قدمت الدماء الزكيَّة على درب النصر.. حمص تستذكر ذكرى معركة المطاحن الأولى بعد تحريرها
صادف أمس الأربعاء 8 كانون الثاني 2024، الذكرى السنوية الحادية عشرة لمعركة المطاحن الشهيرة في محافظة حمص، التي قادها خيرة قادة وأبناء الثورة السورية منهم الشهيد عبد الباسط الساروت، بهدف فك الحصار عن أحياء المدينة.
واستشكر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي المعركة وتفاصيلها حيث بدأ الثوار في أحياء حمص المحاصرة عام 2013 معركة المطاحن، وتضمنت خطتها تنفيذ عملية تسلل في اتجاه منطقة المطاحن وحي القصور لإدخال الغذاء إلى أحياء حمص المحاصرة وفتح طريق إمداد نحو ريف حمص الشمالي.
وبدأ مقاتلون من "كتيبة شهداء البياضة" بقيادة عبد الباسط الساروت ومجموعات أخرى عملية تسلل نحو الساعة الثانية فجرًا من حي الخالدية في اتجاه مستودعات المطاحن في منطقة التأمينات عبر نفق يتصل بأنبوب صرف صحي.
وكانت خطة المعركة أن يتوجه عناصر "كتيبة الأنصار" ومجموعات أخرى (في أنبوب متفرع عن النفق الأصلي) في اتجاه دوار الجوية في حي القصور، لتأمين غطاء ناري للمحور الأول، ولكن لم يتسلل المقاتلون من هذا المحور بسبب رصد عناصر النظام بالقرب من مكان الخروج، وأبلغوا مجموعات محور التأمينات للانسحاب، ولكن كانت المجموعة قد خرجت من النفق.
وبدأت قوات النظام والميليشيات الرديفة ("قوات الدفاع الوطني" وحزب الله اللبناني) استهداف مجموعة محور التأمينات بعد خروجها من النفق وانتشارها في مبانٍ قريبة منه، وتمكنت قوات النظام من رصد طريق العودة إلى النفق ناريًا وحصار المقاتلين.
وتمكن "الساروت" وعدد من المقاتلين من العودة عبر النفق قبل رصد الطريق، بينما استمرت المعركة في محور التأمينات خلال ساعات النهار، وحاولت الفصائل الوصول إلى المجموعة المحاصرة، وتوجهت عدة مجموعات لفك الحصار عنها دون أن تنجح في ذلك.
واستشهد في المعركة نحو 60 شاباً بينهم محمد إبراهيم مراسل شبكة شام، وشقيقا الساروت الذي أنشد بقلب يعتصره الألم بعد المعركة باللهجة البدوية المحكية "شالت النشامى سلاحٍ والمعركة بالمطاحن، أنا ما أبكى على أخوتي اللي راحنّ أبكي على الصار وياي".
وللمرة الأولى تعيش مدينة حمص ذكرى المعركة الفدائية بعد تحريرها فقبل شهر واحد فقط، شهدت سوريا لحظة تاريخية تحررت فيها من قيود استمرت خمسين عامًا لم تكن هذه اللحظة مجرد حدث سياسي، بل كانت انفجارًا إنسانيًا غير مسبوق.
ويعيش السوريون اليوم فرحة لم تعهدها البلاد منذ نصف قرن، إذ تنبض شوارع المدن بالحياة مجددًا، وتحولت الساحات العامة إلى مسارح احتفالية تُعبر عن حرية طال انتظارها، إنها لحظة تحمل في طياتها مزيجًا من الأمل والتحدي.
لم تكن العقود الخمسة الماضية مجرد سنوات استبداد سياسي، بل كانت سجنًا كبيرًا ضم كل فرد من الشعب السوري. فجأة، وجد السوريون أنفسهم خارج هذا السجن الكبير؛ أحرارًا في حركتهم، تعبيرهم، وحتى أحلامهم.
هذه الحرية التي طال انتظارها كانت كفيلة بإحداث صدمة وجدانية، إذ يختلط الفرح بالذهول، وتتعاقب لحظات الحماس مع أسئلة القلق حول المستقبل، كل ذلك يدفع إلى استذكار من قدم التضحيات من شهداء ومعتقلين ومصابين ومهجرين.
هذا ويؤكد ناشطون أن تحرير سوريا ليس سوى الخطوة الأولى في مسيرة طويلة وشاقة نحو بناء دولة تعكس طموحات شعبها وهذه اللحظة التاريخية تحمل معها فرصة لإعادة صياغة هوية الوطن على يد الشعب السوري وقدرته على تحويل الألم إلى قوة، والفرح إلى دافع للعمل والبناء، بعد تضحيات فدائية كبيرة على طريق النصر.