مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١ مارس ٢٠١٥
غزو من الداخل

ارتبط الغزو، في وعينا وتاريخنا، بدخول قوى أجنبية بالقوة، أو سلمياً، إلى دولة، أو بلد، لتفرض مصالحها أو سياساتها أو تحالفاتها... وقد عرف القرنان، التاسع عشر والعشرون، تقنية معدلة للغزو الخارجي، قامت على تحالف أو انحياز دولة أو دول أجنبية إلى قوة داخلية، تصارع خصوماً أو أعداء، ودخولها إلى بلادها، لتعزز صفوفها، وتجعلها تتولى العبء الأكبر من القتال ضد عدوهما المشترك، فتحقن دماء جنودها، وتقلص مشاركتهم المباشرة في القتال أو الحرب. هذه التقنية عرفت باسم البلد الذي طبقت فيه، فسميت "الفتنمة" في فيتنام، و"العرقنة "في العراق، و"اللبننة" في لبنان ...إلخ.

واليوم، يقع تحوّل لا يستهان به في تقنيات الغزو من الداخل، نرى علاماته في أماكن من وطننا العربي: تتحالف إيران مع قوى داخلية في البلد المعني، تشاركها توجهاتها المذهبية والدينية، فتتولى قوة كبرى إقليمية تنظيمها عسكرياً، وتسليحها وتمويلها، والإنفاق على حاملها الشعبي، طوال مدى زمني متوسط إلى طويل، لتخترق، بواسطتها، بلدانها أمنياً وسياسياً، وتعطل دولها بطرقٍ تمكّنها من التحكم بخياراتها وأحزابها، وتغيير فهمها مصالحها وتحييد خصومها وشلهم. والنتيجة قيام القوى المحلية، كحزب الله والحوثيين، بدور يقوم به جيش طهران، لو قررت قيادته غزو البلدان المعنية واحتلالها وتنصيب حكومات دمى فيها. بذلك، لن تحتاج إيران ممارسة غزو مباشر من الخارج، فلديها جيوش في البلدان الأخرى تنشط، بالوكالة عنها، وكأنها فصيل من قواتها المسلحة، يرابط خارج حدودها، يدين بالولاء المذهبي الذي يدين به حرسها الثوري وجيشها، ويعتبرون إيران وطنهم الأم المقدس الذي يقوده معصومون، ومرجعيتهم الدينية والدنيوية، التي يلزمهم واجبهم الشرعي بخدمة خياراته الاستراتيجية، والتعامل معها، خيارات ملهمة وربانية.

يقوم جديد الغزو من الداخل على إحداث أو استثمار شرخ مذهبي في المجتمعات، ينتج ضرباً من الولاء لإيران، يجعل منها وطناً أصلياً لأتباعها، يسمو، في مرتبته ودوره، على ولائهم لجماعتهم المحلية ووطنها، ويؤسس لعلاقة مع إيران أقوى من أي علاقة داخلية كانت لهم، بما في ذلك مع الدولة والمجتمع المحليين، كما ينتج طرقاً في الفهم والوعي خارجية المركز، تمييزية المضمون، تفكّك الأواصر الوطنية والتاريخية الضرورية، لاستمرار الدولة والشعب القائمين، وتضع أحجار الأساس لدولةٍ ضمنية، لها كل ما للدول من مؤسسات إدارية، لكن جيشها يجب أن يتوقف، حتماً، على جيش وطنها، الذي يصير، أكثر فأكثر، افتراضياً ووهمياً، بينما يغدو الوطن الأم الروحي فوق أي نقد أو حوار، وتنتج العلاقة معه شرعية تسوّغ ملاحقة وتشويه سمعة من يتمسكون بوطنهم من أبنائه.

لسنا هنا حيال تدخل خارجي محدود زمانياً ومكانياً، لصالح فريق يقاتل فريقاً داخلياً آخر، بل حيال غزو متعدد المجالات ومفتوح زمنياً، يقوم على دمج هيكلي، أيديولوجي وشمولي، لقطاعٍ من الداخل الوطني، في نسيج خارجي أكبر، أساسه تماثل مذهبي، يجعل الخارج مرجعية مقدسة لدى تابعيه الداخليين، المنظمين بطرقٍ تمكّنهم من تطويع وطنهم ومجتمعهم، وشل مقاومتهما وإلحاقهما بالوطن المذهبي الأم، وتحقيق وظائف يؤديها الغازي الداخلي، تتخطى تجاوزاتها، الحقيقية والمحتملة (قبل الثورة، كانت حرب النظام على الشعب السوري إحدى التجاوزات المحتملة) ما يقوم به أي غاز أجنبي يقتحم البلد، بيد أنه يبقى برّانياً ومعادياً، في نظر شعبه.

هذا الغزو من الداخل يرجح أن يبقى مرشحاً للتصاعد في بلداننا. ولن يزول، ولن يزول خطره بغير اندماج مجتمعي، يساوي بين المواطنين في الحرية والعدالة وحقوق الإنسان والمواطنة، يقوّي الدولة الوطنية التي لن تتمكن من ردع الغزو الداخلي، وقطع علاقاته مع منابعه وموارده الخارجية، إذا لم تطبق ديمقراطية الهوية والوظائف منظومة قيمية حرة وإنسانية، تقوّض منظومة الغزاة، المذهبية بأرديتها الثورية والوطنية التي توضع فوق أية مساءلة، لكونها الجزء المعنوي من عنف الغزاة المادي.

اقرأ المزيد
١ مارس ٢٠١٥
سوريا ايرانية... النجاح الوحيد للنظام!

ليس بعيدا اليوم الذي تصبح فيه الأزمة السورية أزمة ايرانية أيضا. فإذا كان النظام السوري نجح إلى الآن في شيء، يمكن القول أنّه نجح في أمر واحد. وضع سوريا تحت الوصاية الإيرانية وذلك بكلّ ما تعنيه الوصاية من نتائج.

قبل ذلك، حوّل الأزمة العميقة التي يعاني منها إلى أزمة سورية بامتياز، تمهيدا لتحوّلها إلى أزمة ايرانية بعدما صار على طهران زج مزيد من الرجال في الداخل السوري.

بات مستقبل سوريا في مهب الريح بعدما فشل النظام طوال أربع سنوات في قمع الشعب السوري وتدجينه. أكثر من ذلك، زاد النظام الأزمة السورية تعقيدا بعدما راهن على أنّ صعود "داعش" سيساعد في تأهيله. ولكن الأهمّ من ذلك كلّه، يظلّ جديد سوريا على بعد أيّام من دخول ثورتها السنة الخامسة، التورط الإيراني المباشر بالرجال في حرب داخلية فشل النظام في تحقيق أي نوع من الحسم فيها.

منذ آذار ـ مارس من العام 2011، تاريخ اندلاع الثورة الشعبية، سعت إيران إلى تزويد النظام بكلّ ما يحتاجه من مساعدات. كانت الأموال الإيرانية تتدفق في البداية على نحو مباشر. لكنّ الفساد الذي يعاني منه النظام، حمل ايران على مطالبة النظام بلائحة تتضمن تفاصيل ما يحتاجه كي يبقى على رجليه، وذلك بديلا من تقديم مبالغ نقدية.

على الصعيد البشري، اكتفت طهران في البداية بإرسال مستشارين عسكريين إلى دمشق والمناطق السورية المختلفة. لجأت بعد ذلك إلى تدريب آلاف العناصر السورية الأمنية في أراضيها بعدما إكتشفت أنّ هذه العناصر لا تمتلك أي خبرة في قمع الثورات الشعبية. إستفاد النظام الإيراني في هذا المجال من الوسائل والأساليب التي إعتمدها في قمع الثورة الشعبية التي هدّدت وجوده في العام 2009.

استطاعت ايران، التي كانت تدفع ثمن معظم الأسلحة التي يحصل عليها النظام السوري، من روسيا، الحؤول دون تحرير دمشق بعدما ورّطت "حزب الله" والميليشيات المذهبية العراقية في الحرب التي يشنّها بشّار الأسد على شعبه... وعندما نجحت في تغطية الإستخدام المكشوف للسلاح الكيميائي.

ساعدها في ذلك وجود إدارة اميركية، على رأسها باراك أوباما، تفضّل استمرار القتال الداخلي في سوريا إلى ما لا نهاية. الدليل على ذلك، امتناع أوباما عن تنفيذ تهديداته، حتّى عندما لجأ النظام السوري إلى السلاح الكيميائي صيف العام 2013. بدل توجيه ضربات محدّدة إلى قواعد جوّية بما يعطل القدرة على ضرب المدنيين وتدمير المدن والبلدات السورية على رؤوس سكّانها، كما يحصل حاليا في دوما القريبة من دمشق، إستجابت واشنطن للنصائح الروسية واكتفت بتجريد النظام من مخزون السلاح الكيميائي. ليس معروفا، إلى اليوم ما الذي تريده إدارة أوباما في سوريا، خصوصا أنّه يصدر عنها الشيء وعكسه في اليوم ذاته. كيف يعترف الرئيس الأميركي بأنّ بشّار الأسد وراء صعود "داعش" ولا يفعل شيئا من أجل التخلّص من النظام؟ هل همّه الوحيد الملفّ النووي الإيراني الذي يختزل، إلى إشعار آخر، كلّ ملفات الشرق الأوسط؟

حمت ايران دمشق وأمّنت استكمال عملية تطهير ذات طابع مذهبي استهدفت حمص ومناطق أخرى وذلك من أجل إبقاء الطريق مفتوحة بين العاصمة والساحل السوري. ترافق ذلك مع إلقاء روسيا بثقلها من أجل عدم تحرير العاصمة. ساعدت ايران في منع سقوط النظام، بالسلاح والفيتو في مجلس الأمن!

لا وجود، أقلّه إلى اليوم، لقرار دولي بتحرير دمشق. كلّ ما هناك، رغبة في إبقاء الوضع على حاله. هناك كرّ وفرّ ولكن ليس في استطاعة أيّ طرف الحسم، مع ما يعنيه ذلك من صعود مستمرّ لـ"داعش" وتمدّدها مع تنظيمات أخرى مثل "جبهة النصرة".

تبيّن مع مرور الوقت أنّ العراق لم يعد قادرا على توفير الدعم المطلوب، خصوصا مع استيلاء "داعش" على مناطق شاسعة فيه. كذلك، لم يعد نوري المالكي منذ العام الماضي رئيسا للوزراء، كما تحوّلت الدولة العراقية إلى دولة مفلسة نتيجة الفساد الذي لا حدود له من جهة وهبوط اسعار النفط من جهة أخرى. حتى لو شاء العراق دعم النظام السوري،لم تعد إمكاناته تسمح له بذلك.

تميّزت الأشهر القليلة الماضية بمزيد من التورّط الإيراني. كان أفضل تعبير عنه الدعوة الصادرة عن "المرشد" علي خامنئي إلى قتال الإيرانيين في سوريا والعراق ولبنان. كانت ايران، الشريك في الحرب على الشعب السوري، تسعى في الماضي إلى قتال هذا الشعب بالعراقيين واللبنانيين.. والأفغان. الآن، بات الوجود العراقي في سوريا مقتصرا على مجموعات صغيرة في ضوء حاجة الأحزاب المذهبية العراقية إلى ميليشياتها للوقوف في وجه "داعش" ومتابعة عملية تقليص الوجود السنّي في بغداد والمناطق المحيطة بها.

أمّا بالنسبة إلى "حزب الله" الذي ألقى بكل ما لديه من إمكانات في سوريا، ثمّة مشاكل كبيرة يواجهها على كلّ صعيد، بما في ذلك الدور الذي لعبه في نقل الحريق السوري إلى الداخل اللبناني على نحو تدريجي. فبغض النظر عن كلّ ما يصدر عن الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، لا يمكن إلّا أن يكون هناك، في نهاية المطاف، عقلاء في الطائفة الشيعية الكريمة يدركون أنّ لا مجال لانتصار النظام السوري على شعبه. أكثر من ذلك، سيولّد تورّط "حزب الله" في سوريا حقدا يُخشى أن يستمر، بكلّ أسف،ّ سنوات طويلة. يستهدف الحقد الذي يكتنز صدور السوريين طائفة لبنانية بكاملها. هذا ليس بالأمر السهل في ظلّ حال الفوضى التي تبدو سوريا مقبلة عليها. سيكون مستبعدا أن يكون هناك نظام قويّ يسيطر على كل الأراضي السورية في السنوات القليلة المقبلة، خصوصا بعد تدمير النظام الحالي المتهالك كلّ مؤسسات الدولة ووضع نفسه تحت الوصاية الإيرانية...

الواضح أن عدد الإيرانيين المشاركين في المعارك يزداد في وقت يخوض النظام معركتين كبيرتين في درعا ومحيطها وفي حلب ومحيطها.

هل ستنجح إيران حيث فشل النظام السوري ومعه "حزب الله" والميليشيات العراقية؟

بات المطروح ايرانيا البحث عن بدائل. في غياب القدرة على السيطرة على سوريا كلّها، لم يعد مستبعدا أن تكتفي ايران بجزء من الأراضي السورية المرتبطة بالبقاع اللبناني ولديه واجهة بحرية... مع تأكيد احترام هذا الجزء لكل الإتفاقات السورية ـ الإسرائيلية في الجولان. وحده الوقت سيكشف هل هذا رهان في محله. الثابت أنّ سوريا بعد أربع سنوات من الثورة ما زالت تفاجئنا. تبقى المفاجأة الأولى في صمود شعبها في مقاومة نظام هدر له كرامته باسم حزب البعث احيانا وباسم الطائفة والعائلة في كلّ الأحيان.

اقرأ المزيد
١ مارس ٢٠١٥
شيوخ سورية يأكلون شبابها

إذا اقتفينا أثر بشار الأسد، في محاولته الدائبة لإعادة تعريف البديهيات، فسيكون أول ما يتعين علينا بعد العنوان هو تعريف المرحلة العمرية للشيوخ وللشباب. ذلك ليس من باب السخرية فحسب، لكن بشار الأسد نفسه منذ توليه السلطة، لا تزال وسائل إعلام غربية معروفة تصفه بالرئيس الشاب، من دون إشارة إلى السنة الوحيدة التي باتت تفصله عن عمر الخمسين. توني بلير وديفيد كاميرون، على سبيل المثال، لم تركّز وسائل الإعلام على وصفهما بالشابين في أثناء تولّيهما المسؤولية السياسية الأرفع في بلدهما، كما كان يحدث في توصيف بشار الأسد حتى مستهل الثورة. الأسد الأب أيضاً، أنجز انقلابه قبل إتمامه الأربعين ولم تجرِ العادة حينها على وصفه بالرئيس الشاب، أما القذافي فكان دون الثلاثين عندما تسلّم السلطة في ليبيا، وسرعان ما أنسى الناس حداثته في السن ولو من باب طرافته.

في سورية، هناك أفراد تقدموا إلى الفضاء العام، من بوابة السياسة أو الثقافة، ووُصفوا حينها بالشباب، ثم لازمهم الوصف على رغم وصولهم إلى مرحلة الكهولة، وربما تخطّيها. هناك، على الصعيد الأدبي، كتّاب وُصفوا بالجدد، ثم احتكروا الوصف طوال العقدين أو الثلاثة الأخيرة، ما يعني ضمناً عدم تقدّم كتّاب جدد آخرين ينالون منهم اللقب، أو ما يعني غالباً قدرتهم على مصادرة اللقب لأنفسهم ومنعه عن أجيال لاحقة. من جهة أخرى، ستكون القناعة بموقع الصدارة من فئة الشباب، مع تخطّي تلك السن، نوعاً من ترضية على العجز في تكريس الذات ضمن الفضاء العام بصرف النظر عن الفئة العمرية، وقبولاً بالتصنيف «التشجيعي» الذي يُضمر الاستخفاف. مع التذكير دائماً بوصف المجتمعات العربية كمجتمعات شابة، حيث يُفترض بناء عليه وجود الشباب في نسبة معتبرة من الحراك العام، وفق منطق المشاركة الحقيقية لا على قاعدة التسوّل أو التشجيع.

فوجئ المعارضون السوريون، قبل غيرهم، بشباب الثورة السورية مع مستهلها، المفاجأة أتت من العدد الضخم الذي انخرط سريعاً في نشاطات الثورة، ومن الكفاءات التي لم يكن السوريون على دراية بها سابقاً. قسم قليل جداً من أولئك الشباب كان معروفاً من قبل في الوسط الضيق للمعارضة، وكانت لأولئك المعروفين من قبل ميزة على أقرانهم عموماً، متأتية من الفكرة السائدة عن إعراض العموم عن السياسة. في البداية، راجت فكرة أننا أمام «ثورة في العشرين ومعارضة في السبعين»؛ الأجيال الخمسة الغائبة في تلك المقولة كانت في الواقع ضحية تغييب السياسة طوال خمسة عقود من حكم البعث، هي موجودة واقعياً لكن قلّة منها أيضاً موجودة كفاعلية سياسية، ومن المرجح وفق التصنيف السابق أن تلتحق غالبيتها بالمعارضة «السبعينية».

مع صدمة بداية الثورة، راحت المعارضة تتودد إلى الشباب المُكتَشف للتو، وسيتبين بعد وقت قصير أن التودد في غالبيته لا يعدو كونه رشوة لفظية تُقدّم للشباب كي لا ينافسوا شيوخ المعارضة على مواقعهم. الجيل الذي نشأ على العمل السياسي السري أيام الأسد الأب، والذي ظهر نسبياً إلى العلن مع ما سُمّي حينها بربيع دمشق، هو نفسه الذي تصدر هيئات المعارضة منذ بداية الثورة حتى الآن. الدماء الجديدة التي رفدت هيئات المعارضة وجودها شكلي، والصراعات ضمن كل هيئة هي صراعات فردية يقودها الشيوخ، إما امتداداً لصراعاتهم التنظيمية السابقة على الثورة أو في صراع مستجد على النفوذ الحالي ووهم السلطة القادمة.

مع ذلك، النفاق وحده لا يفسّر التودد العارض الذي أبداه الشيوخ إزاء الشباب، وربما من الأصح ردُّ معظمه إلى «نزوة ثورية» عابرة، عاد بعدها الشيوخ إلى ممارسة ما اعتادوا عليه. وإذا بقي بعضهم على التودد اللفظي إلى «شباب الثورة»، فبعضهم الآخر لم يعد يخفي تململه منهم، بل حتى تعاليه عليهم بوصفهم الشارع الذي لا يدرك مصلحته السياسية مثلما يدركها ذوو الخبرة المديدة في التعاطي مع النظام القمعي. الأمر لا يقتصر دائماً على الشباب؛ القادمون الجدد إلى تنظيمات المعارضة، بصرف النظر عن الفئة العمرية، ظلوا هامشيين ومهمّشين قياساً إلى الشيوخ الراسخين فيها وتكتيكاتهم التي لا تخيب. باستثناء المقاتلين وقلة يتضاءل عددها مع الوقت، توزّع الشباب في بلدان الشتات، والحق أنهم لم يلقوا رعاية سوى من بعض المنظمات الدولية التي لم تكن أياديها بيضاء طوال الوقت، وساهم بعضها «ولو عن حسن نية» في تنمية النوازع الانتهازية لدى شبان خرجوا للتو من معطف فساد مؤسسات النظام. على هذا الصعيد، كانت مفاجأة سارة، وفشلاً ذريعاً للنظام، أن ينقلب جيل تربى منذ طفولته الأولى في مؤسسات النظام التربوية والتعليمية وبقية مؤسساته الفاسدة، على مجمل تربيته، في توق إلى بديل نظيف. الفشل الذي لا يقل خطورة، هو فشل هيئات المعارضة في تقديم البديل النظيف، إن لجهة الابتعاد عن شبهات الفساد، أو لجهة طرح برنامج سياسي وأطر عمل يستوعبان تطلعات الشباب. في المحصلة، كل ما يُقال عن دور سلبي لمنظمات الـ»إن جي أوز» هو في الفراغ الذي تسببت به المعارضة.

بتعبير مجازي، أكلت المعارضة الثورة عندما التهم شيوخها شبابها. وفي ظل ظروف دولية غير مواتية، لم تراهن المعارضة على العمل السياسي ضمن صفوف الثورة نفسها، أي وقفت عائقاً أمام الحراك الثوري الداخلي. لذا سيكون من حسن الطوية لدى أحد ممّن لا يزالون يُحسبون على الجيل الشاب، براء موسى في مقاله المنشور في «الحياة» في 12/2/2015 «طاقات الشباب المهدورة في المعارضة السورية»، أن يبدو كأنه يطالب المعارضة برعاية الكفاءات الشابة. قد يكون مفيداً هنا التذكير بما يردده بعض النشطاء من أن حافظ الأسد لا يزال يحكم من قبره. استطراداً، لا يزال معارضو حافظ الأسد يتحكمون بالمعارضة أيضاً.

كان مُنتَظراً، على غرار تجارب مماثلة، شعور شباب الثورة بالتهميش بعد انتصارها والاستيلاء على ثمارها من جانب قوى أكثر رسوخاً وتقليدية. ما حدث في سورية أمرّ، لأن شيوخ المعارضة ضاق صدرهم سريعاً ولم تنضج الثمار، لذا باشروا بالتهام الأغصان.

اقرأ المزيد
٢٨ فبراير ٢٠١٥
"تجميد جلب " .. العبثية الجديدة

تدخل مباردة المبعوث الأممي لسوريا ستيافان دي مستورا إلى قائمة المشكلات و المعضلات التي تعيشها سوريا على مدى الأربع سنوات ، و تجعل منها عبثية إضافية ، لإهدار مزيد من الوقت بلا أي طائل ، فالمبادرة التي بدأت كجبل تمخض عنه حبة رمل.

كانت بداية الحديث ضمن مبادرة "تجميد القتال في حلب "عن حلب ككل بجميع أحيائها و شوارعها و أزقتها ، سرعان ما خفتت و ظهرت من جديد ، غاب صوتها أمام الضجيج ، و ها هي تعود للمداولة من جديد ، و لكن بشكل مصغر او ما يمكننا تسميته بـ"مجسم " للعرض فقد و ليس للبيع أو التداول ، وهو أمر طبيعي مع كتلة الأسلاك الشائكة و التي تلف و تفرش الأرض السورية .

والمراحل التي مرت على هذه المبادرة التي يصل عمرها إلى خمسة شهور ، تجعل منها نسخة من نسخ محاولات الحل التي فشلت في الماضي ابتداء من لجنة الرقابة الأممية إلى خطة الأخضر الإبراهيمي ، فجميعها تبدء كأنها الحل الحاسم ، و في النهاية يتم رميها في سلة المهملات كأوراق ، و ندفن معها آلاف الشهداء ، الذين يكونوا خارج الحساب طبعاً ، و كل ما يتم في النهاية هو استقالة صاحب الفكرة أو العامل على تطبيقها ، و دخول بديل جديد ليمارس عبثتيه.

ففي الوقت الحالي نتحدث عن تجميد القتال في حي واحد من كل حلب و هو حي صلاح الدين وفق ما أعلن نائب وزير خارجية الأسد فيصل المقداد الذي قال أن دي مستورا قد عرض "ورقة جديدة مختصرة تتضمن تجميد الوضع الميداني في حيين داخل مدينة حلب هما صلاح الدين وسيف الدولة، ونحن قلنا لهم حي واحد، وهو صلاح الدين أولا" ، و ووعود نظام الأسد الكلامية طبعاً لن يتعدى أن يكون وقف قصف بالأسلحة الثقيلة مع ضبابية في كيفية ضبط النظام من عدم تحويل صلاح الدين إلى وعر جديدة .

و طالما أننا ذكرنا الوعر ، يجب أن نذكر أن من الأمور المطروحة أن تجربة صلاح الدين اذا ما تم تطبيقها و حصولها على علامات النجاح ، فانه سيتم سحبها لتطبق على الوعر و من يعرف على الغوطة أيضاً ..!!

وعود و وعود ليست أكثر من عبثية ورقية التي لا تنطبق على الواقع نهائياً ، ففي الوقت الذي اجتمع فيه "قوى ثورية " وفق بيان الائتلاف الوطني السوري ، في مدينة كلس التركية ، كانت رحى المعارك على أشدها و لازالت بين حركة حزم و جبهة النصرة التي يبدو أنها تميل لمصلحة الأخير الذي سيطر على نقاط تمركز أساسية لحزم في ريف إدلب الأمر الذي يجعلها مهددة بالزوال .

و السؤال بعد سيطرة النصرة على غالبية المشهد في المنطقة الشمالية ، فهل الحديث عن مبادرة من أي وزن بما فيها مبادرة دي مستورا شيء من المنطق !!؟

لا شك أن من يفاوض أو من يسمى كـ"مفاوض" أن يكون يملك شيء من القرار أو من الأمور الميدانية التي تجعله يملك حيز المناورة ، فهل تملك اللجنة المشكلة من قبل "القوى الثورية " هذا الشيء أو ذاك ..؟

و ما مدى قوة كلمتها على الأرض ؟

دائماً نسرع خطى خلف كلام مبعثر حول "حل الأزمة السورية سياسياً" رغم قناعة الجميع ، أن هذا الحل هو حل عبثي لا أرضية له و لا مكان ، فحرب تستعر منذ أربع سنوات لن يطفئ لهيبها مثل هذه العبثية ، بل هي بحاجة لإنهاء عسكري ينهي ما بدأه الأسد منذ أول صرخة صدحة من حناجر السوريين ألا و هي " حرية".

وتسعى المعارضة إلى توسيع رقعة وقف القصف كي لا يقتصر على مدينة حلب وحدها، وهو ما أبلغه أعضاء وفد «الائتلاف» لدي ميستورا في اجتماعهم الأخير، وتلقوا منه تطمينات بأن تجميد القتال في حلب «لا يخرج عن دائرة النظرة العامة للمشهد في سوريا، ما يعني أن نجاح الخطوة في حلب سيعني انتقالها تلقائيا إلى باقي المناطق، خاصة الغوطة الشرقية ومنطقة الوعر (في حمص)».

اقرأ المزيد
٢٧ فبراير ٢٠١٥
جلب روسيا للتفاوض على الأسد

يذكر بعض الذين شاركوا في مفاوضات جنيف -التي عقدت بداية 2014 بين الأطراف السورية- أنّ الروس كانوا أكثر تشدداً من وفد النظام، وأنّ كل جهدهم تركز على ضمان إفشال العملية التفاوضية بأي ذريعة.

آنذاك كانت روسيا تنطلق من تقديرات خاصة لدى دوائر صناعة القرار بأنها أمام فرصة تاريخية لتغيير بنية وهيكلية النظام الدولي، واستعادة وضعية القطب الثاني عالميا، وكان من ضمن رهاناتها في إنجاز هذه المهمة أذرعها النفطية والغازية الضاربة في عمق الاقتصاد الأوروبي، وقدرتها على جعل شتاء أوروبا بارداً ومظلماً.

يومها أرادت روسيا إرسال رسالة واضحة للعالم بأنّ حل المسألة السورية إما أن يتم وفق رؤيتها وتصوراتها، بما يعنيه ذلك من انتصار لرواية نظام الأسد وإعادة تثبيته في الحكم وتعويمه دولياً، أو فإن الخيار الآخر هو استنزاف العالم وإرهاقه إلى أن تتم إعادته إلى الطريق الصحيح، وبالنسبة لروسيا فإنه لا مشكلة عندها في ذلك، إذ لديها ما يكفي من الاحتياطيات المالية والعالم في حاجة إليها، وأوروبا لن تستطيع مقاومة البرد في الشتاء القادم، فطالما كان جنرال البرد تاريخياً مقاتلاً خفياً مع الروس.

مرّ الشتاء، وللمفارقة فإنه كان أدفأ شتاء عاشته أوروبا منذ عقود بسبب انخفاض أسعار الوقود لسنوات بمستويات قياسية، بينما غرقت روسيا في وحول أزمة اقتصادية غيرت ديناميكيات الصراع كلها وخرجت عن حسابات وتقديرات صنّاع القرار في الكرملين.

واكتشف الروس أنهم لا يختلفون كثيراً عن الريف الفنزويلي الذي يعيش يوماً بيوم على عوائد المحروقات، وأن فلاديمير بوتين لم يصنع مشروعاً اقتصادياً يشكل رافعة لأحلام روسيا وعنترياتها.

وأن كل ما في الأمر هو بضعة فوائض مالية صنعتها عملية اندماج روسيا في الاقتصاد الرأسمالي على مدار العقد الأخير، وهي عبارة عن عوائد أتاحها النمو الاقتصادي العالمي ليعاد تدويرها في عملية استيراد المنتجات الغربية نفسها، ويستطيع هذا النظام الرأسمالي بآلياته وتكتيكاته تذويبها وتحويلها إلى مجرد احتياطيات لترقيع سعر صرف الروبل.

في هذه الأثناء، كانت روسيا قد وسّعت بيكار تدخّلها في أوكرانيا المجاورة وزاد حجم تورطها والتزاماتها.

وإزاء هذه التطورات الصادمة والفارق بين تقديراتها وحساباتها والنتائج المترتبة على أرض الواقع، تجد موسكو اليوم نفسها أمام موازنة خياراتها الإستراتيجية والقيام بإجراء نقلات سياسية مهمة تسمح بإعادة تموضعها، واستعادة وضعيتها التي كانت قبل تأزم علاقاتها مع الغرب. فماذا عن سوريا؟

    "تجد موسكو اليوم نفسها أمام موازنة خياراتها الإستراتيجية والقيام بإجراء نقلات سياسية مهمة تسمح بإعادة تموضعها، واستعادة وضعيتها التي كانت قبل تأزم علاقاتها مع الغرب، وهنا تقع سوريا في قلب أزمة روسيا وفي صلب حزمة متاعبها"

تقع سوريا في قلب أزمة روسيا وفي صلب حزمة متاعبها، بل تكاد تكون خط اشتباكها الأساسي مع العالم، ذلك أنه مع كل ما يقال عن أزمة أوكرانيا وتداعياتها الروسية إلا أنها تبقى إشكالية يمكن حلها ضمن أطر وقواعد العلاقات التي أتاحتها أوروبا للشريك الروسي، كما أن تداعياتها تبقى محصورة ضمن نطاق العلاقات الروسية الاقتصادية في الغرب، وهي علاقات ليست إستراتيجية على اعتبار أن روسيا تملك بدائل آسيوية من السهل التحول إليها.

في حين أنّ الأزمة السورية استدعت إجراءات تمس عناصر القوة الإستراتيجية لروسيا وهي أسعار الطاقة، حيث لا تملك روسيا بدائل ذات قيمة في هذه الحرب، وليس لديها هامش احتياطي يمكّنها من الصمود فترة طويلة في هذا النمط الصراعي.

إضافة لذلك، ثمة قناعة مدعّمة بتقديرات روسية واقعية مفادها استحالة إعادة سيطرة نظام الأسد، وتاليا استعادة نظامه السابق بشكله ومحتواه، بل حتى إنه يستحيل تثبيته مما يجعل استمرار ضخ المساعدات له أمرا غير ذي جدوى، وخاصة بعد اتساع دائرة أزمات النظام من الميداني إلى الاقتصادي والسياسي، وهي أزمات لا يمكن حلها، لأن جسد النظام ممزق من جميع جوانبه بما يجعل رتقه وترقيعه أمراً مستحيلاً.

ولعلّ الأمر الأهم في الإدراك الروسي الجديد أنه لا يمكن السير وراء تكتيكات نظام الأسد الطويلة الأمد في إخضاع الغرب وجلبه إلى رؤيته، فلم تعد روسيا تقتنع بتقديرات النظام فهي مبنية على "رغبوية"، وعلى افتراض حصول تطورات تدرك القيادة الروسية أنها لن تحصل، وإن حصلت فإن تكاليفها ستكون أعلى بكثير من العوائد التي ستحققها روسيا، وخاصة بعد تحول النظام إلى مجرد طرف مليشياوي ورأسه مجرد أمير حرب.

وبالتالي فإنّ عوائد التفاوض على النظام -في حال جرى توصيفه ضمن هذه الصفة- ستكون قليلة، مع إدراك موسكو أن الأطراف المواجهة لها جدّية جداً في صراعها، والأفضل هو اللجوء إلى التفاوض لأن جبهة المواجهة واسعة وتمتد من أوكرانيا وسوريا إلى خفض أسعار النقط والعقوبات الاقتصادية.

هل تقوم روسيا بعملية انسحاب أو نزول عن الشجرة؟ بمعنى هل ستجري روسيا استدارة في مواقفها من الأزمة؟ ثمّة مؤشرات عديدة على أنّ روسيا بدأت في تلك الاستدارة، وتقوم إستراتيجيتها بهذا الخصوص على إعادة صياغة النظام والمعارضة معا لإنتاج "كرستا" أو طاقم جديد يتوافق مع شكل استدارتها.

فهي في الواقع لم تشعر بالارتياح يوماً للمعارضة السورية بشكلها الحالي ولم تتوافق معها وخاصة شقها الائتلافي، كما أن النظام بتركيبته الحالية لم يعد يشكل عاملاً مساعداً على إنجاز ترتيباتها في الحيز السوري نتيجة اندماجه في إطار بنية صراعية إقليمية أوسع وخاصة على مستوى صناعة القرار فيه، لذا تدرك استحالة تحقيق أي اختراق ضمن هذه التركيبة، وبناء عليه صمّمت الدبلوماسية الروسية إستراتيجية لمواجهة هذا الواقع.

    "الأكيد هو أن روسيا ستضطر -عندما تكتشف استحالة تحقيق هذا الأمر والقبول به- إلى التخلي عن نطاقاتها التفاوضية أكثر وأكثر، وهذا الأمر لن يتحقق بالأمنيات بل من خلال تصميم إستراتيجية من قبل المعارضة تجعلها أكثر قوة وصلابة على الأرض، وتجعل موسكو تقتنع بأنه لا فائدة من التشدد في التمسك بالأسد ونظامه"

في الحقيقة، تبدو العملية التي تخوضها روسيا في هذا المضمار معقدة، تبدأ بإسقاط المحرمات التي شكّلت عناوين الأزمة طوال الفترة الماضية عبر طرح القضية للتداول بين الأطراف، على أن تأخذ المسألة بعداً ممنهجاً يتناول القضايا الأقل خلافية شرط أن يفتح ذلك الباب أمام قضايا أكثر إشكالية وهكذا.

ثم في مرحلة ثانية مناقشة الاقتراحات عبر تدوير زوايا بعضها وتوسعة مدى بعضها الآخر، ثم في مرحلة ثالثة مناقشة البدائل والممكنات وطرح ما هو مستحيل التحقق وتسليط الضوء على ما يمكن تحقيقه، وأخيرا التوافق حول حل ما.

روسيا في المرحلة المقبلة وفي سبيل إنجاح منهجيتها، ستحاول بناء تكتيكات عدة وتعتقد أنها تملك مساحة لتمرير تكتيكاتها تلك قبل الوصول إلى التنازل النهائي، أو هي تتعاطى مع سياق تفاوضي يجب أن يدار هكذا، وتدرك أنّ أوراقاً عدة ستعمل على حرقها، وأنّ تكتيكات ستفشل وهي موضوعة للاستهلاك من أجل تقوية الهدف الأساسي، وهو الحصول على حصّة من سوريا أو الاستفادة من الاستثمارات السياسية والاقتصادية التي صرفتها في سوريا أثناء انخراطها في الصراع من أجل تثبيت نظام الأسد في مواجهة الثورة ضده.

هذه الإجراءات تأتي في إطار رؤية روسية عبّر عنها نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لدى لقائه بعض الشخصيات المعارضة والمدعوّة إلى "منتدى موسكو" بقوله إن النظام السوري القديم لم يعد موجوداً وإننا إزاء نظام جديد، وكان بوغدانوف نفسه قد طرح هذه الأفكار مع القيادة الإيرانية ومع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، مما دفع هذا الأخير إلى تأكيد أن بشار الأسد هو خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه.

غير أن حسابات روسيا تختلف عن حسابات حزب الله في هذا المجال، فهي وإن كانت تعادي الإسلام السني الذي تعتقد أنّ الثورة السورية أحد تجلياته، فإنها غير معنيّة بالصراع الشيعي/السني أو هو لا يشكّل أهم أولوياتها الراهنة، في الوقت الذي باتت تدفع فيه ثمن تداعياته واستحقاقاته.

هل يعني ذلك أنّ الاستدارة الروسية ستكون في صالح الشعب السوري وقضيته، وهل يمثّل ذلك دعوة للانخراط في جهودها ضمن هذا الأمر؟ الواقع أنّ روسيا يهمها بالدرجة الأولى إيجاد مخرج لأزمتها والحفاظ على مصالحها، ويقع نظام الأسد والأسد نفسه في قلب مصالحها، ويمكن إدراج مساعيها في إطار إعادة تأهيل هذا النظام وتعويمه عبر إعادة "ترشيقه" وإدماج كتلة المعارضين المقربين لها في أطره.

لكن الأكيد هو أن روسيا ستضطر -عندما تكتشف استحالة تحقيق هذا الأمر والقبول به- إلى التخلي عن نطاقاتها التفاوضية أكثر وأكثر، وهذا الأمر لن يتحقق بالأمنيات بل من خلال تصميم إستراتيجية من قبل المعارضة تجعلها أكثر قوة وصلابة على الأرض، وتجعل موسكو تقتنع بأنه لا فائدة من التشدد في التمسك بالأسد ونظامه، كما يستدعي ذلك صمود الأطراف العربية الداعمة للثورة السورية، وتحمل تبعات خفض أسعار الطاقة لوقت أطول.

اقرأ المزيد
٢٧ فبراير ٢٠١٥
داعش صناعة محلية

إذا فشلنا في تحديد مصدر البلاء المسمى داعش، فلن نتمكن من فهم ظاهرته أو التصدي لها. هذه ملاحظة دفعني إلى تسجيلها تعدد الآراء واختلافها بخصوص منشأ الظاهرة ومصدرها. وما استوقفني في تلك الآراء أن أغلبها -في مصر على الأقل- يشير إلى عوامل الخارج باعتبارها الجهة التي صنعت التنظيم وأطلقته، ورغم أننا اعتدنا أن نشير إلى إسرائيل في مثل هذه الحالات لأسباب مفهومة لا داعي للإفاضة فيها، إلا أنني لاحظت أن مدارس التفسير في الإعلام المصري كانت هذه المرة أكثر تجاوبا مع اتجاهات الريح السياسية، إذ ندُرت الإشارة إلى الدور الإسرائيلي في حين تعددت الإحالات إلى الدور الأمريكي، الذي يحظى بنصيب وافر من الهجوم والاتهام من جانب الإعلام المصري، ولا أعرف ما إذا كانت تلك مصادفة أم لا. وقد شجعني على مناقشة الموضوع ما كتبه الدكتور جلال أمين بخصوصه أخيرا في جريدة الأهرام (عدد 23/2). ذلك أنه تبنى الموقف ذاته وإن بصورة أكثر توازنا. فذكر أنه حين سمع بأمر «داعش» لأول مرة، فإنه لم يتردد في وصفها بأنها «ليست صناعة محلية، بل أجنبية، وإن لم أستطع حتى الآن أن أحدد ما هي بالضبط الأيدي الأجنبية التي صنعتها».

قبل مناقشة الفكرة فإنني أمهد بملاحظتين، هما:

* إننا في الظواهر الاجتماعية نخطئ إذا أرجعناها إلى سبب واحد، لأن السلوك الإنساني تتداخل في توجيهه عوامل عدة، بعضها ذاتي موروث وبعضها مكتسب والبعض الثالث بفعل عوامل ومتغيرات تطرأ على البيئة السياسية. وربما انضاف إلى تلك العوامل عنصر الضرورة الناشئ عن ضيق الخيارات أو ندرتها. وهو ما يعني أن الظاهرة قد تفرزها عوامل محلية، فتزكيها عوامل أخرى إقليمية، وتتلقفها قوى خارجية لتستفيد منها وتوظفها لخدمة مصالحها. بل إن ما تعتبره بلاء يثير فينا مشاعر الرفض والنفور، قد يبدو هدية مجانية لأطراف محلية أخرى، حين تهول من شأنها وتثير فزع الناس منها، لتبرر بذلك إجراءاتها القمعية وتغطي به فشلها على جبهات أخرى.

* إن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على رأسها، رغم أنها قد لا تتمنى لنا خيرا، إلا أنها ما عادت مضطرة للتآمر علينا، أولا لأن ما يحدث في العالم العربي جراء صراعاته الداخلية يحقق للشامتين والكارهين مرادهم بغير جهد من جانبهم.

وثانيا لأن أنظمة العالم العربي لم تعد تشكل مصدر إزعاج للدول الكبرى. وأيًّا كانت مواضع الاختلاف في بعض المواقف والسياسات، فالثابت أن العلاقات والمصالح الاستراتيجية ثابتة ومستقرة. ولا تلوح في أفق المنطقة أي بوادر للمساس بالاستراتيجيات والمصالح الغربية، الأمر الذي قد يضطر بعض تلك الدول إلى زعزعة الأوضاع في أنظمة المنطقة لتوجيه رسائل من أي نوع إلى قادتها.

إذا حاولنا تنزيل هذه الخلفية على أرض الواقع فسوف يلفت نظرنا أن تنظيم داعش الذي يعد جيلا متطورا من تنظيم القاعدة نشأ في العراق التي كانت بيئتها مواتية تماما لاستنبات ذلك المشروع، إذ رغم تعدد فضائل العراقيين، إلا أن أحدا لا ينكر أن ثقافة القسوة والعنف لها جذورها في بلادهم. ولئن قدم نظام الرئيس السابق صدام حسين نموذجا للقسوة والوحشية، إلا أنه لم يبتدع ذلك الأسلوب وإنما عممه فقط. فالسحل له تاريخ في العراق، إذ كان ذلك حظ الأمويين في شوارع البصرة في بداية الخلافة العباسية. وهو ما تعرض له اثنان من العائلة الملكية الهاشمية في بغداد بعد الثورة (فيصل الأول وخاله عبد الإله) وهو ذات المصير الذي لقيه رئيس الوزراء الأسبق نوري السعيد آنذاك (عام 1958).

كما لم يسلم منه الجنود الأمريكيون في الفلوجة، إذا أضفنا الاحتلال الأمريكي الذي أهان العراقيين وأذل المقاومين في سجن أبو غريب، وسياسة القمع والقهر المذهبي الذي تعرض له أهل السنة في ظل حكومة المالكي، فلا غرابة أن يستدعي كل ذلك النموذج الوحشي الذي شكلته داعش، واستخرجت لأجله مواريث العنف في مواجهة الآخر، مستفيدة من مشاعر القهر لدى أهل السنة في العراق.

وقد وجدت هذه الموجة ترحيبا في أوساط المتعصبين والمقهورين وأنصاف المتعلمين في العالم العربي إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه الآن.

هذه الخلفية لا تحتاج إلى متآمر أجنبي، وإن كان من الطبيعي والمفهوم أن يحاول كل صاحب مصلحة الإفادة منها، وبقايا حزب البعث وجيش صدام حسين المنحل، بل والنظام السوري في مقدمة هؤلاء.

أما مسألة استعادة الخلافة وإزاحة كل من يعترض طريقها أو يتردد في إعلان البيعة لها، فهي لا تختلف كثيرا عن استدعاء فكرة المهدي المنتظر التي يشيع البعض أنه سيظهر في العام الحالي (2015). ولا ننسى أن مسألة الخلافة تدغدغ مشاعر أجيال المسلمين الذين نشأوا في الغرب، فعانوا من التمييز والدونية، كما عانوا من قلة المعرفة بدينهم. وكان ذلك سببا في سرعة انجذابهم إلى داعش ومشروعها.

لا يسرنا بطبيعة الحال أن تكون داعش صناعة محلية على عكس ما ذهب إليه الدكتور جلال أمين، ولكنها الحقيقة المحزنة التي يتعين الاعتراف بها. وأكرر أن ذلك لا يمنع من أن تحاول أطراف أخرى الإفادة منها. ذلك أن داعش قدمت أكبر خدمة للنظام السوري، لأنها أقنعت قطاعات عريضة من السوريين بأن جرائم نظام الأسد أهون من الفظائع التي أقدمت عليها داعش أو القاعدة، ثم أنها روعت العرب بصورة أنستهم قضية فلسطين ووضعت مسألة الإرهاب على رأس التحديات التي تواجههم.

ذلك فضلا عن أنها شوهت صورة الإسلام والمسلمين في العالم، من أوروبا وأمريكا إلى اليابان، بل إن المسلمين في العالم الغربي أصبحوا ضمن ضحاياها، بسبب تنامي الحملات العدائية التي دعت إلى طردهم.

قل ما شئت في التداعيات البائسة التي ترتبت على ظهور داعش في العالم العربي، ولك أن تضيف ما شئت من أطراف حاولت أن تشيع الخوف منها وتستثمر ذلك الخوف لخدمة أغراضها، لكنك لن تستطيع أن تتجاهل أنها خرجت من بيئتنا وأن خلفية القهر والظلم هي التي استدعتها، بحيث استخرجت من شرائح المتعصبين وأنصاف الأميين أسوأ ما فيهم لكي يشوهوا أعز ما عندنا.

اقرأ المزيد
٢٧ فبراير ٢٠١٥
نصر الله: إلى العراق أيضاً

فوجئ اللبنانيون، قبل أيام، بأمين عام حزب الله، حسن نصرالله، يدعوهم إلى القتال، ليس فقط في سورية، وإنما أيضاً في العراق، لمواجهة "داعش" ووقف تمدده، وعدم انتظار أميركا التي شكك في جدية نياتها بالقضاء على هذا التنظيم. واعتبر نصرالله أن "اللعبة في سورية انتهت"، وأن نظام بشار الأسد باق، وهو مستعد برأيه لـ "حل سياسي يسمح للمعارضة غير التكفيرية المشاركة في تسوية".
ليست هذه المرة الأولى التي يخاطب فيها نصرالله اللبنانيين. وأخيراً، راح يكثف إطلالاته، إلى درجة أنه أطل عليهم، للمرة الثالثة خلال شهر فبراير/شباط الجاري. وقد دأب على الظهور عبر الشاشة المتلفزة أمام جمهور يحتشد لسماعه، وكأنه حاضر بينهم، في إحدى ملاعب كرة القدم في الضاحية الجنوبية من بيروت، معقل حزب الله. وهو قادر باستمرار على حشد عشرات الآلاف من جمهوره (الشيعي) العريض، غير أن اللافت احتلال الصفوف الأمامية باستمرار من معظم وجوه ما يسمى "محور الممانعة"، بدءاً من قياديين في حزب الله، مروراً بمسؤولين من حركة أمل (الشقيقة اللدود)، وبقياديين من تيار الجنرال الأسبق، ميشال عون، (المسيحي)، ومن بقايا الحزب القومي السوري وبقايا حزب البعث، يتقدمهم السفير السوري في بيروت، ومن فلول أحزاب ما كانت تعرف في أثناء الحرب الأهلية باسم "الحركة الوطنية" (من ناصريين وقوميين وإسلاميين)، ومن يتامى أنصار نفوذ النظام السوري في لبنان، وأصحاب الحظوة، التي وجدوها، اليوم، أو يبحثون عنها لدى حزب الله.
ناهيك عن حشد من رجال الدين الشيعة وأصحاب العمامات، وقلة من رجال الدين السنة. يجلسون كلهم صاغين، لا ليستمعوا إلى نصرالله شخصياً خطيباً أمامهم بالصوت الحي، وإنما رافعين نظراتهم إلى فوق لمشاهدته، يظهر عليهم عبر شاشة عملاقة، توضع خصيصاً في صدر الملعب. وتلوح فوق رؤوس الجميع أعلام حزب الله الصفراء، فيما تندر مشاهدة علم لبنان يرفرف في الأفق.
وكان ظهوره المرة الأولى في بداية الشهر الجاري لتعبئة جمهوره، وشد عزيمته، بعد عملية القنيطرة التي ذهب ضحيتها ستة من كوادره، من بينهم ابن عماد مغنية وجنرال من الحرس الثوري الايراني. لم يتكلم نصرالله إلا بعد أن رد حزبه بمهاجمة دورية إسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية، بعد مرور اثني عشر يوماً على عملية القنيطرة. والثانية قبل أيام للاحتفال بذكرى شهدائه، والرد على زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، الذي وصف مشاركة حزب الله في القتال دفاعاً عن النظام السوري بـ"الجنون"، وطالبه بالانسحاب من سورية. واعتبر "محاولة إنقاذ بشار الأسد ضرباً من ضروب الانتصار الوهمية".
ومن هنا، دعوة نصرالله للقتال في سورية (عملياً إلى جانب النظام)، محاولاً طمأنة اللبنانيين إلى أن "الوصاية السورية لن تعود". وبالفعل، لاقى الحريري في أكثر من منتصف الطريق، مؤكداً على استمرارية الحوار بين الطرفين، وأعلن تجاوبه مع أي مبادرةٍ، من شأنها أن تحل مشكلة الفراغ، وتؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، علماً أن نوابه ونواب التيار العوني

"شن هجوماً على معظم العرب، ووجه كلامه تحديداً إلى السعودية ودول الخليج التي منّنها بأن من يقاتلون "داعش" في العراق يدافعون عنها، ومنعوا وصول هذا التنظيم إليها"

يقاطعون منذ تسعة أشهر جلسات الانتخاب. وأكد على ضرورة استمرار الحكومة الحالية وتحصينها، لأن لا بديل لها.
ومقابل المرونة التي أبداها للحفاظ على الاستقرار في الداخل، رفع نصرالله من نبرة التحدي في خطابه، متناولاً الوضع الإقليمي، وشن هجوماً على معظم العرب، ووجه كلامه تحديداً إلى السعودية ودول الخليج التي منّنها بأن من يقاتلون "داعش" في العراق يدافعون عنها، ومنعوا وصول هذا التنظيم إليها. وذهب، صراحةً، إلى حد دعم التمرد الحوثي في اليمن، والاستيلاء على السلطة في صنعاء، فخاطب الخليجيين قائلاً: "ابحثوا عن أسباب فشلكم في اليمن، حيث هناك ثورة شعبية حقيقية"(!) يقودها جماعة أنصار الله (أي الحوثيون)، وأضاف حرفياً بتهكم: "لا تريدون أن تقرأوا يا جماعة الخليج"، أليس لديكم من يقرأ لكم؟".
ورداً على من يقول بعدم الغوص في الصراع الإقليمي الدائر، والسعي إلى تحييد لبنان وتحصين الداخل بوجه الحرائق المشتعلة، أكد نصرالله أنه "كلام نظري جميل. ولكن، أين يصرف..."، معلناً أنه يجب الانخراط في "ساحات المواجهات الدائرة في سورية والعراق واليمن و... في أي مكان، لأن الدول الكبرى تسعى وراء مصالحها، والتي هي، الآن، مهددة في المنطقة". ولا بد، إذن، من المشاركة، لكي يتأمن الحضور على طاولة المفاوضات، أي أنه يدعو، كما اعتبر أخصامه، إلى تقديم لبنان وقوداً لإيران في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة. وهو يعتبر، بطبيعة الحال، أن إيران هي اليوم في مصاف الدول الكبرى. في المقابل، ينصح اللبنانيين بأن لا ينتظروا أي حل أو تسوية للفراغ الرئاسي من الخارج، وأن لا يراهنوا على أي اتفاق سعودي – إيراني، أو على المفاوضات الأميركية – الإيرانية.
ليست المرة الأولى التي يتوهم فيها أمين عام حزب الله بأنه بات في منزلة تحقيق الانتصار على "الدول العظمى"، وقد سبق له أن اعتبر أنه أصبح لاعباً إقليمياً، إثر حرب يوليو/تموز 2006، والتي صمد فيها أمام الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وليست المرة الأولى التي يوهم فيها جمهوره أن الحل السياسي بات قاب قوسين في سورية، ويتكلم وكأنه أصبح الحاكم الفعلي في دمشق، مؤكداً أن الأسد باق. أما الخطوة الأخيرة فكانت محاولة إيهام جمهوره بأنه، اليوم، في سورية يقاتل إسرائيل التي تدعم وتسهل مرور مقاتلي "داعش" على جبهة القنيطرة، كما تروج صحف وأجهزة إعلام "الممانعة" ومعلقوها. ولا يتورع عن إضافة شعار تعبوي وديماغوجي آخر، معتبراً أن المعركة هي "دفاع عن الإسلام وليس عن محور".
غير أن دعوة نصرالله للقتال في سورية لم تلق، بطبيعة الحال، أي تجاوب لدى اللبنانيين، الذين يشاهدون النزف المستمر في صفوفه، والتشييع شبه اليومي لمقاتليه في سورية. لا بل، إن ما يطرحه لم يعد يثير أي اهتمام لديهم، خصوصاً وأنه بات يكرر نفسه سورياً واقليمياً، فيما حليفه عون يبحث عن مجد شخصي يكلل به رأسه في خريف العمر.

اقرأ المزيد
٢٧ فبراير ٢٠١٥
الأسد لا يمكن أن يكون مستقبل سورية

كتب وزيرا الخارجية البريطاني فيليب هاموند والفرنسي رولان فابيوس مقالاً مشتركاً خصا صحيفة «الحياة» بنشر نسخته العربية هنا نصه: «لا يكتفي بشار الأسد فقط بشن حرب ضد شعبه من القصر الذي يقبع به، بل إنه يحاول أيضاً تلميع صورته أمام العالم. وعبر وسائل الإعلام الغربية، يستغل الأسد فظائع المتطرفين ليطرح نفسه شريكاً لنا في مواجهة فوضى بلاده. ويبدو أن البعض يميلون إلى ذلك، قائلين إن ظلم الأسد ودكتاتوريته في وجه التطرف أفضل من الفوضى.

لكن الأسد هو نفسه في واقع الأمر من يغذي الظلم والفوضى والتطرف، وفرنسا والمملكة المتحدة عازمتان على الوقوف معاً لمواجهة هذه الأمور الثلاثة، وهذا ما يدعونا إلى التشكيك الشديد بكل ما يبدو موافقة من الأسد على وقف قصف المدنيين في مناطق حلب (شمال سورية) لمدة ستة أسابيع، وهو الاتفاق الذي توصل إليه مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا. نرحب بجهود دي ميستورا وتفانيه، ونريد جميعاً أن نرى انخفاضاً حقيقياً ومستداماً لمستويات العنف، لكن أفعال الأسد السابقة تعني أنه لا يمكننا تصديق ما يقول، إذ شن الأسد حرباً أهلية بربرية، وهناك قائمة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها زاعماً أنها باسم مكافحة الإرهاب، لكنها ارتكبت فعلياً في سياق سياسة منهجية يطبقها النظام. وعلينا ألا ننسى استخدام الأسلحة الكيماوية والعنف العشوائي ضد المدنيين السوريين، والصور المروعة من جرائم التعذيب والقتل في سجون الأسد التي كشفها الى العالم منشق عن النظام يُعرف باسم «قيصر». الواقع أن الأسد بات الآن أضعف كثيراً مما كان قبل عام، وما برح يزداد ضعفاً، وأصبح جيشه مستنزفاً مع ارتفاع تسرب جنوده من الجيش، كما أُجبر على تجنيد مرتزقة من مناطق بعيدة تصل إلى آسيا، وهو الآن لعبة بأيدي الجهات الداعمة له في المنطقة، مثل «حزب الله»، التي تعتبر القوة وراء نظامه الحاكم.

لم يعد الأسد المسيطرَ على زمام الأمور في بلده، إذ خسر أراضي في شمال البلاد حيث تقاتل بشكل شجاعة جماعات المعارضة المعتدلة، وفي شرقها لا يبدي الأسد أي مقاومة لعناصر «داعش»، وفي شمال غربي البلاد أحكم موالون لتنظيم «القاعدة» قبضتهم على المنطقة وباتت حدود البلاد مخترقة من الجهات كافة.

إن اقتراح الأسد حلاً لمواجهة المتطرفين يعني عدم فهم مسببات التطرف، إذ بعد سقوط 220 ألف قتيل واضطرار ملايين السوريين إلى النزوح من بيوتهم، من الغباء والسذاجة افتراض أن غالبية السوريين على استعداد للعيش بإرادتهم تحت سيطرة من أحال حياتهم عذاباً. وسيكون عمْدُنا إلى تحطيم أحلامهم في أن يكون لهم مستقبل أفضل من دون الأسد، عاملاً في تحول مزيد من السوريين الى التطرف ودفع المعتدلين نحو التطرف بدل العكس، وتثبيت موطئ قدم الجهاديين في سورية.

بالتالي، فإنه للحفاظ على أمننا القومي علينا هزيمة «داعش» في سورية، ونحن في حاجة إلى شريك في سورية للعمل معه لمواجهة المتطرفين، وهذا يعني تسوية سياسية تتفق عليها الأطراف السورية وتؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في سورية. من المرجح أن يشمل ذلك بعض أقسام هيكل النظام الحالي و «الائتلاف الوطني السوري» وغير هؤلاء من المعتدلين، ممن يؤمنون بسورية تمثل الجميع وتحترم مختلف أطياف المجتمع السوري. إلا أنه من الواضح لنا أن الأسد لا يمكن أن يكون طرفاً في أي حكومة كهذه.

من شأن عملية الانتقال السياسي هذه، أن تتيح للشعب السوري استعادة الأمل في المستقبل، وأن تتيح لنا معالجة جذور مسببات وجود «داعش»، وهو ما نركز عليه في جهودنا السياسية. تلك ليست مهمة سهلة وعلينا جميعاً أن نؤدي دورنا، كل بطريقته، لكن فرنسا والمملكة المتحدة لن تدخرا جهداً لتحقيق هذا الهدف».

* وزيرا الخارجية البريطاني فيليب هاموند والفرنسي لوران فابيوس.

اقرأ المزيد
٢٦ فبراير ٢٠١٥
ماذا بعد «اكتشاف» أوباما تورط الأسد والمالكي في الإرهاب؟!

كما استطاع الإيرانيون، ومعهم بالطبع نظام بشار الأسد، تسويق «كذبة» أن المواجهة ومنذ البدايات، إنْ في سوريا وإنْ في العراق، هي مع الإرهاب المتمثل في «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» كذلك فإنهم حاولوا وما زالوا يحاولون تسويق «كذبة» أن هذين النظامين، أي النظام السوري والنظام الإيراني، هما اللذان يحميان الأقليات الدينية والعرقية في كلا البلدين من عنف هذه التنظيمات الإرهابية التي يصفونها زورا وبهتانا ومجافاة لكل الحقائق المؤكدة بأنها من الطائفة السنية، والمقصود وهنا تحديدا هم السنة العرب الذين أصبحوا «مكسر عصا» وفقا لمعادلة بول بريمر القائلة: إن هناك، بعد حرب 2003، منتصرا ومهزوما وإن المهزومين هم العرب السنة!!
وفي هذا المجال لعل ما لا يحتاج لا إلى براهين ولا إلى أدلة هو أن العرب السنة كانوا وما زالوا، إنْ في العراق وإنْ في سوريا، ضحية القمع الطائفي الذي يمارسه نظام بشار الأسد والذي تمارسه التنظيمات المذهبية المرتبطة بالولي الفقيه في طهران وبالميليشيات الطائفية العراقية والإيرانية والأفغانية والباكستانية.. واليمنية أيضا التابعة لما يسمى «فيلق القدس» بقيادة الجنرال قاسم سليماني الذي بات يعتبر «سوبر مان هذه المنطقة».
إنه غير صحيح على الإطلاق أن نظام بشار الأسد، الذي ثبت أنه طائفي ومذهبي حتى العظم، والدليل أن حربه ضد الشعب السوري التي بقيت متواصلة منذ مارس (آذار) عام 2011 قد بدأت حربا مذهبية ولا تزال حربا مذهبية، هو من يوفر الحماية للمسيحيين والدروز والإسماعيليين، فالمستهدفون الحقيقة إنْ في العراق وإنْ في سوريا هم السنة العرب وهذا لا يعني أنه لم تجر بعض التعديات المفتعلة المدانة والمرفوضة على المسيحيين تحديدا وإنه قد ارتكبت مذابح مرعبة ضد الإيزيديين من قبل «داعش» ومن قبل بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى لكن ومع هذا كله فإن ما لا يستطيع أحد إنكاره هو أن من دفع الثمن غاليا ولا يزال يدفعه هم الطائفة السنية ولا غير الطائفة السنية.
إن كل المدن والبلدات والقرى التي جرى تدميرها، إنْ كليا وإنْ جزئيا، إنْ في العراق وإنْ في سوريا هي مدن سنية وإن القتلة والمجرمين هم، بالإضافة إلى جيش بشار الأسد، جيش نوري المالكي وأجهزتهما الأمنية، هم قوات «الحشد الشعبي» بقيادة هادي العامري وهم أيضا كل هذه الميليشيات الطائفية التي تم استيرادها من إيران ومن باكستان وأفغانستان والهند ومن اليمن، غير السعيد، أيضا ومنها «ذو الفقار» و«أبو فضل العباس» و«الفاطميون».. والأسماء الأخرى التي كلها أسماء مذهبية صارخة وهذا بالإضافة إلى «حزب الله» الذي بقي أمينه العام يطل على العرب والعجم عبر شاشات الفضائيات ويصرخ بأعلى صوته «إننا شيعة علي بن أبي طالب في العالم» وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، بريء منه ومن حزبه وكل هذه التشكيلات، التي تتحدث ظلما وبهتانا باسم التشيع، والشيعة.
إن من يحكم في العراق وأيضا في سوريا الآن هم الإيرانيون ولكن باسم الشيعة والتشيع وبحجة حماية المراقد والمقامات المقدسة في البلدين، وإن المستهدفين منهجيا وفي كلا البلدين أيضا هم السنة العرب أولا والأكراد ثانيا، وإلا لماذا يواصل هادي العامري، رغم تنديد السيد مقتدى الصدر وتحذيرات آية الله العظمى علي السيستاني، حربه على المناطق السنية في العراق، العربية والكردية، ولماذا يتم تحشيد أكثر من ثلاثين تشكيلا مذهبيا بقيادة ضباط إيرانيين على رأسهم قاسم سليماني وإرسالها إلى حلب الشهباء تحت راية صيحة «ساعة الصفر» التي أطلقها بشار الأسد بمباركة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا الذي كان ولا يزال يسوق مؤامرة مكشوفة ومعروفة عنوانها «وقف إطلاق النار في حلب أولا»!!
والملاحظ، بل المستغرب، أن الرئيس باراك أوباما، الذي هناك مؤشرات وأدلة على أن «هواه» إيراني وأنه يعتبر أن دولة الولي الفقيه هي الرقم الرئيسي بعد إسرائيل في معادلة هذه المنطقة وأن العرب كلهم بكل دولهم مجرد أرقام ثانوية، بقي مع وجهة نظر الإيرانيين والنظام السوري القائلة: إن بقاء بشار الأسد هو ضمان الأقليات العرقية والطائفية المهددة بوجودها من قبل التنظيمات والمجموعات المتطرفة وأن الخيار، بعد ظهور «داعش»، قد أصبح «إما هو وإما هذا التنظيم الإرهابي والتنظيمات الدموية الأخرى» وبالطبع فإن هذا ليس غباء سياسيا وعمى ألوان فقط بل مؤامرة على الشعبين العراقي والسوري وعلى السنة تحديدا وعلى الأمة العربية كلها.
لكن «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا»، إذ إن ما قاله وما أكد عليه باراك أوباما في مؤتمر مواجهة الإرهاب الذي انعقد قبل ستة أيام في واشنطن يدل على تحول قد يكون جديا بالنسبة لقناعاته السابقة، حيث كان يرفض حقيقة أن «داعش» صناعة إيرانية – سورية وذلك على غرار رفضه السابق لحقيقة أن المستهدف الفعلي في كل هذا الذي يجري في العراق وسوريا هو العرب السنة، مع عدم إنكار تعرض المسيحيين والإيزيديين والأكراد بالطبع وفي كلا البلدين لتعديات وإساءات كثيرة وكبيرة، فالرئيس الأميركي فاجأ المؤتمرين والمشاهدين في العالم كله بالتأكيد على أن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والرئيس السوري بشار الأسد وراء ظاهرة الإرهاب في البلدين وبالطبع فإن الذين سمعوا هذا الكلام فهموا أن المقصود بالإرهاب هو تنظيم داعش تحديدا الذي من اللافت فعلا أنه لم يحاول حتى مجرد محاولة القيام بأي عمل ضد إيران!!
ما كان أوباما يصدق أو أنه كان يعرف ولكنه لم يرد أن يصدق أن نوري المالكي وبشار الأسد، ووراءهما إيران، هما من خلقا تنظيم داعش بهدف تبرير البطش بالعرب السنة وبالأكراد أيضا فالمعروف، وهذا تم التطرق له سابقا مثنى وثلاث ورباع، أن المعادلة التي وضعها بول بريمر، بعد احتلال العراق وإطاحة نظام صدام حسين، قد أقصت «الطائفة» السنية ورموزها الأساسيين إقصاء نهائيا وأنها طبقت عليهم قانون العزل بحذافيره وأنها أدت لتعريضهم إلى القتل والمطاردات والحرمان واستباحة الأعراض والأموال وهذا جعلهم يحتمون مرغمين بتنظيم داعش الذي انبثق عن «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق» الذي كان أسسه أبو مصعب الزرقاوي وجعل عددا كبيرا من ضباط الجيش العراقي وجنوده ينضمون إلى هذا التنظيم المجرم.
إن نمو «داعش» على هذا النحو وبكل هذه السرعة سببه البطش الطائفي والمذهبي الذي تعرض له العرب السنة أولا في العراق، وثانيا بعد مارس (آذار) عام 2011 في سوريا وهنا فإن ما يثير الكثير من الأسئلة الموضوعية فعلا هو: لماذا يا ترى هذا التنظيم لم يستهدف لا نظام بشار الأسد ولا إيران على الإطلاق وأنه «صب جام غضبه» على الجيش السوري الحر وعلى المعارضة السورية «المعتدلة»، بل إن النظام السوري قد قام بتسليمه آبار النفط في الرقة ودير الزور وأنه بقي يشتري نحو ستين في المائة من البترول «الداعشي» على مدى الثلاثة أعوام الأخيرة وكل هذا وإنه، أي هذا التنظيم، لم يستهدف في العراق أساسا إلا السنة، «الصحوات»، الذين قاوموه والذين انحاز بعضهم إما للجيش العراقي وإما للقوات الأميركية.
والآن وإذ قام أوباما بهذه «التكويعة»، الانعطافة، الواعدة فإن عليه أن يستكملها بالتخلص من «كذبة» أن نظام بشار الأسد هو حامي حمى الأقليات الدينية والعرقية في سوريا وأن عدم استمراره سينتهي بسوريا، بعد حرب أهلية طويلة الأمد، إلى التقسيم والانشطار وأن عليه، أي الرئيس الأميركي، أن يدرك أن رهان الولايات المتحدة على إيران خاسر لا محالة وأن حكاية أن طهران الرقم الرئيسي في المعادلة الشرق أوسطية سيدفع في النهاية ثمنها الأميركيون غاليا.. ثم وإنه من غير الممكن القضاء على «داعش» و«القاعدة» إلا برفع الظلم والضيم عن العرب السنة.. إن الرهان يجب أن يكون على المستقبل وإن المستقبل هو العراق الديمقراطي الموحد وهو سوريا دون هذا النظام الذي أوصلها إلى كل هذه الأوضاع البائسة والمأساوية!!

اقرأ المزيد
٢٦ فبراير ٢٠١٥
عملية "شاه الفرات”

الجيش التركي قام في ساعة متأخرة من يوم السبت الماضي، بعملية ناجحة في داخل الأراضي السورية أطلق عليها "عملية شاه الفرات"، وشارك فيها عشرات الجنود والدبابات والآليات العسكرية لنقل ضريح سليمان شاه، جد مؤسس الدولة العثمانية، وإجلاء الجنود الأتراك الذين يحرسون الضريح.

ونقل رفات سليمان شاه مؤقتا إلى تركيا، ليدفن لاحقا في المنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي في محيط قرية "آشمة" السورية القريبة من الحدود التركية، ورفع العلم التركي في المنطقة المذكورة وبدأ العمل لبناء الضريح الجديد.

ضريح سليمان شاه سبق أن نقل مرتين؛ الأولى كانت عام 1939 في عهد عصمت إينونو، ونقل الضريح من سفوح قلعة جعبر إلى داخل القلعة في منطقة الجزيرة السورية على الضفة اليسرى لنهر الفرات على بعد 53 كيلومترا من مدينة الرقة. وكانت المرة الثانية عام 1975 بعد أن أوشكت مياه سد الفرات على إغراق القبر، ونقل الضريح إلى منطقة بالقرب من قرية قرة قوزاق.

الأرض التي بني عليها ضريح سليمان شاه مساحتها حوالي 10 دونمات وهي أرض خاضعة للسيادة التركية وفقا لمعاهدة أنقرة التي تم التوقيع عليها بين فرنسا وحكومة "المجلس الوطني الكبير" عام 1921. وتنص المادة التاسعة من الاتفاقية على بقاء القبر تحت الحكم التركي وإمكانية حمايته ورفع العلم التركي عليه. وهي الأرض الوحيدة ذات السيادة التركية خارج حدود تركيا. ولذلك فإنه لم يتم نقل الضريح إلى داخل الأراضي التركية حتى لا تتخلى تركيا عن أرضٍ تابعة لها، وكل ما تقوله المعارضة التركية حول تخلي الحكومة التركية عن جزء من أرض الوطن غير صحيح، بل إن كل ما في الأمر أنه تم تغيير مكان ذلك الجزء من منطقة إلى أخرى داخل الأراضي السورية لدواعٍ أمنية، كما أنه نقل قبل ذلك مرتين.

هناك خلط كبير لدى البعض بين موضوعي نقل ضريح سليمان شاه وما تمارسه إيران باسم "حماية المراقد المقدسة"، لأن إيران تزعم الدفاع عن الأماكن التي يعتبرها الشيعة مقدسة لتوسيع نفوذها، وإن كانت تلك الأماكن تحت سيادة دول أخرى. وأما ما قامت به تركيا، فهو الحفاظ على مساحة من الأرض بما تحتويه ونقلها إلى منطقة أخرى، وهي أرض خاضعة لسيادة تركيا يحرسها عدد من الجنود الأتراك وفقا للمعاهدات الدولية، وتعتبر جزءا من أرض الوطن وإن كانت خارج حدود تركيا ومحاطة بالأراضي السورية.

ومما لا شك فيه أن ضريح الصحابي الجليل خالد بن الوليد (رضي الله عنه) أولى للحماية والدفاع عنه من ضريح سليمان شاه، وأن الأحياء كذلك أولى بالحماية والدفاع عنهم من الأموات. ولو كانت الأرض التي دفن فيها الصحابي الجليل خالد بن الوليد (رضي الله عنه) تحت السيادة التركية وفقا للمعاهدات الدولية، لما ترددت تركيا في حمايتها والدفاع عنها. وليس من سياسة تركيا القتال من أجل المراقد، وهناك عشرات من المراقد العثمانية في أراضي دول أخرى وتحت سيادتها، ولا ترفع تركيا شعار القتال لحماية تلك المراقد، وإن كانت تعتبرها جزءا من التراث العثماني. وأما بما بالأحياء، فإن تركيا تأتي على رأس الدول التي بذلت وما زالت تبذل جهودا كبيرة لنصرة الشعب السوري وثورته، وهي الدولة الوحيدة التي اشترطت إقامة مناطق آمنة وحظر الطيران وإسقاط الأسد للانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

تركيا تحاول التجنب بكل السبل الانجرار إلى حرب ليست حربها وليست لمصلحتها. وفي تعليقه على العملية، قال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إن "عملية ضريح سليمان شاه أدت إلى تفويت الفرصة على من أرادوا استخدام الضريح والجنود الأتراك لابتزاز تركيا". ويبدو أن الحكومة التركية علمت بمؤامرة تحاك لافتعال أزمة لإحراجها أمام الشعب قبيل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في السابع من حزيران/ يونيو المقبل، فتم استباقها.

العملية الناجحة التي قام بها الجيش التركي كشفت عن تناقض الأحزاب المعارضة، لأنها حين احتجز "داعش" القنصل التركي وأسرته والعاملين في القنصلية التركية بالموصل، فقد كانت تتهم الحكومة بالإهمال والتقصير وعدم الإسراع في إجلاء العاملين في القنصلية.. وها هي نفسها تنتقد اليوم الحكومة لأنها قامت باتخاذ التدابير اللازمة حتى لا يقع الجنود الأتراك رهائن في قبضة "داعش" أو آخرين يتظاهرون بأنهم من التنظيم المذكور. وليس متوقعا أن تغير عملية "شاه الفرات" وانتقادات المعارضة لها ميول الناخبين الأتراك وآراءهم في الانتخابات المقبلة، لأن تلك الانتقادات في مجملها إما أنها فاقدة للمصداقية أو أنها تعبر عن موقف مؤيد للنظام السوري وجرائمه.

اقرأ المزيد
٢٦ فبراير ٢٠١٥
حلول سياسية في غضون مكافحة الإرهاب!

ساد الظن بأن المجتمع الدولي بلغ ذروة عجزه وعقمه في مقاربة الأزمة السورية، بسبب خلاف الولايات المتحدة وروسيا، على رغم أن الدولتين أظهرتا أقصى درجات التوافق والتواطؤ في هذا النزاع إلى حدّ التستّر على النظام السوري في استخدامه السلاح الكيماوي، أحد أسوأ الانتهاكات للقانون الدولي. لكن مجلس الأمن قدّم نماذج أخرى من العجز في تعامله مع أزمات ليبيا واليمن والعراق وأوكرانيا. لم تكن هذه سوى إخفاقات جديدة للأمم المتحدة، ولها سوابق كثيرة في أفريقيا، بل إنها تعاني فشلاً مزمناً في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين.

من الواضح أن السمة الراسخة حالياً هي صعوبة التدخل، بل استحالته، حتى حين تمسّ الحاجة إليه لوقف سفك الدماء، سواء باسم «الإنسانية» أو حقوق الإنسان أو بسبب «جرائم حرب» و «جرائم ضد الإنسانية». كانت المنظومة الدولية وسّعت مفاهيم التدخل لمواجهة ازدياد حالات الاستبداد المحصّنة بـ «احترام سيادة الدول» وعدم الاختصاص الدولي بشؤونها الداخلية، لكنها مفاهيم أخضعت للمصالح والانقسامات الدولية وطُبّقت بكثير من التمييز و «الكيل بمكيالين»، لذلك فهي لا تنفكّ تتلاشى وتتآكل.

ثمة خلل في النظام الدولي يستفيض كثيرون في شرح أسبابه وعناصره والكوارث المترتّبة عليه، ولعل الأهم أن الدول الكبرى راكمت تاريخاً من التجاوزات أضعف القانون الدولي هيبةً ونفاذاً، ومن حالات تغليب المصالح على القيم المعلنة لهذا النظام (الديموقراطية، حقوق الإنسان...)، فباتت سلطتها وبالتالي سلطة الأمم المتحدة أقل قدرةً على مواجهة التحديات الآتية من دول فاشلة متفاوتة الحجم جغرافياً وشعوباً، أو من «فضاءات سائبة من دون حكم»، حتى مع التلويح بالقوة أو باستخدامها فعلاً. وإذ لم تقدّر الولايات المتحدة مفاعيل غزوها أفغانستان ثم العراق، بهدف تغيير النظامين واستئصال الإرهاب، فإن انعكاساته لا تزال تتفاعل إلى اليوم، بعدما جعلت من الإرهاب وتنظيماته لاعباً شبه معترف به، بحكم تأثيره في السلم والاستقرار.

وبالنظر إلى أداء مجلس الأمن حيال أزمات سورية وليبيا واليمن، فإن حتى محاربة الإرهاب لم تعد دافعاً حاسماً لتفعيل العمل الدولي أو لتصويبه. فالكل يقول أن الإرهاب وباء ينبغي القضاء عليه، والكل يعامله كأمر واقع ويحاول الاستفادة منه بأن تكون له يدٌ في نشره وتوظيفه. وهذا هو النمط الجديد من «الحروب بالوكالة» الذي تخوضه الولايات المتحدة وروسيا في استعادة مقيتة للحرب الباردة تجلّت أخيراً في أوكرانيا حيث لم تكن الأزمة «إرهابية»، لكن البروباغندا الروسية أضفت عليها مصطلحات الإرهاب لتعطي تدخّلها مشروعية. قبل ذلك كانت إرهاصات «الحروب بالوكالة» اشتعلت في المنطقة العربية، بعدما شكّلت الثورات والانتفاضات، وما تلاها من صراعات لترتيب توازنات جديدة داخل كل بلد، ثغرات للتدخل الخارجي الأميركي أولاً في مصر وتونس وليبيا فاليمن، ثم الروسي - الإيراني في سورية ولاحقاً - حالياً في اليمن. تغلغلت المجموعات الإرهابية (بمساعدات إقليمية ودولية شتى) في نسيج الثورات والانتفاضات، باحثة عن مكان لها في الصراع بين الإسلاميين والقوى التقليدية، بل فارضة مشروعها كما في حال تنظيم «داعش» الذي أقام أخيراً روابط وفروعاً في المغرب العربي بعدما أنجز عبثه بخرائط المشرق.

كانت التحوّلات العربية نقلت الحكم من نقيض إلى نقيض. وبمقدار ما ضغطت التدخلات الخارجية لترجيح استلام تيار الإسلام السياسي السلطة هنا وهناك معتبرةً أنه «بطل» الثورات وصانعها، بمقدار ما تجاهلت أن قوى هذا التيار ليست فقط غير جاهزة وغير مؤهلة لإدارة الدولة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بل الأهم أن المتدخلين تعاموا عن صلة الرحم الواقعية بين قوى التيار الإسلامي وبين الجماعات المتطرفة. وإذ قطع الإسلاميون «المعتدلون» تعهدات بضبط «المتطرفين»، فإن هؤلاء استغلوا ضعف الدولة وغياب الملاحقة القانونية والإفراج عن معتقلين لهم فأعادوا تنظيم صفوفهم وأنشطتهم، وكذلك تمايزهم ككيان مضاد للدولة.

بعد جريمة ذبح المصريين الأقباط على أيدي «داعش ليبيا»، كان النقاش خطيراً وفاضحاً، سواء من جانب ميليشيات طرابلس على أثر الضربة الجوية المصرية أو داخل مجلس الأمن. فالميليشيات التي حاولت الاستيلاء على الحكم في كل ليبيا، بالقوة ومن دون أي شرعية انتخابية، أسمعت صوتها للمرة الأولى حين انبرت لإدانة الغارة المصرية، ولم يكن قد صدر عنها أي موقف مناوئ لظهور «داعش» ولا لوجود مجموعات مرتبطة علناً بـ «القاعدة» في الكثير من المناطق، بل كانت ولا تزال متعايشة مع هذين التنظيمين كرافدين لها في معركتها ضد مجلس النواب المنتخب والحكومة الشرعية المنبثقة منه والجيش الوطني الموالي لهما. وهذه الميليشيات تريد على الأقل أن تكون لها حصة في الحكم، بل يراد لها أميركياً وبريطانياً أن تحتل موقعاً مهماً في السلطة من خلال حل سياسي تديره الأمم المتحدة بواسطة مبعوثها. وهذا ما تبارت الدول لتزكيته في مجلس الأمن، رافضة شمول ليبيا بعمليات «التحالف الدولي» على رغم وجود «داعش».

لم يكن ذلك سوى تكرار للخطأ المتعمّد الذي ارتكب في العراق أولاً، ثم في سورية واليمن. ففي كل هذه المحطات قيل ويقال أن الحل سياسي وليس عسكرياً، وكان الارهاب الرابح الوحيد من تعثّر هذا الحل السياسي أو تعذّره أو إفشاله أو ضرب مقوّماته. وفضّل المجتمع الدولي انتظار «داعش» كي يكبر ويستقطب ويسيطر ويتوسّع كي بواجهه بـ «حل عسكري» محض، متجاهلاً أن ما استجلب «داعش» هو صراعات الدول المعنية وفشلها في بلورة «الحل السياسي. وبذلك ارتسمت الإشكالية المرتبكة: هل يمكن إنجاز حل سياسي في غضون محاربة الإرهاب، وهل يمكن الخلاص من الإرهاب بتركيب حلول سياسية مبنية على أحكام الأمر الواقع، أم إن كل ذلك مجرد وسيلة لهروب المجتمع الدولي من مسؤوليات لم يعد قادراً عليها؟ ألا يكون «داعش» أو أشباهه، مثل روسيا أحياناً، أو أميركا أحياناً أخرى، معطّلاً لعمل مجلس الأمن كما بدت الحال لدى مناقشة الوضع الليبي؟

هذه الإشكالية فرضت نفسها في حالات الدولة الفاشلة (العراق وسورية واليمن) أو انهيار الدولة (ليبيا)، وكذلك حين يكون هناك وضع انتقالي (اليمن وليبيا) أو وضع ما قبل الانتقالي (سورية)، حيث استفحلت الأزمات واختلط فيها الجانب السياسي بصراع مسلح تقليدي وما لبث أن داخلها الإرهاب الموصوف. ففي العراق «عملية سياسية» موازية لحال إرهابية تسببت بها الدولة التي لم تحسّن أداءها بعد في الجانب السياسي ولا تزال تتلكّأ في المصالحة فيما يرعى أقطابُها الشيعة ميليشيات موالية لإيران وتنافس الجيش الحكومي، بل تتفوّق عليه. وفي اليمن كانت هناك «عملية انتقالية» وسط وضع مركّب (انفصاليون في الجنوب، «القاعدة» في الجنوب والوسط، وضغائن حزبية وقبلية في الشمال تغذّيها أجندة إيرانية تخريبية)، فتظاهر الحوثيون وحزب الرئيس السابق بأنهم شركاء في الحوار الوطني لا متآمرون إلى أن نضجت ظروف الانقلاب والاستحواذ على الدولة. وفي ليبيا أُسقط النظام السابق ورابطت الميليشيات في الشارع لمحاصرة محاولات إنهاض الدولة، شاركت في الانتخابات مرّتين وفشلت فلجأت إلى الترهيب، ونشأ إلى جانبها بعضٌ من أكثر مجموعات الإرهاب وحشيةً. وفي سورية جهد النظام في استدعاء الإرهابيين لتخليصه من شعبه، معتقداً أنه سيخرج منتصراً من إذكاء التطرف، وبعد أعوام أربعة مثقلة بالخسائر البشرية والاقتصادية والعمرانية لا يزال يأمل بالبقاء في سلطة بات معظمها الأكبر في أيدي الإيرانيين.

في كل هذه البلدان يسعى المجتمع الدولي إلى ضرب الإرهاب بقصد إنهائه، أو إضعافه، وفيها أيضاً قوى دولية وإقليمية تخوض صراعات ضارية تسليحاً وتمويلاً أو بالمشاركة المباشرة كما تفعل إيران في سورية والعراق واليمن. ولما كانت هذه الصراعات حالت دون معالجة سويّة للأزمات الداخلية التي صنعت الإرهاب أو استدرجته، فإنها هي ذاتها تجعل احتمالات القضاء على الإرهاب واهيةً جداً.

اقرأ المزيد
٢٦ فبراير ٢٠١٥
طهران والاشتباك الإقليمي

من درعا وحلب إلى باب المندب، تقوم إيران بتوسيع فرجار هجومها عبر قيادتها عملاً عسكرياً ممنهجاً، يتخذ في الشكل نمط معارك موضعية، تبدو أهدافها الظاهرية محدّدة ومحصورة في أماكن معينة، لكنها، في العمق، تهدف إلى إحداث تغييرات خطيرة في التوازنات القائمة على الأرض، وهي، في الوقت نفسه، تشكل اشتباكاً إقليميا لاقترابها من خطوط الصراع والنفوذ الإقليمي، المرتسمة في سورية، والتي تحولت، مع الوقت، إلى عناوين استراتيجية لأطراف المنطقة، وانعكاس لرؤاها وتصوراتها للواقع الإقليمي المقبل.

وتكشف مراقبة السلوك الإيراني، من خلال مصادره الأساسية في المركز طهران، ومن خلال المواقف الصادرة عن أذرعه في لبنان وسورية والعراق واليمن، عن وجود جملة من الأهداف، تنطوي عليها هذه النقلة الاستراتيجية في التعاطي الإقليمي.

الأول ذو طابع عملاني، وهو اختبار أدوات الصراع، ومعرفة مدى جدواها وقدرتها على الانخراط في صراعات أوسع. والمعلوم أن طهران عملت، أخيراً، وبناء على مقتضيات المواجهة، على توسيع حجم بنيتها القتالية في المنطقة، وزيادة رقعة انتشارها، وجزء مهم من تلك الماكينة لم يجر اختباره إلا ضمن مهام محدّدة. وبالتالي، تهدف هذه الحركة عملانياً إلى معرفة عناصر القوة والضعف ومدى الجاهزية وطريقة تحرك المفاصل ومدى التدخل المطلوب، فضلاً عن فعالية الأسلحة المستخدمة، بمعنى هي مناورة حربية بالمعنى العسكري.

" يسعى التحرّك الإيراني إلى تحويل التوجّهات الدولية الخجولة إلى وقائع على الأرض، وإجبار أصحابها على الاعتراف بها علناً "

الهدف الثاني اختبار ردة الفعل الدولي، ومعرفة نمط تفاعله مع هذه التطورات، لكي تبني على هذه المعارك الموضعية تحركات أكبر، وهي، بذلك، تتظلّل بالانعطافة الأميركية والدولية التي ترى بشار الأسد جزءاً من الحل، وبالتسريبات الإسرائيلية التي تقول إن الوضع مع بشار الأسد أفضل، وأكثر ضمانة للاستقرار. على ذلك، تعمل إيران تحت هذا السقف الذي يرتكز على دعامتين أساسيتين، الحفاظ على نظام بشار الأسد من الانهيار، وتعزيز قواعد الاشتباك مع إسرائيل تحديداً. وبالتالي، يسعى التحرّك الإيراني إلى تحويل تلك التوجّهات الدولية الخجولة إلى وقائع على الأرض، وإجبار أصحابها على الاعتراف بها علناً، وإسنادها من خلال السكوت على التحرّك الإيراني.

ثمّة أهداف أكثر تحديداً تدفع إيران إلى إجراء تحرّكها الحالي، منها ما له علاقة مباشرة بالفاعل الدّولي الأكبر في المنطقة، الولايات المتحدة الأميركية، ومنها ما له علاقة بالوضع الإقليمي، ومحاولة فحص توجّهاته وطبيعة تفاعلاته، فالواضح أن إيران تريد اختبار تفاهماتها مع واشنطن، فيما يخص نفوذها الإقليمي. وفيما يبدو أنه تفعيل سريع للبنود السرية في الاتفاق، قبل تطبيق الاتفاق نفسه، في شقه التقني، ما يعني أنّ طهران تريد القبض مقدّماً، ويدعم هذا الهدف في التقدير الإيراني اعتقاد صانع القرار أن المرونة في الملف النووي يمكنها أن تغطي على التحرك الإقليمي، وترسمل عليه.

ومن ضمن قائمة الأهداف الإيرانية المدروسة، من وراء تحرّكها الإقليمي، إحداث نقلات على مستوى ملفات معينة. وبالذّات ملف أسعار النفط، والاعتقاد بأن تزخيم المخاوف من إمكانية نشوب حرب إقليمية ستؤدي إلى تغيير إيجابي في السعر، والمعلوم أن إيران تأثرت كثيراً بانخفاض أسعار النفط، وهو أمر من شأن استمراره، ضمن هذا المدى السّعري في السوق الدولية، التأثير ليس على مشاريع إيران الخارجية، وإنما في الاستقرار الداخلي، نتيجة تأثيره على شرائح واسعة من المجتمع الإيراني التي تعتمد على أشكال معينة من الدعم الحكومي، وتتركز هذه الشرائح في الضواحي والأرياف. وكان النظام الإيراني قد أفشل الثورة الخضراء سنة 2009 بتحييده هذه المكوّنات، ولعلّ ذلك ما يفسر أسباب القلق الإيراني من استمرار انخفاض أسعار النفط.
"لم تعد طهران تثق بالاستشعار وسيلة لمعرفة توجهات الرياح، وهي تنتقل إلى مرحلة الاشتباك مع المعطيات"

على المستوى الإقليمي، تأتي هذه التطوّرات نوعاً من اختبار المتغيّرات الحاصلة في المنطقة، وطبيعة توجّهاتها، ولعل المستهدف الأول هو السعودية التي تمر بمرحلة انتقالية على مستوى الحكم، ومحاولة اختبار توجهات الحكم الجديد فيها، واستغلال انشغال الرياض في الترتيبات الداخلية، بحيث يتزامن إنجازها تلك التغييرات مع تبلور مشهد إقليمي جديد، لا يتيح لها سوى التكيف معه، وقبول مخرجاته، إضافة إلى فحص حدود التماسك الخليجي بعد المصالحة، إضافة، أيضاً، إلى معرفة مدى إمكانية حدوث تشبيك تركي- خليجي، بعد الحديث عن إمكانية حصول تقارب سعودي- تركي، وهل سيشمل هذا التقارب ملفات العراق وسورية، مع ملاحظة اختيار إيران التوقيت بعد أحداث إقليمية صادمة، كان داعش بطلها، وعلى ضوء محاولة نظام السيسي تغيير قواعد اللعبة في المنطقة برمتها، وتوجيه الجهود باتجاه ليبيا، ولولا العقبات التي واجهت القاهرة، لكانت اندفاعة التحرّكات الإيرانية أخذت طابعاً شرعياً بحكم الواقع، بحيث تصبح العدوانية الإيرانية في المشرق مكمّلة للجهد المصري في المغرب.

بكل الأحوال، لم تحتج الأطراف الإقليمية إلى الكشف عن أوراقها، ولم يغير الاختبار الميداني الإيراني وقائع كثيرة على الأرض، الشيء الوحيد الذي اكتشفته طهران، حتى اللحظة، عدم فعالية آليتها العسكرية، نتيجة أعطاب كثيرة طالتها في العامين الأخيرين. وعلى الرغم من عنصر المفاجأة وكثافة النيران التي استخدمتها طهران لتغيير المعادلة، تبين أن البنى المقابلة لها أكبر من بنى وقتية، ومن الصعب تفكيك استطالاتها الإقليمية، وأن السكوت الدولي ليس أكثر من إغراءات تكتيكية، لزيادة نزف إيران وأذرعها في المنطقة.

الواضح أنّ إيران لم تعد تثق بالاستشعار وسيلة لمعرفة توجهات الرياح، وهي تنتقل إلى مرحلة الاشتباك مع المعطيات، وتلمّسها بيدها مباشرة. لذا، أصابعها مرشحة للاحتراق في أكثر من مكان، كحصيلة للفارق بين التقديرات النظرية والوقائع العملانية.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان