استنكار لجريمة اغتيال أمني في "تحـ ـرير الشـ ـام" والرديف يستثمر الحادثة لاتهام الحراك
أعلنت معرفات مقربة من "هيئة تحرير الشام"، اغتيال عنصر أمني في الهيئة، وجد مقتولاً ذبحاً بأداة حادة في منزله بمدينة جسر الشغور غربي إدلب، والتي تشهد حراكاً مناهضاً للهيئة، وحملات اعتقال يومين تلاحق منسقي الحراك، في وقت استنكر نشطاء إعلامين ومن الحراك الجريمة، وأكدوا أنها ترمي لتأجيج الوضع في إدلب.
ووفق المصادر، فقد عثر على جثة "أبو عمر سيو" من كوادر "إدارة الأمن العام" التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ (جهاز الأمن العام سابقاً)، مقتولاً داخل منزله في مدينة جسرالشغور بواسطة سلاح أبيض.
وقال نشطاء من جسر الشغور، إن للشخصة المذكورة، دور وسطي في تهدئة الأجواء المتوترة في مدينة جسر الشغور، وأن له لقاءات دورية عدة مع منسقي الحراك الشعبي والأطراف الأخرى التي تتصدر الحراك.
وقال مدير مديرية أمن جسر الشغور "عبد الودود": "وردنا معلومات حول اغتيال أحد عناصرنا في مدينة جسر الشغور داخل منزله، على الفور أرسلنا دورية وتحققنا من الأمر وتم نقل جثمان الأخ للطبابة الشرعية".
هذه الحادثة، حركت الحسابات الوهمية والرديفة لـ "هيئة تحرير الشام" ووجدت فيها مادة دسمة لتوجيه الاتهامات للحراك المناهض للهيئة، في خطوة تصعيدية قد تقود لشلالات من الدماء، في وقت لم تعلن الجهات المسيطرة من الهيئة والإنقاذ عن أي نتائج للتحقيقات التي بدأت بإجرائها لمعرفة حيثيات الجريمة.
واستنكر نشطاء ومن منسقي الحراك الشعبي المناهض للهيئة عبر كروبات التواصل الاجتماعي، حادثة القتل، مؤكدين أنها مرفوضة ومدانة وأنها من أفعال جهات تحاول زرع الشقاق أكثر بين الهيئة والحراك، جازمين أن القاتل هو المستفيد الأكبر من هذه الواقعة والي يمكن أن يستثمرها لتحقيق مآرب لضرب الحراك بالهيئة.
وكان حذر نشطاء في وقت سابق، من تحرك بعض الأطراف سواء من الهيئة أو من الخلايا الأمنية التي تنتشر في المنطقة، من مغبة تنفيذ عمليات اغتيال أو محاولات اغتيال وهمية لشخصيات سواء من الحراك الشعبي أو القائمين على مبادرات الحل، أو من عناصر وقيادات الهيئة، بهدف خلط الأوراق وتمكين إنهاء الحراك الشعبي المناهض للهيئة.
ويبدو أن المشهد في إدلب يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، مع نزول العسكر للشوارع قبل كل جمعة، ومواصلة القوى الأمنية حملات الملاحقة والاعتقال لمنظمي الحراك والمؤثرين، علاوة عن استغلال أطراف أخرى منها "حراس الدين وحزب التحرير" وشخصيات كانت سابقاً في الهيئة منهم "أبو مالك التلي وعبد الرزاق المهدي وصهيوني وشاشو" لتصدر المشهد والتشويش على الحراك الحقيقي لتحقيق أجنداتهم الشخصية.
وتواصل القوى الأمنية التابعة لـ "هيئة تحرير الشام"، عمليات الاعتقال وملاحقة المتظاهرين المناهضة لها في عدة مناطق في ريف إدلب، وسجل نشطاء عمليات اعتقال طالت عدد من منسقي الحراك، في سياق اتخاذ قيادة الهيئة قراراً بـ "قمع الاحتجاجات بالترهيب والقوة"، وسط اتهامات تسوقها وزارة داخلية الإنقاذ لتبرير حملات الاعتقال.
وأعلن "محمد عبد الرحمن" وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ (الذراع المدنية والأمنية لهيئة تحرير الشام)، بتوقيف عدد من الشخصيات في ريف إدلب، بتهمة ممارسة "إرهاب فكري على المتظاهرين وتشويه صورة من يسعى للإصلاح"، في سياق حملة اعتقالات طالت عدد من منسقي الحراك الشعبي المناهض لهيئة تحرير الشام.
وقال الوزير في بيان له، إنهم حصلوا على إذن من النائب العام، بتوقيف عدد من الشخصيات، وإحالتهم للقضاء المختص أصولاً، متحدثاً عن رفض هؤلاء للحوار والاستجابة لمبادرات الإصلاح، وأضاف أنهم "مارسوا إرهابا فكريا على المتظاهرين المحقين وعملوا على تشويه من يسعى بالإصلاح وجر المحرر إلى المجهول، وشق الصف والعودة إلى الاقتتال الداخلي وتضييع ما بذل من جهد لبناء هذه المؤسسات".
وأضاف الوزير: "كان لهذه الشخصيات دور كبير في التشجيع على حمل السلاح والأحزمة الناسفة، عدا السب والشتم والقذف والإساءة إلى المسؤولين والموظفين، والتسبب بتعطيل عمل المؤسسات في كثير من الأوقات، وقام عدد كبير من المطلوبين منهم إلى الجهات المختصة -بقضايا حق عام أو خاص- بالتهرب والتستر تحت ذريعة الحراك ومظلته".
وزعم الوزير أن حكومته "ما نزال مع أصحاب المطالب المحقة، ونؤكد أن جميع أبوابنا مفتوحة لمن يقصدها بالطرق الشرعية، وواجب علينا الاستماع لهم ومعالجة مشاكلهم" مؤكداً رفضهم تعطيل مصالح الأهالي والتشغيب بأي شكل كان، وقال: "لن نسمح بعودة المحرر للوراء وانتشار الفوضى، بسبب مغامرات أصحاب الغايات الشخصية الذين تسلقوا على مطالب الناس وينادون بالحلول الصفرية، فمصلحة المحرر وحمايته أمانة لدى الجميع وعلينا أن نقف كلٌ عند مسؤولياته".
وجاء تصريح الوزير بعد حملة اعتقالات واسعة شنتها قوى أمنية تابعة لـ "هيئة تحرير الشام" في عدة مدن وبلدات بريف إدلب، طالت عدد من منسقي الحراك الشعبي المناهض للهيئة، بينهم (الدكتور فاروق كشكش - الفنان التشكيلي رامي عبد الحق - الناشط أحمد أبو حمزة - الناشط آدم الساحلي - الناشط يحيى سيد يوسف ... إلخ).
وشكل استخدام القوة العسكرية والأمنية، في يوم الجمعة 17 أيار، واستخدام الرصاص الحي والمدرعات والغازات المسيلة للدموع ضد المحتجين في إدلب، تطور جديد في الحراك الشعبي المناهض للهيئة التي قررت استخدام القوة المفرطة في ضرب المدنيين العزل، مكررة سياسة النظام في قمع الاحتجاجات، لتكشف هذه الواقعة الوجه الحقيقي لقيادة "هيئة تحرير الشام" التي لم تترك مجالاً لقمع كل حراك ضدها طيلة سنوات مضت.
وتميزت التظاهرات الشعبية المناهضة لـ "هيئة تحرير الشام" في عموم مناطق إدلب يوم الجمعة 24 أيار، بوعي شعبي كبير، مع تجنب الصدام والمواجهة مع القوى الأمنية والعسكرية التابعة للهيئة، والتي قام "الجولاني" بنشرها في عموم المنطقة وتقطيع أوصال المدن والبلدات، ارتكبت انتهاكات عديدة بحق المدنيين وقيدت تحركاتهم.
وشهدت مدينة إدلب وبنش وكفرتخاريم وجسر الشغور وحزانو وجبل الزاوية ومناطق المخيمات في أطمة، طالبت بإسقاط "الجولاني" ونددت بالممارسات التي تقوم بها قواته الأمنية والعسكرية "قوات قمع الاحتجاجات" والتي انتشرت على مداخل المدن وقيدت تحركات المدنيين والنشطاء واعتدت على عدد منهم.
وأظهرت الفعاليات الشعبية في تظاهرات يوم الجمعة، وعياً في تجنب الصدام، إذ أعلنت الفعاليات المنظمة للاحتجاجات في مدينة بنش، تنظيم تظاهرتها ضمن المدينة، مع عدم نيتها التوجه لمدينة إدلب كما جرت العادة، لمنع الصدام مع القوى العسكرية والأمنية التي نشرها "الجولاني" في طريقهم، في رغبة واضحة لإراقة الدماء والسعي للتصعيد أكثر.
ويرى مراقبون، أن "الجولاني" يحاول دفع المحتجين لصدام مباشر مع "الجناح العسكري" في الهيئة تحديداً، بعد أن فقد الجناح الأمني ثقته شعبياً على خلفية قضية "العملاء" وتكشف الوجه الحقيقي لممارساته، وبالتالي يُرجح أن يرغب "الجولاني" الأخير باندلاع صدام "مسلح" بين الطرفين، من خلال دفع الحراك للدفاع عن نفسه في منطقة ينتشر فيها السلاح بشكل كبير بين العوام، وهذا مايحقق مخططه في تسويغ ضرب الحراك وإنهائه بالقبضة العسكرية.
هذا ويذكر أن "الجولاني" صعد مؤخرا من خطابه ضد الحراك الشعبي المتواصل ضده، زاعما بأنه "انحرف عن مساره" وتخطى الخطوط الحمراء، وكان توعد وزير الداخلية لدى حكومة الإنقاذ "محمد عبد الرحمن" بالضرب بيد من حديد، معتبرا أن الوزارة عملت في الفترة الأخيرة على جملة من الإصلاحات، إعادة دمج جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية، وإصلاح القوانين والإجراءات.
وتجدر الإشارة إلى أن قيادة الهيئة عولّت سابقا على امتصاص حالة الغضب في الشارع الثوري، وتقديم الوعود بالإصلاحات، لكسب وقت إضافي وعدم توسع المشهد الاحتجاجي في عموم المناطق المحررة، في وقت ألمحت مصادر "شام" حينها إلى أن "الجولاني" لن يقف مكتوف الأيدي في حال خرجت الأمور عن السيطرة، وأنه مستعد لإدخال المنطقة بحالة فوضى عارمة من عمليات تفجير واغتيال وتسلط اللصوص وقطاع الطرق، يجبر الحراك على خيارات ضيقة في الاستمرار أو الفوضى، قبل القمع غير المسبوق اليوم.