مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣٠ ديسمبر ٢٠١٦
"تحرير" حلب

فرِح "اليسار الممانع" بـ "تحرير حلب"، واعتبر أن المعركة قد حُسمت، والثورة السورية انتهت. لكنه لم يلحظ زيف خطابه الذي كشفه هذا "التحرير". لقد هلل لـ "النصر على الإرهاب"، ولم يلحظ أن سكان حلب الشرقية هم الذين غادروها مكرَهين، بعد أن ذاقوا كل أصناف التدمير والقتل والتجويع. وبعد أن دمّر الطيران الروسي وطيران النظام معظم أحيائها، ومن ثم طلب من هؤلاء المغادرة، أو استمرار التدمير والقتل والتجويع، تحت حجة وجود جبهة النصرة.

ولم يلحظ هؤلاء أيضاً أن النظام سارع إلى إخراج جبهة النصرة قبل كل الآخرين، ولم يمسّها بأذى، على الرغم من أنه برَّر تدمير حلب الشرقية وقتل أهلها بوجود هذه الجبهة، فلا شك في أن لديها مهمة أخرى في مكان آخر، هو إدلب. وهكذا فعل قبلاً في مواقع عديدة، فهي الطُعم الذي يبرّر كل القتل والتدمير، من دون أن يُمسّ. فما يظهر هنا هو أن عنوان الحرب هو جبهة النصرة، لكن الهدف هو السكان، السكان بالتحديد، وهو الأمر الذي يتجاهله "يسارٌ" منساقٌ خلف أوهام، ويتوه في ضياع كامل.

قبل حلب، مارس النظام السياسة ذاتها في ريف دمشق، حتى في مناطق لا تحتوي أيَّ عنصر من جبهة النصرة، حيث فرض ترحيل السكان مع المقاتلين اشترط إخلاء المواطنين منها، كما فعل في الزبداني ومضايا، وفي داريا، وخان الشيح والمعضمية. ويقول النظام إنه يحارب الإرهاب (وهكذا تقول كل المليشيا الطائفية التي استجلبتها إيران، ويقول الروس كذلك)، من أجل "حماية المواطنين" و"تخليص السكان من خطرهم". لكنه يرحّل السكان الذي يقول إنه يدافع عنهم، ويريد تخليصهم من سيطرة الإرهابيين.

ما علاقة هؤلاء السكان في كل هذه المناطق بالإرهاب والإرهابيين؟ ألا يوضّح ذلك أن النظام يعتبر أن سكان كل المناطق التي خرجت عن سيطرته إرهابيون؟

بالضبط، هذا ما قاله بشار الأسد في أحد خطاباته، أشار إلى وجود "عشرات آلاف الإرهابيين السوريين" وليس الأجانب، وأكمل أن خلف هؤلاء "حاضنة اجتماعية، أي عائلة، قريب، جار، صديق، وأشخاص آخرين"، ويكمل أن هناك بالتالي مئات آلاف الإرهابيين، و"إذا كان هناك مئات آلاف فيمكن أن نقول ملايين". بمعنى أنه يجرّم المجتمع كله، تحت حجة وجود "إرهابيين". ولهذا، قام بكل القتل والتدمير، وفرض تهجير أكثر من نصف السكان، ويعمل على تهجير جزءٍ آخر، ليبقي "الصفوة" التي تصفِّق له، وربما لن يجدها، بعد أن وضعها في ظرف سيئ للغاية، ليكمل تطبيق الشعار المعروف "الأسد أو لا أحد"، ليبقى رئيساً على الفراغ.

حين يكون لهؤلاء "الإرهابيين" حاضنة اجتماعية بهذا الحجم، لا يمكن أن نقول إن الأمر يتعلق بإرهاب، لأن هذا الحجم من السكان الذي اعتبره النظام عدواً، ووسمه بسمة الإرهاب هو الشعب، الشعب الذي تمرّد من أجل إسقاطه. وليكون توصيف الإرهاب لديه هو "كل شخصٍ تظاهر من أجل إسقاط النظام". وبالتالي، حين عزا وجود "ملايين الإرهابيين" إلى "فشل أخلاقي واجتماعي"، فقد اعترف بعجز كل النظام التعليمي القائم على "التبعيث"، وكل الضبط العسكري الذي حكم التعليم، وكل الإرهاب الذي مارسته المخابرات، لم ينجح في إيجاد "مواطن صالح"، يقبل الخنوع المطلق، والموت جوعاً فداءً لـ "الأب القائد". ويقبل بسورية الأسد إلى الأبد.

هذا "طبيعي" لنظامٍ يقوم على النهب والاستبداد الشمولي، حيث يتعامل مع الشعب كعبيد، أو على الأكثر كرعايا. لكن المدهش أن لا يرى "يسارٌ" ذلك كله، وأن يتعلق بأوهام ذهنية عن نظام "معادٍ للإمبريالية"، وأن يصدّق أن الحرب الوحشية التي يخوضها النظام هي ضد الإرهاب (على الرغم من أنه يتلاقى هنا مع الإمبريالية التي يعلّق بمشجبها كل ما لا يعجبه). إن تهجير السكان من المناطق التي حاصرها النظام، ودفع آخرين إلى الهجرة بالقوة، يعني أن المسألة أكبر من مسألة إرهاب، لأنها مسألة شعب، بالتالي ثورة.

اقرأ المزيد
٣٠ ديسمبر ٢٠١٦
مبدأ إسرائيل.. أساس نظام الشرق الأوسط وخرابه

القرار الذي صوّت عليه مجلس الأمن في 23 ديسمبر/ كانون الأول، في الوقت الذي يطالب فيه إسرائيل بالوقف الفوري لبناء المستوطنات، فإنه يدين المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة وجميع الدول، الصغيرة والكبيرة، التي قبلت، دعمها المباشر السياسات الإسرائيلية وتواطؤها معها، وصمتت أكثر من ستين عاماً على أعمالها، بإعطاء الشرعية لمشروع استعمار استيطاني علني وسافر، قام على طرد السكان الأصليين وانتزاع ملكياتهم بالقوة والاحتيال، في الوقت الذي كان المؤرخون يعمّدونه في كتبهم وتأملاتهم باسم عصر نزع الاستعمار.

لا يختلف ما حصل، بعد الانتصار العسكري لإسرائيل على العرب عام 1967، من فتح المناطق الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وغزة، على الاستيطان، وتوسيع قاعدة المستوطنين وعددهم فيها، عما حصل من قبل، فهو استكمال للفعل الاستعماري الأصلي بالمنطق الذي قبل به العالم ومرّرته منظماته الدولية، وحماه حق النقض (الفيتو) الذي احتكرته لنفسها الدول الكبرى الخمس، روسيا والولايات المتحدة خصوصاً، ولا تزال تستخدمه لتجنيب نفسها وحلفائها، عواقب خرق القانون. في هذا السياق، لم يكن لدى تل أبيب أي سببٍ في أن تقبل احترام حقوق الفلسطينيين، حتى في جزءٍ من فلسطين التاريخية، أعني الضفة الغربية، ومن ثم الدخول في أي مفاوضات تسويةٍ سياسيةٍ على أساس حل الدولتين، كما كان يحلم عديدون من أصحاب النيات الحسنة. ولذلك، ما كان هناك أي أمل أو فرصة في أن تجد المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية حلاً لها، وأن تقبل تل أبيب بتطبيع علاقاتها مع دول المنطقة، وبالمناسبة نفسها، تطبيع وضع المنطقة مع متطلبات احترام القانون الدولي، أو ما اصطلح على تسميته كذلك.

لكن هذه السابقة في قبول تعليق المبادئ السياسية والأخلاقية المعمول بها عالمياً، والضرب عرض الحائط بما سمي القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، بل الدفاع عن انتهاكها، تعاطفاً مع إسرائيل، وتعويضاً عن اللاسامية والاضطهاد الذي تعرّض له يهود الغرب، لم يتوقف فعلها على إسرائيل، لكنها سوف تسمّم علاقات دول الإقليم بأكمله، وتقوّض سيادة الدول والشعوب، وتعيد من أقبية التاريخ العمل بقانون الفتح، وتجيز التوسع والتدخلات العسكرية وإطاحة النظم، أو تثبيتها بالقوة حسب مصالح الدول الأقوى. وفي النهاية، إخراج المنطقة بأكملها من منطق الحق والقانون والعدالة، وتحويلها إلى منطقة عنف وفوضى ومنازعات خارج أي مبادئ أو قيم أو أعراف دولية وأخلاقية.

فإذا كان يحقّ لإسرائيل أن تفرض حدودها بالقوة المجرّدة، وتنتزع أراضي الفلسطينيين، وتعيد هندسة المناطق بزرع المستعمرات والمستوطنات والجدران العازلة، وتجعل من كل من يعارض خططها وسياساتها القائمة على تجريد شعبٍ من حقوقه لصالح شعب آخر معادياً للسامية، وعدواً لليهود وللإنسانية، يحق قهره إن لم يكن إبادته، وتسمح لنفسها بالضرب عرض الحائط بأي قراراتٍ دولية، حتى لو نجحت في أن تتجاوز جدار وصاية الخمس الكبار في مجلس الأمن. لماذا لا يحق لطهران، أو أي عاصمةٍ أخرى، أن تجعل من العراق مقاطعةً إيرانية، وترحل ما استطاعت من سكانها المناوئين لسيطرتها، وتحلم أن تكون خطوط دفاعاتها الاستراتيجية، على الشاطئ السوري أو اللبناني أو بحر عدن؟ ومن سيحتجّ عليها، إذا قرّرت إعادة الهندسة الديمغرافية، وبناء مستوطنات مذهبية مرتبطة بها في دمشق وحلب وحمص واللاذقية؟ ولماذا يطلب من الأسد التخلي عن "حقه" في الاحتفاظ بالسلطة، وهو لا يزال قادراً على فرض إرادته؟ ولماذا لا يحقّ للدول التي تعتقد أن لها مصالح مع نظام الأسد أن تعيد تأهيله، بعد أن أثبت أنه يملك القوة، لفرض إرادته وإخضاع خصومه، بصرف النظر عن مصدر هذه القوة والوسائل التي استخدمها لقهر شعبه، والتحالفات التي عقدها، وملايين الضحايا الذين دمرت حياتهم من أجله؟

الحقيقة أن نظام الشرق الأوسط بأكمله أعيد بناؤه، منذ منتصف القرن الماضي، للتكيف مع مبدأ استثناء إسرائيل من حكم القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، ومن المساءلة والمسؤولية. وهو المبدأ الذي ساهم في تكريسه وترسيخه حق النقض الجاهز في مجلس الأمن، سواء من واشنطن أو موسكو أو الدول الأوروبية القديمة الأخرى. وشيئاً فشيئاً، كان لا بد لهذا القانون، أو بالأحرى الاستثناء من القانون والمساءلة، أن يصبح الأساس الأول للفوضى التي تحكم العلاقات داخل المنطقة، على مستوى النظم السياسية والجيوسياسية معاً، وأن يتحوّل احتقار القانون والاستهتار به إلى قانونٍ تسعى إلى فرضه الجماعات والحكومات والدول. هكذا، على العكس مما حصل في كل بقاع العالم، أدّى تقويض مبدأ الحق وقاعدة القانون، في فلسطين، تعاطفاً مع اليهود الناجين من المحرقة، أو لحسابات جيوستراتيجية تعني الدول الكبرى، إلى تفريغ نظام العلاقات الشرق أوسطية من أي قاعدةٍ قانونيةٍ أو أخلاقيةٍ، والقبول بكل الانتهاكات تجاه الجماعات القومية والأفراد والشعوب. وبعد أن كانت إسرائيل وحدها التي تحظى بحكم الاستثناء من تطبيق القانون، أي أيضاً من المساءلة والمحاسبة والعقاب على انتهاكه، تحوّل سلوكها إلى نموذجٍ يُحتذى، ويعبر عن التحكّم والقوة، وصار الاستهتار بمبادئ الحق والقانون، والاستهانة بالعقوبات المحتملة نتيجة خرقه، هو مصدر السطوة والسيطرة في العلاقات الاجتماعية والسياسية داخل الدول، وفي ما بينها. صارت اسرائيل النموذج والمثال، بعد أن كانت الخطيئة والانحراف.

هذه هي المقدّمات التي بني عليها نظام الشرق الأوسط لما بعد الحرب العالمية الثانية، أي منذ بداية استقلال دوله. والأحرى القول، إنه لا نظام الشرق الأوسط وفوضاه. ولن تكون استعادة الأمن والسلام والنظام فيه ممكنةً من دون استعادة حكم القانون، سواء داخل النظم الاجتماعية السياسية القائمة أو بين الدول والجماعات، وما يرتبط به من احترام مبدأ الحق والعدالة وسيادة الأفراد والدول والجماعات. وهذا يستدعي أن تتغير الأسس التي قام عليها نظام القوة، وأن تحل محلها أسس جديدة تفسح مجالاً لنظام الحق والعدل. والواقع أنه، بمقدار ما تشكّل النزاعات والحروب مصدر توازن نظام القوة وبقائه، فهو لا يستمر إلا بالإنتاج الموسع لدائرة الفوضى القانونية والسياسية والأخلاقية التي أنهت، بانهياره وتفجره في شكل حروب شاملة، وحوّلت حياة شعوب الشرق الأوسط إلى ساحةٍ مفتوحةٍ للخراب والموت والدمار. لا يمكن لنظامٍ مؤسّس على الاغتصاب، أي العنف المنفلت، أن ينشئ حياةً قانونيةً وأخلاقيةً سليمة، وبالتالي، أن يقود إلى بناء دولةٍ بأي معنى كان، بل هو السبب الأول في تقويض معنى الدولة ووظائفها وأخلاقياتها.
لا يمكن لحكم القانون أن يستمر ويحظى بالاحترام في أي دولةٍ ومجتمع مع التسامح في خرقه وتحدّيه وتجاوزه. ومتى ما خرق وانتهك، من دون مساءلةٍ أو عقاب، انهار من تلقاء نفسه. يحتاج الأمر عندئذ إلى مرور وقت طويل، قبل استعادة مفهومه وإعادة الثقة به، وفرض الاحترام له على الجميع، على مستوى علاقات الأفراد داخل المجتمع ومستوى العلاقات بين الدول نفسها والمجتمعات.

تجاوز هذه القاعدة، ووضع إسرائيل فوق القانون، وتجنيبها أي مساءلةٍ أو حسابٍ على انتهاكات حقوق الإنسان والجماعات، كرّسا تقليداً، وجعلا من خرق القانون وانتهاك حقوق الأفراد قاعدةً، بدل أن تكون استثناءً، كما حول الاستثناء الذي قامت عليه إسرائيل وجعل منها، وهي أصغر دولة في المنطقة، أكبر قوةٍ إقليمية متفوقة على شعوب المنطقة مجتمعة ومنفردة، إلى مصدر دائم لتقويض نظم الحكم والدولة في الشرق، وتدمير أسسها القانونية والأخلاقية، وذلك بمقدار ما كان برهاناً ملموساً وحاضراً على أسبقية القوة على الحق، والعنف على الحوار، والتهديد بالعدوان على التفاهم والتعاون والشراكة في المصير.

هذا هو الجذر العميق للفوضى التي تهدد وجود حياة شعوب الشرق الأوسط بأكملها، وتدمر مدنها وحضارتها وأديانها.

ليس لقرار مجلس الأمن الجديد، ولن يكون له، على الأغلب، أي قيمة عملية، لكنه مهم معنوياً، لأنه يشكل اعترافاً متأخراً للدول التي بقيت، عقوداً طويلة، تراعي إسرائيل، وتقدم لها وسائل التفوق والقوة والعنف، بخطئها، ومن ثم بمسؤوليتها أيضاً، والحاجة إلى العودة إلى حكم الحق والعدالة والقانون. إنه إدانةٌ لمبدأ الاستثناء من المساءلة الذي حوّل إسرائيل إلى مثالٍ سيء للمنطقة بأكملها، وحول حكومات المنطقة تجاه شعوبها، والشعوب المجاورة، إلى إسرائيل ثانية وثالثة ورابعة. وفي ما وراء ذلك، هو بداية التخلي عن مبدأ إسرائيل، والاعتراف بأولوية العودة إلى مبدأ الحق والقانون والعدل، أي المساواة، في فلسطين والعالم بأكمله.

اقرأ المزيد
٣٠ ديسمبر ٢٠١٦
وقِّع على الاتفاق و انفي ذلك .. سياسة “التذبذب” في حركة “أحرار الشام”

تصر حركة أحرار الشام الاسلامية على التملص من تصرفاتها و سحب تواقيعها على اتفاقات تشارك فيها وبصياغتها ، وتبحث عن الفرصة المواتية لإعلان أنها لم توقع ، وتبدي تحفظاتها التي تنشرها على الاعلام ، في حين تلتزم بما تتعهد به بالخفاء.


الناطق الرسمي باسم حركة أحرار الشام علق ، يوم أمس ، ببيان مقتضب حول اتفاق الهدنة الجديدة التي وُقِعت بالأمس في أنقرة ، بمشاركة ١٣ فصيل من بينها الحركة ، أن “لدى أحرار الشام عدد من التحفظات حول الاتفاقية المطروحة والعملية التفاوضية المرتبطة بها ولذا لم نوقع عليها وسنبين تحفظاتنا على الاتفاقية لاحقاً”، وهي صياغة مشابهة لما حدث في بيان تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات.


اتفاق الهدنة ، الذي بدأ اليوم ، تم بحضور و مشاركة فعالة من الحركة ، التي لطالما كانت الحاضر الدائم في كل المفاوضات التي تتعلق بالملف السوري ، ومع جميع الأطراف ، سواء أكانت معادية أم محتلة أو صديقة ، و لكن الحركة تنتهج اسلوب التكتم الشديد ، وفي حال انكشاف الأمر تسارع للانسحاب ببيان اعلامي ، في حين تبقى ملتزمة بالمضمون.


قبل قرابة العام فعلت حركة الأحرار ذات الأمر بعد توقيعها على وثيقة تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض ، أكدت في كل المناسبات أنها لم توقع بيان التأسيس ، رغم أنه قد تم التوقيع ، و حضورها ثابت وفعال ، وذات الأمر تكرر خلال الهدنة التي جرت باتفاق أمريكا و روسيا في أيلول الفائت كذلك هدنة شباط ، و أبدت تحفظات أيضاً على الاتفاق و اعتبرت نفسها بمنأى عنه، في حين كانت من بين الملتزمين به.


لاشك ان السياسة المنتهجة من قبل الحركة، قائمة على التقلب بين وجهين ( ظاهر و باطن) ، يجعل التعامل معها في غاية الصعوبة ، سيما مع تصرفات غير محمودة مع الاعلام الثوري ، اذ تعمد على التهرب من أسئلته ، إما بعدم الرد اطلاقاً أو الاكتفاء بالنفي دون أي تفاصيل ، في حين يكون الأمر شبه مخالف مع الاعلام الأجنبي رغم تلقي الحركة صفعات عدة منه.


و تحاول الحركة من خلال هذه التصرفات على تأمين طريق يجمع بين المصالح و المبادئ و الحاضنة الشعبية ، في توليفة من المستحيل تحقيقها ، وغالباً ما تؤدي إلى فقدانها الأطراف الثلاث ، لاسيما في تشكيل كـ”أحرار الشام” الذي شهد تغيرات جذرية في الايدلوجية من “مشروع أمة” إلى “ثورة شعب” سرعان ما تاهت البوصلة بين الفكرين.


و قادت الحركة سلسلة من الاتفاقات التي لم يعرف تفاصيلها أو بنودها حتى اللحظة بدأت من اخلاء حمص المحاصرة وصولاً إلى اخلاء حلب ، وما تخللهما من الاتفاقات التي كان الأشهر منها اتفاق (المدن الأربعة) أو اتفاق (الفوعة - الزبداني) ، الذي تم مع الجانب الايراني بشكل مباشر و يجري تنفيذه حاليا بوساطة الأمم المتحدة.


حركة أحرار الشام التي تجاوزت كافة المشكلات و الخسارات ، طوال سنين الثورة ، والتي كان ابرزها فقد القادة المؤسسين الـ 40 ، وكذلك مطبات عدة ، تحاول اليوم تجاوز الخلافات الداخلية المحتدمة بين تياراتها المختلفة ، التي ظهرت على الملأ بعد انشقاق جزء كبير من الحركة و تشكيلهم “جيش الأحرار” ، تم تلافيه بشكل مؤقت ليعود الصراع للاحتدام حول الاندماج مع جبهة “فتح الشام” ، الذي يدعمه مجموعة ليست بالصغيرة في الحركة و يرفضونه آخرون ، ولاسيما رئيس الجناح السياسي في الحركة “لبيب النحاس” الذي وصفه بـ”الكارثة".

اقرأ المزيد
٢٩ ديسمبر ٢٠١٦
دور روسيا إذ يتعاظم على حساب إيران والأسد

ثلاث دول، روسيا وإيران وتركيا، تحاول الآن بناء حل سياسي في سورية، لكن أدوارها في مختلف مراحل الصراع تطرح السؤال عن مدى أهليتها لهذه المهمة، التي تتطلّب حدّاً أدنى من إظهار الحسّ بالمسؤولية، طالما أن ميزتَي «الحيـاد» و «الموضـوعيـة» مفــقــودتـان. فروسيا وإيران أخذتا دائماً جانب النظام، كلّ منهما بطريقته، ومعهما إسرائيل، أما تركيا فوقفت مع المعارضة وانخدعت كما انخدعت المعارضة بالموقف الأميركي الذي تبيّن أنه كان دائماً أقرب الى مواقف روسيا وإيران وإسرائيل.

لم تعترف موسكو يوماً بالجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري منذ عقود وليس فقط منذ بداية الأزمة، بل اعتبرت أن إدانته ومحاسبته دولياً قد تمهّدان لاحقاً لإدانتها هي نفسها. وقبل تدخّلها المباشر وبعده، وقفت روسيا ضد الشعب السوري وتجاهلت حقوقه وطموحاته، وبما أنها لم ترَ أو لم تشأ أن ترى أن النظام هو مَن عسكر ثورة ومَن دفع معظم أفراد جيشه الى الانشقاق ومَن تشارك مع إيران في هندسة دخول «جماعات الإرهاب» وإدارتها، فقد اكتفت برؤية المعادلة العسكرية كما ارتسمت على الأرض واهتمّت بتغيير موازين القوى لمصلحة النظام، ولو بالاعتماد على الميليشيات الموالية لإيران وأجندتها.

تبادل فلاديمير بوتين وبشار الأسد وحسن روحاني التهاني بعد انتهاء عملية حلب، وكلٌّ منهم يفكّر في ما بعدها. بوتين انتصر في معركة لم يواجه فيها أي عدو، بل أغارت طائراته على المدنيين وملاجئهم ومستشفياتهم ومدارسهم وأسواقهم ومخابزهم، لكنه اغتنمها لتجريب عشرات الأنواع من أسلحته الجديدة. روحاني انتصر في معركة لا يعرف عنها الكثير لأن غريمه الداخلي والخارجي الأول، «الحرس الثوري»، هو مَن خاضها بواسطة ميليشياته، لكنه سمع بالتأكيد قائد «الحرس» وهو يقول أن «الثورة الإسلامية الإيرانية استطاعت أن تهزم أعداءها من خلال معركة حلب التي أصبحت خط الدفاع الأول عن الثورة».

أما الأسد فذهب به هوسه الى تصوير نفسه صانعاً للتاريخ ولما بعده في حلب، لكنه منذ تلك اللحظة لا يعرف الى أين سيقوده هذا النصر. ولا شك في أن انتصار فاشية الدولة العظمى وطائفية إيران وديكتاتورية الأسد لا يشكّل صيغة طبيعية لتعايش هادئ ودائم بين أطرافها، ولا بدّ من أن أحدها سيفرض سلطته منذ الآن. فكما احتاجت روسيا الى ميليشيات إيران كقوات برّية تسند عملها الجوي في حلب، كذلك احتاجت الى تركيا وقنواتها مع الفصائل لتأمين إجلاء مدنيي حلب ومقاتليها، وفي مقابل امتنان روسيا لتركيا بلغ استياؤها من الإيرانيين حدّ التصويت في مجلس الأمن مع نشر مراقبين دوليين لعمليات الإجلاء.

غداة الانتهاء من عملية حلب، وعلى رغم اغتيال السفير الروسي في أنقرة، دعت موسكو الى اجتماعين ثلاثيين، سياسي وعسكري، لكن أول مَن تحدّث عن «إعلان موسكو» كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وأهم ما فيه اتفاق روسيا وإيران وتركيا على ضمان توجّهات مبدئية ثلاثة: وقف شامل لإطلاق النار، واتفاق سياسي بين النظام والمعارضة، ومحاربة «جماعية» لتنظيمي «داعش» و»فتح الشام/ النصرة»... ما هي حسابات الربح والخسارة في الدفع بهذا الاتجاه؟ موسكو أبلغت واشنطن بما اتفق عليه، علماً أنه سيكون شأن الإدارة المقبلة. وقبل ذلك، زار مبعوثون روس طهران للبحث في الخيارات المطروحة من دون أن يعني ذلك ارتياحاً لدى الجانب الإيراني الذي يشعر منذ شهور بأن دوره في سورية آخذ في التراجع أمام الدور الروسي المتعاظم عسكرياً وإدارياً وسياسياً، لكنه مضطرٌّ للتعامل مع الواقع الجديد. أما تركيا التي كادت تخسر كل أوراقها في سورية، باعتمادها على الولايات المتحدة، فتجد أن ما حصّلته بالتنسيق مع روسيا يعوّضها نسبياً، سواء بمنحها فرصة التدخل البرّي لمحاربة «داعش» أو بالاعتراف بدور لها في المراحل المقبلة. ومع أن المواءمة بين أهدافها وبين رعايتها المعارضة السورية ستكون مربكة لها، إلا أنها تراهن على اقتناع روسيا بأن الحل في سورية يستلزم احترام توازنات داخلية وإقليمية ساهم الصراع في تظهيرها.

لا شك في أن تقارب روسيا وتركيا بدأ يقلق الأسد والإيرانيين ويتجاوز توقّعاتهم، فبعدما اعتقدوا طوال شهور أنهم يديرون أداء روسيا ويؤثّرون في خياراتها، باتوا الآن يشعرون بوطأة قراراتها لتحصين مكوثها الطويل في سورية وترتيب معالم المرحلة المقبلة. فبدءاً من «إعلان موسكو» وخريطة الطريق التي يقترحها، يمكن القول أن الحديث عن وقف النار والاتفاق السياسي لا يلائم التفكير السائد في دمشق وطهران، أو أنهما على الأقلّ كانتا تريدان أن يبقى في معزل عن أنقرة. أكثر من ذلك، جاءت إشارة الوزير التركي مولود جاويش أوغلو الى ضرورة البحث في وجود المسلّحين الأجانب، لا سيما «حزب الله»، في مثابة إنذار مفاجئ للإيرانيين يتكامل مع الحديث عن مفاوضات في العاصمة الكازاخية أستانا. فعلى رغم أن معظم معارضي «منصة أستانا» مصنّفون مدجّنين لدى النظام أو موالين له، إلا أن البيان الختامي الذي توصلوا إليه في اجتماعاتهم السابقة (أواخر أيار/ مايو 2015) دعا الى «تشكيل جبهة موحدة لمكافحة الإرهاب، وإعادة بناء الجيش السوري، وإخراج جميع المقاتلين الأجانب».

وتمثّل إعادة بناء الجيش أحد أبرز الأهداف التي يعمل عليها الروس منذ بداية تدخّلهم، بما في ذلك إعادة هيكلته، وقد فرضوا أخيراً إنشاء الفيلقَين الرابع والخامس لاستيعاب التشكيلات الميليشياوية التي أسسها الإيرانيون وجعلوهما تحت مظلّة الجيش وعيّنوا لهما قائدين موثوق بهما لدى حميميم. وقد أدّت إعادة الاعتبار الروسية للجيش الى شعور الإيرانيين بأن لا مستقبل لميليشياتهم في سورية من جهة، ومن جهة أخرى الى تزايد حساسية ضباط النظام تجاه الإيرانيين عموماً و «حزب الله» خصوصاً، الذين عاملوهم لفترة طويلة بفوقية وبطائفية فظّة. وفي الوقت نفسه، يرى الأسد والمحيطون به أن الهامش الذي تمتّعوا به للمناورة بين الروس والإيرانيين لا ينفكّ يتقلّص. وإذا كان هناك توجّه جدّي الى وقف شامل لإطلاق النار وحل سياسي، فإن النظام قد يجد صعوبة في إحباطه على جاري عادته، تحديداً لأن الروس في حاجة إليه طالما أنهم متوجّهون الى وضع غير صراعي مع إدارة دونالد ترامب.

ماذا يعني اختيار العاصمة الكازاخية أستانا مكاناً لمفاوضات سورية مرتقبة؟ هو، أولاً، دليل على استحالة الحوار في أي مكان في سورية على رغم تشدّق النظام ورموزه بأنهم متمسّكون بـ «الحلّ السوري - السوري». وهو، ثانياً، مؤشّر الى رغبة روسية في عملية تحت سيطرتها وإشرافها الكاملين. وهو، أخيراً، اعتماد أيٍّ من معارضات أستانا أو موسكو أو القاهرة أو حتى «معارضة حميميم» لتمثيل المعارضة، بل سيستعين الروس بالأتراك لإعادة صياغة وفد المعارضة ليضم ممثلين عن تلك المعارضات إضافة الى أكراد «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذين وقفوا دائماً مع النظام.

أما لماذا أستانا، فإن روايات مختلفة تُجمع على أن فكرة اللقاء في العاصمة الكازخية جاءت من شخص مرتبط بعلاقات بزنسية مع القيادة في ذلك البلد، وأن موسكو شجّعت الفكرة لأنها تمكّنها من الظهور بمظهر «الحياد» وتتيح بديلاً من جنيف، ثم أن مضمونها وهدفها يلتزمان السقف السياسي الروسي. لذلك، شجّعتها أيضاً دمشق من قبيل الإكثار من المعارضات الذي يوازي عندها التقليل من شأن «الائتلاف» المعارض أو إضعاف مَن تسمّيها «معارضة الرياض».

وفيما ساهمت موسكو في ظاهرة تفريخ المعارضات، راحت بعدئذ تستغلّها للتشكيك في مدى التمثيل الذي يتمتّع به وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» الى جنيف، مستقوياً بضمّه ممثلين عن الفصائل المقاتلة، ويعتبر الروس أن هذا المعيار لم يعد ذا قيمة بعد معركة حلب. لكن إذا كانت المسارعة الى الجانب السياسي ترمي الى استثمار الحسم العسكري في حلب، فإن «الانتصار» لم يغيّر طبيعة الأزمة التي كانت ولا تزال مرتبطة بطموحات الشعب السوري. صحيح أن «إعلان موسكو» أكد العمل للحل السياسي وفقاً للقرار 2254، إلا أن موسكو تسعى الى حكومة تعيّن معظم أعضائها وتمدّها بالصلاحيات وتعمل بالتنسيق معها، وهذا ما يحصل حالياً بوجود الأسد.

اقرأ المزيد
٢٩ ديسمبر ٢٠١٦
خيارات روسيا: القتال أو المفاوضات

سقوط الطائرة الروسية، واغتيال السفير الروسي لدى تركيا، ليسا من الأحداث الحاسمة التي يمكن أن تفرض على الكرملين أن يغير بوصلة سياسته، إنما استمرار الصراع الإقليمي والدولي، وإصرار المعارضة على الحرب، عاملان أكثر أهمية وتأثيرًا. حتى بعد سقوط حلب، واستيلاء الروس والإيرانيين وقوات النظام عليها، لم ترفع المعارضة الرايات البيضاء، وكل ما نراه يشير إلى أننا ندلف إلى عام آخر من دون أن يحتفل أحد بانتصار حقيقي.

وإضافة إلى اهتمام السلطات الروسية بإقامة الاحتفالات الدعائية في المناطق التي استولت عليها في سوريا، أيضًا، يبدو أنها حريصة على تنظيف، وإعادة هندمة النظام السوري، تحت مظلة مفاوضات الحل السياسي، وهي مهمة لا نرى بعدُ ما يوحي بإمكانية نجاحها.
وقد حاولتُ خلال الأيام الماضية فهم طبيعة التوجهات الروسية المقبلة؛ في أي اتجاه ستسير بعد الأحداث الكبيرة الأخيرة. سقوط حلب، ونهاية رئاسة باراك أوباما في واشنطن، يعنيان إما أن موسكو عازمة على استكمال الحرب وتمكين النظامين السوري والإيراني من استعادة كل سوريا، وتحقيق النصر الكامل بالقوة، الذي سيجعل العام المقبل سنة أخرى من الحروب، أو أن روسيا تريد أن تفرض حلاً سياسيًا وسطًا، مستفيدة من حضورها العسكري، وأنها القوة التي أنقذت النظامين السوري والإيراني من الهزيمة في الحرب بعد دخولها بقوتيها الجوية والاستخباراتية، إضافة إلى الدبلوماسية في مجلس الأمن.

في هذا الشأن سمعت رأيين متناقضين؛ واحدًا يؤكد أن موسكو مستعدة لفعل ما فشلت فيه واشنطن، وهو جمع الفريقين المتحاربين؛ المعارضة السورية والنظام، وتشكيل حكومة مختلطة، مع استبعاد رموز الفريقين من مشروع الحكم الجديد. والرأي الآخر ينفي ذلك، مصرًا على أن موسكو لم تغير شيئًا من طرحها الذي تقترحه منذ نحو عامين، وهو نظام برئاسة الأسد ومناصب هامشية للمعارضة، ووعود بتقليص نفوذ السلطة المركزية على مناطق المعارضة. والحل الأخير يعني تأكيد سلطة الأسد، لأن كل الوعود المستقبلية بانتخابات وصلاحيات مستقلة للمحافظات هي إغراءات وهمية، لنظام قمعي لم يتردد في إبادة ملايين الناس وتشريدهم.

أحد الذين استمعت إليهم يرى أن المعارضة السورية انتهت منذ أن تراجعت تركيا، وقبلت بنتائج الحرب في حلب، وأن أنقرة اعتبرت قضيتها الآن هي محاربة الانفصاليين الأكراد وتنظيم «داعش»، وبناء عليه، على المعارضة أن تقبل بما يجود به عليها الكبار على مائدة المفاوضات.

أما الرأي الآخر، فيُذكّر بأن الوضع في سوريا هو الذي فرض نفسه على دول المنطقة، بما فيها تركيا والخليج، وليست دول المنطقة هي التي اخترعت الأزمة، وبالتالي لن تطفأ الأنوار بمجرد خروج الثوار من حلب أو ابتعاد تركيا عن تأييد المعارضة السورية. هناك ثلث سوريا لا يزال خارج سيطرة النظام السوري، وجزء منه استراتيجي، مثل ريف دمشق، والذي عادت قوات النظام السوري مع ميليشيات إيران إلى قصفه. والآلاف من المقاتلين، سواء كانوا من المعارضة السورية المسلحة، أو من الجماعات الإرهابية، سيجعلون مشروع المفاوضات وفرض صيغة روسية أو إيرانية للحكم في سوريا صعبة التنفيذ على الأرض ما لم تحتوِ على الحد الأدنى من المطالب السياسية الرئيسية. ولو أن المفاوضين الروس فعلاً قرروا تبني حل وسط، وقدموا اقتراحات ملائمة للمعارضة، فإن ذلك سيعني احتمال نهاية الحرب، وتتبقى المجاميع الإرهابية التي يمكن دحرها بوجود تأييد شعبي للحل السياسي.

لا نستطيع أن نجزم في أي المسارين ستذهب الأحداث خلال الأسابيع المقبلة، لكن لا شك في أن روسيا وحدها في الوقت الراهن هي التي تقرر؛ ليست واشنطن ولا إيران، فهي قادرة على دفع الأمور نحو استمرار القتال أو نهاية الحرب. ولا أتوقع أنه حتى إيران، رغم حرصها الشديد على النظام السوري، راغبة في استمرار الحرب التي تكلفها الكثير داخليًا وخارجيًا، وهي تعرف أنها فشلت في حسمها مما اضطرها إلى الاستعانة بالقوة الروسية. وسيجد النظام في طهران أن العودة بنصف انتصار خير له من الاستمرار في القتال وسط منطقة معادية له تمامًا.

اقرأ المزيد
٢٩ ديسمبر ٢٠١٦
ما وراء الهدنة "الغامضة"

اعتاد الشعب السوري على سماع هدن وقف اطلاق النار، خاصة في العام الحالي، والذي كان في كل مرة يخرج عن النسق المرسوم له ضمن الاتفاقات التي تكون روسيا جزء منه، ليعود القصف بشكل ممنهج أكثر من ذي قبل، وهاهي روسيا تدخل كضامن لهدنة جديدة تشمل كافة انحاء سوريا، ولكن برعاية تركية هذه المرة، وببنود فضفاضة.

اعلان الهدنة التي ستبدء منتصف الليلة، بعد اجتماع فصائل من المعارضة المسلحة، والوفد الروسي بمباركة تركية وعلى أرضها، هو بكل تأكيد مناورة روسية جديدة، الهدنة التي لم تتضمن تفاصيل واضحة مع تذبذب بالتصريحات حول المضمون بين اطراف الاتفاق الثلاثة، مايدفعنا لوصفه كنوع من المخدر بعد معركة حلب.

روسيا لم تصدق ولن تصدق في تفاوض يصب في مصلحة الشعب السوري، وهذا الاتفاق الذي سهلت اتمامه بعد موافقتها على ضم الغوطة الشرقية وحي الوعر الحمصي ضمن الهدنة، ماهو إلا لإتاحة الفرصة لقوى الحشد العراقي الى جانب قوات النظام، التي تتجهز منذ قرابة شهر في الحسكة، لشن معركة جديدة ضد تنظيم الدولة لتظهر بمظهر مكافح الارهاب، بينما تنشغل المعارضة باصدار البيانات بين موافق للهدنة ورافض لها.

وتبدو هشاشة الهدنة من خلال ضيق الوقت الذي صرح به الناطق باسم المعارضة، "أسامة أبا زيد"، والذي لم يتجاوز خمس دقائق، تلى فيها بنود الاتفاق والذي كان واضحاً من خلالها بعدم وجود فكرة اخراج الميليشيات الشيعية التي تقاتل الى جانب قوات النظام السوري من سوريا، وانما فقط ضمان روسيا لإلتزامها بالاتفاق، في الوقت الذي لم يحدد فيه نص الاتفاق هل جبهة فتح الشام ضمن الاتفاق أم أن كلمة "فصيل ارهابي" ستلازم فترة الهدنة، مايجعل قصف كافة مناطق سوريا التي تتواجد فيها الجبهة متاحة، بدءً من ادلب التي باتت تضم كافة الفصائل المهجرة من المناطق المحررة، وأكبر تجمع للنازحين السوريين.

بدء الحديث في المؤتمر الصحفي للهدنة عن وقف عملية التغيير الديمغرافي، كان فيه نوع من الاستخفاف بعقول الناس، فلربما بات الريف الدمشفي القريب من العاصمة كله بأيدي النظام وحلفائه، بينما يشهد الجنوب الدمشقي حالة ركود عسكري منذ أكثر من عام ونصف، أما الغوطة الشرقية فالواضح أن صفقتها مع روسيا ستقتصر مع أكبر فصيل وهو جيش الاسلام، والذي كان أصلاً من ضمن الموقعين على الهدنة، وهذا يجعل جبهات الغوطة الشرقية حالياً تشهد هدوءً، خاصة وأن خروج 20 ألف مقاتل من الغوطة أمر قد يرهق النظام سواء باخراجهم أو في تجميعهم مع باقي الفصائل في ادلب، مايهدد النظام في حال اخراجهم في الشمال السوري.

هذه الفترة التي أبدت فيها روسيا لطفها بينما تعيد تنسيق أوراقها، ستكون بداية معارك جديدة للنظام والميليشيات الشيعية ضد تنظيم الدولة، بينما الشعب السوري يحلم باجتماع استانة الذي لن يكون إلا مجرد مجاملة سياسية واجتماع خلبي لا أكثر.

اقرأ المزيد
٢٩ ديسمبر ٢٠١٦
معركة حلب.. السياسة والسلاح

عندما يعلو صوت السلاح، تصبح المعارك المسلحة ومشاهدها الدامية أكثر استحواذاً على اهتمام المتابعين من الاتصالات السياسية. وهذا أمر طبيعي من زاوية أن الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى.

لكن الامتداد المقصود هنا يحمل معنى التفاعل، وأحياناً التداخل، وليس بالضرورة معنى التتابع الزمني. صحيح أن الحرب تبدأ حين تفشل السياسة في منعها. غير أن نشوب الحرب لا يؤدي في كل الحالات إلى توقف السياسة، إلى أن يقول السلاح كلمته. ولا يقتصر دور السياسة خلال الحرب على الجهود التي تُبذل سعياً إلى حل أو تسوية، بل يشمل عقد صفقات قد لا تكون لها علاقة بمثل هذه الجهود، ولكنها تؤثر في مسار المعارك الدائرة.

ولذلك لا تُعد معركة حلب فريدة من حيث إن متغيرات سياسية أتاحت عقد صفقات أثرت في مسارها وساهمت في حسمها عسكرياً، وأتاحت لنظام بشار الأسد والميليشيات التي تُدَّعمه تحقيق ما عجزت عنه منذ أن بدأت تلك المعركة للمرة الأولى في يوليو 2012. فقد اقترن الحسم العسكري في شرق حلب بصفقات سياسية عدة بين قوى دولية وإقليمية منخرطة في الأزمة السورية بدرجات متفاوتة وفي اتجاهات مختلفة، إلى جانب نظام الأسد الذي منحه هذا الحسم «قُبلة الحياة».

لم تكن تلك الصفقات سهلة، ولا هي مُرضية بدرجة كافية لكل أطرافها، خصوصاً إيران والميليشيات التابعة لها، والتي اضطلعت بالدور العسكري الرئيس على الأرض في معركة حلب. ويمكن أن نتبين ملامح الصفقات التي أثرت في مسار هذه المعركة اعتماداً على قراءة تضاريس الجغرافيا العسكرية لمحافظة حلب في مجملها، حيث توجد ثلاث مجموعات أساسية من القوى المسلحة. تستحوذ المجموعة الأولى على القسم الأكبر من المحافظة، وهي قوات نظام الأسد والميليشيات المحلية والأجنبية التي تسيطر على مدينة حلب وريفها الجنوبي، وبعض المناطق في ريفها الشمالي الغربي.

وتضم المجموعة الثانية عدة فصائل من «الجيش السوري الحر» مدعومة بقوات تركية على الأرض في إطار ما تسميه أنقرة «عملية درع الفرات». وهي تسيطر على مناطق في ريف حلب الشمالي والغربي، وتتقدم بخطى حثيثة لانتزاع مدينة الباب في ريف حلب الشرقي من تنظيم «داعش».

وتقود القوات المسماة «قوات سوريا الديمقراطية» المجموعة الثالثة التي يُعد «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» محورها الرئيس، ومعه فصائل محلية أغلبها كردية وبعضها عربية. وهي تسيطر على جزء يُعتد به من أرياف حلب، وتتطلع للتمدد في محافظة الرقة معقل تنظيم «داعش» في سوريا، بعد أن سيطرت على منطقة واسعة في الريف الغربي لهذه المحافظة.

وتفيد قراءة تطور دور تركيا في شمال حلب خلال الفترة الأخيرة أنها قررت التخلي عن ورقة حلب التي كانت تستخدمها للمساومة، عندما ضمنت تدخلاً روسياً وأميركياً لإلزام «قوات سوريا الديمقراطية» بالتراجع إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، والتخلي بالتالي عن سعيها إلى تواصل جغرافي للأقاليم الكردية. وهذا يفسر لماذا استقدمت تركيا قسماً كبيراً من القوات الموالية لها التي كانت موجودة في حلب الشرقية ضمن تحالف «فتح حلب»، وضمتها إلى عملية «درع الفرات»، وأوقفت بالتالي دعمها للمسلحين، الأمر الذي ساهم في إضعافهم وعجَّل بانهيارهم.

ورغم أن صفقات سياسية نجحت على هذا النحو في إعادة رسم الخريطة العسكرية في حلب، فإنها لم تفتح طريقاً واضحاً للخروج من النفق السوري المظلم.

لذلك لن يكون هناك مفر في النهاية من التفاوض رغم كل الصعوبات التي تواجه إطلاق مسار سلمي جاد، وأهمها عدم استعداد نظام الأسد، ومن ورائه إيران، لأي حل سياسي لا يقوم على استسلام كامل للمعارضة. كما أن الفصل بين قوات «جفش» (النصرة سابقاً) وفصائل مسلحة يصعب التوصل إلى حل سياسي بدونها أصبح أكثر صعوبة.

فقد نُقلت مشكلة «فصل القوات» من حلب إلى إدلب، التي صارت مكتظة بمسلحين توافدوا عليها من مناطق عدة أُخرجوا منها، وأعداد يصعب حصرها من المدنيين الذين نزحوا إليها، فضلاً عن سكانها الأصليين والقوى المسلحة الموجودة فيها من البداية.

لذلك ربما نشهد سباقاً بين السياسة التي قد يكون إعلان موسكو الثلاثي الصادر الأسبوع الماضي (الروسي –الإيراني –التركي) هو عنوانها في الفترة المقبلة، وبين السلاح الذي قد تكون محافظة إدلب هي وجهته القادمة.

اقرأ المزيد
٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
"عبوات" الثورة الإيرانية

يا لخيبة الزعماء العرب الذين أمضوا أكثر من خمسة وثلاثين عاماً تحت وطأة الرعب من تصدير الثورة الإيرانية إلى بلادهم.

حدث ذلك، منذ العام 1979، عقب انتصار ثورة إيران، وكان أول ما وعد به الخميني الشعوب العربية تصدير نسخ متطابقة من ثورته إليهم، للخلاص من "طغاتهم"، فكان أن أصبحت إيران العدو رقم واحد لمعظم الأنظمة العربية، باستثناء نظام حافظ الأسد الذي أدرك المقصد من التلويح الإيراني بـ"تصدير الثورة"، فتحالف مع أصحاب الثورة في عقر دارهم، وآزرهم على الحكام العرب الآخرين، وفي مقدمتهم صدام حسين، في أثناء حربه الطويلة مع إيران.

كان الأسد الراحل يدرك خفايا ثورة الملالي في إيران، وأبعادها، وطبيعة تركيبتها، ففهم جيدًا أن المقصود هو تصدير ثورة الحكام على الشعوب، وهو عين ما يرنو إليه طغاة العرب، فعقد حلفًا لم تنفصم عراه مع ملالي إيران، لأنه كان يدرك أن نظامه المستبد سيحتاج، يومًا، إلى ثمرات هذه المؤازرة التي محضها لإيران من دون حساب.

وإذا كان القدر لم يسعف الأسد الأب في جني ثمرات تحالفه الطويل مع إيران، فقد حظي الابن بها، في "ثورته" على شعبه الذي تجرأ على المطالبة بحريته، فكان أن أصبح دوام بشار على رأس السلطة معركةً مصيريةً لنظام الملالي في إيران الذي صدّر، هو الآخر، "ثورته"، بكل ما فيها من أسلحة وعتاد، وفيالق كانت معدّة "لتحرير القدس"، غير أن الأولويات تغيّرت، فأصبح تحرير طاغية الشام من شعبه هو المصير كله.

وقبل بشار، كان نوري المالكي في العراق، والنظام الطائفي من بعده، إذ تم تصدير "عبوات" من الثورة الإيرانية، محشوةٍ بما لذ وطاب من الحرس الثوري الإيراني الذي أسهم بترسيخ الطائفة على حساب الوطن، وجعل القرار العراقي كله محكومًا بخيمة المرشد الأعلى في طهران... وهكذا أسهمت إيران بتصدير ثورةٍ عكسية أخرى، لتثبيت طغاة جدد في بغداد.

على المنوال نفسه، آزرت إيران الرئيس الذي خلعته ثورة الشعب اليمني في صنعاء، علي عبدالله صالح، فصدّرت إليه "عبوة ثورة"، من لدن فائضها، لتعيده إلى الحكم من نافذة الفتن الطائفية التي أيقظتها مع الحوثيين، وها هو اليمن يرزح تحت وطأة حربٍ أهلية ضروس، بفضل النسحة الإيرانية من الثورة التي وصلت إليه بالبريد المستعجل.

على هذا النحو، اكتشفنا، نحن الشعوب العربية المخدوعة بثورة الملالي، معنى تصدير الثورة الإيرانية، وهي الثورة التي صفقنا لها، قبل أزيد من ثلاثة عقود، وآزرها بعضنا حتى في حربها مع العراق، وظننا أن "عبوات الثورة" لا بد ستأتي عما قريب، لتحرّرنا من طغاتنا، فإذ بها "عبوات ناسفة" لكل طموحاتنا بالحرية، وبأنها ثوراتٌ علينا لا لنا، فبشار الأسد الذي كان موشكًا على السقوط قبل عام لم تنقذه غير الثورة الإيرانية المصدّرة، و"طالح" اليمن تعيده إلى رقاب اليمنيين، نسخة أخرى من هذه الثورة، والعراق الذي حلم بالثورة على الظلم أجهضت ثورته "ثورة" أخرى مضادة قادمة من إيران، وكأن الثورة الإيرانية كلها ما كانت، منذ مهدها، إلا مشروعًا مؤجلاً لقطع الطريق على الربيع العربي.

أيضاً فهمنا أن الثورة الإيرانية برمتها، ماتت في مهدها، وفي بلد الثورة نفسها، حين عمد الخميني وأنصاره إلى تكريس اللون الأسود الواحد في نظام الحكم، وأعني به عباءة الملالي، أما مصير التيارات الأخرى من يمين ووسط ويسار، فكانت الإعدامات والسجون والاغتيال حتى في بلاد المهجر، على الرغم من أن بعضهم كان أطول باعاً وعمرًا في مناهضة نظام الشاه، على غرار حزب تودة.

أما الزعماء العرب الآخرون، المخدوعون عكسيًّا بالثورة الإيرانية المصدرة، فإن جلّ ما أخشاه أن يكتشفوا حقيقة هذه الثورة المزيفة، فيسارعون إلى استدراك ما فاتهم من تحالفاتٍ معها، لمؤازرتهم في رحلة الطغيان المستمرة، على غرار ما فعله ثالوث برمودا: الأسد وصالح والمالكي، وعندها سيكون على هذه الشعوب المبتلاة أن تعقد ثورتين في الآن نفسه، واحدة ضد طغاتها، وأخرى ضد الطغيان المصدر إليها في عبوات مسماة زورًا "الثورة الإيرانية".

اقرأ المزيد
٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
إذاً... السر في الغاز!

كتب الدكتور عبدالكريم بكار مقالاً أجاب فيه عن حقيقة دفاع روسيا عن سورية، فقال: «التقيت به البارحة قادماً من سورية منذ أشهر قليلة، سألته عن عمله هناك، قال لي: أعمل في تمديد خطوط الغاز والنفط تصميماً وتنفيذاً وإشرافاً!

سألته أين؟ قال: في تدمر وبلدية حمص والرقة... سألته مستغرباً ولصالح من تعمل؟ أليست هذه أرض تحت سيطرة «داعش»؟! قال: نعم... هي كذلك... أما انا فأعمل عند النظام... ثم قال: لا تستغرب يا أخي، فمن رأى ليس كمن سمع... نعم في أرض الدواعش وحمايته وتقديمهم خدمات وتسهيلات العمل والدعم اللوجستي.

ثم قال لي: وأقول لك سراً آخر، ستندهش له أكثر... هل تعرف شيئاً عن مشروع التويتان...؟ إنه مشروع ضخم بدأ العمل به ما قبل العام 2008 ولم ينته بعد... إنه معمل لتصنيع الغاز ونقله تقوم بتنفيذه شركة روسية بتكلفة تقدر بأكثر من عشرين مليار ليرة، ويعتبر ثاني اكبر بئر للغاز في العالم والعمل فيه تحت حماية الدواعش، والعمال الروسيون يقومون بأعمالهم وكأن لا شيء حولهم!! ألا ترى بأن الدواعش والنظام وحزب الله يستقتلون للوصول إلى منطقة القلمون، وأنها أهم لديهم من دمشق؟ إن الذي لا يعرفه الكثيرون هو أنها منطقة تحتوي على مجموعة ضخمة من آبار الغاز وأن هناك تفاهماً بين النظام وروسيا كي تستثمر روسيا هذه الآبار لقاء حصة لعصابة الأسد!!

قلت له: ولكن «داعش» سيطر على مناطق عسكرية للنظام هناك وقتل المئات بعد معارك ضخمة!!

ضحك صديقي بصوت عالٍ ثم قال: لا معركة حدثت في اي مكان وقد كنت هناك وعايشت الوضع وإنما انسحابات للنظام لكل الجنود العلويين وأبقى جنود السنة مع أوامر بعدم إطلاق النار أبداً، فدخل الدواعش وقتلوا من قتلوا وأسروا من أسروا!

ألا تلاحظ أن روسيا لم تنفذ طلعاتها الجوية على مناطق الدواعش ألم تتساءل كيف تحرك «داعش» في صحراء مكشوفة إلى تدمر ويسيطر عليها؟ روسيا صنعت «داعش» بالاتفاق مع النظام وإيران، وتوسع «داعش» كان بتخطيط مسبق بينه وبين النظام بهدف تأمين خطوط وآبار الغاز... روسيا جاءت تطالب بحقها في هذا المشروع بناءً على بيع النظام لها وبشكل سري قبل الثورة.

عزاؤنا للعويهان!

نتقدم بأحر العزاء لعائلة العويهان وعائلة القعود على مصابهم الجلل، فمن يتصور أن عائلة كبيرة ذهبت للنزهة البحرية ثم تصاب بتلك النكبة التي بادت أكثر أفرادها!! ولكن ذلك هو قدر الله، ولا نملك إلا أن نقول: «إنا لله وإنا اليه راجعون، اللهم أجرهم في مصيبتهم واخلف لهم خيراً منها».

ونذكّر الأخوة المصابين بأن من مات محروقاً أو غريقاً فهو شهيد في سبيل الله.

رجاؤنا من أجهزة وزارة الداخلية التشديد على سير القوارب واللنشات في البحر لمنع الحوادث التي تكررت في الآونة الأخيرة بسبب الإهمال والرعونة!

اقرأ المزيد
٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
حلب.. وقلوب من حجر

قلت في مقال سابق إن كانت مذبحة رابعة أسقطت القناع عن الليبراليين العرب، وكشفت للشعوب حقيقة التيارات القومية وزيف إيمانها بالديموقراطية، فإن مجازر حلب كشفت قساوة قلوب بعض الطائفيين وأتباع الغير، الذين لم تهز مشاعرهم مناظر القصف العشوائي لطائرات بوتين وبراميل بشار، ولم يحرك إنسانيتهم صراخ الأطفال ومناظر الثكالى من النساء!

مع الأسف أن نقرأ ونسمع من أبناء جلدتنا اليوم من يطالب بعدم نقاش موضوع مجازر حلب في مجلس الأمة! ويدعي انقسام الشعب الكويتي تجاه هذه القضية، وهو ادعاء باطل، فلا يجوز لكائن من كان أن يساوي بين الجزار والضحية، ونحن الكويتيين أكثر الشعوب إحساساً بمرارة الظلم وقسوة التشريد من الأوطان، فلا يجوز أن أعطي اعتباراً للأصوات الشاذة من الشعوبيين والطائفيين، وهم قلة في هذه القضية، إذ إن غالبية الشعب، حتى الشيعة العقلاء، يستنكرون ما يفعله نظام بشار وزبانيته في سوريا ويرفضون سكوت الأمة عن هذه المآسي الإنسانية، خصوصاً بعد أن تبين للجميع تورط أميركا وروسيا وإيران، بل والأمم المتحدة في هذا الواقع المر، حيث كان جل اهتمامهم محاربة الإرهاب كما يدعون وهم من يرعاه ويدعمه بدعم الجلاد على حساب ملايين المشردين ومئات الألوف من الجثث والأشلاء!

اليوم لا بد أن نبين للعالم أن الكويتيين، الذين رفضوا غزو صدام لبلدهم وحشدوا العالم لنصرتهم، يرفضون ما يجري لأشقائهم السوريين، ويطالبون العالم الحر بأن يتحمل مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية لوقف هذه المجازر والمهازل.

استغرب ممن يتشفى من رؤية بكاء الأطفال والنساء ويفرح لأخبار انتصار الدب الروسي على الحلبي والحموي!

وهنا لا يسعني إلا أن أشكر القياده السياسية وحكومتنا الرشيدة بموقفها العقلاني من هذه المأساة الإنسانية ورفضها لكل مجازر النظام المجرم هناك، وأشكر مجلس الأمة على تحسسه لمشاعر إخوانه السوريين ومشاركته آلامهم وآمالهم.

كم كنت أتمنى لو أن الأخ رئيس مجلس الأمة قال كل من يتعمد أن يخرج عن المألوف سأضطر لإخراجه من القاعة أو إسكاته بدلاً من القول كل من سيخرج عن الجلسة سأضطر إلى رفعها. وكأنك نبهت أعداء الإنسانية إلى كيفية التخلص من الجلسة التي ستكشف للجميع كم هي متحجرة بعض القلوب.

كل ما يجري اليوم على الساحة العربية يثبت أن الأمة في حاجة إلى تيار إسلامي وسطي، يعيد إليها أمجادها، ويوقف الزحف والتيار التغريبي فكرياً وثقافياً، ولكن، مع الأسف، إن هذا التيار تتم شيطنته اليوم بدلاً من إفساح المجال له ليلعب دوراً تعجز عنه حكومات المنطقة وأحزابها من الجاميين والليبراليين وغيرهم، وهذا الموضوع لنا معه جولة أخرى بإذن الله.

اقرأ المزيد
٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
خارج السرب: إردوغان موحد الأيديولوجيات

يستحق الرئيس التركي إردوغان وبجدارة أن يلقب بـ"موحد الأيديولوجيات"، الأيديولوجيات العربية تحديداً، وكلكم يعلم أن الأيديولوجيات العربية كالليبرالية والإسلامية واليسارية اتفقت على ألا تتفق، وبينها خلاف ذو بأس شديد و"جامد" من ألف بابا نويل إلى ياء بابا غنوج مروراً بمثاليات السياسة وانتهاء بمثليي البشر، ولكن هذا الجورجي المتربع على عرش الأناضول جعل، وعلى غير العادة، المشرقي الليبرالي يجتمع مع اليساري المغربي بضيافة حيص بيص الإسلاميين، ليتحلقوا جميعا حول وليمة الهجوم الدسم والضاري عليه! فسبحان من جمع شتات الأيديولوجيات بعدما ظننّا كل الظن أن لا تلاقيا!

إردوغان رئيس منتخب جاء من رحم الصناديق وبانتخابات شهد العالم بنزاهتها، وهو بعظمة لسانه قال إنه يحكم دولة علمانية، والانتخابات والعلمانية وما بينهما من حريات وإرادة شعبية ومبادئ دستورية تعتبر جوهر مطالبات الليبراليين، ولكن رغم هذا قلما تجد ليبرالياً ينظر بعين الرضا لإردوغان ونظامه!

إردوغان حسّن ظروف الأرياف والعمال وجعلهم على سطور الحياة، بعد أن كان الريف على هامش اهتمامات الدولة التركية، يعاني سوء الخدمات وسوء منقلب حقوقه الوطنية، وأهل الريف والعمال أو "البروليتاريا" بحسب التعريف الاشتراكي هم جمهور إردوغان الأكبر، فقد اكتسج الريف خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة وبصورة "نعم" لا تقبل القسمة على صندوقين، وأيضا رغم هذا لا يرضى عنه اليساريون، وينظرون له بعين الريبة رغم أنف سعادة البروليتاريا محبوبة إردوغان وسر نجاحه.

إردوغان أكثر من ساعد الشعب السوري، وكل خطبه وتصريحاته تكون بنكهة الخطاب الإسلامي، كما أن حزبه ذو توجه إسلامي واضح، والرجل حرص طوال مسيرته على نفض الغبار عن آخر خلافة إسلامية حكمت الشرق-الخلافة العثمانية- وأعاد الروح لتاريخها، والخلافة وتبني قضايا الشعوب الإسلامية، بالإضافة للقافية الإسلامية في الخطاب هي جل مبشرات الإسلاميين، وذروة سنام أدبياتهم، ولكن أيضا أغلب الإسلاميين يرون إردوغان المسيح الدجال للأيديولوجيا الإسلامية، وقلما يمدحونه أو يدافعون عنه، طبعا باستثناء الإخوان المسلمين الذين لهم فيه مآرب أخرى، أما قصة إخوانية إردوغان وحزبه فهي من خزعبلات السوشيال ميديا، فالمتابع للتاريخ يعلم أن التجربة الإسلامية في تركيا تجربة تركية خاصة وفريدة، وهي أقدم بكثير وأكبر من أن يحويها فكر الإخوان أو غيرهم رغم تقاطع بعض خطوط المصالح بينهم.

لا أخفيكم علماً بحثت كثيرا عن سر هذا الاتفاق الأيديولوجي الشذري مذري حول إردوغان فوجدت أن هذه الأيديولوجيات العربية رغم اختلاف أسباب كرهها لإردوغان وحّدها شيء واحد فقط، وهو "النموذج الإردوغاني في تركيا".

النموذج التركي الإردوغاني مرعب فعلا لكل الأيديولوجيات العربية، فهو ينسف الجمل الليبرالية واليسارية الكبرى التي تجعل تجارب الغرب الليبرالية والشرق الاشتراكية قبلتها الأولى ومحرابها الأوحد، التجربة الإردوغانية نسفت الخطاب الليبرالي واليساري ونبذته في يمّ واقع شاهدنا فيه كيف تطورت تركيا بتجربة نابعة من ذات الشعب، وكيف صعدت اقتصاديا ودستوريا عبر ديمقراطية كاملة الدسم تدعمها الجماهير المسحوقة وبقيادة حزب إسلامي، هذا النموذج ذاته هو من أرعب الإسلاميبن أيضا لأنه يخرج النظرية الإسلامية في الحكم إلى التطبيق، في حين هم يريدون من النظرية أن تقر في بيتها إلى أن يأتي فارس الأحلام على حصان التاريخ، فيخطفها نحو "قصر نظر تاريخي" مشيد في بطون الكتب، بعيداً عن سهول الواقع، ليعيشا بسبات ونبات ويخلفوا قصص وروايات ومحاضرات وخطب!

اقرأ المزيد
٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
إيران وروسيا... إلى أين؟!

أغلب الظن أن ما يقال عن خلافات بين الروس والإيرانيين، ومعهم بالطبع نظام بشار الأسد، فيه بعض الصحة إن لم يكن كلها، فقد بات من الواضح والمؤكد أن الرئيس فلاديمير بوتين لا يريد حرباً بلا نهاية في سورية، وأنه، في الوقت ذاته، لا يملك القدرة المطلوبة للقضاء على المعارضة السورية، ولذلك فإنه بعد "النصر"! الذي حققه في حلب، بات مضطراً لإيجاد حل يكون معقولاً بالنسبة إليه، حتى إن اضطر إلى التخلي عن شروطه السابقة التي أعلنها وزير خارجيته سيرغي لافروف، في لحظة كان التفوق العسكري فيها إلى جانبه وجانب حلفائه الإيرانيين، ويأتي لاحقاً هذا النظام الذي يبدو أن نهايته الكارثية أصبحت واضحة ومحققة لا محالة.

إن هذا ما غدا يريده الروس الذين لم يعد يهمهم سوى الحفاظ على قواعدهم العسكرية التي أقاموها على الأراضي السورية، في ظل غياب الشعب السوري والانهيار الفعلي والمعنوي لبشار الأسد ونظامه، أما بالنسبة إلى الإيرانيين، فإن المعروف، وهذا ما أعلنوه مراراً وتكراراً، أنهم يريدون هيمنة دائمة على العراق وسورية واليمن وبالطبع على لبنان، وأنهم يريدون مجالاً حيوياً سياسياً وعسكرياً مريحاً في دول عربية أخرى، وهذا ما صرحت به طهران التي "غلَّفت" هذا التوجه بالقول إنها تسعى إلى مناطق تماس لبلادها مع العدو الصهيوني، وبالطبع فإن هذه حجة لم تنطل حتى على أصحاب أنصاف العقول من عرب ومن عجم... ومن غيرهم!

ربما من غير المتوقع أن يكون هناك صدام قريب بين الإيرانيين ومعهم الأسد من جهة، والروس من جهة أخرى، فالمصالح المشتركة لاتزال تفرض على هؤلاء وأولئك كظم غيظهم أكثر من اللزوم، والاستمرار بهذا التحالف الشيطاني، ولو على أساس المعادلة القائلة: "رؤوس مؤتلفة وقلوب مختلفة"، لكن في النهاية فإنه لابد من الفراق، وخصوصاً أن روسيا كما هو معروف دولة عظمى، حساباتها لا تتطابق في كثير من الأحيان مع حسابات إيران لا من قريب ولا من بعيد.

ثم إن الروس بحكم خبرتهم الطويلة التي ورثوها عن الاتحاد السوفياتي، وقبل ذلك يعرفون أن دولة كإيران لا يمكن المراهنة عليها "إستراتيجياً"، وذلك لأنها دولة أمزجة متغيرة، ولأن أي خلل طارئ في تركيبة هذه المجموعة الحاكمة سيجعل هذه الدولة، التي يرى البعض أن بنيتها أوهى من خيوط العنكبوت، تغير توجهاتها في رمشة عين، فيصبح أصدقاؤها أعداء، بينما يصبح الأعداء أقرب الأصدقاء!

قد يكون من المبكر البناء على هذه الاستنتاجات لاستخلاص مواقف سياسية ثابتة، لكن حقائق الأمور تشير إلى أن كل لقاءات وتحالفات المصالح العابرة لابد أن تكون أعمارها قصيرة جداً، وهذا يعني أن التقارب الروسي – الإيراني الذي بني على المصالح العابرة سيكون عمره قصيراً، وأنه سينتهي حتماً، إن لم يكن الآن وفي هذه اللحظة التاريخية، فخلال فترة قريبة.

ولهذا فإنه علينا أن ننتظر لنرى ما تحمله إلينا وإلى هذه المنطقة الأيام والليالي المقبلة!

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل