مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٨ فبراير ٢٠١٥
الرهان على النظام السوري.. رهان على ‘داعش'

من يراهن على أن بشّار الأسد “جزء من الحل”، كما يقول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، إنّما يراهن على بقاء “داعش”، لا لشيء سوى لأنّ “داعش” والنظام السوري وجهان لعملة واحدة. كل منهما يعمل في خدمة الآخر.

من هذا المنطلق، يفترض بدي ميستورا توضيح كلامه نظرا إلى النظام السوري علّة وجود “داعش”، هو والذين يدعمونه في موسكو وطهران. مثل هذا الدعم هو الذي يوفّر الحاضنة التي مكّنت “داعش” من التمدّد في سوريا والعراق، في ظلّ فراغ كبير اسمه السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما. هذه الإدارة التي يبدو أنّها تعمل كلّ شيء من أجل تفتيت الشرق الأوسط وإعادة رسم خريطته من منطلقات جديدة.

يمكن لإدارة أوباما، التي تعرف قبل غيرها أن لا مستقبل لـ”داعش”، استغلال وجود هذا التنظيم إلى أبعد حدود. ولذلك نراها تضع خطة مدّتها ثلاث سنوات للانتهاء من “داعش”، في حين أنه في الإمكان محوه من الوجود في حال وجود نيّة حقيقية لذلك.

في النهاية، يمكن لتنظيمات من نوع “داعش” أن تتمدّد لبعض الوقت ولكن لا يمكن أن تتمدّد إلى ما لا نهاية. هناك مخلوقات غير طبيعية لا مكان لها في هذا العالم مهما حاولت وفعلت، ومهما تطاولت على الواقع والحقائق التي لا مجال لتجاوزها.

يمكن لـ“داعش” الاستفادة إلى حدّ كبير من النظام السوري والدعم الإيراني والسياسة الأميركية المضحكة المبكية لإدارة أوباما. لكن لا مكان مستقبلا لمثل هذه المخلوقات التي تشبه الإرتكابات أكثر من أيّ شيء آخر.
    
    

ليس “داعش” سوى ارتكاب. معروف من بدأ الارتكاب، ومعروف من دعمه، ومعروف من المستفيد منه. من شجّع “داعش” في البداية كان النظام العراقي أيّام صدّام حسين. وقتذاك، لم يكن هناك “داعش” أو غير “داعش”. كانت هناك “القاعدة” وما هو متفرّع عن “القاعدة”. كان صدّام، الذي وقف على رأس نظام عائلي بعثي، يعتقد أن في استطاعته مقاومة الأميركيين عند دخولهم العراق، وأنّ تنظيمات إسلامية متطرّفة ستمكّنه من الصمود. لم تكن هذه التنظيمات سوى أدوات. لم يكن “أبو مصعب الزرقاوي”، الذي هو في أساس “داعش”، سوى أداة موروثة استخدمها النظامان السوري والإيراني في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للعراق قبل ما يزيد على عشر سنوات. كان مطلوبا بعد دخول الأميركيين بغداد والمناطق الأخرى العمل على إخراجهم من العراق والانتهاء من وجودهم العسكري والسياسي في البلد. كان ذلك عائدا إلى سببين الأوّل سوري والثاني إيراني.

كان النظام السوري يخشى، بعد 2003، من أن يتحوّل العراق بلدا طبيعيا يمكن أن يكون نموذجا لما ستكون عليه دول المنطقة. فشل الأميركيون فشلا ذريعا في مشروعهم العراقي. بات المواطنون العراقيون اليوم يترّحمون على نظام صدّام حسين الذي لم يكن لديه ما يقدّمه لهم سوى مزيد من العذابات والبؤس والحروب والمعارك التي لا أفق لها من نوع مغامرة الكويت التي ارتدت عليه.

لكنّ نظام صدّام كان على الأقلّ ضامنا لحد أدنى من الأمن والأمان لمواطن ترتّب عليه قبول حياة الذلّ التي فرضها عليه. الآن، هناك ما هو أسوأ من حياة الذلّ في العراق في ظلّ خروج الغرائز المذهبية من عقالها، وما رافق هذا الخروج من انتشار للميليشيات المذهبية التي لا همّ لها سوى القيام بعمليات تطهير عرقي، في هذه المنطقة أو تلك، خدمة للسياسة الإيرانية القائمة على الاستثمار في المذهبية.

كان الخوف السوري من انتقال الديمقراطية من العراق إلى سائر دول المنطقة. لذلك كان على بشّار الأسد العمل بكلّ الوسائل من أجل إفشال المشروع الأميركي الأصلي الذي سقط بسبب جهل إدارة بوش الابن للواقع العراقي، وما يمثّله هذا البلد على صعيد التوازن الإقليمي. لم يكن الفشل صعبا في ظلّ وجود منظمات إرهابية في العراق، في حاجة إلى من يغذّيها ويدعمها انطلاقا من سوريا، وفي ظلّ وجود إدارة أميركية أوكلت أمور العراق إلى شخصيات من نوع بول بريمر. لم يدرك بريمر معنى قانون “اجتثاث البعث” والنتائج التي ستترتّب عليه، أو معنى حل الجيش العراقي وما سيجلبه من كوارث أوصلت إلى إيجاد حاضنة لـ”داعش” في المناطق السنّية.

كان مفهوما أن يكون لدى النظام السوري هواجسه. فهذا النظام عاش على الاستثمار في غباء البعث العراقي، وغباء صدّام تحديدا. استطاع حافظ الأسد استغلال هذا الغباء إلى أبعد حدود، خصوصا في علاقاته مع دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية.

كانت لدى إيران حساباتها التي تتجاوز النظام السوري. كان لدى الإيرانيين همّ السيطرة على العراق. إنّها سياسة إيرانية بعيدة المدى تقوم على استغلال الحرب الأميركية على العراق إلى أبعد حدود.

ما نشهده اليوم يتجاوز السياستين السورية والإيرانية. قلبت “داعش” الطاولة، لكنّها لم تدرك أن لا مكان لها على خريطة الشرق الأوسط. كلّ ما تستطيع “داعش” أن تفعله، بفضل السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما هو إطالة عمر النظام السوري.

هذا يعني في طبيعة الحال العمل على تفتيت سوريا. هل من عاقل ما زال يظنّ أن في الإمكان إعادة تأهيل نظام أقلّوي شرّد نصف الشعب السوري؟ هل في استطاعة دي ميستورا والذين يقفون خلفه استيعاب هذه المعادلة التي تعني، أوّل ما تعني، أنّ الحل في سوريا يبدأ بخروج بشّار الأسد من السلطة لأنّ ذلك سيؤدي إلى إضعاف “داعش” وكلّ من سار في خط هذا التنظيم الإرهابي.

عاجلا أم آجلا، سيؤدي “داعش” المهمة المطلوبة التي ستقود إلى الانتهاء من سوريا. هذه مهمّة مطلوبة من النظامين السوري والإيراني، ومن إدارة أميركية لا تعرف شيئا عن المنطقة، خصوصا عن سوريا. سيكون هناك تركيز أميركي، أكثر فأكثر، على “الدولة الإسلامية” وما تشكله من مخاطر.

ولكن ماذا بعد؟ ماذا عن مستقبل سوريا؟ هل من مستقبل للسياسة الإيرانية في سوريا؟ هذا النوع من الأسئلة هو الذي تتجنّبه إدارة أوباما التي ترفض، هي ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الذهاب إلى حدّ التساؤل: لماذا كانت “داعش” ولماذا شجّع النظامان في سوريا وإيران مثل هذا النوع من التنظيمات؟

ولكن من قال أنّ إدارة أوباما تريد حلّا في سوريا؟ من قال أنّ دي ميستورا مهتمّ، فعلا، بمستقبل سوريا والسوريين وملايين المشردين وبالبراميل المتفجّرة التي تقتل يوميا العشرات؟ أين المشكلة بالنسبة إليه ما دام النظام السوري يعيش على حساب “داعش”، فيما “داعش” تتمدّد بفضل الحاضنة التي تؤمنها سياسات تقوم على الاستثمار الإيراني في الغرائز المذهبية؟

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
المفاهمة الأميركية الإيرانية أقدم من داعش بكثير

بكثير من الدهشة تلقى الإعلام العربي والأميركي الرسالة السرية التي بعث بها المرشد الأعلى الإيراني إلى الرئيس الأميركي، والتي كشفت عنها صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية مؤخرا، وكأنها حدث مفاجئ. وقد أخطأ كثير من المحللين العرب والأجانب حين اعتبروها دليلا على بدء تفاهم سري بين نظام الولي الفقيه وإدارة أوباما، ناسين تاريخ ولادة هذا التفاهم، وظنوها نتيجة الظروف التي أوجدها داعش في العراق وسوريا والمنطقة.

والحقيقة أنها ليست من اختراع أوباما، بل هي أقدم منه، وبالتحديد من أيام الغزو الصدّامي للكويت عام 1990. ولمن نسي أيام مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة وأسرارها نسرد له ما يلي.

إن إيران وسوريا دون غيرهما، أمسكتا بأحزاب المعارضة العراقية وتجمعاتها الشيعية، والكردية العراقية، والبعثية العراقية السورية، واحتكرت قيادتها، تنظيميا وسياسيا، من أيام لجنة العمل المشترك التي أعلن عن تأسيسها في 27 ديسمبر 1990 بمبادرة ورعاية من مخابرات النظام السوري ومخابرات الولي الفقيه، ومنعت أية جهة عراقية أو عربية أو دولية أخرى من اقتحام قلاعها.

إلا أن الولايات المتحدة بدأت محاولاتها لإيجاد موقع قدم لها داخل هذه المعارضة من أوائل 1991 وتحديدا في مؤتمر بيروت، من خلال علاقتها القديمة بالحزبين الكرديين، وعلاقتها الجديدة بمعارضين عراقيين آخرين، منهم إياد علاوي وأحمد الجلبي، بشكل خاص. وسرعان ما تحقق لها اقتسام الإشراف على نشاطات المعارضة العراقية، مع المخابرات الإيرانية والسورية، حتى أصبحت مؤتمرات المعارضة محصورة في أتباع إيران وبعثيي سوريا وحلفاء أميركا.

حتى أن الإدارة الأميركية خصصت سفراء متفرغين للإشراف على شؤون المعارضة، بقبول من سوريا وإيران. وتوج ذلك بما سمي يومها ”المؤتمر الوطني الموحد” بقيادة أحمد الجلبي، الذي أسس لمؤتمر لندن ديسمبر 2002، ثم في صلاح الدين في فبراير 2003 اللذين حددا شكل الحكم العراقي القادم وحصص كل فريق فيه، وهو ما ظل قائما حتى اليوم.

وقد عجز كثير من العراقيين والعرب عن تفسير إصرار إدارة بوش الأب (الجمهورية) وإدارة كلينتون (الديمقراطية) ثم إدارة بوش الابن (الجمهورية) وتبعتها إدارة أوباما (الديمقراطية) على احتضان أحزاب وميليشيات عراقية يعلم الأميركيون بأنها تابعة لإيران، بل إن بعضها إيراني من الولادة.

