إعلان ما يشاء وإخفاء ما يشاء، بما يخدم استراتيجيته ومصالحه. فالكلام المتداول بشأن خلافات بين هيغل ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس حول الملف السوري وتحديد الأولويات، وغيرها من المسائل التي كُشف عنها، لا تتعدى مفهوم الإثارة وإشباع فضول الرأي العام... كما قد تصل لأن تكون "بنجاً موضعيا" في آن... بهدف إلهاء الرأي العام بالتفاصيل والإشاعات على حساب حقيقة ما يجري.

يعني، حتى لا نطيل الكلام... نقاط قليلة في مفاصل هذا التطور قد تكون وحدها هي التي تصبّ في خانة حقيقة القرار الأميركي. تشاك هيغل، شخصية صامتة، تنفيذية، أتت بمهمة ألا وهي تنفيذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتخفيض ميزانية البنتاغون. وفي وقت كانت الأولوية "لمنصب وزير الدفاع" لهاتين المسألتين، طرأ تطور دولي لدى صعود داعش...

وشكلت الولايات المتحدة تحالفا ضده... هيغل بقي في الكواليس، وسطع نجم رئيس أركانه رئيس أركانه مارتن ديمبسي لاستلام وقيادة المهمة. في النتيجة لكلّ مهمته.

زجل تعيين "وزير دفاع" آخر لقيادة هذه المرحلة، لكنّ التوقيت حينها كان حساساً لإنهاء دور هيغل رسميا... بسبب انتخابات منتصف الولاية.

انتهت الانتخابات... وبعد أقل من ثلاثة أسابيع "استقال" هيغل. مرحلة جديدة في استراتيجية الولايات المتحدة اليوم لمواجهة داعش... وزير دفاع جديد وبالتالي ترقب لتغيير في أسلوب التعاطي مع ملف الإرهاب... سيهيئ لمرحلة سنتين من الأخذ والرد والعمليات المحدودة قبل أن يستلم جمهوري جديد الرئاسة ويدخل الولايات المتحدة بأفغانستان وعراق جديدين.

وغير ذلك حول اختلاف في الرؤيا بين هيغل والإدارة أو خلاف شخصي بين هيغل ورايس... إلخ... كلام فارغ. وقد أثبتت التجارب أن أي سياسة "دولة عظمى" لا تقوم على مصالح القادة الشخصية أو مشاكلهم الفردية، أقله في التاريخ الحديث.

"دولة عظمى" كالولايات المتحدة الأميركية التي تتقاسم سيادة العالم مع بعض نظيراتها من الاتحادات أو الدول العظمى منذ عقود... لما كانت لتحافظ على موقعها لو كانت ستتأثر بسياسة رئيس من هنا ووزير من هناك.

الاستراتيجية واضحة مستمرة، فيما الحكام والرؤساء والإدارات أدوات تنفيذية في الشؤون الخارجية والمصيرية. مصلحة الأمة الأميركية واقتصادها يعلوان فوق كل اعتبار... ما يذكّر بكتاب مايكل كلير "دم ونفط". وبما أنّ التاريخ يتذكر أسماء لا سياسات... يتم نسب المرحلة إلى فلان وفليتان. إنها سياسة دولة تقوم على "المداورة والدورية والدوران" فيما الحروب ورغم خسائرها البشرية فإنها أبقت الولايات المتحدة على عرش الكوكب... تقاسمته حينا وانفردت فيه أحيانا.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٤
الرقة: «يوميات القتل العادي»

حسام عيتاني
الرقة: «يوميات القتل العادي»
يذكّر رد الفعل البليد الذي أحاط بمقتل أكثر من مئة مدني جرّاء غارات طيران النظام السوري على مدينة الرقة قبل أيام بعنوان كتاب وضّاح شرارة «أيام القتل العادي».

وفيما أثارت الجرائم التي تحدث الكتاب عنها ضجة كبيرة في حينها والواقعة في الحيز السياسي المباشر كاغتيال رياض الصلح، او على تقاطع الاجتماع والسياسة مثل مقتل موظفي صندوق تعاضد الاساتذة الثمانية في تسعينات القرن الماضي، أطبق التجاهل المرفق ببيانات الادانة الصادرة عن بيروقراطيين اصابهم الملل، على استهداف طائرات بشار الأسد تجمعات سكان الرقة مفاقماً من «يومية» القتل و»عاديته» الى الحد الذي يخرج الفعل من أي استثناء او عزم على منع تكراره.

تغير الطائرات على الرقة هكذا، لأنها هدف سهل ومفيد لإظهار الأسد كشريك في الحرب على الارهاب الذي يحتل المدينة، ولأن المغيرين يعرفون انهم سينجون من أي عقاب يزيد عن التنديد اللفظي من وسائل الاعلام ومن الحكومات والدول الكبرى.

أهداف سهلة ودماء رخيصة يقصفها ويدفعها بشار الأسد في قلب ساحة عمليات التحالف الدولي الذي يعجز هو نفسه عن رسم خطة بسيطة ومفهومة (حتى لا نستخدم كلمة «استراتيجية») لما يريد تحقيقه من حربه على «داعش». وفي الوقت الذي يبقى القول للعسكريين في شأن المعرفة المسبقة لأجهزة التحالف بوقوع ضربة الطيران السوري (نظراً الى خضوع الرقة كمنطقة عمليات للتحالف لرقابة مستمرة استخبارية وعسكرية من قبل قواته)، فإن تعامي الحكومات الغربية عما جرى في الرقة صباح الثلثاء الماضي يفصح عن أمور عدة.

أولها وأفدحها، غياب الرؤية السياسية لكيفية التعامل مع نظام الاسد ومع «داعش» في آن. فالأحاديث الأميركية عن الحرب الطويلة تفسر احوال قائلها اكثر مما تفسر الوضع القائم ومستقبله. فهؤلاء الحائرون بين رطانتهم عن حقوق الانسان واستهداف المدنيين و»وحشية قوات بشار الاسد» - على ما ورد في بيان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية - وبين اعاقتهم لأي ضغط جدي لفرض الحل السياسي على الأسد، لا يفعلون في واقع الامر غير ارسال رسائل فارغة من أي مضمون الى الأسد وحلفائه: ما من سياسة او خطة او قدرة على تحمل عبء وقف المذابح بحق السوريين. الفراغ الاميركي لا ترجمة له، بداهة، الا التشجيع على المزيد من القتل المجاني.

ثانيها، أن توفر الضحايا الجاهزين للموت والصامتين والذين لا باكين عليهم ولا مطالبين بالعدالة لهم في الحكومات ووسائل الاعلام، يعيد الى الاذهان قضية الاختلاف في المعايير وفي «قيمة» القتلى. مثال بسيط ان المقطع المصور الذي صور ذبح «داعش» رهينة غربياً ضم كذلك صور ذبح 18 جندياً سورياً. لم يبالِ أحد، خصوصاً نظام الأسد، بالقتلى السوريين الذين سقطوا ضحية وحشية لا تقل عن تلك التي تعرض لها الرهينة الغربي. كما لم يبالِ احد بضحايا الرقة. فالقتلى انواع وأصناف والانسانية لا تغطي عينيها (على ما نجد في التماثيل التي تشخص العدالة) ولا تتعامل مع البشر بذات المعايير. فكعب القتيل الغربي أعلى من كعب زملائه الجنود. ولا شك أن في أدنى اللائحة يقبع ضحايا الرقة الذين لم يحزن احد لأجلهم غير اقربائهم المباشرين.

ثالثها، ان سلوك التحالف في تمييزه بين الضحايا، يصب الماء في طاحونة «داعش» ومقولة المظلومية السنّية وتحمّل هذه الجماعة الخسائر البشرية والمادية الاكبر في صراعات المنطقة التي تزداد سمات «اليومية» والعادية» فيها.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٤
مع اقتراب "تنظيم" الدولة الاسلامية منها ، درعا بين الرعب و الترقب


اجتاحت حالة من التخبط الإعلامي أوساط الثورة في درعا مع وصول أنباء عن أرتال كبيرة لـ”تنظيم” الدولة الاسلامية في منطقة بئر قصب في الجهة الشمالية للسويداء و درعا معاً ، فعاش الاعلام في درعا خلال اليومين الماضيين حالة من التشنج ما بين المترقب لمعرفة وجهة "تنظيم" الدولة الاسلامية جنوبا الى درعا او غربا باتجاه الغوطة الشرقية او ثباتا في المكان في الصحراء السورية و ما بين الداع لاستنفار مما يرونه خطر قادم باتجاه درعا التي تعتبر المحافظة الوحيدة التي لم تشهد أي تواجد لـ”تنظيم” الدولة الإسلامية منذ إعلان تشكيلها .
حتى ساعات قليلة اقتصر الأمر على التجاذب الإعلامي و ربما شهد مركز التنسيق العسكري الغربي (الموك) المسؤول عن العمل العسكري في الجنوب السوري حديثا في هذا الأمر كذلك ، إلى أن أعلنت مصادر في جبهة النصرة إرسالها تعزيزات عسكري وصفتها بالكبيرة إلى الحدود الشمالية الشرقية من منطقة اللجاة في درعا و المتاخمة لمنطقة بئر قصب التي تشهد تواجد لـ”تنظيم” الدولة الإسلامية حاليا ، و عللت النصرة الأمر بأنها ذاهبة لمواجهة قطاع الطرق و اللصوص الذين بايعوا الدولة هناك ، لينتقل الأمر فعلا من حدث اقتصر في درعا على الإعلام لما يبدو أنه تحرك سريع على الأرض قد يرسم ملامح مواجهة عسكرية وشيكة بل وشيكة جدا في الجنوب .

فما حقيقة هذا التحشيد ؟ و إلى أين يتجه ؟ و هل حقاً يريد "تنظيم" الدولة الإسلامية التمدد نحو درعا الآن ؟

بداية فمنطقة بئر قصب تشهد تواجدا لـ”تنظيم” الدولة الإسلامية منذ فترة طويلة و إن اقتصر الأمر فيها على عدد و عداد محدود ، كما أنها تشهد تواجد أوسع لجيش الإسلام ، شهدت المنطقة منذ عدة أيام اشتباكات بين الطرفين على خلفية مبايعة إحدى المجموعات الموجودة في المنقطة للدولة الإسلامية و التي تسمى بمجموعة "المكحل" قضى خلالها عدد من افراد جيش الإسلام و تم أسر أعداد اخرى منهم و من أحرار الشام كذلك بيد "تنظيم" الدولة الإسلامية و سيطرت الأخيرة على عدد من الأسلحة بينها دبابة لجيش الإسلام ، تلى ذلك تسارعا وصول أرتال لـ”تنظيم” الدولة الإسلامية قادمة من الشمال لتعزيز تواجدها في بئر قصب .

حتى هذه اللحظة لا يبدو أن درعا معنية بما يحصل على الرغم من أن هذه الأحداث تقع على تخومها الشمالية و على منفذها الوحيد باتجاه الشمال التي تسيطر على جزء منه "تنظيم" الدولة الإسلامية كذلك ، فـ"تنظيم" الدولة الإسلامية لم يبادر - أقلها حتى الآن - بالتقدم نحو مناطق درعا و لم تفتتح قتالاً مع فصائلها العسكرية .
فهل يجب على فصائل درعا أن تبادر هي لفتح جبهات القتال مع "تنظيم" الدولة الإسلامية تجنبا أن تبادرهم الهجوم ؟
الإجابة على هذا السؤال تحتم علينا معرفة وجهة "تنظيم" الدولة الإسلامية التالية بعد بئر قصب ، فإن كانت درعا وجهتهم فقد أصابت فصائل درعا بفتحها قتالا استباقيا لحماية نفسها من تمدد "تنظيم" الدولة الإسلامية و سنكون أمام معركة جديدة على الجبهة الجنوبية ، و إن لم تكن درعا وجهتهم فقد ارتكبت فصائل درعا الكارثة و " عاثت في عش الدبابير " الذي سيعطي للـ"تنظيم" فرصة و ذريعه فتح معركة الجنوب على أوسع أبوابها وسعيها لإنهاء ما بدأته في دير الزور !!

يبدو اليوم أن فصائل درعا تقف على حد السيف ، فهي تقاتل النظام في جبهة الشيخ مسكين و القنيطرة و بعض الجبهات الاخرى و أمام تحدي و خيار صعب بأن تذهب بنفسها لفتح جبهة جديدة مع "تنظيم" الدولة الإسلامية التي لم تعلن "رسمياً " نيتها التقدم نحو درعا حتى اللحظة مع وجود بعض الداعين لدخول درعا من قبل التنظيم .
خيار صعب قد يحدده معطيات عديدة على الأرض ، أهم هذه المعطيات و الذي علينا ألا نغفله أبدا هو جناح ابو ماريا القحطاني داخل جبهة النصرة في درعا فالأخير بعد انسحابه من دير الزور على وقع قتاله للدولة قد يجر جبهة النصرة في الجنوب نحو افتتاح مواجهة جديدة لا تملك فيها الأفضلية مطلقا وسط انحصار النصرة بين الآردن جنوبا و الدولة و النظام شمالا و يبدو فعلا أن هذا المعطى هو ما دفع النصرة إلى إعلانها الأخير .
أما النقطة الثانية فهو (الموك) نفسها ، فهل تريد ( الموك ) اليوم بدء فصائلها العسكرية في درعا بشكل أكبر لمواجهة "تنظيم" الدولة الإسلامية على غرار ما فعلته تركيا عبر تحريكها للعكيدي ؟ أم أنها ستقف مترقبة معركة بين النصرة و الدولة ينهي كلاهما الآخر على أبواب درعا و يمهد للفصائل التابعة (للموك) أن تبسط سيطرتها الكاملة وسط غياب الرايات السوداء بكافة اشكالها عن الجنوب وفي كلا الحالتين سيشكل الأمر تمهيدا للتحالف الدولي لبدء مهامه الجوية جنوبا .
و النقطة الثالثة تكمن في حالة من التخوف في صفوف فصائل درعا من حالات مبايعة جماعية لتنظيم الدولة الإسلامية قد تقوم بها مجموعات من الفصائل العسكرية فور وصول التنظيم للجنوب ولاسباب مختلفة


نحن أمام ساعات يقف فيها الجميع أمام برميل للبارود ، ففصائل درعا تمسك بفتيل و "تنظيم" الدولة الإسلامية بفتيل آخر و من يبدأ بإشعال فتيله سيفجر الجنوب كاملا ،

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٤
"إقالة" هيغل.. تخبط أوباما في سورية

لم تَنْطَلِ "مسرحية" الإعلان عن "استقالة" وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، على أحد، حيث إن جميع المراقبين في الولايات المتحدة يدركون أن ما جرى كان عملية عزل للرجل من الرئيس، باراك أوباما، الذي جاء به إلى المنصب، قبل أقل من عامين.
إقصاء هيغل بهذه الطريقة الفجة، والتي شملت اتهامات له من مسؤولين رفيعين، مجهولي الهوية، بضعف الأداء، يأتي في سياق استمرار تخبط إدارة أوباما وانقساماتها في الملفّين، العراقي والسوري، والحرب التي أعلنتها على "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش). وليس سِرّاً أن أوباما، والدائرة الضيّقة حوله، من المستشارين المدنيين، يقاومون ضغوط القادة العسكريين لتوسيع مستوى انخراط الولايات المتحدة في الحرب على جبهتي العراق وسورية، تحديداً.
ففي حين أن أوباما متمسّك بوعوده الانتخابية بأن ينهي أكثر من عقد من الحروب التي أشعلها سلفه، جورج بوش، ويرى أن الأمر يتعلق بإرثه الرئاسي، فإن جنرالاته، في المقابل، يطالبونه، الآن، بضرورة إعطائهم كل ما يحتاجون إليه لتحقيق نصر عسكري حاسم، في حربٍ هو نفسه من أعلنها. أوباما، المقاتل المتردد يريد أن يحصر حربه بضربات جويةٍ، وبالقيادة من الخلف، عبر تحالف دولي فضفاض، ويكافح لكي لا يضع قوات أميركية مقاتلة على الأرض، غير أن استراتيجيته المعلنة، يبدو، إلى الآن، أنها لا تعمل بالشكل والسرعة المطلوبين، خصوصاً في غياب "شريك يمكن الاعتماد عليه" في سورية، وترهل القوات العراقية. وهكذا، وجد أوباما نفسه وجهاً لوجه أمام قياداته العسكرية، وتحديداً، رئيس هيئة الأركان، الجنرال مارتن ديمبسي، الذي أغضب البيت الأبيض، غير مرة، بتلميحاته المتكررة عن احتمال طلبه قوات أميركية مقاتلة على الأرض، غير التي تلعب دوراً استشارياً، أو تدريبياً. وبسبب هذا الخلاف الذي خرج إلى العلن، كانت التضحية بهيغل.
عندما رشح أوباما هيغل، ليكون وزير دفاعه، مع بدء فترة رئاسته الثانية، مطلع عام 2013، فإنه كان يرى فيه حليفاً لمسعاه في تقليل جرعات العسكرة في السياسة الخارجية الأميركية. وعزز من قناعة أوباما بهيغل أن الأخير خدم فترتين في مجلس الشيوخ الأميركي، عضواً عن الحزب الجمهوري، وكان أحد الجمهوريين القلائل الناقدين لسياسة إدارة بوش الابن في العراق. وبسبب مواقف هيغل من أسلوب إدارة الملف العراقي، وانتقاده مبالغة إدارة بوش بالاعتماد على القوة العسكرية، في سياستها الخارجية، فإنه طور علاقة قريبة مع عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، في ذلك الحين، باراك أوباما، بشكل أغضب جمهوريين كثيرين.
وفعلاً، لم يخيّب هيغل ظن أوباما، فهو أشرف على خفض ميزانية وزارة الدفاع الأميركية، وساهم بشكل فعال في الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية في أفغانستان، وحرص على تنفيذ انعطافة إدارة أوباما نحو منطقة المحيط الهادئ في آسيا، غير أن بروز خطر "داعش" في يونيو/حزيران الماضي، وسيطرتها على مدينة الموصل ومناطق أخرى واسعة في العراق، ثمَّ توحيدها تلك المناطق مع المناطق التي تسيطر عليها في سورية، فرض تحدياً جديداً أمام إدارة أوباما.
في السياق العراقي، لم يجد أوباما مشكلة كبيرة في تحديد موقفه، خصوصاً بعد أن أطيح رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، شرطاً أميركياً للتدخل ضد "داعش" هناك. صحيح، أن أوباما يعتبر الانسحاب من العراق، أواخر عام 2011، أحد أهم إنجازاته الرئاسية، غير أن عدم وقف تقدم "داعش" كان يعني تلطيخاً لذلك الإرث. ولأن العراق يتوفر على حكومة تعترف بها الولايات المتحدة، فإن أوباما أعلن أن العون الأميركي سيقتصر على التدريب والتسليح والدعم، عبر سلاح الجو للقوات العراقية والكردية، غير أنه اضطر، في مرحلة لاحقة، إلى أن يضع "مستشارين" عسكريين أميركيين على الأرض، ليوجهوا الضربات الجوية، ويعينوا القوات العراقية والكردية في جهودهم للتصدي لتنظيم الدولة.

" تخبّط أوباما وتردّده في سورية جعل من نكبة السوريين ورقة على طاولة الصفقات الأميركية-الإيرانية المتوخاة "

معضلة أوباما الحقيقية هي في سورية، فهو، وإن كان قد طالب، منذ سنوات، بضرورة تنحّي الرئيس، بشار الأسد، وأعلن، غير مرة، أن المذكور فاقد للشرعية، إلا أنه بقي يصر على أن الحل ينبغي أن يكون سياسياً، وذلك على الرغم من فشل مؤتمرين في جنيف، جراء تعنت النظام السوري. وحتى عندما تجاوز الأسد خط أوباما الأحمر، واستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، في أغسطس/آب 2013، فإن أوباما تراجع عن تنفيذ وعيده، بشن ضربة عسكرية على قوات النظام. أكثر من ذلك، فإن أوباما، دائماً ما عارض تسليح قوات المعارضة السورية "المعتدلة"، على الرغم من ضغوط وزيري خارجيته ودفاعه السابقين، هيلاري كلينتون، وليون بانيتا، ومعهم رئيس جهاز المخابرات المركزية السابق، الجنرال ديفيد بترويس.
ولم تُجْدِ نفعاً كل الضغوط على أوباما، من بعض حلفائه العرب والإقليميين، وفي مقدمتهم السعودية وتركيا، وبدعم من وزير خارجيته الحالي، جون كيري، وهيغل نفسه، بضرورة تسليح "المعارضة المعتدلة" بأسلحة نوعية، وتحديداً صواريخ أرض-جو المحمولة على الكتف للتصدي لطيران النظام الحربي.
تخبّط أوباما هذا، ما بين عدم اعترافه بشرعية الأسد، وفرضه "فيتو" على تسليح "المعارضة المعتدلة"، أحدثَ فراغاً في سورية ملأته "داعش". ومع إعدامها مواطنيْن أميركيين، وإعلان إدارة أوباما الحرب عليها في سورية والعراق، في سبتمبر/أيلول الماضي، جنى أوباما حصاد تخبطه سنوات. فهو قد "اكتشف" فجأة أنه لا يملك "شريكاً" يمكن الاعتماد عليه على الأرض السورية، وأنّ من يستفيد من قصف مواقع "داعش" هو النظام السوري. هذا ما قاله هيغل نفسه في مذكرةٍ بعثها إلى البيت الأبيض، أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مطالباً بوضع استراتيجية للتعامل مع نظام الأسد، الأمر الذي أغضب البيت الأبيض.
وهكذا، انتهى الأمر بهيغل الذي جيء به لينفذ "رؤية" أوباما الضبابية، أن يكون خصماً لها، ووجد نفسه في صف جنرالات وزارته الذين يَشْكونَ من تكليفهم بحرب، من دون أن يعطوا ما يحتاجون إليه للانتصار فيها.
اللافت في هذا السياق، أن ثمة من السوريين من لا زال يراهن على دور لإدارة أوباما في تخليصهم من نظام الأسد وطغيانه، في حين أن مسؤولي إدارته يصرّحون، ليل نهار، إنه لا يوجد بديل عملي للأسد اليوم. إنها الحقيقة المُرَّة التي لا يريد كثيرون أن يعترفوا بها. فتخبط أوباما وتردده في سورية جعل من نكبة السوريين ورقة على طاولة الصفقات الأميركية-الإيرانية المتوخاة. ومن دون تمرد تركيا، والمحور العربي المعارض للأسد، على الفيتو الأميركي، بتسليح الثوار بما يحتاجون إليه، أو سبر غور إمكانية اجتراح صفقة سورية-سورية، لا أميركية-إيرانية، ستبقى سورية في الفوضى المدمرة التي تعيشها، اليوم، سنوات مقبلة.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٤
أنصاف الحلول أشد خطراً من بلا حلول ؟!

أقدّر كل جهد صادق من أجل رفع المعاناة عن أهلنا في الشام في البحث عن حل أزمته التي طالت، للجاهد منه بدايته متغافلا عن نهاياته ومآلاته، فعلى الساعي إلى مثل هذه الحلول الاعتبار من  مآلات حلول سابقة اُستوردت من هنا أو هناك لا تناسب بيئة ولا هواء، فضلاً عن أن قواعد اللعبة واللاعبين والمتلاعبين في هذه المنطقة أو تلك تتباين وربما تتناقض تماماً مع قواعد مماثلة لها في مناطق أخرى..

علّمنا التاريخ أن أنصاف الحلول  تكون كالأسبرين مع مريض السرطان أو نحوه، فقد  ينفع الأسبرين في  تسكين الألم، ولكنه ألم سريعاً ما يعود، لا سيما إن تعوّد عليه الجسم، فحينها لن تنفعه أسبرين ولا ما فوقه، وستنفجر الأزمة حال اختفاء المسكّن بشكل يكون أكثر إضراراً بالوطن والمواطن.

الإشكالية الأساسية في النظام السوري وغيره من الأنظمة الاستبدادية الشمولية الديكتاتورية ليس في رأس النظام ولا في هرمه، فالهرم إنما يشكل رأس قمة جليد تُخفي أسفلها جبلاً جليدياً مصمتاً من الاستبداد والديكتاتورية ورفض الآخر، لا سيما وأن هذه الأنظمة قد تغذّت على مدى تاريخها الاستبدادي على الدم والقتل والتشريد والاعتقال، فحياتها ومصلها ودمها هو بإهانة المواطن واحتقاره، والسعي إلى نقل هذا الجسم المصمت غير الانساني والبشري إلى حياة بعيداً عن جوه وطبيعته الدموية، تماماً كزرع أشجار المانغو في سيبيريا أو زرع أشجار تلائم بيئة الأخيرة في مناطق خط الاستواء..

