
عيد الأضحى في سوريا: فرحة العودة وصناعة الحلويات في البيوت الريفية
في بيتٍ ريفي متواضع في جنوب إدلب، عاد أصحابه منذ أسابيع قليلة بعد سنوات من النزوح الطويل، بدأت الحياة تدبّ من جديد مع اقتراب عيد الأضحى. في مطبخ أم علاء، اجتمعت أربع نسوة يشاركنها تحضير معمول العيد.
أم علاء تقف أمام فرن الغاز، تراقب صواني المعمول وهي تستوي ببطء، تضبط الحرارة بحذر، بينما أم سامي تصف القطع الجاهزة في الأواني المعدنية بدقة متناهية. وعلى الطاولة الخشبية، تجلس أم علي وأم مازن، يقطّعان العجينة الطرية ويحشيانها بالتمر قبل أن يضغطاها داخل القوالب.
في زاوية الغرفة، يجلس الأطفال على الحصيرة، يرقبون المشهد بعيون لامعة وابتسامات مترقبة، بانتظار أول قطعة ساخنة تخرج من الفرن. تملأ المكان رائحة الهيل والسمن، وتمتزج أصوات ضحكات النساء بأزيز الفرن، فتبدأ بذلك التحضيرات التي لا تخص العجينة فقط، بل العيد كله.
العيد هذا العام مختلف، فهو يحمل فرحة العودة إلى الديار بعد سنوات من النزوح والسفر. عادت العائلات إلى قراها ومدنها، وامتلأت البيوت من جديد بالأهل والأحباب، بعد غياب طويل فرضته الحرب وسقوط الطاغية. هذه العودة أعادت للحياة رونقها، وجعلت العيد أكثر بهجة.
في مكان آخر من سوريا، في إحدى قرى ريف حماة، يمشي أبو ياسر في حارته القديمة ببط. تفوح في الأجواء رائحة الكعك المخبوز في بيوت الجيران، فتعود به الذكريات إلى أيام ما قبل النزوح، حين كانت أمه تخبز الكعك صباح العيد وتعطيه أول قطعة ساخنة. اليوم، تحمل الرائحة ذاتها مشاعر النجاة والحمد، وشعوراً عميقاً بأن الحلم الذي كان بعيدًا صار واقعاً يُعاش من جديد.
لا تقتصر التحضيرات حالياً على الحلويات كالعك والبرازق والأصابع المحشوة بالتمر وغيرها فقط، بل تشمل شراء الملابس الجديدة للأطفال، وتنظيف المنزل وترتيبه وتزيينه بلمسات خاصة تملأ البيت دفئاً وحياة. وتشهد هذه الأيام صوراً جميلة من التعاون ما بين الجارات والصديقات والأخوات، يساعدن بعضهن البعض في الخبز، وتنظيف البيوت، وتبادل القوالب والمكونات، لتتحول هذه الطقوس إلى لحظات من الفرح الجماعي والتكافل.
تتجلى بهجة العيد هذه السنة في كل زاوية من بيوت القرى والمدن التي عادت تنبض بالحياة، حيث تتلاقى الأحاديث والضحكات بعد سنوات من الغياب والفراق. الأجواء مليئة بالأمل والتفاؤل، فالناس يستقبلون العيد بقلوب مفتوحة وأعين تلمع بالحياة من جديد.
والفرحة الأكبر تكمن في أن هذا العيد يُحتفل به داخل البيوت التي عاد أصحابها إليها أخيراً، فالأطفال يفرحون بالحلوى التي تُعد لهم بعناية، ويشعرون بأن العيد قد حلّ حقاً عندما يرتدون ثيابهم الجديدة ويجتمعون مع أهلهم وأحبائهم. في هذه اللحظات، تكون طقوس العيد ليست فقط تقليداً، بل انتصاراً للحياة بعد سنوات من الألم والفرقة.