تسريب خطير لبيانات ملايين اللاجئين في تركيا.. "الداخلية" تتهم طفل و"رئاسة الهجرة" تقول "غير متطابقة"
فوجئ ملايين اللاجئين السوريين في تركيا، حتى الحاصلين على الجنسية التركية منهم، يوم أمس الخميس 4 تموز الجاري، بتسريب ملايين البيانات والصور للوثائق الرسمية التي يحملونها، عبر قنوات "تلغرام" مجهولة، قيل إن أشخاصاً ومجموعات تركية "عنصرية" وراء تسريبها.
وتشكل البيانات المسربة - وفق اطلاع شبكة شام - داتا ضخمة لملايين الوثائق الرسمية والمزورة منها، لكن اللافت أن تلك البيانات تتضمن أسماء وعناوين وأرقام بطاقات وتفاصيل إقامة وعدد الأولاد وأسماء الأم والأب لغالبية اللاجئين السوريين في تركيا، حتى المجنسين منهم، وهذه البيانات عادة تكون في عهدة وزارة الداخلية التركية وإدارة الهجرة العامة.
التسريب خلق حالة من الفوضى العارمة عبر مواقع التواصل، وحالة رهاب وخوف كبيرة في أوساط اللاجئين عامة من عواقب تسريب بياناتها في الفضاء المفتوح، وبدء تداولها بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تشمل جميل الولايات التركية، وبكامل المعلومات والتفاصيل الشخصية، في حين توضح أن صور جوازات السفر المرفقة ليست حقيقة.
وأكد صحفيون وعاملون في الشأن الحقوقي، أن هل هذا التسريب خطير على واقع السوريين في تركيا بشكل عام، ويكشف بياناتهم مما يعرضهم لعمليات النصب والاحتيال وقد يسبب لهم مشاكل قانونية كبيرة في حال استخدام تلك البيانات من قبل أي جهة كانت لإيقاع الضرر بالسوريين عامة.
وعلقت "وزارة الداخلية التركية" في منشور لها على منصة "إكس" بالقول: "تبين أن طفلًا يبلغ من العمر 14 عامًا "E.P" يدير حسابًا على مواقع التواصل الاجتماعي دعا للتظاهر في منطقة "سلطان بيلي" ضد السوريين وشارك بيانات للسوريين تحت الحماية المؤقّتة من الحساب نفسه".
وقالت الوزارة إنها اُتُّخِذَت الإجراءات اللازمة بحق E.P. من قبل مديرية شؤون الأطفال في إسطنبول وسنقبض على من يريدون إثارة الفوضى في بلدنا، ومن يريدون استخدام الأطفال في استفزازاتهم، وسنسلمهم للعدالة واحدًا تلو الآخر".
وفي حين قالت "رئاسة الهجرة التركية"، إن المعلومات التي تم مشاركتها وقيل بأنها بيانات السوريين, هي معلومات غير متطابقة مع المعلومات الحالية لدينا، وتحدثت عن فتح تحقيق واسع النطاق لتحديد السنوات التي تنتمي إليها هذه البيانات، ومن أي مصدر وفي أي تاريخ تم الحصول عليها.
ووفق المعلومات فإن حساب عبر "تلغرام" يحمل اسم "TURKİYE AYAKLANİS" (انتفاضة تركيا)، نشر يوم الخميس 4 من تموز، ملفًا يحمل بيانات لثلاثة ملايين و313 ألفًا و701 سوري، مقسمة بشكل منظم، إذ احتوى الملف بيانات السوريين في كل ولاية على حدة، ووفق نشطاء وشخصيات سورية فإنهم عثروا على بياناتهم متطابقة في هذه الملفات.
وأطلقت منصة "سلامتك"، تحذيراً للاجئين السوريين بعد حادثة تسريب البيانات الشخصية للسوريين والسوريات في تركيا، وتحوي هذه المعلومات الاسم الكامل، العنوان، ورقم الهاتف، ورقم الإقامة، ينصح الحذر الشديد من التعامل مع هذه الملفات والابتعاد عن الضغط على هذه الروابط أو إعادة نشرها وتداولها والمساهمة في الحد من انتشار هذه الروابط ضمن مجموعات التواصل المختلفة.
وقالت إن من المخاطر المحتملة لهذا التسريب الخطير للبيانات والملفات الشخصية (إساءة استخدام البيانات في عمليات مشبوهة لاحقاً، وتحميل برامج خبيثة ضمن هذه الملفات، والتي من خلالها يمكن التحكم بالأجهزة والوصول إلى المعلومات والبيانات ومراقبة الحركة أو التحكم بالكاميرا والتحكم بالجهاز عن بعد، كذلك من الممكن أيضاً أن يتم إساءة استخدام هذه المعلومات في عمليات التهديد والابتزاز لاحقاً".