قد يخرج عليك المشفقون أو ممن يتظاهرون بالإشفاق فيلقون عليك المحاضرات في أن الشعب قد تعب وسئم من الحرب، وأنك تعيش في برج عاجي بعيداً عن اهتمامات الشعب،  وكأنه هو يعيش في الغوطة أو في حلب أو في المدن السورية الصامدة الصابرة، وكأنه وكيل عن شعب انتفض ضد نظام مجرم استبدادي منتصراً لكبريائه وعزته، ويتعامى هؤلاء عن حقيقة ناصعة جلية أن الشعب السوري في الداخل أكثر صموداً ممن هم في الخارج، وأنه لم يعبر يوماً عن تأفف أو غضب لما آلت إليه أوضاعه، فضلاً عن غضبه من انبطاحية البعض في الخارج بحجة استحرار القتل في الشعب السوري، فاندفع إلى السراب الذي اندفع إليه غير مرة فلم يجد عنده شيئاً..

الشعب السوري لم ينتفض ضد الطاغية بشار كشخص وإنما انتفض ضد نظام متكامل، وهو الانتفاض الذي بدأت باكورته منذ مطلع السبعينيات بوصول الطاغية الأب حافظ أسد  إلى السلطة واستمر في انتفاضته حتى الثمانينيات،  ولكن خبا في وقت من الأوقات لظروف ليس المكان لتفصيلها، ثم عاد وانتفض الشعب من جديد في آذار 2010 مطالباً بالحرية،  وبالانشقاق عن دولة العبيد.. دولة المخابرات، ولذا ما لم تتفكك دولة المخابرات ذات الـ 17 جهازاً، وتعود سوريا دولة القانون فإن الوضع سيكون أخطر مما نعيشه اليوم، حينها سينتقم هؤلاء من كل من انتفض ضدهم، ولنا في تجربة الثمانينيات عبرة وعظة، وهنا اسأل كل من يريد التصالح مع دولة عميقة بعمق جهاز المخابرات السوري هل يجرؤ هو نفسه على النزول إلى سوريا في حال عملية المصالحة، حينها سيكون مصيره كمصير من دهسته سيارات المخابرات بعد إفراجها عن بعض المعتقلين في التسعينيات، والفارق بين تلك الفترة والآن هو أن حينها لم يكن هناك ثورة ولا انتفاضة أذاقتهم مر الكأس.

ما جرى في دول باجتراح حلول سهلة سريعة مستوردة لا تحقق طموحات المنتفضين والثوار رأينا نتائجها اليوم في مصر وليبيا واليمن وتونس، فما لم يُحاسب الطغاة المستبدون ويُحاكموا في محكمة الثورة ويلقوا جزاءهم في ساحات التحرير والثورة والاعتصام فإن دولة المخابرات العميقة في ربيعنا العربي ستظل الحاكم بأمرها، وستعود حليمة إلى عادتها القديمة ..

النظام العالمي كما النظام المحلي بُني منذ الدولة القومية القطرية البائسة والسيئة الصيت والسمعة على النظام المخابراتي، وكل التحركات السياسية والديبلوماسية الظاهرة والمستترة لا تعكس حقيقة الأنظمة المستبدة عربية كانت أو أميركية أو روسية، غربية أو شرقية، فما يعكسها حقيقة هو النظام الأمني المخابراتي، وبالتالي فغضبة الشعب السوري وغيره لم تكن إلا ضد هذا الدولة المخابراتية العميقة التي سامته سوء العذاب على مدى عقود، وربما هذا ما يفسر تضافر جهود عالمية مشتركة بأشكال متعددة  لسرقة الثورة السورية، والسعي إلى إطالة معانات الشعب، لكن لم يعد للشعب ما يُخشى عليه بعد كل هذا الدمار والخراب.

 قد تكون ثمة قوى تجارية متنفذة لا تزال تحافظ على مكتسباتها التي اكتسبتها من قوت الشعب لعقود، هذه القوى التي تحالفت مع نظام الإجرام لا بد أن تلقى عاقبتها أيضاً وأن تُعيد ما نهبته من الشعب على مدى عقود، فإن كان ثمة دولة مخابراتية عميقة في سوريا، فهناك دولة تجار عميقة فيها وفي غيرها، تحالفت مع النظام ووقفت في وجه طموحات السوريين في السبعينيات والثمانينيات، وها هي تحاول الآن من جديد  بذرفها دموع التماسيح على ما تبقى من الشعب السوري أن تُنقذ نفسها من حبل مشنقة الثورة السورية، هذه الدولة التجارية العميقة لا بد أن تتفكك، ويعلم معها الشعب السوري حقيقتها وجوهرها، وكيف تشكلت وما هي خيوطها، ومن هم واجهاتها، لتعود التجارة والصناعة متصالحة مع الثورة والثوار ومتصالحة مع مصالح الشعب، لا استغلال ولا استعباد..

إن من طرح فكرة الحوار السوري _السوري سابقاً أعفى يومها الأمم المتحدة من مسؤوليتها في حفظ الأمن والسلم في سوريا، ووجدتها فرصة ذهبية لتتحلل من كابوس أخلاقي يطاردها تجاه المأساة السورية ، هو نفسه  من يطرح اليوم حواراً جديداً مارثونياً مع نظام يريد الحوار من أجل الحوار لتبدأ عملية استنساخ المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، فنعمت اسرائيل بدفء العلاقات العربية والعالمية، وهو ما سيتكرر ويفوز الطاغية بعودة علاقاته الديبلوماسية مع العرب وغيرهم، بإعادة إنتاج نفسه، ويتحضر الوسيط العماني إلى مهمة جديدة؟!

أخيراً ما يأمله الشعب السوري هو تحرك ممنهج ومدروس، يرقب العواقب البعيدة كما يهتم بالمصائب القريبة، لا تحرك فزعة على ما تعودنا عليه و عُوّدنا عليه في حياتنا الاجتماعية كما السياسية، فأهل الاختصاص والمعنيون ينغبي أن يكونوا هم أول من يعلم لا  آخره، فعهد البصم وحاضر سيدي ألغته الثورة السورية، فهذا عهد الشفافية والعمل تحت الشمس؟!،

الصمود الأسطوري للشعب الشامي وانتصاراته المتلاحقة رغم كل التآمر العالمي عليه وعلى ثورته سيكون الصخرة التي تتحطم عليها كل أحلامهم ومخططاتهم الشريرة.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٤
في الكشف عن مستور كرد النظام السوري

توضيحاً لمن يشك، ولو للحظة، (ومن دون أن أكون ناطقاً مخولاً)، أستطيع الجزم بأن المزاج العام في اللحظة الراهنة للوطنيين الكرد السوريين، في سائر أجزاء جسم الحركة الكردية، مجموعات وأفراداً، ليس بصدد افتعال المعارك، بأنواعها، مع الأحزاب عامة، وجماعات حزب العمال الكردستاني (ب ك ك )، خصوصاً، وبما أن الأخيرة هي البادئة بالإلغاء والتخوين، أقول: نحن الأصل، وهي الطارئة، نمتد من خويبون، مروراً بالمحاولات الأولى لتنظيم الفعاليات الثقافية والسياسية والحزب الديموقراطي الكردستاني في سورية المنبثق، في أواسط الخمسينيات، واليسار القومي الديموقراطي الذي دشنه كونفرانس الخامس من أغسطس/آب 1965، وانتهاء بالحراك الشبابي الثوري والمستقلين ومنظمات المجتمع المدني، المهنية والثقافية والإعلامية، المشاركين في الثورة السورية، منذ اندلاعها، بنضالنا وتضحياتنا، خلال عقودٍ، حافظنا فيها على وجود شعبنا من الاندثار، وعلى قضيتنا من الضياع، وجسدنا شخصيتنا القومية ضمن إطار القضية الوطنية السورية، في مواجهة نظام الاستبداد، حسب معادلة متوازنة وتفاعل إيجابي. أما تلك الجماعات الخارجة من رحم المنظومات الأمنية الحاكمة في الدول المقسمة للكرد، ووطنهم التاريخي، فقد جاءت جزءاً من مشروع هذه المنظومات، العنصري – الطائفي، ومخلباً لمواجهة نهجنا الوطني المعبر عن إرادة الشعب ومصالحه، ونصيراً لنظام الأسد الأب في إبطال مشروعية كرد سورية شعباً وقضية.
وعلى الرغم من فشل – السيستيم – الحزبي، والسقوط المدوي لسياساتها، إلا أننا كنا سنقول كلمتنا بالإيجاب، لو حملت هذه الجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني بديلاً أفضل من الأحزاب الكردية السورية القائمة، والتي تفوق العشرين، لكنها جاءت بالأسوأ، حيث إضافة إلى كونها، كما ذكرنا، جزءاً من مشروع النظام، مثل غالبية الأحزاب الأخرى، نقلت إلى مجتمعنا حزمة من العادات السيئة والردات الفكرية والثقافية والسياسية، من جملتها: عدم قبول الآخر المختلف، بل تخوينه وتصفيته بقوة سلاح السلطة، وعبادة الفرد، والنزعة الفاشية، وإخفاء الحقيقة عن الشعب، ونشر الأضاليل الإعلامية، وتقديم كرد سورية وقضيتهم قرباناً في بازار المساومات بين (ب ك ك) من جهة وأنظمة سورية وإيران وتركيا من الجهة الأخرى.
نعلم تفاصيل علاقات هذه الجماعات بالنظام السوري، منذ حط زعيمها الرحال في ضيافة جميل الأسد، شقيق الدكتاتور الأب وعم المستبد الابن، بداية الثمانينيات. وفي مرحلة لاحقة منذ ثلاثة أعوام، وهي تنكر لفظياً من دون إقناع أحد. ومن دون الذهاب بعيداً، ومن دون تكرار ممارساتها منذ بداية الثورة السورية، نأتي، على سبيل المثال لا الحصر، بقرائن قريبة، ففي الندوة المقامة في برلمان الاتحاد الأوروبي، قبل أيام، أعلن مسرور بارزاني، في مداخلته، عن إدانته نظام الأسد، الذي ساهم في ظهور "داعش"، في حين سكت ممثل هذه الجماعات، ولم يشر إلى ذلك، لا من قريب أو من بعيد، علماً أنه، كسوري، معني بالقضية السورية، وكان الأولى بإدانة النظام والمطالبة بإسقاطه، إن لم يكن متورطاً، وأمام إعلان وليد المعلم، وزير خارجية الأسد، في صحيفة الأخبار اللبنانية، أن نظامه لم يتوقف عن إرسال السلاح والذخيرة إلى كوباني، مع شهادته عن حسن سلوك هذه الجماعات، وتهجمه على السيد رئيس إقليم كردستان. أليس مطلوباً، إن كانت الجماعة صادقة وواثقة من نفسها، ردّاً مطولاً من قيادتها السياسية حول هذه المسائل؟
تمارس هذه الجماعات أساليب مليشيات وشبيحة الأسد وإيران نفسها. وبعدما كان حسن نصرالله قد انتقد التدخل الأميركي والأوروبي في العراق وسورية ضد "داعش"، عاد، فاستدرك، بعدما تبين أن الضربات الأميركية في العراق منسقة، تماماً مع إيران التي تقود العمليات على الأرض، والتي أرسلت قاسم سليماني، ليتولى ذلك بنفسه، وليضمن عدم خضوع بغداد لضغوط واشنطن التي تطالبها بتسليح العشائر السنية في الأنبار، ثم قرر أن حزبه جزء من حرب التحالف الدولي على تنظيم البغدادي، وقال: "سنلحق بهم الهزيمة في كل المناطق والبلدان، وسيكون لنا شرف أننا كنا جزءاً من ذلك"، وحذت هذه الجماعات حذو نصرالله، فقد كانت ضد أي تدخل أجنبي في سورية، كما هي سياسة هيئة التنسيق، وهي عضو فيها، وتفتخر، الآن، بأنها جزء من التحالف الدولي ضد "داعش".
ركبت هذه الجماعات، وخصوصاً المسؤولين السياسيين عنها، موجة الدفاع عن كوباني، وتحاول استثمار معاناة أهلنا هناك الذين يواجهون، بغالبيتهم الساحقة، نظام الاستبداد، منذ اندلاع الثورة السورية، وظهر بينهم مناضلون أشداء، في وقت ظهرت فيه هذه الجماعات بالضد من إرادتهم والحؤول دون مواصلتهم كفاحهم الوطني، ثم التفرد بالسيطرة بقوة السلاح على مقدرات المدينة وريفها، كسلطة الأمر الواقع، وعدم إفساح المجال لأي طرف، أو فئة، أو مجموعة، من المشاركة في إداراتها، ثم عجزت عن مواجهة جحافل "داعش" التي احتلت أكثر من 300 قرية، وصولاً إلى قلب المدينة، ولولا ضربات التحالف الدولي من الجو، ومشاركة فصائل من الجيش السوري الحر وفزعة بيشمركة كردستان العراق (في إطار التوافقات الإقليمية)، لكانت المدينة في وضع آخر، وهذا لا ينتقص أبداً من البطولات الفردية المشهودة للمدافعين من قوات وحدات حماية الشعب (ي ب ك) الذين ننحني لهم تعظيماً وتقديراً، وكذلك لمقاتلي الفصيلين الآخرين.
"جماعة (ب ك ك) إشكالية، ومتهمة، ومشكوك في أمرها، وغير مقبولة كرديّاً وسوريّاً وإقليميّاً ودوليّاً
"

صمود أهلنا في كوباني الكردية السورية، وبطولات المدافعين عنها، استحوذا على اهتمام الرأي العام، وجلب التعاطف للكرد، شعباً محروماً من الحقوق، منذ تشكل الدولة السورية، وليس لحزب أو جماعة، خصوصاً إذا كان على شاكلة جماعات (ب ك ك) الإشكالية، والمتهمة، والمشكوك في أمرها، وغير المقبولة كرديّاً وسوريّاً وإقليميّاً ودوليّاً. لذلك من الضرورة بمكان تحويل هذا التعاطف والدعم إلى وجهتهما الحقيقية، وتعزيز الصمود أمام كل من إرهاب (داعش) والنظام المستبد وترتيب البيت الكردي، عبر مؤتمر وطني عام، يغلب عليه المستقلون وممثلو الحراك الشبابي الكردي، وإعادة بناء العلاقات المصيرية مع قوى الثورة والجيش الحر على أسس متينة واضحة.
السبيل الوحيد لاستعادة الثقة المفقودة، وفي هذه الظروف الشديدة الخطورة، قيام هذه الجماعات بمراجعة جدية وفي العمق، تبدأ بالاعتراف والإعلان التفصيلي عن علاقاتها السرية، القديمة والحالية، مع نظامي الأسد وطهران، وعدم استخدام السلاح والعنف في الخلافات السياسية، وممارسة النقد الذاتي والاعتذار للكرد، ولكل السوريين، والكشف عن كل عمليات التصفية والخطف في حق المناضلين الكرد وضباط الجيش الحر من كرد وغيرهم، والتعهد أمام الشعب بعدم الإقدام على أي عمل يسيء إلى القضية الكردية والثورة السورية. عندها، سيتمكن الكرد السوريون من توحيد صفوف حركتهم الوطنية، والمساهمة بفعالية، وبكتلة واحدة في القضايا الوطنية والثورة، وينتفي الاحتقان، وتعاد الثقة المفقودة إلى الساحة السياسية.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٤
بوتين والأسد... رئيسان للأبد

لا أحد يشبه بشار الأسد أكثر من فلاديمير بوتين. كلاهما يتوسل العنف للبقاء في السلطة، الأول في الداخل بعدما أُجهض تمدده خارجياً، والثاني في الخارج تلافياً لمحاسبة داخلية. وكلاهما يحتالان على الواقع من خلال نظام ودستور وُضعا لخدمة هذا الهدف الوحيد، أياً تكن العواقب على بلديهما.

يتصرف حاكم دمشق الذي لم يعد يسيطر على اكثر من 35 في المئة من الاراضي السورية وكأنه لا يزال الحاكم المطلق لسورية، فلا يفوّت مناسبة للادلاء بتصريحات ومواقف امام زواره المقتصرين على مسؤولين ايرانيين وروس من الصف الثالث وبعض السياسيين اللبنانيين. فيخطب عن «الشعب السوري»، قاصداً القلة القليلة التي تعيش، لضيق السبل، مذعورة في مناطق تخضع لعسف اجهزة استخباراته وميليشياته، ويتحدث عن «مكافحة الارهاب» الذي كان بين أول مبتكريه ومشجعيه ولا يزال يدير الكثير من تنظيماته، ولا يخجل من تعداد شروطه لوقف الحرب على مواطنيه، ولا من ترداد تصنيفاته في «الوطنية» و «الحكم الرشيد»، ولا يتورع عن اعتبار نفسه مرشحاً دائماً الى أي انتخابات في اي وقت، وسط تصفيق بطانته المُداهنة.

وقلما تمر مناسبة من دون ان يشكر الاسد طهران وموسكو اللتين لم يكن ليبقى في موقعه من دون دعمهما المتعدد الاشكال، وخصوصاً العسكري.

اما بوتين الذي أمضى حتى الآن 14 عاماً في الكرملين، فصلت بينها ولاية شكلية لكبير موظفيه ديمتري ميدفيديف الذي لا لون له ولا طعم، فبشّر الروس بأنه لا يستبعد الترشح الى ولاية رابعة في 2018، تبقيه جاثماً فوق رؤوسهم حتى 2024 فقط، في حال لم يستجب لرغبة «نواب الشعب» ويعدل الدستور بما يمنحه الرئاسة مدى الحياة.

ولا يبالي «القيصر الصغير» المتحذلق بأن مغامرته الحمقاء في أوكرانيا توقع بلاده في عزلة سياسية متنامية مثلما حصل في قمة «مجموعة العشرين»، وعقوبات اقتصادية «كارثية» على حد تعبيره، قد تعيدها عقوداً الى الوراء. فالمهم بالنسبة اليه إثبات انه قادر على مقارعة «الاعداء» الذين يريدون «إخضاع الروسيا»، سعياً الى اسكات معارضيه في الداخل الذين يشبههم بـ «الفيروس»، بعدما جرب السجن والاغتيال وسلسلة قوانين أمعنت في «تطهير» المؤسسات.

ويتناسق طريقا الاسد وبوتين في اقتراح موسكو رعاية «حوار بين السوريين» يكون حاكم دمشق احد طرفيه، ويكون الثاني من يختاره هو للجلوس قبالته. اما هدف الحوار الذي لم تعلق طهران عليه، فليس ايجاد بديل من الاسد، او حتى حكومة انتقالية بصلاحيات تتولاها المعارضة في وجوده، بل «البحث في مواجهة خطر الارهاب الدولي»، في استخفاف واضح بمئات آلاف الضحايا السوريين الذين سقطوا، ولا يزالون يسقطون، بأسلحة الجيش النظامي، في مجازر يومية.

ويلجأ المسؤولون الروس الى اساليب بدائية لاقناع المعارضة السورية بأن موقفهم «تغير» من الاسد ونظامه، عبر تسريبات ووعود يقطعونها الى بعض الشخصيات التي تحظى برضا دمشق، بهدف تشجيعها على لعب دور في زيادة انقسام المعارضة وإرباكها، لكنهم سرعان ما ينفون هذه التسريبات مؤكدين تمسكهم بشاغل قصر المهاجرين.

وبانتظار موافقة لن تأتي على مشاركة المعارضة في هذا «الحوار»، تستقبل موسكو اليوم وفداً من النظام برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم الذي تبين في لقاءي جنيف انه لا يملك اي صلاحيات تفاوضية مع اي كان، وان قرار دمشق يبقى بيد طهران، بالوكالة عن ربيبها الاسد.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٤
لماذا التسويف في سوريا؟

رغم التسريبات الأخيرة عن خطة مرحلية للحل في سوريا وما أثارته من ضجة، فإن هناك مؤشرات قوية على أنه لا حل في الأفق، وأن المجتمع الدولي ما زال يتخبط في تعامله مع الأزمة السورية.
استقالة أو إقالة وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل قبل أيام قليلة جاءت لتؤكد هذا الأمر ولتثبت أن سياسة البيت الأبيض إزاء سوريا ما تزال مضطربة، وأن التوجه العام هو التأجيل وترحيل الأزمة. فقد تحدثت مصادر أميركية عن أن هيغل كان قد بعث أخيرا بمذكرة إلى البيت الأبيض عبر فيها عن قلقه بشأن الاستراتيجية إزاء سوريا وطالب بموقف أكثر وضوحا فيما يتعلق بمستقبل نظام الأسد، كما حذر من أن تجاهل الموضوع السوري سيضر باستراتيجية أميركا لدحر «داعش».
إذا كان هذا موقف وزير الدفاع الذي وصف بأنه كان ينفذ سياسة البيت الأبيض بدقة رغم تحفظاته عليها، تصبح الخلاصة هي أن المشكلة في الاستراتيجية، وتصبح الرسالة هي أنه لا تغيير في سياسة الغموض والتردد، وأن التوجه هو ترحيل الأزمة والتركيز على مواجهة «داعش». إدارة أوباما كما يبدو تركز أيضا في هذه المرحلة على الملف الإيراني، وتستثمر كثيرا من الجهد والوقت في محاولة التوصل إلى تسوية فيه، وربما يصبح الملف السوري مرتبطا بما يحدث مع إيران، الحليف الأساسي لنظام الأسد. فإدارة أوباما كما يتردد تريد التعاون مع إيران، حتى ولو بشكل غير مباشر، في الحرب على «داعش»، وترى دورا لها في الحرب على الإرهاب سواء في العراق أو في سوريا.
الصورة تصبح أكثر التباسا لأن النظام السوري يستفيد بلا شك من غارات التحالف على مواقع «داعش»، ولم يخف اغتباطه بها إلى حد أن بعض وسائل إعلامه تحدثت عن حرب «في خندق واحد» مع أميركا ضد الإرهاب. فحتى إذا اعتبرنا أن النظام السوري يبالغ في هذا الوصف، فإن ما يجري تسريبه في العواصم الغربية عن خطط «للتهدئة» المرحلية في سوريا عبر هدنات محلية بين النظام والمعارضة «المعتدلة»، يؤكد أن التفكير السائد هو تأجيل البت في مصير النظام السوري وتخفيف الضغط على قواته لكي تواجه «داعش». بمعنى أوضح بات النظام السوري جزءا من الاستراتيجية الغربية لمواجهة ما يسمى «الدولة الإسلامية» ودحرها.
آخر تسريبات خطط «التهدئة» تمحور حول تقرير بعنوان «خطوات لحل الصراع السوري» أعده معهد الحوار الإنساني، وهو مركز دبلوماسي مقره جنيف. خطة التقرير جرى تداولها على نطاق واسع بعد تسريبها من قبل أحد أعضاء المركز الذي أرسل تفاصيلها إلى عدد من الصحافيين والمهتمين، وبالطبع فإن تسريب أمر إلى الصحافة يعني أن الغرض هو النشر مهما قيل خلاف ذلك. اللافت أيضا أن التسريب تزامن مع إعلان ستيفان دي ميستورا، المبعوث الثالث للأمم المتحدة منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011. عن اقتراح أو بالأحرى خطة للتهدئة، تنطلق بداية من «تجميد» القتال في حلب، لتخفيف المعاناة الإنسانية في المدينة. ويرى دي ميستورا أن الخطة إذا نفذت، ستكون نموذجا لاتفاقات أخرى في مواقع مختلفة.
هذا الطرح ذاته يمثل جوهر التقرير - الخطة الذي أعده خبراء معهد الحوار الإنساني وتوصلوا فيه إلى أن التهدئة المرحلية عبر اتفاقات هدنة محلية في المدن والمواقع المختلفة قد تشكل النموذج الأفضل لوقف العدائيات. ويستند المعهد في رؤيته هذه إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق شامل للهدنة بسبب تعدد الفصائل المعارضة والخلافات والتباينات بينها، ويرى أنه في غياب أي خطة بديلة واضحة من الدول الغربية وبالذات من الولايات المتحدة فإن الأمل الوحيد هو في تحقيق تهدئة متدرجة عبر اتفاقات هدنة جزئية ومحلية. وتفترض هذه الخطة أن تتبع الهدنات الجزئية، انتخابات للمجالس المحلية، وأن يهيئ ذلك لانتخابات عامة تحت إشراف دولي.
التقرير فيه خلاصتان ستصيبان المعارضة بالإحباط؛ الأولى أن «الحل في المستقبل القريب لا يتمثل في انتقال السلطة أو تقاسمها، بل في تجميد القتال والإقرار بأن سوريا أصبحت لا مركزية بفوهة البندقية». أما الخلاصة الثانية كما نشر في التسريبات فهي أنه من الأفضل الحفاظ على بنية الدولة حتى لو كان ذلك يعني بقاء سلطة النظام للمستقبل القريب، بدلا من المغامرة بانهيار النظام وضياع الدولة بوقوعها في أيدي «الجهاديين» الذين يتمددون على حساب المعارضة المعتدلة.
الأزمة السورية ستبقى كما يبدو في غرفة الانتظار لأنه لا توجد استراتيجية واضحة للحل، والمطروح الآن لا يعني سوى التأجيل سنوات قد تتغير خلالها الأوضاع والحسابات، أو في أسوأ الأحوال تتفكك سوريا بين الأطراف المتصارعة، مثلما تفكك العراق في ظل الفوضى، والصراعات الداخلية والإقليمية، والحسابات الدولية. فنحن نعيش كما يبدو مرحلة تدمير الدول وتفكيكها من الداخل.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٤
مقترحات دي مستورا في سورية: تسويات صغيرة تصطدم بعوائق كبيرة

يسعى ستيفان دي مستورا، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، لحشد التأييد الدوليّ والإقليميّ لمقترحاته المتعلقة بـإقامة مناطق صراع "مجمَّدة" في مناطق سوريّة مختلفة، وفي مقدمتها مدينة حلب، والتوصل إلى هدناتٍ أو مصالحاتٍ مؤقتةٍ تتيح ممارسة إدارة ذاتيّة في هذه المناطق، ويجري التعبير عن هذه الإدارات من خلال مجالس محليّة منتخبة أو توافقيّة يتمّ فيها تمثيل فصائل المعارضة المسلحة بحسب حجم كلّ فصيلٍ وفاعليته. ولكن، ثمة عوائق جمّة تحول دون نجاح هذه الخطة التي تستهدف تحقيق تسويات محلية.


خطة لتحريك الجمود

عُيِّن دي مستورا في منصبه الحالي في مطلع تموز/ يوليو 2014 مع انسداد أفق الحل السياسيّ في الأزمة السورية، وذلك بعد فشل مؤتمر "جنيف 2"، وعجز الأطراف الراعية للمؤتمر عن إطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة، ثمّ إصرار النظام على إجراء الانتخابات الرئاسيّة في سورية في 3 حزيران/ يونيو 2014، والتي نسفت ما تبقى من آمال المبعوث السابق الأخضر الإبراهيمي بشأن بيان "جنيف 1"، والمتعلق بإنشاء هيئة حكم انتقاليّة كاملة الصلاحيات تمهِّد الطريق لحلٍ شاملٍ للأزمة. وقد تزامن تعيين دي مستورا مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وتوسّع نفوذه بعد سقوط الموصل في 10 حزيران/ يونيو 2014، وسيطرته على مساحات واسعة في سورية والعراق، ثمّ إعلانه الخلافة الإسلامية في 29 حزيران/ يونيو 2014؛ ما أدى إلى تراجع الاهتمام الدوليّ بالحل السياسيّ للأزمة السوريّة، مقابل تركيز القوى الكبرى، وبخاصة الولايات المتحدة، على أولوية التفاوض مع إيران حول ملفها النووي من جهة، واحتواء تنظيم "داعش" ووقف تمدِّده في العراق وحرمانه من " الملاذات الآمنة" في سورية من جهة أخرى.

واعتمادًا على قراءته للتشابك الدوليّ والإقليميّ وتناقض المصالح وتغيّر الأولويات، واستنادًا إلى تجربته الشخصيّة كوسيطٍ دولي في صراعات مثل كوسوفو ولبنان والعراق والسودان وغيرها، وعمله كممثلٍ خاصٍ للأمم المتحدة في أفغانستان، انطلق دي مستورا من فكرة أنّ الأزمة السوريّة هي نزاع أهليّ مركّب وأزمة دوليّة بالغة التعقيد يصعب حلها في المدى المنظور أو المتوسط. لذلك، اختار مدخلًا يختلف عن نهج سلَفَيه كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، وركز على حلولٍ جزئيّةٍ وأهدافٍ متواضعةٍ تتمحور حول خفض مستوى العنف وتحسين وصول المساعدات الإنسانية، وزرْعِ ما سماه "بذورٍ لعملية سياسية شاملة" بدلًا من الاستمرار في الرهان على توافقٍ دولي وإقليمي يؤدي إلى وضع بيان "جنيف 1" موضع التنفيذ. بمعنى آخر، لم يقدِّم دي مستورا تصورًا لحلٍ شاملٍ للأزمة، بل قدّم ما يعتبره محاولةً "لتحريك" العجلة لإيجاد حلٍ لها. وبهذا، فهو لا يفكّر بحلٍ جذريٍ للأزمة السوريّة بل بحلٍ لمهمته بحيث تحقق نجاحًا ما في شأنٍ ما.


رهانات دي مستورا

راهن دي مستورا على موافقة النظام السوري وإيران على مقترحاته التي تتطابق شكليًا مع مشروعهما، والذي بُدء فعليًا العمل بمقتضاه في مطلع العام الحاليّ عبر عقد هدناتٍ مؤقتةٍ ومصالحاتٍ في مناطق حيويّة محاصرة يصعب استرجاعها عسكريًا. فقد حققا من خلاله، ومن دون دي مستورا، اختراقات في جبهات مهمة مثل المعضمية، وببيلا، وأحياء دمشق الجنوبيّة، وحي الوعر في حمص، بالإضافة إلى اتفاق خروج المقاتلين من حمص القديمة. لكنّ مشروع الهدنات السابق، يختلف عما يطرحه دي مستورا في بعض التفاصيل المهمة؛ فبينما يشترط النظام وقف إطلاق النار وتجريد مناطق الهدنات من الأسلحة الثقيلة مقابل إدخالٍ جزئي للمساعدات الإنسانيّة وتسوية أوضاع المطلوبين لديه ما يمكّنه من خرق الهدنة واقتحام المناطق بعد أن ضمن تجريدها من سلاحها الثقيل (كما جرى في حمص القديمة، ويجري الآن في حي الوعر)، فإنّ دي مستورا يطرح تجميدًا للصراع بحيث يحتفظ كل طرفٍ بقدراته العسكرية.

 لذلك، وعلى الرغم من ترحيب رئيس النظام السوري بتصريحات المبعوث الدولي بعد لقائهما في دمشق في 12 أيلول/ سبتمبر 2014 عن إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب، وضرورة إطلاق حوارٍ وطني داخلي، فإنه تجنّب إعطاء موقفٍ واضحٍ من المبادرة المطروحة مكتفيًا بالقول "إنها جديرة بالدراسة". في المقابل، يتجاهل دي مستورا مرجعية الحل السياسيّ التي قبلت بها المعارضة في "جنيف 2". وتنقسم المعارضة تجاه مقترحاته بين رفضٍ مطلقٍ (بعض أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والحكومة المؤقتة، وفصائل من المعارضة المسلحة)، وبين قبولٍ مشروطٍ عبَّر عنه رئيس المجلس العسكري في حلب العميد زهير الساكت[1].

ولا يقتصر الانقسام تجاه مبادرة دي مستورا على المعارضة السياسية والعسكريّة فحسب، وإنما يمتد إلى الشرائح الشعبية المناهضة للنظام بين من يرى أنّ الأفكار المطروحة هي حلولٌ مجتزأة تمثِّل انقلابًا على الثورة واستسلامًا للنظام وتفريطًا بما جرى تقديمه من تضحيات، وبين آخرين ينظرون إليها بوصفها تجميدًا مؤقتًا للحرب يخفِّف مأساتهم ومعانتهم.

ويعدّ الانقسام الراهن امتدادًا لنقاش احتدم سابقًا بشأن جدوى الهدنات والمصالحات المحلية والمبادرات التي أطلقها رئيس الائتلاف السابق معاذ الخطيب بما فيها زيارته الأخيرة إلى روسيا. وفي ضوء ذلك، ومع استمرار المعاناة وتغيّر الأولويات الدوليّة، يستمر دي مستورا في حشد الدعم لمقترحاته معوِّلًا على عدم ممانعة القوى الدوليّة والإقليميّة الفاعلة في الأزمة السوريّة وعلى قبولٍ غربي ضمني، ولاسيما أنه يطرح أفكاره تحت عنوان "وقف تقدّم داعش". كما يعوِّل دي مستورا على دعمٍ روسي لمقترحاته والضغط على النظام لقبولها بشكلها الحاليّ من دون أي تعديلٍ على غرار مبادرة نزع السلاح الكيماوي. ومن ثمّ، يأمل أن تُطرح المبادرة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بحيث يجري تبنيها كمشروع قرارٍ ملزمٍ لجميع الأطراف لوقف إطلاق النار في عموم سورية أو في بعض الجبهات الساخنة على الأقل، وبطريقة تجعلها مكمّلة لقرار مجلس الأمن 2139 القاضي بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة ودعوة جميع الأطراف لـ "وضع حـدٍ فـوري لجميع أعمـال العنـف الـتي تـؤدي إلى المعاناة الإنـسانية في ســورية".


عوائق تعترض سبيل مبادرة دي مستورا

على الرغم من ترحيب أطرافٍ داخليةٍ وخارجيةٍ عدة بمقترحات دي مستورا، فإنّ ترجمتها العملية تصطدم بعوائق عديدة تعبِّر عنها (وإن بشكلٍ مواربٍ) مواقف هذه الأطراف.

النظام وإيران: يتشابه مقترح دي مستورا شكليًا مع مشروع الهدنات والمصالحات الذي بلورته إيران كصيغة لحل الأزمة السورية وألزمت النظام بتنفيذه، لكنه يختلف في تفاصيله المهمة وفي آلية التنفيذ. وترى إيران أنّ الموازين العسكريّة الحاليّة ترجّح كفّة النظام بشكل واضح، ولاسيما أنّ ضربات التحالف الدوليّ ضد تنظيم "داعش"، وضد حركات أخرى مثل جبهة النصرة وأحرار الشام أفادت النظام وعزّزت موقفه العسكريّ خاصة في حلب، وذلك باعتراف المسؤولين الأميركيين. وعلى الرغم من أهميّة مدينة حلب بالنسبة إلى النظام، فإنه يفتقد للعدد والعتاد اللذين قد يمكّناه من حسم المعركة فيها. لذلك، فإنّ النظام ربما يتجاوب مع مقترح دي مستورا في ما يتعلق بمدينة حلب فحسب، لكنه سيستمر في مسعاه للسيطرة على الريف الشماليّ لحلب وفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، واستخدامهما كقاعدة عسكرية للانطلاق باتجاه المدينة غربًا، ومحاربة تنظيم "داعش" في الريف الشرقي وتقديم نفسه كطرفٍ ميداني يساعد التحالف في وقف تمدِّده. وفضلًا عن ذلك، يخشى النظام وإيران من ترويج مقترحات دي مستورا دوليًا لتتحول إلى قرارٍ دولي ملزم. لذلك حرص - كعادته في التعاطي مع المبادرات السياسية - على إبداء مرونة في دراسة المقترحات من دون التزام قبولها. وفي هذا الإطار أيضًا يمكن فهم موقف علي أكبر ولايتي، مستشار مرشد الثورة علي خامنئي للشؤون الدولية، والذي رفض في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 طرح دي مستورا إقامة ما أسماه "مناطق آمنة" في سورية.

المعارضة المسلحة: يقترح دي مستورا هدنات ومصالحات في مناطق تسيطر عليها المعارضة المسلحة، لكنه يتجاهل قدراتها ووضعها ومواقفها من مقترحاته. فعلى سبيل المثال، نجده يطالب بتجميد الوضع العسكريّ في مدينة حلب وإلى التفات فصائل المعارضة إلى محاربة "داعش" والحركات الجهادية. بيد أنه يتجاهل حقيقة عدم وجود فصائل قوية تابعة للجيش السوري الحر في المدينة للقيام بذلك؛ فجبهة النصرة وجبهة أنصار الدين اللتان يصنفهما الغرب حركات إرهابية، فضلًا عن حركة أحرار الشام المستهدفة بقصف التحالف، هي الفصائل الأكبر والأكثر تأثيرًا في المعادلة العسكريّة في المدينة. لذلك، من غير المفهوم كيف ستجمِّد هذه الفصائل القتال من أجل أن يتفرّغ التحالف لاستهدافها. كما أنّ التطورات الأخيرة في عموم الشمال السوريّ وتعاظم نفوذ جبهة النصرة وجماعة جند الأقصى المتحالفة معها، وتراجع الجيش الحر، ينزع الواقعيّة عن الأفكار المطروحة.

الموقف التركي: تجنّبت الحكومة التركية حتى الآن التعليق رسميًا على مقترحات دي مستورا، لكنّ مؤشرات عدة تشير إلى تباينٍ في المواقف واختلافٍ في الرؤية. ففي الوقت الذي يسعى المبعوث الدولي لتجميد القتال في حلب والتفرّغ لقتال "داعش"، تحذِّر تركيا من احتمال سقوط المدينة بيد النظام وما قد يترتب على ذلك من موجة لاجئين كبيرة. كما تربط مشاركتها في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" باستهداف نظام بشار الأسد وإقامة منطقة آمنة وفرض حظر جوي فوقها. بالإضافة إلى ذلك، أثارت تصريحات دي مستورا ودعوته لفتح الحدود أمام متطوعي حزب العمل الكردستاني، المصنَّف تركيًا كحزبٍ إرهابي، للقتال إلى جانب وحدات الشعب الكردية ضد "داعش" في مدينة عين العرب حفيظة الحكومة التركية؛ إذ رفضت هذه الدعوة ووصفتها بأنها "غير مسؤولة". لذلك، وبخلاف جولاته في معظم الدول الفاعلة والمؤثرة في الأزمة السوريّة، تجاهل دي مستورا زيارة تركيا حتى الآن. ونظرًا إلى دور تركيا المهم والمؤثر في الشمال السوريّ، فإنّ طرح مقترحات لتجميد القتال في حلب من دون التنسيق مع تركيا يبدو "غير واقعي".

الموقف الروسي: مع تعطّل الحل السياسيّ وظهور تنظيم "داعش"، تراجع الحضور الروسيّ في الأزمة السوريّة مقابل اندفاعٍ وتدخلٍ عسكريّ غربي وإقليمي. وعلى الرغم من أنّ الضربات الجويّة للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" أفادت النظام السوري حليف روسيا، فإنّ الأخيرة تخشى من تغيّر الخطط والأهداف المعلنة في مراحل مقبلة. وقد عزّز من مخاوفها تجاهل الولايات المتحدة مطالبها باستصدار قرارٍ من مجلس الأمن ينظِّم عمليات التحالف في سورية ويحدِّد أهدافه بدقة. وترى روسيا، أنّ حضور الغرب في الأزمة السوريّة عبر بوابة التحالف ومحاربة "داعش" قد يهمّش تدريجيًا دورها المحوري في حلٍ مستقبلي للأزمة. لذلك، وعلى الرغم من ترحيبها بمقترحات دي مستورا، فإنّ روسيا ترى ضرورة تفعيلها في إطار أشمل، وإعادة إحياء عملية سياسية تجمع طرفي النزاع في جولة مفاوضات جديدة تحت مسمى مؤتمر "موسكو 1" أو "جنيف 3". كما تنظر موسكو للمتغيّرات في الملف السوريّ، ولاسيما بعد صعود تنظيم "داعش" وتقدَّم النظام كفرصةٍ يمكن استغلالها لتعظيم مصالحها، وتبني رؤيتها في أي مفاوضات قادمة. ولتفعيل ذلك، استقبلت روسيا شخصيات من المعارضة السوريّة لا تمانع في العودة إلى المسار التفاوضي لحلّ الأزمة، كما وجهت دعوة إلى وفدٍ من النظام لإقناعه بسلوك المسار ذاته. ولهذا، من غير المرجح أن تدعم روسيا مقترحات دي مستورا. كما أنّ تبني هذه المقترحات عبر قرارٍ ملزمٍ من مجلس الأمن قد يسهم في تهميش الدور الروسي في الأزمة السوريّة.

وعلى الرغم من أنّ مقترحات دي مستورا تحظى بفرصةٍ للتنفيذ، فإنّ العوائق التي تنتظرها كبيرة؛ ما يعزّز احتمال استمرار حال الاستعصاء الراهنة في الأزمة السوريّة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تتضمن الشروط: تسليم مجرمي الحرب الذين استخدموا السلاح الكيماوي ضد السكان المدنيين، وخروج الميليشيات الطائفية من سورية، وإيقاف قصف الطائرات وإلقاء البراميل المتجرة منها، والإفراج عن المعتقلين.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان