صورة
صورة
● أخبار سورية ١٩ يناير ٢٠٢٥

في الذكرى الـ 43 لمجزرة حمـاة 1982.. مدينة حُطمت وجريمة لن تُمحى من الذاكرة

يحمل شهر شباط 1982، في طياته ذكرى أليمة لدى الشعب السوري عامة وأهالي مدينة حماة خاصة، رغم مرور 43 عاماً على ارتكاب النظام السوري بقيادة حافظ الأسد وشقيقه رفعت، واحدة من أبشع المذابح في تاريخ سوريا الحديث، تسببت في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين ودمار مدينة بأكملها، تاركة وراءها جرحًا عميقًا في ذاكرة الشعب السوري، ورغم مرور عدة عقود، تبقى المجزرة تحفر في ذاكرة السوريين الطامحين لمحاسبة المجرمين عقب سقوط نظام الأسد وإنهاء حكم الديكتاتور.


مجزرة حماة 1982.. تاريخ لن ينسى

مجزرة حمــاة حدثت في شهر فبراير/شباط 1982 في مدينة حماة السورية، واستمرت 27 يوما، نفذتها عدة فرق وألوية من الجيش السوري، وعلى رأسها قوات سرايا الدفاع، وأدت وفقا لبيانات حقوقية منها "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى مقتل ما بين 30 إلى 40 ألف مدني، إضافة إلى نحو 17 ألف مفقود، في وقت استطاعت الشبكة توثيق قرابة 3762 مختفٍ قسرياً، إضافة إلى بيانات لقرابة 7984 مدنياً تم قتلهم، إذ لم تحظ المجزرة بأي تغطية أو توثيق أو حتى تفاعل دولي حينها.

سردية المجزرة: هيمنة حزب البعث على الحكم وتوليه السلطة

لم تكن أحداث مجزرة حماة عام 1982 مفصولة عن العقدين الأخيرين اللذين سبقا المجزرة وما حدث فيهما في سوريا عامة ومدينة حماة خاصة. شهدت تلك الفترة صدامات ومواجهات وقتل واعتقالات شملت الأحزاب المعارضة والمسلحين، وقد بدأت بعد انقلاب حزب البعث على الحكم وتوليه السلطة.

أحداث "جامع السلطان" 1964: أولى المواجهات
من أبرز الأحداث التي سبقت المجزرة كانت "أحداث جامع السلطان" في عام 1964، حين نشأت هبة شعبية في مدينة حماة وعدة مدن سوريا أخرى اعتراضًا على حكم البعث، التي قابلها الجيش السوري بتدخل عسكري ومحاصرة للجامع وقصف مئذنته، مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين.

انقلاب حافظ الأسد وبدء التصفيات
مع انقلاب حافظ الأسد على الحكم في 1970، بدأت حملة اعتقالات في صفوف المعارضين، وأقر دستورًا جديدًا عام 1973 منح فيه نفسه صلاحيات واسعة، مما أثار موجة من الاحتجاجات في حماة عرفت بـ"أحداث الدستور"، حيث تم اعتقال العديد من المعارضين. كان عدد من هؤلاء دعا إلى الجهاد ضد حزب البعث، مما زاد من الملاحقات والاعتقالات.

تأسيس "الطليعة المقاتلة" وتصاعد التوترات
بعد اغتيال عدد من أبناء المدينة، بدأت "الطليعة المقاتلة"، وهي مجموعة مسلحة من المعارضة، بتصعيد عملياتها ضد النظام، ففي 16 يونيو 1979، هاجمت هذه المجموعة مدرسة المدفعية في حلب وقتلت العديد من الضباط العلويين، مما وجهت فيه الدولة الاتهام إلى جماعة الإخوان المسلمين. تلت هذه الحادثة محاولة فاشلة لاغتيال حافظ الأسد في 26 يونيو 1980، والتي أضيفت إلى سلسلة التصعيدات التي قوبلت بالانتقام من سجن تدمر حيث قُتل أكثر من ألف سجين.

صدور مرسوم تشريعي 49 لعام 1980

في 7 يوليو 1980، صدر مرسوم تشريعي رقم 49، الذي حظر الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وأباح ارتكاب المجازر تحت ذريعة القضاء على التنظيم، وكانت مدينة حماة تضم عددًا كبيرًا من منتسبي الإخوان، مما جعلها نقطة مواجهة مع النظام، كما شهدت المدينة عدة انتفاضات رفضًا لحكم البعث، مما دفع حافظ الأسد لاتخاذ قرار اجتياح المدينة.

الاستعداد للمجزرة وحشد القوات

في نهاية يناير 1982، حاصرت قوات من أجهزة الأمن والجيش مدينة حماة، وتمركزت بعض القوات في عدة مناطق داخل المدينة، وتوزعت القوات المشاركة في المجزرة بين:
(قوات سرايا الدفاع: 12 ألف جندي بقيادة رفعت الأسد - قوات الوحدات الخاصة: بالأسلحة الثقيلة والدبابات والمدفعية - الكتائب الحزبية: تتكون من مدنيين دربوا على حمل السلاح - قوات فرع الأمن العسكري - - قوات أمن الدولة - الأمن السياسي).

بداية المجزرة: حصار المدينة وبدء القصف العشوائي

في 2 فبراير 1982، بدأت القوات باقتحام المدينة، وأدت الاشتباكات الأولية إلى انسحاب القوات المقتحمة وبدأت بعد ذلك عمليات القصف العشوائي باستخدام المدافع والرشاشات والطائرات، مما دمر الأحياء السكنية بشكل كبير، وطال القصف المساجد والعيادات وأماكن العبادة، مما أسفر عن مقتل وجرح أعداد كبيرة من المدنيين.

الاقتحام البري .. شباط 1982 تاريخ لن ينسى

في 4 فبراير 1982، بدأت المرحلة الثانية من المجزرة باقتحام بري نفذته دبابات اللواء 47. دارت معركة عنيفة في الأحياء السكنية، وقامت القوات بنصب راجمات صواريخ وقاذفات هاون، مما أدى إلى تدمير العديد من المنازل في المدينة.

نتائج المجزرة: قتلى بالآلاف يوم دمرت قوات الأسد مدينة بأكملها

خلفت مجزرة حماة التي استمرت 27 يوما نحو 30 إلى 40 ألف قتيل مدني، وتوثق بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 7984 منهم، كما تم تقدير المفقودين بحوالي 17 ألف شخص. كما دمر القصف العديد من الأحياء في المدينة بنسبة متفاوتة، حيث سويت بالأرض بعض المناطق بشكل كامل مثل الكيلانية والعصيدة الشمالية، ولايمكن وصف هول المجزرة التي أغفلها الإعلام الرسمي والعربي والدولي، كما لم تحظ المجزرة التي كانت أبشع إبادة في تاريح سوريا القديم والمعاصر بأي موقف دولي.

ما بعد المجزرة: سيطرة الخوف والرعب
بعد المجزرة، سيطر الخوف على أهالي المدينة، واعتقلت القوات العديد من المدنيين على نحو عشوائي، وتعرضوا للاعتقال والتعذيب، بينما تم نقل المعتقلين إلى السجون بعد تفتيش المنازل. استمر الحصار والخوف من المداهمات حتى منتصف مارس 1982، وأُجبر الأهالي، عقب تتالي المجازر، على الخروج بمسيرة تأييد لحافظ الأسد، في شارع “8 من آذار” وسط المدينة المنكوبة، وهتفوا فيها “بالروح بالدم نفديك يا حافظ”.


لطالما رفضت سلطات نظام الأسد، الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بمصير الآلاف الذين اقتادتهم قوات الجيش في حماة إلى معسكرات اعتقال جماعية، أنشئت خصوصا، ولم يعثر لهم على أثر، ومصير آخرين أيضا تم اعتقالهم في العقد الأخير من حكم الأسد الابن.


مجزرة حماة: سياسة حكم بالخوف

في مقال نشرته صحيفة "The New York Times"، استخدم الصحفي "توماس فريدمان" مصطلح "قواعد حماة" لوصف العمل الإجرامي الذي نفذته قوات نظام حافظ الأسد بقيادة شقيقه رفعت ووزير دفاعه مصطفى طلاس، والذي استمر 27 يومًا. فريدمان فسر المصطلح على أنه السياسة التي اتبعها حافظ الأسد تجاه شعبه: "احكم بالخوف، ازرع الخوف في قلوب شعبك من خلال السماح لهم بمعرفة أنك لا تتبع أي قواعد على الإطلاق". 

حماة وثورة 2011 ضد الأسد الابن

عاشت مدينة حماة مابين عامي 1982 و 2011 واقعاً مظلماً ومنع أبنائها المهجرين خارج سوريا من العودة، في حين حرم ذويهم وأقربائهم من الوظائف وبقيت المدينة تعاني الجور والتضييق من أجهزة النظام الأمنية، لتنتفض حماة عن بكرة أبيها وتلعب دورًا محوريًا في الثورة السورية عام 2011، حيث كانت واحدة من أبرز المدن التي شهدت مظاهرات ضخمة ضد بشار الأسد.

في بداية الثورة عام 2011، كانت حماة من أوائل المدن التي انطلقت فيها المظاهرات الشعبية ضد  نظام الأسد، وشهدت ساحاتها حماة حشودًا ضخمة من المواطنين الذين انتفضوا لإسقاط النظام، وتميزت بأهازيج تظاهراتها التي أزعجت النظام وسعى للانتقام من أهاليها.

رد فعل النظام وإعادة القمع

حاول النظام السوري قمع المظاهرات الشعبية في حماة بعنف، حيث تم استخدام القوة المفرطة في مواجهة الاحتجاجات، ورغم الحملة الأمنية العنيفة، استمرت المظاهرات في حماة ورفض السكان التراجع عن مطالبهم، قبل أن تواجه المدينة حملات أمنية وعسكرية، أفضت لخروج الثوار منها وخضعت لسيطرة النظام من جديد.

أهمية حماة في الحراك الثوري
كانت حماة رمزًا للثورة ضد الاستبداد، حيث حملت المدينة إرثًا طويلًا من مقاومة الظلم، وقد عبر سكانها عن رفضهم لحكم الأسد، والشعار الشهير "إسقاط النظام" كان يتردد في شوارع حماة، مما جعلها في مرمى استهداف القوات النظامية، وقدمت حماة مثالاً على التنوع في الحراك الثوري السوري، حيث شملت المظاهرات مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية، لتكون أحد معاقل الثورة السورية في عام 2011، وكان لها دور كبير في تحفيز الحركة الشعبية ضد النظام، مما جعلها هدفًا رئيسيًا للقمع العسكري، لكن أيضًا جعلها رمزًا للثوار في صراعهم من أجل الحرية والعدالة.


مدينة حماة محررة حرة من دنس الأسد وأزلامه 
تمكن مقاتلو "إدارة العمليات العسكرية" يوم الخميس 5 كانون الأول 2024، من تحرير كامل مدينة حماة، بعد معارك عنيفة خاضها المقاتلون على أحياء المدينة انطلاقاً من جهة الشرق، لتقابلها القوات المهاجمة من محوري زين العابدين وقمحانة والمحور الشمالي الغربي، لتكون مدينة حماة، حرة محررة من دنس النظام لأول مرة منذ عشرات السنين، ضمن عملية "ردع العدوان" التي خلصت أهالي حماة من بطش وجور وظلم عائلة الأسد امتدت لعقود طويلة من التضييق والتهميش والاستبداد.


فتح التحقيق الجنائي في مجزرة حماة
في خطوة هامة، فتح مكتب المدعي العام السويسري تحقيقًا جنائيًا في الجرائم التي ارتكبتها قوات الجيش السوري وسرايا الدفاع في مدينة حماة عام 1982، بناءً على شكوى قدمتها منظمة "ترايل إنترناشيونال" السويسرية، سعياً لتحقيق العدالة لآلاف الضحايا المدنيين، واستند التحقيق الجنائي إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يتيح للدول التحقيق مع المشتبه بهم ومحاكمتهم بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية الضحايا.

سوريا على قمة مؤشر الإفلات من العقاب
على مر العقود، احتلت سوريا المراتب الأولى في المؤشر العالمي للإفلات من العقاب، باعتبارها الدولة التي تسجل أسوأ حالات الإفلات من المحاسبة على مستوى العالم، وتشمل الجرائم التي أفلت مرتكبوها من العقاب، في إطار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، جرائم ضد الإنسانية مثل القتل العمد، الإبادة الجماعية، الاعتقال التعسفي، التعذيب، الاغتصاب، والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو ثقافية.

مذكرة توقيف دولية لرفعت الأسد
في أغسطس 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الفيدرالية السويسرية مذكرة توقيف دولية بحق رفعت الأسد، بتهم ارتكاب جرائم حرب في مدينة حماة عام 1982، تستند المذكرة إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للدول بمحاكمة الجرائم الدولية بغض النظر عن مكان وقوعها أو جنسية المتهمين. 

جاءت الخطوة بعد تحقيقات استمرت سنوات، حيث قدمت منظمة "ترايل إنترناشونال" شكوى ضد رفعت الأسد في 2013، متهمة إياه بارتكاب جرائم حرب في حماة، وعلى الرغم من صدور المذكرة، إلا أن تنفيذها واجه صعوبات بعد فرار رفعت الأسد إلى سوريا في 2021 بعد 37 عامًا من المنفى، ومن ثم إلى جهة مجهولة عقب سقوط النظام، لكن المذكرة تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة لضحايا مجزرة حماة، وتبعث برسالة قوية مفادها أن المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية لن يفلتوا من العقاب. 

إحياء ذكرى المجزرة بعد 43 عاماً 
بدأ فريق عمل إحياء الذكرى الثالثة والأربعين لمجزرة حماة، التحضيرات لتنظيم فعاليات وطنية وإنسانية واسعة، تهدف إلى تسليط الضوء على واحدة من أكثر الجرائم دموية في تاريخ سوريا، والتي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء في شباط ١٩٨٢، وهي الفعالية الأولى التي ستشهدها مدينة "أم الفداء" منذ تاريخ المجزرة.


الفعاليات المقررة

تتضمن الفعاليات، "جلسات نقاشية"، بمشاركة الناجين وأسر الضحايا لعرض شهاداتهم حول المجزرة وآثارها، إضافة إلى "معارض توثيقية" تضم صورًا ووثائق وأعمالًا فنية تُبرز حجم المأساة الإنسانية التي شهدتها حماة، و"وقفة تضامنية" في مواقع رمزية بالمدينة لإحياء ذكرى الضحايا، مع إشعال الشموع والوقوف دقيقة صمت.

كما تتضمن "فعاليات رياضية"، من خلال تنظيم "بطولة حماة 82" الرمزية لإحياء ذكرى المجزرة بروح التضامن والعدالة، و"أنشطة ثقافية" أمسيات فنية وموسيقية تحمل رسائل تضامن وصمود، و"توعية مجتمعية" عبر تنظيم ورش عمل وجلسات توعية تستهدف الأجيال الشابة حول أهمية العدالة والمحاسبة.

وصرح أحد أعضاء الفريق قائلاً: "نهدف من خلال هذه الفعاليات إلى إبقاء ذكرى مجزرة حماة حية في وجدان الأجيال القادمة، وتسليط الضوء على أهمية العدالة والمحاسبة لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا"، داعياً جميع السوريين في الداخل والخارج، والمؤسسات الحقوقية والإنسانية، للمشاركة في هذا الحدث وإيصال رسالة الضحايا للعالم.


آمال بمحاسبة المجرمين عقب سقوط نظام الأسد
بعد سقوط نظام الأسد، يتطلع أهالي حماة إلى محاسبة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا انتهاكات واسعة خلال السنوات الماضية، وخاصة أولئك الذين تورطوا في مجزرة حماة 1982، وكذلك العمليات العسكرية التي شهدتها المدينة في الثورة السورية عام 2011. 

ويطالب أهالي حماة بمحاسبة جميع المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين في مدينتهم، بما في ذلك رفعت الأسد وأركان نظامه الذين أمروا أو شاركوا في عمليات القتل الجماعي والتعذيب، وتتطلع المدينة إلى إجراء محاكمات عادلة للمسؤولين عن المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين، ويأملون في أن يتم تحويل هؤلاء المجرمين إلى العدالة الدولية، خاصة محكمة الجنايات الدولية، بعد أن رفض النظام تقديمهم للمحاكمة داخل سوريا.

ويعتبر أهالي حماة أن قضية الإفلات من العقاب في سوريا كانت من أبرز القضايا التي عززت الاستبداد وعنف النظام، ويطالبون بوضع آلية قانونية لحظر هذا الإفلات وتقديم كافة مرتكبي الجرائم للمحاكمة، كما يطالبون بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في سنوات الحرب الطويلة، بدءًا من مجزرة حماة 1982، وصولًا إلى مجزرة 2011 التي ارتكبتها قوات النظام ضد المتظاهرين في المدينة.

في الختام، لا تقتصر تطلعات أهالي حماة على محاسبة مجرمي الحرب فحسب، بل تشمل أيضًا بناء سوريا جديدة قائمة على أساس العدالة والمساواة بين جميع مكوناتها، والتي تحترم حقوق الإنسان وتكفل عدم تكرار تلك الجرائم في المستقبل.

الكاتب: Ahmed Elreslan (أحمد نور)
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