
التعليم المنقطع في سوريا: الحرب والفقر يسرقان أحلام الأطفال… وبارقة أمل للعودة
خلفت سنوات الحرب الطويلة في سوريا واقعًا مأساويًا ألقى بظلاله الثقيلة على القطاع التعليمي، حيث حُرم الملايين من الأطفال من حقهم الأساسي في التعلم، الفقر، والنزوح، والانهيار الاقتصادي دفعوا بالكثير من العائلات إلى خيارات مؤلمة، كان من بينها إخراج أبنائهم من المدارس ودفعهم إلى سوق العمل أو الزواج المبكر، في محاولة يائسة لمجاراة قسوة الظروف.
ملايين خارج الصفوف
بحسب تقرير لمنسقي استجابة سوريا صدر عام 2024، فإن أكثر من 2.2 مليون طفل في سوريا باتوا خارج العملية التعليمية، بينهم 340 ألفاً في شمال غرب البلاد، و80 ألفاً داخل المخيمات.
ويُعزى التسرب إلى عوامل عديدة، أبرزها الفقر المدقع، وبعد المدارس عن أماكن السكن، وزيادة ظاهرة عمالة الأطفال، فضلاً عن التحديات الأمنية والاجتماعية التي تواجه الفتيات تحديداً.
حين يغدو التعليم حلماً بعيداً
سمية، 21 عاماً من ريف معرة النعمان، تحكي بحرقة عن اضطرارها لترك الدراسة بعد الصف التاسع: "امتحاني كان في إدلب، وكانت تحت سيطرة النظام… إخوتي خافوا عليّ، وقالوا لا تذهبي". النزوح المتكرر، والعمل المبكر في الزراعة مع أخواتها، جعل من العودة إلى المدرسة حلماً مؤجلاً بلا أفق واضح.
العوائق الاجتماعية كانت حاضرة أيضاً، حيث امتنعت كثير من الأسر عن إرسال بناتها إلى المدارس خشية من المخاطر الأمنية في مناطق النزوح، خاصة مع بعد المسافة وغياب الشعور بالاطمئنان.
بسطة بدلاً من السبورة
عمار، شاب من ريف حماة الشمالي، اضطر لترك الدراسة في سن الثانية عشرة، عمل في المخيمات على بسطة صغيرة، وجمع الخردة ليبيعها، قبل أن يسافر إلى تركيا بطريقة غير شرعية للعمل وإعالة أسرته. "كنت أحسد الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة، وأتساءل: لماذا لستُ بينهم؟"، يروي.
أثمان نفسية باهظة
انقطاع التعليم لا يمر بلا أثر. تقول المرشدة النفسية نجاح بالوش إن الطلاب المتسربين يعانون من مشاكل نفسية عميقة كالاكتئاب، والعزلة، وفقدان الثقة بالنفس، وتضيف: "الغياب الطويل عن الصفوف يترك فجوات معرفية يصعب تعويضها، كما يحدّ من فرص العمل لاحقاً ويؤثر سلباً على مستقبلهم المهني والشخصي".
محاولات للعودة وبناء المستقبل
بعد سنوات القهر والتشريد، بدأ بعض الطلاب بالعودة إلى مقاعد الدراسة، مدفوعين بتحرر البلاد تدريجياً من النظام السابق، وتحسن الظروف الأمنية. تقول هدى أبو العيون، مديرة مدرسة نسيبة المازنية في كفرلوسين، "نستقبل الطالبات المنقطعات بطريقة محببة، ونمنحهن الاهتمام والدعم النفسي، لنجعل المدرسة بيئة جاذبة ومشجعة على التعلم من جديد".
طريق محفوف بالتحديات... لكنه يستحق
تكشف قصص سمية وعمار وآلاف غيرهم عن معاناة مركّبة، يتقاطع فيها الفقر مع الحرب، وتختلط فيها أحلام الطفولة بواقع قاسٍ من المسؤوليات المبكرة. لكن رغم الجراح، فإن عودة التعليم تمثل طوق النجاة لمستقبل سوريا، وتبقى بيئة التعلم الآمنة والداعمة مفتاحًا لإعادة الأمل وبناء جيل جديد قادر على النهوض بوطنه من تحت الركام.