تسلق "حـ ـراس الـ ـدين وحزب التـ ـحرير" يُقوض الحراك المناهض لـ "تحـ ـرير الشـ ـام" ويصبغه
مما لاشك فيه أن الاحتجاجات الشعبية المناهضة لـ "هيئة تحرير الشام" في إدلب، تمثل مرحلة وحقبة جديدة في الحراك الثوري السوري الرافض للظلم والاستبداد، أي كان طرفه ومرتكبه، ويجسد صورة جديدة لإعادة كسر حاجز الخوف، بعد سنوات من "البغي والتخويف" انتهجته الهيئة على فصائل الثورة وحاضنتها الشعبية.
ولعل الطابع الشعبوي للحراك الغير منظم بقيادة واضحة المعالم، خلقت اضطراباً في بنية الحراك، وجعله عرضة للاختراق من قبل أصحاب المشاريع سواء تيارات وأحزاب أو أشخاص، استثمروا التظاهرات لتصدر الحراك وتبني فكره، لتحقيق أجنداتهم على حساب أبناء الحراك الشعبي الحقيقي، وهذا ماحذر منه نشطاء مراراً وتكراراً لما فيه من أثر سلبي على الحراك وتطوره.
من هذه الجهات شخصيات كانت في الأساس ضمن بنية الهيئة وحكومتها، تصدروا مشهد الحراك وجعلوا من أنفسهم ناطقين باسمه، هدفهم ينحصر في محاربة الهيئة التي همشتهم أو تحصيل مكاسب شخصية بمناصب أو امتيازات، لكن الأخطر هو التيارات والأحزاب المنظمة، على رأسها "حزب التحرير"، والذي بات واضحاً تصدره الحراك الشعبي وصبغه بمشروعه.
فبالرغم من أن تظاهرات "حزب التحرير" التي غلب عليها الطابع النسائي بدأت قبل أشهر عديدة ضد "هيئة تحرير الشام" على خلفية اعتقالات طالت قيادات الحزب وكوادره بشكل واسع، إلا أن أثر هذه التظاهرات ومناطق انتشارها كان محدوداً، ولم يحظ بشعبية ثورية، كون الحزب يرفع شعارات "الخلافة" التي تتناقض مع مطالب الحراك الشعبي الثوري.
لكن مع بدء الحراك الشعبي الثوري المناهض للهيئة في إدلب، على خلفية "قضية العملاء"، أعطى "حزب التحرير" حيزاً ومسرحاً لتوسيع احتجاجاته، وما ساعده على الدخول في الحراك علانية، هو إفراج الهيئة عن غالبية كوادر الحزب وقياداته الذين اعتقلهم، في سياسة اعتبرها مراقبون أنها مقصودة من قبل قيادة الهيئة، لإدراكها أن تلك القيادات ستدخل ضمن الحراك وتتصدر فيه، وبالتالي صبغ الحراك الشعبي كاملاً باسم "حزب التحرير" وتسويغ محاربته.
هذا الانخراط لـ "حزب التحرير" في التظاهرات كان موضع استثمار لقيادة الهيئة وإعلامها، والتي حاولت صبغ الحراك كلياً باسم "حزب التحرير"، والإشارة إلى أن من يدير الحراك هو قيادات وأنصار الحزب، خلافاً للواقع، في وقت عملت على حملة "شيطنة إعلامية" للتظاهرات مستثمرة حضور كوادر الحزب وتصدرهم في بعض المناطق، وهذا كان له تأثير سلبي على الحراك لصالح الجولاني، وحجة لضربه وتقويضه.
في سياق مماثل، كان لدخول شخصيات من تنظيم "حراس الدين" والتي لاتزال تنشط في الخفاء في إدلب، ومطالبتهم بالإفراج عن معتقلي التنظيم في سجون هيئة تحرير الشام الذين جرى اعتقالهم ضمن خلايا أمنية ساهمت في تنفيذ عمليات تفجير واغتيال، تلاه إقامة خيمة اعتصام في شارع الجلاء في إدلب، صبغت الحراك بوسم جديد أكثر سواداً، جعل الهيئة تتحرك بكل قوتها لضرب الاعتصام وإنهائه.
ولعل الحراك الشعبي المناهض لهيئة تحرير الشام، يحتاج لإعادة تنظيم وبناء رؤية واضحة، وأهداف منظمة، مع ضرورة إصدار موقف واضح حول كل من يدخل في الحراك ويصبغه بلون آخر مغاير تماماً للون الحراك وصورته، منها "حزب التحرير والحراس وأي شخصية متسلقة أخرى، لقطع الطريق على شيطنة الحراك وإعطاء الحجة لتقويضه وضربه.
وكان حذر ناشطون من خطورة تصدر وتسلق بعض التيارات والشخصيات التي ظهرت في ثوب الداعم للحراك ضد قيادة هيئة تحرير الشام، علما بأنها كانت جزء لا يتجزأ من مشروع الجولاني قبل استخدامها لصالح مشروعه الخاص والتخلص منها لاحقا بعد عملها لسنوات في تصدير مشروع الهيئة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، (أبو مالك التلي - بسام صهيوني - عبد الرزاق المهدي) وغيرهم الكثير ممن تحولوا لخصوم لأسباب شخصية.
ناهيك عن وجود شخصيات وتيارات كانت قد خاضت صراعات معلنة مع الهيئة لأسباب لا تمس الحراك الشعبي بصلة بينهم قادة وشرعيين سابقين وتيارات منها "حزب التحرير"، ويعتبر ذلك خلافات واقصاءات داخلية قد تزول عند زوال الأسباب، ويشير نشطاء إلى أن تأييد مثل هذه الشخصيات للمظاهرات لا يعني أنها تستحق قيادة الحراك وجعلها جزء رئيس منه، كونها لا تختلف كثيرا عن بقية خصوم الهيئة الجدد مثل حزب التحرير الذي لا يتقاطع مع الثورة السورية، وفق تعبيرهم.
وبات المشهد أكثر تعقيداً أمام قيادة "هيئة تحرير الشام"، بعد مغامرة غير محسوبة النتائج وقعت بها فيما عرف بـ "قضية العملاء"، والتي خلقت شرخاً واسعاً في بنية الهيئة عسكرياً وأمنياً، وشجعت الحاضنة الشعبية المكبوتة على الخروج علانية في الشوارع تطالب بسقوط "الجولاني"، الأمر الذي استدعى حراكاً واسعاً من قبل شخصيات في الهيئة لتدارك الموقف ومنع الدخول في دوامة لا رجعة فيها.
وتعول قيادة الهيئة على امتصاص حالة الغضب في الشارع الثوري، وتقديم الوعود بالإصلاحات، لكسب وقت إضافي وعدم توسع المشهد الاحتجاجي في عموم المناطق المحررة، في وقت تلمح مصادر "شام" إلى أن "الجولاني" لن يقف مكتوف الأيدي في حال خرجت الأمور عن السيطرة، وأنه مستعد لإدخال المنطقة بحالة فوضى عارمة من عمليات تفجير واغتيال وتسلط اللصوص وقطاع الطرق، يجبر الحراك على خيارات ضيقة في الاستمرار أو الفوضى.
وتجدر الإشارة إلى أن "هيئة تحرير الشام"، تواجه احتجاجات شعبية واسعة وسط تنديد بسياستها ومطالب متصاعدة بإسقاط زعيمها "الجولاني"، وإطلاق سراح المعتقلين، وكانت أعلنت إدارة الشؤون السياسية التابعة لحكومة "الإنقاذ" في إدلب شمال غربي سوريا، عزمها إحداث مؤسسات جديدة "تضمن الرقابة العليا وتستقبل المظالم وتنظر في الشكاوى، استجابة لمطالب الأهالي"، وسط تصاعد زخم الاحتجاجات السلمية.