
الشعب السوري بين الدب الروسي والفخ
خلال الأسبوع المنصرم، صرح ديمتري مدفيديف، رئيس الوزراء الروسي، أن التدخل العسكري الروسي في سوريا ليس لحماية نظام بشار الأسد من السقوط بل لحماية المصالح الروسية في المنطقة. وهذا صحيح إذ لم تدعم السلطات الروسية، هذا النظام دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا، لولا أنه يمثل الجهة الوحيدة التي لا يمكنها التنصل من التزاماتها تجاه الإمبريالية الروسية.
غير أن ما عجّل من هذا التدخل وبشكل واسع هو انعدام قدرة هذا النظام على الاستمرار نتيجة تفكك قواته وتراجع إمكانياتها على المواجهة، وكذلك فشل حزب الله والحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له في حماية هذا النظام من السقوط. من هنا يعتبر القادة الروس أن الحضور العسكري الكثيف يمكن أن يكون الضمانة الأكيدة لتلك المصالح. فكان توسيع قاعدة طرطوس البحرية واتخاذ مطار حميحيم الذي تم تطويره وتجهيزه ليكون قاعدة برية وجوية روسية على مقربة من اللاذقية.
يحاول الرئيس الروسي الإمساك بقوة بكافة خيوط اللعبة في مغامرته السورية. ويبدو أنه مستعجل للإمساك بالخيوط الدبلوماسية لفرض وقائع سياسية على باقي اللاعبين الإقليميين والدوليين يصعب تجاوزها لاحقا، لأنه يتحسس، ربما، أن المغامرة العسكرية التي تورط فيها لن تخدم طويلا مشاريعه السياسية. فها هو يستدعي بشار الأسد في رحلة مهينة إلى موسكو ليقول لباقي قوى الهيمنة إن الأسد بات ورقة في يده، وإن أي مساومات تستهدف رأس النظام في سوريا يجب أن تمر في موسكو. ويتبع هذا الاستدعاء بحملة اتصالات واسعة مع حكومات المنطقة ورؤساء دولها.
وفي الوقت الذي يفرض على السوريين ركوب مخاطر البحار التي ابتلعت منهم أعدادا متزايدة، بعد أن شعروا أن صبرهم على المعاناة بات مستحيلا وأن رهانات المعارضة السورية على أدوار الخارج الإقليمي والدولي، ومنه ما سمي أصدقاء الشعب السوري، قد سقطت بالكامل، ينأى هؤلاء “الأصدقاء” ليفسحوا للدب الروسي استباحة الساحة السورية وتهشيم كل المعادلات السابقة ليرسم بالسوخوي والصواريخ الفراغية معادلات جديدة تخدم مصالحه الإمبريالية في المنطقة والعالم. هؤلاء الأصدقاء الذين يعودون اليوم ليتبنوا التفسير الروسي لورقة جنيف1 (بقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية) ومطالب نظام الأسد نفسه خلال جنيف2 (محاربة الإرهاب أولا).
دخل الروس إلى سوريا من بوابة الحرب على الإرهاب التي فتحتها الولايات المتحدة، فجيشت تحالفا دوليا من عشرات الدول التي أرسلت قواتها الجوية لتضرب تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. هذه الضربات لم تمنع هذا التنظيم من التوسع ولم تحد من قدرته على الحشد والتسلح وارتكاب المجازر بحق الشعبين السوري والعراقي. ولكن الروس بدأوا بشن هجماتهم على مناطق سيطرة المعارضة السورية التي تقاتل داعش وتتعرض لهجمات متكررة منه، معتبرة أن كل جهة تعارض النظام هي جهة إرهابية.
وإذا كان الرئيس الروسي قد استغل انشغال الأوروبيين بأزمة اللاجئين، واعتبر ذلك فرصة للتدخل العسكري، فإن سير المعارك تحت الغطاء الجوي الروسي لا ينبئ بكسر التوازن القائم لصالح قوات النظام وحلفائها من حزب الله والحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له. وكان أول الغيث مجزرة الدبابات في إدلب والتي أتت على عشرات الدبابات والآليات التابعة لقوات النظام، وليس آخره نعي حزب الله يوم الأحد 25 أكتوبر ثمانية من مقاتليه سقطوا في معارك سهل الغاب، في مواجهة الجيش السوري الحر، الذي أنكر وزير الخارجية الروسي وجوده في بادئ الأمر، ليعود بعد لقاء فيينا الرباعي الجمعة الماضي فيطرح استعداد بلاده تأمين غطاء جوي له في مواجهة داعش.
لكن رد الجيش السوري الحر على مناورات لافروف كان واضحا: من يقترح تأمين الدعم للجيش الحر عليه أن يوقف غاراته الجوية عليه، حيث تؤكد كل الدلائل أن أكثر من 80 بالمئة من هجمات الطيران الحربي الروسي تضرب مناطق سيطرة الجيش الحر لتصيب مواقعه ومنازل المدنيين من أبناء تلك المناطق.
يحاول بوتين استعجال الاستثمار في تدخله العسكري من خلال تكثيف الاتصالات الدبلوماسية وطرح المبادرات التي تحقق أهداف التدخل العسكري في أقرب فرصة، مستغلا ما يعتبره مفاجأة الجميع بهذا التدخل قبل أن يبهت ويظهر ضآلة قدرته على تحقيق خروقات حقيقية على الأرض.
إذا كانت القاعدة تقول ألا حياء في السياسة، فإن القضية ترد على السقوط الأخلاقي المدوي: كل مبادرة لا تشمل تهيئة الشروط الضرورية لعودة النازحين واللاجئين، بما فيها إسقاط الأسد وحل أجهزته هي مبادرة معادية وجب إسقاطها.