وسط تخاذل دولي فاضح .. إشادة بالجهود المحلية لمواجهة كارثة الزلزال شمالي سوريا
أشاد نشطاء وفعاليات أهلية، بالمبادرات المحلية في عموم مناطق الشمال السوري المحرر، والتي وقفت كـ "الجسد الواحد" في مواجهة أكبر كارثة إنسانية تتعرض لها المنطقة في التاريخ الحديث، في وقت تخاذلت مؤسسات الأمم المتحدة عن تقديم العون للمنطقة وسارعت لدعم النظام.
وقال الناشط "ماجد عبد النور" إن المثل الشعبي الرائج يقول إن "الميت مابشيل ميت" لكن السوريين كسروا هذه القاعدة التي لطالما ظنها الجميع مُسلّمة، والحقيقة التاريخية أن الميت شال الميت، لخمسة أيام متوالية ما زال السوريون يعملون كخلية نحل في أوج تفانيها، جبال من النخوة والمروءة والشهامة أظهرها السوريون في الأيام الماضية.
ولفت إلى أن "موجة من التكاتف والتساند والتعاطف والتعاضد قلما تجدها في بلدان أخرى، صقل التخاذل الطويل شعباً رهيباً في الشدائد، أينما وليت وجهك ترى النخوة والمروءة من حولك، أُلوف من الناجين يحملون معاولهم للإنقاذ إلى جانب الدفاع المدني، شباب وشيّاب، طلاب وطالبات، عمال وعاملات، آباءٌ وأمهات".
وأكد عبد النور أن "الجميع حمل العبء على عاتقه وهبّ لنجدة المنكوبين، في كل طريق رئيسي أو فرعي ترى أرتال المساعدات المقدمة من الفقراء، ترى يافطات كُتب عليها "مساعدات من قرية كذا" ومساعدات من بلدة كذا".
وأضاف: "لعل ما يجعلك تذرف الدموع هي السيارات التي كُتب عليها " مساعدات من إخوانكم في مخيم كذا" الفقير أعطى الفقير، والمعدوم وهب المعدوم ، حتى ظننا أننا في جغرافيا الأغنياء، من شبكات الأنترنت التي فُتحت بالمجّان إلى أصحاب السيارات التي وهبوا عملها في سبيل الله، إلى أصحاب الآليات الثقيلة التي تسابقت إلى المكان، من مئات المتطوعين لحفر القبور و الذين لم يُتركوا أيضاً حيث إلى جانبهم عشرات المتطوعين الذين يمدونهم بالطعام والشراب، إلى أصحاب المحلات التي فُتحت للمشردين إلى سيارات المتطوعين التي تتسابق لفعل الخيرات، إلى وإلى وإلى …".
وشدد عبد النور أن هذه المشاهد تحتاج لمجلدات كي نصف جمالها وروعتها، لكن شعباً بهذه الروح استطاع أن يفعل ما تعجز عنه الدول، استطاع أن يُدير أزمة رهيبة دون وجود لدولة ومؤسساتها استطاع أن يضرب موعداً مع لحظة تاريخية سوف تُدرّس، استطاع أن يعبر من كارثة فظيعة بتكاتفه وتعاطفه ونخوته ومروءته، مهما كتبت لايمكن أن أصف شيئاً من هذه الوقفات الناصعة، وقفات يجب أن تُكتب تحت عنوان سوري كبير "الميّت شال الميّت".
من جهته، قال الناشط "أحمد نور"، إن "حجم التعاضد والتلاحم الذي رصدناه ونرصده خلال الأيام القليلة الماضية، بين أبناء الشعب السوري بكل أطيافه في الشمال السوري، موضع فخر واعتزاز، بأن هذه الشعب بكل فئاته كالجسد الواحد، قادر ورغم تخاذل القريب والبعيد عن نجدته، استطاع مواجهة أكبر كارثة في تاريخ سوريا الحديث".
وأضاف: "ليس ابتداءً بأصحاب القلوب البيضاء حملة الأمانة، للفصائل العسكرية جميعاً دون استثناء في إدلب وشمالي حلب، للفعاليات الأهلية، الفرق الشبابية والطلابية، المنظمات الإنسانية والفرق التطوعية، النشطاء والصحفيين، المرابطين، التجار، العمال والكادحين، أصحاب الهمم شيباً وشباباً من كل القرى والبلدات الذين هبوا لمساندة مناطق الزلزال بكل مايستطيعون ... شعب جبار يستحق كل التقدير والاحترام .. تنحني الرؤوس أمام عظمتكم جميعاً".
وقال الباحث "أحمد أبازيد" إن السوريين والعرب ومنذ كارثة الزلزال شكّلوا شبكات إنقاذ ومساعدة للضحايا والناجين في تركيا، هناك آلاف الشباب النشطين منذ اليوم الأول، جسر مساعدات ومتطوعين بري توجه نحو الولايات التركية الجنوبية مباشرة وينشط في نقل البشر والمساعدات بين الولايات التركية بلا توقف.
ولفت إلى أن، الفرق والمنظمات السورية التي كان مركز عملها في الشمال السوري قامت بمهماتها نفسها في الجنوب التركي وأقامت غرف عمليات نشطة، وكثير ممن تم إنقاذهم في أنطاكيا أنقذهم أهاليهم وأصدقاؤهم والمتطوعون بمعاول وآليات إنقاذ بسيطة، بسبب حجم الكارثة الذي لم تستطع الدولة تغطيته مباشرة، عدا حملات الدعم وجمع التبرعات العربية في اسطنبول والولايات التركية، وتدفق التبرعات وحملات الدعم الشعبية الضخمة والمباشرة من الدول العربية التي كانت دائمًا أهمّ من الدول وسابقة على حساباتها السياسية.
وبين أنه في الشمال السوري المحاصَر، وإلى جانب الدفاع المدني السوري والفرق الطبية والتطوعية الذين أدوا دور الدولة ودور المجتمع الدولي أيضًا في أي دولة تحصل فيها كارثة، فقد كان للمبادرات الشعبية وحملات التبرع والإيواء الدور الأكبر في حمل أعباء الكارثة حتى الآن، وسط الحصار ومنع المساعدات عن الشمال السوري، وهي المرة الأولى التي تمتنع فيها الدول لأيام عن مساعدة منطقة يحصل فيها زلزال بهذا الحجم.
وأكد "أبازيد" أن الفزعة والمبادرة هي قيم أصيلة في مجتمعاتنا العربية عموماً، وهي جوهر الفعل الثوري منذ بداية الثورة السورية، وسنوات الثورة والحرب كيّفت السوريين مع الكوارث والدمار والقدرة على التعامل معها وتجاوز الصدمة، ملايين السوريين قبل الزلزال تعاملوا مع الدمار ورفع الأنقاض والتشرد والنزوح، وأشار إلى أن هذه الفاعلية الشعبية التي أظهرها السوريون والعرب في تركيا وفي سورية، هي عنوان أمل واعتزاز كبير وسط الكارثة.
وأثبت الشعب السوري لمرة جديدة، أنه كالجسد الواحد في الشدائد، استطاع بجهود متواضعة ابتداءً بفرق الإنقاذ والدفاع المدني، وصولاً للفصائل العسكرية ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات الأهلية والإعلامية والشبابية والطلابية والفرق التطوعية، من الصمود في وجه أعتى كارثة إنسانية تضرب المنطقة، في ظل متاجرة النظام بمعاناة ملايين السوريين، وسعيه لسحب الدعم الدولي لصالحه، وسط تخاذل أممي واضح.