
ارتفاع في أسعار إيجارات المنازل في محافظة إدلب
تشهد محافظة إدلب، شمال غربي سوريا، أزمة متفاقمة في قطاع السكن، مع تسجيل ارتفاع غير مسبوق في أسعار إيجارات المنازل، ما فاقم معاناة آلاف العائلات النازحة والمقيمة على حد سواء، في ظل غياب الرقابة الرسمية وتردي الوضع الاقتصادي العام.
وأفادت مصادر إعلامية بأن الكثير من العائلات تدفع ثمناً باهظاً لتأمين سقف يأويها، فيما يضطر البعض لتقاسم المنزل مع أسر أخرى، أو العودة إلى الخيام والمساكن المدمرة لعدم قدرتهم على مواصلة دفع الإيجارات حيث تعيش آلاف الأسر على حافة الانهيار النفسي والمعيشي.
وقالت السيدة "أحلام الحسن"، وهي نازحة من معرة النعمان، وتسكن في أحد أحياء إدلب الشرقية "أحاول منذ خمس سنوات بناء حياة جديدة بعد التهجير، لكننا نصطدم كل يوم بعقبة جديدة. قبل أيام ألصق صاحب المنزل ورقة على الباب يطالبنا بدفع 200 دولار شهرياً أو الإخلاء".
وتقطن "أحلام"، كغيرها من آلاف النازحين، في شقة لا تتجاوز مساحتها 60 متراً مربعاً، كانت تدفع عنها بداية العام 100 دولار، قبل أن يضاعف المالك السعر دون أي تحسين في الخدمات أو الأجور، ووفقًا للسوق العقاري داخل مدينة إدلب، باتت الإيجارات تُقارن بتلك المفروضة في عواصم كبرى، رغم الفروقات الهائلة في مستوى المعيشة.
وذكر "عامر الحلبي"، وهو نجار وأب لثلاثة أطفال، إنه تنقل في أربعة منازل خلال عام واحد بسبب الزيادات المستمرة في الإيجارات "يطلب المالكون أسعاراً وكأننا في باريس، رغم أن بعض البيوت بلا شبابيك أو صرف صحي، ومع ذلك تُعرض للإيجار بـ150 إلى 200 دولار شهرياً".
وأكد "خلدون بدلة"، وهو سمسار عقاري وسط إدلب، في حديث صحفي أن موجة من المضاربات تتحكم بسوق الإيجارات، ويشير إلى أن الطلب المرتفع، خصوصاً بعد عودة آلاف المهجرين من تركيا ومناطق أخرى، شجع أصحاب العقارات على رفع الأسعار واستغلال حاجة الناس.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي "ياسر الحسين"، أن جذور الأزمة أعمق من مجرد قانون العرض والطلب، موضحاً أن "تدهور الليرة السورية، وارتفاع تكاليف الإعمار، وغياب التشريعات الناظمة كلها عناصر دفعت السوق إلى الفوضى".
واعتبر أنه "لا توجد عقود إيجار موحدة، ولا تسعيرة واضحة، ولا جهة رقابية فعالةمن يملك المنزل يملك السلطة، وهذه سلطة باتت تستخدم في كثير من الأحيان ضد كرامة الإنسان".
هذا وحذر من أن "أزمة الإيجارات في إدلب تجاوزت كونها معركة مالية لتغدو مأساة إنسانية تمس الاستقرار الاجتماعي والعائلي، وتشير التقديرات إلى أن الفجوة بين دخل الفرد وتكاليف الإيجار تضع شريحة واسعة من السكان على حافة الفقر والتشرد.
ودعا نشطاء الجهات المعنية إلى التدخل العاجل عبر خطوات تشمل إطلاق مشاريع إسكان اجتماعي، مراقبة سوق الإيجارات، وتقديم إعانات مادية للفئات الأشد ضعفاً، بما فيهم العائدون من النزوح.
تُعد أزمة الإيجارات في إدلب نموذجاً مصغراً عن التحديات التي تواجه المدن السورية في مرحلة ما بعد الحرب وزوال النظام البائد فهي لا ترتبط فقط بالعرض والطلب، بل تكشف عن الحاجة العاجلة لرؤية حكومية متكاملة تشمل البنية القانونية، والرقابة، والدعم الاجتماعي، لضمان ألا يتحول السكن من حق أساسي إلى عبء يهدد كرامة الإنسان.