
“أمن الثورة” مسمى لسلسلة جديدة من الاعتقالات تطال كل المخالفين للفصائل وسط غياب القضاء المستقل
مع تصاعد حدة الانتقادات وتزايد السخط الشعبي كان لابد لبعض الفصائل من إعادة تجميل صورتها بإصدار عفو بين الحين والآخر، يخرج فيه المعتقلين من قضوا نصف محكوميتهم وأبدو حسن سلوكهم، إلا أن الحقيقة التي أكدتها الوقائع أن هذا العفو ما هو إلا فقاعات إعلامية، تهدف لكسب إعلامي هنا ، و تجميل صورة مشوهة هناك ، وإخراج بضع معتقلين فقط ربما اعتقلوا لدوافع شخصية، فيما يقبع مئات المعتقلين في السجون لم يشملهم أي عفو فهم من انتهكوا "أمن الثورة" ، فلا قضاء مستقل ولا أي جهة تستطيع أن تنظر في أمرهم.
قضية المعتقلين في سجون فصائل الثورة، تعد من أعقد القضايا التي شابها الكثير من المظالم والتعديات باسم "أمن الثورة" ، وباتت الاعتقالات التي تمارسها المكاتب الأمنية للفصائل بحجة أمن الثورة بحق أبناء الشعب باباً لتصفية الحسابات والخصوم وزج كل من يعارض سياسات الفصائل ويرفض أعمالها وينتقد تصرفات عناصرها، فيكون مصيره الاعتقال والزج في السجون، دون أي مراعاة لموقعه الثوري أو العمل الذي يقوم به ، بينهم نشطاء إعلاميين وحقوقيين وسياسيين وعناصر من أوائل الثوار الذين خرجوا في وجه نظام الأسد.
وكشفت الصراعات الداخلية بين الفصائل من مختلف التشكيلات والانتماءات ، الكثير من الخبايا التي تخفيها الفصائل، و أماطت اللثام عن عمليات الاعتقال التي تطال الشباب لمجرد الانتماء لفصيل آخر، أو محسوب على هذا الفصيل أو يعمل في مناطق سيطرته، فبات معرضاَ للاعتقال وله بدون ذنب.
وتتنوع الأسباب والحجج التي مارس فيها القوى الأمنية التابعة للفصائل الاعتقال ، فخلف تهمة "فاسد" أو الانتماء لفصيل فاسد ،اعتقل المئات من الشباب وزج بهم في السجون، غالبيتهم من أوائل من خرج في وجه نظام الأسد، مازال الكثير منهم حتى اليوم مغيبين في سجون الفصائل وفروعها الأمنية لا يعرف مصيرهم حتى لذويهم، أيضاَ بتهمة "الدعشنة" أي الانتماء والترويج لتنظيم الدولة، وصولاً إلى تهمة الانتماء والعمل في "درع الفرات"، وأخيراً وليس آخراً تهمة التعرض لـ " أمن الثورة" والتي باتت اليوم هي الرائجة في عمليات الاعتقال.
ولم تقتصر عمليات الاعتقال على الشباب الثائر المناوئ للفصيل الذي يعتقله بل طالت الاعتقالات العشرات من رموز الثورة السورية وكبار المعارضين لنظام الأسد، من النشطاء الإعلاميين والكوادر الطبية وطواقم الإسعاف، و الاقتصاديين والتجار، كلها تمت مسمى "أمن الثورة" فيما يعيش التجار والمحتكرين و المفسدين الحقيقيين بعيداً عن اعتقال الفصائل بل منهم من زود ببطاقات أمنية تمكنه من العبور على جميع حواجز الفصائل دون أي تعرض.
تصاعدت الصيحات مراراً لتبييض سجون الفصائل من جميع المعتقلين إلا من ارتكب جرماً بحق الشعب والثورة السورية تحدده محاكم مستقلة، إلا أن هذا الصيحات دائماً ما قوبلت بعدم الاكتراث.
ولعل أحد الفكاهات التي طالب بها بعض النشطاء الفصائل الثورية بضرورة تحديد تعريف واضح لما سمي بـ "أمن الثورة" بعد أن تشابكت عليهم خيوط فهم هذا المصطلح، إذ صعب عليهم التمييز بين التهم التي اعتقل واقتيد بحقها المئات من الشباب الثائر وغيبوا في السجون باسم "أمن الثورة" فكان لابد من تحديد مفهوم وتعريف واضح بهذا المصطلح، أو أن حقوق المئات من المغيبين ستضيع كما ضاعت حقوق شعوب بأكملها بعد أن اتهمت بـ "الإرهاب".