مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٥ مارس ٢٠١٥
بعد 4 سنوات من الثورة.. سوريا من جور الاسد إلى حقد إيران

قبل أربع سنوات من اليوم، خرج عشرات الشباب السوريين بمظاهرة جابت سوق الحميدية بدمشق، هاتفين شعار "الله سورية حرية وبس"، لتكون الشرارة الأولى بعد أيام من هذه المظاهرة عندما خرج أهالي درعا بمظاهرات منادين بالحرية والكرامة "الموت ولا المذلة".

واتسعت رقعة المظاهرات المطالبة بالحرية والكرامة تضامناً مع درعا وأطفالها، لتطال المدن السورية من الجنوب إلى الشمال.

نظام بشار الأسد ومنذ اليوم الأول، اختار مواجهة المظاهرات السلمية المنادية بالحرية والكرامة، اختار مواجهتها بالرصاص والقتل والاعتقال، ورفع مؤيدوه شعار "الأسد أو نحرق البلد".

تدرج نظام الاسد باستخدام القوة في محاولة لوأد الثورة السورية، فمن الرصاص الحي إلى قذائف الهاون، إلى نشر دباباته والآليات الثقيلة حول المدن الثائرة وقصفها، إلى الطيران المروحي والحربي، إلى صواريخ السكود، فالكيماوي والغازات السامة، إلى الحصار والتجويع.

لم يكتفي الأسد خلال السنوات الأولى بقتل السوريين وتجويعهم، واعتقالهم وقتلهم تحت التعذيب بأبشع الأساليب، بل عمد خلال السنة الفائتة إلى بيع سوريا لملالي (قم) الذين باتوا يتباهون بإعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية.

تمر الذكرى الرابعة للثورة السورية في وقت اختلطت فيه الأوراق، جراء استماتة الإيرانيين بالدفاع عن نفوذهم في سوريا الذي بات واضحاً وجلياً، وفق تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنفسهم.

فعندما يعترف مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين همداني، أن "القادة العسكريين الإيرانيين قد (حرروا)  85% من الأراضي السورية التي وقعت سابقاً بيد المعارضة، في وقت حتى الأسد كان قد تقبل الهزيمة"، وعندما يقول أمين  المجلس الاعلى  للأمن القومي الإيراني "علي شمخاني" إنه "ولولا نوايا بلاده "الطيبة" لسقطت بغداد، وأربيل، ودمشق بيد تنظيم "الدولة الإسلامية".

فهذه الأدلة كافية على أن السوريين لا يقاتلون من أجل حريتهم الآن، بل يقاتلون لمواجهة الاحتلال الإيراني وأداته العميل والخائن بشار الأسد الذي فتح الباب للمحتل الفارسي الباحث عن أمجاد ماضيه في المنطقة العربية.

انتهاكات الأسد وميليشيات إيران

منذ اندلاع الثورة السورية، ترتكب قوات النظام والميليشيات الإيرانية والمرتزقة الأجانب انتهاكات وجرائم بحق المدنيين في سوريا.

ويشن نظام الاسد حرباً مفتوحة على الشعب السوري منذ سنوات استخدم كل أنواع الاسلحة الفتاكة، ومنها صواريخ بعيدة المدى، واسلحة محرمة دولياً أدت إلى مقتل عدد غير معروف من السوريين، ولكن التقديرات تشير إلى أكثر من 500 ألف شهيد، وأكثر من مليون مصاب.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أصدرت تقريراً مفصلاً حول الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأسد والميليشيات المتحالفة، وذلك خلال الأعوام الأربعة الفائتة.

ووثقت الشبكة منذ بدء الاحتجاجات السلمية في سوريا في آذار/ 2011 لغاية 10/ آذار/ 2015 قيام قوات النظام بقتل 176678 شخصاً مدنياً، بينهم 18242 طفلاً، 18457 امرأة، ومن بينهم أيضاً 11427 تحت التعذيب.

وأوردت الشبكة في تقريرها حصيلة المعتقلين بما لا يقل عن 215 ألف حالة، من بينهم قرابة 6580 امرأة إضافة إلى ما لا يقل عن 9500 طفل.

وأشارت الشبكة إلى أنّ الكثير من المعتقلين يتحولون تدريجياً إلى مختفين قسريا، حيث تُفقد تدريجياً أيّ معلوماتٍ عنهم، وينقطع الاتصال بمعظمهم على نحو مخيف، حتى من قبل أهلم وأصدقائهم.

وأكد التقرير أنّه لا يمر يوم تقريباً دون استشهاد 5 معتقلين بسبب التعذيب، وذلك كمعدل وسطي.

مليون معاق

وخلفت آلة الحرب العسكرية لنظام الأسد وميليشيات إيران الطائفية ما يزيد على مليون مصاب سوري من بينهم عشراتُ الآلاف يحتاجون إلى عمليات جراحية وأطرافٍ صناعية وإعادةِ تأهيل، وفقاً للمنظمة الدولية للمعاقين.

وناشدت المنظمة في تقريرها المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لتقديم العلاج للمصابين السوريين قبل أن تتحول إصاباتهُم إلى إعاقة لمدى الحياة.

ويفرض نظام الأسد وميليشيات إيران حصاراً على المناطق المحررة، والتي يقصفها باستمرار ما أسهم بزيادة حالات الإصابة، وبسبب نقص المواد الطبية، وعدم وجود الكوادر المتخصصة في كثير من مناطق سوريا زادت نسبة حالات الإعاقة، وبتر الأطراف، والتي كان من الممكن علاجها لو كانت الظروف مختلفة، بحسب المنظمة.

بدورها، قالت منظمة "أطباء بلا حدود" في تقرير لها أن قوات الأسد قتلت أكثر من 600 طبيب، وعامل في المجال الطبي، منذ بدء الثورة السورية في آذار 2011.

وأكدت المنظمة إن قوات النظام تستهدف المستشفيات، والعيادات، والعاملين في المجال الطبي "بشكل منظم"، حيث قتل بهذا الاستهداف 610 من العاملين في المجال الطبي، من بينهم 139 تعرضوا للتعذيب، أو أعدموا.

الأسد راعي التطرف

يقول إعلامي سوري: "حاول الأسد منذ اندلاع الثورة السورية تخويف العالم، عبر وصم الثورة بالتطرف تارة والإرهاب تارة أخرى، إلا أن الحقائق والوقائع على الأرض تقول العكس تماماً، حيث أن هذا النظام سهل تنامي ظاهرة تنظيم داعش في العراق منذ الاحتلال الأمريكي، وإثر ظهور بوادر سقوط نظامه في سوريا منذ عامين عمل على تعزيز مكانة التنظيم عبر الضخ إعلامياً على المستوى الدولي، والقول أن نظامه يواجه الإرهاب، متجاهلاً كل مطالب السوريين منذ اندلاع الثورة بالحرية والكرامة والعدالة والعيش الكريم".

ويضيف: "نظام الأسد الذي لم يترك فرصة لقصف المناطق الثائرة ضد نظامه، ترك التنظيم يتمدد في المناطق المحررة، دون أن يحرك ساكناً، أراد أن يقوى هذا التنظيم البعيد كل البعد عن الثورة السورية، من أجل تمرير رسائله للغرب والمجتمع الدولي، فمع سيطرة التنظيم على اي منطقة نجد أن إعلام النظام وإعلام الغرب يطبلون لخطره عبر الربط بين الثورة والتنظيم، إلا أن الواقع يقول أن الثوار والمناطق الثائرة على نظام الأسد دفعت الثمن الأكبر من وراء تنامي هذا التنظيم الغريب عن المجتمع السوري".

وينهي بالقول: "اليوم وفي الذكرى الرابعة لاندلاع الثورة السورية، يدرك السوريون أن إسقاط نظام بشار الأسد هو الطريق الوحيد لإسقاط تنظيم داعش، وإسقاط مشروع إيران الصفوي في المنطقة العربية، اليوم نشاهد روح الثورة السورية في كل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والتنظيم في رسالة مفادها أن الثورة مستمرة، وأن أهدافها ثابتة ولن تتغير مهما تكالب عليها العالم، فالحرية والعدالة والكرامة وإسقاط النظام وتنظيم داعش هدف كل سوري حر يؤمن ببلد تسوده العدالة، والحرية، والعيش الكريم".

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
أربع سنوات سورية: ألم يحن وقت المراجعة؟

لا تحتاج حال الثورة السورية، والحال السورية عموماً، إلى براهين تثبت تراجعهما. فهناك حال من الفشل لطرفي الصراع؛ المعارضة فشلت في استدراج أصدقائها المزعومين إلى التورط المباشر في إسقاط النظام، والأخير فشل أمام حلفائه في استغلال الدعم اللامحدود الذي قدموه له، ما اضطرهم إلى المجيء بميليشياتهم وعتادهم وقادة معاركهم. وأن يكون النظام قد سلّم البلاد إلى حلفائه، كخيار مقبول أكثر من تسليمه السلطة، فهذا شأن متوقع منه، مثلما ليس متوقعاً الآن أو في ما بعد أن يُقدم على مراجعة فات أوانها. من جهة المعارضة، يُفترض ألا نجزم بفوات أوان مراجعة ما حصل، لا لأنها تملك القدرة والإرادة الكافيتين وإنما لكونها الطرف المناط به نظرياً التأسيس لحراك سياسي يقوم النظام على نقيضه التام.

السوريون، بعد أربع سنوات من اندلاع الثورة، ليس لديهم وثيقة سياسية تتعلق بالمستقبل. يتفقون عليها أو يختلفون، لا بأس، الأهم هو الحوار المنبثق من وجودها، وإذا كان صحيحاً أن مسألة إسقاط النظام هي الطاغية على الاهتمام العام فذلك لا يعفي مؤسسات المعارضة من القيام بدورها المؤسسي والتأسيسي. المفارقة أن المبادرة الأوسع صدى في حينه أتت من جماعة الإخوان المسلمين في ما سُمي «وثيقة العهد والميثاق» الصادرة في 25/3/2012، ومن المعلوم أن تلك الوثيقة كانت أولاً بمثابة تطمينات ترسلها الجماعة نظراً للشكوك والمخاوف إزاء تصورها للحكم الإسلامي. التنظيمات المعارضة الأخرى ربما اعتبرت نفسها في حلّ من تقديم تصورات مماثلة، بسبب عدم استنادها أصلاً إلى فكر أيديولوجي مثير للجدل، وبعضها اعتبر وثيقة الإخوان إبراء لذمة الهيكل المعارض ككل بسبب هيمنة الإخوان عليه.

نعم، لقد صدرت أوراق عدة تتحدث عن مستقبل سورية، لكنها اتصفت بالعمومية، ونصت على مبادئ تعبّر عن نوايا «طيبة» لأصحابها. ما كان ينقص تلك الأوراق افتقارُها إلى آليات تنفيذ مقترحة، حتى بعضها الذي تطرق إلى شكل الحكم المقبل، النظام البرلماني على سبيل المثال، بقي في إطار العمومية وكأن الأنظمة البرلمانية متماثلة في العالم كله. ثمة ذريعة، تتسم بالعمومية أيضاً، تنص على ترك القضايا الأساسية ليبتّ الشعب فيها ضمن المرحلة الانتقالية المأمولة، غير أن هذه الذريعة تختبئ خلف مفهوم مطاط جداً للشعب، وهي لا تصمد أمام تجربة سقوط البعث العراقي وفرض دستور «مسلوق» على عجل، الدستور الذي عُرف وقتها باسم المفوّض الأميركي بريمر، والذي لا تزال مفاعيله السلبية ماثلة حتى اليوم.

في حالة مركّبة ومعقدة، كالواقع السوري، الحديث في العموميات سيبدو انفصالاً عن الحراك الفعلي على الأرض، وتشتد الحاجة إلى تصورات محددة تطمئن الأفراد والجماعات على حقوقهم، من خلال اقتراح آليات واضحة وصريحة، بعضها قد يأخذ شكل آليات دستورية، وقد يستلزم بعضها آليات فوق دستورية، بمعنى أن تكون مبادئ تأسيسية لا يجوز التراجع عنها لقيامها على قاعدة الحقوق الأساسية التي لا يُسمح لأي سلطة منتخبة قادمة تجريد السوريين منها. لهذا الغرض، لا تعاني المعارضة شحاً في الكفاءات القانونية السورية، هي فقط تعاني شحاً في الإرادة والعزيمة، وربما جبناً يمنعها من المخاطرة خارج العموميات «الحميدة».

يُستحسن أيضاً أن تكف المعارضة طوال الوقت عن الصراخ بحاجتها إلى السلاح، لا لأن استغاثاتها لا تصل إلى مبتغاها فحسب، لكن لأن عليها أن تتفكر جيداً في تجربة عسكرة الثورة، كما حدثت، لا كما كان مأمولاً منها. فتجربة العسكرة عيانياً لم تكن مشجعة في قسم معتبر منها، خاصة في السنتين الأخيرتين، وسمحت للعديد من أمراء الحرب بالظهور والتنمر على مبادئ الثورة نفسها، ولا يُتوقع من هؤلاء المتنمرين الانصياع لمتطلبات الديموقراطية في حال سقوط النظام. في كل الأحوال، القتال ضد النظام لا يمنح وحده صك انتماء إلى الثورة، ولا حاجة للإتيان بأدلة عديدة على جبهات فُتحت ضد النظام وعلى هدنات معه أتت على شاكلة إمارات الحرب، ولم تأبه إطلاقاً بمتطلبات الحرب المتكاملة ضده. لا هجاء العسكرة ولا مديحها على الإطلاق يعالجان واقعها غير المؤطَّر سياسياً، أو غير المنتظم ضمن مشروع وطني واضح المعالم. يساعد على ذلك الانفصال شبه التام بين المستوى السياسي للمعارضة والمستوى العسكري، حيث تميل الكفة لصالح الثاني منهما بحكم هيمنته على الميدان، وبحكم تجاوزه الأول في قضايا التمويل وما يلحقها من تعدد في الأجندات.

من جهتها، قضية التمويل برمتها تحتاج إلى مراجعة، إذ يتضاءل التمويل المحلي إلى حد كبير، ربما باستثناء المساهمة في قضايا المساعدات والإغاثة الإنسانية. تدني تمويل الأطر السياسية والعسكرية من قبل الرأسمال المحلي دلالة على طبيعته الانتهازية في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى دلالة على العجز عن استمالة أصحاب رؤوس الأموال، حيث اختار أغلبهم النجاة بمشاريعه خارج البلاد والنأي عن الصراع الدائر فيها. أما التمويل الخارجي فيستند بلا شك إلى مصالح الداعمين، ولا يُعرف بدقة حجم تلاقي تلك المصالح مع المصالح المحلية ومدى تغليب الأولى على الثانية لدى بعض أطراف المعارضة أو أفرادها الفاعلين. ولا غرابة في أن يتذبذب الاستثمار الخارجي في الثورة مع التغير في سياسات الداعمين، وألا تستطيع المعارضة سوى الالتحاق بتلك السياسات أو التذمر والشكوى منها، من دون قدرة على التأثير فيها طالما ارتضت لنفسها موقع الضعيف ولم تستثمر من قبل الدعم الذي نالته على نحو يحظى بالاحترام.

بعد أربع سنوات من انطلاق الثورة، هناك من يبشّر السوريين بتواطؤ دولي على إبقاء الأسد، وهناك من ينذر بحرب تحرير طويلة ضد الهيمنة الإيرانية. المعارضة نفسها لا تملك معطيات ترجح أحد الاحتمالين، ومن المتوقع ألا ينجح مشروع إبقاء الأسد من دون مشاركة المعارضة نفسها؛ هذا الاحتمال في حد ذاته إدانة لها لكونها لم تنجح في اقتراح البديل الجيد. البديل الهجين، المتأتي من فشل المعارضة والنظام معاً، قد يكون أسوأ خاتمة لعذابات السوريين، وحينها تكون المعارضة قد قبضت ثمن فشلها على حسابهم. بالتأكيد، السير في اتجاه هذه الخاتمة أقل مشقة، ويعفي المعارضة من مراجعة تجربتها.

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
السوريون ما زالوا قادرين

على عتبة العام الخامس من الثورة، يبدو المشهد السوري للناظر الخارجي، وقد تحوّل إلى قطع متناثرة، أو ربما جزر مقطوعة الجسور ونقاط التواصل، الرابط الوحيد هو الحالة الكارثية التي يعيشها كل قطاع بصمت وعلى انفراد، فمن جزيرة المحاصرين إلى جزيرة النازحين فالمعتقلين والمغيبين، وحتى أولئك الذين يعيشون في جزيرة النظام، وينهكهم الجوع وعدم الأمان.

لا يختلف الواقع الميداني عن الحال المدني، فبينما تتقطّع جسور التواصل والتنسيق بين جبهات معارضي النظام، وتخوض كل جبهة معركتها الخاصة بها، وكأنّها المعركة الوحيدة في مسرح الصراع، يقابل النظام هذا الوضع بجبهات واستراتيجيات ومقاتلين مختلفين، فمن سياسات الهدن إلى سياسات التطويق والحصار، وصولاً إلى استراتيجيات الأرض المحروقة، أما أدواته فتتنوّع بين مقاتلين من بقايا جيش نظامي إلى مليشيات بأسماء متعدّدة، فضلاً عن جبهات يقودها الحرس الثوري الإيراني، وأخرى يتولى زمامها عناصر لحزب الله اللبناني، وثالثة مسؤول عنها مليشيات عراقية وأفغانية.

تبعاً لذلك، أيضاً، ذهب النظام، وفي محاولته الخلاص من كل أثر للثورة، إلى عمل تصنيف يتناسب وأهدافه في طمس الثورة، ففي الشرق يحارب تنظيم داعش الإرهابي، وفي الشمال تنظيم النصرة والعملاء المرتبطين بتركيا. وفي الجنوب، يخوض حرباً ضد عملاء إسرائيل الذين يخططون لإنشاء شريط عازل، فأين الثورة والثوار في هذه الخريطة؟

إزاء هذا المشهد المعقّد، هل يمكن رؤية بصيص أمل للثورة في عامها الخامس، بل كيف يمكن استشراف مآلاتها في المرحلة المقبلة مع كل التعقيدات التي ينطوي عليها هذا المشهد، والذي بات متشابكاً بطريقة تصعّب من القدرة على قراءة عناصره وتقييمها؟

من نافلة القول إن البعد الجيوسياسي تحوّل إلى عامل أساسي في الصراع بين الثورة والنظام، ما أدى إلى تشبيك مصالح عديدة في الإقليم وخارجه، وتحالف أطرافها ضد الثورة، ولعل ما رفع من سقف إغراء انخراط هذه الأطراف في الأزمة السورية تصوراتها بقدرتها على تحقيق مخارج لأزماتها الدولية التي تصادف ولادة الثورة مع وصول تلك الأزمات إلى ذروتها، فضلاً عن هوامش الحركة الواسعة أمامها التي أتاحها نظام الأسد، والتي وصلت إلى درجة إدارة تلك القوى مسارح المعارك، وإعطائها ساحات للمناورة والضغط على دول الإقليم، وقد ساهم ذلك بزيادة حدّة الخلل الحاصل، أصلاً، لصالح نظامٍ تبيّن أنّه رتّب كل جهوده، طوال سنوات عديدة لهذا النمط من المواجهات مع الشعب، وأسس لذلك البنية اللازمة. ولعل ما زاد من الإشكالية أن النظام لم يعمل أي حساب لمستقبل البيئة المؤيدة له، فلم تمثل بالنسبة له سوى موجات بشرية لكسر الثورة، وظهر أنها بيئة مأسورة، مثل كل المكونات التي تعيش تحت سيطرة الأسد، لا اشتراطات لها، ولا مطالب، أو ضغوط تجعل نظام الأسد يميل إلى المهادنة، أو الحوار.

من قلب هذا المشهد الحالك، تعبر الثورة السورية عامها الخامس، حواملها الأساسيون هم ما تبقى من شعبٍ، لا زال يعاند ويطمح بالخلاص، وثوار توزعوا على جبهات عديدة، وعلى الرغم من تعبهم، لا زالوا فاعلين، ونخبة مثقفة تحلم بسورية مختلفة، لا زالت على إيمانها بأن النصر قادم؟ لكن، هل هذه معطيات كافية لتستطيع الثّورة من خلالها الاستمرار، وخصوصاً أنها تواجه هجمة شرسة، تقودها إيران وأذرعها، بإمكانات ضخمة، تصلح لمواجهة دول إقليمية كبرى؟

شئنا أم أبينا، انتهت الثورة السورية، في عامها الخامس، إلى ماكينة تراكميّة من الأعطاب في قلب النظام الذي أصبحت مفاصل كثيرة منه تعاني من الموات، كما أن النظام بات يعيش حالة من الفوضى الأمنية والعسكرية، وهذه خطوط انقسام يتوقع أن تتعمق في قلب النظام ومفاصله. بالإضافة إلى ذلك، الدعم العسكري من إيران وحزب الله لن يعيد الروح إلى النظام، ولن يعيد وصل شرايينه في المجتمع السوري، هذا الدعم سيكون هدفه عمليات تسكينية سطحية تجميليّة، في مواضع محددة، الهدف منها دائماً شراء عمر لشهور لمنظومة الأسد.

وبما أن الحرب ذات طابع جيوسياسي، فإن الرهان على المتغيرات الدولية والإقليمية يبدو مشروعاً مثلما يستفيد الطرف الآخر من هذه المسألة، ويحاول تمريرها تحت ذرائع الوقوف في وجه المؤامرة ودعم حلف المقاومة وسواها من الصيغ التي لا فائدة لها إلا في تبرير محاولات القضاء على حق السوريين بالعدالة والكرامة. والواضح، هنا، أنّ إيران التي بالغت في تحديها مصالح الأطراف الإقليمية، ومحاولتها التحكم بشروط اللعبة لصالحها، فرضت على العالم تغيير موقفه وسياساته تجاه الوضع السوري، وهو ما ينذر بإمكانية تدحرج النزاع إلى صدام حتمي مع المشروع الإيراني ومشاريع الدول الأخرى. وبهذا الصدد، تتبلور في المنطقة ملامح تكتل إقليمي مضاد لإيران، ومن المقدّر أن تكون له ترجمات حقيقية على الأرض السورية.

في العام الخامس للثورة السورية، لا يستطيع المرء استشراف مستقبل التطورات، إلا من نقطة صمود الثورة، طوال الأعوام الأربعة السابقة، أمام موجات هائلة من العنف غير المسبوق، إلا في الحروب العالمية الكبرى. وبالتالي، يبقى الرهان، كما كان في البداية، منعقداً على قدرة الشعب السوري، قد يكون ذلك مطلباً صعباً وقاسياً على السوريين، لكنهم فعلوها ولا يزالون

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
في عامها الخامس .. ثورة السوريين مستمرة وتتجدد

بعد أربع سنوات من الحرب الضارية التي فرضها نظام الأسد على الشعب السوري، لحرمانه من فرصة التحرر من قيود العبودية والاستعمار الداخلي، تبدو سورية، اليوم، جسداً ممزقاً ومثخناً بالجراح، ولا يكاد يظهر من الثورة إلا الكارثة الإنسانية المروعة التي خلفتها استراتيجية الأرض المحروقة التي اتبعها النظام. تغيرت شروط الصراع كلياً، وتبدلت الرهانات، وصارت الحرب الداخلية حروباً متعددة، طائفية وإقليمية ودولية، تشارك فيها قوى خفية وظاهرة، لم تكن منظورة أو متوقعة. وأمام غياب أي آفاق للحسم العسكري، أو للحل السياسي، وتفاقم الأزمة الإنسانية، يزداد الشعور لدى السوريين بأنهم على وشك خسارة رهانهم الأكبر الذي ضحوا لأجله بكل شيء، بأرواح أبنائهم وأملاكهم وأرزاقهم، وتحولوا إلى مشردين، يبحثون عن أرض تحويهم وملجأ يقيهم من برد الشتاء وعواصفه الثلجية التي لم تعرفها المنطقة في أي وقت، كما حصل في السنوات الثلاث الماضية.

ويفاقم من هذا الشعور بالخسارة والإحباط التراجع المضطرد للجيش الحر والمجموعات المقاتلة التي فقدت، في السنتين الماضيتين، أكثر من نصف الأرض التي كانت قد حررتها، وتراجع الدعم الدولي العسكري والسياسي الذي حظيت به الثورة في البداية، أو وعدت به، بالإضافة إلى الطفرة التي شهدها تطور المنظمات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة أو المنشقة عنها. ويزداد الشعور عند أغلب السوريين الذين ضحوا بكل ما يملكونه من أجل الثورة بأنهم خدعوا، وأن الثورة التي راهنوا عليها للتحرر من العبودية والظلم كانت ضحية الكذب والغش والتواطؤ الدولي واللامبالاة العربية، كما كانت ثمرة فشل قياداتهم السياسية. وعلى هامش هذا الشعور بالخيبة وانسداد الآفاق، يزيد الضغط في اتجاه البحث عن أي حل، وتتقدم حكومات عديدة، كانت حتى البارحة من أقوى مؤيدي حرب الإبادة الجماعية، أو من التي صمتت عن المذابح اليومية، لتقطف ثمار ما تعتقد أنها هزيمة الثورة القريبة، وتتنافس على الجائزة التي تنتظرها من إعلان موتها ودفنها.

نصيب القياديين السوريين، العسكريين والمدنيين، من الأخطاء التي أدت بالبلاد إلى الطريق المسدود الذي تجد نفسها فيه اليوم كبير من دون شك. لكنه ليس السبب الأول، ولا الرئيس في الخراب الذي تتقاسم المسؤولية فيه مع النظام دول كبرى، وأقل كبراً، من تلك التي لم تخف عداءها للثورة وأهدافها، وتلك التي أعلنت صداقتها لها. لكن، ليس من أجل مساعدتها على التقدم، وإنما لاحتوائها وحماية مصالحها ورهاناتها، وأحياناً، لتحفظ لنفسها الفرصة، كي تطبع على شفاهها قبلة الموت في الوقت المناسب.

انسداد طريق المهادنة والاستسلام

من حق السوريين الملوعين بمأساتهم التاريخية غير المسبوقة، ومن واجبهم أن يطرحوا على أنفسهم، في هذه المناسبة، وعلى من تصدى لقيادتهم، ولا أعتقد أن مثل هذه القيادة قد وجدت، أو سمح بوجودها في أي وقت، كل ما يخطر لهم من أسئلةٍ تتعلق بمصير ثورتهم، أي بمصيرهم، شعباً وأفراداً معاً، وأن يطالبوا أنفسهم وقادتهم المفترضين وأصدقاءهم والمجتمع الدولي بكشف حساب عما أصبح جريمة من الجرائم التي تتحمل المسؤولية فيها الدول جميعاً، وسوف تدفع الثمن الباهظ، وقد بدأ بعضها في دفعه، منذ الآن، للغدر بها وخيانة القيم والمبادئ التي قامت عليها منظومة الحماية والتضامن الدولية.

لكن، لا ينبغي أن يكون هذا سبباً للانسحاب من المعركة التي فاقت فيها استثمارات الشعب السوري البشرية والمادية والمعنوية أي استثمارات لأي شعب في ثورات العصر الحديث. وليست الآن هي اللحظة المناسبة للدخول في الصراعات والنزاعات الداخلية وتصفية الحسابات، إنما العكس هو الصحيح، وهذا ما يظهره ثبات الشعب السوري، وتصميم أبنائه في خيم اللجوء ومواطن النزوح وفي الأحياء المحاصرة، منذ سنوات، لفرض التسليم بالأمر الواقع والاستسلام عليها. كما لا ينبغي لاختلاط الأوراق والأهداف والرهانات، وما تعرضت له الثورة من عمليات اختطاف من المنظمات والمليشيات والقوى الدولية لأهدافها الخاصة، أن يتحول إلى مصدر إضافي للخلافات، ومبرر للتفريط بالتضحيات الجسام التي قام بها السوريون، في السنوات الأربع الماضية. ولا ينبغي أن يكون التركيز المطلوب على الكارثة التي أصابت أغلب السوريين مدخلاً لتسويق القبول بأي حل باسم الحلول الـ"واقعية" وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

فحتى لو تنازل الشعب للنظام، وقبل بالعودة الى بيت الطاعة، فلن يرضى الجلاد الذي سيتتبعه حتى يقضي عليه. وخططه، منذ الآن، واضحة في إلغاء الشعب واستبداله برعايا آخرين يستجلبهم من كل مكان. مشروع الإبقاء على نظام أسرة الأسد الذي أصبح بالمطلق مشروع احتلال إيراني، بمباركة وتحت مظلة سورية مزيفة، لا يقبل لا بعودة السوريين المهجرين والنازحين، ولا بالاعتراف بحقهم الأول في الحياة. ولن تكون نتيجة السير على هذا الطريق سوى تسهيل المهمة على نظام الاحتلال الأسدي ـ الإيراني، أي تحقيق ظروف أفضل وأقل فضائحية لحرب الإبادة الجماعية السياسية والديمغرافية للشعب السوري.

التخاذل والتسليم بالأمر الواقع يعني أننا نتخلى عن شعبنا ونقتله مرتين، الأولى عندما تركناه يقاتل وحده ولوحده، والثانية عندما سنتركه يموت من الجوع والبرد والذل في أماكن اللجوء والتشرد من أجل حصول بعضهم على مقاعد لا قيمة لها في حكومات يسمونها كذباً حكومات وحدة وطنية، وهي حكومات دمار وطني.

ما من شك في أن المرحلة البطولية من الثورة التي جمعت السوريين على قلب واحد، وجعلت كل فرد منهم يتماهى مع المبادئ الكبرى التي حركت الجميع، مبادئ الكرامة والعدل والحرية، قد انتهت منذ فترة طويلة. لكن الثورة بما تعنيه من الاستمرار في الكفاح من أجل القضية العادلة التي اندلعت من أجلها، أي ثورة الكرامة والحرية، لا تزال حية، وستظل طالما لم تتحقق المبادئ التي خرج السوريون من أجلها. ولن تتوقف قبل أن يصار إلى إخراج سورية من فم وحش الاحتلال الذي حل محل النظام، والخروج من الكارثة الإنسانية التي تمس حياة الملايين من السوريين، وتشكل، اليوم، الحقيقة الأولى في سورية وللسوريين، والتي تشرط أي تفكير أو يجب أن تشرط أي تفكير في الحاضر والمستقبل.

في الحاجة إلى المراجعة وتصويب المسار

لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن الاستمرار على النهج القديم الذي أدى بالثورة إلى إضاعة البوصلة والطريق. فإذا كان خط المهادنة يعني التهاون بتضحيات السوريين الهائلة، وتبديدها من دون ثمن، فإن التصلب والمزاودة في التمسك بالشعارات والألفاظ الفارغة يشير إلى الاستهانة بالمعاناة الهائلة التي يعيشها السوريون، نتيجة الكارثة المروعة التي حلت بهم. وهو لا يفيد إلا في عزل الثورة وتضييق الحصار عليها وضربها. الاستمرار في تجاهل الواقع، ونكران التحولات العميقة التي شهدتها مسيرة الصراع من أجل الحرية والكرامة على عموم الأرض السورية، لا يساعد على التقدم ولا يفتح أي طريق سالك من أجل إنقاذ رهانات الشعب السوري الأساسية، وإيجاد شروط خروج الملايين من أبنائه من حياة التشرد اللاإنسانية. وكما أن خط التنازل المجاني يشجع المحتلين على الإسراع في تحقيق مشروعهم، مستغلين ظروف الاستسلام والضعف التي يظهرها السوريون المندلقون على النظام، فإن إنكار الحقائق الجديدة والمثابرة على المزاودة في الثورية، كما لو أن شيئا لم يتغير منذ أربع سنوات، لن يفيد إلا في إطالة عمر المأساة، وقطع الطريق على المراجعة النظرية والسياسية الحتمية التي يخشاها كل من تنطع للقيادة السياسية والعسكرية، خلال السنوات الأربع الماضية.

كلاهما يقودان إلى الفشل، ولا يقدمان أي مخرج أو حل: التهاون مع تضحيات السوريين والاستهانة بمعاناتهم. المطلوب رؤية جديدة مختلفة عن تلك التي رافقت الثورة في لحظتها البطولية والملحمية، والتي راهنت على العمل الشعبي العفوي المتفجر في كل مكان، واقتصرت على الدعوة لدعمه، والدفاع عنه في الدبلوماسية والإعلام. فلم تعد الحاجة تقتصر على إيجاد "وزارة شؤون خارجية" للثورة، تنسق علاقاتها الدولية، وإنما أصبحت الحاجة ماسة لبناء منظمة وطنية مركزية، تقود العمل التحرري، وتنسق شؤون المقاومات المسلحة والمدنية والثقافية ضد نظام الاحتلال والطغيان الذي يزيد ترسخاً يوماً بعد يوم. ويحتاج بناء مقاومة طويلة المدى لاستنزاف الاحتلال وأعوانه إلى سياسات جديدة، تقوم على توحيد الصف، والعمل على تجميع السوريين من جديد، كل السوريين إذا أمكن، وتوسيع دائرة مشاركتهم وانخراطهم في نشاطات السياسة الهادفة إلى تقريب ساعة الخلاص، ووضع حد لحرب الإبادة والاحتلال الذي يتغذى أكثر فأكثر من نزعة عنصرية استيطانية خطيرة مع احتدام الصراع. كما يحتاج إلى تنظيم أفضل للطاقات والجهود، وتفعيل للجاليات السورية في كل مكان، وتجديد للخطاب السياسي والإعلامي، بحيث تكون الثورة بالفعل لكل السوريين، ولحماية أرواحهم ومصالحهم، والخروج بخطة عمل واضحة، تهدف إلى استعادة جزء من المبادرة المفقودة، وإعادة تعريف الأهداف المرحلية والبعيدة، وحل المشكلات الثلاث الكبرى العالقة، مشكلة القيادة، واستقلال الموارد التي لا قرار مستقلاً من دونها، وتعزيز وطنية القرار، حتى لا يكون مشروع الاحتلال المستفيد الأول من استمرار الصراع.

مهما حصل، لن يتخلى السوريون عن حقوقهم، وهم لا يزالون، على الرغم من أربع سنوات من القتال والمواجهة المريرين، والتقويض الممنهج لاجتماعهم المدني والسياسي، والتدمير المنظم لمدنهم وأحيائهم ورميهم على طرقات النزوح وبحار الموت، واقفين يتحدون الموت، ويتصدون للجريمة وهم يلمسون بأجسادهم المدماة الحدود القصوى للهمجية.

بعد أربع سنوات من الخذلان والمعاناة، فقد السوريون ثقتهم بدول صديقة وشقيقة كثيرة أظهرت عجزاً لا يوصف عن المبادرة، أو كانت مثالاً للامبالاة بحياة السوريين وأرواحهم. لكن، ما لم يفقدوه، على الرغم من تجربة البؤس والتشرد والضياع، هو ثقتهم بأنفسهم. وهي التي تدفع بهم إلى الاستمرار والمثابرة والإصرار على اقتلاع إرادة الشر من جذورها. وهذا الإصرار وتلك المقاومة المستمران، والصبر والأمل الذي لا يفارقهما، هما مصدر الفخر لدى كل سوري، ومصدر الاعتزاز لدى كل عربي، يعرف أن السوريين، في نضالهم وشهادتهم وتضحياتهم، قد تجاوزوا حدود الاحتمال، وأصبحوا رمزاً للكفاح من أجل الحرية والكرامة، في العالم العربي والعالم، ضد العنصرية الفاشية ومشاريع الهيمنة الإقليمية الدموية

اقرأ المزيد
١٤ مارس ٢٠١٥
أي مستقبل لأطفال سوريا؟

يدخل الصراع السوري هذا العام عامه الخامس من التمزّق، وهذه الخطوة الرهيبة تشير إلى 4 سنوات من تصاعد أعمال العنف والمعاناة بلا أفق واضح. وقد خسر عشرات الآلاف من المدنيين حياتهم، وفرّ الملايين منهم؛ فالمساكن والمستشفيات والمدارس جميعها مستهدفة من الهجمات المباشرة، ووجدت مجتمعات بأسرها نفسها محرومة من الحصول على المساعدة الإنسانية ومن الماء والمواد الغذائية، وانتشر انعدام الإنسانية خارج الحدود كما لو كان مرضًا معديًا.

تخيّلوا هذا الرعب في عيون الأطفال الّذين يعيشون هذه المأساة؛ فمساكنهم قد قصفت أو أخليت، واختفى أقاربهم وأصدقاؤهم، وقطع مسارهم المدرسي أو لم يبدأ أبدًا، وطفولتهم قد سرقت.

وحسب تقديرات اليونيسيف، أصبح هذا الصراع أكبر أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر، ويضرب نحو 14 طفلًا في سوريا والدول المجاورة، ولم يعرف الأصغر سنًّا من بين الفتيات والصبيان الحياة بشكل آخر؛ فنظرتهم للعالم تسودها الاشتباكات والحرمان. أمّا لدى المراهقين الّذين دخلوا سنّ التأكيد على شخصيتهم، فالعنف والمعاناة حدّدوا ماضيهم إلى الأبد وشكّلوا مستقبلهم أيضًا.

وفي حين أنّ الشباب من العمر نفسه بدأوا القيام بخياراتهم عن حياتهم المستقبلية، يعاني أطفال سوريا من أجل البقاء على قيد الحياة، وقد واجهت الأغلبية منهم الوحشية المتطرفة واضطروا إلى العمل لتلبية حاجيات أسرهم، ويتمّ إجبارهم أحيانًا على الزواج، أو يتمّ تجنيدهم من قبل الجماعات المسلّحة.

فأي خيارات سيقوم بها هؤلاء الأطفال؟ وأي خيارات تتوفّر أمامهم؟ هل يؤمنون بمستقبل أفضل؟ وهل سيتخلون عن فقدان الأمل؟ وهل سيتركون الأفق المحدود لمستقبلهم غير المستقرّ؟ والأسوأ من ذلك كله، هل سيتحوّلون إلى العنف الّذي أصبح أمرًا اعتياديًا بالنسبة إليهم؟

قبل عام، حذّر المسؤولون الإنسانيون من خطر خسارة جيل بأكمله من الشباب؛ بسبب الفظائع واليأس ورؤية فرص مستقبل أفضل لسوريا والمنطقة تتضاءل. ولا يزال الخطر قائمًا إلى اليوم. فبينما يدخل الصراع عامه الخامس، لا يزال هؤلاء الصغار معرضين لخطر البقاء في دائرة مفرغة من العنف، وإعادة ما عانوا منه من وحشية على الجيل القادم.

وأمام هذا الأفق المظلم، ردّ المجتمع الدولي من خلال السعي إلى مساعدة هؤلاء الأطفال عبر المساعدات الإنسانية وأجهزة الحماية والتربية والدعم، ولكن هذا ليس كافيًا.

لا يمكننا التخلّي عن هؤلاء الشباب؛ بل على العكس علينا أن نوفّر النجاة للعدد الأكبر من بينهم قبل أن يبقوا مكتوفي الأيدي ويتخلّون عن مستقبلهم. لا يزال الوقت ممكنًا للتحرّك فالأمل لا يزال موجودًا، وعلى رغم الجروح والظلم وعلى الرغم من العجز الواضح للكبار في وضع حدّ للصراع الوحشي؛ لا يزال لدى الفتيات والصبيان الشجاعة والإرادة الضروريتان لمتابعة حياة أفضل.

هناك صبيان مثل علاء البالغ من العمر 16 عامًا فرّ من مدينة حمص قبل سنتين وانقطع عن الدراسة، ولكنّه حظي بفرصة الالتحاق ببرنامج تكوين مهني، واليوم ينظّم دروسًا موجّهة لأطفال آخرين. وهناك فتيات مثل كريستينا البالغة من العمر 10 سنوات والّتي لجأت إلى الجانب الآخر من الحدود في شمال العراق، وتعيش في مسكن للعائلات النازحة وتساعد الأصغر منها على القيام بواجباتهم مجاهدة بذلك على متابعة تعليمها.

كيف لنا عند رؤية إرادتهم أن نرفض الذهاب لمساعدتهم؟ وعندما نعلم أنهم فقدوا الأمل كيف نستطيع تثبيطهم؟

إذا ما بقينا مكتوفي الأيدي؛ ستؤثّر النتائج على الأجيال القادمة وعلينا جميعًا.

وهذه الأزمة الرهيبة تمسّ ملايين الأطفال ولكنها لا تتوقّف عند هذا الحدّ، وعندما يصبحون كبارًا سيقوم هؤلاء الأطفال باختيارات ستؤثر على مستقبل ملايين آخرين في بلادهم وفي المنطقة بأسرها. فهل سيكون مستقبل أمل ومصالحة أو عنفًا ويأسًا؟

الخيار الثاني لا يستحقونه، وهو بلا شكّ ما لا نريده.

اقرأ المزيد
١٤ مارس ٢٠١٥
يومٌ ناقصٌ من روزنامة المخيم

عامان مثقلان بالأحداث، لم يمحيا من ذاكرة المخيم ذلك اليوم. اسألْ أياً من أبناء المخيم عن "الأربعاء الدامي"، سيروي لك فصولاً من وجع محفور في عمق الذاكرة، وسيحدثك عن أتعس يوم طلعت فيه الشمس على المخيم، إنه الجرح الذي ترك ندبةً دائمة على جدار القلب.

صباح يوم الأربعاء 13/3/2013، كان المخيم على موعدٍ مع الموت، كانت إشاعات تتناهى إلى المسامع منذ أيامٍ عن نية الثوار اقتحام مقر "الإسكان العسكري"، آخر معاقل النظام السوريّ داخل المخيّم. ولكن، ربما ظنّ كثيرون، وأنا منهم، بأنها الحرب النفسيّة، إذ كيف يمكن للخطط العسكريّة أن تتحول إلى حديث الشارع؟

عند السادسة صباحاً، كانت رشقاتٌ كثيفةٌ من الرصاص مسموعة، لا جديد، فالاشتباكات من واقع الحال يوميّاً، إلا أنّ المقر العسكري كان يسقط شيئاً فشيئاً في يد الثوّار. حكاية الخيانة التي جعلت من سور الصين العظيم أضحوكة الغزاة تتكرر مجدداً، ثكنةٌ منيعةٌ مدججةٌ بالدبابات والآليات سقطت بيد شبابٍ بأسلحةٍ خفيفة، بعضهم جاء صباحاً على متن درّاجة، وعاد على متن دبّابة أو ناقلة جند.

أخبار السقوط ومرارته دفعت ضابطاً مناوباً في قطعةٍ عسكريةٍ على رأس تلةٍ تقع إلى الغرب، إلى الانتقام من أبناء المخيّم ومعاقبتهم بجريمةٍ لم يرتكبوها، فأطلق نيران المدافع والدبابات باتجاه المدنيين طوال يومٍ، بدأ القصف منذ السادسة والنصف صباحاً، حين سقطت أول قذيفة. وخلال النهار، ظلت الحمم تتساقط على منازل المخيم. كان القصف بمعدل ثلاث أو أربع قذائف في الدقيقة، وبلا توقف. الاتصالات شبه مقطوعة، والكهرباء غير متوفرة، والسّير في الشارع انتحارٌ حقيقيٌ، كان يوماً أسود بكل معنى الكلمة. القصف عشوائيٌ، لم تفلت منه المنازل ولا المدارس ولا حتى المساجد، الأخبار المؤلمة تتوالى بسقوط الجرحى، والأصوات تثير في النفس مشاعر كثيرة، أصوات الصّراخ والانفجارات والزجاج المتحطم، إلا أن أسوأها كان صفير القذيفة في السماء. يقال إنّ المرء يجب ألا يخاف من صفير الرصاصة، لأن سماعه يعني أنها تجاوزته، إلا أنّ الأمر مختلف مع القذائف، صوت الإطلاق عميقٌ وبعيد، وصوت الانفجار، وبينهما صوت صفيرٍ يجعلك تنتظر بحيرةٍ، محاولاً تحديد ما إذا كان يتجه نحوك أم لا؟ وعندما تكتشف النتيجة، لن يكون أمامك وقتٌ، إلا لمواجهة قدرك.

في خضمّ هذه الأحداث، كان غريباً أن يظهر رجلٌ غريبٌ بسيارةٍ صفراء، يركنها وسط حيٍّ سكنيّ، يترجّل منها ويمضي مبتعداً، عندما حاول بعضهم التحقق منه، وسؤاله عن وجهته، راوغ قليلاً ثم انبطح، واستخدم زر التفجير في يده. سيارة مفخخة تنفجر، وسط المنازل التي تتعرض للقصف منذ الصباح. أيُّ همجيّةٍ وإمعانٍ في القتل لدى هؤلاء؟ شدّة الانفجار حطّمت منازل الحي وجرحت كثيرين، وأجزاءٌ من السيارة تناثرت على مساحةِ شارعين، أمّا الرجل فركض هارباً بين الأزقّة. لكن، هيهات؟ أقسم العجوز، قبل الشاب، على الإمساك به، أراد الجميع قطف رأسه، لكنّه كان بقبضة الثوار خلال دقائق، أمضى الرجل آخر يومٍ في حياته كأسوأ ما يكون، اعترف لمن حقق معه بأنه قبض مبلغاً ليضع السّيارة في المخيم. اعترافٌ لم يكن لينقذ حياته، أو يعطيه الوقت للتوبة، وربما لم يطلبها، كانت النفوس تغلي على وقع القصف وأخبار الشهداء، وخلال ساعات، كان مربوطاً إلى برج للكهرباء ميتاً، يلبس كيساً قماشياً عليه عبارة "هذا جزاء ما قدمت يداك".

في الحيّ الشرقي للمخيم دمارٌ هائلٌ، وأسقف هبطت بأكملها إلى الأرض، الشوارع سُدّت بالركام، وبات واضحاً أن القصف الذي استمر على الحيّ طوال ساعات المساء، يهدف إلى تدميره بأكمله، كان بعض الأهالي ما زال يأمل أن يجد الأمان في منزله، بعيداً عن الجدران الخارجيّة، لكنّ شدّة القصف أجبرت محمد على الخروج تحت النار نحو الملاجئ، خوفه على ولديه دفعه لركوب المجازفة، كيف لا؟ فياسمين وضياء ليسا مثل بقيّة الأطفال، هما هبةُ الله لرجلٍ مسنٍ أنفق ماله وشبابه للعلاج من العقم، أمضى نصف عمره ينتظر حتى فرح بقدومهما معه كلُّ أهل المخيم، كان يودُّ، في ذلك اليوم، لو يحميهما بدمه وعيونه. ركضت العائلة من زقاقٍ إلى آخر، لتكون على موعدٍ مع الموت بقذيفةٍ حاقدٍة قطّعت الأطفال وأمّهم إلى أشلاء محترقةٍ، وأبقت على الرجل ليتجرّع حسرتهم بقيّة عمره.

مشاهدُ كثيرةٌ لا تنسى في ذلك اليوم، كان فريقٌ من المتطوعين يحملون حقائب الإسعافات الأوليّة على ظهورهم، يركضون من حيّ إلى آخر، بحثاً عن الجرحى، يطاردون القذائف! يخاطرون بحياتهم ومستقبلهم لإنقاذ الآخرين، مشهدٌ يختصر معاني الشجاعة والتضحية، غير آبهين بالخطر ينقلون الجرحى إلى الملاجئ، حيث يوجد من بقي من أطباء المخيّم الذي كان، يومها، مثل خلية نحلٍ كبيرة. خصّص بعضهم سيارته لنقل الجرحى، وتطوّع آخرون لنقل الفراش والماء للملاجئ، وأفواجٌ من النّاس كانت تجري، من حيٍّ إلى آخر، للمساعدة في انتشال الجرحى وإخلاء المنازل والاطمئنان على الأقرباء والجيران، على الرغم من أنّ القصف لم يهدأ لحظةً.
"لم يكن أبناء المخيم يوماً يداً واحدةً، كما كانوا في ذلك الوقت"

عدت إلى المنزل ليلاً، كان الظّلام يلفُّ كل شيءٍ والأسى يملأ صدري، فتحت الباب الخارجيّ. لم أشعر بوحشةٍ في بيتي قط كما شعرت في تلك اللحظة، لم يطل تفكيري، إذ وجدت اللصوص قد اقتحموا المخزن، وسرقوا منه مولّداً كهربائيّاً وعشرات الليترات من الوقود، سلعةٌ لا يعرف قدرها إلا من جرّب الحصار، زادتني السّرقة قهراً على قهر، وهمّاً فوق همّ، إلا أن أكثر ما كان يشغل بالي حينها هو الهجرة المتوقعة في اليوم التالي، كنّا نعتقد أن بقاء الأهالي في المخيّم أفضل ضامنٍ لسلامته، وكنّا نستلهم العبرة من مخيّم اليرموك الذي خرج معظم الأهالي منه، عقب غارة الطيران الحربي على جامع عبد القادر الحسيني، حدث ذلك قبل ثلاثة أشهر، كان هذا أكثر ما يرعبني، لم أستطع أن أتخيّل نفسي نازحاً أتقاسم، أنا وأهلي، صفّاً مدرسيّاً مع عائلتين.

في الأيام التالية، سقط شهداء آخرون، وكان منظر الباصات وهي تحمل العفش والأطفال أكثر ما يكون بؤساً وإثارةً للقهر، خرج بعض الأهالي عبر الطريق البديلة للمخيم المحاصر، إلا أنّ إرادة الحياة بداخله كانت أقوى، لم يكن أبناء المخيم يوماً يداً واحدةً، كما كانوا في ذلك الوقت، عشراتٌ من الشباب تعاهدوا على الحفاظ على مقومات الحياة في المخيم، وفي مقدمتها صيانة شبكة الكهرباء والماء والهاتف، وكانت في وضعٍ مزرٍ. انتشر على تلك الأعمدة شبابٌ لا ينتظرون أجراً ولا شكراً. بعد أسبوع، عادت الشبكة وبدأت الحياة تسري مجدداً في أزقة المخيّم، انتصر المخيم وهُزم ذلك القاتل. نعم هُزم، حتى أنَّ جندياً لم يعرف الماء سبيلاً لجسمه منذ أشهر، كان يتأمل طابور السيارات الواقف أمامه على الحاجز، سأل أحدها عن جهة قدومها. قالوا له جئنا من مخيم خان الشيح. باستغرابٍ ردّ عليهم: "العَمَىْ بقلبكِنْ... تلات آلاف قزيفةِ ضْرَبنا عليكِنْ.. لَكْ لسَّاتكِنْ عايشين؟!".

اقرأ المزيد
١٤ مارس ٢٠١٥
حماقة ثنائية القطب

لا جديد بالنسبة لي فيما يتعلق بتصريح مدير المخابرات الأميركية الذي قال إن أميركا لا تريد انهيار النظام السوري، فهذه النقطة من أكثر النقاط التي بذلت شخصياً جهداً من أجل تثبيتها لدى السادة "المعارضين" منذ الشهر الأول للثورة، وكتبت عنه في دراسة مطولة في أواسط 2011 وزعت على جميع "أقطاب" "المعارضة". لا يحتاج إدراك هذا الأمر إلى مقابلة سفراء ووزراء، ولا إلى وثائق، بل يحتاج إلى عقل سياسي فحسب يدرك طبيعة النظام السوري والوضعية الخاصة لسورية وأهداف السياسة الأميركية.

كان هناك حماقة أكيدة لدى "المعارضين" الذين توقعوا تدخلاً عسكرياً أميركياً لإسقاط النظام، وصرعوا الدنيا يطالبون به. كما كان هناك حماقة أخرى مقابلة لدى أولئك الذين صرعونا أيضاً بشعار "لا للتدخل الخارجي" (وهو شعار رفع تحديداً إزاء التدخل العسكري الأميركي ولا شيء سواه)، لأن من يرفع هذا الشعار يعتقد أيضاً، وضمناً، أن هذا التدخل وارد، أو ربما أرادوا أن يثبتوا للنظام "الوطني" كم هم وطنيون.

التدخل العسكري الأميركي لإسقاط النظام السوري وهم، والأحمق من يصطنع خلافاً حول هذا الوهم، سواء المنادي به أو الرافض له. للأسف هذا الخلاف الوهمي صرعنا به هؤلاء الحمقى من الطرفين، وبنوا تشكيلات سياسية هشة استناداً إليه، لا تزال تشكل عقبة حقيقية أمام أي عمل سياسي حقيقي وجدي.

العقلاء فحسب هم أولئك الذين طالبوا وصرخوا بأنه ينبغي علينا ألا نختلف إزاء شيء هو في عداد الوهم، وهؤلاء يعدون على أصابع اليد الواحدة.

اقرأ المزيد
١٤ مارس ٢٠١٥
من الذي نفذ «المؤامرة» على سوريا؟

بعد أربع سنوات على الثورة السورية، سأتفق بشكل كامل دون أي تردد مع النظام السوري ووسائل إعلامه وكل القوى المتحالفة معه بأن سوريا تعرضت لمؤامرة شيطانية كان هدفها تدمير سوريا، وتشريد شعبها والقضاء على دورها الاستراتيجي التاريخي في المنطقة. سأتفق أن المؤامرة استهدفت «قلب العروبة النابض» وخنق آخر رمق عروبي قومي في المنطقة العربية. لن أختلف معكم. أتفق معكم أن المطلوب هو الإجهاز على كل من يرفع شعاراً عروبياً يذكـّر العرب بهويتهم، ويريد أن يجمع شملهم تحت راية عربية واحدة. ماشي. سأتفق معكم أن المطلوب تدمير أي نظام عربي يحلم بأن يكون لديه قرار وطني مستقل حقيقي. ولن أختلف مع الرئيس السوري عندما قال قبل أيام في لقاء مع مسؤول كوري شمالي إن سوريا وكوريا الشمالية مستهدفتان من أمريكا لأنهما صاحبتا قرار وطني مستقل، وترفضان الهيمنة الامبريالية والصهيونية على العالم. ماشي يا سيادة الرئيس.
سأتفق مع حلف الممانعة والمقاومة، وسأبصم له بالعشرة أن رأس سوريا مطلوب لأنها العمود الرئيس في حلف الصمود والتصدي لقوى الهيمنة والاستكبار العالمي. ماشي. سأتفق معكم مئة في المئة أن المطلوب من المؤامرة على سوريا ضرب الجيش السوري في الصميم وتفكيكه كونه أحد الجيوش العربية القليلة الباقية شوكة في خاصرة العدو الصهيوني إسرائيل. سأتفق معكم أنهم قضوا على الجيش العراقي، وقد جاء دور القضاء على الجيش السوري الباسل. ماشي.
لن أناقشكم بأن سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي استطاع تأمين الأمن الغذائي والدوائي، فأمّن مخزوناً استراتيجياً من القمح لعشرات السنين، كما بنى مصانع أدوية عظيمة أمنت للسوريين الدواء، لا بل كانت تقوم بتصدير الفائض إلى الخارج. لن أختلف معكم في أن المطلوب كان القضاء على البنية الصناعية في سوريا، وخاصة في حلب التي كانت تحتض أهم المعامل في سوريا، وتنتج أعظم السلع والبضائع. لن أختلف أيضاً معكم بأن المؤامرة استهدفت الاقتصاد السوري الذي بدأ يتعافى بشكل رائع في العقد الأول من هذا القرن. إن قلتم إن سوريا تعرضت لمؤامرة، سأقول لكم، لا بل تعرضت لأبشع مؤامرة عرفها العرب خلال تاريخهم الحديث. ماذا تريدون أكثر من ذلك. نحن متفقون.
لكن دعوني الآن أسألكم: من الذي نفذ تلك المؤامرة الحقيرة على سوريا، ومن الذي وفر لها كل أسباب النجاح؟ من الذي قضى على دور سوريا في المنطقة، وحوّلها من لاعب إلى ملعب، أو حتى إلى ملعوب به؟ من الذي حوّل سوريا من فاعل إلى مفعول به؟ أليس الذي ورطها في صراع داخلي، وفتح كل الأبواب للقاصي والداني كي يدخل ويعبث بأمن سوريا، ويجعلها ساحة لتصفية حسابات دولية وإقليمية وعربية؟ البادئ دائماً أظلم. ومن بدأ اللعبة الخطيرة؟ إنه النظام الذي يشتكي الآن من المؤامرة.
من الذي جعل سوريا تابعاً ذليلاً الآن لقوى إقليمية كأيران؟ من الذي جعل الجنرال الإيراني قاسم سليماني يظهر في الإعلام على أنه القائد الحقيقي لسوريا عسكرياً وسياسياً؟ من الذي جعل أصغر مسؤول إيراني يصرح بأن دمشق هي مربط خيلهم؟ من الذي جعل الإيرانيين يتشدقون ليل نهار بأنه لولاهم لما صمد بشار الأسد ساعة واحدة؟ هل كنتم ستسمحون لإيران بأن تتصرف بهذه الطريقة لو كان لديكم فعلاً قرار وطني مستقل يا سيادة الرئيس؟ ألا تشعرون بالخجل والدونية عندما تسمعون هيثم مناع «المعارض الوطني الشريف» وهو يتهم النظام بأنه ليس سيـّد قراره، وبأن أهل الحل والعقد، المسؤولين عن سوريا، موجودون في طهران وليس في دمشق؟ كيف تردون على المبعوث الدولي إلى سوريا الأخضر الابراهيمي عندما يكرر كلام هيثم مناع بحذافيره؟ ستقولون الآن إن المؤمرة هي التي جعلت النظام يسلم مقاليد الأمور لإيران. وطبعاً هذا كلام فارغ، فلو أنكم تصرفتم بحكمة في بداية الثورة، ولم تضحك عليكم إيران وروسيا وتدفعا بكم لمواجهة الشعب بالحديد والنار لما أصبحتم الآن مجرد ألعوبة في أيدي الملالي. لماذا لم تقولوا لإيران التي قالت لكم إنها قادرة على القضاء على الثورة السورية كما قضت على الثورة الخضراء، لماذا لم تقولوا لها إننا لا نريد أن نفتح أبواب جهنم على سوريا؟ لماذا قبلتم معها بسحق الثورة بدل النزول عند مطالب الناس؟ هل كنتم ستجدون أنفسكم الآن لعبة في أيدي إيران لو أنكم لم تتركوا الأمور تنفلت من أيديكم بسبب حساباتكم الحمقاء؟ هل كنتم ستفقدون السيطرة على قراركم الوطني المستقل؟
رأس العروبة مطلوب في دمشق. صحيح. لكن من الذي جعل السوريين يكفرون بعروبتهم؟ أليس الذي لم يترك سلاحاً إلا واستخدمه ضدهم لمجرد أنهم طالبوا بقليل من أوكسجين الحرية؟ كيف تريدون من السوريين أن يفتخروا بهويتهم إذا سلطتم عليهم أبشع أنواع الوحوش العسكرية والأمنية؟ إن السياسة التي اتبعتموها مع السوريين بعد أن ثاروا شبيهة تماماً بما تفعلونه مع الجنود السوريين عندما يلتحقون بالجيش لأول مرة. لطالما شاهدنا الضباط يدوسون كرامة الجنود، ثم يطالبونهم بأن يعتزوا بأنفسهم. نكتة. هل كان العالم ليعزلكم ويحاصركم ويطردكم من المنظمات العربية والدولية، ويحرم السوريين من أبسط المواد لو أنكم لم تجرموا بحق السوريين؟ هل كان الشعب السوري سيجد نفسه في بطون الحيتان والأسماك في عرض البحار لو أنكم لم تفضلوا الحل العسكري الأمني الإجرامي على الحل المدني منذ الأيام الأولى للثورة؟
لن نختلف معكم بأن سوريا كانت حاضنة لكل حركات المقاومة في المنطقة. ماشي. لكن من الذي دمر هذه الحاضنة الآن سوى طيشكم وعنجهيتكم؟
هل كنتم لتستعينوا بكل الميليشيات المرتزقة لو أن جيشكم مازال قادراً على مواجهة المؤامرة؟ من الذي أوصل الجيش السوري إلى هذا الحال البائس؟ المؤامرة أم سياستكم الرعناء؟ ترمون بجيشكم في قلب جهنم ثم تشتكون من المؤامرة. نعم فإن أعداء سوريا يريدون القضاء على الجيش السوري، لكن بربكم من يقود الجيش؟ ليس بإمكانكم أن تتهموا أمريكا وإسرائيل مباشرة هنا، فأمريكا لم تطلق ولا حتى وردة على جيشكم، لا بل هبت بطائراتها لنجدتكم في شرق وشمال سوريا عندما بدأت تهددكم داعش فعلياً. إذاً: لا تقولوا لنا إن أمريكا دمرت جيشكم كما فعلت في العراق.
لنتحدث أخيراً عن الدمار الهائل الذي جعل سوريا تبدو كمدن الحرب العالمية الثانية وربما أبشع. لقد تحولت المصانع والصوامع إلى حطام. لكن كل ذلك بفضل همجيتكم. لم تتركوا مصنعاً ولا مدرسة ولا جامعاً ولا صومعة إلا وأحرقتموها بحجة دخول الإرهابيين إليها. ثم تشتكون من تدمير سوريا ونهضتها واقتصادها. لن أختلف معكم أن العصابات المسلحة ساهمت في التدمير والتهجير. لكن هذا الدمار الهائل يحتاج إلى طائرات، وصواريخ عابرة للمدن، وجحافل دبابات، ومدرعات، ومدفعية ثقيلة جداً، وراجمات صواريخ، وسلاح كيماوي. وكل ذلك ليس متوفراً لدى الجماعات الإرهابية. ولو توفر بعضه، فبالتأكيد لن يكون قادراً على إحداث كل هذا الدمار الرهيب. ربما دمرت الجماعات الإرهابية عشرين في المئة، لكنكم أنتم دمرتم ثمانين في المئة من سوريا بهمجيتكم وسياسة الأرض المحروقة، لأن جيشكم هو الوحيد الذي يملك القوة التدميرية العسكرية الحقيقية. إذاً من المتآمر على تدمير سوريا؟ بالتأكيد أنتم وجيشكم. أو كي لا تزعلوا: من الذي نفذ المؤامرة الحقيرة؟ أنتم بالتأكيد يا من تشتكون ليل نهار من المؤامرة الكونية.
وأخيراً، حتى لو نجحت العصابات المسلحة فعلاً في تهجير خمسة عشر مليون سوري وتدمير ثلاثة أرباع سوريا، فهذه وصمة عار في جبينكم وجبين جيشكم يا سيادة الرئيس، لأنها تعني شيئاً واحداً: أن النظام الذي يحكم سوريا نظام بائس تعيس فاشل لم ينجح في حماية سوريا وشعبها من هؤلاء الإرهابيين. وبالتالي هو المسؤول عن نجاح المؤامرة.
تشتكون من المؤامرة، وأنتم من نفذها بحذافيرها.

اقرأ المزيد
١٤ مارس ٢٠١٥
من يقرر .. استمرار الثورة ..؟

ها نحن ندق خامس أعمدة الثورة التي انطلقت قبل أربع أعوام أو سنين ، كانت جميلة بأصواتها .. بزغاريدها .. بخروجهم من سجن فاق المؤبد بشوط كبير، مريرة بمآسيها .. آلامها .. أوجاعها .. فقدها و خسائرها ، معاداة عالم بأكمله ... فهي وُلدت يتيمة ..

أربع سنوات من العذاب بكل أصنافه و أشكاله .. أربع سنوات من الآلام بكل أنواعه و مستوياته .. أربع سنوات من التشتت بكل موبقاته و عيوبه .. أربع سنوات من الموت بكل درجاته و تدرجاته ..

أربعة أعوام من العمل بكل ما نملك و ما يتجاوز حدود الملكية .. أربعة أعوام من الحرب المشرفة بكل مكان و زمان .. أربعة أعوام من المواجهة المتواصلة والمتتابعة والمتتالية ...

كثير ما نتسأل حول نستمر بالثورة .. و لماذا نتابع في طريق فيه هذا الكم الهائل من الأشواك و العقبات .. الخلافات و التضاربات .. طريقٌ فيه من تشابكات المصالح و تصارعها ما يكفي لان يكون سبب لحرب عالمية ثالثة و رابعة و خامسة ...

لماذا نستمر ؟؟

لا يمكن ان نجيب على هذا السؤال من وجهة نظر كلامية أو فلسفية .. بل يجب أن يصدر هذا الأمر ممن له حق الاكمال او عدمه ، وهم أصحاب الدم .. أصحاب الألم .. أصحاب الفقد .. أصحاب الحق .. وأصحاب الدية ...

نعم هم من لهم الحق الوحيد في القرار والإقرار والتنفيذ ... فهم على الأرض و هم المالكون الوحيدون .. و هم المنفردون في أي سبيل يسيرون عليه .. و كل ما عداهم هم عبارة عن أغنام لا يصدر عنها إلا أصوات أو رنين الأجراس في الرقاب ، لا تأثير لها إلا كضوضاء في الآذان.

ثورة تستحق أن تستمر .. لدموع الأطفال .. لكسر الأمهات .. و قهر الرجال .. لوجع الكبار .. ثورة تستحق أن تستمر لتكمل مشوار بدأه شرفاء ، أنقياء ، أطهار .. أعلنوا البداية و قدموا العربون .. وأرواحهم هي من تحاسبنا وتوجهنا ...

أربع سنوات من الحرب المستمرة منذ أول كلمة "حرية" .. و حتى لنقضي على "الرافضية" .. مصطلحات وتدرجات دخلناها مرغمين صاغرين ... فهم من دفعنا ...

ثورة تستحق أن تستمر بنفس أقوى .. و عزيمة أكبر .. فالقضية لم تعد قضية نظام و بشار الأسد و ما إلى ذلك من الألعاب .. فالقضية باتت قضية أمة .. تعاني من مخاض الولادة من الجديد .. الولادة من رحم الموت الذي يحاصرها .. الذي يحاول إنهائها ..

ثورة على مدى أربع سنوات بقيت صامدة في وجه هذا الكم الذي لا يحصى من الأعداء و المصاعب ..

ثورة على مدى أربعة أعوام ، تقدمت و كسرك كل شيء .. نجحت و تجاوزت آلاف المطبات ..

ثورة على مدى أربع أعوام أو أربع سنوات .. استمرت بهذا الزخم .. فهي ثورة تستحق أن تستمر .. ثورة تستحق أن تنتصر ...

اقرأ المزيد
١٣ مارس ٢٠١٥
لماذا آشوريو سوريا

شنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» هجمات غير متوقعة على منطقة تقع في أقصى شمال شرق سوريا وتضم قرى صغيرة جدا سكانها من الآشوريين (السريان) ممتدة على شريط يحاذي مناطق يسيطر عليها أكراد سوريون، وكانت غالبية هذه القرى خالية من سكانها منذ أشهر وليس فيها سوى عدة مقاتلين لحماية أملاك السكان، واختطف التنظيم نحو 250 آشوريا هم بقايا السكان في هذه القرى، وتسبب الخوف في نزوح عدة آلاف منهم من قرى أخرى مجاورة.

أدانت المعارضة السورية ما قام به التنظيم الإرهابي واعتبرته عملا لا يمثل الثورة ولا يمثل الإسلام ومرفوض بكل المقاييس، وتعهّدت قوى الثورة بالدفاع عن الأقليات التي تتعرض للإضطهاد، وكرروا اتهامهم للنظام وإيران بأنهم هم من صنعوا تنظيم الدولة، ووجهت الأحزاب والمنظمات الآشورية نداء استغاثة إلى المجتمع الدولي للتحرك لمنع وقوع مجزرة بحقهم وتوفير الحماية لهم، وكذلك أدان المجتمع الدولي هذا العمل واعتبره محاولة لإفراغ المنطقة من مسيحييها.

الآشوريون الذين اشتهروا في التاريخ القديم بصيد الأسود، وعُرِفوا بالقوة والبأس، وبتطوير وسائل الدفاع والحصار وأدوات القتال، اصطادتهم الوحوش هذه المرة، وليس غريبا أن يتضامن معهم الشعب السوري، مسلمين وغير مسلميـن، فهم السكان الأصليون للمنطقة، علّموا العالم الأبجدية، وساهموا في تأسيس علم الفلك وبرزوا في فنّ النحت، وُجِدوا قبل المسيح بسبعة آلاف سنة، وإلههم (آشور) غير منظور، نافسوا بابل ومصر على زعامة العالم القديم، وانتصروا على هذه الممالك، وهم من أوائل الشعوب التي اعتنقت الديانة المسيحية، وساهموا في نموّ هذه الديانة لاهوتيا، ثم هزمهم البابليون، فأسسوا حكما آخر أصغر بكثير، وحماهم الـرومان، ثم غزاهم الفُرس الذين قضوا على ما تبقى من دولتهم.

لكن بالأساس، وبعيدا عن سرديات التاريخ والشراكات الوطنية، يُطرح سؤال ملحّ: لماذا هاجم تنظيم الدولة الإسلامية هذه القرى الآن، رغم أنها منذ نحو سنة كانت تقع تحت مرمى نيرانه وعلى بعد خطوات من مقراته ومعسكراته، ومع ذلك لم يهاجمها مطلقا؟ ربما تساعد معرفة الأسباب في فهم الحالة السورية وما يمكن أن يحمله المستقبل.

أجمع المحللون، ومعهم المعارضة السياسية السورية، والآشوريون أنفسهم، على وجود ثلاثة أسباب لا رابع لها، دفعت التنظيم المتشدد، المنفلت عن عقاله، إلى مهاجمة من يدعوهم السوريون “ملح الأرض”، ولا بد من التنويه بأنه يصعب، على الصعيد الشخصي، تبنّي أي من هذه الأسباب.

أولى هذه الأسباب تبنّاها آشوريون، وخلاصتها انتقام الدولة الإسلامية من المواطنين الآشوريين الذين دافعوا عن أرضهم في وجه التنظيم إلى جانب المقاتلين الأكراد في حرب عين العرب (كوباني) وما حولها، فانتقموا منهم بسبب مساعدتهم لوحدات الحماية الشعبية الكردية والبيشمركة، حيث رأى التنظيم أن هذه القرى هي نقطة ضعف يمكن من خلالها المرور إلى الحسكة، وهي منطقة فيها خليط مسيحي كردي عربي، وأخذوا رهائن لضمان عدم قصف التحالف الدولي لهم.

    لماذا هاجم تنظيم الدولة الإسلامية هذه القرى الآن، رغم أنها منذ نحو سنة كانت تقع تحت مرمى نيرانه وعلى بعد خطوات من مقراته ومعسكراته

السبب الثاني تبنّاه سياسيون غربيون، خلاصته أن التنظيم المتطرف قرر فتح جبهة جديدة ضد المسيحيين للتأكيد على أن حربه موجهة ضد الغرب، ولتشتيت التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، لكنّ هذا السبب قد ينطبق على تنظيم الدولة الذي لا يتوانى عن فعل أي شيء لتحقيق إستراتيجيته، وينطبق بنفس الوقت على النظام السوري الذي لعب بورقة الأقليات في أكثر من مرحلة، فجيش النظام لم يكن يبعد أكثر من 20 كيلومترا عن القرى التي اجتاحها تنظيم الدولة الإسلامية، وهو يمتلك طيرانا ومدافع وقوات برية، لكنّه لم يتدخل بالمطلق ولم يقصف التنظيم أثناء تقدّمه، وربّما سهّل عليه التقدّم بوقوفه موقف المتفرج، فمن مصلحته أيضا تخويف الغرب من “إرهاب” الثورة وتشتيت التحالف.

السبب الثالث تبنّاه معارضون سوريون، وهو يتعلق بموقف الأكراد، فقد سارع الأكراد إلى الهجوم على تنظيم الدولة في هذه القرى، وهي أول مرة تهتم فيها القوات الكردية بمقاتلة التنظيم في أي مكان بسوريا لا يسكنه أكراد، واتهمتها المعارضة السورية، علنا ورسميا، بأنهم وبعد أن استعادوا بعض القرى الآشورية قاموا بحرق الكثير من البيوت وهجّروا سكان قرى أخرى مجاورة يقطنها مسلمون وحرقوها.

تبنّى بعض السوريين فرضية وجود مصلحة للأكراد في تهجير مسيحيي المنطقة لأن قراهم تدخل ضمن خارطة يوزعها الأكراد لدولتهم التي ينشدونها تحت اسم “غرب كردستان”، ويريدون إخلاء المنطقة برمتها من أي تجمع قومي ليسهل عليهم لاحقا ضم المنطقة إلى إقليمهم، خاصة أن الآشوريين يعتبرون ثالث أكبر قومية في سوريا بعد العرب والأكراد.

ويذهب البعض الأكثر تحفظا ضد الأكراد، ليُذكّر بأن ما حصل مع آشوريي سوريا كان قد حصل سابقا مع آشوريي العراق حين سيطر الأكراد على الشمال خلال الحرب العراقية، وطردوا الآشوريين والسريان من قراهم واستوطنوها ليوسّعوا رقعة إقليمهم.

ثلاثة أسباب بعضها متناقض، وبعضها يمتلك البنية الأساسية ليكون سببا مشتركا لمنفعة ثنائية لهذا الطرف أو ذاك.

وتحظى هذه الأسباب بمن ينفيها وبمن يدافع عنها ويتبناها، ومن يشتم من يطرحها، لكنها في واقع الأمر أسباب لا بد من الوقوف عندها، والأيام المقبلة ستدل على المستفيد الأكبر.

في كل الحالات، ما يتعرض له الآشوريون هو جزء مما يتعرض له السوريون من مؤامرات، ورغم كثرتها على هذا الشعب المسكين، إلا أنها لم تغيّر البوصلة، فالهدف الأول للثوار (بما تحمله الكلمة من معنى نبيل) ما زال القضاء على الديكتاتورية والظلم والطائفية والتمييز.

لم تبق في سوريا قومية أو طائفة إلا وتضررت من الحرب التي يُصر النظام السوري على أنها “حرب ضد مؤامرة كونية”، ولم تبق أقلية أو أكثرية إلا وتشردت وهرب خيرة من فيها، وما لم يتم وضع حد حاسم لهذه الحرب، فإن القادم سيكون أسوأ، ليس بالنسبة إلى الأقليات فقط، وإنما بالنسبة إلى كل السوريين.

اقرأ المزيد
١٣ مارس ٢٠١٥
المرصد وخطأه القاتل بحق "المعتقلين"

جريمة بحجم الإبادة السورية لا يمكن لجهة مهما كانت ادعائها ، بأنها مطلعة على كافة الأمور الميدانية و تمتلك ناشطين و خبراء و ما إلى ذلك ، لا يمكن لها أن تحصر حجم الخسائر في رقم معين و تطرحه للتداول العالمي ، فالخطأ هنا ليس خطأ مقبول أو جائز الحصول ، إنما الخطأ هنا هو الخطأ القاتل والذي ينهي مسيرة عملية طويلة ، سيما إن شاب هذه المسيرة آلاف إشارات الاستفهام و التعجب.

ولعل اعلان المرصد السوري لحقوق الإنسان عن تمكنه من "توثيق استشهاد 12751 معتقلاً، داخل معتقلات وسجون وأقبية أفرع مخابرات نظام الأسد ، منذ انطلاق الثورة في 18/3/2011 و حتى اليوم " ، هو الخطأ القاتل الذي ارتكبه المرصد ، و للأسف ليس بحقه كوسيلة إعلامية حقوقية ، إنما بحق شعب بأكمله ، و قدم خدمة كبيرة لجميع من هاجم الشعب السوري ليقول أن كل ما تتحدثون عنه و عن عشرات آلاف الشهداء تحت التعذيب أو مئات آلاف المفقودين ، ما هو إلا غثاء لا يمت للصحة إطلاقاً .

لستُ هنا أقف موقف المهاجم على المرصد السوري لحقوق الإنسان ، و جميع العاملين فيه ، و لا أبخث حق أي منهم ، لكن أن تختصر الرقم بـ 12751 ، في حين أن صور ما بات يعرف بـ "القيصر" وحدها وثقة 11 ألف شهيد تحت التعذيب داخل رقعة جغرافية واحدة أو جزء من سوريا ، فكيف بعد أكثر من عام يخرج المرصد بهذا الرقم .

و لا يبرر للمرصد الإشارة إلى أن هذه الإحصائية "لا تشمل مصير أكثر من 20 ألف مفقود داخل معتقلات قوات النظام وأجهزته الأمنية، وآلاف آخرون فُقِدوا خلال اقتحام قوات النظام والمسلحين الموالين لها لعدة مناطق سورية، وارتكابها مجازر فيها، الذين يخشى المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن يلقوا مصيراً كمصير آلاف المعتقلين، ممن تمكن من توثيق استشهادهم في معتقلات النظام السوري" ، فهو حديث كذر الرماد في العيون.

مهما اختلفنا في المجريات على الأرض و كيفية النظرة إل الأمور و تطوراتها و تحولاتها، لكن لا يمكن أن يصل الأمر إلى التلاعب بمشاعر أكثر من تعرض للظلم ، و القهر و التغييب و الحرمان و الألم .. ألا وهم المعتقلين.

شخصياً أتمنى تلافي هذا الخطأ و سيما في هذا التوقيت مع اقتراب اشعال الشمعة الخامسة لإنطلاق ثورة العز و الكبرياء .. ثورة التضحية .. الثورة التي ستغير ليس مكان بعينه ، إنما ستقلب موازين كثيرة .

اقرأ المزيد
١٣ مارس ٢٠١٥
صور "قيصر" .. ستلاحق الجميع

أعادت تسريبات "القيصر" إلهاب جرح لم ولن يندمل أو يعرف العلاج أو الشفاء مهما تعددت الحلول و تنوعت و شملت على كل شيء كان سبب في هذا الشقاء...

جرح غائر لن يلتئم لو رحل بشار الأسد و كل مجموعته المجرمة .. لو زالت ايران و اختفت .. لو انتهى العالم المتخاذل من شرق لغربه .. من شماله لجنوبه ..

صور "القيصر" هي عبارة عن إعادة تحريك السكين المغروسة داخل أرواح جميع السوريين ، إعادة نقل السم ليقضي على ما تبقى من اجسادنا الهزيلة و أرواحنا الميتة ...

55 الف صورة لـ 11 انسان هم جزء بسيط من عشرات بل مئات الآلاف الذين غابوا عنا قصراً في أشد الأماكن حلكة و ظلمة و قهر... اشد الأماكن كره و حقد و موت .. مرت عليهم أشد الأيام طولاً وأكثر الساعات مشقة وأصغر الثواني كدهور...

تجرعوا من الألم ما يكفي لأن توّلد أحقاد و نيران داخلهم و داخل عوائلهم و كل شعبهم لن تنطفئ بأن وسيلة مهما كانت أو أي عدالة بشرية مهما ارتقت ..

لا يمكننا مجرد التخيل ما معنى أن يموت الإنسان تحت التعذيب .. و لا يمكن وصف حجم الألم الناتج و المستمر و المتواصل .. و لا يمكننا تحديد مدى بطئ و عنف و شدة ساعات الوجع التي أدت إلى الارتقاء في نهاية المطاف كطير يحلق في سماء الشهادة ..

صور شهدائنا المعتقلين ، الذين تم قتلهم بكامل الإصرار و ترصد ، لن ُتنسى لو تغاضى عنها العالم بأسره .. لو نامت البشرية جمعاء .. صور لن ينساها أي سوري وُجد حاليا أو سيوجد في المستقبل ... صور ستلاحق مرتكبيها .. كما ستلاحق كل من خذلهم .. و ستلاحقنا أيضاً إن صمتنا أو رضينا بحل غير اقتلاع كل من شارك لو بحرف أو اكتفى بالصمت ..

لن يكون أي تسوية أو كلام أو تفكير مالم يكن الذين مازالوا داخل غياهب الموت على رأس القائمة .. مالم يكن حساب من ارتكب هذا الفعل الذي يتجاوز حد الجريمة بأشواط على رأس القائمة .. مالم يكن الموت أو الأشد من الموت عقوبة من اقترف هذا الأمر الذي يخرج عن الوصف ...

لن يكون علاج مئات آلاف القلوب التي ذبلت و ماتت حنقاً ، غضباً ، ألماً ، كمداً ، على فلذات الأكباد و أبناء الروح ، و رفقاء الدرب ، و نجوم المستقبل ، و نور الحاضر ، لن يكون العلاج بمسكنات أو بأفكار تدريجية ... فالأمر ليس قضية شخصية .. فالأمر قضية أمة .. أمة أُريد لها الفناء بكل الأشكال والممارسات التي عُرفت أو التي لم تُعرف بعد.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان