سأسلم جدلاً بأن إيجاد تنظيم الدولة "داعش" هو لوضع الشعب و العالم أجمع أمام خيارين لا ثالث لهما ، (إما داعش أو الأسد ) و إما ( الإرهاب السني المشتت أو الإرهاب الشيعي المنضبط) و أما ( وأد الجميع أو مجرد القضاء على السنّة) و إما .. و إما .. و إما ...
و مع هذا التسليم الحالي بدأت الأمور تتجه و تأخذ منحى كما أريد له ، فتحولنا بسرعة رهيبة للتدقيق في أصغر التفاصيل ( رجم هنا ، و ذبحٌ هناك ، حرقٌ و رميٌ و جلدٌ و ... و ...) و لم يُعد لأي شيء غير هذا موجود على الأرض اللهم إن ظهرت هنا أو هناك استخدام زائد للقوة بصواريخ غريبة أو مجرد وجود الكلور داخل قنابل ، تقض المضجع قليلاً و سرعان ما تعود الأنظار بسرعة البرق إلى "داعش" فهي الإرهاب بعينه .
نعم هذا الإرهاب الذي يبدو أنه يأتي باُكله مع الحملة الإعلامية المنتظمة و التصرفات الغريبة و الغير مدروسة و الالتفات إلى جوانب لا تتفق أبداً مع أي سياسة بشرية فكيف بسياسية شرعية لدين أراد الله منه أن يكون رحمة للعالمين على مر الزمان و العصور و تبدل الأشخاص و الأماكن.
داعش لديها 20 ألف مقاتل من مختلف أصقاع الأرض ، أرقام دقيقة و محددة و أسماء و تحليلات و تفاصيل تتضمن ما ممكن أن يفكر به الانسان خلال العشر سنوات القادمة .. وهل سيكون متطرفاً أم سيبقى وديعاً.
في المقابل يستخدم الأسد و إن صح التعبير يتم استخدام الأسد و نظامه كمطية لتوافد عشرات الآلاف من المقاتلين من كل أصقاع الأرض بشكل منظم و دراماتيكي و يحظى بمظلة متينة تبع أي ولوج لشعاع نور قد يزعجه أو يربك استجمامه في القتل .
و بالعودة إلى التسليم الجدلي في البداية "داعش أو الأسد" .. فإن كان هو المطلوب و الخيار قد تم حسمه و قد تم توجيه و ترجيح كفة الثاني "الأسد" .. لم لا نقول أن اخترنا الأول "داعش" لا الدولة الإسلامية .. و نقوم بمبايعة الخليفة البغدادي كـ ولي أمر المسلمين و ولي أمرنا ضمن القائمة .. و لم لا نصدح بذلك .. فهل سيتم مناصرتنا أو كف يد نظام الأسد و إنهائه بنفس الوسيلة التي يتم التعامل فيها مع داعش ...
و لو اخترنا لأسد "كفرض طبعاً" هل سنتقي شره و تنتهي القصة .. أم سنكون قد وقعنا على صك موتنا و نحن بكامل قوانا العقلية..
لا شك أن الهلوسات التي تم اقتيادنا إليها هي وقتة أو لحظية تمر لنعود لرشدنا و نقول لا لهذا او لذلك .. ففي كل الأحوال الموت متوافرو بكثرة و كثافة .. و لكن هناك فرق بين الموت بعزة و كرامة .. و الموت لأجل لا شيء سوى الراحة الوقتية ..
و أذكر حديث سمعته قبل أيام .. مفاده:
هل أعجبكم ما فعلتموه في سوريا و أين نتائجكم ..!؟ "تباً لكم " ..
فكان الرد :
"أتقبل (تباً لنا) منك الآن و لكن لن أقبلها من أولادي و أحفادي في المستقبل بأن تباً لكم لماذا سكتم ".
الأمر لا يحتاج إلى رد سياسي أو كلام تنديد من هنا و هناك، بأن الأسد لم و لن يكون طرفاً في أي حل للأوضاع في سوريا ، فإجرامه المتتالي يكفي كرد فعل على ، قذارة السياسية الأمريكية التي تتحمل كامل المسؤولية عن ما جرى و يجري في سوريا.
48 ساعة فقط تفصل بين تصريح كيري حول ضرورة التفاوض مع الأسد و استخدام غاز الكلور على أهلنا في سرمين ، عشرة أيام تفصل بين قرار مجلس الأمن حول منع استخدام غاز الكلور و الضرب بقوة البند السابع ، و بين خنق سرمين بغاز الكلور.
الأسد بات يمتحن و يتحدى العالم بأسره و يضعه أمام خيار إمام أنا أو أحرقكم جميعاً .. أحرق إنسانيتكم .. أخنق البشرية ، مردداً " أنا القاتل المتفلت من أي عقاب مهما حدث" .
من السذاجة أن نطالب برد فعل دولي ، و لكن من وقاحة العالم أجمع أن يطالب أو يصمت أو يكتفي بمجرد الكلام عن قتلتنا بكل الوسائل ، و الخنق ليس الوسيلة الوحيدة ولا الأخيرة.
من الوقاحة أن نكون سلعة سياسية بأيدي سياسة المصالح و قذارة المفاوضات ، ورجس المبادلات الدنيئة .
مشهد سرمين ، سيمر كما مر مشهد الغوطة قبل عام و نيف ، كما تمر المشاهد اليومية من القتل ببرميل أو بقذائف أو بصواريخ لا إحصاء لأنواعها.
و على ما أظن أن الثوار سيكونون في قفص الاتهام هذه المرة ، و الدليل حاضر ، استخدموا الكلور مرة ثانية ، كوسيلة ضغط على النظام الوديع ..!؟
نعم فالثوار يملكون ما هب و دب من الأسلحة و أهمها الجوية ، و لديهم سوابق في تصنيع وسائل القتل و براء اختراع في انتاج الأعنف و الأكثر قتلاً.
نعم إنهم الثوار و البند السابع سيضربهم بشدة غير متناهية ، فالأسد لا يعاقب فهو " ضروري للتفاوض" وهو ضروري " لمكافحة الإرهاب " و هو ضروري " لمباحثات النووي الإيراني" و هو ضروري "لتدمير ما تبقى من سوريا" و هو ضروري " لأمن إسرائيل " و هو ضروري للحفاظ على " كراسي الحكام العرب" ، فهو ضروري " لحماية الأقليات و إبادة الأكثرية" و هو ضروري "لإستمرار داعش" و ركن أساسي في تأمين الساحة لصراع المصالح العالمية.
و يبقى في عالم المصالح الذي يحكم السياسة الإنسان آخر الأولويات .. و سيما إن كان من أكثرية عددية لا فاعلية لها إلا بنباح هنا أو هناك ، و قد يمتد الأمر لبعض اللف و الدوران كتكتيك بحسب ما يُأتمرون به.
يدخل النزاع السوري عامه الخامس، فيما تستمر أعمال العنف الوحشية التي لا تميز بين مدنيين ومقاتلين وتعرض آلاف الأطباء والممرضين والصيادلة والمسعفين إلى أعمال قتل وخطف وتهجير قسريّ، تاركين خلفهم فجوةً كبيرةً، إذ لم يبق مثلاً سوى أقل من مئة طبيب في حلب (شمال) بعدما كان عددهم ٢٥٠٠ عند بدء النزاع.
تملأ صرخات الشعب السوري صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها على ما يبدو أضحت دمدمةً لا تُسمع خلف أصوات الحرب. ونظراً لحاجة الملايين من السوريين إلى المساعدات، كان ينبغي على منظمتنا إدارة أحد أكبر البرامج الطبية في تاريخها الذي يمتد 44 عاماً. لماذا لم تقم بذلك؟
حين بدأ النزاع، شرعت المنظمة بتوفير الإمدادات الطبية للشبكات الطبية السورية التي تعنى بعلاج الجرحى. لم نستطع الحصول على موافقة الحكومة، لكننا تمكنا بفضل المفاوضات المباشرة مع الجماعات المعارضة من الاتفاق معها وبدأنا بتوفير المساعدات المباشرة عبر الحدود للســكان القاطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها في الشمال.
وبحلول 2013، كنا ندير ستة مستشفيات تخدم سكان مناطق سيطرة المعارضة وقدمنا آلاف الاستشارات والولادات والعمليات الجراحية. وسمحت لنا مفاوضاتنا مع الجماعات المعارضة على رغم مصاعبها بإرسال فرق طبية دولية للعمل إلى جانب زملائهم السوريين. وكان علينا أن نعيد التفاوض مع القيادات المحلية المختلفة لنضمن احترام وجودنا وسلامة فرقنا وعدم التدخل في أنشطتنا الطبية. فكانت الجماعات تتغير مراراً وكنا نتفاوض مع قيادات من «جيش المجاهدين» و «الجبهة الإسلامية» و «جبهة النصرة» والعديد من فصائل «الجيش الحر»، إضافةً إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) وغيرها.
لكننا لم نتمكن أبداً من توفير المساعدات المباشرة إلى معظم السكان العالقين في قلب النزاع. وشكل العنف وغياب الأمن والهجمات التي طاولت المرافق الصحية والعاملين الطبيين وعدم الحصول على موافقات حكومية، بعضاً من العوائق الرئيسية أمامنا، لكن على رغم القيود المفروضة، قمنا بعمل أكبر بكثير مما يمكننا القيام به اليوم.
في منتصف 2013 عندما وصل مقاتلو «الدولة الإسلامية» إلى المنطقة التي كانت تدير فيها منظمتنا معظم المستشفيات، تم التوصل إلى اتفاقيات مع قياداتها تنص على عدم التدخل في الإدارة الطبية واحترام مرافق وأطقم المنظمة. لكن في 2 كانون الثاني (يناير) 2014، قام تنظيم «الدولة» باختطاف 13 من أفراد طاقمنا. أُطلق سراح الزملاء السوريين الثمانية بعد بضع ساعات، وبقي أفراد الطاقم الدولي الخمسة في الأسر قرابة خمسة أشهر. أدى هذا الاختطاف إلى سحب فرقنا الدولية وإغلاق مرافقنا الصحية في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
طلب القادة المحليون في تنظيم «الدولة» مراراً استئناف المساعدات الطبية في مناطقهم. لكن لا يسعنا التفكير في ذلك بعد أن استهدفوا فرقنا ونكثوا بالاتفاقية. لم نحصل بعد على الضمانات المطلوبة من القيادة بعدم خطف وإيذاء مرضى المنظمة والعاملين معها. ولا تزال منظمة «أطباء بلا حدود» تدير ثلاثة مستشفيات عبر طاقم سوريّ يعمل مع المنظمة، أحدها في أطمة (شمال سورية وقرب حدود تركيا) واثنان في حلب، إضافةً إلى ثلاثة مرافق صحية أخرى في الشمال السوري، إلا أن المساعدات محدودة. وقتلت الغارات الجوية في حلب وأصابت الآلاف كما دمرت المنازل والبنى التحتية. وفي غرب حلب، أضحى الوصول إلى الرعاية الصحية شبه مستحيل نظراً إلى شح الإمدادات وغياب الطاقم الطبي المؤهل. وشهدت فرق المنظمة تزايد المضاعفات الطبية، كالإجهاض والولادات المبكرة. وتؤدي صعوبة توفير رعاية ما بعد الجراحة ونقص المضادات الحيوية إلى الالتهابات وزيادة معدل الوفيات.
أُجبرنا على تقليص أنشطتنا لكننا تابعنا دعم الشبكات الطبية السورية في سعيها الحثيث لعلاج المرضى. ويعد التبرع بالأدوية والمواد الطبية أساسياً بالنسبة إلى الطواقم العاملة في المناطق المحاصرة. يجري إيصال الإمدادات الطبية عبر طرقات خطرة تمرّ على العديد من نقاط التفتيش وترتفع فيها مخاطر تعرض المواد للمصادرة والأشخاص للاعتقال والموت. ولا يلبي الدعم بشكله هذا الحاجات، فالعديد من المنشآت لا تزال تفتقر إلى المعدات والعاملين، ولا يسعنا توفير المساعدات المباشرة لسدّ هذه الاحتياجات.
ثمة حاجة ماسة في سورية إلى بذل جهود إنسانية دولية على مستوى واسع، إلا أن ذلك لن ينجح إلا إن دخلت أطراف النزاع كافة في حوار مع المنظمات الإنسانية لتحديد خطوات عملية للسماح لها بالعمل بصورة فاعلة وآمنة. ويتوجب على أطراف النزاع المسلحة كافة السماح بوصول المساعدات الإنسانية للمدنيين وذلك في إطار التزاماتهم تجاه القانون الدولي.
يعيش الشعب السوري معاناة لا يمكن تصورها منذ أربعة أعوام، ولن يؤدي استمرار إعاقة المساعدات الطبية إلا إلى مفاقمة هذه المأساة وحرمان المدنيين من أبسط المساعدات، ولا يمكن العالم الاستمرار في غضّ الطرف عما يجري. يمكننا بل ويجب علينا أن نفعل المزيد من أجلهم.
منذ البداية تم توصيف الثورة السورية بالثورة المستحيلة واليتيمة والمدهشة، وأنها الأكثر تعقيدا وكلفة، بين مجمل ثورات “الربيع العربي”، فوق ذلك عرفت بأنها بمثابة ثورة مفتاحية، أي أنها وحدها يمكن أن تفتح مسار التغيير السياسي والديمقراطي في المشرق العربي، ما يفسّر، تالياً، حجم التدخلات الخارجية المتباينة فيها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أربعة أعوام مرت عانى فيها السوريون عذابات لم تكن تخطر على بال، وشهدوا فيها الأهوال، مع مئات ألوف الضحايا من الشهداء والجرحى والمعاقين والمعتقلين، وفوق ذلك ملايين المشردين والنازحين.
المعنى من ذلك أن كل ما جرى في سوريا يؤكد أن ثورة السوريين، فوق كل ما تقدم، هي الأكثر استحقاقاً وشرعية بين مختلف الثورات العربية، فنحن لسنا إزاء نظام تأسس على الاستبداد والفساد، وتحويل البلد إلى مزرعة خاصة، وإنما نحن إزاء نظام أثبت أنه لا يمت بصلة لشعبه، وكأنه بمثابة أكثر من سلطة احتلال، وإزاء نظام فتح البلد على مصراعيه أمام النفوذ الإيراني، والميليشيات المسلحة المحسوبة عليه.
واضح أن هذه الثورة لم تنجح، وأنها بعد أربعة أعوام من التضحيات والبطولات لم تستطع أن تفرض سيطرتها أو وجودها، حتى في المناطق التي باتت خارجة عن سيطرة النظام، وأن قوى الثورة والمعارضة، سواء السياسية أو العسكرية أو المدنية، لم تستطع أن تؤكد ذاتها، إزاء السوريين وإزاء العالم، بسبب الصعوبات والتعقيدات والتدخلات الخارجية، وأيضا بسبب قصور تكوينها من الناحية التاريخية والتأسيسية. بيْدَ أن النظام، في المقابل، لم يعد كما هو عليه، أيضا، إذ انكشف أمام السوريين، وعلى الصعيدين العربي والدولي، وبات يعيش في عزلة، لا تخفف منها سوى علاقته الوظيفية بكل من إيران وروسيا، والأهم أنه لم يعد يسيطر على مجريات الأمور في سوريا، ليس بسبب خروج مناطق واسعة من سيطرته، وانكشافه أمام شعبه، وإنما أيضا، بسبب تحول سوريا إلى ساحة لتجاذبات القوى الإقليمية والدولية الخارجية، وبسبب ارتهانه لمصالح السياسة الإيرانية.
في المشهد السوري، بعد أربعة أعوام من الصراع، بتنا إزاء واقع مختلف من أهم سماته، أولا خروج السوريين من معادلة الصراع الجاري، بتشريدهم وتحولهم إلى كتل من اللاجئين، نتيجة لانتهاج النظام سياسة الأرض المحروقة، وتعمده تدمير البيئات التي يعتبرها حاضنة شعبية للثورة، بالقصف المدفعي والجوي وبالبراميل، مع قيامه بمحاصرة هذه المناطق وحرمانها من المواد الأساسية.
ثانيا، انتشار الجماعات المسلحة غير المرتبطة بالأجندة الوطنية للسوريين، ونقصد الجماعات الميليشياوية الطائفية، كحزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق وكتائب أبو الفضل العباس، كما ثمة حديث عن مثيلاتها من اليمن وأفغانستان، إلى جانب الجماعات المسلحة المحسوبة على القاعدة، كجبهة النصرة، أو التي تشتغل لحسابها كـ”داعش”.
ثالثا، بعد أربعة أعوام لا يبدو في الأفق ما يؤشر إلى إمكانية حسم أي من الطرفين المتصارعين الصراع لصالحه، لا النظام ولا الثورة السورية، بل ثمة في الأوضاع العربية والإقليمية والدولية ما يؤشر إلى عدم السماح بذلك.
هذا يعني شيئين متفارقين، أولهما أن الصراع في سوريا وعليها يمكن أن يمتد لسنوات قادمة طالما لم يتم التوافق الدولي والإقليمي على الخارطة السياسية لسوريا القادمة. وثانيهما أن تقرير الأوضاع في سوريا لم يعد بيد النظام ولا بيد المعارضة، وإنما بيد القوى الدولية والإقليمية.
ثمة أمر واحد يمكن أن يكسر هذه المعادلة، وهو فتح مسار يمكّن السوريين من امتلاك زمام قضيتهم، وهذا لن يحصل إلا بتوفر طبقة سياسية سورية واعية وقادرة على أخذ قضيتها نحو توافقات وطنية، تفتح المجال أمام التغيير السياسي في سوريا، التي تتأسس على الديمقراطية، وعلى قاعدة دولة مواطنين متساويين وأحرار.
بعد مرور أربع سنوات على انطلاقها، تحوّلت الثورة السورية على نطاق واسع إلى حرب أهلية وإلى نزاع اقليمي بالوكالة، كما تدهورت حال الاقتصاد والمجتمع السوري بصورة مريعة. وفي هذا الصدد، صدر تقرير حديث عن "المركز السوري لأبحاث السياسات" (مقره دمشق)، بدعم من "برنامج الأمم المتحدة للتنمية- UNDP"، حول الوضع الاقتصادي في سوريا.
وأشار التقرير إلى خسارة الاقتصاد السوري أكثر من 200 مليار دولار خلال السنوات الأربع الأخيرة، أي ما يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الاجمالي لعام 2010، أي العام الذي سبق اندلاع الثورة السورية. حيث تقدر نسبة البطالة في سوريا اليوم بأكثر من 57%، مقارنة بنسبة 11% العام 2010، كما يعيش الآن أربعة من بين كل خمسة سورييين تحت خط الفقر، في حين انخفض متوسط العمر المتوقع للفرد من 75 الى 55 عاما!
وتعرضت بعض القطاعات كالسياحة والنفط إلى دمار شبه كامل. بينما لحق بقطاع الصناعات التحويلية خراب هائل، وقد تعرض لأعمال سرقة ونهب واسعة بحيث لم يعد يشكل سوى خمس قيمته قبل الثورة. ومن بين القطاعات الأخرى التي تعرضت لمعاناة هائلة نذكر قطاعي النقل والتجارة الداخلية. ومن الجدير بالذكر أن الدمار الذي تعرض له اقتصاد البلاد قد ترافق مع تغيرات عميقة ضربت المجتمع السوري، بما في ذلك الهجرة الجماعية لرؤوس الاموال والموارد البشرية الى خارج البلاد، وكذلك التحولات الديموغرافية وتفتت المجتمعات والروابط الاجتماعية، بالاضافة الى ارتفاع معدلات الجريمة والشعور العميق بفقدان الكرامة.
وفي الإمكان مشاهدة الآثار البعيدة المدى لدمار الاقتصاد والمجتمع السوري في كل مكان. إذ تبدو الحكومة السورية، وبدرجة كبيرة، غير قادرة لتمويل نفسها. فهي تراكم، بشكل متزايد، ديوناً كبيرة على كاهلها بهدف تمويل مستوردات النفط والمواد الغذائية ولدفع رواتب موظفيها المدنيين، ولكن بشكل رئيسي لتمويل مجهودها الحربي، ومن سيتحمل عبء تسديد هذه الديون هو الشعب السوري بالطبع.
واذا أخذنا في الاعتبار النقص في التمويل وهروب رؤوس الاموال، فإنه سيكون بمقدورنا القول إن إعادة بناء الأصول المادية المدمرة، بما فيها المعامل والمعدات والآلات والأبنية السكنية، سيتطلب وقتاً طويلاً. فقد غادر كثير من رجال الاعمال البارزين البلاد، وسيكون من الصعب عليهم العودة إليها بعد انتهاء الحرب. كما ان اختفاء الطبقة الوسطى سيحرم البلاد من خبرة المدراء، الاكاديميين، الاطباء، المهندسين والمهنيين من سائر الاختصاصات.
وهناك ايضا عبء مستقبلي بانتظار المجتمع السوري يتمثل في صعوبة التخلي عن الكثير من الأنشطة والشبكات التي افرزتها الحرب والتي تلعب دورا متزايدا في الدورة الاقتصادية، إذ أن مصالح كبرى قد نشأت قي ظل اقتصاد الحرب وسيكون من الصعب السيطرة عليها.
وأخيراً، يتجذر التفتت الجغرافي والسياسي بشكل متصاعد. وقد تحوّل الكثير مما كان يعتبر مؤقتاً، مثل الخطوط الأمامية للجبهات، إلى شبه حدود بين مناطق مختلفة في البلاد، ما حطّم الشبكات الاقتصادية والتجارية التقليدية. وتقسيم مدينة حلب منذ صيف عام 2012 بين جزء غربي يخضع لسيطرة النظام وآخر شرقي تسيطر عليه المعارضة يمثل أحد أبرز الأمثلة على ذلك.
ونظرا لحجم الكارثة السورية، يبدو أنه من الصعب رؤية ضوء في نهاية النفق السوري الطويل، وكذلك من الصعب تقديم أي نصيحة تتعلق بالسياسات تتجاوز المطالبة بوقف فوري للقتال، وهو ما يبدو غير ممكن في المستقبل القريب.
كانت الثورة السورية الى درجة كبيرة تمرداً قامت به أكثر فئات الشعب هشاشة، حرماناً وفقراً، وبعد أربع سنوات من انطلاق الصرخات المطالبة بالتغيير كانت هذه الفئات بالذات هي التي دفعت أبهظ الأثمان في هذه الحرب، وأصبحت أكثر فقراً وهشاشة وأسى. وبالتأكيد لن يكون في 15 آذار 2015 سوى القليل مما يستحق الاحتفال به، ولسوء الحظ القليل أيضاً مما يمكن عقد الآمال عليه.
هذه المرة، لا بد من التعاطي بشكل مسؤول ومباشر مع السؤال الذي وضعه النائب الأردني، خليل عطية، على طاولة رئيس مجلس النواب، ليطيّره بدوره إلى رئيس الوزراء، فالأمر يتعلّق بخطر الوجود الإيراني العسكري على الحدود الشمالية للمملكة، في جنوب سورية، وكذا الحدود الشرقية مع العراق.
وقبل سؤال النائب الأردني، برزت ملايين الأسئلة المكتومة، من اليمن الذي أسقط الحوثيون، حلفاء إيران، سلطته الشرعية، أو كادوا، إلى البحرين التي تشهد شغباً بنكهة طائفية، لا تخفى يد إيران في بعثها وإذكاء نارها، إلى العراق المحتل الإرادة، والذي يئن تحت وطأة داعش والمليشيات التي تتخذ من الحرب ذريعة لإطباق سيطرتها الطائفية على البلاد. وأخيراً سورية ولبنان، واسطة العقد، وبوابة الخليج من جهة الأردن.
ومع تفهمي وإدراكي بأن خطاب مستشار الرئيس الإيراني، علي يونسي، مُعدٌّ للاستهلاك المحلي، كما دأب مسؤولو "دول الممانعة" دائماً، على إظهار عظمة انتصاراتهم وحشد أكبر عدد ممكن من الأعداء المفترضين، إلا أن جانباً منه يؤخذ على محمل الجدّ، بدليل ما قد حدث واقعياً على الأرض، فهو عندما يقول: "سنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية"، لا نرى كلاماً جاداً يستحق، ولو حتى التفاتة إليه، وحينما يصرّح أن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية، كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي"، فهذا ما يجب الوقوف عنده، بحكم أنه شبه كائن، يمكن تلمّسه وتحسّسه، في كل ما يجري على الأرض.
الخَطْبُ الفارق والمفصلي في تاريخ المنطقة، استدعى خروج نائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، عن صمته متّهماً الحكومة العراقية بـ"الإحجام عن تسليح السنّة"، لتحرير مناطقهم من تنظيم داعش، بعكس فصائل الحشد الشعبي (الشيعية)، والتي يُعدُّ نائب الرئيس الآخر، نوري المالكي، أشد الداعمين لها، وهو الذي أرسى دعائم سلطة إيران، ومكّنها في أثناء حكمه من استعادة أمجادها المزعومة في عاصمة الرشيد.
ولا تبدو إيران، هذه المرة، متحرّجةً من إعلان نياتها الإمبراطورية، فالجنرال قاسم سليماني يقود عسكره، ويجول بهم في طول العراق وسورية، على عين العالم وسمعه، وكذلك لا تتحرج الولايات المتحدة من إظهار نفسها بمظهر العارف والساكت، فرئيس أركان الجيوش الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، وصف التدخل العسكري الإيراني في العراق بأنه "الأكثر وضوحاً في العراق منذ عام 2004".
إذن، لا غموض، ولا سوء فهم أو ترجمة، ولا أقنعة، اللعبة صارت فوق الطاولة، أو في مسرح مكشوف، لا يملك المتفرجون عليه إلا الفرجة والتأسّي لما ستؤول إليه المصائر.
وهكذا يكون الحال، عندما تبرم الدول صانعة القرار صفقاتها، يرسمون بقلم رصاص لا يساوي سنتاً، خطوطاً طولانية وعرضية، تصبح في ما بعد، بعد إزهاق آلاف الأرواح وتقتيل وتجهيل أمم بأسرها، تصبح حدوداً نقدسها ونذود عنها بأرواحنا.
ولكي لا يرى أحد منّا نفسه بريئاً، أو خارج سياقات اللعبة، ولكي لا يرمي غيره بالتهم وينسلَّ إلى زاوية بعيدة في المهجر، لا بد، في هذه المرحلة، من محاكمة ذواتنا وتحميلها مسؤولياتها تجاه أوطان وتاريخ وقيم ومستقبل، إما نكون فيه أو لا يكون لنا.. فالثورة السورية، فيما وصلت إليه فصائلها وساستها ومعارضتها والمحسوبون عليها، من اقتتال وتشرذم وتداعٍ على مصالح ذاتية وحزبية، وفي حال عدم إنجاز وعدها ومهمتها التي نهضت من أجلها، في تحقيق الحرية والكرامة الوطنية والإنسانية، تكون قد سرّعت، ولو من غير قصد، من خطوات إيران الساعية إلى إحكام سيطرتها على البلاد.
وعندما تتجه عيون ملايين السوريين إلى ما وراء البحار، ونرى في إعادة التوطين حلماً، وفي الحصول على جواز سفر أوروبي، أو تركي، سفينة نجاة، فأغلب الظن أن ملايين الإيرانيين تتجه أنظارهم إلى سورية، ليُعاد توطينهم فيها، ويحصلوا على جوازات سفرنا وأرقام هوياتنا ودفاترعائلاتنا.
فهل يتحقق الوهم الإيراني على حساب الحلم السوري؟ سؤال معلّق على باب السنة الخامسة للثورة/ الحلم.
كثر، في الآونة الأخيرة، الحديث عن انتهاء الثورة السورية، وحتى عن عدم وجود ثورة بالأساس. لا أتحدث، بالطبع، عن نظام الأسد وشبيحته وممالئيه، فهؤلاء أصروا، منذ البداية، على أن ثورة الشعب السوري منتصف/مارس آذار 2011 "مؤامرة كونية"، تستهدف "نظام المقاومة والممانعة". أتحدث عن مثقفين وكتاب أعلنوا، في يوم من الأيام، تأييدهم الثورة السورية، وعن بعض الذين شاركوا في الحراك الثوري، بشكل من الأشكال، لكن الإحباط أصابهم، فقالوا إن الثورة انتهت، أو توقفت، أو خطفت، أو انحرفت، أو، في أحسن الحالات، كان هناك ثورة لكنها لم تعد موجودة.
من الطبيعي أن يصل بعضهم، ومنهم المخلصون لقضية الشعب السوري، إلى مثل هذه الاستنتاجات، بعد المآسي التي تعرض لها الشعب السوري، في السنوات الأربع من عمر الثورة، سواء من النظام الذي قتل ببراميله المتفجرة وأسلحته الكيماوية وغيرها من أدوات القتل نحو ربع مليون شخص، وتحاصر قواته مناطق عديدة، صار الناس فيها يموتون من الجوع (نعم من الجوع وليس من القصف!)، وتصفي أجهزته الأمنية خيرة شباب سورية وشاباتها تحت التعذيب الوحشي، ما أدى إلى تهجير نصف سكان سورية من بيوتهم. أو كان ذلك من الجماعات الإرهابية كداعش وأخواتها التي تمارس وحشية لا تقل بشاعة عن وحشية النظام، وصارت تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية؛ أو كان ذلك من "المجتمع الدولي" الذي تخلى، كلياً، عن الشعب السوري، وتركه فريسة بأيدي المليشيات الإيرانية، وتابعيها من حزب الله اللبناني ومليشيات أبي الفضل العباس العراقية من جهة، والمليشيات الإرهابية القادمة من بقاع عديدة، تمارس إرهابها تحت شعار الإسلام، والإسلام منهم براء، من جهة أخرى.
"لطالما اكتشف الثوار، منذ البدايات، أن كل من دعم الثوار بالمال أوالسلاح، أو لنقل معظمهم على الأقل، كان يفعل ذلك لمصلحته، وتأكيد نفوذه
"
مع ذلك كله، أقول إن الثورة السورية مستمرة، وهي من أعظم الثورات في التاريخ المعاصر. وما أستند إليه في هذا القول:
أولاً: لست مع التعاريف الجامعة المانعة في العلوم الاجتماعية والسياسية، وبالتالي، لا أرى ضرورة لتعريف مصطلح "ثورة"، ولا أرى أهمية كبيرة للنقاش الدائر حول ما إذا كانت ثورة أو انتفاضة أو حراك شعبي أو.. يكفي أن تكون انتفاضة شعبية تهدف إلى إطاحة النظام القديم الذي لم يعد يقبل به الشعب، وإقامة نظام جديد تتبلور ملامحه في خضم الثورة نفسها.
ثانياً: الثورات العظيمة لا تحقق أهدافها بين يوم وليلة، ولا في سنوات قليلة. فالتاريخ الحديث والمعاصر عرف ثورات دامت عقوداً حتى آتت أكلها. الثورات صيرورات متواصلة تحتاج سنوات طويلة لتتبلور، عبر مطبات وتراجعات وإخفاقاتٍ كثيرة، فضلاً عن النجاحات. فكيف إذا جاءت في منطقة تتكالب عليها دول العالم الكبرى ودول الإقليم، وتستخدم فيها كل الأسلحة والوسائل لإفشالها.
ثالثاً: قامت الثورة السورية ضد نظام يكاد يكون فريداً في وحشيته ودمويته، نظام فاشي يمارس القتل والتنكيل بدم بارد، لا يردعه قانون ولا أخلاق. والناس الذين يتمردون ضد مثل هذا النظام، على الرغم من معرفتهم بطبيعته الإجرامية، وعلى الرغم من الذكريات الأليمة التي يحملها كل منهم، في نصف القرن الذي تسلط فيه على رقابهم، هم، من دون أدنى شك، ثوار عظام سيخلدهم التاريخ.
رابعاً: طرحت الثورة، منذ انطلاقتها، شعارات تدل على عمق وأصالة ووطنية الثوار الذين طرحوها. "الشعب السوري ما بنذل" "سورية بدها حرية" "الشعب السوري واحد". هذه الشعارات عبرت عن أهداف لا يمكن أن تكون أقل من أهداف ثورة عظيمة. شعارات الكرامة والحرية ونبذ الطائفية والانقسام والتشرذم، في وجه نظام أهدر كرامة الناس، وقمع أبسط حرياتهم، وكرس النزعات الطائفية والولاءات المناطقية والشخصية، هي شعارات ثورة عظيمة.
خامساً: سعى النظام، بكل الوسائل، لتحويل الثورة الشعبية السلمية إلى ثورة مسلحة، لأن السلاح هو المجال الذي يتفوق فيه على الشعب. وليس ذنب الثورة والثوار أن حمل بعضهم السلاح دفاعاً عن حياته، وحياة أفراد أسرته وشرفهم وكرامتهم. فالنظام، بإصراره على البقاء بأي ثمن (الأسد أو نحرق البلد)، وأجهزته الأمنية، وبعض قواته العسكرية التي فتحت النيران على المتظاهرين العزل في درعا وحمص، ثم في كل مكان آخر على الأرض السورية، هو من دفع بعض الجنود والضباط إلى الانشقاق، رافضين توجيه أسلحتهم إلى صدور أهاليهم، وهو من دفع شباناً عديدين للتطوع لحمل السلاح في وجه الإجرام المعمم.
سادساً: المجموعات الإرهابية المسلحة (داعش وأخواتها)، والتي يدعي النظام، الآن، محاربتها، هي من صنع النظام نفسه. فهو من أطلق معظم قادتها من سجونه (كما أُطلق بعضُهم من سجون العراق)، بهدف الانقضاض على الثورة، وتحويلها عن أهدافها. والتاريخ يعرف كثيراً من الحالات التي تتحول فيه الجماعات المناصرة لنظام ما إلى مناهضة له، عندما تحين الفرصة المناسبة، وعندما ترى أن في وسعها الحلول محل ذلك النظام، في السيطرة والهيمنة والتحكم بمصائر الناس.
سابعاً: لعل من أهم ما يثبت أنها ثورة عظيمة، أنها مستمرة، على الرغم من تخلي معظم القوى الإقليمية والدولية عنها. ولا أتحدث، هنا، عن روسيا وإيران وأمثالهما من داعمي النظام، بل عمّن سموا أنفسهم أصدقاء الشعب السوري، الذين توهم كل منهم أن بإمكانه السيطرة على الثورة، وتحويلها لتخدم مصالحه وتطلعاته. ولطالما اكتشف الثوار، منذ البدايات، أن كل من دعم الثوار بالمال أوالسلاح، أو لنقل معظمهم على الأقل، كان يفعل ذلك لمصلحته، وتأكيد نفوذه. وهذا هو بالذات ما لعب دوراً حاسماً في تشتت قوى الثورة وتشرذمها، وتحول بعض قادة الجماعات المسلحة إلى أمراء حرب، يستغلون الثورة للإثراء على حساب دماء الثوار والمدنيين.
"الثورة في النهاية تنتصر. وفي سيرورة انتصارها، يتم الفرز بين الغث والسمين، بين الثوار الحقيقيين ومن يحاول ركوب الموجة"
ثامناً: لن أنهي هذه المقالة من دون الحديث عن القوى والجهات التي تنطحت لقيادة الثورة. لا أشك في أن كثيرين ممن شاركوا في تكوين منظمات "المعارضة السورية"، سواء المجلس الوطني أو "الائتلاف" أو هيئة التنسيق أو غيرها (وهو كثير ويتكاثر مع الأيام)، هم من الوطنيين المخلصين للثورة وأهدافها. لكن سلوك "أصدقاء الشعب السوري" والمجتمع الدولي من جهة، ووجود انتهازيين وقناصي فرص كثيرين بين أعضاء تلك المنظمات من جهة ثانية، والحالة البائسة التي أوصل النظامُ معارضيه إليها من جهة ثالثة، أدت إلى الوضع الكارثي الذي وصلت إليه هذه "المنظمات".
الثورة مستمرة، على الرغم من كل شيء. ففي كل الثورات الكبرى في التاريخ يحدث مثل هذا. تتعدد المواقف ووجهات النظر، وتتصارع الجماعات المختلفة. لكن الثورة في النهاية تنتصر. وفي سيرورة انتصارها، يتم الفرز بين الغث والسمين، بين الثوار الحقيقيين ومن يحاول ركوب الموجة. والثورة ستذيب الجميع في بوتقتها، وتلفظ منها ما لا ينسجم مع مسيرتها الظافرة.
حُطم جدار الخوف، وعادت السياسة إلى المجتمع، بعد أن وُضع الجميع على الرف في العقود الماضية. هناك تنظيمات سياسية تنشأ، وحوارات حول أهم قضايا المجتمع تدور في كل مكان. الثورة بدأت. وهي مستمرة وستنتصر.
كلام برينان كلام حقّ يراد به باطل. اللهم إلا إذا كان الهدف الحقيقي للإدارة الأميركية تفتيت سوريا، بالتعاون مع إيران، وليس إنقاذ المؤسسات والحكومة.
يخفي كلام جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إي) عن سوريا رغبة واضحة في مسايرة إيران.
قال برينان أخيرا في نيويورك أمام “مجلس العلاقات الخارجية” الذي هو من أهمّ مراكز الدراسات الأميركية، إنّ الولايات المتحدة وحلفاءها، كذلك روسيا ودول المنطقة “لا تريد انهيارا للحكومة والمؤسسات الرسمية في دمشق”. هل هدف مدير الـ”سي. آي. إي”، بالفعل، حماية المؤسسات السورية، أم المطلوب إطالة الحرب الداخلية في البلد من أجل التأكّد من أنّه لن تقوم له قيامة في يوم من الأيّام؟
هناك، أقلّه ظاهرا، ما يبرّر مثل هذا الكلام الصادر عن مدير الاستخبارات الأميركية الذي لديه تجربة طويلة في الحرب على الإرهاب. هناك التجربة العراقية، العالقة في ذهن الرجل والقرار المثير للجدل الذي اتخذته الولايات المتحدة بحلّ الجيش العراقي. اتخذ القرار بول بريمر الذي كان حاكم العراق في ظلّ الاحتلال الأميركي وذلك بعيد غزو العراق في العام 2003 وإسقاط نظام صدّام حسين العائلي_البعثي.
كانت حجة بريمر أنّ الأكراد كانوا يصرّون على حلّ الجيش من أجل البقاء في إطار العراق الموحّد. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأحزاب والقوى الشيعية التي كانت تعتبر الجيش العراقي والأجهزة الأمنية بمثابة جزء لا يتجزّأ من النظام العراقي المطلوب التخلّص منه. أكّدت هذه الأحزاب رفضها أي تعاون مع المحتلّ الأميركي في حال لم يحلّ الجيش.
كانت النتيجة سقوط العراق في حال من الفوضى بعد غياب المؤسسة العسكرية القادرة على منع تمدّد الميليشيات الشيعية في كلّ اتجاه وسيطرتها، بصفة كونها مجرّد واجهة لإيران، على مؤسسات الدولة العراقية. وقد شكا الأكراد من هذه التصرّفات الميليشياوية، ووجدوا أن أفضل ما يمكن لهم القيام به يتمثّل في ترتيب أوضاع منطقتهم في إطار حكم ذاتي يؤمن حدّا أدنى من الاستقرار في كردستان.
هناك بالفعل ما يدعو إلى تفادي التجربة العراقية في سوريا. لكنّ المشكلة التي تعبّر عنها تصريحات مدير الـ”سي. آي. إي” تكمن في أنّ واشنطن تأخرت سنوات عدّة، في سعيها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المؤسسات الرسمية السورية ومن سوريا.
كانت الحجة الأساسية التي استند إليها برينان أنّ التركيز يجب أن يكون في هذه المرحلة على المواجهة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو يقول في هذا المجال “إنّ آخر ما نريده هو زحف داعش على دمشق. ولذلك، علينا دعم القوى المعتدلة”. هل نسي مدير الـ”سي. آي. إي” أن تنظيم “الدولة الإسلامية” لم يظهر بالشكل الذي ظهر فيه إلا في العام الماضي، في حين كانت القوى المعتدلة تواجه النظام السوري وتعمل على إسقاطه في ظلّ غياب أميركي؟ هل نسي أنّ الإدارة الأميركية لم تدعم هذه القوى عندما كان عليها أن تدعمها، خصوصا عندما استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي صيف العام 2013. وقتذاك، تجاوز النظام “الخط الأحمر” الذي شدّد عليه الرئيس باراك أوباما غير مرّة.
تبيّن أن أوباما يرى كلّ الألوان باستثناء اللون الأحمر، فإذا به يضع مستقبل سوريا في يد أعداء الشعب السوري المشاركين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في ذبحه، أي في يد روسيا وإيران. بدل أن يقدم على خطوة تحافظ على مؤسسات الدولة السورية، تراجع الرئيس الأميركي صيف العام 2013 عن تعهداته التي قطعها للشعب السوري وتهديداته الصريحة والواضحة للنظام، وتبيّن أنّ كلامه ليس سوى كلام فارغ في أحسن الأحوال.
ما يطرحه برينان كلام تجاوزه الزمن.
كان هذا الكلام منطقيا وقابلا للتطبيق في بداية الثورة السورية وقبل ظهور “داعش” التي استثمر فيها النظامان الإيراني والسوري، وصولا إلى ما وصل إليه الوضع. كان في الإمكان إنقاذ المؤسسات السورية، بما في ذلك مؤسسة الجيش، لو أقدمت الولايات المتحدة على خطوة تؤدي إلى التخلّص من النظام ورموزه في الأشهر التي تلت اندلاع الثورة السورية، التي هي ثورة شعبية حقيقية تعبّر عن تطلّعات الأكثرية الساحقة للسوريين.
كلّ ما بات يمكن قوله الآن أنّ النظام السوري و”داعش” وجهان لعملة واحدة. والأكيد أن برينان يعرف ذلك قبل غيره. لا يمكن محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” دون محاربة النظام السوري والانتهاء منه. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ كلّ كلام يميّز بين النظام السوري و”داعش” يخدم النظام الذي لم يعد أمامه، بعدما أصبح تحت رحمة إيران وميليشياتها المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية، سوى وضع يده على جزء من سوريا. هناك الآن تركيز خاص من النظام، والقيمين عليه، على الشاطئ وعلى ممرّ يربط هذا الجزء من سوريا بمناطق يسيطر عليها “حزب الله” في سهل البقاع اللبناني. تعتبر هذه المناطق البقاعية امتدادا للدويلة التي أقامها الحزب في لبنان على حساب الدولة اللبنانية وسيادتها المفترضة على كلّ شبر من البلد.
كلام برينان، في ضوء التطورات السورية، كلام حقّ يراد به باطل. اللهمّ إلا إذا كان الهدف الحقيقي للإدارة الأميركية تفتيت سوريا، بالتعاون مع إيران والتنسيق معها، وليس إنقاذ المؤسسات والحكومة. فما ينفع في المرحلة الراهنة إدراك أنّ الأولوية المعطاة لمحاربة “داعش” لا يمكن فصلها عن إسقاط النظام السوري. لا وجود لأولوية على حساب أولوية أخرى في أيّ شكل.
كلّ ما تبقى تفاصيل وأوهام وهرب من واقع ترفض الإدارة الأميركية الاعتراف به. فمثلما أخطأ الأميركيون في العراق، نراهم اليوم يخطئون بمقدار أكبر في سوريا، خصوصا في ظلّ اعتقادهم أنّ لإيران هدفا آخر غير تدمير العراق وسوريا، وصولا إلى احتلال لبنان.
يبقى سؤال: هل الأولوية الحقيقية للإدارة الأميركية استعادة العلاقة بإيران، حتّى لو كان ذلك على حساب كل الأولويات الأخرى؟ يبدو طرح هذا السؤال منطقيا. ففي معرض كلامه أمام “مجلس العلاقات الخارجية” في نيويورك، اعترف برينان بوجود “بعض المصالح المشتركة مع إيران”. قال بالحرف الواحد “نعمل عن كثب مع الحكومة العراقية، كذلك إيران”.
كيف يمكن لمسؤول أميركي في هذا المستوى تجاهل أن “داعش” ما كان لينتعش ويتمدد لولا السياسات التي تتبعها الحكومة العراقية، بمن في ذلك الحكومة الحالية… ولولا ذلك التعاون الذي يجري “عن كثب” بين بغداد وطهران؟
ها هي ثورتنا السورية اليتيمة تستكمل عامها الرابع. سنوات أربع لا يبزها في قسوتها وصعوبتها وخطورتها على سورية والسوريين شيء، دُمّر فيها البلد، دولة ومجتمعاً وبناء وتاريخاً وحضارة ومستقبلاً، وتجرع فيها السوريون جميع صنوف الحزن والأوجاع والمآسي، واختبروا كل صنوف الموت. يتربص الخطر والخوف والجوع بمن بقي منهم في الداخل، ويتربص الذل والتشرد والحاجة بسعيد الحظ الذي خرج، واليأس يستحكم بالكافة، أقلها على المدى المنظور.
تضافرت على السوريين وثورتهم، لسوء الحظ، مجموعة من القوى والعوامل والظروف، أدت، في المحصلة، إلى ما وصلوا إليها:
-فمن طغمة حاكمة مجرمة، أرادت البقاء في الحكم بأي ثمن، وتعاملت مع السوريين كقوة احتلال غاشمة، وواجهت مطالبهم المحقة في الحرية والكرامة بالعنف العاري، منذ اللحظة الأولى، وأصرت على العنف، ورفعت وتيرته طوال الوقت، إلى درجة أنها لم تدخر سلاحاً، أو وسيلةً، لقتل السوريين وتجويعهم وتهجيرهم، وتدمير بيوتهم وبلداتهم، إلا واستخدمته، مستحقة، وبجدارة، لقب أحقر طغمة حاكمة عرفها التاريخ.
-إلى حلفاء لهذه الطغمة، وقفوا معها بشراسة، وبدون تردد، ومنذ اللحظة الأولى، وقدموا لها، بسخاء، كل أسباب القوة والدعم العسكري والسياسي والاقتصادي، إلى درجة أننا نراهم، الآن، يحاربون ويديرون المعارك، نيابة عن قوات الأسد المتهالكة في غير مكان من سورية.
-إلى تقاعس غربي تتحكم به الإدارة الأميركية، الحريصة على الإدارة عن بعد، والتي لا يعنيها من شؤون المنطقة سوى نجاحها في الملف النووي الإيراني.
-إلى منظمة دولية عاجزة مشلولة، استطاعت روسيا والصين ركنها جانباً عبر سلاح الفيتو، ولم يترك لها سوى حرية التعبير عن القلق.
-إلى أجندات وطموحات ومصالح عربية وإقليمية، صبّت الزيت على النار، ودعمت من يخدم مصالحها من تنظيمات سياسيةٍ أو عسكرية، ما ساهم في تمزيق المعارضة بشقيها، وإضعافها وتناحرها.
-إلى الإضعاف المتعمد والممنهج للجيش الحر الذي يمثل الذراع المسلحة للثورة.
-إلى سيطرة تنظيمات جهادية تكفيرية عدمية على أزيد من نصف الأراضي المحررة، وارتكابها من الجرائم والفظائع ما يعجز العقل عن تخيله، الأمر الذي جعل جرائم النظام، على فظاعتها، تبدو أمراً عاديا أمام العالم، ما أدى إلى تقديم ملف محاربة الإرهاب على ملف استبعاد النظام، وتشكيل التحالف الدولي لهذا الغرض، وحتى بروز أصوات تنادي بالتعاون مع النظام في هذه الحرب.
"العمل على تحصين السوريين تجاه خطر التفتت والاحتراب الأهلي المديد عمل وطني ومهم بكل المقاييس"
-وصولاً إلى معارضة سياسية مريضة تافهة، وضيعة في معظمها، أصرت على البقاء متفرقة، رهنت نفسها للخارج، وانخرطت بصراعات داخلية وحروب صغيرة فيما بينها، ولم تستطع تغطية الثورة، أو خدمتها في أي مجال، بل غالباً ما انعكس نشاطها سلباً على الثورة، والمذهل في أمرها أن كل دماء السوريين ومآسيهم، على مدى سنوات أربع، لم تستطع أن تغير شيئاَ من تفكيرها وسلوكها، الأمر الذي أدى إلى سقوطها واحتقارها من السوريين وغير السوريين.
هذه صورة الواقع كما أراها، فما نحن فاعلون؟ هل نتفرج صامتين على هذا المسلسل الحزين المرعب، منتظرين نهاية أكثر حزناً يقررها آخرون؟ وهل لدينا ما نفعله، طالما أننا الطرف الأضعف في معادلة القوة هذه، وتأثيرنا في مجرى الأحداث يداني العدم؟
أرى أن ثمة مجالات أخرى كثيرة للعمل، لا تقل أهمية عما كان يفترض بنا عمله الآن وخلال الثورة، منها العمل على السوريين لجهة دعم قدراتهم المستقبلية على التعايش والتعاون والبناء، فهذا الكابوس الذي نعيشه، اليوم، سينتهي عاجلا أو آجلاً، وسنجد أنفسنا أمام استحقاق ما للتعايش والتعاون، ثم لتجاوز قصة التعايش إلى التعاضد من أجل بناء الدولة، وعلينا الاستعداد لهذا الاستحقاق بكل إمكاناتنا، وبمنتهى الجدية، لأن دخولنا في استحقاق من هذا النوع من دون حد أدنى من الاستعداد والتأهيل يعني تمديداً اختيارياً مفتوح النهاية، هذه المرة، لمأساة شعب مرهق منكوب.
خوفي على سورية مركّب، حيث يضاف إلى الخوف مما يحصل خوف آخر مشروع، سببه ضعف قدرة السوريين على استيعاب هذه المحنة، وهضمها، باعتبارهم، لأسباب معروفة، مجتمعاً غير متماسك بما فيه الكفاية، حيث ما زال الشعور بالمواطنة والانتماء للوطن أضعف من الشعور بالانتماء إلى الطائفة أو العشيرة أو العرق. ما يعني أن المحنة قد تذهب بالبلد إلى غير رجعة، وملامح ذلك تبدو واضحة. لذلك أرى أن العمل على تحصين السوريين تجاه خطر التفتت والاحتراب الأهلي المديد عمل وطني ومهم بكل المقاييس.
الآن، ما الذي يمكننا عمله بشأن المستقبل؟ أذكر، تالياً، بعض المجالات، على سبيل المثال:- تأسيس أحزاب سياسية نوعية ومختلفة، بوصلتها المصالح العليا للشعب والوطن، ترفع ألوية الفكر والسياسة والواقع، بدل الإيديولوجيا التي قتلت الفكر والروح، وحوّلت أحزابنا التقليدية إلى مستحاثات، تتبنى الديمقراطية منهجاً وقيماً وسلوكاً وعملاً، تؤمن بالعمل المشترك مع الآخرين، تعمل بالعقلية المؤسساتية، تقيم حياة حزبية داخلية ديمقراطية، مؤسسة على الشفافية والمحاسبة والنقد والمراجعة. هذا النوع من الأحزاب أصبح أكثر من ضرورة لأنه المكان الطبيعي لتعلم السياسة وممارستها، ولأنه الأساس لأي عملية سياسية مستقبلية.
-نزع فتيل الأزمة الطائفية التي تستعر بشدة، منذرة بأسوأ العواقب. وفي هذا المجال، يمكن عمل الكثير، خصوصاً على صعيد نشر الوعي حول المآلات الكارثية للصراع الطائفي، وحول الجذور الثقافية والاجتماعية والسياسية للمسألة الطائفية، وحول دور ومصلحة النظام في إذكاء الصراع الطائفي، وحول مفهوم المواطنة ودوره المركزي في بناء الأنظمة الوطنية الحديثة.
-إزالة الالتباسات والتشوهات العالقة بقضايا ومفاهيم مهمة وحساسة ومفتاحية كثيرة في بناء دولتنا المقبلة، والتي يوحي الجدل الدائر بعمق الاختلاف حولها، منها مفهوم العلمانية وعلاقتها بالدين والمجتمع، ومفاهيم الديمقراطية والحرية والمواطنة.
"علينا أن نبحث عما يمكن أن يقينا قليلاً، ويبقي لدينا شيئاً من القدرة على بناء بلدنا في يوم، نسأل الله أن لا يكون بعيداً"
- تحضير ما أمكن من برامج وأفكار ومشاريع في مجالات القانون والدستور والاقتصاد وإعادة الإعمار، وكل ما من شأنه المساهمة في دفع عملية بناء الدولة والمجتمع، وتخفيف مدتها وتكلفتها ووطأتها.
- تدريب الناس على الحوار وتقبل المختلف، وزرع وتعزيز ثقافة الحوار والنقاش والاستماع المنفتح المصغي لديهم.
يناط تنفيذ المهمات المومأ إليها أعلاه، بالجميع من دون استثناء، أحزاباً وتنظيمات مدنية وأهلية وأفراداً، حيث في مقدور أي كان أن يقدم شيئاً على صعيد واحد أو أكثر.
طبعاً، تبقى المسألة الأكثر أهمية والأبعد أثراً في قضيتنا أن ننتزع دوراً في تقرير مصيرنا، عبر توافقنا، قوى سياسية وقوى عسكرية، على برامج عمل موحدة، لكن ظاهر الحال يعلن أن ذلك مستحيل، بحكم مستحاثات السياسة وهواتها ومتسلقيها وبلطجيتها، وبحكم أمراء الحرب، ويزداد استحالة بحكم ارتهانهم للخارج. لذلك، علينا أن نبحث عما يمكن أن يقينا قليلاً، ويبقي لدينا شيئاً من القدرة على بناء بلدنا في يوم، نسأل الله أن لا يكون بعيداً.
في مثل هذا اليوم ، بزغ به فجر ثورة ليسطع بعده شمس سلطت وما زالت تسلط أشعتها على دفائن كثيرة تحت ظلماء الفساد والعمالة ضمن كذبة "خندق ومحور الممانعة والمقاومة "...
ففي يومنا هذا دبابات ايرانية تدخل الاراضيَ العراقية، وسط امر بات اعتيادي ولا يجسد تحولاً لم يحصل منذ أكثر من 1400 سنة.!!؟
تماما كما حصل ويحصل من تدخل إيراني في سورية منذ تطورات آذار 2011 "ثورة الكرامة السورية" بعد غضب شعبي ضد حثالة مافياوية من قادة وعناصر أمن و اقتصاد اقتات من دم وعرق الشعب.
رفض يومها بشار الأسد أن يرضخ لمطالب بسيطة ، لم تطله بكامل نظامه .. فالبداية لم تتضمن إلا صداح بالحرية في سوق الحمدية ، تلاه مطالب الإفراج عن معتقلي الرأي أمام وزارة الداخلية، ومنهم أطفال درعا، جميها رُفضت بشراسة الأمن و آلية القمع .
تلاه طوفان الفزعة الحورانية من درعا ليسجل التاريخ السبب المباشر للانتفاضة الشعبية ، عندما طالب أهالي درعا بأطفالهم الأمر الذي استعصى عليهم ، فكانت الشرارة التي اشتعلت جراء قهر سلطات الأمن لأباء الأطفال ومحاولة خدش لشرفهم، ظناً من عاطف نجيب " رئيس الأمن السياسي بدرعا و إبن خالة الأسد " أن الشعب سيرضخ وإن اضطر لإعادة حماه 82، لكن لم يرضخ وكانت الشرارة التي طالت فيما بعد النظام بكامل جسده من قاعدته الأمنية والمخابراتية إلى رأسه العميل راعي و مُتغني شعار العروبة بينما كان هو نفسه (رأس نظام الأسد) متحالفاً مع الفرس بقليل من الوضوح مغلفاً التحالف بكثير من شعارات الإسلام والعدوان لإسرائيل، بينما سراً كان الغزل يتطور لعلاقات تعزز طائفية دفينة وحلف خراب وإحتلال للمنطقة.
الشعارات كانت وما زالت كاذبة ووهمية من مبدأ الدكتاتورية الأسدية: "اكذب اكذب حتى تصدق ويصدقون" لكن سرعان ما كشفت أشعة آذار السوري تلك العلاقات في الغرف المغلقة كما كشفت عدم وجود مبرر لـ40 عام مهادنة للعدو إلا التشبث بالكرسي لقاء خدمة لمصالح المافيا العالمية!!
كسر الأحرار السوريين حاجز الخوف وضربت النخوة الدرعاوية و مناصرة معظم المدن السورية ، سد الكبت الحريات الذي امتد طوال 40 عام ، وفشل الأسد عبر ما يقارب العام ونيف في إسكات صوت الشعب، فكان يزيد باستخدام القوة المفرطة حتى بات الشعب مع تراخي أخوته العرب ومجلس الأمن الدولي ، الذي أكثر ما قدمه كلام نقل من مجرى السطر على الورقة إلى هواء الإعلام.
بات الشعب الثائر أمام خيار الدفاع عن النفس أو التراجع لحفرة كبت الحريات أي قبر الثورات وبالتالي قهر وكبت أكثر مما كان عبر عقود أربعة من الزمن، لكن كيف لمن تذوق حلاوة الحرية أن يعود لحفر الجهل والخوف!!؟
ظهر فشل وغباء واضح لنظام الأسد جراء ارتباكه فهو لم يتوقع هذا الصمود من شعب كان يخشى المرء منه أن يكلم زوجته بالسياسة بل وحتى نفسه خشية أن يصبح في طوابق ما تحت الأرض، فبدأ الدعم من الحلفاء وأصحاب المصالح لنظام العمالة.
بداية قدم الدعم السياسي من المستشارين الروس وفيتو مجلس الأمن، وبدأ يظهر للعلن التدخل الإيراني في سوريا متعدياً شقيه السياسي والاقتصادي وإدلافه جناحه في المنطقة "حزب الله" للمشاركة بقتل وقمع الثائرين السوريين مبرزاً الدعم العسكري بالجند والعتاد وأخرها زج القادة الإيرانيين لقيادة المعارك في الأرضي السورية، هكذا وبعد الدعم وضمن فترة بدأ بها الجمع الثوري يتشتت، بينما غباء وارتباك نظام الإجرام كان يقومه الدعم اللامحدود مقابل بيع كلام في الهواء للجموع الثورية.
ضمن تلك الفترة كانت بداية الليل المظلم ليسرق نظام الأسد ومن خلفه من السوريين أحلامهم وطموحاتهم بالحرية و دولة العدالة التي تسودها المحبة بين أبنائها، فطبخت مؤامرة الإرهاب بتلك الفترة وأصبح كل شيء يعنون "بعبع" الإرهاب ومحور الاحتلال أو "المقاومة" كما يدعون جاهز للمراوغة والمماطلة ضمن مضمار الدول المحاربة للإرهاب والإرهابين.
لينسى الجميع فظاعة حجم القتل والدمار التي يتعرض له الشعب لم يكن أخرها القتل دون دماء في غوطتي دمشق حيث بساعات زهقت أرواح أكثر من 1500 إنسان ليحول نظام الأسد سوريا الفتوحات الإسلامية ومنارة الحضارات وأبجدية الإنسان إلى أرض محتلة وكأنها مرتعاً لإيران ومن يتبعها من مرتزقة ومليشيات وأحزاب طائفية أشعلت المنطقة بتدخلاتها الاستعمارية فكان المشهد الأخير ادخل رتل الدبابات الإيراني للعراق بقيادة قاسم سليماني وبغطاء جوي أمريكي يشبه غطاء سلاح الجو الذي كان في الجنوب السوري من قبل طيران نظام الأسد في محاولة لجر الثورة من مهدها لكن جبهة الثائرين في الجنوب كانت لها كلمتها.
بالتالي يطرح سؤال، هل وضحت أو زادت وضوحاً السياسة العالمية
هل اتضحت نقطة التقاء المصالح بين من يبدو أنهم رؤوس متناحرة .. على ملف نووي؟! بينما هم شركاء بمصالح الخراب والاحتلال للمنطقة ناهيكم عن نهب ثروتها وكل هذا على حساب وئد ثورة ولدت يتيمة وما زالت، ومن بين الدافنين يصدح صوت انتصار بين الحين والأخر للموؤدة أنا مازالت مستمرة وأقاوم فهناك من هو صامد رغم البراميل المتفجرة وحصار عامين لا يبلل شفاه أهله أحيانا إلا بضع ملاعق من حساء الشوربا، حتى الأرض بوسعها ضاقت باللاجئين السوريين فعجزت المنظمات العامية والأممية ولو مرابح النفط وجزء من إزدهار الدول المتقدمة عن سد رمق اللاجئين أو حتى تدفئهم من عواصف الصقيع الشتوية، رغم محاولات لا تنكر لكن غير كافية ولا حتى 50 بالمئة.
أخيراً المقال ليس بأطول من ثورتنا بل نسبياً قصير جدا أمام ما كشفته، ومازالت الثورة المستمرة فمن مازال صامدا كشف زيف التصريحات وغوغاء السياسة ومازال متمسكاً بهتافه "يا الله مالنا غيرك يالله".
ما زال الصراع في سورية مستمراً. الموت والدمار وتشريد الناس أيضاً. مع اندلاع الثورة، بدأ المواطنون رحلة البحث عن الأمان. أرادوا فقط النجاة من الموت. كثيرون نزحوا إلى مناطق داخلية ظناً منهم أنها أكثر أمناً. آخرون حطت بهم الرحال في دول الجوار. منهم من استقرّ في المخيمات، ومنهم من تمكّن من العيش خارجها.
تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار قد وصل إلى 3 ملايين و800 ألف و554. فيما تؤكد "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أنّ الأرقام الأممية لا تشمل كلّ اللاجئين، مشيرة إلى أنّ الرقم الحقيقي هو 5 ملايين و835 ألف لاجئ في نهاية عام 2014.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة تحتضن تركيا القسم الأكبر من اللاجئين بنسبة 43%، يليها لبنان بنسبة 31%، ثم الأردن بنسبة 17%، والعراق بنسبة 7%.
وكانَ عام الثورة الثالث (2013) الأسوأ بالنسبة للاجئين، وقد شهد أكبر حركة نزوح من الأراضي السورية. غادر مليون و800 ألف سوري بلادهم إلى دول اللجوء، وباتوا يشكلون اليوم ما نسبته 48%. فيما نزح العام الماضي نحو مليون و400 ألف سوري، أي بنسبة 38%.
كانت القارة الأوروبية بمثابة حلم لكثير من العائلات في سورية ودول الجوار. وخلال السنوات الأربع الماضية، لم تتوقف محاولات السوريين للوصول إلى الدول الأوروبية براً أو بحراً أو جواً ، وطلب الحماية الإنسانية أو السياسية فيها. ويشير عضو أحد التجمعات السورية في السويد عبد القادر الحكيم إلى أن "طالبي اللجوء يريدون تأمين مستقبل آمن ومستقر لهم ولعائلاتهم".
في هذا الإطار، أكدت مفوضية اللاجئين أن أعداد طالبي اللجوء إلى الدول الأوروبية في تزايد مستمر، وقد وصل عددهم إلى 217 ألفاً. مع هذا، فهم لا يشكلون أكثر من 5% من نسبة اللاجئين. وتوضح الأرقام أن 62% من اللاجئين في أوروبا قد تقدموا بطلبات لجوء خلال العام الأخير، وخصوصاً نحو ألمانيا والسويد اللتين تستضيفان 51% من إجمالي اللاجئين في أوروبا، فيما يتوزع الباقون في هولندا وصربيا وبلغاريا والدنمارك وغيرها.
يشكل الأطفال (دون الـ 11 عاماً) 39% من أعداد اللاجئين. ويعدّ الحرمان من التعليم أبرز المخاطر التي تواجه الأطفال داخل سورية وخارجها، علماً أن 2.3 مليون طفل سوري خارج المدرسة في الداخل، بالإضافة إلى نحو نصف الأطفال اللاجئين.
ويشير التربوي هاني الكمال إلى أن "السببين الأساسيين لانخفاض معدلات الالتحاق بالمدرسة داخل سورية هما الفقر والنزوح. أما في دول اللجوء، فهناك مصاعب قانونية على غرار عدم وجود وثائق مدرسية، وارتفاع الأقساط وغيرها.
في تركيا مثلاً، 70% من الأطفال السوريين خارج المدرسة. أما المواليد الجدد في دول اللجوء، فيواجهون اليوم خطر الحرمان من الهوية والجنسية، وقد ولد حتى اليوم نحو 114 ألف طفل سوري في دول اللجوء، فيما 75% من المولودين في لبنان لا يملكون شهادات ميلاد.
في السياق، يتحدث الناشط في مجال حقوق الطفل أحمد عكار عن "أزمة تسجيل المواليد الجدد، فجميع هؤلاء الأطفال لا يتم تسجيلهم بشكل قانوني في دول اللجوء، كما يصعب على ذويهم تسجيلهم داخل سورية". يضيف أن "حالات الزواج غير المسجلة تفاقم المشكلة، وأن هؤلاء الأطفال بحاجة ملحة إلى الحماية وضمان حقوقهم المستقبلية".
من جهة أُخرى، تعمل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإغاثية، على تأمين معظم احتياجات النازحين. وبحسب الأرقام الصادرة عنها، فهي تغطي احتياجات السوريين بنسبة 61%. ويشير المتطوع عبد اللطيف غاني إلى أن "معظم اللاجئين يعتمدون على المساعدات للحصول على الغذاء. وعادة ما يصل هؤلاء إلى المخيم من دون أن يكون في حوزتهم الحاجات الأساسية كالثياب أو أدوات المطبخ".
يتابع غاني: "تختلف احتياجات اللاجئين بين مخيم وآخر. على سبيل المثال، يحتاج اللاجئون في الأردن والعراق ولبنان إلى تحسين خدمات توفير المياه النظيفة والصرف الصحي، في حين تعاني مخيمات لبنان من انتشار الأمراض المعدية وازدحام شديد في المراكز الصحية، بالإضافة إلى التلوث".
إلى ذلك، يتوزع القسم الكبير من اللاجئين في تركيا داخل مدنها، فيما يتوزع الباقون على 22 مخيماً، أقيم معظمها في المناطق المحاذية للحدود مع سورية. وتقول الناشطة الحقوقية هالة عزاوي إن "ثلاثة أرباع اللاجئين في تركيا باتوا منخرطين في المجتمع، ويبحث كثيرون عن عمل لتأمين لقمة العيش، وتعلم اللغة التركية".
أما في لبنان، فيعاني كثير من السوريين فيه من الفقر الشديد. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن ثلث اللاجئين في لبنان يتقاضون أقل من دولارين يومياً. ويقول حميد التيم، وهو سوري يعمل في لبنان، إن "معظم السوريين لا يستطيعون مجاراة غلاء المعيشة".
لم يكن أحد من متابعي الشأن السوري داخل سوريا وخارجها، يعتقد أن السوريين قادرون على الشروع في ثورة، وأن ثورتهم ستستمر 4 أيام، ناهيك عن 4 عوام.
كان المجتمع السوري يبدو مفككا، من دون خبرة في الشؤون العامة ومن دون قيادات، وقليل العدد بالمقارنة مع أتباع السلطة منه، الذين قالت التقديرات إنهم في حدود 15 مليون سوري وسورية، هم إما مع النظام أو سيحجمون عن الانخراط في أعمال ثورية أو احتجاجية ضده.
وكان النظام مستعدا عسكريا وسياسيا لمواجهة أي تحرك، فالجيش والمخابرات والشبيحة يضمون نيفا ومليون مسلح دُربوا على أحسن وجه لمنع أي مواطن من النزول إلى الشارع، ناهيك عن القيام بثورة، وموظفو الدولة تحت الطلب، وكذلك تلامذة المدارس والجامعات، وعمال المصانع ومنتسبو المنظمات الشعبية بملايينهم الثلاثة؛ فلو افترضنا أن كل واحد من هؤلاء «يمون» على شخص أو شخصين، لكان الشعب المنظم والراضخ للمركز السلطوي في جيب النظام، بينما خصومه مفككون مشتتون ويفتقرون إلى قيادة وتوجيه. ليس المرء بحاجة إلى ذكاء خاص، كي يعرف لمن ستكون الغلبة في الشارع وخارجه.
ولأن الجو الدولي كان متشككا تجاه الربيع العربي، فقد اعتقد أرباب النظام أنه سيتم حسم الأمور خلال أيام قليلة، بضربات عسكرية قوية ومتلاحقة، وإنزال ثقل شعبي كبير إلى الشارع، واتهام الحراك بالأصولية والإرهاب. كما آمن النظام بأن «الفوضى» ستكون محدودة، لأن المناطق الموالية أكثر من مناطق الاعتراض، واحتكار السلطة للمجال العام يجعله عصيا على الاختراق من قبل متظاهرين يفتقرون إلى قيادة سياسية أو خطة ثورية، فأي ثورة يمكن أن تنشب في سوريا، في ظل رجحان ميزان القوى الشعبي لصالح نظامها الذي يحتكر العنف وأجهزته بنسبة ألف في المائة، علاقاته مقبولة مع الغرب عامة، وجيدة جدا مع أميركا، يتحالف مع روسيا وإيران، وله مكانة حساسة جدا في العالم العربي تجعل دوله ترفض من سيخرجون عليه، وإلا هددت أمنها عبر تهديد دوره المهم في العلاقات والتوازنات القائمة بينها وبين إيران.
حين نزل المتظاهرون إلى الشارع كانوا قلة، عدا في مدينة درعا، التي شهدت حشودا بعشرات الألوف منذ يوم التمرد الأول، بعد تعرض وجهائها للإهانة من قبل رئيس فرع أمن. لكن العنف الذي استخدم ضد درعا فجر غضبا عصف ببقية السوريين، وأنزل قطاعات كبيرة منهم إلى الشارع في جميع مدن سوريا، التي سرعان ما أقام حراكها رابطة وطنية بين أطرافها مناوئة لوطنية الاستبداد المفروضة من فوق. لقد نبعت الوطنية الشعبية من الحرية بصفتها المبدأ الرئيسي لمنظومة قيمية معادية لكل ما تبنته الأسدية. يفسر هذا نشوء عالمين متنافيين بعد أسابيع من الحراك: أحدهما عالم الشعب السلمي، الذي كان برنامجه «الحرية للشعب السوري الواحد»، وانضمت إليه يوميا جموع هائلة جاءت من البلدات الصغيرة والأرياف، والآخر عالم السلطة التي فقدت بسرعة شرعيتها، بسبب ما استخدمته من عنف لا قيود عليه ضد شعب أعزل ومسالم يطالبها بالإصلاح، ولا يطالب بتغييرها أو إسقاطها، لاعتقاده أن الثورة مكلفة جدا، وأن الأسد لا بد أن يكون وفيا لشعار الحرية، الذي جعله البعث أحد التزاماته التي لم يحققها خلال نصف قرن.
بعد أيام من الانتفاضة كان الوضع العام قد تغير، واكتشف النظام أنه ليس موجودا في الشارع، وأن أحزاب «الجبهة الوطنية التقدمية» ليست غير أصفار، وأن شيوخ الأوقاف لا يمثلون المسلمين، وأنه سلطة قمع وعسكر وفئوية وطائفية. بالمقابل، تنامت وطنية الشارع المطالب الحرية، وتعاظم وزنه وتضامنه، وظهرت فيه قيادات محلية مؤمنة بالحرية كمبدأ تشمل نعمه الجميع، وبوحدة شعب سوريا، الذي يجب أن يظل واحدا، ويقاوم كشعب موحد نظاما صار عدوا لكل فرد فيه. عندما بدأت انشقاقات العسكر مع المقدم محمود الهرموش، بدا أن النظام يتهاوى وأن عنفه يرتد عليه، وأن كيانا سياسيا بديلا شرع يتخلق شعبيا وثوريا، وأن انهيار السلطة ومؤسساتها يتسارع، بعد افتضاح أمرها كجهة تعمل لإحراق بلادها، وقتل شعبها من أجل إبقاء بشار الأسد في الحكم، رغم ما أبداه خلال حكمه من عقم سياسي وإنساني، وتسبب به من أزمات ومشكلات دفعت الشعب إلى الثورة.
كان جليا في الأشهر الأولى أن هناك عالما ينشأ وآخر يموت: عالم شعبي وطني يقول بالحرية لشعب سوريا الواحد ويسعى لتحقيق مطالبه سلميا، أهدافه العدالة والمساواة وكرامة الإنسان. وعالم سلطوي كاره لكل من ليس منه، يستخدم العنف ضد شعبـ«ـه» الأعزل، ويلعب ورقة الطائفية ليفتت مجتمعـ«ـه» ويزج به في حرب أهلية.
في ظل هذا التطور المتناقض، ظهر المجتمع السوري كحقيقة سياسية قائمة بذاتها ورافضة للنظام، وتبين كم هو قوي وراسخ الجذور في الواقع اليومي. عندما بدأت المقاومة وتم تحرير ثلثي الأرض السورية من السلطة، وأخرج النظام من مناطق لطالما أحكم قبضته عليها، أيقن الشعب أن سقوط الأسد صار مسألة وقت، وأن تضحيات بناته وأبنائه لن تذهب هباء. في هذا المنعطف، تفاقمت تدخلات الخارج وأخذت صراعاته تغطي على الصراع الداخلي أو تلحقه بها، وشرعت معركة تصفية الحسابات بين أميركا من جهة، وإيران وروسيا من جهة أخرى، تحجب معركة الحرية، وتبين كم كانت الثورة بحاجة إلى قيادة تبادر إلى استثمار مقومات الانتصار والحسم، وانتقلت إيران وروسيا إلى التدخل العسكري المكشوف، وبدأت تتبدل علاقات القوى في الداخل، قبل أن يستغل الإرهاب والأصوليون فراغ القيادة ويقدموا أنفسهم بديلا لثورة الحرية، في موقف يكمل مواقف النظام ويلاقيها.
واليوم، يبقى ما أنجبته الثورة من وقائع على طرفي المعادلة السورية فاعلا. ويبقى تصميم الشعب على الحرية مستمرا، وتبقى الحاجة ماسة إلى قيادة ثورية تتخطى في رؤاها وممارساتها قيادات المعارضة، وتتولى أخذ سفينة الثورة إلى بر الحرية، بالاستناد إلى إرادة قوة لم يكن وجودها يخطر ببال أحد، هي: مجتمع سوريا القوي، الذي عرف كيف يتحمل الألم والموت، وكيف يؤسس شروط انتصاره ويحافظ عليها طيلة 4 أعوام بغالي دمائه، وسيعرف كيف يحصد ثمارها في عام ثورته الخامس، ويستردها من الذين اختطفوها.