
دار العدل في حوران ... لن تثنينا الاغتيالات ولا التهديدات ولا المخاطر عن مزاولة أعمالنا في رد المظالم
قبل شهور خلت من ثورة العز والكرامة اجتمع أهل حوران بفصائلهم وهيئاتهم ومجالسهم وشتى مشاربهم، وعزموا خلال الاجتماع على أن يخرجوا بمشروع يجمع الشتات، تتلاقى فيه الأيدي والقلوب، وتتلاشى فيه الخلافات، فكانت الثمرة "دار العدل في حوران"، تلك الدار التي ارتضتها القلوب والعقول، كانت دار العدل لا نقول الخطوة الأولى في مضمار القضاء، وإنما كانت اللبنة الأولى في التأسيس لمجتمعٍ آمنٍ يُضبطُ بالقضاء الموحد ويجاري المرحلة ومخاطرها، وكان الأساس الذي قامت عليه هذه الدار تحكيم شرع الله، تحكيم الكتاب والسنّة، وجعلهما أصلا في رد المظالم وفصل الخصومات، فليس للقضاة اجتهاداتٌ مع النص، ولا قياساتٌ على قوانين البشر.
ضمَّت المحكمة في مراحل وجودها قضاةً كثيرين، منهم المستقلين ومنهم المنتسبين لفصائل الجهاد، وما زال القضاة يتغيرون مع كل هيكلية جديدة.
تجلى عملها ونشاطها في ثلاثة جوانب، "القضائي والدعوي والإداري"، يتبع للقضاء ثلاث محاكم، محكمة الجنايات ومحكمة الأحوال الشخصية والمحكمة المدنية، ولكل محكمة قاضٍ يرأسها وقضاة يتبعون لها. تمارس المحكمة أعمالها طيلة أيام الأسبوع باستثناء يومي الخميس والجمعة، وفي هذه الأيام تكتظ المحكمة بالمراجعين، وتُعرض على القضاة شتى أنواع القضايا.
ما لا يعلمه الكثيرون من أبناء حوران أن دار العدل نفّذت عدة أحكام في القضايا التي تستوجب القصاص، ولاحقت المفسدين في كل بقاع حوران، واستطاعت القبض على الكثير من الجواسيس الذين جنّدهم النظام لأذية الآمنين، وداهمت مستودعاتٍ لتخزين المخدرات وألقت القبض على المتاجرين بها ثم قامت بإتلافها، وما زالت ترسل الأرتال لجلب المطلوبين ومحاكمتهم.
إن محكمة دار العدل في حوران لم تفرض رسومًا مالية لقاء الدعاوى ورد الحقوق إلى أصحابها كما هو الحال أيام محاكم النظام، بل أخذت على عاتقها كل ما من شأنه التخفيف على إخواننا المتظلّمين، فكلنا نعلم أن الإجراءات القضائية وما يتعلق بها من تباليغ وإحضارات ومداهمات وإطعام السجناء تتطلّب جهدا ماليًا مضاعفًا، ومع وقوع المحكمة في ضائقة مالية ولكنها في بعض الأوقات تمنع المنح والرواتب والمستحقات عن العاملين لديها لاستكمال الإجراءات القضائية دون أن يُطلبَ من المتظلمين لديها أي أجر أو مقابل.
إننا إذ نذكِّر إخواننا في هذه البلد الكريم أن دار العدل في حوران لم تبصر النور إلا بعد اجتماع الكلمة، ولم يقم قائمها إلا بعد مصادقة كافة الفصائل والهيئات وجميع قوى الثورة في حوران، نؤكد على وجوب الالتفاف حول هذا الكيان القضائي ودعمه بكل مستطاع، وخاصة بعد تفشي ظاهرة الاغتيالات التي لم تستثنِ مسمَّىً ولا صفة، وذلك للضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بأمن حوران، فإن واقع الحال يؤكد على ضرورة تصدّر القضاء.
لا يعلم الكثيرون حجم المخاطر التي يتعرض لها القضاة في دار العدل؛ لا يعلمون أن استهدافهم وتهديدهم من قبل الغلاة والمفسدين بات معلنًا في رابعة النهار، فعلى سبيل المثال لا الحصر تعرض نائب رئيس المحكمة قبل فترة قصيرة لحادثة اغتيال مروعة قضى على إثرها رحمه الله، كما تعرض رئيس المحكمة لمحاولات اغتيال عديدة كان آخرها قبل أيام، إذ قام مجهولون بمحاولة اغتيال بشعة استهدفت الشيخ أسامة اليتيم، والمحزن في الأمر أن محل استهدافه كان منبر المسجد!، فقد زرعوا له عبوة ناسفة على منبر المسجد وزودوها بعدة بطاريات، بالإضافة إلى عبوة أخرى وُجدت على باب المسجد، ولكن شاء الله سبحانه أن يُكشف أمر العبوتين قبل صعود الشيخ إلى المنبر بدقائق.
من المفارقات العجيبة زعْمُ الغلاة أن دار العدل مرتهنة برضى الخارج!، وأن قرارها أسير الإملاءات، مع أن الخارج نفسه يحارب المحكمة ويسعى إلى إسقاطها إلى جانب النظام وأدواته، وفي هذا الصدد نتذكر قول الشاعر:
وسوى الرومِ خلفَ ظهركَ رومُ = فعلى أيِّ جانبيكَ تميلُ
لا يعلم أهلنا في حوران وسوريا والعالم الإسلامي أن استحلال دماء القضاة بل وجميع العاملين في دار العدل كان نتيجة لتكفيرهم، نعم.. فقد كفّر الغلاة دار العدل بقضِّها وقضيضها، لم يكفّروهم بالشبه فقط، بل كفروهم بالطاعات، كان ذنبهم الوحيد تشوَّفهم لنشر العدل بين الناس. إذ أنه ليس في جعبة الغلاة سوى الشبه والمطاعن المحاكة بالتنطع والجهالات، تماما كما حصل مع علي رضي الله عنه عندما ناداه أحد الخوارج في صلاة الفجر يومًا فقال: "لئن أشركت ليحبطن عملك"، فأجابه علي: "فاصبر إن وعد الله حق".
وإننا إذ ندعو أصحاب هذه الضلالات إلى تقوى الله والعودة إلى جماعة المسلمين فإننا لا نقول لأهلنا ممن اُغتُرَّ بهم وببدعتهم إلا كما قال الله سبحانه وتعالى: "ولا يستخفنك الذين لا يوقنون".
وأخيرا تعدكم دار العدل في حوران أنها لن تثنيها الاغتيالات ولا التهديدات ولا المخاطر عن مزاولة أعمالها في رد المظالم وقطع دابر الشر والاستجابة لدعوى المظلومين، فإن الضعيف عندها قوي حتى يُراحَ عليه حقه، والقوي ضعيف حتى يُؤخذَ الحق منه بإذن الله، فإن أحسنّا فأعينونا، وإن أسأنا فقوّمونا، ولا ترمونا بشبه الغلاة.