
"أحرار وتحرير الشام" صراع مستمر .. فهل بتنا على أبواب المواجهة الأكبر ..!؟
يتأزم الموقف تباعاً بين الفصيلين الأكبر في الشمال السوري "أحرار وتحرير الشام"، في خلافات جديدة قديمة تتالى بشكل متتابع، لتظهر حالة التباعد بين المكونين والاقتراب من الصدام الذي إن حصل سيؤول بمحافظة إدلب والثورة إلى مصير مجهول بأيدي الطرفين، قد يحمل عواقب وخيمة ودماء تراق من الطرفين إن لم يجد الحل طريقاً لمجالس القادة الكبار من الفصيلين.
خلاف هنا واصطدام هناك ينتهي ببيان ورقي يوقع عليه ممثلون عن الطرفين، ريثما يعود الصدام بخلاف جديد وبيان آخر، وسط غياب حل جذري بين الطرفين، وعدم وجود قوة ضاغطة لإيجاد محكمة واحد متفق عليها تحل جميع القضايا الخلافية وتنهيها من الجذور، وتكون هذه المحكمة مرجع لكل خلاف أو اصطدام بين الطرفين، ربما كان ذلك مقصوداً للحفاظ على إبر المسكن التي لن تمنع من الوصول للصدام الأخير، الذي سيكون فيه نهاية طرف لا محال.
ولعل الخلاف في الايدلوجية والأفكار والنهج بين الطرفين، وكونهما أكبر قوتين في الشمال السوري بعد إنهاء غالبية المكونات الأخرى لاسيما فصائل الجيش الحر من قبل تحرير الشام، جعلها في خط مواجهة وتماس مباشر، أجج الموقع وصاعده مؤخراً هو ميل الحركة للتراجع عن كثير من الإجراءات التي اتخذتها سابقاً والتي لم تجد فيها خدمة للمشروع الثوري، فقررت الاستغناء عن مشروعها والعودة لمشروع الشعب والثورة السورية، حسب قولها.
من ضمن هذه الإجراءات التي بدأت الحركة تميل لها بعد انشقاق غالبية القيادات التي وصفت "بالمتشددة" وانضمامها لتحرير الشام، جعلت الحركة تتخذ العديد من الإجراءات منها اعتماد القانون العربي الموحد في محاكمها، واعتماد علم الثورة السورية كراية رسمية، إلى جانب راية الحركة، وميول الحركة لطرف الاعتدال كما يسمونه، بعدف فشل جميع طروحات الاندماج بين الحركة وفتح الشام قبل تشكيل الهيئة.
ولعل التحشيد بين الطرفين اليوم في إدلب على خلفية مقتل تاجري سلاح واتهام صقور الشام أحد الفصائل المنضوية في صفوف الأحرار بالقضية، وجد فيها كثر أنها محاولة للهيئة لمعاودة الهجوم على صقور الشام بعد فشلها في إنهاء هذا الفصيل في كانون الثاني مطلع العام الحالي، اتخذت من هذه القضية حجة لذلك، هي من باب الصراع بين الأحرار والهيئة، ولعله يأخذ أبعاد أكبر من صراعات سابقة حلت تباعاً بيانات منفصلة، وقد يوصل لطريق مسدود لا يمكن العودة معه أبداً لاسيما أن كل التوقعات تقول أن النهاية لن تحسم إلا بصراع بين أكبر مكونين في الشمال، ولن تكون إدلب إلا لراية واحدة بعد عجزهما عن التوحد، هذا إن عجزت الأطراف التي دخلت للصلح عن وأد هذا الصراع كسابقاته.
ولا يقتصر الصراع بين المكونين على العسكر، بل يتعدى ذلك لحرب باردة بين الطرفين في السيطرة على الموارد وتقوية النفوذ في المناطق المحررة كلاً على حساب الطرف الآخر، فمن صراع المجالس المحلية والهيمنة عليها، لصراع الطحين والقمح والمعابر والكهرباء والإدارات المدنية التابعة لكلا الفصيلين، والتي طالما تتعارض في قراراتها، وتنعكس سلباً على المدنيين، الذين باتوا ضحية هذا الصراع وهذه الحرب الباردة، مع عجز الطرفين على إيجاد صيغة مشتركة لإدارة المناطق المحررة مدنياً وعسكرياً.
وفي خضم هذا الصراع الطويل الذي سئمه الشعب ومل من حالة الاقتتال الداخلي والتنافس بين مكونات الثورة العسكرية، في الوقت الذي باتت سوريا تتقسم بين الدول الكبرى كلاً يسعى لتثبيت نفوذه، يبقى السؤال الأبرز اليوم في الشمال السوري، إلى متى سيستمر هذا الحال من التشرذم الذي يتحمل الجميع عواقبه، وما آلت إليه الأوضاع الميدانية من تراجع للثورة، على حساب الإيدلوجيات والمشاريع الفردية للفصائل، وإلى متى سيعي الجميع في مقدمتهم أحرار وتحرير الشام مغبة توحيد الجهود ورمي كل الخلافات لأجل من يدفع أثماناً باهظة من دمه للوصول لطريق الحرية المنشود والقضاء على من كان سبباً في معاناته، والذي لن يتحقق طالما غلبت الفصائل مشاريعها وتبعياتها على مصلحة الشعب الأعزل.