سيول حمراء ملأت شوارع دوما , أصوات صراخ تسمع في صداها قهر الرجال و تجاهل دولي واسع المدى , تفرج عربي عن بعد مع قشعريرة لهول منظر الأشلاء يصاحبه صمت مقمع عن مجزرة دوما التي راح ضحيتها اكثر من 120 شخصاً و مئات الجرحى ,
مجزرة بسوق شعبي لا تجد فيه سوى شحاذ او بائع الخضار أو عتال يكدح طوال النهار لكي يعود بلقمة تسند خاصرته و أهله في آخر النهار.
تآمر دولي فاضح و بشكل واضح ضد الشعب السوري الذي باتت جثث أبنائه تحمل أرقاما لا أسماء , فقد جاءت زيارة موفد الأمم المتحدة للشؤون الانسانية "ستيفن أوبراين" للنظام السوري و اجتماعه مع وزير خارجية النظام وليد المعلم بالتزامن مع القصف الهمجي لمدينة دوما و كأن شيء لم يحدث
و من المضحك المبكي أن أوبرين قد استهجن التجاهل التام لحياة المدنيين في هذا الصراع دون تعين الجهة التي قامت بالقصف , و بكل وقاحة و كأن ما رآه مجرد مفرقعات نارية في ليلة عيد رأس السنة , و هذا ان يذكرنا بشيء فانه يذكرنا بمذبحة السلاح الكيماوي منذ عامين والذي كان بتزامن وجود المراقبين الدوليين أيضا .
من المستغرب أن الاجتماع الذي كان بين موفد الأمم و المعلم نتج عنه أن الأسد المسيطر على 25% فقط من الاراضي السوري تعمد الامم لاعطائه مساعدات بينما بالمقابل قد رفعت يدها عن 75% من المساعدات في دول الجوار و المخيمات فهل هذه وسيلة ضغط على اللاجئين للعودة الى حضن الأسد و اجرامه ؟
المجتمع الدولي يتكاتف لابقاء الاسد ، من تأجيل المنطقة العازلة ، الى السكوت عن القتل الممنهج للمدنيين الى مماطلة في اجتماعات مفتوحة و أخرى مغلقة بين عواصم العالم اجمع , و كل منهم يبحث عن مصلحته في غضون الوقت بدل الضائع بالنسبة لهم بينما هو وقت مميت للشعب السوري المحاصر .
و بالمقابل قام الاعلان الايراني بتجاهل القصف على دوما كي لا تفتح مجالا للنقاش أو طرح الأسئلة حول هذا القصف ,فحينها سيكون اضاعة لوقتها الثمين في التجهيز لولاية أخرى للأسد بمباركة ايرانية .
تكتم عبر وسائل الاعلام الغربية عن قصف دوما و محاولة التنصل من معرفة الفاعل ما هو الا حلول دون اثارة الرأي العام , ففي حال أثير الرأي العام عن مجزرة الغوطة فسيكون أمامه رفض شعبي قطعي لبقاء الأسد , بينما في حال همشت المجزرة فما هي الا أيام و ينساها العالم أجمع و يكون استمرار الأسد حتما لا محال بحجة محاربة الارهاب المزمع الذي يهدد العالم
كله .
و يبقى أمل الشعب السوري بشكل عام و أمل شعب الغوطة بشكل خاص هو التخلص من مجرم قتل و ذبح تحت سقف صمت دولي , علً ساعة الحساب تكون قريبة لتنتشلهم من ظلم مباح بمباركة دولية .
أحد تاركي القتال مع داعش فسر أسباب الإجرام العنيف الذي يقوم به عناصر داعش بحق من يقع في أيديهم ، أنه عبارة عن تراكمات خلفها الحقد و الذل والموت المجاني ، فخرجت فئات لم يترك لها أي مجال للإنتقام إلا عبر العنف الغير موصوف .
روى قصة أحدهم ، قد ترك داعش أيضاً ليس كرهاً ، بل بحثاً عن من يمنحه الحق بعنف أشد ، وأقسى ، ليعالج جروح قلبه و روحه الناتجة عن اغتصاب زوجته أمام أعينه .
لا أعرف لم أذكر هذه القصة في هذا الوقت ، و لعل مراجعة صور الشهداء في مجزرة الأمس في دوما و إدلب ، ومشاهدة حال أهالي الشهداء من الآباء إلى الأبناء ، فالأخوة ،و الأمهات و .... ، فهل سنكون أما جيل قادر على استيعاب أن العدل العالمي قادر على أخذ حق من قتل و قطعت أوصاله ، و هو لم يرى أي فعل يهدأ ، ولا حتى كلمة تعمل على تضميد النفس .
بعد كل هذا الدم ، سيقولون أن الإرهاب السبب ، أن من ماحدث عبارة عن تبعيات هذا السبب، أن المرتكب الحالي ، من الممكن أن يصطلح إذا ما تعاوننا معه ، وهذه هي الردود الحقيقة ، التي تدور في العالم126 شهيد في دوما هم ضريبة يجب دفعها للدفع بإتجاه التعاون ضد داعش ، و لكن هل سيتم التعاون لصناعة محارب لداعش ، أم سنكون أمام دفع حقيقي و فعلي و مدروس أو غبي ، بإتجاه إخراج الداعشية الحقيقية ، التي ستلتهم كل شيء دون إستثناء.
أربع سنوات و نيف ، من صناعة داعش الحقيقي ، داعش الذي لن يكون بيد أحد ، خارج منفلت من أي سيطرة ، و بعيد عن نظرية المؤامرة ، و لايمكن توجيهه أو قيادته كداعش التي نشهدها الآن .
قد تقسوا الكلمات و تخرج عن حد المألوف بمجرد أن تشاهد ما تمكنت العدسات من إلتقاطه ، وهو جزء يسير من حجم المجزرة التي تجاوزت حد الإدارك لأعتى المجرمين على مر تاريخ أي حياة بشرية كانت أم حيوانية ، إنها الأيادي "القذرة" التي لا يُعرف من أي شيء صنعت أو جبلت أو نشأت ، جاءت من العدم لتزع العدم .
يغرز في القلب كلام أحد الناشطين عندما قال لي "من يومين بس بنفس المكان صورت 70 شهيد..الله وكيلك بنفس المكان ..ناس ترى كلها بسيطة سوق شعبي عتالة وزبالة وشحادين..افقر واعتر الناس اليوم راحت" ، ملخصه كافي بحروفه الحقيقية ، لوصف الفاعل ، الذي تم إهداءه بالأمس 6 طائرات جديدة من "الصديقة" روسيا ، كما يراها الساسة .
في دوما أكثر من 120 شهيداً اليوم .. عجزت الايدي عن حفر قبور فردية .. فتلاصقت الأجساد في المدافن كما ترافقت لحظة الإرتقاء لله .. و سنين الحصار و أعوام الصمود ..
120إنسان .. 120 حلم بالحياة .. 120 عائلة ثكلت .. مئات الأطفال تحولوا إلى أيتام .. وآلاف القلوب كسرت و مزقت ..
120 شهيد في لحظة من لحظات الإجرام المستمر منذ أربع سنوات و نيف .. بدون أي تحرك أو فعل لردعه .. و أكثر ما سنحصل عليه في الغد عبارة عن إدانة أو قلق ... لن نتمنى أن تكون دوما : الفوعة أو عين عرب التي استنفر لها العالم .. بل ستبقى دوما هي دوما و ألمها هو ألم الشعب السوري الحقيقي .. ولا يهم من يدعي التألم ..
دوما ليست في قلب السوريين فحسب ، بل هي من المفروض أن تكون قلب كل المسلمين ، فهي من وصفها رسول الله صل الله عليه و سلم في حديث "فُسْطَاط المُسْلِمِينَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ......بالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشّامِ" ، في الغوطة حيث الصمود هو صمود للإسلام ، و للمسلمين الحق .
دوما تجاوزت حد الإبادة .. و لكن الصمت تجاوز حد "العهر" ..
أدت المغامرات العسكرية الأمريكية في العقود الأخيرة وكذلك التغيرات العميقة في بنية الاقتصاد العالمي إلى تغير طبيعة التحديات الاستراتيجية التي ستواجهها الولايات المتحدة في العقود القادمة. ففي حين استنزفت وزارة الدفاع الميزانية الأمريكية على مدى عقدين متتالين بشكل مرهق، أدت القدرات المتزايدة لدول شرق آسيا على الانتاج والتصنيع إلى خلق حالات كساد ضخمة في العديد من الصناعات في أوروبا وأمريكا. كما أن آثار تزايد القدرات التنافسية لدول شرق آسيا لازالت تتكشف بشكل متتابع سنة بعد سنة. حيث من المرجح اختفاء العديد من الصناعات العريقة في الغرب عموما لضعف قدراتها التنافسية في عالم العولمة الذي بشر به وصنعه الغرب على عينه.
أما في الساحة السياسية فاكتسبت العديد من المجموعات الصغيرة نسبيا قدرات متزايدة على التأثير في السياسات العالمية في حين كانت الدول القومية هي اللاعب الوحيد على ساحة السياسة الدولية لعدة قرون مضت. فتفجير طائرة على يد مجموعة من المتمردين المجهولين في أوكرانيا أو اختطاف سفينة تجارية في المحيط الهادئ يؤدي اليوم إلى اضطراب هائل في كامل قطاعات النفط والمال وشركات الطيران وشركات التأمين عبر العالم. كما أن الصراعات المسلحة الناتجة عن الأزمات المحلية المستعصية بدأت بالتحول إلى أزمات ذات طابع دولي كما شهدنا ذلك في حالة تنظيم الدولة الاسلامية، وكذلك في حالة القاعدة قبل ذلك.
استوجبت هذه التغيرات استجابات عميقة على مستوى السياسات العليا للولايات المتحدة تقضي بإعادة النظر بتموضعها الاستراتيجي عبر العالم، وما يقتضيه ذلك من ترشيد لتوزيع واستخدام أدوات القوة بكافة أشكالها المنتشرة عبر القارات الخمسة. وذلك ما بات جليا منذ وصول الرئيس بارك أوباما إلى سدة الرئاسة قبل أكثر من ستة سنوات. فسياسة الانكفاء الامريكية تجاه الأزمات السياسية العالمية لم تبدأ في الحالة السورية أو في أوكرانيا، بل كانت واضحة منذ الاجتياح الروسي لجورجيا في عام ٢٠٠٨.
وبالتالي فإن السياسات الأمريكية الهادفة للوصول إلى تفاهم مع إيران ولو على حساب الشركاء التقليديين في المنطقة يمكن فهمها في هذا السياق، حيث تسعى الولايات المتحدة اليوم لتحقيق مصالحها في المنطقة من خلال سياسات أقل عدوانية وبأقل قدر من التدخل المباشر. فالاولوية لدى الادارة الامريكية اليوم هي المحافظة على التفوق الاقتصادي والصناعي في عالم متغير تسوده ديمقراطية المعرفة وسهولة تنقل التكنولوجيا, وسمته التنافس على العقول والاسواق.
رغم عودة القوات العسكرية الغربية إلى المنطقة في صيغة التحالف الغربي ضد تنظيم الدولة، إلا أن هذه العودة تعد خطوة تكتيكية خجولة، تعول على الشركاء المحليين وتخدم أهداف آنية على صعيد التنافس السياسي داخل الولايات المتحدة، وأخرى على المدى المتوسط على صعيد توازن القوى داخل منطقة الشرق الاوسط. أي أن التحالف الغربي الذي تأسس ليواجه تنظيم الدولة لا يملك على اجندته طموحات توسعية بعيدة المدى. الأمر الذي يعني ظهور فراغ نفوذ متزايد في المنطقة لم نشهد مثيله منذ انهيار الدولة العثمانية.
بطبيعة الحال لن تتمكن روسيا أو الصين من ملأ هذا الفراغ لعدم قدرتهم على تحمل أعباء بناء وتشغيل الدولة الامبراطورية التي عجزت عنها الولايات المتحدة وعجزت عنها بريطانيا قبل ذلك، عندما كانت عظمى. مما يعني أن التنافس على ملا فراغ النفوذ في المنطقة سيكون محصورا بين إيران وتركيا وكذلك اسرائيل. خاصة بعد خروج مصر من ساحة التنافس الأقليمي كقوة فاعلة وقادرة على قيادة دول أخرى لأسباب عديدة أهمها تفاقم تناقضات دولة مصر الداخلية والتراجع المستمر لقدراتها الاقتصادية، الأمر الذي تركها عرضة للتقلبات السياسية في الدول المحيطة بها، بدل أن تكون هي الموجه والمشارك في صناعة الأحداث السياسية في الأقليم.
أما اسرائيل فهي تعتمد على تفوقها المعرفي والذي تسعى لترجمته إلى نفوذ اقتصادي ومالي يسمح لها بالسيطرة السياسية، وكذلك تعتمد على علاقتها الدولية من أجل تحقيق مصالحها دون اضطرارها للجوء إلى الهيمنة المباشرة عبر التدخل الخشن.
في حين تتنافس تركيا وإيران على قيادة الفعل السياسي في المنطقة، حيث تسعى كلا منهما لبناء منظومة سياسية قادرة على قيادة المنطقة, تكون هي محركها الأساسي وصاحبة التأثير الأكبر فيها.
فإيران اليوم تعول على ثمار الاتفاق النووي من اجل دعم مشروعها الرامي للهيمنة على القرار السياسي في منطقة الشرق الاوسط. حيث سيوفر لها الاتفاق النووي سيولة مالية ضخمة يمكن توظيفها في دعم اذرعها الممتدة في الدول المقلقلة في المنطقة، كما أنه سيعيد تأهيلها كشريك وعضو فاعل في المجتمع الدولي يمكن التعامل معه والتعويل عليه في تحقيق مصالح الدول الكبرى في الاقليم. فمن المؤكد ان الاتفاق النووي الامريكي الايراني سيمد الخزينة الايرانية بسيولة مالية ضخمة تساعد الطموحات الايرانية على التمدد والتوسع في المدى المنظور. إلا أنه على المدى البعيد قد يؤدي هذا الاتفاق الى تفكك نظام الملالي الايراني وربما انفراط عقد الدولة الايرانية كنتيجة لتفكك السردية الرئيسية التي تأسست عليها دولة الملالي بشكل كامل (العداء للغرب ونصرة المستضعفين).
أما تركيا فقد سعت خلال السنوات الماضية لدعم المد الثوري والشعبي في المنطقة والمطالب بالمزيد من الحريات لقناعاتها بإن الناتج عن هذه الثورات في حال نجاحها سيكون أنظمة سياسية معتدلة قريبة في توجهاتها من حزب العدالة التركي, وبالتالي سيكون من الممكن التفاهم والتعاون معها لبناء منظومة قادرة على ملء فراغ الهيمنة الناشئ عن الانكفاء الامريكي. إلا أن طول أمد الازمات وانهيار الدولة الحاصل في سوريا والعراق وضع الدولة التركيا أمام تحديات ومخاطر متعددة ناجمة عن بروز الجماعات الاسلامية المتطرفة من جهة، وكذلك ناجمة عن تعاظم أحلام وطموحات بعض الجماعات الكردية المتطرفة من جهة أخرى. الامر الذي استوجب التدخل العسكري التركي المباشر خلال الشهر الجاري رغم محاولة تجنبه خلال السنوات الماضية. حيث يهدف التدخل العسكري التركي إلى تحقيق عدة أهداف مرحلية تخدم الرؤيا المستقبلية لتركيا حول دورها وتموضعها في المنطقة ويحقق شيء من التوازن مع التقدم العسكري والسياسي الايراني.
يمكن تلخيص هذه الاهداف كما يلي: منع الجماعات الكردية المتطرفة من تغيير البنية الديموغرافية في الشمال السوري، وكذلك تحجيم تنظيم الدولة وتحجيم تهديده للعمق التركي من جهة، وحماية ظهر فصائل المعارضة المسلحة المقاتلة للنظام السوري والنفوذ الايراني من جهة أخرى. كما أن خلق المنطقة عازلة في الشمال السوري سيتطلب حمايتها من تنظيم الدولة ومن نظام الاسد. حيث سيساعد وجود هذه المنطقة من تخفيض تدفق اللاجئين, وستمثل نقطة انطلاق يمكن للمعارضة السورية الانتقال إليها بما يخفف العبء السياسي للاستضافة المعارضة السورية في تركيا.
في خضم هذه التغيرات تعيش المنطقة العربية حالة من الهشاشة وانهيار الدولة. مما يجعل تحالف دولها مع الدول المحيطة من أجل تحقيق الاستقرار قدرا أكثر منه خيارا. فلا خيارات أمام سوريا والعراق وكذلك أمام باقي دول المنطقة سوى التعاون مع إيران أومع تركيا أو مع كلاهما من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية عبر الخروج من دائرة الهشاشة إلى دائرة الاستقرار.
كما أن الخروج من دوائر التبعية للسياسة الغربية إلى دوائر الاستقلال الاقليمي في صناعة القرار السياسي على المدى البعيد يتطلب بناء منظومة اقليمية متفاهمة ومتعاونة فيما بينها. والحقيقة فإن تركيا اليوم رغم جميع الانتقادات والنواقص تمثل واحة الاستقرار السياسي والاقتصادي الوحيدة في المنطقة والمعتمدة على آليات التداول السلمي للسلطة، وتتبنى نموذج الاندماج الايجابي في عالم العولمة. الامر الذي يجعلها الحليف الطبيعي لسياسات التحول الديمقراطي لدى دول الربيع العربي، وكذلك يجعل منها الظهير الحقيقي لحركات التغيير المطالبة بالانتقال الديمقراطي في المنطقة. وفي نفس الوقت فإن تركيا هي الحليف الطبيعي للسعودية من أجل تطويق التهديد الايراني بعد توقيع الاتفاق النووي.
ولعله من المفارقات التاريخية أن جميع المناطق التي تعاني اليوم من القلاقل الاجتماعية والسياسية: فلسطين، سوريا، العراق وكذلك جورجيا والقرم وأوكرانيا والبلقان كانت تعيش تحت الادارة العثمانية قبل ١٠٠ عام. حيث أن الدولة القومية الناشئة في جميع تلك الدول بعد انفصالها عن جسم الدولة العثمانية لم تستطع تحقيق نجاحات تذكر فيما يتعلق ببناء الهوية المشتركة وبناء دولة الرفاه والخدمات وذلك لأسباب عديدة لا يتسع لها المقام في هذا المقال. الأمر الذي يجعل التفاهم والتقارب مع الدولة التركية الحديثة في جوهره تصالحا مع الذات ومع التاريخ أكثر منه قرارا سياسيا. فهناك مئات السنين من التاريخ المشترك بالاضافة إلى الكثير من المصالح المشتركة اليوم.
خلاصة القول هي أن المسار الأقتصادي والسياسي التي اتبعته تركيا يرشحها للعب أدوار هامة مستقبلا ويؤهلها كشريك يمكن التعاون معه والتعويل عليه من أجل بناء منظومة سياسية اقليمية تتمتع بشيء من الاستقرار والاستقلال وتمتلك القدرة على مواجهة الاطماع والطموحات الايرانية من جهة والاسرائيلية من جهة أخرى. حيث سيكون من المتعذر إعادة بناء الدول المدمرة والمقلقلة في المنطقة على أسس سليمة في غياب هذه المنظومة، كما أن أي حل للقضية الفلسطينية على المدى البعيد يحتاج منظومة سياسية محلية تتبنى هذه القضية.
وفي الختام يمكننا القول من حيث النتيجة بأننا الجيل الذي يعيش المراحل الأخيرة لانهيار النظام السياسي الذي حكم منطقتنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وحتى ولادة النظام البديل سيتوجب على شعوب المنطقة أن تتعايش مع آلام المخاض التي تعصف بها على هيئة أزمات واضطرابات متزايدة، تتصارع في خضمها المشاريع المتنافسة.
باتت فرص عودة ، نفس مشهد ، اخلاء الثوار لحمص قبل عام و بضعة أشهر ، كبيرة جداً في الزبداني ، مع اتخاذ القرار من قبل الثوار بداخل المدينة بالخروج منها .
ونقل المجلس المحلي في الزبداني ، في بيان صدر عنه بتاريخ 13/8/2015 ، طلب من الكتائب المقاتلة و الهيئة الطبية و وجهاء المنطقة ، من حركة أحرار الشام ، المفوض من قبلهم لإجراء المفاوضات مع الجانب الإيراني ، القيام بأي حل لأزمة المدينة المحاصرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ، والتي تتعرض لأعنف الحملات منذ قرابة 40 يوم.
وأوضح المجلس أنهم يرضون بأي حل حتى لو تضمن خروجهم من المدينة ، مثمناً في بيانه نصيحة حركة أحرار الشام في "البقاء في المنطقة و الصبر على ذلك" ، وأكد البيان أن الظروف أكبر من "احتمالنا" وتقتضي القبول بأي حل كان.
البيان الذي انتشر على نطاق ضيق نسبياً ، رافقه تسريب لبعض بنود الإتفاق الذي تم التوصل إليها ، ومنها تحديد آلية الإخلاء ، بأن يخرج الجرحى فالعائلات فالمقاتلين من الزبداني و كفريا و الفوعة بنفس التوقيت ، المحدد الساعة السادسة صباحاً ، دون اي تفاصيل إضافية ، و لم يتسنى لنا حتى كتابة هذا السطور من التأكد من صحة هذه الأنباء أو الحصول على توضيحات عنها ، بعد إعتذار عدة أشخاص مقربين من ملف المفاوضات عن التصريح .
وفي سياق موازٍ ، قال قائد حركة أحرار الشام "أبوجابر الشيخ" في تغريدات على حسابه على موقع التواصل الإجتماعي "توتير" قبل ساعة تقريباً :"خمس وأربعون يوما وأحرار الزبداني معطلين لمشروع التغيير الديموغرافي لدمشق وماحولها (تهجير السنة و توطين الشيعة)" ، وأردف في أخرى :"هذا المشروع الذي استلمت زمام قيادته إيران التي امتطت التشيع الرافضي لتحقيق حلمها في استرجاع أمجاد فارس".
و تحديد الشيخ للمدة بـ45 يدل على أن الإتفاق قد إنجز و قد يبدأ التنفيذ قريباً جداً ، وقد يكون فجر الغد (السبت) أو الأحد ، وهو موعد انتهاء الهدنة الثانية ، والتي مدتها 24 ساعة ، جاءت بعد الإتفاق على هدنة تنتهي صباح الغد مدتها 48 ساعة .
السعودية لا تريد بقاء الأسد , ولكنها تريد "الحفاظ على مؤسسات الدولة في سوريا" ماهي تلك المؤسسات التي يريدون الحفاظ عليها وكيف يمكن تعريفها لنا .
إن المؤسسات المتواجدة حالياً هي مؤسسات غير موجودة بالنسبة للشعب السوري فهي مؤسسات تابعة لطائفة واحدة سخّرت كافة قوتها لخدمتهم دون الشعب السوري ومن أجل حمايتهم فكيف يريد الجميع المحافظة على تلك المؤسسات الامنية التي عادت بالاضرار الجسيمة ليس على الشعب السوري فقط بل على المنطقة بأكملها ,إن المؤسسات التي صنعها النظام وسيطر عليها من خلال تحكمه بها ( تشريعية تنفيذية قضائية ) كانت ولاتزال تابعة للنظام فقط وتحافظ على تواجده وشرعيته ولابد من إيقافها وإيقاف العمل بالدستور وتشكيل مجلس دستوري يعتمد على المبادئ الدستورية الوطنية التي تنتقل بموجبه البلاد من نظام رئاسي استغلالي الى نظام برلماني تعددي يتم من خلاله توزيع السلطات وضمان استقلالية القضاء وان المهام الرئيسية في بناء نظام جديد يتطلب :
1- بناء أسس دستورية وتنفيذية
2- تشكيل مؤسسات جديدة تحت عنوان مرحلة انتقالية
3- تكوين الجيش الوطني والمجلس التأسيسي والدستور واللجنة التنفيذية
ان الذرائع التي وضعها النظام في المحافظة على المؤسسات للاسف قد تبناها الجميع ابتداء من دول الجوار الى الانظمة العالمية وأنا أعتبرها أحدى البدعات السياسية التي يجب محاربتها كما البدعة الدينية وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وماهذه البدعة سوى المحافظة على النظام من خلالها
أُشبعت خلال الأيام القليلة الماضية بالكم الهائل من المبادرات و الإجتماعات و الإتفاقات و التوافق على بنود و تعليق البقية إلى مراحل أخر .
أرهقتني مقالات التحليل و التسريبات و الكلام عن أن الحل إرتسم ، و بات في مرحلة التنفيذ ، و أن أي شيء يحدث في الكرة الأرضية هو بادرة تحسب على الحل في سوريا .
إيران تطرح بنود رباعية للحل .. روسيا تقترح حلف دولي للحل .. أمريكا تتفق على أسس ممهدة للحل .. الأمم المتحدة ستقر الحل .. مجلس الأمن يعمل على الحل.. السعودية تتمترس بالحل الذهبي .. الائتلاف يجوب بحثاً عن الحل ..
يقولون أن موسكو تخلت على الأسد ، وأن إيران ستسحب حزب الله من سوريا ، أيضاً السعودية ستُغير على القصر الرئاسي في قاسيون ، كما هنالك اقتحامات عنيفة للجيش التركي على الأراضي السورية لتخليصيها من الدنسين "داعش و الأسد" ، و تكف يد القوات الكردية الإنفصالية عن أقتطاع "روج أفا" من سوريا ، ويوجود نية أردنية طموحة لأن تكون درعا أول منطقة محررة و محمية و منظمة و البيئة الأفر لإستيعاب السوريين .
و في النهاية لايوجد شيء على الأرض .. هو حراك سياسي دولي معتاد في كل عام أو كل بضعة أشهر تبعاً للتطورات العالمية و الصفقات التي تبرم سياسية كانت أم إقتصادية أو عسكرية .. و دائما يكون الملف السوري حاضراً كطاولة يتم التوقيع عليها ثم تركن في جانب الغرفة ليتم استدعائها عند حدوث أمر يتطلب صفقة .
هناك قائمة قد أحتاج لصفحات لأعرض الخطوط العريضة للمبادرات و مجلدات لكامل بنودها و تفاصيلها ، و لكن كلها لاتساوي شرارة إنطلاق رصاصة من بندقية ، ولاحتى "فراغية" قذيفة مدفعية ، فالصوت الأوحد ، الأوضح ، الأجدر هو صوت السلاح ، و لن يطفئ صوته إلا نهاية أحد الطرفين ، و النهاية إما أن تكون بالإستسلام أو بالإبادة ، وأي كلام عن سياسة مجرد غثاء حملان ، أمام زمجرة السلاح ، في كفريا و الفوعة مثال على الإجبار للرضوخ والإستماع و تلبية المطالب ، و ليس في جنيف أو موسكو أو القاهرة أو الرياض ، فهناك الغثاء .. الذي تُصمته مجرد زمجرة .
من المتاريس العسكرية في الجبهات الساخنة أو المتجمدة إلى المتاريس الأيدلوجية التي تتكاثر وتتزايد كل دقيقة في عالمنا الأزرق الافتراضي، سدود فكرية أذابت احتمالية تطور سريع في مجال الفكر والثقافة في مجتمعنا السوري، حتى ظهر سد فولاذي ضخم يفصل كل شيء عن الأخلاق واحترام الذات والآخر.
لعل أحد أسباب عرقلة الثورة واجهاض ولادة حرية أكثر شياكة، هو موهبة البعض الفذة في ممارسة السعار الأخلاقي، حيث أُحتل واقعنا أو مواقعنا الافتراضية وخصوصا "فيسبوك" بنسبة كبيرة لا يستهان بها من الانحطاط الأخلاقي والموت الفكري حتى صارت تلك المواقع التي خُلِقت للتواصل الثقافي والتبادل الفكري إلى سجن كبير يُشبّح فيه كل من لا ينطبق رأيك على مزاجه واعتقاده، وينتظر فرصة واحدة لكي يُعرّي أخلاقه ليُريك قباحة أسلوبه معك، حتى أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي بمعناها الأدق والصحيح مواقع للتشبيح الأخلاقي، وصارت أقل حرية من حرية البعث المزعومة وأكثر استبدادا من استبداد داعش.
بينما الغرب "الكافر الملحد والزنديق" يتمتع بالتطور الحضاري وسحر التكنولوجيا والفضاء، وحرية التعبير، وبآخر ما توصلت إليه البشرية من أساليب التمدن والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، يحترف مجتمعنا بالغياب عن كل تغيير يطرأ على الحياة من تجديد وتحول من حال إلى حال أفضل، تائهون عن كل المعايير التي توصلنا إلى غايات الثورة النبيلة، مهنتنا هي حصر الفكر بين التخوين والتكفير، والتجرد من الأخلاق.
تلعن الأسماء الوهمية في "فيسبوك" كل الأفكار التي تتعارض معها، جاعلة من صاحب الرأي المعارض لها خائن أو عديم الفائدة للوطن والثورة، أو فقط كائن منظّر لموضوعات لا منطقية، تهرول إلى الكتابات التي تلقي إعجابا كبيرا بغض النظر عن المعنى الحقيقي لمحتوى ما كُتِب، لتنقلب النقاشات إلى حروب دموية لا مغزى منها سوى اغتصاب الأخلاق والعقول، يستخدم (المختبئ خلف الاسم الوهمي) الأشخاص اللذين يبحثون دوما عن الأحاديث التي تجلب المعجبين أداة له، لكي يهاجمون من يعارضه دون التأكد من مدى فعالية وفائدة فكرته ورأيه، ويشتم أمه وأخته وجميع أجداده!!، ليرصد هو الأمور ويحللها من وجهة نظره ويفرض اعتقاداته على سائر أفكار المجتمع، هذا المشهد السوداوي الكئيب يعيدنا إلى عفن البعث المستبد، ويضعنا في بؤس الحاضر المرعب، الذي يعاني منه معظم أصحاب الرأي في مواقع التواصل الاجتماعي وتعمي عيون المبدعين والوسطيين العقلانيين، وكل من يقدم العقل والمنطق في كل كلمة يقولها عن إدراك الطريق للخروج من جحيم الواقع، ويقتل روح ابتكار أفكار جديدة، فكل فكرة جديدة قد تتعارض ربما مع معتقدات الغير ستكون ضحية لشياطين المجتمع ثم تُسجن في هلاكها التام، ويكون عادة قطع الأفكار من جذورها بمثابة قطع الرؤوس من أعناقها.
تخرج إلى شرفة المنزل لترى الدنيا التي تلفها العتمة كلها، خاوية من كافة الضمانات المستقبلية للأجيال القادمة، واقع مظلم أفكاره مضطربة وأعصابه في غاية التوتر، يسبح بتكوينات أساسها الضغينة والطغيان، تتضاءل المعرفة فيه وتنعدم الثقافة، فتتفرق النشاطات السياسية والفكرية إلى ملامح ضبابية غير واضحة، ينخر الدود ضريح أخلاقنا، وتئن قبور الشهداء، حتى صارت ثورتنا سوداء كالعار.
انطلقت في شوارع اللاذقية قبل قليل ما قيل انها مظاهرة استنكار لقتل أحد ضباط قوات الأسد على يد أحد أفراد عائلة الأسد ، و شملت المظاهرات عدة أحياء موالية للأسد ، في لاذقية الأسد ، داعية الأسد للجم قريبه ، وإعادة العدالة الأسدية للحاضنة الشعبية للنظام الأسدي .
بما أن الأمور تدور حول محور "الأسد" ارضاً و جمهوراً ، فنحن كمراقبين و متابعين ، ومن خلال خبرتنا فيما مضى ، يبدو أن من واجبنا مطالبة الأسد بالضرب من يد من حديد لكل من يخرج عن الطاعة ، أو يحاول الهروب من سكين الموت الأسدية التي يجب أن تقضي على جميع من يقف معه.
فلا داعي للإنتظار بضعة شهور ، وبذل الجهود في تصنيع الدلائل على المؤامرة الكونية الجديدة التي ستضرب هذا الكيان المقاوماتي التاريخي ، فالقضية واضحة ، حاضنة افتعلت مشكلة مع ابن ابن عم الأسد ، لتوريط الأسد ، في صدام مع بيئة الأسد ، لتدمير حلم الأسد بدوبة الأسد الجديدة ، او تحطيم محاولت اعادة تعويم الأسد على شكل نظام مأسدسد .
ولا يمكن لنا أن نتوقع أن يكون هناك أي رد فعل ، اطلاقا باستثناء بعض الصرخات هنا و هناك ، يستفاد منها في اخفاء حجم الخسائر الكبيرة التي يمنى بها على جبهات الغاب ، أرضاً و بشراً ، و اختزال الأمر أن ابن ابن العم قد أخطأ و تم معاقبته ، إما بالنفي إلى الإمارات أو لحضن الأصدقاء في لبنان ، ليعود الأسد نصيراً لشعب الأسد ، و نعود من جديد لحرب الإرهاب و التكفيرين ، الذين ضربوا بالكيماوي و قتلوا العقيد ، و يهددون العيش المشترك .
شكل بيان حركة أحرار الشام أمس عن توقف المفاوضات مع الجانب الايراني بشأن وقف الحملة على الزبداني مقابل وقف قصف القرى الشيعية في ادلب "كفريا و الفوعة" ، اعلان رسمي للاحتلال الايراني لسوريا ، بحيث لم نعد نقاتل لنيل الحرية من نظام مستبد ، بل بتنا أمام احتلال واضح كامل الاركان ، و اسوء أنواع الاحتلال و أشنعها .
الزبداني تمر عليها لحظات عصيبة في مواجهة الموت على ايد اقذر المخلوقات ، تواجه الموت وهي واقفة ، غير راضخة ، غير متراجعة ، فالموت هنا لا يخيف ، و إنما البقاء أحياء ، ومشاهدة الغزاة يدخلون البيوت ، هو ما يميت من الرعب .
نداء حركة الاحرار باشعال الجبهات للجميع ، و إن كان مخصص لأهل الغوطة ، كونها الهدف القادم بعد الزبداني ، و ان شخصناه فهو موجه لشخص زهران علوش ، بأن يصحو قبل أن يتحول السيف اللامع من بعيد ، إلى ملاصق للرقبة ، لامكان هنا لاي مبرر ، فالإقدام على ضرب الأسد و ايران بعمق دمشق ، لايعني الموت ، كما يجده مبرر جيد للصامتين في الغوطة ، فاليوم أفضل من انتظار الموت الآتي إلى أرضك في الغد .
أنا على يقين أن أكبر أخطاء جيش الإسلام هو الهالة الاعلامية التي أحاطه به نفسه على أنه جيش متكامل الأركان ، ويقيني أكبر وجود سوء تعامل اعلامي مع الهجمات المتلاحقة على جيش الاسلام ، و بيانه الأخير حول فتح كل الجبهات نصرة للزبداني إلا الغوطة ، هو خطأ لا يغتفر ، فحال جيش الإسلام ليس بأسوء من رجالات داريا ، لا مميت كأبطال الزبداني ، ولامكان لأي مبرر ، فإن كان الاسلام هو المرجع فقول تعالى يكفي (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [ البقرة 249] ، فالتحرك اليوم و الآن ، و الضرب بكل ما نملك ، إن لم يكن نصرة لأحد ، فلتكن نصرة لجيش الإسلام و مقاتليه و عوائلهم ، و دفع الموت عنهم أو الموت بشرف ، و ألا نكتفي ببيانات و اجتهادات و تفسيرات و تشجيع الجميع ، فمن يصمت اليوم عن قتل أخيه ، سيموت غداً بصمت .
ولا أقصد هنا جيش الإسلام فحسب ، فكل فصيل معني و مطلوب منه الوقوف ، و توجيه الصفعة لايران في كل مكان يملك قيمة عندهم ، ابتداء من المقام المزعوم "السيدة زينب" ، و انتهاءً بأصغر منزل يحتويهم.
داريا و رجالها لطالما علمونا ، أن الحصار ليس موت ، و أن تكالب الجميع لايعني الركون ، فكل السلبيات توظف لتكون دوافع لأعمال كبيرة و لهيب داريا بالأمس أبلغ رسالة ، بأن الزبداني ليست وحدها ، و أن داريا ستهاجم قبل أن تدافع .
الزبداني تصرخ و تدعوا الجميع للتحرك ، مدنيين و عسكريين و سياسيين ، فنصرتها مطلوبة من الجميع ، و خسارتها يعني خسارة الجميع فلن نخسر الزبداني ، و إنما "سوريا" بكامل تفاصيلها .
بما أن العالم قرر التعامل مع الموت الإعتباطي و المجاني الذي يفتطك بالشعب السوري طوال السنوات الماضية ، دون أن يحرك ساكناً كأنه جماد لا روح فيه ، فإن مخاطبته تشبه مخاطبة أي مثيل له ، و لنخاطب أحد آلات الموت الغاية في الفتكة ألا وهو "البرميل" عله يستطيع أن يفهم و يدرك هول ما يحدث.
ما يحدث لدرايا ، جعلني اعود بالذكرة لعامين مضوا كتبت حينها عن درايا ، قصة حقيقية ، جرت معي تقول القصة :
جلس يتابع الدخان الكثيف المتصاعد منذ أشهر من داريا، و يستمع لأصوات القذائف و تحليق الطيران المتواصلان ، وقال بحسه الحمصي الظريف: شو تل أبيب ما سقطت، طبعا أتبع تعليقه بضحكة ملؤها ألم و شجن، فقد شهد تدمير مدينته، و ها هو يشاهد مدينة أخرى واقعة في براثن نظام أثبت جدارة و قدرة فائقة على إلحاق الدمار بكل أرجاء الوطن.
داريا أو أطلال داريا مازالت صامدة و إن تشهد بعض الانتكاسات في البشر و الحجر إلا أنها مازالت صامدة.
صحيح أن داريا ليست المدينة الوحيدة التي تدمر أو دمرت بمنهجية النظام، لكن لها خصوصية معينة، فبطولات رجالاتها شكلت الأرق الذي لا ينتهي والغير محدود للنظام، فكانت نبع الألم و دليل العجز عن كسب أي انتصار ولو على الركام، فداريا في مرمى كافة أنواع المدفعية للفرقة الرابعة "سرايا الصراع" ومطار المزة وكثير من وحدات الحرس الجمهوري، ورغم كل ذلك مازالت صامدة.
عقدة داريا أفقدت النظام كثيرا من معنوياته و ما تبقى من عقله، فكانت أبواقه الإعلامية تتحدث عن إعادة السيطرة على درايا عشرات المرات، من ثم انخفضت المساحة إلى شوارع، ثم إلى أحياء، وكل هذا لم يفيد النظام في تحسين معنويات مقاتليه.
ولذا لجأت هذه الأبواق إلى حديث عن سيطرة وحدات أشباه الجيش على منزل أبو محمد و أن الاشتباكات تدور حول غرفة الابن الأصغر، بيت بيت عسى يلتمسوا بصيص نصر و لو على غرفة السفرة.
داريا باتت السبب الوحيد الذي يؤرق النظام و تساقط المدن التي تحيط بها، فكلما خسر منطقه يتهم مقاتلي داريا بأنهم وراء السقوط، وكلما تم قطع طريق من طرق الإمداد أو الهجوم على حاجز ما يتم اتهام داريا و أبطالها.
لا أعرف إن كان ما قاله ذلك الحمصي نكته أم حكمة، فقد تحولت هذه المدينة إلى تل أبيب التي تنسب لها كل الهزائم و الخسائر.
يمكن القول أن الفترة الماضيها و التي تعود لأربع سنوات خلت ، لم يكن الظهور الإيران فجاً ووقحاً و ظاهراً كما ظهر خلال اليومين الماضيين في سهل الغاب ، فبالكاد تجد من يتحدث لغتنا ، أو من كانت سوريا تجمعنا مرغمين معهم ، فاللغة الفارسية هي الحاضرة و على العلن و الملئ .
ماحدث في سهل الغاب ، هو مؤشر حقيقي على أن المعركة المفصلية و المباشرة قد بدأت بالفعل ، فالعدو الذي كان يتخفى هنا و هناك ، بهذا اللباس أو ذلك ، قد خلع عباءته و قرر الدخول على العلن لمواجهة الثورة التي ستطيح بكل ما بناه منذ عشرات السنين ، و تجعل حلمه الإمبراطوري أياً كان فارسي أم شيعي ، مهدد بالضياع و الإنتهاء.
600 غارة جوية في 48 ساعة ، وتوظيف كامل لكل شيء لدى النظام الغبي ، ابعاد كل الضباط و العناصر ، و الدخول بالحرث الثوري ، و بعض المرتزقة اللبنانيين و العراقيين ، فالأمر بالنسبة لهم أن الاسد و حاضنته و المناطق التي يسعى للحفاظ عليها قد باتت قاب قوسين أو أدنى من السقوط بيد الثوار الأحرار ، وهذا السقوط يعني ان الحلم بات كابوس .
اليوم الناطقون باسم النظام ، يعلنون أن الاستعادة التي تمت في سهل الغاب ، بمساعدة مباشرة و خالصة و قوية من الأصدقاء"الإيرانيين" ، و أن الإيرانيين جاءوا ليدافعوا عن أهل سورية الأصليين من الطائفة العلوية و مالف لفيفها من بقية الطوائف التي مدت النظام و ساندة ايران بتحقيق حلمها ، الاعلان الذي يعتبر بمثابة ، اعلان رسمي لانتهاء سوريا كدولة و تحولها لمستعمرة .
في وسط هذا الاحتلال العلني ، تنطلق الأبواق هنا و هناك ، عن ضرورة محاربة التطرف ، و الإرهاب و ضرب داعش و النصرة و كل فصيل أو أي شيء يتحرك على الأرض ، و لكن يتعامون عن الاجرام الغير موصوف ، وهنا تبرز الأهمية في محاربة التطرف ، فهم ينمونه ، يكبرونه ، و يجعلون من التطرف هو الوسيلة لمواجهتم .
و لكن التطرف المتولد لن يكون كما سابقه ، و ماسبق عبارة عن تطرف مخفف ، فالعدو بات في المواجهة المباشرة وجهاً لوجه ، و لامكان للتراجع ، إلا باتجاه الهجوم .