إهانة "عناصر الجولاني" لـ "علم الثورة السورية" نهج متأصل يُخفي حقدها ويفضح تسلقها
أثار مقطع فيديو حديث، يظهر أحد عناصر "هيئة تحرير الشام"، بإهانة "علم الثورة السورية" من خلال الدعس عليه، حفيظة نشطاء الحراك الثوري السوري، مستنكرين استمرار ذات النهج لعناصر "الجولاني" في حقدهم على أبناء الثورة ورموزها، في وقت حاول أزلام الهيئة و أبواقها التملص وإنكار الجريمة ونفي مسؤوليتهم عنها.
ولم يكن يتحرج عناصر "الجولاني"، من إهانة "علم الثورة السورية"، من خلال تمزيقه أو تشويه أي جدارية تتضمنه أو الدعس عليه علانية، إضافة لتخوين كل من يرفع هذا العلم، رغم أن "هيئة الجولاني" منعت رفعه لسنوات في مدينة إدلب، قبل سلسلة التحولات التي اتخذتها لتتبني الحراك وتبدأ مرحلة التسلق على حساب أبناء الثورة ورايتها.
وجاءت الواقعة الأخيرة، كضربة موجعة لـ "هيئة الجولاني"، وهي التي تقوم بتسويق نفسها على أنها تمثل الحراك الشعبي الثوري، وتشرف حتى على تنظيم المظاهرات السلمية بإدلب، ليأت أحد عناصرها ويؤكد من جديد حقيقة تبني الهيئة للحراك، وحقيقة النهج الذي يتبنوه في التعاطي مع أبناء الثورة، لتحقيق أهدافهم فقط وليس قبولاً بالثورة ورموزها أو حتى إقراراً بأخطاء الماضي الأسود في تاريخهم.
ومع تصاعد حالة الغضب والسخط من قبل نشطاء وفعاليات الحراك الثوري وعموم أطياف الشعب من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، أصدر المكتب الإعلامي لدى "هيئة تحرير الشام"، بياناً تضمن تصريح حول الفيديو المتداول لإهانة علم الثورة السورية.
ووصف ناشطون مضمون البيان بأنه أجوف وغير منطقي إذ يتضمن محاولات تنصل "تحرير الشام" من الحادثة بدلاً من التعهد بمحاسبة الشخص الذي ظهر وهو يهين علم الثورة، واعتبرت أن "الشخص والفيديو مجهولان، ونستنكر هذا الاعتداء والإهانة للعلم الذي يرمز لثورة قدمت أكثر من مليون شهيد"، وفق نص البيان.
وعلى الرغم من تعدد الحوادث التي تثبت تعمد "تحرير الشام"، إهانة علم الثورة، قالت في بيانها إنها "تستنكر تسرع بعض الحسابات على مواقع التواصل بتوجيه أصابع الاتهام إلى الهيئة دون تثبت"، ولم تكتفي بهذا فحسب بل ذهبت إلى نفي علاقتها بالحادثة أساساً، واتهمت بأنّ من يقف خلف هذا المقطع "أياد خبيثة عابثة معروفة بإحداث الفتنة بين أبناء الثورة"، على حد قولها.
في عام 2019، وقبل التحولات التي انتهجتها "هيئة الجولاني"، سربت عبر مواقع التواصل، صورة تظهر عناصر من "هيئة تحرير الشام" تدهس على علم الثورة السورية بعد سيطرتهم على أحد مقرات فصائل المعارضة في ريف حلب الغربي، ورغم أن وجوه العناصر كانت وضحة سارع مرقعي وأبواق الهيئة لإنكار الحادثة، ومنهم من قال إنها قديمة وبررها بأخطاء فردية، دون الاكتراث لما تحمله الصورة من إساءة للحراك الثوري السوري سواء كانت قديمة أو حديثة.
كما سبق أن تداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لدوار المحراب في مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة الهيئة، تظهر تشويه علم الثورة السورية من قبل مجهولين، من خلال رشه بطلاء أسود، بعد أقل من أسبوع على رسم لوحة جدارية بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة السورية، آنذاك، أثارت استياء واسع بين فعاليات الحراك الثوري.
علاوة على ذلك، فإن حكومة "الإنقاذ" الذراع المدنية لـ "هيئة تحرر الشام"، لم تقبل حتى اليوم براية الثورة السورية، ولم تعتمدها كراية رسمية في دوائرها المدنية، بل قامت باعتماد الراية المعدلة التي تبنتها "الهيئة التأسيسية" التابعة لهيئة تحرير الشام والمنبثقة عما سمي بالمؤتمر السوري العام، وهي علم "معدل" عن العلم الأصلي، بإزالة النجم الحمراء من الوسط وإضافة كلمة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".
وينتاب المتابع لتصرفات "هيئة تحرير الشام" ومؤسساتها المدنية المصطنعة حالة من الذهول للوهلة الأولى من سلسلة التغيرات التي تنتهجها تحرير الشام بشكل متتابع لتهدم كل الأفكار والشعارات التي رفعتها وتعود لتتبنى ما حاربته وسفكت لأجله الدماء وأنهت بموجبه فصائل كانت تقاتل النظام بتهم العمالة والعلمانية والتعامل مع الخارج.
يبرر أنصار تحرير الشام هذا الانقلاب على الذات والشعارات التي أطلقتها سابقاً بأنها لضرورة المرحلة، مع ملاحظة تغير التوجه بشكل كبير للهيئة في الخطاب السياسي وفي الخطاب الداخلي تجاه الثورة والثوار واعتبار نفسها جزء من الثورة السورية وصل الأمر لرفع أنصارها علم الثورة السورية عبر حساباتهم وكثير من المواضع، بعد أن كان علماً علمانياً محارباً سفكت دماء لأجل رفعه.
هذه التحولات الكبيرة التي تطال بنية تحرير الشام، رسمت بداية تحول كبيرة في الشكل مع استمرار نفس الممارسات، في ظل مساعيها لطمس هوية الثورة السورية انطلاقاً من علمها ورايتها التي لم تغب عن أي مظاهرة للحراك الشعبي، وتغليب للمصلحة الذاتية وتقرب من الحراك لتبني توجهاته في محاولة التفاف جديدة تضمن لنفسها البقاء.
ويشكل علم الثورة رمزية كبيرة لجماهير الثورة، باعتباره الراية الأولى التي رفعت في الحراك السلمي بداية عام 2011 لتمييز المظاهرات الشعبية ضد الأسد عن المسيرات المؤيدة للأسد والتي كانت ترفع علم النظام، حيث اختارت الجماهير علم الاستقلال كشعار ورمزية للثورة السورية، كفنت به جثامين الشهداء، وحظي بالتفاف جميع الجماهير الثائرة حول هذه الراية منذ سبع سنوات مضت حتى اليوم.
ومع بدء الحراك المسلح وفي بداياته كان علم الثورة السورية حاضراً مع ظهور أول كيان عسكري باسم الجيش السوري الحر، حيث اعتبر علم الثورة راية رسمية لفصائل الثوار جميعاً، قبل أن تتعدد الرايات وتتشتت التوجهات، ويغدو علم الثورة محارباً من جهات عدة، ينظرون إليه على أنه يمثل فصائل عملية وفاسدة.
ورغم كل التضييق الذي مورس لمنع رفع علم الثورة إلا أنه بقي حاضراً في المظاهرات الشعبية، وفي تشييع الشهداء، وضمن مؤسسات الثورة، وفي قلوب الثائرين، الذين ناضلوا وواصلوا إصرارهم وتأكيدهم على أن هذه الراية هي رمز كبير للثورة السورية وللحراك السلمي، لن تطفئها جميع الرايات التي رفعت فيما بعد، والتي بها تشتت القوى والفصائل، إلا أن راية الثورة لم تكن غائبة بل بقيت تركز لسنين الثورة الأولى والوحدة والحرية والاستقلال من الاستبداد.