خطاب غير مسبوق منذ عقود .. قراءة في كلمة الرئيس "الشرع" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
 خطاب غير مسبوق منذ عقود .. قراءة في كلمة الرئيس "الشرع" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
● أخبار سورية ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥

 خطاب غير مسبوق منذ عقود .. قراءة في كلمة الرئيس "الشرع" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

تمثل كلمة الرئيس أحمد الشرع أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة أول حضور رسمي لرئيس سوري على هذا المنبر منذ نحو ستة عقود، ما يجعلها حدثاً سياسياً بامتياز ورسالة واضحة على عودة سوريا إلى المسرح الدولي بعد سنوات من العزلة والحرب.


 الخطاب جاء بلغة عالية الرمزية تجمع بين السرد العاطفي لآلام السوريين وبين الطرح السياسي لمستقبل البلاد، وهو ما يعكس محاولة مقصودة لإعادة تعريف صورة سوريا أمام الرأي العام العالمي.

سردية جديدة للمأساة السورية
ركز الشرع في مستهل كلمته على رسم صورة «الحكاية السورية» باعتبارها مواجهة بين الحق والباطل، ودمج بين الألم والأمل في سرد تاريخ طويل من القمع والقتل والتدمير على يد النظام البائد. هذه السردية تعيد تموضع دمشق في وجدان العالم كضحية سابقة للإجرام لا كطرف صراع، ما يهدف إلى حشد التعاطف الدولي ودعمه للمرحلة الجديدة.

التأكيد على النصر بلا انتقام
أبرز الشرع في خطابه أن إسقاط النظام السابق تم «بأقل الخسائر» و«من دون تهجير المدنيين أو الثأر»، مقدماً نفسه ونظامه الجديد كطرف عقلاني يسعى لتجاوز الأحقاد. هذا التركيز على قيم العفو والتسامح والعدالة الانتقالية رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي بأن سوريا الجديدة مختلفة عن نظام الأسد وأنها جاهزة لشراكة بنّاءة.

العدالة الانتقالية وإعادة بناء الدولة
الخطاب تضمن إشارات متكررة إلى تشكيل لجان لتقصي الحقائق، ولجنة للعدالة الانتقالية وأخرى للمفقودين، وإلى محاسبة المتورطين في الدماء. هذه النقاط تسعى إلى طمأنة الضحايا والجهات الدولية بأن سوريا لن تكرر تجارب الإفلات من العقاب، وأن بناء دولة القانون صار خياراً استراتيجياً لا شعاراً سياسياً.

رسائل إلى إسرائيل والمجتمع الدولي
حرص الشرع على التأكيد أن سوريا لا تريد أن تكون مصدر خطر لأي أحد، مذكّراً بالتزام بلاده باتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وداعياً المجتمع الدولي للوقوف إلى جانبها في مواجهة «التهديدات الإسرائيلية». هذه الإشارات تكشف رغبة دمشق في الدخول بمفاوضات جدّية مع إسرائيل على قاعدة الانسحاب والأمن المتبادل، وتضع الكرة في ملعب تل أبيب كما قال الشرع نفسه.

الاقتصاد والانفتاح الإقليمي
أبرز الشرع الجهود المبذولة لإعادة هيكلة المؤسسات، حصر السلاح بيد الدولة، تعديل قوانين الاستثمار، ودخول كبرى الشركات الإقليمية والدولية إلى السوق السورية. هذه الفقرة في الخطاب هي بمثابة دعوة مفتوحة للمستثمرين ورسالة طمأنة إلى العواصم المانحة بأن بيئة جديدة آمنة تتشكل في دمشق.

البعد القيمي والرمزي
أنهى الرئيس كلمته بالآية القرآنية «وقل جاء الحق وزهق الباطل…» موجهاً شكره لدول عربية وإسلامية وغربية ساندت سوريا. هذه الخاتمة تحمل دلالات مزدوجة: فهي تربط الخطاب بموروث ديني وأخلاقي وتقدم النصر باعتباره انتصاراً للحق والإنسانية، وفي الوقت نفسه تفتح الباب أمام شراكات واسعة ومتعددة الاتجاهات.


 دلالات الخطاب
من خلال كلمته أعاد الرئيس "الشرع" تعريف الهوية السورية، من ضحية نظام الأسد إلى دولة قانون ومؤسسات، وحملت الكلمة طمأنة الداخل والخارج مع تأكيد العدالة الانتقالية والمساءلة وحصر السلاح بيد الدولة، ومثلت دعوة للاستثمار والانفتاح من خلال التركيز على التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار، وتهيئة الأرضية لخطوات تفاوضية، خاصة في ملف إسرائيل والأكراد.

فكلمة الرئيس أحمد الشرع تعتبر وثيقة سياسية تستهدف إعادة صياغة علاقة سوريا بالعالم، والرسائل الموجهة فيها متعددة: إلى السوريين لتأكيد أن مرحلة جديدة بدأت؛ إلى الدول الإقليمية والدولية لتشجيعها على التعاون؛ وإلى الرأي العام العالمي لإقناعه بأن سوريا ما بعد الأسد جديرة بالدعم والانفتاح. إذا تمكنت دمشق من ترجمة هذه الوعود إلى أفعال ملموسة، فقد يشكل خطاب الشرع في نيويورك نقطة انعطاف حقيقية في مسار الأزمة السورية ومكانة البلاد في النظام الدولي.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