
أحرار الشام أمام المخاض الأخطر .. انشقاق في الصف و تشتت بين “الجيش” و “الحركة”
تمر حركة أحرار الشام الاسلامية ، اليوم، أمام المنعطف الأخطر في مسيرتها التي انطلقت منذ نهاية عام ٢٠١١، بعد أن أعلن بالأمس مجموعة من قياديها الشرعيين و العسكريين، تشكيل “جيش الأحرار”، في خطوة بدت للوهلة الأولى إنها عبارة عن انبثاق طبيعي داخل الحركة يتيح لها مرونة أكبر بالتحرك سياسياً و عسكرياً بشكل مستقل عن بعضهما البعض، و لكن هذا الظن لم يستمر إلا سويعات لتنكشف أن الأمور غير هذا ، بل هي أقرب إلى الانشقاق أو الانشطار الغير مخطط.
مساء الأمس ظهر بيان يحمل شعار حركة أحرار الشام الاسلامية، مع تسمية جديدة باسم “جيش الأحرار”، وبُدأ به بـ”واعتصموا بحبل الله جميعا”، وثم سرد الاعلان عن اندماج ١٦ تشكيل من ضمن الحركة ، ومن ثم تبعه اعلانات فردية لثلاث فصائل أخرى، عُهدت قيادة التشكيل الوليد هاشم الشيخ أبو جابر القائد الأسبق للحركة، الذي، وفقاً للبيان، جاء سعياً لوحدة الصف في حركة أحرار الشام الإسلامية، وزيادة الفاعلية العسكرية في الساحة لرد العدوان الصائل.
لم تنكشف حقيقة البيان السابق بالسرعة المتوقعة، الا أن عدم نشره على المعرفات الرسمية للحركة، أثار بعض الريبة، سرعان ما تحولت هذه الريبة لواقع ملموس أن ماحدث هو عبارة عن انشطار داخل الحركة، جاء بعد اسبوعين عن اعلان ذات القيادات الجديدة لـ”جيش الأحرار” ، تعليق عملها بالحركة بعد فشل المجلس في انتخاب قائد جديد للحركة، خلفاً لـ”أبي يحيى الحموي” المنتهية ولايته، لكن الحركة عادت بعد ايام من فشل الانتخاب، و أعلنت اختيار “أبو عمار العمر” كقائد جديداً لم يحظى انتخابه، بتلك الهالة المتوقعة في ظل الخلافات و المماحكات الكبيرة في صفوف الحركة التي بدا واضحاً ، صراعها الداخلي قد وصل حد الانفجار.
تدور في هذه الأثناء ومنذ عشر ساعات، سجال (على منصات التواصل الاجتماعي)، يصل حد الاشتباك و التخوين بين رافضي “جيش الأحرار” ومُعلنيه، وتتراوح الاتهامات بين الغلو و التشدد وصولاً للخروج عن الجماعة، مع التركيز على الانشقاق ، بشكل لا يمكن تفسيره بغير هذا الاتجاه.
حركة أحرار االشام الاسلامية، تعد من أقدم الحركة المسلحة في سوريا ، اذا احتاجت أشهر بين أيار ٢٠١١ و الاعلان الرسمي عنها في نهاية ذات العام ، كي تظهر كوجه ممثل للاسلام المنتشر في سوريا، ونجحت بشكل متسارع في تقديم نموذج يقبل التطور و الآخر، واندمجت بعدة تجارب توحدية لاسيما “الجبهة الاسلامية”، حملت شعار “مشروع أمة”، ولم تكن الحركة تصل لبداية طريق المشروع ، حتى اغتيل جميع قادات صفها الأول دفعة في واحدة، في ٩-٩-٢٠١٤، في عملية غامضة لم يفك طلاسمها حتى اللحظة، و بقيت ضد مجهول.
عملية الاغتيال الأشهر و الأقوى في الثورة السورية، دفعت الحركة لفترة ركود بعد أن عينت “أبو جابر الشيخ” قائداً لها (واليوم هو قائد لجيش الأحرار)، امتدت هذه الفترة لأشهر و شهدت محاولات فاشلة للعودة إلى الساحة العسكرية و أبرزها كان “زئير الأحرار” على معامل الدفاع في السفيرة، و لكن ما ميّز هذه الفترة بالعموم هو الانتقال من “مشروع أمة” إلى “ثورة شعب”، الأمر الذي فسره حينها المراقبون أن الانقلاب الأبيض للتقرب من الشعب و قصر الأهداف على رقعة جغرافية معينة، وهو ما كان بمثابة رسالة واضحة للتشكيلات الاسلامية الأخرى ولا سيما “القاعدة” أن لا خطط خارج الحدود السورية.
لكن فترة الغياب لم تدم طويلاً سرعان ماعادت الحركة إلى الواجهة عبر تحرير معسكري وادي الضيف و الحامدية في كانون الأول عام ٢٠١٤، وتلاه بأشهر قليلة (آذار ٢٠١٥) ولادة جيش الفتح الذي تم من خلاله تحرير ادلب المدينة وجسر الشغور ومعسكري القرميد و المسطومة و من ثم أريحا فمطار أبو الضهور، لتتحول ادلب إلى محافظة كاملة التحرير اللهم إلا “كفريا و الفرعة”.
لعل عودة نجم حركة الأحرار الاسلامية بالصعود من جديد ، تطلب أن تكون أكثر انفتاحاً على الخارج، و شكل مكتبها السياسي جناحاً جيداً له ، من خلال اختراق الاعلام الغربي و الظهور بمظهر الاسلامي المعتدل، ودخول بمفاوضات ذات مستوى دولي ، الذي ظهر منها اتفاق المدن الأربعة (الفوعة - الزبداني)، و لكن لم يكن المشهد وردياً تاماً، اذ حصل الصدام داخل الحركة بين المحافظين و الاصلاحين (في مصطلحات تشبيهية لا أكثر)، وكان بعض هذه الصدامات على أمور شكلية كرفع “علم الثورة” ، و منها بنويّة كالعلاقة مع فتح الشام بعد انفصالها عن القاعدة و الوعود بالاندماج التام في حال حصل الانفكاك، وصولاً إلى الخلافات داخل ذات التيار (المحافظين) في ادارة الصراع مع جند الأقصى.
في العموم لاتبدو الأمور مبشرة ، ولا يوجد توضيحات صادرة عن أصحاب الشأن، اذ تعتمد الحركة اسلوباً اعلامياً تعتبره هي مميز ، فيما نجده كـ”اعلاميين” ضعيفاً ، اذ تعمد على التهرب من الاجابة على سؤال لايناسب توجهها أو لا يجرأ ناطقها الاعلامي على التحدث به، وفي مثل هذه الظروف يتخذون من سياسية الاختفاء طريقة فريدة لتجنب الحديث عن أي أمر.