ولفتت المنصة إلى أن تسريب البيانات بشكل عام هو تسريب معلومات خاصة أو سرية إلى أطراف غير مصرح لها الاطلاع عليها، وهذا قد يؤدي إلى عواقب سيئة، حيث يعرض الضحايا لخطر الاحتيال والابتزاز وانتحال الشخصية، كما يؤدي إلى فقدان الثقة والسمعة. والمقصود بالبيانات هي أية معلومات شخصية مالية أو طبية أو تجارية وغيرها كعناوين الماك Mac Address وأنواع الأجهزة التي نملكها وتفاصيلها وكلمات المرور التي نستعملها.
ووفق المنصة، قد يحدث تسريب البيانات لعدة أسباب بشرية أو تقنية كاختراق الأنظمة والأجهزة أو نتيجة الاحتيال الإلكتروني وهجمات الهندسة الاجتماعية أو بسبب الفيروسات والبرامج الضارة أو بسبب الوصول غير المصرح به لأماكن تخزين البيانات أو فقدان الهاتف أو سرقة بيانات تسجيل الدخول لخدمات التخزين السحابية.
ويأتي هذا الحدث الذي شكل صدمة كبيرة في أوساط اللاجئين السوريين، في وقت تشهد بعض الولايات التركية حالة من التوتر الخوف من تكرار أحداث الشعب التي طالت اللاجئين السوريين في مدينة قيصري التركية قبل قرابة أسبوع، في ظل حملات تجييش عنصرية مستمرة منذ سنوات لاتزال تستهدف اللاجئين وتدعوا لإعادتهم إلى بلادهم.
وكانت انعكست الاعتداءات التي طالت اللاجئين السوريين في مدينة قيصري التركية يوم الأحد 30 حزيران المنصرم، على مناطق الشمال السوري المحرر، والذي تنتشر فيه القوات التركية، إذ شهدت عموم المنطقة احتجاجات غاضبة، تطورت لاشتباكات في بعض المناطق، رفضاً لما يتعرض له اللاجئون في تركيا من حملات عنصرية وتعديات ممنهجة تغذيها تصريحات عنصرية.
ورغم تحرك السلطات التركية في ولاية قيصري والتصريحات من رأس الهرم ممثلة بالرئيس أردوغان ووزير الداخلية ووالي المدينة، واعتقال العشرات من المعتدين على منازل وممتلكات السوريين ليلاً، إلا أن هذه الأحداث خلقت توتراً كبيراً في حدث هو الأول من نوعه بهذا الشكل، وكانت ردة الفعل مشابهة من خلال التعدي على الشاحنات والنقاط العسكرية والمؤسسات التركية في عموم المناطق المحررة.
وشهدت عموم مناطق الشمال السوري المحرر (أرياف إدلب وحلب)، يوم الاثنين 1 تموز 2024، موجة غضب شعبية عارمة، بدأت بقطع الطرقات والاحتجاج وإنزال الأعلام التركية، والتوجه للمعابر الحدودية للاحتجاج، تطور لاشتباكات في بعض المناطق التي تضم نقاط تركية، ردت الأخيرة بإطلاق النار، وشاب الاحتجاجات عمليات حرق وتكسير لسيارات الشحن التركية وبعض الممتلكات والمؤسسات لاسيما في ريف حلب.
ومنذ أكثر من اثني عشر عاماً، يعيش الشعب السوري بكل أطيافه وفئاته، مرارة التهجير والملاحقة والاعتقال والموت بكل أصنافه، دفعت ملايين السوريين للخروج لاجئين من بلادهم بحثاً عن ملاذ آمن، يحميهم من الملاحقة والموت في غياهب السجون المظلمة، ليواجهوا معاناة أكبر في الوصول للحلم المنشود في الأمن والأمان الذي يفقدون.
كانت تركيا من أكثر الدول التي استقبلت اللاجئين، كما أنها كانت ولاتزال ممراً للطامحين في الخروج باتجاه الدول الأوروبية، ويعيش في تركيا ملايين السوريين منذ أكثر من عشرة أعوام، اندمج الكثير منهم في المجتمع وتحول اللاجئ من عبء لمنتج، وأثبت السوريين أنهم ليسوا عالة على أي مجتمع، متقدمين على أقرانهم الأتراك حتى في مجالات شتى.
ومع طول أمد اللجوء السوري، تشكلت نزعة عنصرية كبيرة في تركيا ضد اللاجئ السوري بشكل عام، قاد تلك الحملات قوى المعارضة التركية، مستخدمين ملف اللجوء السوري كورقة انتخابية، لتجييش الشارع التركي وإثارة النعرات العنصرية ضدهم، وبات اللاجئ السوري في مواجهة حتمية مع أبناء المجتمع المضيف، مع اختلاف النظرة من مدينة لأخرى وطريقة التعاطي مع تلك الحملات.
وطيلة السنوات الماضية، واجه اللاجئ السوري مزاجية القوانين التي تنظم وجوده في تركيا، فلم يعتبر لاجئاً يتمتع بحقوق اللاجئ وفق القوانين العالمية، وإنما وضع تحت بند ما يسمى "الحماية المؤقتة" في تركيا، فكان عرضة لتغير قوانين تلك الحماية وحتى تعارضها بين مؤسسة وأخرى أو موظف وآخر أو مرحلة سياسية وأخرى.