وينبغي أن ننوه بأن هناك أحزابا وشخصيات شيعية عراقية لا علاقة لها بإيران وترفض الانقياد لنظام الولي الفقيه، أقصيت عن جميع مؤتمرات المعارضة السابقة، ومنعت من المساهمة في الحكم الجديد، وفرض عليها تعتيم منع صوتها من الوصول إلى الجماهير العراقية حتى لفها النسيان. بل إن بعضها تعرض لتصفيات جسدية من قبل عملاء مخابرات إيران أو من وكلائها العراقيين.

الخلاصة أن أميركا لم تُخدع بأولئك القادة، ولا بارتباطاتهم وأهدافهم. فإدارة قوات التحالف لم تمنع انزلاق العراق إلى الخراب الذي جاء على أيدي حلفائها الإيرانيين والسوريين، وهي ترى، منذ الأيام الأولى للغزو، قادة الأحزاب الشيعية المُصنّعة في إيران يستقبلون علنا آلاف المسلحين الداخلين إلى العراق من إيران، بذريعة أنهم مواطنون عراقيون مبعدون إلى إيران من قبل النظام السابق، وهي تعلم أنهم أعضاء ميليشيات لا تخفى هوياتها ولا نشاطاتها.

وحين انتهت صلاحية مجلس الحكم وعُين إياد علاوي رئيسا لوزارة ما سُمي بعهد (نقل السيادة) كانت إيران قد تحولت إلى قوة فاعلة في العراق، تفرض أتباعها على الرئاسات والوزارات والسفارات ومجالس المحافظات والمؤسسات العسكرية والأمنية والمالية، على مسمع ومرأى من القيادة الأميركية الحاكمة في العراق. وهاهو العراق اليوم، لا يستطيع أيٌ كان، حتى لو كان الرئيس الأميركي نفسُه، أن يأخذ مكانا في صدارة السلطة في العراق إذا لم يحصل على موافقة إيران.

فهل إن رسالة خامنئي لأوباما تؤسس اليوم، فقط، لسياسة مهادنة أميركية إيرانية في العراق والمنطقة لمحاربة داعش، أم أن هذه السياسة راسخة قبل داعش بسنين؟

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
بين صورتين وعنفين ومعسكرين

أثبت إرهابيو داعش تفوقاً في عرض القوة السادية على أنظمة القمع العربية التي، على عكس داعش، تعمل على طمس جرائمها، أو توليفها بما يبرر ارتكابها تحت عنوان حماية الأمن القومي أو مكافحة الإرهاب أو... بين إرهابين وساديّتين. بات المشهد متبايناً بين صنفين من الضحايا: ضحايا الشكل الأول من القتل الإرهابي، وهم أكثر "شهرة"، يفرد لهم الإعلام المحلي والدولي إطارا رومانسياً لتكريم معاناتهم، وضحايا الإرهاب الثاني المغيّبون في تعتيم الأنظمة وأبواقها الإعلامية التي تتغنى بالقتل، وتروّجه على أن ضحاياه هم أنفسهم المبرر لقتلهم. ولكلا المعسكرين مؤيدوه، علناً أو ضمناً، جزئياً أو كلياً.

لم يبتدع إرهابيو داعش جديداً في وسائل العنف التي اختبرتها قبلهم أنظمة عربية، ولا تزال، في تعاطيها مع المعارضين الموصوفين بـ "الإرهابيين" أو "الخونة". أقلها الاعتقال الاعتباطي والتوقيف مدداً طويلة، إلى ما هنالك من أشكال التعذيب في السجون، إلى قتل المتظاهرين، واستخدام القضاء لتوقيع عقوبات غير قانونية، أو متكافئة، إلى اغتيال المعارضين في أشكال مبتكرة من العنف، وإفناء مجموعات بكاملها، باستخدام الغاز الكيماوي أو القصف ببراميل البارود... لا يحظى ضحايا الإرهاب الثاني بفرصة مشهدية قتل ضحايا الإرهاب الأول، حيث تبدع داعش في "إبهار" مترقبي جرائمها، وتأسر شاشات وسائل الإعلام الدولية، في حين تبقى التغطية الإعلامية لضحايا الإرهاب الثاني خجولةً، لغياب التوافق على أهميتها، أو غائبة تماماً بفعل اعتبار الضحايا "خونة"، يستأهلون العقاب.

في محاولة مزاح سمجة، شبّه بشار الأسد براميل البارود التي تلقيها قواته على رؤوس المواطنين بـ "أواني الطهي"، وفي عرف نظام الأسد الاستبدادي، أن ضحايا براميل البارود غير موجودين أصلاً، وأن وقع هذه البراميل لا يعدو كونه أكثر إيلاماً من أواني الطهي. في حين تواصل قوات النظام إلقاء "أواني الطهي" على رؤوس المواطنين، لا يجد الضحايا منفذاً إلى وسائل الإعلام المشغولة بمتابعة آخر ابتكارات داعش في القتل المشهدي المروع.

في مشهد آخر، غير بعيد، قضى أكثر من ألف مواطن مصري في عملية القمع الدموية للمتظاهرين المؤيدين لجامعة الإخوان المسلمين في اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس/آب 2013 على يد قوات الأمن. لم نعرف الكثير عن هؤلاء سوى توصيف الإعلام المصري لهم بـ "الإرهابيين"، وتصوير قتلهم على أنه إنقاذ للدولة من الخوارج عليها. لم تصبح كلمة "مذبحة" متداولة في أوساط معارضي النظام العسكري، إلا بعد أن أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" تقريرها الذي أكد عمليات القتل الواسعة، والمعدة مسبقاً، لمتظاهرين، غالبيتهم العظمى مسالمون. بقيت وجوه الضحايا في العتمة، كما هي حال المعتقلين الإسلاميين، اليوم، في السجون المصرية، إذ لا نعرف شيئاً عن هؤلاء سوى أنهم من "الإخوان"، بحسب تصنيف الإعلام المصري، ما يعني أنهم لا يستأهلون الأضواء الإعلامية، ولا منصب "الضحية" الرومانسي والعاطفي.

وكان مقتل الناشطة شيماء الصباغ في تظاهرة سلمية، في الذكرى الرابعة للثورة المصرية، قد أثار اهتماماً محلياً وعالمياً، عكس التباين في صورة ضحايا القمع بين الاهتمام بأحكام السجن القاسية بحق نشطاء الثورة ومقتل بعضهم برصاص الأمن في تظاهرات سلمية، وبين التجاهل العام لمصائر مجموعات كبيرة أخرى، تخضع للمعاملة نفسها، من قتل برصاص الأمن واعتقالات اعتباطية، وأحكام اعتباطية بالسجن مدداً طويلة، وحتى بالإعدام... في عرف الرأي العام، لا تستوي المجموعتان في حقوق المواطنة، وفي حقوق الإنسان، ما يبرر الصمت على الانتهاكات بحق المجموعة الثانية التي تصنف في خانة "غير المرغوب بها"، ما يعني أن التنكيل بها لا يستأهل أكثر من السكوت، إن لم يكن التأييد.

بين وحشية إرهاب داعش ووحشية إرهاب الأنظمة، ينقسم "مشاهدو" العرض بين فريقين: الأول تستفره صور الإرهاب الداعشي، ويرى في ذلك مبرراً للمزيد من القمع، على أيدي أنظمةٍ، تدعي محاربة الإرهاب، والثاني يخفف من وطأة العنف المروع على أيدي داعش، عبر التذكير المتواصل بضحايا الأنظمة وغيرهم، ممن لا يحظون بالرواج الإعلامي لضحايا داعش. وفي الفهم الضمني للفريقين، فإن القتل أو القمع أمر ممكن تبريره.
"لعل وحشية داعش أثارت في ما أثارت استنكاراً لفرط التركيز على جرائم المجموعة المتطرفة"

إذن، لا يستوي ضحايا الوحشية، لا في عرف مرتكبيها، ولا في عرف الإعلام ناقل الصورة، ولا في عرف متلقي هذه الصورة. ولعل وحشية داعش أثارت في ما أثارت استنكاراً لفرط التركيز على جرائم المجموعة المتطرفة، في حين تحصد جرائم أخرى أعداداً أكبر من الضحايا، وبسادية لا تقل قسوةً، أبرزها جرائم النظام السوري بحق مواطنيه. وكأن المجموعة الإرهابية "خلدت" ضحاياها، عبر مشهديتها الوحشية، في حين لم ينل الضحايا الآخرون حظوة الرثاء الإعلامي والشعبي لهم.

ولعل الذكرى الرابعة للثورات العربية التي انتهت غالبيتها العظمى إلى عنف فوضوي، لا سابق له، مناسبة لإعادة الاعتبار الإنساني لمن سقطوا ويسقطون سهواً خارج أضواء الإعلام التي بالكاد تأتي على ذكرهم، إن لم تذكرهم بالشتائم والشيطنة والتحريض على المزيد من سفك دمائهم.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
هل الأسد جزء من الحل في سوريا؟

أثارت تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، التي اعتبر فيها أن بشار الأسد جزء من الحل في سوريا، ردود فعل غاضبة لدى المعارضة السورية ولدى غالبية السوريين.

وفاقم من غضب السوريين تزامن تلك التصريحات مع انهمار صواريخ وبراميل نظام الأسد المتفجرة على رؤوس المدنيين في بلدة دوما، ومع استمرار حربه الشاملة الكارثية التي قضت على أرواح مئات آلاف السوريين وشردت أكثر من نصف سكان سوريا ودمرت مدنا وبلدات عديدة، ومع اقتراب الأزمة السورية من اكتمال عامها الرابع، وهو (الأسد) أصل الأزمة والمسبب والمسؤول الأول عن نتائجها الكارثية المدمرة على السوريين وسوريا.

فقدان الوساطة

    "حديث دي ميستورا عن دور الأسد في الحل ليس اعتباطيا، فهو لم يأت من مسؤول سابق أو متقاعد، بل من موفد أممي. ويتضمن حمولات وتغيرات في الموقف الأممي حيال نظام الأسد وحيال الأزمة السورية، ولن تنفع محاولات دي ميستورا نفسه التخفيف من وقع تصريحاته أو تغيير مدلولاتها"

لم تقتصر ردات الفعل على المعارضة السورية، بل لاقت تصريحات دي ميستورا رفضا فوريا من طرف الخارجية الفرنسية، التي اعتبرت أنه لن يكون هنالك تحول في سوريا من دون رحيل الأسد، في حين أكدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية جنيفر بساكي أن "موقف الولايات المتحدة لم يتغير، والرئيس السوري بشار الأسد فقد الشرعية ويجب أن يرحل عن السلطة".

وقد حاولت الناطقة باسمه جولييت توما الالتفاف على تصريحاته، واعتبرت أن "بيان جنيف للعام 2012 نقطة الاستناد الأساسية للوصول إلى حل سياسي طويل الأمد للأزمة السورية"، لكنها اعتبرت أيضا أن "على الرئيس السوري والسلطات المساهمةَ في الوصول إلى حل يضع حدا للعنف والمأساة الإنسانية في سوريا".

ثم حاول دي ميستورا بنفسه التخفيف مع وقع كلامه من خلال الاتصال برئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة، في محاولة لشرح وتوضيح التصريح الذي صدر عنه في ختام لقائه بوزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس في فيينا.

ولعل من المستهجن أن يؤكد دي ميستورا لرئيس الائتلاف أن "المقصود من التصريح هو جر الأسد إلى دائرة الحل، وتوريطه ببداية حل سياسي، وليس المقصود منه حرفية التصريح"، لأن في ذلك محاولة للتذاكي مكشوفة وسمجة، وتضمر اللعب على وتر استجرار رأس النظام إلى حل سياس، مقابل إغرائه وتأكيد دوره في الحل، مما يعني بقاءه في السلطة التي يشن حربا من أجلها، بل باع البلد لنظام الملالي الإيراني ولمليشيات حزب الله مقابل الدفاع عنه، ومحاربة السوريين بغية إخضاعهم لنظام الاستبداد والقهر واستمرار بقاء الأسد على رأسه.

والواقع هو أن كلام دي ميستورا عن دور الأسد في الحل ليس اعتباطيا، فهو لم يأت من مسؤول سابق أو متقاعد، كما يفعل الساسة المنتهية مهامهم، بل من موفد أممي، ويتضمن حمولات وتغيرات في الموقف الأممي حيال نظام الأسد وحيال الأزمة السورية، ولن تنفع محاولات دي ميستورا نفسه التخفيف من وقع تصريحاته، أو تغيير مدلولاتها، خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول التحالف الذي تقوده، غيرت أجنداتها وأولوياتها، حيث باتت الحرب على داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) هي الوجهة التي تلتقي فيها الجهود الأميركية والدولية، ولم يعد حل الأزمة السورية يعني الكثير بالنسبة إليها.

ويكشف كلام دي ميستورا موقفا منحازا إلى جانب الأسد ونظامه، مما يعني أن وساطته "الأممية" باتت موضع شك وعرضة للانهيار، خاصة مع إعلان قوى المعارضة رفضها شكلا ومضمونا، واتهامه بمحاولة استرضاء الأسد، لأنه اعتبر أن الأسد "جزء من حل المعاناة السورية"، وأكد على "استحالة تجاوزه"، بل تمادى في القول حين اعتبر أن "بشار الأسد لا يزال هو الرئيس السوري الحاكم"، ولم يقل ماذا يحكم هذا الرئيس؟ وكيف يحكم جزءا من البلاد؟

وتناسى أن من يتحدث عنه متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن تقارير أممية عديدة أكدت أنه ارتكب أبشع المجازر ضد غالبية شعبه، واستخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين العزل في غوطتي دمشق، وبدلا من المطالبة بتقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب، وتحقيق العدالة الدولية، يدعوه السيد دي ميستورا إلى "الإسهام في وضع حد للعنف"، ولأجل ذلك يطمئنه إلى كونه جزءا من الحل في سوريا، وأن نصيبه في السلطة باق ويتمدد.

مسار دي ميستورا

    "يتجاهل دي ميستورا عن قصد ودراية دور الأسد في جذب الإرهابيين وتوفير ممكنات تمددهم، كونه المسؤول عن إطلاق سراحهم من سجونه، وانسحاب قوات جيشه من العديد من المواقع لصالحهم، حتى باتوا قوة لا يمكن تجاهلها"

يكشف مسار مهمة دي ميستورا أنه منذ أن استلم هذه المهمة وهو يحاول نسف الأساس السياسي الذي نهض عليه "اتفاق جنيف 1" يوم 30 يونيو/حزيران 2012، رغم حديثه عن أنه يستند إلى الاتفاق في تحركاته، خاصة فيما يتعلق بهيئة الحكم الانتقالية الكاملة الصلاحيات، وكذلك البنود الستة التي تضمنتها خطة كوفي أنان.
والبديل الذي قدمه هو التركيز على الجانب الإنساني، واختصار الأزمة السورية إلى مجرد أزمة إنسانية، تحقيقا لمقولته التي تعتبر أن "المشكلة الأساسية في سوريا تكمن في الأزمة الإنسانية".

وعلى الرغم من أهمية المسألة الإنسانية في سوريا، التي يجب أن يضمنها المجتمع الدولي دون نقاش أو تردد، فإن ما يطرحه دي ميستورا فيه حرف عن المهمة الأساسية التي أوكلت إليه، المتمثلة في تكثيف جهوده من أجل إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة ويلبي طموحات الشعب السوري، وحيث أخذ دي مستورا يتنصل منها شيئا فشيئا، فطرح جملة من الأفكار التي تبدأ من الأسفل، دون المساس برأس نظام الحكم، وبدلا من وقف شامل للقتال، حسبما نص عليه اتفاق جنيف 1، راح يتحدث عن "تجميد القتال في مناطق محدودة"، مقابل إدخال المساعدات الإنسانية إليها.
وقد طرح دي ميستورا في مرحلة أولى تجميد القتال في أكثر من 15 منطقة سورية، ثم عاد وتراجع عن طرحه، حين لم يلق قبولا لدى الأسد، الذي أشار إليه أن يبدأ التجميد في حلب، وبعدها أخذ يتحدث عن "إيجابية النظام" وترحيبه بخطته، ثم أطلق تصريحات، وقام بعدد من الزيارات إلى دمشق، تصب في سياق رفع مستوى التنسيق مع نظام الأسد إلى مستوى تعويم نظام الأسد وإعادة تأهيله، من خلال إعادة الاعتراف الدولي به، وجعله شريكا في الحرب على داعش، بل راح يطالب المعارضة بالتوحد مع النظام "لمواجهة خطر داعش الذي يتهدد الجميع".

ويتجاهل دي ميستورا عن قصد ودراية دور الأسد في جذب الإرهابيين وتوفير ممكنات تمددهم، كونه المسؤول عن إطلاق سراحهم من سجونه، وانسحاب قوات جيشه من العديد من المواقع لصالحهم، حتى باتوا قوة لا يمكن تجاهلها.

واستغل المبعوث الأممي الحالي انشغال المجتمع الدولي وتركيزه على الحرب ضد تنظيم داعش، كي يسوق أفكاره، وتتناغم مع الجهود الرامية إلى تحويل كل الجهود نحو هذه الحرب، تحقيقا للإجماع الدولي عليها، بمعنى أنه يسعى إلى تركيز جهود المعارضة والنظام في الحرب ضد داعش، لكن ما يسكت عنه المبعوث الدولي، ويتعامى عنه، هو أن أي حل في سوريا يجب أن ينهي الظلم الذي وقع على غالبية السوريين من قبل نظام الأسد، وأن هذا النظام الظالم لم يخض أية معركة حقيقية ضد تنظيم داعش، بل إنه حين كانت فصائل من الجيش الحر تخوض معارك ضد هذا التنظيم، كانت طائرته تقدم الإسناد والعون له من خلال قصف مواقع المعارضة السورية بالصواريخ والبراميل المتفجرة.

بل الأدهى من ذلك هو أن نظام الأسد سهل لداعش السيطرة على العديد من المواقع، وخاصة في الرقة وريف حلب، في حين أنه كان يدافع عنها بشراسة عندما كانت فصائل الجيش الحر تهاجم تلك المواقع.

المواقف الدولية
رغم رد كل من الخارجية الفرنسية والأميركية على تصريحات دي ميستورا، فإن مواقف دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية عرفت مؤخرا تغيرا كبيرا من الأزمة السورية.

    "بين تعويل نظام الأسد ورهانات دي ميستورا، فإن المسار الذي بدأه السوريون منذ أربع سنوات لن ينتهي إلا بحل سياسي لا دور للأسد فيه،  ينهي معاناة السوريين ويلبي طموحات الشعب في الخلاص من نظام الاستبداد الأسدي"

ففي حين كان أغلب الساسة يطالبون منذ أكثر من عامين برحيل الأسد، وكانوا يكثرون من الحديث عن أن أيامه باتت معدودة، يجري اليوم السكوت عن ما يقوم به من جرائم، وفي نفس الوقت يتسم موقفهم بالبرود، وعدم القيام بأي فعل ضده، مع عدم تقديم أي جهد لإنضاج حل سياسي ينهي معاناة السوريين الكارثية، وباتوا يركزون على الحرب ضد داعش بوصفها أولوية قصوى بالنسبة للأمن الوطني لكل بلد من بلدانهم، وأعطوا الضوء الأخضر لساسة روسيا كي يجمعوا في موسكو "معارضين" من أجل النظام مع ممثل النظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري في لقاء تشاوري، لم يجر فيه التشاور على شيء يمس جوهر معاناة السوريين.

وقد بارك دي ميستورا مساعي موسكو لإنتاج معارضة سياسية تقبل بوجود الأسد، وهو أمر سعت إليه وهمست به إيران وروسيا أكثر من مرة، لذلك تفاخرت وزارة الخارجية الروسية بموقفه، الذي قيم عاليا لقاء موسكو التشاوري، الذي جرى في الفترة ما بين 26 و29 يناير/كانون الثاني الماضي.

وكان الأحرى بالمبعوث الأممي، احتراما للجانب الإنساني على الأقل، أن يقول ولو كلمة واحدة ضد حرب الإبادة التي يشنها النظام ضد مدينة دوما، القريبة من مكان إقامته، حيث كان يجتمع مع الأسد، بدلا من أن يستفز الضحايا باحتفاله مع مسؤولين إيرانيين بعيد الثورة الإيرانية في دمشق، في خطوة استفزازية لا تتناسب مع طبيعة المهمة الدبلوماسية الحساسة الموكلة إليه، وفي مكان لا يبعد سوى بضعة كيلومترات قليلة عن المدينة التي تتعرض لحملة بربرية شرسة من طرف قوات النظام منذ أشهر وسنوات عديدة.

قد يطمئن كلام دي ميستورا نظام الأسد إلى حين، لكنه لن ينفع في إعادة تأهيله، وإرجاع الشرعية إلى هذا النظام الذي فقدها منذ اليوم الأول للثورة السورية. وبين تعويل نظام الأسد ورهانات دي ميستورا، فإن المسار الذي بدأه السوريون منذ أربع سنوات، لن ينتهي إلا بحل سياسي، لا يمكن للأسد أن يكون له أي دور فيه، بوصفه الحل الذي ينهي معاناة السوريين، ويلبي طموحات الشعب السوري في الخلاص من نظام الاستبداد الأسدي، والسير نحو تحقيق أهداف الثورة في الحرية والتحرر.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
هل الشعب السوري شعب طائفي!!!

اغتصبتم الحكم في سوريا بانقلاب عسكري في سبعينات القرن العشرين, سرحتم كل الضباط  البارزين من ابناء الطائفة السنية واعتقلتم كل من وقف بوجه انقلابكم الطائفي ,تم تسليم كل المناصب الامنية الفاعلة لضباط من ابناء طائفتكم تحديداً , سيطرتم على الاقتصاد والمرافق الحساسة و جمعتم حولكم السماسرة والمنتفعين من ابناء باقي الطوائف, وزعتم بعض المناصب " الغير هامة " على باقي الطوائف  لذر الرماد في عيون الشعب المغلوب على امره وهؤلاء عليهم رقابة مستمرة , حكمتم سوريا بالنار والحديد , حرمتم السوريين الكورد من ادنى حقوق المواطنة , نشرتم  الرعب والرشوة والفساد  والمحسوبية في كل مفاصل الدولة, جعلتم من سوريا بلداً متأخراً , بنية تحتية مدمرة مرافق عامة مهترءة فساد رشوة كراهية انانية شك فساد خوف  , تخيلوا  مشكلة انقطاع الكهرباء استمرت لاربعين عام في سوريا ,في الوقت الذي صرفتم به على حربكم القذرة على الشعب ما يمكن ان  يبني مفاعلات عملاقة تغذي كل الشرق الاوسط بالكهرباء ,حولتم المؤسسة العسكرية  لبؤرة  من الفساد والرشوة والمحسوبية , ضباط  من ابناء طائفتكم يمتلكون السيارات الفارهه  وتوزع عليهم الشقق السكنية والامتيازات  وكلما ازداد ولائهم ازدادت امتيازاتهم , وضباط  من باقي الطوائف تركب سيارات الشحن العسكرية " الزيل " والمواصلات العامة واصبحت السيارة البسيطة حلم لهم فقط لانهم ليسوا من طائفتكم " الكريمة ", حتى ابناء طائفتكم من العسكر والموظفين " البسطاء " الذين القيتم لهم " بعض " الفتات  لم ينجون منكم ودمرتم عقولهم وجعلتموهم وقوداً لحربكم القذرة على الشعب السوري زرعتم في رؤوسهم ان الجميع اعداء لهم , جمعتم حولكم الفاسدين والمنتفعين والجبناء والمخدرين عقلياً من باقي اطياف الشعب  لم يسلم من شركم احد ,فرقتم بين  ابناء الشعب الواحد, نشرتم ثقافة المؤامرة  والشك بين الناس و بشكل ممنهج عبر مدراسكم البعثية  من المرحلة الابتدائية حتى الجامعات التي يشرف عليها  العواينة وكتاب التقارير من ازلامكم , دمرتم التعليم والنقابات والجميعات والمؤسسات الغيتم المجتمع المدني واختزلتم الوطن في شخص الديكتاتور وعائلته, دمرتم اجيالاً بكاملها , وحين ثار الشعب السوري لينتقل بسوريا نحو دولة مدنية ديموقراطية, اتهمتم الشعب الثائر بالطائفية والمؤامرة والخيانة , قتلتم نصف مليون سوري واعتقلتم مثلهم ودمرتم مدن بكاملها على رؤوس اهلها استخدمتم كل صنوف الاسلحة التي خزنتموها لسنوات طوال من عرق وتعب وجهد الشعب السوري  ,هجرتم الملايين واستعنتم بكل المليشيات الطائفية التي هي على شاكلتكم وفتحتم سوريا للاحتلال الايراني وللمليشيات الطائفية ,  من اليوم الأول " قلتم الاسد او نحرق البلد " خونتم كل الشعب السوري وكل العرب وكل  العالم وكل من قال لكم كفى قتل كفى فساد كفى ظلم  ارحلوا عن السلطة ودعوا الشعب يبني وطناً حراً  , فمن هو الطائفي؟ الشعب ام انتم يامن لم يعرف التاريخ خيانة بحجم خيانتكم!!!

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٥
المفكر مجاهد ديرانية : فليكن .. نحن “سايكس بيكيون”

استبقتُ بالعنوان نقدَ الناقدين الذين حفظت معزوفتَهم غيباً من كثرة ما سمعتها، فرأيت أن أوفّر عليهم عناء تكرارها في التعليقات والتعقيبات، وصدّرتُ بها المقالةَ توفيراً لأوقاتهم في كتابة النقد ووقتي في قراءته.

1- لو أن سوريا كلها استسلمت -لا قدّر الله- وهادنَت النظام ولم تبقَ سوى درعا أو دوما وحدَها متشبثةً بالثورة مرابطةً على خط النار، فهل يجوز أن نقول لدوما أو درعا: عليك وحدك أن تكملي المشوار وأن تستمري بالمعركة حتى الانتصار وتحرير سوريا من أدنى الجنوب إلى أقصى الشمال؟ لا يقول بهذا عاقل، فإنه حِملٌ تكاد تعجز سوريا كلها عن حمله، فكيف نَكِلُهُ إلى الجزء الصغير منها ونطالبه بما عجز عنه الكل الكبير؟

إن حجم سوريا في الأمة أقل من حجم درعا ودوما في سوريا بكثير، وكما لم يَجُزْ أن يحمل جزؤها الصغير همَّها الكبير فكذلك لا نرى من العدل والمنطق مطالبةَ سوريا بحمل همّ الأمة كلها وحل مشكلاتها العالقة منذ عشرات السنين. فلماذا يطالبنا بعض "الجهاديين" بأن نعلن الحرب على القريب والبعيد، وأن نستعدي أمم الأرض، وأن نتبرأ من الأنظمة والدول ونكفّرها قاطبة لنحصل على شهادة حسن سيرة وسلوك، ولكي نُثبت ولاءنا لأمة الإسلام ونَخرج من شبهة الولاء لسايكس وبيكو وتهمة التعصّب للوطن الصغير؟


2- قدّم ثوارُ سوريا عشرات الآلاف من الشهداء وفتح الله عليهم فحرّروا ثلثَي مساحة البلد، ثم جاء عدو ذميم لئيم مجرم أثيم اسمه داعش، فطعنهم في ظهورهم واستباح دماءهم فأوغل فيها بلا رادع من دين ولا وازع من ضمير، واغتال خيار قاداتهم وقتل الآلاف المؤلفة من المجاهدين الصادقين، واحتل غدراً وعدواناً ثلاثةَ أرباع الأرض التي حرروها بالدماء الزكية والتضحيات الجِسام.

لم يكتفِ كثيرٌ من إخواننا المسلمين خارج سوريا بأن لاذوا بالصمت ونحن نُذبَح ذبح الدجاج والنعاج، بل إنهم صفّقوا للقتَلة الغادرين ووزعوا عليهم أوسمة الفخار وعزفوا معهم ألحان الانتصار، وحين دافعنا عن أنفسنا وقاومنا المعتدين لامونا قائلين: لو لم تكونوا صحوات خائنين لما تشبثتم بمشروع التقسيم الصليبي الذي فرضه على أرضكم سايكس وبيكو ولما فضّلتموه على دولة الخلافة والإسلام! نقول لهؤلاء الظالمين (وما أكثرَهم): يا إخواننا الذين تجهلون الحال: أنصفوا، أو عودوا إلى الصمت والخذلان، فإنهما أهونُ علينا من التصفيق للقتلة الغادرين الذين يطعنوننا في ظهورنا ويذبحوننا من الوريد إلى الوريد.


3- نشر أخونا الفاضل عبد المنعم زين الدين من قريب مقالة لطيفة عنوانها "هل السوريون مسلمون؟ وهل عندهم علماء؟". وما كان أغناه عن نشرها لو أن الناس تحلَّوا بالإنصاف ولم ينتقصوا من علماء الشام الذين يملؤون الشام بالآلاف. لا أعني كبار العلماء الذين يعرفهم الملايين، بل أعني صغار العلماء العاملين وطلبة العلم المخلصين الذين تشبثوا بالأرض ورفضوا مفارقة ميادين الجهاد، ففي كل ناحية وكل قرية في الشام منهم علماء وخطباء ودعاة ومربّون.

لكنّ أحد التنظيمات الجهادية الكبيرة في سوريا (الذي يصرّ على ربط نفسه بتنظيم آخر خارجها ) لم يجد في كل أولئك العلماء وطلبة العلم من السوريين مَن يصلح للفتوى والقضاء، فهو "يستورد" المُفتين والقضاة والشرعيين من بلدان الجوار، وبين حين وحين ينشقّ عنه قاض أو "شرعي" ويلحق بتنظيم مُعاد له ذاق على يديه الويلات! وفي كل حين وحين يشكو الناسُ في مناطق سيطرته من تعنّت قُضاته وعدم استيعابهم لطبيعة المجتمع السوري الذي يمارسون سلطتهم عليه، ولكن هذا التنظيم ما يزال متشبثاً بسياسته العنصرية ضد السوريين، فإذا شكونا من تعنّته نعَتَنا أنصارُه بالعنصرية والسايكس-بيوكويّة. حسبنا الله ونعم الوكيل.


4- يشكو أحرارُ سوريا منذ دهر من تفرّق كتائبهم ويَدْعون الله كل يوم أن يرصّ الصفوف وأن يؤلّف بين القلوب ويجمع المتفرقين. ولعل الله استجاب دعاءهم، فعطف قلوبَ المجاهدين بعضَهم على بعض وسخّر لهم مَن يسعى في المصالحة والتقريب، حتى كان من ذلك اجتماعُهم في كيانات كبيرة، لم تَرْقَ إلى الوحدة الكاملة المرجوّة ولكنها خطوة في الطريق الصحيح وبديل متواضع عن التشرذم الكريه والتفرق المذموم، وقد تبنَّتْ تلك الكياناتُ الجامعةُ مشروعَ الجهاد المحلّي وتوافقت على إقامة دولة الكرامة والحرية والقانون.

فلم يَرُقْ هذا الاجتماع لبعض المنظّرين من خارج الحدود، واعتبروه تجمّعاً فاسداً قام على غير طاعة لأنه أنشئ لخدمة مشروع استعماري تقسيمي وليس لخدمة مشروع الوحدة الإسلامية المنشود، المشروع العابر للحدود الذي يقوم على قاعدة "المنهج النقيّ" لا على أساس وطني محدود. مرة أخرى نجد أنفسنا -رغماً عنا- من جماعة سايكس وبيكو ومن أنصار التقسيم الاستعماري لبلاد المسلمين. مرة أخرى لا نجد جواباً سوى قولنا: حسبنا الله ونعم الوكيل.


5- كلما شكونا من تسلط المقاتلين الوافدين على سوريا من خارجها (الذين يسمّون أنفسهم مهاجرين) كلما شكونا من تسلطهم على إخوانهم السوريين ومن فرضهم أنفسَهم عليهم والتدخل القسري في معركتهم وقضيتهم ردّوا علينا بتلك الجملة المشهورة: "سوريا للمسلمين كلهم وليست للسوريين"!

وهم إذا قالوها لم يقصدوا البوادي والقفار المهجورة، بل يعنون المدن والبلدات المعمورة، فإذن سيكون معنى قولهم ذاك هو أن حلب ليست لأهل حلب ودرعا ليست لأهل درعا وحمص ليست لأهل حمص ودير الزور ليست لأهل الدير! ثم إن المدن ليست بشوارعها وحدائقها العامة بل بأحيائها وبيوتها المسكونة. فكأن أولئك الناس يقولون: هذه البيوت والأملاك ليست لأصحابها وساكنيها؛ إن بيوتكم وأملاككم ليست لكم يا أيها السوريون، وإنما هي للمسلمين!

هذا الهُراء يردده كثيرون بلا عقل ولا تفكير، فإذا قلنا لهم: "بل إن سوريا لأهلها، وقرار السلم والحرب فيها ملك لهم وحدهم، ولا يحدد مستقبل سوريا ومصيرَها إلا السوريون". إذا قلنا لهم ذلك قالوا: "أنتم تقدّمون الولاء للأرض على الولاء للمسلمين وتتحدثون بمنطق الوطنية لا بمنطق الدين، إن سوريا ليست لكم وحدكم، إن سوريا أرض مباحة لكل المسلمين".

ويحكم يا مغفلون! لمَن تكون البلاد إن لم تكن لأهلها؟ إن زعمتم أن التفريط في الحق مما يأمر به الدين فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. بل إن سوريا للسوريين كما أن مصر للمصريين وليبيا للّيبيين وفلسطين للفلسطينيين، وإذا كان الدفاع عن حقنا في تملّك أرضنا وقيادة معركتنا بأنفسنا سايكس-بيكويّة فإننا سايكس-بيكويّون.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٥
سعد الحريري والحوار السني الأخير مع حزب الله

سعد الحريري هو آخر زعيم سني يمد يده لحزب الله ويتحاور معه. فتح في خطابه الذي ألقاه في الذكرى العاشرة لرحيل رفيق الحريري مخرجاً رباعياً للنجاة أمام الحزب يقوم على تسليم المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب من سوريا وتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية والكف عن توزيع السلاح تحت مسمى سرايا المقاومة.

لا يبدو الحزب مهتما بالنجاة، بل يمارس تجاهلا فظاً لكلام الحريري لأنه يعلم أنه غير قادر ولا راغب في تغيير واقع الأمور عبر اللجوء إلى منطق مماثل لمنطقه. يمارس إلغاء قاسياً للحريري، ويسخر جمهوره من طبيعة الاحتفال الذي يضم غناء وموسيقى، ما لا يمثل في نظره سوى علامة نهائية على رخاوة تيار المستقبل ولينه، مقارنة بجهامة احتفالاته وصرامتها وعسكريتها.

يعيش الحزب في السياسة الداخلية اللبنانية زمن انتشاء بتغييب سعد الحريري، وشله، وقمع روح الحريرية في وسط الطائفة السنية، وتحويل كل ذلك الزخم السياسي والسلوكي الناطق بلسان الاعتدال والتسويات إلى خطاب فلكلوري بارد، لا مكان له في عالم القوة والعصبية والتغلب.

يرسم هذا الانتشاء بالغلبة ملامح علاقة الحزب وجمهوره بتيار المستقبل. هذه الغلبة لم تعد مجرد تعبير عن سلوك يتيحه فائض القوة، بل باتت العقيدة والدين والطائفة. تاليا لا يمكن تصور أن يصدر كلام أو موقف أو سلوك يغاير ما أسست له من مفاهيم القطيعة، والاستقواء، ورفض التفاهم والحوار.

من هنا يمكن لنا أن نرسم ملامح السني الآخر المناقض لسعد الحريري الذي يسعى الحزب بكل ما يملك من قدرات إلى صناعته وتصميمه. إنه السني المفخخ الذي لا يرتدي بدلة عصرية، ويحرّم الموسيقى والاحتفال، والذي ينذر حياته للموت.

يعرف الحزب ومن يحارب لحسابه في سوريا وفي أي مكان أن لا مجال له للانتصار سوى بدفع هذا النوع من السني ليتحل واجهة المشهد. لا يستطيع الحزب ولا إيران ولا نظام الأسد الانتصار سوى على مثيلهم وشبيههم، أما ذلك الذي يناقضهم فلا سبيل للانتصار عليه بأي شكل من الأشكال.

كل ما يجري في المنطقة يؤكد سيادة هذا النزوع عند الحزب الإلهي وصناعه. الهجمة المستميتة للقوات الإيرانية والأسدية وحزب الله على مناطق الجنوب السوري التي تحضن آخر معاقل الجيش الحر ممثل الاعتدال الوحيد، تعني بوضوح لا لبس فيه إن المعركة الأساسية والفعلية كانت مع هذا النوع من السني وستبقى كذلك.

الحرب على الإرهاب الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية لم تكن يوماً سوى كذبة ثقيلة غير قابلة للتصديق لأن كل ما قام به هذا التنظيم المتوحش إنما يصب في مصلحة النظام وحلفائه. الجميع يعلمون أن هذا التنظيم لم يسيطر على مناطق كانت تحت سلطة النظام بل إن جل المناطق التي تقع حاليا تحت سيطرته كانت واقعة تحت سيطرة الجيش الحر المعتدل الذي لا يقطع الرؤوس، والذي ليست فيه عناصر أجنبية، والذي يمثل عنوانا واضحا لثورة وطنية سورية على ظلم النظام.

يركّب حزب الله للسني الداعشي القادم، وربما الأكثر وحشية من داعش، خريطة مشروعية تمتد على مساحة الوجود السني في المنطقة. يعتقد أنه سينتصر في الجنوب السوري ويفك الحصار عن دمشق ويعيد تعويم الأسد. يتحدث بمنطق حاكم المنطقة الإيراني الذي أعلن سيطرته على أربع عواصم عربية هي بغداد، وصنعاء، ودمشق، وبيروت. لا يرى في سعد الحريري طرفا آخر وهو الذي لا يسيطر في رأيه على أي شيء، فبيروته التي يتغنى بها قابلة لتكرار سيناريو اجتياحها في السابع من مايو في أية لحظة، وهو يزورها زيارة الخائف المتوجس القلق وليس أدل على ذلك سوى الإجراءات الأمنية غير المسبوقة التي رافقت إطلالته في مجمع البيال، لذا فإنه ليس صالحا للتحاور.

قد تكون مقاربة الحزب لحجم سلطات الحريري واقعية، فالرجل لا يسيطر على عواصم. كل ما لديه هو جمهور مدني مؤيد لمشروع الدولة، ومنطق الاعتدال ومد اليد. لكن الحزب لا يعلم أن هذا الرجل هو الوحيد والأخير الذي يمكن للتفاهم معه أن ينقذ الحزب من نهايات محتومة لن يرحمه فيها أي من ضحاياه، ولن يكون أي انتقام منه مهما كان حجمه غير منطقي وطبيعي.

يمسك سعد الحريري إذن بسلطة أكثر بكثير من التي يملكها حزب الله الذي يتماهى مع خطاب السيطرة الإيرانية المتوهمة على عدة عواصم عربية. يمسك سعد الحريري بيده مفتاح النجاة، ومتى ما أجبر على رميه من يده فلن يجد أبناء الغلبة سوى من يهديهم مفاتيح الجحيم.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٥
لندع السنّة والشيعة يقتلون بعضهم البعض

لا شك في أن أشهر التقارير عن النقاش الأميركي حول التدخل في سوريا، ورد في العام 2012، وجاء فيه أنه أثناء اجتماع "فريق الأمن القومي" برئاسة باراك أوباما، احتدم النقاش كثيراً بين وزيري الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هيغل؛ فالأول كان يرى أنه لا بد من تدخل عسكري أميركي يجبر الأسد على الخروج من الحكم ويجبر نظامه على الدخول في شراكة مع الثوار، فيما عارض هيغل ذلك. عند ذاك تدخل رئيس أركان الجيش الجنرال مارتن ديمبسي لمصلحة هيغل، وردد قائلاً إن المصلحة الأميركية تقتضي عدم التدخل في القتال الدائر في سوريا، بين عدوين لواشنطن: تنظيم "القاعدة" السني و"حزب الله" الشيعي.

منذ ذلك التاريخ، كثرٌ كتبوا، في أميركا وفي إسرائيل، عن هذه المصلحة المفترضة، والتي تقضي بالتفرج على السنة والشيعة يقتلون بعضهم. واستعاد البعض دعابات أميركية من زمن الحرب العراقية الإيرانية، كقول وزير الخارجية الأسبق هنري كيسينجر، إنه كان يتمنى للاثنين؛ العراق وإيران، "حظاً سعيداً" في الحرب الدموية المستمرة بينهما.

لكن ديمبسي نفسه هو الذي قلب رأي أوباما لمصلحة التدخل ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ فعلى إثر انهيار القوات النظامية العراقية في الموصل في حزيران/يونيو 2014، وبدء تهديد داعش لأربيل، تسلل ديمبسي إلى الليموزين الرئاسية التي كانت تهم بالإقلاع من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض، بعد مشاركة أوباما في قمة جمعته مع رؤساء افريقيا. وفي المسافة القصيرة بين المبنيين، أقنع ديمبسي أوباما بخطورة الموقف، وضرورة وقف زحف داعش نحو الأكراد.

وبالفعل، بدأت أميركا غاراتها التي أوقفت تمدد داعش، وأتبعت ذلك ببناء تحالف عسكري جوي قال أوباما، الأسبوع الماضي، إنه قام بأكثر من ألفي غارة جوية، على الرغم من أن غالبية المراقبين لا يعتقدون أن عدد ضحايا مقاتلي داعش من الغارات قد وصل إلى ألف قتيل.

هكذا، كان التدخل الأميركي ضد داعش لضبط الحرب بين السنّة والشيعة، وحصر مسرحها في سوريا وبعض المناطق العراقية فقط. ومع مرور الأشهر، صارت واشنطن، التي تحاور طهران وتُغير على داعش، تبدو وكأنها منحازة للشيعة ضد السنّة. ومع الوهن الذي أصاب قوات الرئيس السوري بشار الأسد، الشيعي مؤقتاً، والذي يحاور إسرائيل في أوقات أخرى، يبدو أن القلق أصاب بعض من اعتقدوا أن في الحرب السنية-الشيعية فائد أميركية. الغارة الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل قياديين في حزب الله وجنرالاً إيرانياً أظهرت أن جبهة الجنوب السورية، انتقلت بالكامل إلى يد إيران العسكرية.

وإن انتقلت حدود الجولان من يد الأسد إلى اليد الإيرانية، حسبما بث الإعلام الموالي صوراً لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيرايني الجنرال قاسم سليماني، قيل إنها التقطت له في جنوب سوريا، ما يعني أنه يتوجب على إسرائيل توقع أراض جديدة بأيدي ميليشيات حليفة لإيران.

صحيح أنه منذ تسلمت "جبهة النصرة" معبر القنيطرة في آب/أغسطس 2014، أبدت التزاماً شبيهاً بالتزام الأسد قبلها و"حزب الله" منذ العام 2006، بالهدوء على الحدود مع إسرائيل، إلا أن مزيداً من التماس مع الإيرانيين لا يعجب الإسرائيليين كثيراً.

وفي منطقة الشرق الأوسط مؤشرات أخرى على انتصارات شيعية عسكرية، فاليمن الذي سقط بيد حلفاء إيران، يقلق إسرائيل وبعض الأميركيين؛ إذ أنه سبق للقوات الحكومية اليمنية أن ضبطت عدداً من شحنات السلاح الإيرانية التي وزعتها طهران على حلفائها في عموم المنطقة، ومنهم حماس في غزة. ويأتي تفوق الشيعة على السنّة إقليمياً في وقت يبدو أوباما متجهاً نحو تسوية مع الإيرانيين بأي ثمن. أما أبلغ صورة للموقف الأميركي الجديد، فهي الرسائل المتبادلة بين أوباما ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، في وقت أوصد الرئيس الأميركي أبواب البيت الأبيض أمام رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي سيزور واشنطن في 3 أذار/مارس، ليقلي خطاباً أمام الكونغرس.

هكذا، بدأ بعض القلق الأميركي من إمكانية انتصار الميليشيات الشيعية، وفي سلسلة من جلسات الاستماع في الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية المعارضة لأوباما، والمقربة من إسرائيل، راح الأعضاء وضيوفهم من الخبراء يتحدثون بالتفصيل الممل عن الخطر الداهم للميليشيات الشيعية الموالية لإيران، خصوصاً في حال انتصرت هذه على خصومها من السنة، وخصوصاً في ضوء انفتاح أوباما على إيران.

وراح أعضاء بارزون في الكونغرس، مثل العضو الجمهوري من أصل لبناني داريل عيسى، يسهب في الحديث حول جدوى حرب أميركا على داعش، والتي تبدو بأنها لا تقضي على داعش، وأن كل ما تفعله هو ترجيح كفة ميليشيات أخرى، هي أيضاً عدوة للولايات المتحدة.

طبعاً الأصوات التي دعت منذ الأيام الأولى للثورة السورية في العام 2011 إلى تدخل أميركي حاسم لوقف النشاط العسكري للأسد، حتى لا يستثير عنفاً من الجهة المقابلة، عادت اليوم لتقدم الرؤية الموضوعية للأمر؛ فكلما طالت الحرب بين السنة والشيعة، كلما تعود الطرفان على الحرب، وكلما جندوا المزيد من الشباب ودربوهم، وكلما انشأوا شبكات مالية لتمويلهم.

يوماً ما، إذا انتهت الحرب في سوريا والعراق بفوز طرف على آخر أو بتسوية ما، أين سيذهب كل هؤلاء الشباب المقاتلين من الطرفين؟ لا بد أن بعضهم لن يلقي السلاح، وقد يوجه عنفه ضد أميركا والغرب، وهو ما حدث بعد حرب أفغانستان ضد السوفيات، وهو الدرس الذي لم تفهمه أميركا بالكامل، بل فهمت أن مصلحتها هي في عدم التسليح، بدلاً من أن تكون مصلحتها في وقف الحرب.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٥
كيف تحوّلت من مدرّسة إلى داعشيّة؟

لقاء أجرته شبكة CNN الأخبارية مع منشقّة داعشية

7/10/2014

Arwa Damon and Gul Tuysuz
ترجمة: حارثة مجاهد ديرانية

فتحت الفتاةُ ذات الخمسة وعشرين ربيعاً باب غرفة الفندق -حيث اتفقنا على اللقاء- بتردد. وعلى الرغم من أنها غطت وجهها بالكامل إلا أن لغة جسدها كانت تفضح ما يعتريها من قلق؛ رفعت حجابها ببطء مبديةً وجهها الفتيّ، وبدت عيناها البنيتان الواسعتان الممتلئتان بالشعور بالذنب وبالذعر تحت حواجبها المنسّقة تنسيقاً بديعاً.

كانت تسمي نفسها خديجة، وهو اسم مستعار لأنها مهدورة الدم. بعدما كانت خديجة تعمل مع داعش (تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام)، فإنها اليوم منشقة عنهم نتيجة لما انشكف لها من وحشية هذا التنظيم. وقد كان لقاؤها مع قناة سي إن إن المرة الأولى التي تكشف فيها عن قصتها.


"لقد فررت إلى ما هو أسوأ"

نشأت خديجة في سوريا، وحرص أهلها على أن تنال قسطها من التعليم، حيث حصلت شهادتها الجامعية وأخذت تدرّس في مدرسة ابتدائية، وهي تصف أسرتها وأسلوب والديها في التربية على أنه "لم يكن متشدداً دينياً".

حين اندلعت الثورة السورية منذ ثلاث سنوات ونصف انضمّت خديجة إلى جموع الجماهير الذين هتفوا ضد حكومة بشار الأسد. تقول خديجة: "لقد كنا نخرج ونتظاهر في الشوارع، وتلاحقنا قوات الأمن نتيجة ذلك. كنا نكتب احتجاجاتنا على الجدران ونحن نحمل ملابس إضافية لنبدل إليها بسرعة. كم كانت تلك الأيام رائعة!"

ثم كان تحول الثورة إلى التسلح -كما تقول- هو الوقت الذي بدأت تفقد فيه روحها وإنسانيتها. تقول خديجة بكلمات متهدجة: "كل ما حولنا كان عبارة عن فوضى مرعبة: النظام، البراميل المتفجرة، فصائل الجيش الحر المحاربة، الإضرابات، الجرحى، المشافي، الدماء... كنت لتريد أن تنتزع نفسك من هذا المكان، أن تجد ما تلجأ إليه. وكانت مشكلتي أني فررت إلى ما هو أسوأ".

الاستدراج

ألفت خديجة نفسها مأخوذة ببيان شاب تونسي التقت به على شبكة الإنترنت، ولما أعجبت بأخلاقه فقد بدأت تثق به مع الوقت حتى أغراها بالانضمام إلى داعش، وجعل يطمئنها بأن نظام داعش ليس كما يروَّج له بين الناس على أنه نظام إرهابي. قال: "إننا سنقوم بتطبيق تعاليم الإسلام. نحن الآن في حالة حرب، في وقت نحتاج فيه إلى السيطرة على البلد ولذلك لا بد لنا من انتهاج القسوة في هذه المرحلة".

أخبرها أنه كان قادماً إلى مدينة الرقة وأنهما قد يتزوجان أيضاً.

تقول خديجة: "تواصلت مع ابنة عمي فقالت لي: "تستطيعين الالتحاق بنا في لواء الخنساء". وقد كانت تعيش في الرقة مع زوجها الذي كان ضمن تنظيم داعش. أما اللواء المذكور فإنه قوة أمن مرهوبة الجانب تابعة لتنظيم داعش جميع أعضائها من النساء.

أقنعت خديجة عائلتها بالانتقال إلى الرقة متذرعة بأن تعليم إخوتها الصغار سيكون أيسر وأنهم سيحصلون على معونة أقاربهم. وبفضل وجود ابنة عمها في اللواء فقد تم قبول خديجة عضواً جديداً في لواء الخنساء.

داخل لواء داعش النسائي

يتكون لواء الخنساء من نحو 25 أو 30 امرأة، وتتلخص مهمته في التجول في شوارع الرقة للتأكد من أن النساء يلتزمن بالزي اللائق لهن كما حددته الدولة الإسلامية. تمنع العبايات المزركشة أو الضيقة التي تصف البدن، وتُجلَد كل من تخالف تلك التعليمات.

كانت امرأة يدعونها أم حمزة هي من تطبق عقوبة الجلد على من تخالف التعليمات. وقد ذعرت خديجة لما رأت أم حمزة أول مرة. تقول خديجة: "إنها ليست امرأة عادية. لقد كانت عملاقة، ومعها رشاش كلاشنكوف ومسدس وسوط وترتدي النقاب".

شعرت قائدة اللواء أم ريان بذعر خديجة، "فاقتربت مني وقالت لي جملة لن أنساها، قالت: نحن غلاظ على الكفار ولكننا رحماء بيننا"، كما تقول خديجة.

دُرِّبت خديجة على تنظيف الأسلحة وتفكيكها وإطلاق النار بها، وكانوا يدفعون لها مئتي دولار شهرياً ويوفرون لها مؤونتها من الطعام.

شعرت عائلة خديجة بأنها كانت تنجرف أكثر مما ينبغي، ولكنهم كانوا عاجزين عن وضع حد لذلك، وجاءتها أمها تحذرها. "لقد كانت تقول لي بإلحاح: افتحي عينيك ولا تفرطي بنفسك، إنك تمضين الآن ولكنك لا تعرفين إلى أين سيفضي بك الطريق".

الارتياب

في البداية لم تُلقِ خديجة بالاً لتحذيرات أمها لأنها كانت مخدوعة بمنطق القوة، ولكنها بدأت أخيراً ترتاب بما أقدمت عليه وبالمبادئ التي قام عليها تنظيم داعش. تقول خديجة: "لقد كنت في البدء مسرورة بوظيفتي، لقد شعرت بأني امتلكت القوة والسطوة في الشوارع، ثم بدأ الخوف يتملكني، الخوف من وضعي، بل إني بدأت أخاف من نفسي أيضاً".

وبدأت خديجة تفكر: "أنا لست كذلك. لدي شهادة جامعية في التربية والتعليم. لا ينبغي علي أن أكون هكذا. ماذا جرى لي؟ ما الذي جرى لعقلي وأتى بي هنا؟"

وبدأت الصورة المثالية التي في ذهنها لتنظيم داعش بالانهيار. انطبعت في ذهنها مشاهدُ بشعة لفتى يبلغ من العمر ستة عشر عاماً قُتل بسبب اتهامه بالزنا، فبدأت تشكك بصواب انتمائها إلى مجموعة قادرة على ارتكاب هذه الفظائع. تقول خديجة: "أسوأ ما شاهدته كان قطع رأس أحد الرجال أمامي".

العنف ضد النساء

وعلى مستوى أقرب شهدت خديجة أسلوب داعش الخاص في العنف مع النساء، فلقد كان لواؤها النسائي جاراً في المبنى نفسه لرجل متخصص في تدبير الزيجات لمقاتلات داعش النساء.

تقول خديجة عن الرجل الذي أوكل بمهمة تدبير زوجات للمقاتلين المحليين والوافدين: "لقد كان من أسوأ الناس". وتقول: "لقد كان المقاتلون الوافدون بالغي القسوة مع النساء، حتى مع اللائي يتزوجونهن. لقد عرفنا حالات أُخذت الزوجة فيها إلى قسم الطوارئ بسبب العنف، العنف في الفراش".

لقد اطلعت خديجة على مستقبل لا يمكن لها أن تريده. ومع ضغط قائدها الشديد من أجل أن تذعن للزواج به قررت أنه قد آن أوان ترك اللواء. تقول خديجة: "تلك هي النقطة التي قررت عندها أني قد كفاني ما رأيت، بعد كل ما شهدته بصمت وأنا أحاول إقناع نفسي بأنها كانت "ظروف الحرب وأن الأمور ستكون أفضل بكثير بعد ذلك"، ولكني عند ذلك الحد جزمت أمري وقررت أن عليّ الترك بلا تردد".

فرَّت خديجة قبل الغارات الجوية بأيام معدودة، بقيت عائلتها في سوريا، بينما تمكنت هي من العبور -تهريباً- إلى الأراضي التركية.

الحياة بعد داعش

لا تزال خديجة ترتدي النقاب حتى الآن، ليس من أجل إخفاء هويتها فحسب، بل لأنها لا زالت تكافح من أجل التأقلم مع حياتها الجديدة خارج كنف "الدولة الإسلامية".

رغم ندمها على تحولها إلى التشدد المفرط لبعض الوقت إلا أنها الآن منتبهة ألا تقع ضحية ردة فعل عنيفة في الطرف الآخر. تقول خديجة: "يجب على أوبتي أن تكون تدريجية كيلا أتحول إلى شخص آخر، كيلا تدفعني ردة فعل غير مكبوحة إلى القفز إلى الطرف المضاد، إلى رفض الدين بالكلية بعدما كنت مفرطة التشدد إلى تلك الدرجة".

وحينما تكلمنا في نهاية لقائنا عن نجاح داعش في التغلغل في مناطق واسعة من سوريا كان لخديجة وقفة عند هذا الموضوع. قالت: "كيف سمحنا لهم بالمجيء؟ كيف سمحنا لهم بأن يحكمونا؟ لقد كان ضعفنا وعجزنا عن التمييز هو السبب".

تقول خديجة إنها التقت بنا لأنها تريد للناس -وخاصة النساء- أن يعرفوا حقيقة نظام داعش. تقول: "لا أريد لأي أحد أن يخدع بهم. الكثير من الفتيات يحسبون أن داعش تمثل دين الإسلام الصحيح".

إن خديجة بالغة الحرص الآن على أن تعود كما كانت قبل أن تقع في حبائل نظام داعش وسحر بيانه الكاذب. تقول: "فتاة مرحة تحب الحياة والضحك، تعشق السفر والرسم والتجول في الشوارع وقد وضعت سماعاتها على أذنَيها تستمع إلى أعذب الألحان دون أن تكترث بأي مخلوق آخر... هكذا أريد أن أكون مرة أخرى".

 

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٥
«التحالف العربي» أفضل استراتيجية ضد الإرهاب

غداة جريمة إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً، شكّل اندفاع الأردن إلى تصعيد دوره في التحالف الدولي ثم توسعه في ضرب مواقع «داعش» ردّاً كاملاً وحاسماً على هذا التنظيم. وسواء احتُسب ذلك في إطار «الثأر» أو في سياق المشاركة الأردنية في الحرب على الإرهاب، فإن الأردن أظهر أيضاً عدم تهاونه حيال التعرّض لأبنائه، ليحافظ على وحدة المجتمع في وقوفه ضد التنظيم الإرهابي. وعندما بادرت دولة الإمارات بإرسال سرب طائرات حربية لمؤازرة الأردن، وبالعودة إلى المشاركة في الضربات الجوية، شكّلت الدولتان خطّاً جديداً جدّياً في عمل «التحالف»، وسط سيل انتقادات شبه يومية بأن هذا «التحالف» لا يزال يفتقد استراتيجية واضحة بالنسبة لأهدافه.

وأتاح المؤتمر السنوي للأمن في ميونيخ فرصة لرصد الثغرات العسكرية والسياسية للحرب التي تقودها الولايات المتحدة. فحتى الأمين لحلف «الناتو» يقول إن الضربات الجوية لا تكفي، لافتاً إلى ضرورة تأهيل الجيش العراقي ومساعدته. لكن هذا لا يغطّي سوى جانب من الصورة، إذ إن النقص الأهم في استراتيجية الحرب يتمثّل في عدم وجود استراتيجية واضحة الأهداف والآليات لمواجهة تنظيم «داعش» والسيطرة عليه وهزيمته والتخلص منه. ثم إن الاعتماد على الجيش العراقي حتى بعد إعادة تأهيله، في ظل نظام سياسي تهيمن عليه إيران وفريق مذهبي واحد، لا يعني سوى بداية تأسيس لـ«الإرهاب ما بعد الداعشي»، وكذلك الأمر بالنسبة للتعاون مع قوات النظام السوري. كما أن تقليل أهمية انتشار «داعش» وتهديده مصر من خلال سيناء، وتجاهل خطره على لبنان، والتعامي عن وجوده وعملياته في ليبيا، لم يعد مجرد ثغرة في الاستراتيجية، بل أصبح سياسة أميركية متعمّدة ومثيرة للشكوك والتساؤلات.

في سياق تلك «اللا استراتيجية» جاء القرار الأخير لمجلس الأمن الرامي إلى «تجفيف مصادر التمويل» التي يستند إليها «داعش»، إلا أن القرار نفسه لا يتضمن آليات تنفيذ يمكن أن تحقق أهدافه بوقف تجارة النفط التي كانت تؤمّن للتنظيم دخلاً يومياً كبيراً بنحو 1.65 مليون دولار يومياً قبل أن يبدأ بالتراجع بسبب انخفاض أسعار النفط وبفعل الغارات الجوية. ذلك أن صفقات «داعش» لبيع النفط أو تهريب الآثار أو نقل الفديات لقاء تحرير رهائن أو تمرير شحنات الممنوعات، تتم عبر سماسرة ووسطاء مباشرين. من الناحية المبدئية كان لابد من هذا القرار الدولي، لكنه بدا نجاحاً لروسيا في تسجيل نقطة لمصلحة محور طهران- بغداد- دمشق أكثر منه تصميماً على سعي حقيقي إلى «تجفيف المصادر». صحيح أنه يصب في الاستراتيجية الشاملة المنشودة لكنه لا يجيب عن التساؤلات الكثيرة المطروحة.

قبل واقعة الإحراق، كان للعاهل الأردني اقتراح لم يحظَ بالنقاش الذي يستحقه، إذ دعا إلى بناء «تحالف عربي إسلامي لمحاربة الإرهاب». ولعل الملك عبد الله الثاني انطلق من أن الولايات المتحدة وضعت الاستراتيجية التي تلائمها وأن الجدل مهما احتدم لن يتمكّن من بلورة استراتيجية تستجيب لهواجس العرب والمسلمين. فبعد تحذيره من أن التنظيمات المتطرفة لن تقف عند سوريا والعراق إذا قويت شوكتها بل ستمتد إلى مختلف الدول العربية والإسلامية والعالم، رأى وجوب التصدّي لها بـ«منهج شمولي واستراتيجي وتشاركي»، خصوصاً أن «الحرب ضد الإرهاب هي حرب داخل الإسلام بالدرجة الأولى»، وبالتالي فهي «شأن عربي وإسلامي» لابدّ أن يمرّ بالحرب العسكرية على المدى القصير، فالأمنية على المدى المتوسط، فالإيديولوجية بـ«منهج فكري مستنير» على المدى البعيد، ويعني ذلك أن هذه الجهود يمكن أن تتفاعل في آنٍ إلا أن وتيرة ظهور نتائجها ستكون متفاوتة.

تلك دعوة إلى اعتماد العرب والمسلمين على أنفسهم وقدراتهم واستشعارهم للخطر وإدراكهم للمصلحة العامة والخاصة، ذاك أن التعويل على الآخرين لابدّ أن يستدعي أيضاً أجنداتهم ومصالحهم التي قد تتفق أو لا تتفق مع ما يطمح إليه العرب. وهي اقتراح يصبّ في تطلعات العديد من الدول ودعواتها إلى تنسيق جهودها سواء في الشأن الأمني أو في مكافحة الفكر المتطرّف وتحديث الخطاب الديني، فالجهود الفردية لا تؤدي إلا إلى نتائج محدودة أو هامشية. والأكيد أنها يجب ألا تُلقى على عاتق مؤسسات تقليدية -كالجامعة العربية مثلا- بل تتطلّب تحالفاً استثنائياً بين حكومات مقتنعة بأن مستقبل دولها وشعوبها بات رهن التغلّب على خطر الإرهاب.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٥
الحريري "هجوميّاً" من بيروت

فاجأ سعد الحريري اللبنانيين بعودته مساء 14 فبراير/شباط الجاري إلى بيروت، للمشاركة في إحياء الذكرى العاشرة لغياب والده، رفيق الحريري، وألقى خطاباً هجومياً على حزب الله، على الرغم من الحوار القائم بين الطرفين منذ شهر ونصف، مسلطاً الضوء على الدور الذي يلعبه الأخير في تعطيل الحياة السياسية، وإبقاء موقع رئاسة الجمهورية شاغراً منذ تسعة أشهر، وواصفاً مشاركته في القتال دفاعاً عن بشار الأسد بـ"الجنون".
هل خطاب الحريري مجرد خطاب تعبوي، من أجل شد عصب جمهوره، الذي يغيب عنه منذ نحو أربع سنوات، وتتنازعه منذ بداية الثورة في سورية رغبة المشاركة والالتحاق بصفوف مقاتلي المعارضة، وتنفخ رياح التكفيريين في الاحتقان السني-الشيعي الذي يغذيه حزب الله منذ سنوات؟ وهل هي مجرد زيارة عاطفية خاطفة، أم أنه عاد لأسباب أبعد من المناسبة؟
حرص زعيم تيار المستقبل الذي صعد على موجة التعاطف والمد الشعبي الجارف الذي حظي به إثر اغتيال والده، على تبديد مخاوف وشكوك قسم كبير من اللبنانيين تجاه الحوار مع حزب الله، المتهم عملياً باغتيال رفيق الحريري، والذي يرفض تسليم خمسة من كوادره المتهمين (أحدهم مصطفى بدر الدين، تفيد مصادر المعارضة بأنه يقود حالياً معركة جيش الأسد ومقاتلي حزب الله في درعا) بتنفيذ الاغتيال إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي، والذي يشل عملياً الحكم والمؤسسات الدستورية عبر التلطي وراء الزعيم المسيحي رئيس التيار الوطني الحر، ميشال عون، الحالم والطامح الدائم لرئاسة الجمهورية.
فقد أكد الحريري أنه لن يعترف لحزب الله بأية حقوق تتقدم على حق الدولة بقرارت الحرب والسلم، مؤكداً، في الوقت عينه، تمسكه بالحوار الذي وصفه بـ"الحاجة الإسلامية لتخفيف الاحتقان، وضرورة لتحصين المسار السياسي، وإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية، ورفض

"خطاب الحريري يؤكد أن لبنان سيبقى عرضة لحرائق نيران الحرب السورية، وستبقى الأزمة الدستورية مفتوحة على الفراغ الرئاسي"


تحكيم الشارع بالخلافات السياسية"، إلا أن الحريري أعطى لكلمته (ومهمته؟) توجهاً وبعداً إقليميين، إذ بدا لافتاً أنه أتى بجرعة سعودية إضافية، مستهلاً خطابه بالترحيب، أولاً، بمبايعة الملك السعودي الجديد، سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد مقرن بن عبدالعزيز، على الرغم من أنه قام بالتهنئة والمباركة يوم التنصيب في السعودية، حيث يقيم حالياً. ومنه انطلق ليشن هجوماً على بشار الأسد الذي قال عنه إنه "كسّر سورية على رؤوس أهلها، وقتل مئات الألوف وشرد الملايين"، في استعادة لما نقل عن الأسد نفسه، عندما هدد رفيق الحريري، في أغسطس/آب 2004، قبل أربعة أشهر من اغتياله: "إذا رفضت التمديد للرئيس إميل لحود فسأكسر لبنان على رأسك...".
بدا وكأن الهدف هو التصويب على ما يسمى "محور الممانعة"، انطلاقاً من واقع الساحة اللبنانية. فقد تساءل الحريري عن معنى "اختزال العرب في نظام الأسد ومجموعة مليشيات مسلحة تعيش على الدعم الإيراني، لتقوم مقام الدول في العراق وسورية ولبنان واليمن ونفي الجامعة العربية"، رافضاً تحويل لبنان إلى ساحة أمنية وعسكرية، يسخرون، من خلالها، إمكانات الدولة اللبنانية، لإنقاذ النظام السوري وحماية مصالح إيران. وتساءل: "أين هي المصلحة في ذهاب شباب لبنان للقتال في سورية والعراق، والتدخل في شؤون البحرين...؟"، مؤكداً أن "مصلحة لبنان من كل ذلك صفر". وكرر الحريري دعوته حزب الله إلى الانسحاب من سورية، رافضاً ربط الجولان بالجنوب، و"يكفي استدراج الحرائق من سورية إلى لبنان".
وعلى الرغم من اللهجة الحادة للخطاب، ومضمونه العالي النبرة، إلا أن الحريري حرص على تأكيد تمسكه بالاعتدال خياراً في مواجهة العنف والتطرف والتكفير. وزعيم "تيار المستقبل" من رموز الإسلام المعتدل على الصعيدين، اللبناني والعربي، كما كان والده. وبدا في خطابه الجديد كأنه الناطق بلسان الدول العربية والإسلامية التي تدعم معركة إسقاط بشار الأسد، في وجه من يحاول إنقاذ نظامه:"الرهان على إنقاذ النظام السوري وهمٌ يستند إلى انتصارات وهمية، وقرار إقليمي بتدمير سورية".
فهل يمكن قراءة ذلك على أنه مؤشر ورسالة سعودية واضحة حول توجهات العاهل الجديد في ما يخص الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية، وصعوبة توقع أي انفراج في العلاقات السعودية-الإيرانية في المدى القريب، وبالتالي، بقاء المنطقة في حال من التوتر والفوضى. وفي المقابل، يمكن توقع أن المواجهة بين المعسكرين مستمرة، في العراق واليمن وسورية، على الرغم من التقاء الطرفين على ضرورة محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، كلٌ انطلاقاً من مصالحه وحساباته.
ويشكل كلام الحريري من دون شك إحراجا لحزب الله، المتورط بقرار إيراني في أكثر من جبهة قتال في سورية، إلى جانب النظام وفي الجولان، وفي العراق، وفي تدريب الحوثيين في اليمن، وفي جنوب لبنان، والذي يبحث، في الوقت عينه، عن متنفس داخلي لتهدئة الساحة اللبنانية البالغة التعقيد والحساسية. ولذلك، يلتقي الطرفان على ضرورة استمرار الحوار من أجل تنفيس الاحتقان المذهبي.
وطالما أن المشهد الإقليمي، والإيراني-الأميركي تحديداً، ما زال متوتراً وشديد الضبابية، فإن خطاب الحريري يؤكد أن لبنان سيبقى عرضة لحرائق نيران الحرب السورية، وستبقى الأزمة الدستورية مفتوحة على الفراغ الرئاسي، وأن انتخاب رئيس للجمهورية مؤجل إلى أجل غير مسمى، وهو الموقع المسيحي الوحيد في العالم العربي. وستبقى الحكومة الحالية، بتوازناتها الدقيقة، تصارع من أجل البقاء، يقابلها تمسك الجميع بغطائها، لأن لا مصلحة لأحد في قلب الطاولة، أقله في هذه المرحلة.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٥
هل تريد إيران أن تبني إمبراطوريتها على أشلائنا؟

ليس المقصود من العنوان أعلاه القول إن البلاد العربية التي اقتحمتها إيران كانت في وضع مثالي، ثم جاءت إيران لتخربها، لا أبداً، فقد فعل الطواغيت العرب في تلك البلدان الأفاعيل، ولولا فسادهم وبطشهم واستبدادهم لما تدخلت إيران ولا غيرها أصلاً في تلك الدول. لكن هل تحسنت الأوضاع في البلاد التي غزتها إيران بطريقة أو بأخرى؟ أم إنها زادت في معاناتها وتأزمها وتشرذمها؟ لا بل راحت تدق الأسافين بين مكوناتها المذهبية باستخدام المبدأ الاستعماري الشهير: "فرق تسد"، وقد نجحت إيران حتى الآن في استغلال الصراع المذهبي والطائفي في تلك البلدان لإحكام قبضتها على تلك الديار التعيسة.
سمعت من عرب كثيرين، خاصة الذين يتضامنون مع إيران مذهبياً بأنه لا مانع لديهم أن تأتي إيران لتحكمهم، وتنهض ببلدانهم بعد أن حوّلها الطغاة إلى دول فاشلة على كل الأصعدة. "أهلاً بإيران"، يقول أحدهم، "لو أنها ستفعل لنا ما فعلته أمريكا لليابان بعد الحرب العالمية". صحيح أن أمريكا تدخلت في اليابان بعد ضربها بالقنبلة النووية، لكن تدخلها كان حميداً للغاية. فقد أسهمت أمريكا في نهضة اليابان الصناعية والاقتصادية، لا بل وضعت لها القوانين التي تنظم مختلف جوانب الحياة، ولا ينكر فضل أمريكا على اليابان بعد منتصف القرن الماضي إلا جاحد، هل إيران مستعدة لتفعل للبلدان التي وضعت يدها عليها كما فعلت أمريكا لليابان؟ على ضوء ما نراه في العراق مثلاً منذ أكثر من عشر سنوات، لم نلحظ أبداً أن إيران تريد الخير للعراق بقدر ما تريده بلداً محطماً مهشماً ضعيفاً متناحراً ليبقى لعبة في يديها، ومجرد حديقة خلفية لها بعد أن كان في عهد الرئيس الراحل صدام حسين شوكة في خاصرتها وتهديداً عسكرياً واستراتيجياً لها.
لا شك أن الاحتلال الأمريكي فعل الأفاعيل بالعراق، وكاد أن يعيده إلى العصر الحجري، كما توعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق رامسفيلد ذات يوم. لكن ماذا فعلت إيران حتى لأزلامها من العراقيين الشيعة؟ صحيح أنها ساعدتهم في الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، لكن في الوقت نفسه وضعتهم في مواجهة مذهبية طاحنة مع السنة، بحيث لا يمر أسبوع على العراق منذ سنوات إلا وتشهد البلاد أعمال عنف طائفية رهيبة تفسد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى الآن، وتجعل من العراق دولة فاشلة بامتياز. تصوروا أن العراقيين حتى الآن لا يجدون الماء النظيف أو الكهرباء أو حتى الوقود، بينما يعوم العراق على بحر من النفط، ماذا فعلت إيران للعراقيين لتساعدهم للخروج من محنتهم؟ لا شيء يذكر سوى تكريس الصراع المذهبي والطائفي كي تعيش على تناقضات العراقيين المذهبية والعرقية. إنه تصرف استعماري مفضوح، ولا تلم إيران إلا نفسها عندما تبدأ الجماعات السنية المتطرفة بإزعاجها وإزعاج بيادقها في العراق، فلا يمكن لأي شعب أن يستقبل مستعمراً بالرياحين والورود.
ولو نظرنا إلى سوريا لوجدنا أن السيناريو الإيراني في العراق يتكرر هنا بحذافيره، لقد تحولت سوريا بسبب التدخل الإيراني وغير الإيراني إلى ساحة للصراع المذهبي والطائفي البغيض، وبسبب التغول الإيراني في سوريا يتدفق على هذا البلد المنكوب عشرات الجماعات السنية المتطرفة لمحاربة ما تسميه الاستعمار الصفوي، ولو زرت دمشق هذه الأيام لوجدت أنها تحولت إلى مستعمرة إيرانية مفضوحة، ويقال إن أكثر من أربعين بالمائة من المدينة اشترته إيران لتحوله إلى ما يشبه دويلتها في لبنان، والبعض يتحدث الآن عن ضاحية جنوبية في جنوب دمشق على طراز ضاحية حزب الله في بيروت، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتوقع الخير لسوريا تحت السيطرة الإيرانية على هذا الحال، والمثال العراقي أمامنا يصدمنا كل يوم، وكما أن العراق سيبقى ساحة للاحتراب المذهبي والطائفي لزمن طويل طالما إيران موجودة هناك، سيكون الوضع في سوريا ربما أسوأ، خاصة أن أكثر من تسعين بالمائة من السوريين لا يوالون إيران مذهبياً، وبالتالي، سيكون الصراع في سوريا ضد إيران أكثر حدة، خاصة أن الكثير من المسلمين السنة يعتبرون إيران عدواً مذهبياً صارخاً.
وليس بعيداً عن سوريا، هل استقر وضع لبنان يوماً بوجود دويلة إيرانية داخل الدولة اللبنانية؟ صحيح أن لبنان بلد يتصارع طائفياً منذ نشأته، لكن هل أصبح أفضل حالاً بعد استفحال النفوذ الإيراني فيه؟ بالطبع لا. لا بل تتهم إيران وجماعتها في لبنان بأنهم قضوا على رفيق الحريري لأنه كان يحمل مشروعاً عربياً يهدد النفوذ الإيراني في لبنان.
والآن في اليمن: ألم يزدد وضع اليمن سوءاً بعد سيطرة أنصار إيران على البلاد؟ ألم يصبح اليمن على كف عفريت؟ ألم يصبح نسخة طبق الأصل عن العراق؟ فكما أن إيران لعبت على التناقضات المذهبية في العراق، وحولته إلى ساحة صراع مذهبي رهيب، هاهو اليمن يتحول إلى ساحة أخرى للتناحر المذهبي بسبب إيران تحديداً. فكما أن داعش تحارب جماعة إيران في العراق، فإن القاعدة وأخواتها في اليمن سيتصدون بشراسة للحوثيين أزلام إيران في اليمن ليتحول اليمن إلى محرقة مذهبية بامتياز.
لا تهمنا شعارات إيران، بل يهمنا ما آلت إليه بلداننا بسبب التدخل الإيراني الذي زاد الطين بلة، بدل أن يساعدنا في الخروج من المستنقع، من المضحك أن إيران تتظاهر بحماية الشيعة العرب، بينما في الواقع، تخوض معاركها الاستعمارية للسيطرة على المنطقة بأشلائهم في العراق ولبنان وسوريا واليمن. صحيح أن قوى إقليمية وعربية أخرى عبثت، وتعبث بالعراق وسوريا ولبنان واليمن، لكن الناس عادة توجه اللوم للقوة الأكثر نفوذاً وسيطرة في تلك البلدان، ألا وهي إيران. سؤال للجميع: ماذا جنى العراق وسوريا ولبنان واليمن من التدخل الإيراني غير الخراب والدمار والانهيار والضياع، وربما قريباً التشرذم والتفكك على أسس مذهبية وطائفية وعرقية قاتلة؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان