مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١١ سبتمبر ٢٠١٧
السوريون وسياسة اللجوء البريطانية

ربما كان من الطبيعي أن يفكر بعض السوريين، وقد غرقوا في الكارثة، وغرق بلدهم بالخراب والدمار نتيجة سياسات نظام الأسد وحلفائه باللجوء إلى بريطانيا في عداد الدول الأوروبية التي توجه إليها النازحون، وثمة كثير من الحيثيات التي تدعم رغبة السوريين في الذهاب إلى بريطانيا، الأبرز بينها هو سهولة اللغة الإنجليزية، التي تعد الأكثر شيوعاً في التعليم السوري، وهي الأكثر انتشاراً في العالم، والثاني ما شاع من مزايا إنجليزية في مساعدة اللاجئين من سكن وطبابة، ووثيقة سفر هي بين الأفضل في الوثائق العالمية، والثالث أن بريطانيا بين الدول الأولى التي تشجع توطين الوافدين لتعديل النسبة السلبية في النمو السكاني، خصوصاً إذا كان الوافدون من الشباب.

غير أن رغبة النازحين السوريين الراغبين في اللجوء إلى بريطانيا بدت أمراً مختلفاً عن سياسة لندن في هذا المجال، إذ إنه وبالإضافة إلى التشدد البريطاني في منح تأشيرات السفر للسوريين منذ بداية حرب النظام في مارس (آذار) 2011، اتخذت إجراءات من شأنها زيادة المعيقات أمام وصول ولجوء السوريين إليها، ومنها تأخير إقامات اللاجئين، وإجبارهم على العيش في أماكن لا تتناسب مع أوضاعهم كوافدين جدد، والتضييق المادي وفي الخدمات الصحية عليهم ضمن سياسة تدفعهم إلى المغادرة إلى بلد آخر مع تقديم مساعدة مالية تشجعهم على هذه الخطوة، غير أن الأهم في هذه الإجراءات كان تقليص تدخل الإدارات الحكومية المختلفة ومنظمات المجتمع المدني في ملف الهجرة واللاجئين، وحصره بوزارة الداخلية، أي جعله «ملفاً أمنياً»، بحيث صار خارج النقاش والتدخلات من أي مستوى كان.

ورغم أهمية وفعالية هذه الخطوات لمواجهة طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى بريطانيا بشروط معينة، فقد استفادت السلطات البريطانية من حقيقة الحماية الجغرافية كونها جزيرة، ليس لها بشكل مباشر حدود برية مع أي بلد آخر، مما أعطاها مناعة نسبية، وجعلها أكثر قدرة في عدم التعرض لموجة الهجرة واللجوء، التي اجتاحت أوروبا في عامي 2015 و2016، وكان السوريون جزءاً أساسياً فيها، وقد أضافت السلطات البريطانية إلى ما سبق إظهار مزيد من التشدد حول موضوع الهجرة في علاقاتها مع شركائها في الاتحاد الأوروبي، فأصرت على إعادة كل وافد جاء من بلد عضو في الاتحاد وبصم فيه، وذلك طبقاً لاتفاقية «شينغن» التي ميزت بريطانيا نفسها بعدم القبول بفيزتها العمومية، كما نظمت السلطات البريطانية مع فرنسا مجموعة مشتركة على الأراضي الفرنسية لمنع تسلل وافدين غير شرعيين إلى بريطانيا.

لقد أحكمت السلطات البريطانية قبضتها على ملف اللاجئين الذي لا يضم سوى آلاف السوريين، ولم تحد من مجيئهم فقط، بل تتشدد بقبول وجودهم، وتقوم بترحيل بعضهم إلى جانب ممارسة سياسة التطفيش لترحيلهم بصورة غير مباشرة، وعتمت قدر المستطاع على هذه السياسة، تجنباً لإثارة مؤيدي حقوق الإنسان وداعمي حقوق اللاجئين ومنظماتهم، التي تواطأ بعضها مع سياسات الحكومة، وقلصت فرص طرح الموضوع في الصحافة البريطانية قدر المستطاع، حتى لا تتحول قضية اللاجئين إلى قضية رأي عام.

وذهبت الحكومة البريطانية لدعم سياستها المتشددة في موضوع اللاجئين إلى خطوتين محسوبتين، لتزين تلك السياسة بأقل قدر من المسؤولية، أولاها السير على طريق دول أخرى في الانخراط ببرنامج إعادة التوطين الذي تتابعه الأمم المتحدة، وهو برنامج يشمل أعداداً محدودة، ويستغرق تنفيذه زمناً طويلاً لإتمام عمليات اللجوء، وثانيتها القيام بمشاركة دول أخرى باختيار لاجئين من تجمعات اللاجئين في دول الجوار السوري ولا سيما الأردن ولبنان، والقيام بجلبهم للإقامة في بريطانيا. وإن بدا الهدف البريطاني من الخطوتين المساعدة على معالجة قضية اللاجئين السوريين، فإنه في الجانب الأهم إعلامي ودعائي، هدفه التغطية على السياسة البريطانية العميقة في هذا المجال والموصوفة بالتشدد والسلبية.

إن مئات قصص اللاجئين السوريين في بريطانيا تروي معاناتهم وظروفهم الصعبة وغير الإنسانية، التي يعيشون في ظلها، وهناك عشرات التقارير الصحافية وجزء منها منشور في الصحافة البريطانية، التي تناولت تلك الصعوبات، والتي لا تستمر فقط، وإنما تتراكم، وتترك أثرها لدى أنصار اليمين البريطاني لممارسة مزيد من التصرفات العنصرية ضد اللاجئين والسوريين منهم، فيتم الاعتداء عليهم وعلى بيوتهم، وتوجه إليهم الاتهامات بأنهم يستولون على فرص عمل البريطانيين وعلى بيوتهم، ورغم أن ذلك لا يمثل ظاهرة واسعة الانتشار في أوساط البريطانيين، إلا أنه يفسح المجال أمام نمو هذه الممارسات، إذا استمرت سياسة الحكومة البريطانية حيال اللاجئين السوريين.

ولعله لا يحتاج إلى تأكيد قول، إن ثمة حاجة لقيام الحكومة البريطانية بمراجعة سياسات وإجراءات سياسة اللجوء حيال السوريين، وتقويمها بما ينسجم مع روح الاتفاقات الدولية وشرعة حقوق الإنسان، بل ومع مشاعر وروح الرأي العام البريطاني والقيم الإنسانية التي يتبناها ويدافع عنها، ومنها حق الإنسان في الحصول على ملجأ آمن، يوفر شروطاً إنسانية للحياة.

غير أن الأهم فيما مطلوب من الحكومة البريطانية في معالجة المشكلة، هو التقدم للمساهمة الجدية والفعالة إلى جانب القوى الإقليمية والدولية في حل القضية السورية، التي تخلق مزيداً من تهجير السوريين، نتيجة استمرار نظام الأسد وحلفائه بالحرب على السوريين، وإجبارهم على وقف الحرب وتوطيد السلام والبدء في مرحلة انتقالية تعيد بناء سوريا، وتوقف هجرة السوريين، وتتيح فرصة لعودة المهجرين وبعض اللاجئين إلى بلدهم.

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٧
لماذا تسكت رادرات موسكو عن عمليات إسرائيل في الأجواء السورية؟

في أواخر آب /أغسطس الماضي أدلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالتصريح التالي: «إذا كان أيّ طرف في الشرق الأوسط أو سواه يخطط لانتهاك القانون الدولي عن طريق نسف سيادة ووحدة أراضي أية دولة، بما في ذلك الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فإنّ هذا مدعاة إدانة». كان لافروف يردّ على أسئلة المراسلين الصحافيين، حول تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ إسرائيل لن تتردد في قصف أية أهداف داخل سوريا يُراد منها تمرير أسلحة ستراتيجية إلى «حزب الله».

وفي آذار /مارس الماضي أعلن بشار الجعفري، ممثل النظام السوري في الأمم المتحدة، أنّ روسيا قد أبلغت إسرائيل بأنّ «قواعد اللعبة» في سوريا قد تغيرت، وأنّ حرّية النشاط الإسرائيلي في الأجواء السورية قد انتهت. وروى الجعفري حكاية مثيرة عن قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستدعاء السفير الإسرائيلي، وإبلاغه أنّ «اللعبة انتهت». وكان أيضاً تحت وطأة الحماس الملتهب الذي دبّ في أفئدة، وعلى ألسنة، وفي أقلام، أنصار النظام ومعلّقيه والمتعاطفين معه، بعد إطلاق نيران المضادات الأرضية لإبعاد طيران حربي إسرائيلي كان يحلّق في الأجواء السورية.

لم يكن هذا رأي الرادارات الروسية في مطار حميميم، ولا في قاعدة طرطوس الروسية، ولا على أيّ من البوارج الروسية في عباب المتوسط، حينما نفذت إسرائيل ضربة جوية فجر أمس، استهدفت معسكر الطلائع الذي يستضيف مصنعاً للأسلحة الكيميائية والصاروخية، تابعاً لـ»مركز البحوث»، في ظاهر مصياف، وعلى مبعدة كيلومترات قليلة من هذه المنشآت العسكرية الروسية. لزمت هذه الرادارات صمت القبور، في المجاز الشائع، وصمت المتيقظ البصير العارف، في المعنى الفعلي لقدرات هذه الرادارات على التنصت والرصد والتنبيه، كي لا يتحدث المرء عن الإنذار والتشويش والتعطيل.

هيهات، بالطبع، أن تتدخل روسيا لإيقاف عملية مثل هذه، ولا عزاء لأمثال لافروف (حول «انتهاك سيادة» الدول)، أو الجعفري (بصدد تغيير «قواعد اللعبة»)، فضلاً عن المعلقين البؤساء الذين بُحّت حناجرهم في وصف «رعب» إسرائيل من انطلاق مضادات النظام. يومها، للتذكير المفيد، ذهب بعض المعلقين إلى مستوى رسم اصطفاف جديد لقوى «الممانعة»، يبدأ من الضاحية الجنوبية في لبنان، ويمرّ من نظام الأسد، ويلتقي مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي (وعفّ البعض، في حياء مبتذل مفضوح، عن تسمية «الحشد الشعبي» وعصائب غلاة الشيعة)، ثمّ ينتهي في طهران (وتفادى الحياء الرخيص إياه ذكر الجنرال قاسم سليماني و»الحرس الثوري» الإيراني)، ولا ضرر في أن يعرّج قليلاً على اليمن وعبد الملك الحوثي!

لكنّ الحمقى، وبائعي التصريحات الجوفاء، وشبيحة النظام، وأبواق «الممانعة»، هم وحدهم الذين تجاسروا على التفكير بأنّ الكرملين (متمثلاً في بوتين، حصرياً، وليس البتة في لافروف وأضرابه)، يمكن أن يذهب إلى مواجهة مع إسرائيل، أو حتى ملاسنة لفظية، دفاعاً عن مصنع سلاح تابع للنظام، أو تديره إيران ذاتها. في المقابل، لا يحتاج كلّ ذي بصر وبصيرة إلا إلى استذكار واقعة زيارة نتنياهو إلى موسكو، في أيلول /سبتمبر) 2015، كي يستعيد الحقيقة البسيطة الساطعة: أنّ «قواعد اللعبة»، أو بالأحرى قواعد فضّ الاشتباك، بين موسكو وتل أبيب، في كلّ ما يخصّ تدخّل روسيا لصالح النظام أو تدخّل إسرائيل ضدّ منشآت النظام العسكرية، رُسمت هناك، يومئذ، وهي التي تظلّ سارية المفعول حتى إشعار آخر، طويل… طويل!

وللتذكير المفيد، لم تكن زيارة نتنياهو مبرمجة مسبقاً، على غرار ما يجري عادة بين الدول، خاصة وأنها الأولى العلنية (بعد زيارة سرّية، في خريف 2009، دامت ساعات قليلة)، وكان لائقاً أن تسبقها سلسلة تحضيرات ومراسم واستقبال ومظاهر احتفاء، فضلاً عن توقيع اتفاقيات مشتركة مختلفة. لقد ذهب نتنياهو صحبة غادي أيزنكوت رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وهرتزل هاليفي رئيس الاستخبارات العسكرية، وبدا جلياً بالتالي أنّ جدول أعمال الزيارة يتناول تفصيلاً ملموساً واحداً، هو الانتشار الروسي في مطار حميميم، وتعزيز القاعدة الروسية في طرطوس، والتفاهمات الروسية ــ الإسرائيلية العملياتية في حال قيام الطيران الحربي الإسرائيلي بأية عمليات في الأجواء السورية، وضمان عدم وقوع سوء تفاهم من أيّ نوع بين بين قاذفات الـ»سوخوي 27» الروسية، والـ»F-15» الإسرائيلية. ولقد برهنت الأشهر اللاحقة، منذ أيلول/سبتمبر 2015 وحتى أيلول/سبتمبر 2017، أنّ سوء التفاهم لم يقع أبداً، ليس في الأجواء السورية وحدها، بل كذلك على أرض الجولان، وفي الأجواء اللبنانية (باحة إيران الخلفية وساحة «حزب الله).

جانب آخر، في قراءة صمت رادارات موسكو عن عمليات إسرائيل في الأجواء السورية، هو أنّ بوتين ونتنياهو تمكنا ــ سريعاً، ودون عناء كبير في الواقع ــ من التوصّل إلى مسلّمة مشتركة، بسيطة وجوهرية في آن: أنّ اتفاقهما على إبقاء نظام بشار الأسد، في المدى المنظور، لا يعني إطلاق يد إيران في سوريا، خاصة لجهة تمكين «حزب الله» في المنطقة، وليس في لبنان وحده، على صعيد التسلّح الستراتيجي. وما دامت إسرائيل لا تقصف الفرقة الرابعة أو «الحرس الجمهوري» أو ما تبقى من أفواج وألوية النظام (إلا حين تمرّ، من مواقع انتشارها، قوافل السلاح المتوجهة إلى «حزب الله»)، فلا ضرر عند موسكو، ولا ضرار في تل أبيب! العكس هو الصحيح، في الواقع، لأنّ واحدة من روافع ضغط روسيا ضدّ اتساع نفوذ إيران في قلب النظام السوري، هو تحجيم دور «حزب الله» العسكري في سوريا، وإبقاء سقف تسليحه عند مستويات دنيا، أو هي لا ترتقي إلى السوية الستراتيجية.

جانب ثالث، لعلّ أهل «الممانعة» يعضون على النواجذ كلما استذكروه واضطروا إلى إغفاله عن سابق عمد، هو أنّ «هوى» بوتين الشخصي كان إسرائيلياً على الدوام، وليس سورياً أو فلسطينياً أو لبنانياً أو عراقياً أو مصرياً… ولعلّ سيّد الكرملين لا ينسى أنّ أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، لم يتردد في مباركة خيارات الجيش الروسي العنفية، وممارساته الوحشية، في الشيشان. ومؤشر العلاقات الروسية ــ الإسرائيلية في عهد بوتين لا يُقارَن، على أيّ نحو، بعلاقات موسكو مع حلفائها السابقين، أو اللاحقين، في العالم العربي، ويكفي استذكار واقعة راهنة تقول إنّ موسكو سبقت واشنطن في الحديث عن «القدس الغربية كعاصمة لدولة إسرائيل».

وفي التعليق على الغارة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مركز البحوث، في ظاهر مصياف، فجر أمس، كان عاموس يدلين، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قد غرّد على «تويتر» بأنّ الضربة «ليست روتينية»، وفي تنفيذها وجهت إسرائيل ثلاث رسائل هامة: أنها لن تسمح بإنتاج أسلحة ستراتيجية، وأنها تعتزم فرض خطوطها الحمراء حتى إذا أهملتها القوى الكبرى، وأنّ حضور الدفاعات الجوية الروسية لن يعيق توجيه الضربات. ولم يفت يدلين أن يجمّل وجه إسرائيل القبيح، حين طالب المجتمع الدولي بتهنئة بلاده على ضربة «حميدة أخلاقياً»، لأنّ مصنع مصياف ينتج، أيضاً، البراميل المتفجرة التي «قتلت آلاف المدنيين السوريين»!

يبقى التذكير بما باح به الجنرال أمير إشيل، القائد السابق لسلاح الجوّ الإسرائيلي، من أنّ عدد الغارات ضدّ مواقع النظام السوري العسكرية، منذ 2012 فقط، يُحتسب بثلاثة أرقام، أي الـ100 فما فوق بالطبع. نصفها، أغلب الظنّ، نُفّذ تحت سمع وبصر الرادارات الروسية، وصمتها المطبق!

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٧
إسرائيل ونظام الأسد: رسائل البلطجي العائلية!

بعد يوم واحد من إصدار الأمم المتحدة تقريرها الذي يؤكّد قيام النظام السوري باستخدام السلاح الكيميائي 27 مرّة ضد شعبه، وتأكيد مسؤوليته عن مجزرة بلدة خان شيخون التي قصفها بغاز السارين، قامت إسرائيل بقصف موقع لبحوث وتخزين السلاح الكيميائي قرب مدينة مصياف، في مقاربة خبيثة لهذه المسألة تريد، بحجر واحد، ضرب العديد من الرؤوس وإيصال الكثير من الرسائل، ليس للنظام السوري فحسب، بل كذلك لرعاته في روسيا وإيران، وللتفاهمات العالمية التي تجري فوق جثث مئات آلاف السوريين الذين قتلوا منذ عام 2011 وحتى الآن.

أفظع هذه الرسائل وأكثرها إيلاماً هو تنطّع إسرائيل، عدوّة العرب الأولى، لتقليم أظافر نظام بشار الأسد الكيميائي، وهو ما يعطي تل أبيب، في ساحة العلاقات العامة، أفضليّة على الأمم المتحدة العاجزة عن جلب المتّهم بقتل شعبه إلى المحاكمة، فتنسى مسؤوليتها التاريخية عن احتلال فلسطين، وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، كما تغيب علاقتها بظهور أنظمة الطغيان العسكرية والأمنية، كنظام الأسد نفسه، وتضيع صلة القربى الوثيقة بين نظام الاحتلال العنصريّ الإسرائيلي وأنظمة الاستبداد العربية الهمجية.

رسائل القصف الجديد عديدة طبعاً، فالرابط «الكيميائي» للحدث يتناظر مع مناورات شاملة وواسعة يجريها الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية استعدادا لحرب جديدة مع «حزب الله» (أو بالأحرى مع إيران). والحقيقة أن إسرائيل تنظر للجغرافيتين بترابط، لأن تل أبيب ترى بوضوح أن الإيرانيين صاروا أكثر قوة، وإعلان استعادة الأسد السيطرة على سوريا، إذا حصل، قد يكون إعلاناً لمجابهة مع إيران، وقد تزداد فرص المواجهة هذه إذا انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع طهران.

الرسالة موجّهة أيضاً إلى روسيا، لأنها تقول من جديد إن تل أبيب قادرة على اجتياز خط الدفاع الروسي في سوريا، ومنظومة الكرملين الصاروخية هناك، كما أنها تقول إن على موسكو أن تراعي مصالح إسرائيل ومخاوفها الأمنية.

الطرف المهم الآخر هو الولايات المتحدة الأمريكية، التي من الواضح أنها اتفقت مع روسيا على مواقع نفوذ داخل سوريا، وكل الدلائل تشير إلى أن واشنطن تشارك موسكو فكرة تعويم نظام الأسد وإعادة تأهيله قبل وبعد القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية».

حسب المعلومات التي نشرها الإعلام الإسرائيلي، ونسبها إلى معلومات استخباراتية غربية، فهناك ثلاثة مواقع سرية في سوريا لا تزال تعمل على إنتاج الأسلحة الكيميائية، كان موقع مصياف الذي تعرّض للقصف واحداً منها. الموقعان الباقيان هما مركز البحوث في برزة ومعسكر جمرايا قرب دمر، وكلاهما في ضواحي مدينة دمشق، كما أن الإعلام الغربي نشر قبل فترة أن شحنتي سلاح كيميائي من كوريا الشمالية إلى النظام السوري تم إيقافهما في عرض البحار، وكل ذلك يعني أن النظام مصرّ على إنتاج واستيراد واستخدام الأسلحة الكيميائية رغم صدور قرار أممي يجعل أي خرق في هذا الإطار جريمة أممية تقتضي محاكمة مسؤولي النظام، وأن إسرائيل، من بين كل دول الأرض، هي المعنيّة الوحيدة بقصف الأسلحة الكيميائية، ليس احتراماً لأرواح الأبرياء، بل لمخافتها من استخدامها ضدها.

أما السوريون والفلسطينيون (والعرب عموما) فليس لهم في هذا الصراع «العائلي» بين كبار البلطجية والمجرمين سوى أن يتمنوا أن يضرب الله الظالمين ببعضهم البعض.

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٧
الشيعة العرب يبحثون عن عمقهم العربي في مواجهة السطوة الإيرانية

يبدو أن ضرر التمدد الإيراني لن يقتصر على العرب السنة أو القوميات كالأكراد أو مصالح الدول الكبرى كالولايات المتحدة فحسب، بل تعدى الشيعة العرب أنفسهم التي تدعي إيران الدفاع عنهم، مما يمهد لصراع داخلي شيعي - شيعي، وان كان يبدو الحديث عنه سابق لأوانه إلا أن البوادر التي تشهدها العراق حاليا بين جناحي الشيعة، يجعل الصراع أقرب مما يتوقع و أشد مما ينتظر.

فالمشهد السياسي الشيعي في العراق، يمر بتحولات كبيرة قبل الانتخابات البرلمانية في العام المقبل والتي يمكن أن تؤثر على نفوذ إيران في البلاد، وباتت التوترات المتصاعدة بين الكيانات السياسية الشيعية الموالية لطهران تبعث على القلق، ما دفع المرشد الأعلى الإيراني، "آية الله علي خامنئي"، إلى إرسال رئيس تشخيص مصلحة النظام، "محمود الهاشمي الشاهرودي"، كمبعوث له إلى العراق الأسبوع الماضي في مهمة لتوحيد الأطراف المتنازعة.

وقد أجرى مبعوث خامنئي، محادثات مع رئيس المجلس الأعلى الإسلامي  السابق في العراق، "عمار الحكيم"، الذي استقال من منصبه في يوليو الماضي، وأسس تيار الحكمة الوطني، إضافة للقائه برئيس الوزراء العراقي، "حيدر العبادي"، لكنه لم يتمكن من مقابلة رجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر" وآية الله "علي السيستاني"، الرافضان للنفوذ الإيراني في العراق.

لكن يبدو أن بعض الكتل الشيعية العراقية بدأت تتطلع إلى الانسحاب من تحت سيطرة إيران، بعد أن هيمنت الأخيرة بشكل كامل على قراراتها، ويبدو أن التطورات الأخيرة والخلافات بين الشيعة في العراق، إضافة إلى تسريبات عن زيارة مفاجئة للصدر الشهر الماضي إلى السعودية والإمارات العربية، هي محاولة لتشكيل حركة شيعية عراقية مفتوحة على الدول العربية السنية.

ورأى زميل الأكاديمية في مركز الأبحاث البريطاني شاثام هاوس، "ريناد منصور"، أن هذه الخطوة لم تكن مفاجئة إذ كان هناك دائما نزاع شيعي داخلي في العراق حول دور إيران، بل أن مقتدى الصدر وعلي السيستاني كانا الأكثر انتقادا لنفوذ إيران في العراق.

بدورها أدركت إدارة الرئيس الأمريكي، "دونالد ترامب" مع كبار معاونيه المتمرسين في حرب العراق، مثل وزير الدفاع، "جيم ماتيس"،  مستشار الأمن القومي، "وأيتش آر مكماستر"، على ضرورة حد للتوسّع الإيراني في المنطقة.

وهنا تكمن أهمية الصراع على شرق سوريا في الحسابات الجيواستراتيجية الأميركية، وأدركت إن سيطرة إيران على هذه المنطقة، سيخلق هلالاً شيعياً يمتد من إيران شرقاً حتى لبنان غرباً، لذا فقد تدخلت صقور داخل مجلس الأمن القومي، للتصعيد ضد إيران، بل وتغيير النظام في طهران.

ولم يقتصر التورط الإيراني المخزي، فقط في دعم نظام الأسد وفي تحريك الشيعة بالعراق لخلق الفوضى ووضعها تحت ابطه، بل إن تقرير منظمة العفو الدولية عن الإعدامات الجماعية للسجناء السياسيين التي قام بها نظام الأسد في سجن صيدنايا العسكري يسلط ضوءً جديدا أيضا على تورط إيران في سوريا، حيث تنفق طهران نحو خمسة مليارات دولار سنويا لحماية نظام الأسد أقرب حليف إقليمي لها.

لذا فقد تيقظت واشنطن لواقع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وسارعت للتصرف وفقا لذلك، مدركة أن استمرار التوسع الإيراني الشيعي سيؤدي في النهاية إلى خلق تغيير في الشرق الأوسط والوصول إلى التوازن الجيوسياسي لصالح طهران إلى الأبد.

أما عن الداخل الإيراني، فيبدو أن الحكومة الإيرانية الجديدة، لن تهنأ بسلام وسط بلادها، ومن المحتمل أن تنشب حرب أهلية في البلاد نتيجة زيادة نشاط قوات الحرس الثوري في المناطق التي تقطنها أغلبية من الطائفة السنية، أي أن إيران ستشرب من نفس الكأس الذي روت منه دول الشرق الأوسط.

وتوقع تقرير إيراني، نشره موقع "آمد نيوز" المقرب من المعارضة الإصلاحية، أمس السبت، أن زيادة نشاط وتحركات قوات الحرس الثوري بشكل منتظم، في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق البلاد، ذات الأغلبية السنية، قد تؤدي في المستقبل إلى حروب طائفية.

إذ أن نشاطات ايران التشيعية لم تتوقف على سوريا والعراق والبحرين وبعض المناطق السعودية فحسب، بل زاد نشاط  رجال الدين والمؤسسات التابعة للحرس الثوري، التي تبشر بالتشيع وتصر على إقامة المناسبات الدينية الشيعية، من بينها عيد الغدير الذي أقيم السبت في العديد من المناطق السنية، بمحافظات سيستان وبلوشستان وخراسان، ما أثار استفزاز ديني لأهل السنة.

وفي النظر إلى تصريحات إسرائيل وتخوفها من التوسع الإيراني ونفوذ حزب الله اللبناني، اليد الطائلة لإيران في سوريا ولبنان، وبالتمعن في إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، "بنيامين نتنياهو"، أن تل أبيب لن تقبل بتجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها في كل ما يتعلق بسورية،  وتأكيده على عدم بقاء أي نوع من الوجود العسكري لإيران أو المليشيات التابعة لها وبضمنها حزب الله في الأراضي السورية، هو أكبر مؤشر أن الدول الكبرى ستبدأ بكف يد ايران عن المنطقة، إلا إن كانت مسرحية أبطالها يمارسون التمثيل على الشعوب العربية بأقنعة تجيد أبجدية العقل العربي، ليكون التواجد الإيراني في المنطقة أفضل من غيره، أم أن إسرائيل ستنفذ تهديداتها في المستقبل القريب؟

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٧
ألغاز «حزب الله» وتنظيم «الدولة الإسلامية»

سجّل دخول «حزب الله» المتدرّج الأراضي السورية ومشاركته في معارك دفاعه عن نظام بشار الأسد مرحلة جديدة من تاريخه أكّدت، من جهة، موقعه الراسخ كقوّة إقليمية ضاربة لصالح إيران، ولكنّها، من جهة أخرى، أصابت سرديّته السياسية حول مقاومة إسرائيل و«الشيطان الأكبر» الأمريكي في مقتل وأظهرت وجهاً طائفيّاً صريحاً كما كشفت انتهاكات بالغة بحق المدنيين السوريين وخططاً للتغيير الديمغرافي عبر القتل والتهجير الممنهجين.

أظهرت تداخلات «حزب الله» الإقليمية، والتي تجاوزت سوريا إلى العراق واليمن والبحرين، تناقضات واسعة لا يمكن لـ«البراغماتية» السياسية لقيادته رتق خروقها، كما أنها أشّرت إلى مناطق شديدة الغموض والإلغاز يتداخل فيها الأمنيّ والعسكريّ مع قضايا الاغتيالات والفساد الماليّ والإرهاب وتأمين التغطية لتجار مخدّرات كبار وإدارة معتقلات مرعبة داخل سوريا، بحيث يحضر ملفّ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري مع ملفّات أكثر غموضاً لمقتل مسؤولين محسوبين على النظام السوري و«حزب الله» نفسه.

شهد تاريخ تنظيم «الدولة الإسلامية» (وهبوطه)، في المقابل، حلقة واسعة أيضاً من الألغاز التي حيّرت المحللين السياسيين والعسكريين، بدءاً من جذوره في «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، ووصولاً إلى استيلائه العاصف والسريع على الموصل في العراق والرقة في سوريا، وعملياته المخيفة المصوّرة ضد ضحاياه من غربيين وعرب، وتحوّله، لاحقاً، إلى ظاهرة عالميّة مرعبة.

لا تقتصر الفروق بين التنظيمين على اختلاف السرديّات والمظلوميات والمرجعيّات والحواضن الطائفية لكليهما، والتي تؤهّلهما لخصومة طبيعية تتّسع حسب تخوم التصادم الجغرافية والعسكرية، كما حصل مؤخراً على الحدود اللبنانية، لكنّ هذه الخصومة الأيديولوجية والطائفية لا تمنع، مع ذلك، وجود نقاط تشابه وإمكانيّات اتفاق (وإعجاب مبطّن) بين التنظيمين «الإسلاميين»، كما حصل في اتفاق جرود عرسال الأخير والذي أثارت تفاصيله وتوابعه استغراباً شعبيّاً وسياسيا غير مسبوقين.

من نافل القول تأكيد دور إيران، في نقل طلائع مقاتلي «القاعدة» من أفغانستان إلى العراق، وبعدها تواطؤ النظام العراقي، أيام نوري المالكي، في إطلاق المئات من سجناء التنظيم المذكور، الذي تناظر مع اشتغال النظام السوري الحثيث على دعم ظهور تنظيمات متطرفة إرهابيّة عبر إطلاق سراح قادة سلفيين من سجونه، وهو ما ساهم عمليّاً في ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية»، ما أدّى، خلال السنوات اللاحقة إلى إجهاض الحراك السلميّ في العراق وسوريا، الذي اضطر لحرب ثلاثية غير متكافئة مع النظامين، وتنظيم «الدولة» وحزب العمال الكردستاني، وتأطير الثورات ضمن سرديّة الإرهاب العالميّة، ما أدّى، بالتدريج، إلى كل ما نراه حاليّاً، حيث تم هدم الثورات وصار لازماً القضاء على «الدولة» بعد انتهاء المطلوب منه، محلّياً وإقليميّاً وعالميّاً.

يفيد هنا التذكير بخطاب للأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، عام 2016، قال فيه للعراقيين: «الانتصار العراقي الحقيقي هو أن تضرب داعش وأن يعتقل قادتها ومقاتلوها ويزج بهم في السجون، لا أن يفتح لهم الطريق إلى سوريا»، وهو خطاب يتناقض مع اتفاق «حزب الله» لنقل 600 من مسلحي «الدولة» وأهاليهم إلى دير الزور، وانتقاده لقيام الطائرات الأمريكية بمنع حافلات التنظيم، ومنع المساعدات الإنسانية عنها.

وبعد مفاجأة إعلان «حزب الله» قيام أمينه العام بزيارة بشار الأسد لتأمين مرور قافلة التنظيم إلى محطتها الأخيرة، جاءت مفاجأة أكبر في تسوية النظام السوري وحليفه «حزب الله» لأوضاع 113 مسلّحاً من تنظيم «الدولة» قاموا بتسليم أنفسهم إلى قوات النظام وتسوية أوضاعهم، وهي سابقة عجيبة وغير معروفة أبداً لعناصر التنظيم، ولا يمكن فهمها عمليّاً من دون قراءة السياق السياسي والأمني والعسكري لظهور «الدولة الإسلامية» (وتراجعه) ودور إيران والنظامين العراقي والسوري فيه.

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٧
العراق... وأولويات إيران في سوريا ولبنان

أثارت الصفقة التي رعتها طهران بين حزب الله وتنظيم داعش بنقل مسلحي هذا التنظيم إلى منطقة دير الزور المحاذية للحدود العراقية غضباً رسمياً وشعبياً في بغداد، حيث اتهمت النخب السياسية العراقية إيران ولبنان وسوريا بالتواطؤ ضد الدولة العراقية، خصوصاً بعد أن كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن انتقال أعداد كبيرة من «داعش» إلى العراق عبر مناطق يسيطر عليها النظام السوري، وقد اعتبر رئيس الوزراء حيدر العبادي الصفقة التي أعلن رفضه لها وعن عدم معرفته بتفاصيلها، أنها تشكل تهديداً مباشراً للشعب العراقي، معتبراً أن «تنظيم داعش يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولا يجوز منحه فرصة للتنفس... هذا خطأ». فقد تسبب اتفاق حزب الله - «داعش» في صدمة للعراقيين الذين اعتبروا أن ادعاءات هذا المحور بالدفاع عن العراق أمام خطر الإرهاب تلاشت، عندما وصلت إلى نقطة المصالح الخاصة التي كشفت عن أولويات إيرانية بحماية النظام السوري على حساب مصالح العراق العليا، وقد جاء دفاع أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، عن الصفقة ليصبّ زيتاً على نار الغضب العراقي من مواقف محور طهران - دمشق - حارة حريك، الذي اهتم باسترجاع جثامين مقاتليه ولم يعرْ أي اهتمام لمصير 800 عراقي مفقودين في سوريا، والمستاء أصلاً من الخطاب الأخير لبشار الأسد الذي تنكر فيه لتضحيات بعض الفصائل العراقية في الدفاع عن نظامه حيث تعمد الأسد عدم شكرهم، وذلك ضمن رده المبطن على موقف حيدر العبادي الرافض لمشاركة فصائل من الحشد الشعبي في الحرب السورية، متمسكاً بموقف المرجعية الدينية في النجف التي أصدرت الفتوى للدفاع عن العراق ومقدساته فقط، وليس القتال في أي بلد آخر، وهو ما يعتبره نظام الأسد موقفاً سلبياً منه. عراقياً ودولياً، يُتهم النظام السوري بتسهيل وصول المتشددين إلى العراق بعد 2003 من أجل ضرب استقراره، وبأن قدرته على البقاء يستمدها من خلال تصدير أزماته، وخصوصاً الأمنية إلى الخارج، حيث كان العراق ما بعد صدام مسرحاً استخدمه الأسد من أجل إبعاد التهديدات الغربية عنه، وبخاصة بعد خروجه من لبنان جرّاء اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

ففي الذاكرة العراقية الورمة هي ليست المرة الأولى التي تتواطأ فيها طهران ضد مصلحته، ولكنها المرة الأولى التي تجاهر فيها بالوقوف في صف خصومه المتحالفين معها، سابقاً وفي أحداث مماثلة، أجبرت طهران رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي على التراجع عن دعوته إلى محاكمة بشار الأسد دولياً، بعد تأكد الحكومة العراقية أن النظام السوري يقف وراء هجمات بغداد الدامية سنة 2009، إلا أنه هذه المرة اصطدمت طهران بموقف حيدر العبادي الصلب الرافض للصفقة، وبموقف أكثر تشدداً أطلقه التيار الصدري ضد النظام السوري وحزب الله، وجاء على لسان أحد ممثليه في مجلس النواب عواد العوادي الذي قال إن «على الحكومة السورية أن تذهب إلى الجحيم، إذا كانت ستزهق دماء الشعب العراقي من أجلها». فالمواقف الصادرة من بغداد تعرقل أهداف طهران المكشوفة في إبعاد الخطر عن نظام الأسد وحزب الله، حتى لو تطلب ذلك إعادة إرباك المشهد العراقي من جديد، بعدما تمكن العراق من اجتياز المرحلة الأصعب في حربه على الإرهاب، واستعداده إلى دخول مرحلة ما بعد «داعش»، وهي نقطة التحول التي تقلق نظام دمشق ومن يدافع عنه، فمنذ سقوط نظام البعث في العراق سنة 2003، وعلى الرغم من أن الانتخابات أنتجت نظاماً موالياً لطهران، فإن حذر دمشق المستمر كان من إمكانية توافق بين الدول الكبرى على إعادة الاستقرار إلى عراق ما بعد 2003 وسوريا ما بعد 2011 الذي يتطلب الوصول إليه قبول الأطراف الدولية والإقليمية بمعادلة التوازن الطائفي والديموغرافي بين البلدين، بحيث يصبح من الطبيعي أن يسقط نظام البعث السوري ومن المنطقي أن تصل الأغلبية السورية إلى السلطة، وهذا ما يعني سقوط حكم الأسد ومنظومته الأمنية، وانتهاء الهيمنة الإيرانية على سوريا ولبنان، وهو ما يضر بمصالح إيران الجيوسياسية التي لا تجد مانعاً من إبقاء حالة عدم الاستقرار في العراق إلى أجل غير مسمى، من أجل الحفاظ على نفوذها... وللحديث بقية.

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٧
ماذا لو بقي الأسد؟

من المسلمات أن بقاء الأسد يعني استمرار سيطرة إيران على سوريا ولبنان، فضلاً عن سيطرتها على العراق، ويعني انتصار المشروع الفارسي في المنطقة، وقادة إيران يعلنون مشروعهم منذ أن نجحت ثورتهم ووضعوا خطتهم لتصديرها، وهو يعني كذلك بقاء روسيا التي وقعت عقوداً طويلة المدى مع الحكومة السورية وأعلنت أنها باقية. ولعل السوريين يرون في روسيا أهون الضررين رغم أنها هي التي حمت النظام من السقوط كما صرح قادتها. إلا أن الروس سيبحثون عن مصالحهم وحدها في المستقبل، وليست لديهم إيديولوجيا يبشرون بها كما يفعل الإيرانيون الذين يحملون شعارات عقائدية يتوافق السوريون على رفضها بمختلف طوائفهم ومذاهبهم الدينية، وكان إعلانها من الأسباب التي دعت إلى ظهور شعارات دينية مواجهة، اختطفت شعارات الثورة في الحرية والكرامة والديموقراطية واتجهت لمواجهة المشروع الإيراني بخطاب ديني. وقد وقعت في الفخ الذي أراده النظام وخطط له بأن يجعل الثورة ذات صبغة إسلامية، وأن يحشوها بالتطرف والإرهاب فيحول القضية من صراع من أجل الحرية، إلى صراع مع تنظيمات إرهابية، ومع أن العالم كله يعرف حقيقة ما حدث فإنه وقع في ارتباك كبير بين استنكاره للعنف غير المسبوق الذي واجه به النظام شعبه، وبين قلقه من انتصار هذا الشعب، خشية عدم القدرة مستقبلياً على السيطرة عليه.

وعلى رغم أن المجتمع الدولي يقر بأن الأسد مجرم حرب وأنه ارتكب مجازر كبرى ضد الإنسانية، ولدى العديد من دول العالم ملفات قانونية ووثائق خطيرة لإدانته أمام محاكم دولية، ولعل آخرها تقرير لجنة الأمم المتحدة الصادر أول أمس برقم A/HRC/36/55 والذي أكد على استخدام بشار الأسد لغاز السارين في الهجوم الذي وقع على مدينة خان شيخون بتاريخ 4 نيسان عام 2017، فإن بعض دول العالم بدأت تتراجع باستحياء عن فكرة رحيله مع بدء المرحلة الانتقالية. وقد أقنعها الروس بأن رحيل الأسد المفاجئ سيعني انهيار مؤسسات الدولة وانفراط عقد الجيش كما حدث في العراق، وسيفتح ساحات جديدة للصراع على السلطة كما حدث في ليبيا، وأن الأفضل هو الإبقاء على الأسد وتقليم مخالب النظام، بشكل تدريجي.

ولا أستبعد أن يكون الروس أنفسهم خائفين من ردة فعل الأسد على رغم أنهم أبلغوه أنه لا دور له في مستقبل سوريا كما رشح من معلومات، ولكنهم يخشون إذا ما انقلبوا عليه وطالبوه بالرحيل الفوري أن يفسد عليهم حضورهم في الساحل حيث ثروة الغاز والنفط الكبرى الواعدة. وهم يعلمون أن لدى الأسد ميليشيات قادرة على أن تعكر صفو روسيا بدعم إيراني، ولاسيما أن إيران التي دفعت دماء ومالاً لن تقبل أن تخرج صفر اليدين، وانتهاء حكم الأسد لا يعني خروجها من سوريا فقط، وإنما سيعني خروجها من لبنان ومن العراق أيضاً، وانتهاء تهديدها للمنطقة العربية.

ويبدو أن الروس حائرون، فلا هم قادرون على متابعة مشروعهم مع إيران التي ستبقى شريكاً محاصصاً في كل مقدرات المنطقة، بما سيعني تحالفاً استراتيجياً مديداً بين روسيا وإيران لن يرضى عنه الغرب طويلاً، ولا هم قادرون على التنكر لإيران والقبول باستبعادها وهي تملك قوة عسكرية على أرض سوريا، كما أنها تملك قدرة على نقل الإرهاب إلى روسيا إذا خرجت من حلفها.

وأنا واثق من أن الروس يعرفون أن الأسد لا يملك قدرة على ضمان الاستقرار في سوريا، وأنه من المستحيل أن يقبل السوريون بحكمه لهم ويداه تقطران من دمائهم، والأسد نفسه يعرف استحالة ذلك، ولهذا نجده يخشى عودة المهجرين السوريين ويشيد بما حدث من تجانس اجتماعي بعد رحيل خمسة عشر مليون سوري، وهم في الأكثرية الساحقة من أهل السنة. وقد عبر عن خشيته من عودة المهجرين والنازحين حين شدد على وصفهم في خطابه الأخير بأنهم حثالة، وحين بدأ النظام حملة تهديد لكل من يفكر بالعودة، وقد عبر عن موقفه عضو في القيادة القطرية لحزب «البعث» حين جعل تقبيل البوط العسكري شرطاً لقبول عودة المعارضين المهاجرين، بينما صعد أحد ضباط المخابرات الذي يكتب باسم مستعار وقال: «ستكون أمامهم المشانق»! والطريف قوله: «إن بلداً بلا مشانق جدير بأن يخان»! وهدف هذا التصعيد هو تحذير المهاجرين من خطر التفكير في العودة إلى سوريا، وقد حدث أن تذلل بعض الخارجين كثيراً في استجداء قبول العودة ولكن النظام رفضهم بإهانة معلنة، وأما الذين انضموا إلى اتفاقيات خفض التصعيد فهم يعيشون حالة من التوجس والحذر، وقد ضمنت لهم روسيا وليس النظام بقاءهم في أماكنهم.

والسؤال الأهم: هل تضمن الدول التي تدعو لبقاء الأسد أن تقبل أجهزة الأسد الأمنية بأن تخفض شيئاً من صلاحياتها، أو أن تبدل شيئاً من سلوكها؟ وهل تضمن الدول التي وقفت ضد النظام ألا ينتقم منها بعصاباته الإرهابية كما انتقم من شعبه الذي ثار عليه؟ ويبدو معيباً أن يقول أحد «لا بديل عن الأسد» فهذا يعني «لا بديل عن الديكتاتورية».

اقرأ المزيد
٩ سبتمبر ٢٠١٧
العرض الروسي وغاز السارين

بشرنا ستيفان دي ميستورا بإمكان البدء في التفاوض على الحل السياسي في سورية مطلع الخريف، ودعا المعارضة إلى «الواقعية»، والنظام إلى أن يعلم بأن الحرب لا يمكن ربحها عسكرياً.

ليست الوقائع الميدانية وحدها التي دفعت الموفد الدولي إلى تذكيرنا بوجوده. هناك أفكار لموسكو حفزته.

العرض الروسي على معارضي بقاء بشار الأسد بأن يقبلوا تصدره المرحلة الانتقالية للحكم في دمشق، في أي حل سياسي مقبل، والتعهد بإخراج الميليشيات المدعومة من إيران، يخضع للكثير من الأسئلة في الأروقة المعنية بقبوله أو برفضه، سواء في الدول التي رأت استحالة في أن يكون له دور في مستقبل البلد بعد جرائمه، أم في تشكيلات المعارضة التي ما زالت على موقفها بضرورة رحيله.

وعلى افتراض أن العرض الروسي يبقي الأسد في سدة الرئاسة عند بدء العملية السياسية التي ينص القرار الدولي 2254 في شأنها على إنشاء «هيئة حكم انتقالية في غضون 6 أشهر»، كان يفترض أن تبدأ مطلع عام 2016 أي بعد صدور القرار المذكور في 18 كانون الأول (ديسمبر) عام 2015، على أن تمتد 18 شهراً، فعلى الذين يفترض أن يشاركوا الأسد في بداية هذه المرحلة أن يحددوا ما يمكن أن تكون عليه العلاقة بينهم وبين رأس النظام وشكل الحكومة ومن يرأسها، حتى إجراء الانتخابات العامة والرئاسية، المفترضة خلال 18 شهراً.

والخيار الثاني هو أن تنتهي رئاسة الأسد بنهاية المرحلة الانتقالية، أي بحصول هذه الانتخابات مع حقه في أن يترشح للانتخابات الرئاسية وأن يتمكن خصومه من هزمه في انتخابات بإشراف دولي تتيح إجراء عمليات اقتراع نزيهة في الداخل وللنازحين برقابة المجتمع الدولي. وهذا يفترض وجود قوات مراقبة دولية، إذا لم يكن مطلوباً انتشار قوات دولية لاستبعاد تأثير نفوذ السلطات والمخابرات التي تخضع لإمرة الأسد وتملك قدرة هائلة على التزوير والضغط والإكراه.

أما إذا كان المقصود بتعايش معارضي الأسد مع بقائه، أن يقبلوا استمراره في السلطة حتى نهاية ولايته الحالية عام 2020، فإن تأخير تنفيذ القرار الدولي أمن له ذلك. وهذا الخيار يعني التسليم بأن تكون الشراكة الانتقالية مقتصرة على من يقبلون الخضوع الكامل للنظام الحالي بكل سطوته ودمويته وتسليطه الأجهزة الأمنية على التشكيلات المعارضة. فالأسد سبق له أن وصف المعارضين بـ «الحثالة... وبلا وزن وأدوات تستخدم لمرة واحدة وترمى في سلة المهملات»، في خطابه بتاريخ 20 آب (أغسطس) الماضي، منتشياً بتقدم قواته في عدد من المناطق، ومتسلحاً بالصواريخ المجنحة وضربات الطيران الروسية، وعدم الاكتراث الأميركي والأوروبي. وعلى الذين سبق أن خبروا حكم الأسد وشاركوه في السلطة كحزبيين أو أصدقاء، قبل انشقاقهم عنه بعدما صدمتهم عمليات الإبادة والقتل والتدمير واستقدام الميليشيات الإيرانية، أن يعودوا صاغرين وخاضعين له، أو أن يبقوا مشردين خارج البلاد. وعلى آلاف الضباط الذين تمردوا رافضين أوامر قتل الناس وانضموا إلى تشكيلات مقاتلة ضد النظام، أن يرجعوا إلى بيت الطاعة.

أما عن عرض موسكو سحب الميليشيات الأجنبية، لا سيما التي استقدمتها إيران: العراقية والأفغانية أو «حزب الله»، فإن القيادة الروسية تراها ممكنة طالما أن سلة الحل التي تقترحها والعمليات العسكرية التي تقوم بها ستؤدي إلى إنهاء سيطرة «داعش» و «جبهة النصرة» وإلى خروج المسلحين الأجانب من سورية، ما يحتم مغادرة الميليشيات الأخرى بما فيها «حزب الله». لكن موسكو لا تلتزم خروج «الحرس الثوري» الإيراني والتشكيلات العسكرية الإيرانية من بلاد الشام، «طالما أنها موجودة بطلب رسمي من الحكومة الشرعية»، مثلما هو وجود القوات الروسية التي ستساعد في تثبيت الأمن والحل السياسي، من خلال معاهدة وقعها الأسد.

قد تكون مراهنة موسكو على إدخال قوات مصرية إلى سورية، لأن القاهرة على علاقة جيدة بالنظام من جهة، وعلى صلة وثيقة بالدول المناهضة له، لا سيما دول الخليج من جهة ثانية، وسيلة لإحداث توازن ما مع الوجود الإيراني الذي بات أمراً واقعاً. لكن التقدم الإيراني الأخير يخالف هذه المراهنة. وقد يراهن العسكريون الروس على العودة لفكرة إنشاء مجلس عسكري يعيد تنظيم الجيش ودمج الوحدات المنشقة مع قوات الأسد، بإشراف قاعدة حميميم الروسية، لكن ما يحصل مع زهاء 4 آلاف ضابط موجودين في تركيا، يجري تسريح من شاؤوا العودة أو إخضاع البعض الآخر، لا يوحي بإعادة توحيد المؤسسة العسكرية.

كيف سيقنع دي ميستورا المعارضة التي «لم تربح الحرب»، بعد تثبيت الأمم المتحدة واقعة استخدام الأسد الغاز الكيماوي في خان شيخون؟

اقرأ المزيد
٩ سبتمبر ٢٠١٧
تركيا وروسيا تلتقيان في سوريا ضد إيران والأكراد!

كان لافتاً جداً الصمت المطبق الذي لفّ روسيا وتركيا حيال صفقة «حزب الله» مع تنظيم داعش، هل لأن مقاتلي التنظيم كانت وجهتهم حسب الاتفاق العراق، حيث هبّ هناك الممولون من إيران يتهمون الولايات المتحدة بالازدواجية، وبأنها فتحت منفذاً لمقاتلي «داعش» من تلعفر للهرب باتجاه كردستان، وادعى ممثل «كتائب حزب الله العراق» مساء الأحد من على شاشة «الميادين»، إن لديه الإثباتات بأن مسعود البرزاني الرئيس الكردي أعطى الأمر باستقبالهم؟ هل هناك طبخة ما تُحضر ضد أكراد العراق؟ أو ضد الأكراد بشكل عام؟ وهل لهذا السبب أطبق الصمت على روسيا وتركيا؟

في العام الماضي تحسنت العلاقات بين تركيا وروسيا، وترى الدولتان ضرورة التعاون في مجالات كثيرة، والتركيز الأساسي هو على الحرب في سوريا، حيث تتداخل مصالح البلدين. ثم إن تحسين العلاقات الاقتصادية والعسكرية الثنائية يلعب دوراً مهماً، وطبقاً لمسؤولين أتراك وروس، فإن جميع الاستعدادات قد تم اتخاذها كي تشتري تركيا نظام دفاع صاروخي روسياً من طراز إس – 400 (الثالث من الشهر الحالي)؛ الأمر الذي أثار قلق حلفاء تركيا في الحلف الأطلسي، مع العلم أن الصفقة قد لا تتحقق في النهاية؛ إذ لا يزال المحللون يشككون فيما إذا كانت تركيا ستتسلم بطاريات صواريخ أرض – جو الدفاعية، ويرون أن المهم هي الرسالة الموجهة إلى الغرب أكثر من للاستحواذ الفعلي.

وحسب محلل سياسي بريطاني، فإن كلاً من موسكو وأنقرة تستخدمان هذه القصة سياسياً لإظهار عدم رضا كل منهما عن الغرب، وبالذات أنقرة التي تشعر بالإحباط العميق من جراء التعاون العسكري الأميركي المستمر مع أكراد سوريا.

في التقارب بين الدولتين، هناك مشاركة روسية في بناء محطة نووية في تركيا، ومشروع أنبوب الغاز التركي الذي سيمكّن روسيا من تعزيز صادراتها من الغاز إلى جنوب أوروبا عن طريق التحايل على أوكرانيا.

إن الساحة الأولى للتعاون بينهما هي الحرب في سوريا. وعلى الرغم من أن لكل منهما وجهات نظر مختلفة حول مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، فإن موسكو وأنقرة تتعاونان من أجل السيطرة على التطلعات الإقليمية للقوميين الأكراد داخل سوريا.

منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، وروسيا تعمل بشكل وثيق مع إيران. وبطبيعة الحال، هذا التعاون أبعد الجانب التركي، لكن، تتردد من وقت إلى آخر تلميحات بأن لروسيا وإيران خلافات حول مستقبل سوريا. مثلاً، لا تتضمن الصيغة الإيرانية لدعم النظام السوري أي تنازلات بشأن عائلة الأسد، وبالذات بشار، فهو المتلقي والمتجاوب المرن، في حين أن روسيا كانت دائماً على استعداد لتقديم بعض التنازلات على الجبهة الدبلوماسية، طالما أن مصالحها الأساسية في سوريا مضمونة: القواعد العسكرية والنفوذ السياسي.

في سوريا، تلتقي أحياناً وجهات النظر الروسية والتركية حول تقييد طموحات إيران الإقليمية. ما يجمع بين أنقرة وموسكو ويدفعهما إلى التعاون هو الولايات المتحدة الأميركية. تركيا عضو في الحلف الأطلسي، وأقل ما يمكن أن تقوم به هو التحالف الوثيق مع القوى الغربية في سوريا. إلا أنها تسعى وراء مصالحها الخاصة القائمة على ضروراتها الجغرافية ومصالحها في الشرق الأوسط الكبير. ليس خفياً قلق أنقرة من المساعدات الأميركية للأكراد في سوريا، وأزعجتها وجهات نظر واشنطن المتغيرة حول مستقبل نظام الأسد، كذلك الأمر بالنسبة إلى روسيا التي تشعر بالقلق إزاء العمليات الأميركية في سوريا، على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أوقف مؤخراً المساعدات العسكرية للمعارضة السورية، وتوصلت واشنطن وموسكو إلى وقف لإطلاق النار في جنوب غربي سوريا في مطلع يوليو (تموز) الماضي، لكن يبقى أن التقارب التركي – الروسي تدفعه جزئياً معارضتهما المشتركة للمصالح الأميركية.

بعيداً عن معضلة الشرق الأوسط تتشارك تركيا وروسيا في علاقات صعبة مع الاتحاد الأوروبي، وقبل أن تقطع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورقة الخروج الأخير لتركيا من الاتحاد، فإن أنقرة تعرضت لانتقادات حادة من قبل بروكسل، بينما تصطدم موسكو مع أوروبا منذ عام 2014 بسبب أوكرانيا.

لكن الاختلافات الجيوسياسية لا تزال كما هي بين البلدين. أحد هذه المسارح هو منطقة البحر الأسود. جغرافية تركيا تعطيها أطول شاطئ على البحر الأسود، ثم إن تحكمّها الطبيعي بمضيقي البوسفور والدردنيل يجعلها قادرة على إبراز قوتها العسكرية والاقتصادية على كل البحر الأسود.
تاريخياً كانت المنطقة ساحة قتال بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية على امتداد القرن الثامن عشر وحتى نهاية الحرب الباردة، وبالتالي فإن تركيا، مثل روسيا لديها مصلحة طبيعية في توسيع منطقة نفوذها في البحر الأسود؛ مما يترك مجالاً ضيقاً للبلدين لإيجاد حل توفيقي على المدى الأطول. لكن التحركات العسكرية الروسية في المنطقة منذ عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، التي، نظراً لموقعها الجغرافي، أعطت الروس اليد العليا من حيث البنية التحتية العسكرية والقدرة على تغطية جميع شواطئ البحر الأسود.

على شرق البحر الأسود وفي جنوب القوقاز، فإن تركيا وروسيا تواجهان معركة تاريخية طويلة الأمد حول جورجيا، وأرمينيا وأذربيجان. ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي عملت تركيا وبنشاط على إعادة ربط منطقة جنوب القوقاز بسوقها المتنامية لاستهلاك الطاقة، من خلال بدء وتسهيل مختلف مشاريع الطاقة والبنية التحتية من الشرق إلى الغرب. خطوط أنابيب باكو – تبليسي – جيهان، وباكو – تبليسي – سوبسا، فضلاً عن سكة حديد باكو – تبليسي – كارس، وهذه ليست سوى بضعة مشاريع تدعمها أنقرة حاليا. وعلى الرغم من أنه من المستبعد جداً في الوقت الحالي أن تواجه تركيا روسيا عسكرياً في المنطقة، فإن هذا لا يمنع بأن أنقرة تفكر في زيادة قدرات جورجيا وأذربيجان العسكرية.

هناك مجال آخر من الخلافات العميقة بين روسيا وتركيا، وهو الصراع الناجم عن ناغورنو كاراباخ. لروسيا أجندة خاصة بها لحل هذا الصراع. والواقع، فإن موسكو تفضل إبقاء الوضع على ما هو عليه لأطول فترة ممكنة. لهذا؛ تريد روسيا من تركيا حليفة أذربيجان، أن تبقى أبعد ما يكون عن ذلك الصراع، ويتردد أن موسكو تسعى لنشر قواتها لحفظ السلام في كاراباخ مقابل أن تتنازل أرمينيا عن مناطق عدة حول كاراباخ.
أما في شرق آسيا الوسطى، فإن أنقرة ترى نفسها الحليف الطبيعي لجميع دول آسيا الوسطى، حيث كانت هناك روابط عرقية قوية بين تركيا والشعوب التركية في كازاخستان، وقيرغستان، وتركمنستان وأوزبكستان (طاجيكستان كانت دائماً أكثر تأثراً بالثقافة الإيرانية).

لا تتحمل أي من الدولتين الآن معاداة بعضهما بعضاً. تركيا ترى في روسيا الباب إلى سوريا للمشاركة في المستقبل، وربما قد تكون الغطاء الذي ستحتاج إليه أنقرة إذا ما اضطرت إلى تقبل ابتلاع مرارة بقاء الأسد على بزوغ حكم ذاتي كردي يلوّح لها بين الحين والآخر بظل عبد الله أوجلان. ستواصل روسيا وتركيا العمل معاً في الساحة السورية، هدأت أو ظلت مشتعلة، وسوف تدفع الضرورات الفورية للبلدين إلى إيجاد أرضية مشتركة للتعاون بينهما، ومعارضة المصالح الإيرانية في الشرق الأوسط أحياناً أو، المصالح الأميركية. ثم إن تركيا لا تتحمل خسارة آخر نفوذ لها فوق أرض عربية. كما ستزدهر الاتصالات الاقتصادية والعسكرية بينهما؛ لأن روسيا لا تتحمل خسارة السوق التركية المهمة جداً لصادراتها من الغاز، ومع ذلك، وأبعد من هذا التعاون، فإن العلاقات بين روسيا وتركيا ستتعرض لضغوط جيوسياسية على أساس القضايا الجغرافية والأمنية، وسيظل البحر الأسود وجنوب القوقاز، وبدرجة أقل آسيا الوسطى المناطق الأكثر تنافساً بين موسكو وأنقرة.

في ظل هذه الخريطة التي تحيط بالمنطقة العربية، نرى عمليات، ومصالح، وتوسعاً، وقواعد عسكرية، وثقافات تتمدد وتتصادم، تأخذ من المسرح السوري ساحة تلاقٍ أو فرض نفوذ. هناك الروسي، والإيراني، والتركي، والأوروبي، والأميركي، وهناك الشيشاني، والأوزبكي، والقيرغستاني، الذي جاءنا وقتلنا بثياب «داعش»، وأطل أسيراً من على شاشة التلفزيون الكردي في العراق. لكن أين الدور العربي في كل هذا؟ لم نره بعد!

اقرأ المزيد
٩ سبتمبر ٢٠١٧
هل تنتصر إيران فعلاً؟

ما المشكلة لو أن إيران وهي دولة تمتلك الكثير من مقومات الدولة الحديثة قد انتصرت فعلاً على ذاتها وتحولت إلى دولة رائدة في منطقتنا، لو حاولت ولو مرة واحدة قراءة التاريخ بدلاً من الكتب الصفراء والأطماع الوهمية واستوعبت ظروف الزمان والمكان؟ لا مشكلة على الإطلاق لو أنها تحالفت مع دول المنطقة الغنية اقتصادياً على الأقل، ومضت في طريق النمو والتقدم وتجنبت العمل وراء كل هذه المصائب التي تعصف بمنطقتنا. لنتخيل مشكلات الدول العربية في السنوات الأخيرة لو لم توجد لإيران يد تتدخل هنا وهناك.

انتفاضة الشعب السوري تطيح نظام بشار ومن المؤكد بعد ست سنوات على انطلاقها أن سورية كانت ستصل إلى نوع من الاستقرار. بلا إيران ودعمها الأعمى للنظام وسماحها للميليشيات المتنوعة لم نكن لنرى مئات الآلاف من القتلى وملايين المشردين من الشعب السوري الشقيق. لبنان القطعة الأوروبية في عالمنا العربي التي أنجبت الرحباني وفيلمون وهبي و «ميس الريم» ومسرح بيت الدين وشاطئ الروشة ومصايف برمّانا وفقرا وجبل صنين ونبع الصفا وكل ما يميزها عن غيرها، كانت ستصل إلى مصاف دول العالم في الوجهة الاستثمارية والسياحية. كنا سنرى المجمعات المتطورة في المتن وإقبال العالم على امتلاك الشقق والتمتع ربما بأكبر منظومة أمنية في بلد متعدد الأعراق والطوائف والألوان والديانات، لولا ذراع إيران في لبنان لكان لبنان نموذجاً يحتذى به في التنمية وجذب رؤوس الأموال.

العراق كان حتماً سيعود إلى مقوماته وما يميزه تنافسياً ويستقر. أليس مذهلاً أن نرى دول ما يسمى الربيع العربي قد انقسمت إلى قسمين، دول لم تتدخل فيها إيران وهذه عادت نسبياً الى الاستقرار وأمامها الكثير من إعادة البناء، ودول تدخلت فيها إيران وتحولت إلى حمامات من الدم تسيل إلى يومنا هذا.

لو كانت إيران قد انتصرت حقاً لتحولت نفسها إلى قبلة استثمار لتجار السعودية ودول الخليج بل والعالم، لما يتمتع به شعبها من قوة استهلاكية وإرث حضاري هائل، ولما يمكّنها الموقع والتضاريس من تفعيل كل فصول السنة وانفتاح البلاد على العالم. ماذا عن الصناعات والتبادل التجاري ونقل المعرفة بينها وبين العالم العربي والعالم بعيداً عن التشكيك والأطماع؟ لو لم يحمل الخميني ذلك الملف الأسود لما اضطرت ملايين العقول الإيرانية للهجرة إلى الغرب. أكتب هذه المقالة من منطقة تقع شمال لوس أنجليس وتغص بهؤلاء الإيرانيين ممن أسسوا أعمالهم هنا وبادروا في العمل والنجاح. لا توجد خدمة في هذه المنطقة (سان فرناندو فالي) إلا وتشاهد إيرانياً يشترك في تقديمها، بدءاً من الخدمات المصرفية والتطوير العقاري، وانتهاء بالمتاجر الصغيرة ومغاسل السيارات.

مذهل حقيقةً عندما تشاهد مجموعة من كبار السن الغارقة عقولهم الماضوية في التخلف العلمي والتنموي، يسيطرون على شعب خلّاق متعدد المواهب والإنتاج ولمدة تقترب اليوم من أربعة عقود من دون وجود أي مؤشرات إلى زوال هؤلاء وابتعادهم عن الحكم.

لتفسير بقائهم في السلطة، هناك أسباب تعتمد على الطرق القمعية والوحشية، يكفي أن تعلم أن مؤسسة «الحرس الثوري» هناك، وهي تختلف عن الجيش النظامي وعن الشرطة، تعتبر المؤسسة الحكومية الأضخم في إيران. مساهمة هذا الفصيل الحكومي القامع لأي حراك شعبي تساهم في ما يزيد على ٣٠ في المئة‏ من الناتج القومي الإيراني، ومكوّناتها عبارة عن محافظ استثمارية ومؤسسات خيرية ومؤسسة تقاعد خاصة بمنسوبيها وتأمين اجتماعي خاص، إضافة بالطبع إلى النشاط العسكري والكرم الحاتمي في توزيع السلاح على كل أنواع العصابات في الخارج. خلل هائل في توزيع الثروة وفي تنويع مصادر الدخل في دولة تعتمد على الغاز والنفط بنسبة غالبة وإسراف لا تستفيد منه غير الأقليات الحاكمة بقبضتها الحديدية. ربما أن الأجدر هو تسمية الدولة «جمهورية الحرس الثوري» واستبعاد إيران من الاسم. لا شيء يقدمه هذا «الحرس» ويعود بالنفع على إيران وشعبها.

لم تنتصر إيران على الإطلاق خلافاً لما قد يظنه البعض، ربما نجاحها الوحيد حتى الآن بعد محاصرة عدد من الأماكن الأخرى، هو تودّد دولة قطر، لكن ذلك ليس قياساً مستقيماً. حكومة قطر نفسها أصبحت في مهب الرياح، والسياسة التي كانت قائمة في الدوحة انكشفت والوضع هناك مقبل على ما يشبه العزلة التامة وفرض العقوبات الدولية عليها كما هي حال حكومة طهران بالضبط. الذي جمع بين «القلبين» موقتاً هو الخروج على القانون ودعم الإرهاب تحت عشرات المسميات والطرق الملتوية، لذلك فالتحالف مع قطر ليس علامة للنصر ولا للتفوّق. كيف نقول إن طهران تنجح في سياساتها وهي تحتفل بانفراج بسيط لرفع العقوبات الدولية، ونعلم اليوم أن الولايات المتحدة والدول الست عموماً تعيد النظر في تلك الاتفاقية الأوبامية الغامضة.

إطلاق مفردة الانتصار في هذا الزمن يخضع لمعايير عدة لا تتوافر لدى إيران. الهند مثلاً والصين تنتصران وتنهضان وتنافسان دول العالم في كل شيء على رغم التعداد الهائل للسكان وارتفاع نسب البطالة. السبب في حال الهند ببساطة أن غاندي ونهرو يختلفان تماماً عن الخميني وخامنئي في الفكر وسلامة العقل. بعض دول أوروبا الشرقية نهضت وارتفعت مؤشراتها. المملكة العربية السعودية ستتجاوز مرحلة الاعتماد على النفط وستنتصر مع تطبيق خططها المستقبلية. دولة الإمارات تنتصر وتتقدم في مبادرات عدة تنافس أعرق دول العالم في تقديمها. هناك العديد من الأمثلة على النجاح، أما القول إن إيران تتقدم فهو كمن يقول إن كوريا الشمالية تتقدم لمجرد وجود حكومة متهوّرة صنعت صواريخ عدة يمكن تدميرها في ليلة ظلماء.

انتصار إيران سيعتمد فقط على تحوّلها من دولة مارقة خارجة عن القانون يعيش عدد كبير من شعبها دون خط الفقر إلى واحة للصناعة والعلم وتصدير العقول والمنتجات. ما لم ترتفع مؤشرات النمو سنة بعد أخرى وترتفع مستويات الأجور وينتقل نصف من هم تحت خط الفقر إلى الغنى ويعود نصف عدد المهاجرين وهم بالملايين إلى بلادهم فلا نجاح يذكر. لذلك علينا التنبه من إطلاق بعض المقولات أو التصريحات. مواقف حكوماتنا من بعض القضايا والجماعات والأحزاب هنا أو هناك في بلداننا العربية لا يجب أن تدفعنا إلى تشجيع سياسة إيران من دون قصد بالطبع، وإيهام العامة أن طهران تتقدم وغيرها متورّط في سياساته وخططه ولا يدرك مصالحه.

اقرأ المزيد
٨ سبتمبر ٢٠١٧
حزب الله هو رأس الحربة الإيرانية

ألا يحق للشعب اللبناني أن يتخلص من حزب الله بعد كل ما سببه من كوارث وخيبات، أم أنه كُتب عليه أن يظل رهين محبس ذلك الحزب الذي يفعل ما يملى عليه من قبل إيران؟ ليس أمام اللبنانيين سوى أن يعلنوا عصيانا فريدا من نوعه في التاريخ من أجل طي صفحة ماض صار يهدد بالزحف على مستقبلهم.

فحزب الله لا يخطط لإلغاء الدولة اللبنانية بعد أن احتواها، بل يسعى إلى أن يكون الممثل الشرعي الوحيد للبنانيين، بغض النظر عن موقفهم منه. منذ سنـوات وحسن نصراللـه يلقن الـدولة اللبنانية دروسا في حسن السلوك، واليوم جاء دور اللبنانيين لكي يتعلموا منه حسن التعامل مع قتلة أبنائهم باعتبارهم ضيوفا.

الدرس اللبناني حظي بترحيب عراقي من قبل حزب الدعوة الحاكم منذ أكثر من عشر سنوات مستعدا لخوض غمار انتخابات يأمل أن يكون الرابح فيها. ناهيك عن إعجاب النظام السوري بتلك الرحلة المرحة التي نظمها حزب الله لإرهابيي تنظيم داعش من أجل وصولهم إلى حاضنتهم الأم.

لقد تحدى حزب الله التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وتحدى روسيا من جهة أخرى. من أجل الفكرة المسلية والمتوحشة وحدها يستحق حسن نصرالله أن تُرفع له العمائم.

إرهابيون قتلة يتجولون في الأراضي السورية تحت أعين المجتمع الدولي المفتوحة عجبا من غير أن ينالهم أي سوء. علينا أن نفكر في تلك المعجزة السلبية في الـوقت الـذي مُحيت فيـه مـدن عظيمـة مثل حلب والموصل بحجة وجود إرهابيين فيها.

لقد فرض حزب الله على العالم معادلة جديدة، يكون فيها قتل الإرهابي جريمة ضد الإنسانية. أليس في الأمر ما يدعو إلى الريبة من جهة كواليسه السرية؟ استغرب الكثيرون أن يكون الوصول الآمن لقافلة الإرهابيين هو مطلب حزب الله وإيران وحزب الدعوة مجتمعين.

فذلك يعني أن الأطراف الشيعية الثلاثة لم تكن صادقة في حربها على من تسميهم بالتكفيريين، بل إن أولئك التكفيريين هم بضاعة عزيزة ينبغي الحفاظ عليها وعلى سلامتها. هدية حزب الله التي حرص حزب الدعوة على الترحيب والاحتفاء بها كانت عبارة عن حطب احتياطي لحرب أهلية يحتاجها حزب الدعوة، وهو يستعد للتأهل للسلطة في ولاية رابعة.

ما يفعله حزب الله إنما يدخل في نطاق استراتيجية إيرانية بعيدة المدى. لقد صار ممكنا أن يلعب حزب الله اللبناني دورا مؤثرا في الحياة السياسية العراقية من خلال بعثته التبشيرية التي أرسلها إلى الحدود العراقية لتكون بمثابة رأس الحربة الوهمي لشبح إرهابي، يمكن اتخاذه حجة للانتقام من خلاله من سنة العراق.

أجبر حزب الله اللبنانيين على التخلي عن حق أبنائهم القتلى نظير أن يُقتل المزيد من العراقيين. وهو ما يعني أن حزب الله قد وجد في العراقيين ضالته في القتل بدلا من أن يقتل الدواعش. إنها حرب إيران المستمرة على العرب.

فإذا كان حزب الله قد يسَّرَ لإيران جزءا من حربها في العراق، البلد الذي يخضع له، يمكننا أن نتخيل الرثاثة التي وصل إليها ذلك الحزب في تطبيع الوجود الإيراني لبنانيا.

لن يكون على اللبنانيين أن ينتظروا طويلا لكي يُعلن بلدهم ولاية إيرانية.

ذلك الأمر ليس مستبعدا بالنسبة لكل من تابع سلوك حزب الله وخطابات حسن نصرالله التي تعبر عن إيمان مطلق بحق إيران في التهام المنطقة وتفكيك دولها على أساس طائفي اعتمادا على مبدأ تصدير الثورة.

لذلك فإن الدور الخطير الذي انغمس حزب الله فيه يحتاج التصدي له إلى جهد رسمي وشعبي هائل لا من أجل تحجيم تلك الميليشيا وإعادتها إلى لبنان، البلد المبتلى بها، بل من أجل وضع حد نهائي لها والتخلص منها باعتبارها تنظيما إرهابيا يسعى إلى تمهيد الأرض لاستعمار إيراني سيكون ليله طويلا. لقد صار واضحا ومنذ سنوات أن شعار مقاومة إسرائيل الذي يرفعه حزب الله هو مجرد غطاء لحرب يشنها ويديرها ذلك الحزب على العرب.ش

اقرأ المزيد
٨ سبتمبر ٢٠١٧
التسوية الأميركية - الروسية: ضبط «الأزمة» داخل سورية

تفاخرت موسكو وطهران بدخول القوات السورية والإيرانية معقل «داعش» في دير الزور بعدما كانت وصلت إلى الحدود مع العراق، في تحد للقرار الأميركي بإبقائها بعيدة منها، وأعلن فلاديمير بوتين رؤيته للتسوية بعد «النصر الاستراتيجي» على التنظيم المتطرف. لكن، هل فرضت روسيا وإيران فعلاً أجندتهما على الأميركيين في سورية، وهل كان الأميركيون جادين أصلاً في عدائهم لنظام الأسد وراغبين في تغييره؟

الإجابة عن هذا السؤال تكمن في طرح أسئلة أخرى: ماذا تعني حقوق الإنسان في العالم العربي للإدارات الأميركية؟ وهل يصدق أحد أن الولايات المتحدة منشغلة ومهمومة بمصير ملايين السوريين المقتولين والمعتقلين والمشردين إلا بمقدار ما يؤثر خروج قضيتهم عن حدود بلدهم في النظام الإقليمي الذي ترعاه واشنطن؟

طوال أربعة عقود قبل الثورة، شكل القتل والبطش والسجن وسائر أنواع العسف، أدوات التعامل الوحيدة للنظام السوري مع شعبه، لكن «عاطفة» أميركا لم تتحرك أو تتأثر بالتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية وهيئات حقوق الإنسان، باستثناء حالات نادرة، عندما كانت تريد الضغط على النظام لجعله يقبل صاغراً بدور ما في ملف ما، في حال أبدى «مقاومة» هدفها تحصيل ثمن أكبر.

كانت الولايات المتحدة، وأوروبا التي تلعب دوماً دور التابع للسياسة الخارجية الأميركية، حتى لو حرصت على إظهار بعض التمايز غير المؤثر، تعتمدان نظام دمشق منذ انقلاب حافظ الأسد في مطلع سبعينات القرن الماضي، ركناً أساسياً في نظامهما الإقليمي، غير عابئتين على الإطلاق بما يفعله بشعبه ومعارضيه.

لهذا السبب ذاته، دخل جيش الأسد لبنان ونكل بشعبه وقصف مدنه، بناء على قبول، بل توكيل أميركي واضح، ودور إسرائيلي مساند، ومن دون أي حساب أو مساءلة. كان لبنان «جائزة» دمشق لدورها في معالجة «الخطر الفلسطيني» الذي كان يحتل يومذاك الأولوية في حسابات واشنطن. وكان تطويع منظمة التحرير وإضعافها تمهيداً لدفعها إلى أحضان إسرائيل المهمة الأولى للسياسة الأميركية وتابعها السوري.

هذا الدور الذي رُسم لنظام الأسد جعل الأميركيين يرفضون منذ أكثر من ست سنوات تقديم دعم فعلي للشعب السوري المنتفض عليه. ظلوا ينتظرون ويقدمون الوعود وبعض المساعدات «غير الفتاكة» للمعارضين، فقط لحفظ خط الرجعة في حال نجح هؤلاء في إسقاط الديكتاتور، إلى أن تمدّد «داعش» و «النصرة» إلى الأرض السورية، أو أُرسِلا إليها، فأزاحا حملاً عن ظهورهم.

بعد ذلك، بات في إمكان الأميركيين التركيز على «أولوية محاربة الإرهاب» بدلاً من الانشغال الشكلي بمطالب السوريين التواقين إلى نيل حريتهم والعيش في وطن عادي، وصار مبرراً نفض اليد من تشكيلاتهم الحالمة ببناء بلد ديموقراطي وانتخابات وتداول للسلطة.

لو صح أن الأميركيين راغبون في سورية ديموقراطية، لساهموا في تغيير مسار المواجهات المسلحة التي بدأها النظام وأمعن فيها، ولساعدوا المعارضة في التصدي لدور الميليشيات الإيرانية المتعاظم، بدلاً من منح روسيا توكيلاً بالالتفاف على اتفاقات جنيف وصوغ حلول تناسبها مع حلفائها. ولو كانت هناك إرادة دنيا في إنقاذ السوريين من فظائع الأسد وحلفائه، لما تغاضت استخبارات الأميركيين عن ظهور «داعش» وانتقاله إلى سورية، مانحة إياهم ذريعة للتراجع عن شعار تغيير نظام يخدم مصالحهم منذ قيامه قبل نصف قرن.

التسوية التي يريدها الأميركيون الآن ويعملون لتحقيقها بالتنسيق التام مع الروس، هي إحياء نسخة معدلة من النظام الإقليمي القديم تشمل دوراً «منضبطاً» لإيران، أي لملمة الوضع «الفائض» وإعادة الجنّي إلى القمقم السوري. فلتبق الأزمة داخل سورية. وليفعل النظام ومعه إيران وروسيا ما يريدون بالسوريين، لكن دوماً داخل الحدود، وبما لا يهدد النظام الإقليمي الذي أُفشِلت محاولات خرقه في مصر وليبيا. وتستعين الولايات المتحدة على تغطية هذه الحقيقة بالخطب والشعارات والمجاملات وبيانات الاستنكار والإدانة وأكياس الدقيق والسكر.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو