مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣٠ أكتوبر ٢٠١٥
بوتين يريد حصة الأسد

بعد أربع سنوات، وصلت روسيا أخيراً إلى الربيع العربي الذي حرك المنطقة العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الفاتر. طوال الأحداث والتموجات والمخاضات التي حصلت إبّان تلك المرحلة الحرجة، لم تكن روسيا شيئاً مذكوراً، أو هكذا يظهر؛ فقد دخلت الولايات المتحدة الأميركية على الخط مبكراً للدفاع في اتجاه هندسة معينة للأمور، بحيث تضمن عدم الانزلاق في الاتجاه غير المرغوب فيه، ولعب الاتحاد الأوروبي الأدوار التي يفرضها عليه موقعه وطموحاته، خصوصا في منطقة شمال أفريقيا، فيما ظل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يحتسي قهوته، ويتأمل من بعيد ما يجري ويدور، متحسباً ما ستسفر عنه عاقبة الأمور.
منذ نهاية الحرب الباردة والاعتقاد الشائع أن روسيا أدارت ظهرها تماما لمنطقة الشرق الأوسط، وأبقت على نفوذ محدود مع حلفائها التقليديين هناك، خصوصاً النظام السوري الذي لم يقطع حبل السرة مع موسكو، حتى بعدما أصبحت مجرد عاصمة لدولة كبرى، لا رمزاً لامبراطورية. وقد توهمت الولايات المتحدة أن هناك علاقة قوية بين الإيديولوجيا والقوة، وأن زوال الشيوعية يعني تراجع التطلع الروسي إلى التمدد، واطمأنت إلى هذه الفكرة، بشكل خاص عندما غرقت روسيا في مستنقع الأزمات الإقليمية، منذ حرب الشيشان الأولى، وصولا إلى أوكرانيا.
بيد أن استمرار الأزمة السورية ودخولها العام الرابع، خلط الحسابات لدى الإدارة الأميركية، لكي تجد روسيا كوة تنفذ منها إلى المنطقة، وتحرك قواتها العسكرية التي لم تغادر البلاد منذ نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينيات. أدرك بوتين، الخبير في تفكيك المعلومات وإعادة تركيبها بالنظر إلى خلفيته المهنية، أن واشنطن تريد أن تعمل الشيء نفسه. لكن، ليس بالمعلومات هذه المرة، وإنما بالترتيبات العملية على الأرض، فتطلع إلى أن يكون له موقع يتفاوض عليه من بوابة الأزمة السورية، عبر الحضور المباشر لدعم حلفائه عسكريا، ومزاحمة النفوذ الأميركي.
تريد روسيا أن تلعب لعبة الحسم، فبعد سنة على تشكيل التحالف الدولي لضرب تنظيم داعش الذي دعت إليه إدارة باراك أوباما، بدا أن هذا التحالف بقي قيد المراوحة، على الرغم من أن هناك عشرات الدول التي تشارك فيه، وهذا بسبب الانقسامات بين مكوناته، بخصوص موقع
"بشار الأسد ليس ابن عمة بوتين، وهو لم يأت إلى المنطقة للدفاع عن نظامه، كما فعل نابليون عندما زحف على إسبانيا لحماية نظام صهره في القرن التاسع عشر"
الرئيس السوري، بشار الأسد، من معادلة الحل واختلاف الرهانات على الفصائل الموجودة على الأرض في مواجهة دمشق؛ وهو ما عزّز أطروحة العجز عن الحسم. ويظهر أن موسكو التقطت الرسالة في لحظة مفصلية؛ وإذا كانت تركز على الضربات الانتقائية، بعيداً عن الأهداف المعلنة، إلا أنها توفقت إعلاميا في تركيز الضوء على أهدافها العسكرية، بحيث يبدو وكأن الذين وضعوا أمام الأمر الواقع والتعاطي مع التدخل الروسي بدأوا يجهرون بالشكوى حول السياسة الانتقائية لموسكو، وليس بشأن حضورها من أصله.
خصصت أسبوعية "الإيكونوميست" البريطانية غلاف عدد جديد لها للتدخل الروسي في الشرق الأوسط و"اللعبة الجديدة" التي أخذت تتشكل، بعد أن أصبح بوتين يجلس وجها لوجه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ليسمع منه ويرد عليه. وتقول المجلة إن واشنطن ـ التي كان لديها سوء تقدير للأوضاع، في الفترة الماضية، باتت منزعجة من احتمال أن تقطف روسيا ثمار التدخل الأميركي، طوال السنوات السابقة في المنطقة، فقد أنفقت الخزينة الأميركية حتى اليوم (بحسب المجلة) مئات البلايين من الدولارات وآلاف الضحايا من الجيش الأميركي، لتنهض من النوم في أحد الصباحات، فترى شرقاً أوسط جديداً أمام عينيها، لكنها بدلا من ذلك، بدأت ترى الصواريخ الروسية التي تذكّرها بالحرب الكوبية.
كلنا يعرف أن بشار الأسد ليس ابن عمة بوتين، وهو لم يأت إلى المنطقة للدفاع عن نظامه، كما فعل نابليون عندما زحف على إسبانيا لحماية نظام صهره في القرن التاسع عشر، بيد أنه يعي جيداً أن النظام السوري بمثابة الورقة الوحيدة التي بقيت في جيبه، لكي يلعبها مع أوباما. وهذا من التفسيرات الممكنة للضربات الانتقائية لموسكو ضد داعش والتنظيمات الأخرى، والتصويب على "الجيش الحر"، لأنه يفهم جيداً أن عليه البدء بإبعاد خصوم الأسد المباشرين الذين يمكن أن يشكلوا بديلا له، أما الدولة الإسلامية، داعش، فلا أحد يريدها بديلا، ومن ثم لا بد أن ينتقل التحالف الدولي إلى السرعة القصوى غداً، لكي يتفرق دمها بين القبائل، ويبقى النظام السوري الذي، من خلاله وحده، يمكن ضمان حل سياسي، تكون لبوتين حصة الأسد فيه.

اقرأ المزيد
٣٠ أكتوبر ٢٠١٥
"دوما ".. نموذج "القذارة" الروسية على البشرية

نقلب الصور وأيدينا على قلوبنا و نحبس في أعيننا دموع القهر على ما أوصلونا إليه .. نتابع تواتر الأرقام 40 – 45 – 47 ، الرقم يعلوا أكثر فأكثر ، نرتجف ، وفي دواخلنا ونكرر " يارب نسألك أن لا تكون كتلك ، خففها عنا يالله ، و ثبت الأرقام عند هذا الحد".

دوما ليست مدينة سورية بعينها مكانياً أو جغرافياً ، دوما جزء مصغر عن كل سوريا ، ما حدث اليوم ليس بجديد أو غير اعتيادي ، لكنه في قمة القذارة من عدو تملّك الأمر و التنفيذ ، وفُتحت أمامه الأبواب مشرعة على أجساد أبناء سوريا ، بأطفالها و نسائها و كهولها و رجالها .

تدمير كامل لآخر مشفى ميداني ، قصف "هستيري" في اليوم التالي على سوق شعبي ، قتل و إنهاء لجميع من يستطيع المساعدة من كوادر طبية و دفاع مدني ، إنها الحرب "القذرة" الروسية ، التي أتت لتدمر الحياة بعد أن دمر الأسد وإيران المدن و البلدات .

نتهامس في التحرير ، هل هناك مجزرة في دوما ، نردد سمعنا قصف صباحي ، وتحليق في الطيران ، يصرخ مراسلنا فجأة ، هناك 40 شهيد و مئة جريح ، نتوقف جميعنا نبحث عن تكذيب لمن رأى ، و في الحقيقة يخرج مخطئ ، فالرقم 45 شهيد ، لنخطئ من جديد ، بأن الرقم بات 47 ، و يستمر الخطئ .

نتسائل في دقائق ماذا حدث ، مالذي ارتكبه أهلي دوما ، هل من الخطئ أن يتسوقون ، هل من الخطئ أو يمارسوا طقوس يوم الجمعة ، هل من الخطئ أو يكونوا بعيدين عن فينا ، هل من الخطئ أن يكونا من طائفة أخرى ، هل من الخطئ أن ينتهجوا طريق مخالف لسفاح موجه .

نعم إنهم مخطئون ، ويستحقون ما يُفعل بهم ، و لكن خطأهم هذا سيجعل من المتخاذلين و المتأمرين أمواتٌ على سجلات الحياة .

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
لماذا يُحجِّم بوتين إيران؟

أن يحقّق «داعش» تقدُّماً في محيط معقلٍ للنظام السوري أمر لا يثير غرابة. ما يستدعي التعجُّب أن يتقدّم التنظيم على حساب النظام، رغم كثافة النار الروسية في فضاء سورية الذي يبدو أنه سينبلج تدريجاً... بعد خمس سنوات تقريباً من القتل والظلام.

بحسابات بسيطة، ورغم خروج المشهد السوري عن كل المألوف في المعادلات العسكرية والسياسية، ليس مبالغة القول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دشّن حملة ديبلوماسية مكثّفة لاستعجال نهاية لغارات «سوخوي».

مبدئياً، ورغم كل التحفُّظات الأولى على التدخُّل العسكري الروسي المفاجئ في سورية، قد يتفق معظم الدول العربية المؤثّرة وتركيا على أن المقاربة الروسية لمسارَي الحرب على الإرهاب والتسوية التي ستطلق المرحلة الانتقالية، ليست بعيدة من التطلُّع إلى بدء هذه المرحلة. وإن بدا ساطعاً الخلاف على الأولويات بين الكرملين ونظام الرئيس بشار الأسد، فنفي موسكو كذلك أنها ستقدّم ضمانات بعدم ترشُّح الأسد لولاية جديدة، لا يلغي جدّية ذاك الخلاف الذي ظهرت ملامحه بعد «استدعاء» بوتين للرئيس السوري. الأخير يريد «حرباً على الإرهاب» تستمر إلى ما لا نهاية، ليضمن بقاء المظلة الجوية الروسية و «الخبرات» الإيرانية وأذرع طهران إلى جانبه، وفي قلب سورية وسمائها. لكنه بالتأكيد لا يتساءل عن الثمن الذي على الروس التضحية به لصون نظام يتداعى ما بقي منه.

بعد كل ما شهدته المنطقة من صراعات وحروب، وتجاذب إقليمي ودولي، وتأجيج براكين المذهبية، وتدمير أركان الدولة العربية في سورية والعراق وليبيا واليمن، توجّه موسكو رسائل في كل الاتجاهات، لتُعلن أن وقت التسويات حان، وعلى الجميع الاستعداد لركوب قطارها. فشلت إيران في إنقاذ النظام السوري، وفي محو فضائح عهد حليفها نوري المالكي ومحو كارثة سقوط الموصل وتمدُّد «داعش»، كما فشل مشروعها في اليمن لتمكين الحوثيين من تغيير هوية البلد ومؤسساته. باغتها تدخُّل التحالف العربي بقيادة السعودية لإعادة الشرعية. صُدمت طهران بارتباك حكم حيدر العبادي في بغداد، و «ممالأته» الأميركيين. جيَّشت مشروع «الحشد الشعبي»، فأجّجت المذهبية، من دون أن تُقلِق «دولة» أبي بكر البغدادي.

عملياً، قد تكون أوضح رسائل الروس في محاولتهم استعادة النفوذ الإقليمي، موجّهة إلى المرشد علي خامنئي والرئيس الأميركي باراك أوباما في آن: انتهى الوقت الضائع، لا تفرُّج واشنطن على دمار الشرق الأوسط يمكن احتماله أكثر، ولا رهان طهران على عض الأصابع مع مَنْ كان «الشيطان الأكبر»، يمكن الاطمئنان إلى نهاياته. في الحالين يتمدد «داعش» وفي صفوفه من المسلحين من آسيا الوسطى والقوقاز، ما يكفي لمشروع موصل ثانية على كتف روسيا.

مع كل ذلك، لا تغيب دوافع الروس للثأر من العقوبات الغربية، لكنهم يراهنون بالتأكيد على الثأر لماضي الاتحاد السوفياتي. لا يبالغون في تبرير الحاجة إلى نظام عالمي جديد، وهم باتوا أقرب من الأميركيين إلى توازنات المصالح، بعيداً من «حكمة» أوباما التي لم تُنقذ حليفاً ولا صديقاً.

وبحساب النقاط التي سجّلها بوتين منذ تدخُّله العسكري في سورية، يَرِد تحجيم الدور الإيراني الذي توهّمت طهران بأنه سيقرر مصير المنطقة والعرب. ويَرِد كذلك تسجيل هدف آخر في المرمى الأميركي، باستعجال الضغوط لإشراك كل الإقليم في البحث عن مخرج لكابوس «داعش»، لا بد أن يتلازم مع مرحلة انتقالية في سورية. وأما طرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مسألة الانتخابات النيابية والرئاسية، فيزيل حتماً لدى نظام الأسد غشاوة «سحر» الحلف الإيراني الذي ظنّه أبدياً.

كان النظام ولا يزال في ورطة انفصام، كانت إيران ولا تزال في مأزق الطموحات الامبراطورية، واستخدام المذهبية وقوداً لكسر روح المصالح المشتركة بين الدول العربية في المنطقة. وأما روسيا فليست بريئة من السعي الى فرض دور لها، يوازن بين القوة العسكرية وورقة «الفيتو» في مجلس الأمن، وحصص التجارة والأسواق. الفارق بين أوباما وبوتين أن الأول توهّم حصاداً مجّانياً للأهداف بلا قطرة دم أميركية، فيما الثاني اقتنص لحظة للتمرُّد على الحصار والذل، وفرض خريطة جديدة للمصالح الدولية.

في اجتماع فيينا غداً، بعد تفكيك عقدة حضور طهران، لن يعلن الروس تدشين قطار الحل السوري، ولن يعلن الإيرانيون تطوُّعهم في تأمين مخرج آمن للرئيس الأسد. طريق الحل ما زال طويلاً، لكن معظم اللاعبين أُرغِم على المشاركة في حسابات الربح والخسارة.

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
روسيا تدخل عنق الزجاجة

لم يحدث القصف الجوي الروسي، المكثف وشديد التدمير، أثرا كبيرا على أرض المعركة حيث لم تنجح قوات النظام وحلفائه الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين في تحقيق تقدم كبير في هجومها البري يقلب التوازن العسكري، وهذا وضع روسيا أمام خيارين قاتلين: مزيد من الانخراط في الصراع في سوريا وعليها أو الانسحاب منه. خياران أحلاهما مر، الأول له تبعات مباشرة على وضع الدولة الروسية في ضوء الخسائر البشرية المحتملة والتكلفة الاقتصادية الباهظة على اقتصاد ينوء تحت ضغط العقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط والغاز، المصدر الرئيس لمواردها المالية، والثاني ينطوي على نتائج سياسية شديدة السلبية على النظام، ضرب هيبة النظام الذي وعد بفرض روسيا قطبا ثانيا في النظام الدولي، والدولة الروسية التي ستواجه العزلة والتراجع في مكانتها الإقليمية والدولية.  

بدأت مشكلة روسيا عند رفض الدول الفاعلة في الصراع السوري إعطاء شرعية لتدخلها سواء عن طريق رفض التعاون معها او عبر المواقف والبيانات التي صدرت(بيان الدول السبع)، والبدء بارسال اسلحة متطورة الى كتائب المعارضة المسلحة، وادخلها صمود الكتائب المعارضة في عنق زجاجة حاد، فقد استطاعت احتواء الهجوم البري الذي اطلقه جيش النظام وحلفاؤه، والحقوا به خسائر فادحة، خاصة في سلاح الدبابات التي اصطادوها بصواريخ "تاو" التي وصلت مؤخرا.

لقد أصطدم التكتيك الروسي "تقديم اسناد جوي لهجوم بري ينفذه جيش النظام وحلفاؤه" بعقبات كثيرة أولها عدم فعالية القصف الجوي ضد قوات غير نظامية تنتشر بصورة كيفية، وثانيها ضعف قوات النظام التي انهكها التعب في حرب استمرت لأربع سنوات ونيف، وزاد في مأزقها نجاح كتائب المعارضة السورية في امتصاص القصف الجوي والرد بضربات موجعة لجيش النظام وحلفائه قطعت فيه الطريق على "القيصر" في تحقيق نتائج سريعة والنجاح في تعزيز موقع النظام والضغط على الغرب لقبول المقايضة، وحققت نصرا تكتيكيا في ضوء طبيعة الصراعات غير المتوازية(جيش ضد قوات مقاومة) والقاعدة الحاكمة له:"ينهزم الجيش عندما لا ينتصر، وتنتصر المقاومة عندما لا تنهزم". وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار موقف بوتين النفسي الرافض للتراجع او القبول بالهزيمة سيقودنا الى توقع انخراط روسي اكبر في الصراع في سوريا وعليها يفتح الباب لاحتمالات التورط في حرب طويلة الامد في ضوء اعلان دول داعمة للمعارضة انها لن تسمح بهزيمتها وانها ستقدم لها اسلحة متطورة مع عدم استبعاد تزويدها بصواريخ أرض جو، اعلان واشنطن والرياض بعد زيارة كيري الى الاخيرة، وتصريح وزير خارجية قطر عن الاستعداد لتدخل عسكري تركي سعودي قطري في سوريا.  

لم تجد روسيا في مواجهة عدم تحقيق نتائج حاسمة في الهجوم البري الموازي لقصفها إلا زيادة عدد الطائرات المشاركة في القصف، ارتفع العدد إلى 100 طائرة، بالإضافة إلى المروحيات الهجومية، ورفع وتيرته بالقصف ليلا ونهارا، على أمل تغيير الصورة بما يسمح بتحقيق مطالبها بخصوص الحل السياسي على خلفية القاعدة الذهبية للتفاوض: "يحقق المفاوض على طاولة المفاوضات ما يعادل وضعه على ارض المعركة". وقد أعترف الرئيس الروسي بوتين في كلمته يوم 22 الجاري أمام مؤتمر"فالداي"الذي عقد في مدينة"سوتشي" الروسية، وشارك فيه محللون وخبراء دوليون بضالة المكاسب التي تحققت بقوله:"لم يتمكن شركاؤنا من إنجاز أي عمل فعّال هناك، بخلاف قواتنا التي حققت بالفعل بعض النتائج الملموسة".

لذا ذهب لافروف الى فيينا حاملاً اقتراحات لحل سياسي للصراع في سوريا وعليها، وبدأ بمغازلة الجيش السوري الحر عبر ابداء الاستعداد لتقديم دعم عسكري في مواجهة "داعش"، في محاولة واضحة لاستثمار الزخم العسكري الروسي في المساومة، والعمل على اعادة صياغة الاصطفافات العسكرية قبل ان تحصل انتكاسة عسكرية للنظام وحلفائه بدت مؤشراتها في الظهور، وزاد في وتيرة تحركاته الدبلوماسية لاستكشاف السقوف السياسية للدول للمعارضة وحلفائها (اتصل بوتين بالملك سلمان مرتين خلال خمسة ايام) عله يخفف من حدة رفضها للاقتراحات الروسية، وخاصة حول الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية التي يبقى فيها رأس النظام في السلطة، وينجح في انهاء تدخله في مدة قصيرة.

وقد زادت عودة رأس النظام  الى الحديث عن القضاء على الارهاب قبل الحديث عن حل سياسي في تعقيد المأزق الروسي، ووضعه أمام تحديات مركبة من موقف المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، الى موقف الدول الاقليمية المعارضة لبقاء رأس النظام في السلطة وترشحه في انتخابات رئاسية مقترحه، واعلان مصر، على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، ان المملكة السعودية تمثل الاجماع العربي خلال اجتماع فيينا لحل الازمة السورية، الذي اجهض محاولة لافروف للالتفاف على الموقف العربي عبر الدعوة لاشراك مصر والاردن وايران في الاجتماع القادم، وموقف ايران التي ماتزال تفكر بمنطق سحق المعارضة كما فعلت هي عام 2009، والنظام الذي مازال يعيش على حلم "الابد" الذي روج له طوال عقود، حتى دول حليفة لها من دول الاتحاد السوفياتي السابق، والصين كذلك، نأت بنفسها عن تأييدها، فروسيا التي تعاني من تناقض في بنيتها بين قدراتها العسكرية والاقتصادية، حيث مازال الوصف الذي أطلق على الاتحاد السوفياتي:عملاق بساقين واحدة جبارة(العسكرية) وأخرى هزيلة(الاقتصادية) ينطبق عليها، ما يجعل تفكيرها بالعودة الى لعب دور قوة ثانية في النظام الدولي، بالتساوي مع الولايات المتحدة أو الى جوارها، نوعا من حلم يقظة للترابط العضوي بين القوتين العسكرية والاقتصادية في قيام القوة العظمى، كان المؤرخ الأمريكي بول كنيدي قد استنتج من دراسة تجارب القوى العظمى التي قامت خلال خمسمائة سنة قانونا حاكما لقيام وسقوط القوى العظمى مفاده: اقتصاد قوي يمول جيشا ينتشر في الخارج، وتراجع القدرة المالية للصرف على الانتشار العسكرية في الخارج يضع القوة العظمى على طريق السقوط، فاستمرار الصراع الروسي الغربي لبعض الوقت، ومشاركة القوات الروسية في القتال في أوكرانيا وسوريا، مع احتمال انخراطها في القتال في العراق، سيقود إلى تآكل الكتلة النقدية الروسية المتبقية ويدفعها إلى حافة الإفلاس. وهذا أثار هواجس ومخاوف المواطنين وعمّق الهوة بينهم وبين السلطة، وهي حالة لا تنسجم مع أدبيات النظام الشعبوي، وبطله الأوحد فلاديمير بوتين، الذي يعتمد على إثارة حماسة المواطنين وتعصبهم القومي لحشدهم خلفه، سعى إلى تحصين نفسه من غضبة الشعب بـ "تسويق" توصيفه للوضع الذي آل إليه الروس باعتباره جزءا من مؤامرة غربية تُحاك ضدهم.

ليس أمام موسكو الا خيار عن النزول عن الشجرة والقبول بمطالب المعارضة السورية والدول الحليفة لها بتطبيق بيان جنيف واحد والبحث عن حلول مقبولة للبنود المختلف عليها، كخيار وحيد بديل عن الغوص في مستنقع غير معروف النتائج.

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
روسيا والعلاج بالصدمة

منذ صرّحت روسيا عن نيتها التوجه إلى سورية، والقيام بحرب من أجل حماية حكم الأسد، أحدث هذا التّوجه ضجّة إعلامية كبيرة في العالم. كان المطلوب إحداث حالة إرباك كبيرة بغرض دب الرّعب في صفوف الكتائب المعارضة السورية لتشتيتها، وتعزيز الثقة في صفوف ما بقي من ميليشيات تقاتل إلى جانب النظام، بعد تلقي الهزائم المتكررة، لإرسال رسالة واضحة لكل الدول المهتمّة بالشأن السوري، مفادها أنّها لا تزال قوة لا يستهان بها، وجاهزة لاستخدام قدراتها العسكرية في أي وقت لحماية نفوذها والحفاظ على مكانتها في الدّول التي أسّست فيها مصالح كبيرة، ومنها سورية.
في أول معركة خاضتها روسيا إلى جانب نظام الأسد، تم الهجوم على مناطق تابعة لسيطرة الجيش السوري الحر في منطقة "سهل الغاب" لاسترجاع نقاط مهمّة حرّرها "الجيش الحر"، لكن نتائج المعركة جاءت عكس المتوقع، إذ صدت كتائب الجيش الحر الهجوم، وأعطبت الكثير من دبابات النظام وآلياته الثقيلة، عدا عن الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف النظام، ما دفع القيادة الروسية للتصعيد من هجماتها الجوية الإجرامية التي طالت المدنيين للإنتقام من البيئة الحاضنة للثوار، من دون أن يثني الأمر الجيش الحر عن القتال.
كانت هذه العملية والضعف الملحوظ في قدرة ما بقي من جيش النظام على القتال سبباً في تغيير نظرة القيادة الروسية للأحداث السورية، وأجبرتها على السعي والبحث عن حل سياسي ومخرج سريع لها، بعيداً عن الدخول في حرب استنزاف بريّة طويلة الأمد مع جيش أصبحت قدرته كبيرة على صد الهجمات البرية، كالجيش الحر.
وتظهر تصريحات قيادات عسكرية روسية أن روسيا فقدت الثقة بجيش النظام الذي انهار تماماً على مدى خمسة أعوام، متحولا إلى ميليشيات غير منضبطة، كما أن تصريحات مسؤولين روس عن نية روسيا الحوار مع "الجيش السوري الحر" والاعتراف به قوة فاعلة على الأرض السورية، وأنه جزء من الحل، كان بسبب صمود الثوار على الأرض.
كثر الحديث في الأيام الماضية عن لقاءات تعقد بين مسؤولين روس رفيعي المستوى وشخصيات من المعارضة السورية السياسية والعسكرية، ما يعني أن موسكو بدأت السير على الطريق الصحيح للخروج من المستنقع، محاولةً العمل على إرضاء المعارضة وتحسين صورتها العدائية التي رسمتها لنفسها طوال سنوات الثورة.
كانت للقاء الرباعي الذي عقد في فيينا دلالات كبيرة، من حيث أنه فتح باب البحث جدياً عن حل للأزمة السورية، ما يعني أن الحل السياسي يولد من رحم التطورات السياسية والميدانية على الأرض السورية، على الرغم من عدم الاتفاق في لقاء فيينا على نقاط كثيرة وأهمها مصير الأسد.
ولكن، يبدو أيضا أن نيّة الروس إبقاء الأسد لإدارته المرحلة الإنتقالية ما هو إلا كلام فارغ لكسب أكبر قدر من التنازلات من الطرف الآخر، كما كشفت زيارة الأسد لموسكو، إذ ظهر بصورة الخادم الذي تم طلبه لتوبيخه على التقصير، وهو أمر تعمدته موسكو لتقول للعالم إن الدور الإيراني انتهى في سورية، وأصبحت متفردة بالقرار وجاهزة للمقايضة على مستقبل الأسد.

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
مستقبل بشّار يفسّر توتّر نصرالله

ما يفسّر الطابع الهجومي الذي تميّز به الخطاب الأخير للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، خصوصا لجهة رفضه انتخاب رئيس للجمهورية، الا بشروطه، هو الحدث السوري.

باتت هناك قناعة لدى كلّ من يتعاطى في الشأن السوري بأن لا مستقبل لبشّار الأسد في اي لعبة سياسية. جاء الروس الى اللاذقية والساحل السوري مع طائراتهم وقواتهم البريّة التي تبدو مهمّتها مقتصرة على حماية الطيارين والخبراء والطائرات، من اجل انقاذ بشّار الأسد. اكتشفوا بعد سلسلة الهجمات البرّية التي شنّها بشّار بقواته وبدعم من حلفائه في «حزب الله» وايران ان لا امل له في التقدّم في اتجاه ادلب وحلب بغطاء جوّي روسي.

كانت تغريدات صواريخ «تاو» وما حقّقته من اصابات مباشرة كافية كي يستوعب فلاديمير بوتين الدرس. اذا كانت الصواريخ المضادة للدبابات كفيلة وحدها بمنع تقدّم القوات الموالية لبشّار على الأرض، فكيف الأمر في حال حصول الثوّار على صواريخ ارض ـ جوّ؟

كان لا بدّ لبوتين من اعادة النظر في حساباته السورية. لذلك استدعى بشّار الى موسكو ولقّنه الدرس المطلوب منه حفظه غيبا والذي في نتيجته ان موسكو ستطرح على الجانب الأميركي وعلى العرب مبادرة تتضمّن خريطة طريق لحلّ سياسي في سوريا.

تتضمن احدى نقاط المبادرة الروسية التي لا تزال في حاجة الى مزيد من التنقيح «ضمان» بوتين عدم ترشّح بشّار في اي انتخابات رئاسية مقبلة في سوريا ونقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى حكومة جديدة يتمثّل فيها الجميع. جائزة الترضية الوحيدة لبشّار عدم ملاحقته قانونيا في ضوء الجرائم التي ارتكبها والسماح لآخرين في العائلة بالترشّح للرئاسة.

هذا التطوّر الذي يبدو مرتبطا بالزيارة التي قام بها، في وقت لاحق، لدمشق يوسف بن علوي الوزير العماني المكلّف الشؤون الخارجية والذي ترتبط بلاده بعلاقة ثقة مع ايران يفسّر الى حدّ كبير ذهاب نصرالله بعيدا في تأكيد ان لبنان بات تحت الوصاية الإيرانية. جاء هذا التأكيد عندما اعلن انّه المؤهل لإختيار رئيس الجمهورية «المناسب» و»الحقيقي» و»الأكثر تمثيلا»... معطيا نفسه صلاحيات مجلس النواّب ايضا.

كان الخطاب الذي ألقاه الرجل في ذكرى عاشوراء كلام حقّ يراد به باطل، خصوصا عندما يهاجم جمهور «حزب الله» المملكة العربية السعودية التي لم تقدّم يوما سوى الخير للبنانيين، بطريقة أقلّ ما يمكن ان توصف به انّها مبتذلة.

بعد خطاب الأمين العام لـ»حزب الله، لم يعد السؤال هل مسموح لمجلس النوّاب اللبناني انتخاب رئيس للجمهورية؟ السؤال هل يمكن لميليشيا مذهبية، عناصرها لبنانية، تابعة لإيران فرض رئيس على اللبنانيين على غرار ما كان يفعله نظام الوصاية السوري، الذي قتل رينيه معوّض في 1989 ليحل مكانه الياس الهراوي، والذي اراد بعد 1998 الذهاب الى أبعد في ممارسة وصايته ففرض على اللبنانيين اميل لحّود؟

من يتمعّن في الخطاب الأخير لنصرالله، يكتشف الى أي حدّ تبدو ايران شبه مفلسة. من الباكر الكلام عن إفلاس كامل لإيران، خصوصا انّها باتت الطفل المدلل لدى ادارة باراك اوباما التي تختزل كلّ ازمات الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني.

أفلست ايران نسبيا، لأنّه بات لها شريك روسي في سوريا. يشاركها هذا الشريك في الوجود على الأرض السورية وعلى كيفية اقتسام ثروات البلد مستقبلا. لم توافق موسكو في المفاوضات التي تجريها مع طهران في شأن مستقبل سوريا على مرور خط الغاز الإيراني الآتي من العراق في الأراضي السورية. بدأت ايران تبحث عن خط بديل يوُفّر لها تسويق غازها في الهند والصين!

صارت ايران شبه مفلسة لأنّها باتت عاجزة عن نهب ثروات العراق الذي لم تعد لديه اي احتياطات مالية. فوق ذلك، تلقت ايران صدمة «عاصفة الحزم» في اليمن. لم تكن تتوقع ردّ الفعل العربي والسعودي تحديدا على سعيها الى تطويق شبه الجزيرة العربية من كلّ الجهات. لم يعد لإيران سوى لبنان. لذلك صعّد حسن نصرالله في كلّ الاتجاهات مؤكّدا انّه يلعب دور «المرشد» في الوطن الصغير. اخيرا صار للبنان «مرشد»، تماما كما هي الحال في ايران. يريد نصرالله انتخاب الرئيس الذي يشاء ويريد فرض القانون الإنتخابي الذي يشاء.

وهذا يفسّر الى حدّ كبير تلك الحملة المستمرّة منذ ما يزيد على اربع سنوات، خصوصا منذ تشكيل الحزب حكومة برئاسة السنّي نجيب ميقاتي في 2011، من اجل عزل لبنان عن محيطه العربي. كان عزل لبنان عن محيطه العربي خطوة اخرى في مسيرة انقلابية طويلة بدأت مطلع ثمانينات القرن الماضي. تستهدف هذه المسيرة الإنقلابية تغيير طبيعة لبنان، مجتمعا ونظاما سياسيا، على غرار تغيير طبيعة المجتمع الشيعي فيه.

من اطرف ما تضمّنه خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» الحملة على السياسة الأميركية في المنطقة متجاهلا الحلف غير المقدّس القائم بين واشنطن وطهران، خصوصا في مرحلة الإعداد للغزو الأميركي للعراق. كانت ايران الشريك الوحيد في الحرب الأميركية التي استهدفت التخلص من النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين. كلّ حلفاء «حزب الله» في العراق، على رأسهم نوري المالكي، جاؤوا الى السلطة على دبّابة اميركية!

يبدو توتّر حسن نصرالله مفهوما. اُغلقت في وجهه ابواب اي انتصار في سوريا بعدما تبيّن ان بشّار صار ورقة خاسرة. مرّة اخرى رفع شعار الإنتصار على لبنان. كان هذا الشعار بديلا من الإنتصار على إسرائيل. اصبح الآن بديلا من تحقيق اي انتصار في سوريا.

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
عن أي شعب يتحدث "الأسد"؟!

أليس مضحكاً حتى الاستلقاء على الظهر أن يبقى بشار الأسد يلوذ بـ"الشعب السوري" للتهرب من استحقاق تنحيه العاجل والآجل، الذي غدا مخرجاً من الأزمة السورية وشرطاً أساسياً من شروط الاحتكام إلى "جنيف"، الذي يُفترَض أن يبدأ- كما هو معروف- بمرحلة انتقالية تتولى الأمور خلالها هيئة تتمتع بصلاحيات كاملة يتم الاتفاق على أسماء أعضائها من الجهات المعنية إقليمياً ودولياً من بينها بالطبع بعض الدول العربية؟!

آخر ما قاله الأسد، انه على استعداد لإجراء انتخابات نيابية ورئاسية يشارك فيها بشرط أن يوافق الشعب السوري على هذا. ولكثرة ما ردد الرئيس السوري هذا الشرط، على الطالع والنازل، فإنه بات ضرورياً أن يُسأل عن أي شعب يتحدث هذا "الإنسان"؟ وهل يعرف أن هناك أكثر من أربعة ملايين لاجئ سوري في الخارج وأكثر من ضعف هذا العدد في الداخل؟ وأنه لا سيطرة له، ومعه الإيرانيون والروس و"حزب الله" وأكثر من أربعين تشكيلاً طائفياً، إلا على أقل من خمسة وعشرين في المئة من الأراضي السورية؟

ولعل السؤال الأكثر أهمية هو، متى كان للشعب السوري أي رأي بالنسبة إلى قضايا بلده، سورية، الداخلية والخارجية وعلى كل الصعد؟... هل عندما اختاره والده حافظ الأسد خليفة له عندما شعر بدنو أجله استشار هذا الشعب في هذا الاختيار؟ وهل عندما سحب قواته في 2005 من لبنان عاد إلى هذا الشعب؟ وهل عندما سلم الإيرانيين كل مقاليد الأمور، العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية وكل شيء، سأل السوريين عن رأيهم؟... وهل عندما استحضر الروس واستعان بهم لذبح الشعب السوري أخذ رأيهم؟!

ربما يقصد بشار الأسد بالشعب السوري، الذي يريد موافقته المسبقة قبل إجراء انتخابات نيابية ورئاسية "سيشارك" فيها، الولي الفقيه علي خامئني وجنراله "الطرزاني" قاسم سليماني، ويقصد حراس الثورة الإيرانية والشراذم الطائفية التي تم استيرادها حتى من باكستان وأفغانستان... وبالطبع "حزب الله" اللبناني، الذي قال رئيسه حسن نصرالله ذات يوم، إنه لولا قوات هذا الحزب لسقط نظام الرئيس خلال ثلاث ساعات فقط.

كيف... ومتى يمكن أن يسأل الأسد الشعب السوري عن رأيه في إجراء انتخابات نيابية ورئاسية، وعن رأيه في الاستقالة ومغادرة مواقع المسؤولية، إن قبل وإن بعد المرحلة الانتقالية وفقاً لـ"جنيف 1"، ووداع هذا الشعب الوداع الأخير الذي لا لقاء بعده؟ كيف يستطيع الوصول هو ومخابراته واستخباراته إلى أكثر من ثمانية ملايين في الداخل وإلى الموجودين في 75 في المئة من الأراضي السورية التي هي خارج سيطرته وسيطرة "حزب الله" والحرس الثوري والقوات الروسية... والشراذم الطائفية التي يصل عددها إلى أربعين تنظيماً ومنظمة؟!

وهذا هو واقع الحال... ولذلك أليس مضحكاً يا ترى أن يتحدث الأسد عن المشاركة في أي "انتخابات" رئاسية مقبلة؟... هل هو جاد بالفعل عندما يقول مثل هذا الكلام؟... وهل يعتقد أن الشعب السوري بعد تجربة الـ45 عاماً الماضية سيقبل به وبابنه حافظ بعده، خصوصاً أن مذابح ومجازر وويلات الأعوام الخمسة الأخيرة لا تزال مستمرة ومتواصلة... وباتت تشارك فيها الجيوش الروسية الغازية؟!

اقرأ المزيد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥
تطورات واعدة

فاتت غزاة سورية ملاحظة تطورات مهمة، حدثت في بلادنا خلال العامين الماضيين، تستند إلى واقعتين يصعب على أي مراقب أن لا يتوقف عندهما، مهما كان منحازاً للنظام وشبيحاً. أولاهما اتساع مقاومة النظام وحلفائه، وانتشارها إلى كل بيت وقرية وبلدة وحي وزقاق. يكفي أن يتابع المرء أسماء الأماكن التي يقصفها الطيران الروسي وجغرافيتها، حتى يضع يده على حقيقة ساطعة، هي أن أغلبية السوريين تحولوا في كل مكان من وطنهم إلى مقاومين، وأن تثبيت النظام يحتم كسر شوكة رجالهم ونسائهم وأطفالهم، وأن من لا يقاومون بالسلاح أو من وقفوا على الحياد، أو أيدوا النظام وقاتلوا في صفوف شبيحته، شرعوا يفرّون من سورية، ويندسون بين طالبي اللجوء في أوروبا. ومع أن هناك من يرى النظام وراء هجرتهم، فإنني أعتقد أن حاجته إليهم لا تسمح له بالتخلي عن الأعداد الكبيرة منهم التي تهاجر من مناطقه إلى الخارج، في عمليات أقرب إلى النجاة بالنفس منها إلى التخطيط السياسي.
وتتجلى الواقعة الثانية في إصرار السوريين على القتال حتى الانتصار، مهما كلفهم موقفهم من تضحيات. هذا الإصرار يلمسه كل من يحتك بمواطنات ومواطني الداخل والخارج الذين يؤمنون أنهم قطعوا المسافة الأكبر من طريقهم إلى النصر، وأن أحداً لن يتمكن من إنقاذ الأسد ونظامه، روسياً كان أو إيرانياً، بدليل تعاظم المقاومة في كل مرة دخل فيها غزاة جدد لإنقاذ النظام، وتعرّض هؤلاء بدورهم لهزائم متصاعدة.
أما أولى التطورات التي تلفت أي مراقب، فهي انتقال المقاومة المسلحة المتعاظم من وضع تنظيمي يغلب عليه طابع المحلية والعشوائية إلى حال نقيض، قرّبته أكثر فأكثر من وضع جيش تحرير وطني، يخضع أكثر فأكثر لتنسيق قيادي متزايد، وتعاون ميداني ملزم، حتى أنه من الصعب أن نجد اليوم منطقة ليس فيها تشكيل مقاتل يحمل اسم جيش أو يطمح لأن يكون جيشاً، بينما حدث تطور معاكس على صعيد النظام، حيث تفكك الجيش، وتحول إلى مليشيات وأمراء حرب (نموذجهم سهيل الحسن) أو استقوى بمليشيات محلية وأمراء حرب. واليوم، يشكو قائد الطيران الروسي في بلادنا من هذه الظاهرة، ويعلن أن القصف يفضي إلى انسحاب مقاتلي الجيش الحر وتقدم القوات الأسدية. ولكن، ما أن يتوقف عمل الطيران، حتى يعود المقاتلون إلى حيث كانوا ويفر الأسديون، وينسب الجنرال الروسي الأمر إلى عدم وجود جيش حقيقي، بل أخلاط مسلحين متعددي الجنسيات (المرتزقة) أو إلى ضعف المعنويات، وعدم وجود رغبة في القتال لدى هؤلاء، ويقول إن طيرانه لن يحقق شيئاً في وضع كهذا.
يرتبط بهذا التطور نمو الطابع الوطني لوحدات الثورة المقاتلة، وتحولها المتزايد من تنظيمات
"الروس سيجرّبون حظهم، قبل أن يكتشفوا أنهم يدقون عنقهم بسبب أكذوبةٍ أقنعوا أنفسهم بها، هي أنهم يقاتلون الإرهاب، ويدافعون عن نظام شرعي"
ذات ملامح مذهبية وبرامج طائفية إلى جهات، تقترب في مواقفها وخياراتها، من مواقف ومفاهيم وطنية جامعة. لهذا، تتراجع اللغة الطائفية والحسابات الجزئية والمذهبية تدريجياً، وتتقدم، بدرجات متفاوتة من السرعة، قواسم مشتركة تخفت فيها النزعات الانتقامية والإقصائية، بينما يمعن خطاب النظام في التراجع عن الروح الوطنية الجامعة الذي كان يستخدمه لأغراض قمعية ودعائية، وليس لأنه خياره الحقيقي، ويغرق أكثر فأكثر في الطائفية والتحريض المذهبي، ويستعين بقوى مذهبية وطائفية عربية وإقليمية، ويفقد قدرته على التضليل، خصوصاً بعد ترحيبه باحتلال روسيا بلاده، وتشجيع الروس على إقامة قواعد دائمة فيها، وسكوته عن تنسيق علاقات موسكو العسكرية مع تل أبيب، وإقامة قيادة مشتركة بين جيش الغزو الروسي وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وسقوط أكذوبة الممانعة، بعد إعلانات إسرائيلية متكررة كرّست لدعم الأسد ونظامه "الممانع"، وبعد انخراط الكيان الصهيوني في شراكة ممانعة مع حزب الله ضد شعب سورية.
هذه الوقائع والتطورات علامات جديدة على تحولات ميدانية وسياسية من طبيعة حاسمة، سيكون من الصعب على قوة غازية تجاوزها، حتى إن كانت في قوة روسيا التي بدأت تصريحات قادتها تبدي القلق مما تكتشفه على الأرض من أوضاع لا تبشر بنصر، قد تحمل الروس أعباء لا يقوون على حملها، كإرسال قوات كافية لخوض القتال، نيابة عن شبيحة فاشلين، وضعوا يدهم في أيديهم، فوضعوهم أمام خيارين أحلاهما مر: القتال نيابة عنهم مع ما يرتبط بذلك من احتمالات كارثية بالنسبة لهم، أو الخروج من المستنقع السوري الذي يمثل كارثة استراتيجية بكل الأبعاد والمعاني.
لا أحد يستطيع القفز من فوق خياله، يبدو أن الروس سيجرّبون حظهم، قبل أن يكتشفوا أنهم يدقون عنقهم بسبب أكذوبةٍ أقنعوا أنفسهم بها، هي أنهم يقاتلون الإرهاب، ويدافعون عن نظام شرعي

اقرأ المزيد
٢٨ أكتوبر ٢٠١٥
مصيرا الأسد وسورية

على الرغم من الأبهة الإعلامية التي ظهر فيها خبر زيارة بشار الأسد إلى روسيا، فإن الزيارة لم تعكس حفاوة روسية برئيس؛ بل كان المشهد أقرب إلى مأتم، وبقي التجهم بادياً على الوجوه الروسية والسورية طوال الزيارة.
ظهر بشار الأسد "عارياً" من مرافقيه ومستشاريه، وغاب عن المشهد، بشكل مقصود، بروتوكول السجادة الحمراء، وحرس الشرف، والأناشيد الوطنية. تعامل بوتين مع بشار الأسد تعامله مع "وكيل"، وليس مع رئيس، أما الحديث الذي تم تبادله فيمكن تخمينه من التصريحات الروسية التي أعقبت اللقاء، لكن التركيز السوري كان على الشكل فقط. وأبرز الإعلام الرسمي صور بشار الأسد مع فلاديمير بوتين، بما يوحي أن "الرئيس" قد أسرى على ظهر براق من دمشق إلى موسكو، وعاد في اليوم نفسه، ليس لمطالعة معالم سانت بطرسبورغ وبحر البلطيق. ولكن، ليحظى بصورة تذكارية تجمعه مع بوتين.
الزيارة لم تقررها الدبلوماسية السورية، وربما لم يكن في حسبانها حدث من هذا النوع، فقد تقزّم وجودها، أخيراً، وانكمش حتى أصبح، في ظل الوجود الإيراني الكثيف ثم الروسي المجلجل، مجردَ إجراء بيروقراطي. جاءت الزيارة في السياق الذي رسمته موسكو لتبرير وجودها العسكري في سورية، وترسيخه، والتُقِطَت الصور التذكارية هناك للاستهلاك الإعلامي، وإرسال رسالة من موسكو أن "الرئيس" الذي يسكن في قصر الشعب يبارك التدخل العسكري الروسي في بلاده. لا يتعلق الأمر بالوفاء، أو بعشق شخصي للأسد، لكنه موقف رسمي يفضي إلى الموافقة على كل ما تفعله روسيا في سماء سورية حالياً، وربما لاحقاً، على الأرض، وكل ما قد ينتج عن هذا الوجود من مضاعفات، فليس شخص الرئيس مهماً بقدر موقعه الذي يتيح رسمياً للروس القيام بالخطوة التالية.
جو الأمان الذي وفرته أميركا ومعها أوروبا الغارقة في أزمة اللاجئين أمنت لبوتين هامشاً واسعاً للتحرك، حتى أرسل آخر ما أنتجته شركة سوخوي إلى السماء السورية. وبناء على الهامش نفسه، عُقد مؤتمر فيينا الذي تحول إلى عملية شد وجذب حول مصير "الرئيس"، وانتهى إلى النقطة التي بدأ منها متمسكاً بالمواقف المعروفة، السعودية لا تقبل بالأسد، وروسيا لا تقبل من دونه، وأميركا التي لفظته سابقاً، على استعداد لتبتلعه من جديد مع جرعة "مياه غازية" مناسبة. لكن، في نهاية المؤتمر، حققت روسيا نقطة دبلوماسية، باعتبارها تؤيد الحل السلمي عبر المؤتمرات والمحادثات. وذهبت إلى أبعد من ذلك أن دعتْ أطرافاً جديدة للانضمام إلى المحادثات التالية، طبعاً من دون أن تتناقص طلعات السوخوي الروسي الكثيفة، ومن دون أن يتوقف مفوضها العسكري عن تعداد الأهداف اليومية التي قُصِفَت.
فيما تبدو روسيا مصرّة على ضرورة تسوية الحرب السورية بوسيلة سلمية تفاوضية، تبدو أكثر تشبثاً بأمرٍ لن تتوقف الحرب بدونه، وهو "مصير الرئيس" الذي أصبح عنواناً للتفاوض، لم يستثنِهِ أي مندوب من مندوبي الدول التي حضرت مؤتمر فيينا، فأصبح فاتحة لازمة عند الحديث عن سورية في ربط ظالم لمصير البلد بمصير هذا الرجل الذي صار بنداً رئيسياً من بنود أي خطة للحل، وكأن على سورية أن تعاني، حتى اللحظات الأخيرة، من الاسم الذي ألصقته بها عائلة الأسد.
من المؤكد أن الحلقات القادمة من جنيف ستركز على البند نفسه، وخصوصاً إذا نجحت روسيا في إضافة إيران ومصر إلى المحادثات، فدول كثيرة ترغب، أو لا تشعر بغضاضة، لو استبدلت اسم سورية باسم الأسد أو العكس، في دمج حرص الإعلام السوري منذ زمن الأسد الأب على التركيز عليه.
يتكئ المساندون للأسد على المفهوم نفسه، مسوقين فكرة تقول، إنه في اللحظة التي يختفي فيها الأسد تختفي سورية، وما زال هذا المفهوم طافياً، مثل جثة على السطح، حتى بعد أن أصبحت مدن سورية كلها أكواماً من الحطام في عهد الأسد، وبسببه.

اقرأ المزيد
٢٧ أكتوبر ٢٠١٥
إنقاذ الأسد في فيينا

تشير التقارير من العاصمة النمسوية، فيينا، إلى مشاورات حثيثة يجريها الروس والأميركيون، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية في سورية. ولا يبدو لقاء فيينا مختلفاً كثيراً عن اللقاءات السابقة التي أجريت في الأعوام الثلاثة الماضية فيما عُرف بمسارات "جنيف 1" و"جنيف 2"، فيما يمكن أن يؤدي إليه من نتائج، سواء على صعيد مصير الرئيس السوري، بشار الأسد، أو حول شكل المرحلة الانتقالية وترتيباتها.
وجاء اجتماع فيينا الذي عقد قبل أيام، وضم وزراء خارجية أميركا وروسيا والسعودية وتركيا، من دون حضور لممثلي المعارضة السورية، بمثابة اعتراف صريح بأن الصراع في سورية لم يعد بحال صراعاً محلياً أو إقليمياً، وإنما بات صراعاً دولياً بامتياز. وهو انعكاس للتحولات السريعة التي شهدتها الساحة السورية، خصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي، والذي قلب الحسابات السياسية والجيوبوليتيكية. بل الأكثر، أنه اعتراف واضح وصريح بأن موسكو، وليست دمشق، هي من يفاوض، ومن يتحدث باسم الأسد.
نحن إذاً، إزاء تحول بنيوي وجذري في طبيعة الصراع الدائر الآن فى سورية، ما يستدعي، بالضرورة، تحولاً فى بنية المفاوضات وأطرافها ومساراتها. وهو ما دفع دولاً إقليمية إلى إعادة ترتيب أوراقها، ومحاولة تشكيل قوة ضغط، حتى لا تنفرد القوى الدولية بالتفاوض وتقرير مصير سورية، من دون اعتبار لمصالح هذه البلدان وآرائها. لذا، شهدنا تحركات سعودية وتركية مكثفة، طوال الأيام الماضية، بهدف التوصل إلى صيغة "ما"، من أجل إنهاء الصراع في سورية.
ما خرج عن اجتماع فيينا، حتى الآن، لا يعدو كونه مجرد أفكار عامة، أهمها ما طرحه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سواء فيما يتعلق بمدة المرحلة الانتقالية المقترحة، والتي قد تتراوح بين 6 و18 شهراً، أو بإمكانية ترشح الأسد في نهاية هذه المرحلة. وهو ما رآه بعضهم تنازلاً روسياً، خصوصاً بعد أن كانت روسيا تصرّ على أن يظل الأسد في السلطة، حتى نهاية فترته الرئاسية الحالية عام 2021. يتناغم ذلك مع ما صدر عن أحد النواب البرلمانيين الروس الذين زاروا دمشق، أخيراً، وصرّح أن "الأسد مستعد لتنظيم انتخابات رئاسية، والمشاركة فيها، ولكن، بعد التخلص من تنظيم الدولة "داعش".
لا يحمل الطرح الروسي فقط استخفافاً بالمعارضة السورية، وبأرواح مئات آلاف السوريين الذين سقطوا منذ بدء الثورة، فضلا عن ملايين المشردين واللاجئين، وإنما أيضاً بالمجتمع الدولي كله، وعدم اكتراثه بما حدث طوال السنوات الأربع الماضية، فقد نجحت موسكو، ومن خلفها طهران وحلفاؤها، فى الوصول بسقف التنازلات الممكنة إلى حد الإبقاء على الأسد، على الرغم من كل جرائمه وكوارثه، في السلطة ضمن أي ترتيبات ممكنة للمرحلة الانتقالية.
"تبدو روسيا كما لو كانت الطرف الوحيد الذي سوف يستفيد من مآلات أي مخرج للأزمة السورية، بغض النظر عن طبيعة هذا المخرج وشكله"
وقطعاً، سيُصاحب أي حديث أو ترتيبات بشأن مصيره، بعد هذه المرحلة، إعطاءه ضمانات سياسية وقانونية، تضمن عدم محاسبته على تلك الجرائم التي ارتكبها، أو محاكمته عليها أمام المحكمة الجنائية الدولية. بكلمات أخرى، إننا إزاء عملية "إنقاذ" روسية للأسد، لا تضمن فقط تحصينه مستقبلاً، وإنما أيضا تجعله لاعباً شرعياً وأصيلاً فى ترتيبات المرحلة الانتقالية التي تجري مناقشتها حالياً.
بل الأنكى، أن تستخدم روسيا كل حيلها وألاعيبها من أجل خفض سقف التوقعات الخاصة بمآلات المحادثات الحالية، حيث تطرح عدم دعوة إيران إلى محادثات فيينا كما لو كانت تنازلاً، في مقابل تراجع واشنطن عن رفض وجود الأسد في المرحلة الانتقالية، حسبما أشارت التقارير الإخبارية الواردة من فيينا، وهو ما يبدو أن واشنطن على استعداد لقبوله.
يشير الموقف الروسي من بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية وبعدها إلى أمرين، أولهما أن موسكو باتت اللاعب الرئيسي والأهم في الصراع في سورية، والذي في وسعه أن يحدد وجهة الصراع ومآلاته، وربما الحل النهائي للأزمة. وثانيهما، أن في مقدور موسكو إعادة رسم التوازنات والتحالفات فى المنطقة، من خلال تقوية موقف حلفائها وتوفير الحماية الإقليمية لهم، خصوصاً بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
بكلمات أخرى، تبدو روسيا كما لو كانت الطرف الوحيد الذي سوف يستفيد من مآلات أي مخرج للأزمة السورية، بغض النظر عن طبيعة هذا المخرج وشكله. وقد عززت من موقعها على طاولة المفاوضات، بعد تدخلها العسكري المباشر في سورية، وتحولها من مجرد وسيط، ولو غير نزيه، إلى لاعب أساسي في الصراع.
وإذا كان متوقعاً أن تجتمع الأطراف الإقليمية والدولية للأزمة السورية، بعد أيام قليلة في فيينا، من أجل ترجمة الطرح الروسي إلي اتفاق أو وثيقة، يمكن على أساسها التوصل إلى حل سياسي للأزمة، فإن مصير الأسد بات معروفاً، وهو أنه سيظل في السلطة طوال المرحلة الانتقالية، ما يعني العودة إلى "نقطة الصفر" مجدداً، مثلما حدث بعد اتفاق جنيف 1، الذي ظل مجرد حبرٍ على الورق.

اقرأ المزيد
٢٧ أكتوبر ٢٠١٥
"الجيش الحر" المطلوب للخارج مختلف عن جيشنا

طرح تصريح وزارة الخارجية الروسية ، حول قيام وفد من "الجيش الحر" بزيارة موسكو ، آلاف التساؤلات حول (ممن مؤلف هذا الوفد ..؟ ، ومن يمثل ...؟ ، وماذا يمكنه أن يقدم لروسيا في هذه الفترة من عدوانها على سوريا..؟) .

لعل قبل الإجابة على هذه التساؤلات نحن بحاجة لمراجعة بسيطة لأيام قليلة خلت ، وتحديداً مع إنطلاق العدوان الروسي في 30 أيلول الماضي ، حيث كثر الحديث عن مصطلح "الجيش الحر" ، بين نفي وجوده ، وتعزيزه و تكثيف ظهوره ، و لكن رافق هذا ، حملة تكاد تكون الأعنف والأشد تركيز على إغتيال أبرز قياداته و العاملين في مجاله ، و الذين حافظوا على البقاء تحت جناحيه رغم كل المحن ، لإستبدالهم بالأشخاص المطلوبين و القادرين على تحقيق ماهم مرسوم ومخطط من كل جهة .

ومن الواضح أن "الجيش الحر" الموجود على الأرض ليس هو المعني بالدعوات و الأحاديث الخارجية ، و هو مختلف تماماً عن ذلك الموجود على الأرض ، و الذي يقاتل بكل مالديه من رجال وعتاد والأهم بعزيمة "أبناء البلد" ، وصدق أحد المراسلين عندما قال لي "لا يصمد في المعارك التي تُخاض حالياً إلا الملائكة " .

لكن هذه الصفات هي غير مطلوبة ، فالمطلوب هو عناصر مؤدلجة و مدجنة ، و يمكن توجيهها في أي إتجاه يريد هذا الطرف أو ذلك ، فروسيا تريدهم داخل قوات الأسد في استنساخ لتجربة "الدفاع الوطني" ، بينما أميركيا تريدهم مرتزقة ليقاتلوا العدو الوهمي "داعش" ، وفي كلتا الحالتين الأسد و قواته و إيران و مليشياتها خارج الحسابات ، الأمر الغير مقبول بتاتاً في الداخل وممن يحمل السلاح و يملك الأرض ، فصحيح أن داعش تعتبر عنصر خطر كبير على كل سوريا خصوصاً و الإسلام عموماً ، لكنها تبقى نتيجة طبيعية لوجود سفاح فتك بـ23 مليون سوري حالياً ، وأكثر من 50 مليون على مر السنون الـ45 الماضية .

و لعل الترويج المكثف و الإساءات التي سعى الجميع (خبثاً أو تبعية ببغائية) ، بأن "الجيش الحر" هو شلة من اللصوص ، المتفلتين ، المستفيدين ، لا وجود لها إلا في الأذهان رغم وجود بعض الشواذ على القاعدة الأصل ، ففي هذا الجيش أخي و إبني و صديقي وكنا ولازلنا فيه ، فهم يعرفون الله ، و يتقنون عبادته ، ولايقلون عن هذا أو ذاك في أي أمر ، ويتوحدون مع الجميع في الأهداف العريضة في الدفاع عن "الدين و العرض و الأرض" ضد كل من يحاول الإساءة أو الإعتداء .

إذاً من زار أو سيزور روسيا ، ومن تدرب أو سيتدرب على أيدي أميركا ، ليس بـ"جيش حر" بالمعنى الحقيقي و الواقعي ، و إنما مرتزقة و بيادق بيد هذا أو ذلك ، ولكن يبقى البيدق بيدقاً ، و يبقى الحر حراً ، والسنوات الخمس الماضية كانت كافية لتحويل الثقة من مكان الشك إلى منتهى اليقين ، فـ"الجيش الحر" هو حر و منّا و لنّا.

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٥
حوار المعارضة السورية والروس

حمل التدخل العسكري الروسي في سوريا متغيرات جديدة في القضية السورية وحولها، كان الأهم في هذه التغيرات انتقال روسيا من صف الوقوف السياسي إلى جانب نظام الأسد، ودعمه بأشكال مختلفة بما فيها السلاح والذخيرة، إلى التدخل العسكري المباشر بالقوات من جهة وإلى تكثيف دعمها السياسي له باعتبارها صارت معه في خندق قتال واحد كما كان في عداد هذه التغيرات، أن روسيا وبحكم موقعها في القوة العالمية كدولة كبرى، وبإمكانياتها المتميزة، صارت القوة الأهم في تأثيرها في القضية السورية، ولا سيما في موقعها بين الأطراف المقاتلة ضد الشعب السوري، مما يجعلها في موقع القيادة لحلف النظام مع إيران والميليشيات التابعة لها وغيرها، ممن يقاتلون ضد الشعب السوري والمعارضة المسلحة وبطبيعة الحال، فإن علاقات المعارضة مع الروس، كانت أبعد ما تكون عن العداء على مدار سنوات الصراع السوري، بل كانت في أغلبها علاقات حوار علني أو مستور بين الجانبين، بدأت مع بداية الأحداث في دمشق، ثم تولد فيها خط آخر في الخارج، بعد أن أسست المعارضة السورية لها كيانات وتشكيلات في الخارج، أبرزها الائتلاف الوطني السوري الذي انخرط في لقاءات وحوارات مع الروس في إسطنبول وفي موسكو وأماكن أخرى، كان آخرها لقاءات عقدت في موسكو بين الائتلاف والقيادة الروسية قبيل التدخل العسكري الروسي بقليل، وهي لقاءات تقاربت زمنًيا مع لقاءات روسية مع ممثلين عن أطراف معارضة أخرى بينها لجنة القاهرة لمؤتمر المعارضة السورية ورغم أن التشكيلات المسلحة للمعارضة السورية لم تدخل بوابة حوار مباشر مع الروس، فإنها لم تكن بعيدة عنه بحكم علاقاتها وصلاتها مع تكوينات المعارضة، وبخاصة الائتلاف الوطني، الأمر الذي جعلها قريبة من الحوار، وإن كانت لا توافق على كثير من مضامينه، خاصة في ظل موقف روسي، يدعم نظام الأسد في المستوى الدولي، ويقدم له مساعدات توفر له سبل البقاء والاستمرار، ويؤكد شرعية وجود الأسد، ويؤيد استمراره في سدة السلطة وبدا من الطبيعي أن يترك التدخل العسكري الروسي أثره المباشر على موقف المعارضة وعلاقاتها مع موسكو والحوار معها وباستثناء عدد قليل من تكوينات المعارضة منها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، رحبت بالتدخل باعتباره يندرج في إطار الحرب على الإرهاب والتطرف وجماعاته، ولا سيما تنظيم داعش، فإن أغلب قوى المعارضة وقفت موقف الحذر من التدخل ورفضته أما المعارضة المسلحة، فكانت أكثر تشدًدا في الموقف من التدخل الذي استهدفها مباشرة سواء لجهة ضرب معسكراتها وقواتها، أو لجهة استهداف حواضنها الشعبية في التجمعات السكانية في حمص وحماه وإدلب وحلب ومناطق من ريف دمشق في ظل حقيقة عدم أي وجود لـ <<داعش>> في تلك المناطق، وقد تعزز هذا الموقف في ضوء مشاركة الطائرات الروسية بالاستطلاع والقصف الجوي بالتنسيق مع هجمات قوات النظام مدعومة بالقوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها على مناطق المعارضة، خصوًصا في ريف حماه وإدلب وحلب وعلى الرغم من تداعيات الموقف الروسي التي عمقت دوره في المعسكر المعادي للشعب السوري وثورته، وما أصاب حوار المعارضة السورية السياسية والمسلحة من تغييرات، تجعله صعًبا وتصادمًيا، فإن وقف الحوار مع الروس الذي يشكل أولى مراحل التفاوض، لا ينبغي أن يتوقف من جانب المعارضة، بل ينبغي أن يستمر في مستويين، أولهما عدم إلقاء السلاح والتصدي لهجمات النظام المدعومة روسًيا على المعارضة المسلحة المعتدلة، وحوار من مستوى آخر تخوضه قوى المعارضة السياسية حول الوضع في سوريا وتطوراته، بهدف السعي لتغيير الموقف الروسي، ليس فقط من خلال المصالح والمنطلقات السياسية، بل عبر استخدام القوة المسلحة التي تمثلها التشكيلات المسلحة للمعارضة وعملياتها على الأرض إن ضرورات الحوار مع الروس، لا تتعلق بوضعهم وعلاقاتهم بالقضية السورية، من حيث الروس قوة عظمى ذات إمكانيات وقدرات كبيرة، وقد صاروا في قلب القضية السورية، وأحد أهم المؤثرين في تطوراتها اللاحقة فقط، إنما أيًضا بوضع المعارضة ذاتها، التي هدفها خلاص الشعب، وهذا لا يتحقق بوجودها بعيدة عن الفاعلين في القضية، وهي ستخوض عاجلاً أو آجلاً مفاوضات حول الحل في سوريا، وشروط الانتقال من نظام الاستبداد والقتل إلى نظام جديد، يوفر مطالب السوريين في الحرية والعدالة والمساواة إن المشكلة الأساسية في حوار المعارضة مع الروس بما هو مرحلة أولى في التفاوض المقبل، يكمن في جوهر الحوار ومحتوياته فمن المهم إيصال رؤيتها للقضية السورية، وإيضاح مواقفها من التطورات الحالية، وفهم السياسات والمواقف المعلنة والخفية للأطراف المختلفة، خصوًصا الروسية من أجل التعامل معها بمعرفة ووعي كبيرين، تفرضهما الرغبة في الوصول إلى حل، يخلص السوريين مما صاروا إليه، وينقذ ما تبقى من سوريا التي دمرها نظام الأسد وحلفاؤه

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان