باعة الشوارع في سوريا: صمود يومي في مواجهة قسوة الحياة
باعة الشوارع في سوريا: صمود يومي في مواجهة قسوة الحياة
● أخبار سورية ٢٢ أغسطس ٢٠٢٥

باعة الشوارع في سوريا: صمود يومي في مواجهة قسوة الحياة

في ظل الظروف القاسية التي مرت بها سوريا خلال السنوات الأخيرة، وجد العديد من الشباب والرجال أنفسهم مضطرين للبحث عن فرص عمل غير تقليدية، فاختاروا السير في شوارع المدن والأحياء كباعة متجولين، يحملون بضائعهم البسيطة بأيديهم أو على عرباتهم المتواضعة، وينادون بأصواتهم على زبائن محتملين، وكل ما يطمحون إليه هو بيع ما يكفي حاجتهم اليومية، ربحٌ متواضع بالكاد يغطي الاحتياجات الأساسية.

تُعد مهنة البيع المتجول قديمة في سوريا، إذ لطالما تنقل الباعة بين الأزقة والأحياء، عارضين بضائعهم على الأرصفة والشوارع. ومع اندلاع الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية، ازداد عدد من انخرطوا في هذا المجال بشكل كبير، نتيجة البطالة والفقر وغياب فرص العمل، ما جعل البيع المتجول خياراً اضطرارياً لتأمين دخل يومي.

ينتمي الباعة المتجولون إلى فئات متنوعة من المجتمع، من الشباب الباحثين عن فرص عمل، والرجال في منتصف العمر الذين فقدوا وظائفهم أو مواردهم، وكبار السن الذين لا يملكون أي دعم اجتماعي، وحتى الأطفال من الأسر الفقيرة التي تضطر لإشراك أبنائها في العمل لتأمين الحد الأدنى من نفقات المعيشة.

ويشير الباعة الذين تحدثنا معهم إلى بعض المزايا التي تساعدهم على الاستمرار رغم صعوبات العمل. فهم لا يضطرون لاستئجار محل تجاري أو دفع فواتير، ولديهم حرية نسبية في تحديد مواعيد العمل، على الرغم من أن الغالبية يبدأون يومهم باكراً ويعودون مساءً.

أدوات العمل تختلف بحسب الإمكانيات، بين عربات يدوية خشبية أو معدنية، ودراجات هوائية، وعربات صغيرة مثل "البيك أب"، فيما يحمل الفقراء بضائعهم على ظهورهم أو في أكياس كبيرة ويفرشونها على قطعة قماش في الأماكن العامة الأكثر ازدحاماً.

لكن هذه المهنة لا تخلو من صعوبات يومية، فالتنقل المستمر والتعرض لحرارة الشمس أو برد الشتاء، والعمل في ظروف مناخية متقلبة يجعل يومهم شاقاً للغاية. كما يواجهون رفض بعض الأهالي لوجود الباعة أو البسطات في أحيائهم، معتبرين أن أصواتهم العالية وتجمع البسطات تضر بالمظهر الحضاري. 

تأثر عدد من الباعة، ولا سيما العاملين ضمن البسطات العشوائية، بحملات الإزالة التي نُفذت في بعض المناطق السورية، وذلك عقب تلقي شكاوى من المواطنين. وجاءت هذه الحملات بهدف الحد من الازدحام وتحسين المظهر الحضاري للمدن. 

وفي محاولة للتخفيف من آثار هذه الإجراءات، سعت الجهات المعنية إلى توفير بدائل للباعة، حيث تم في العاصمة السورية دمشق – على سبيل المثال – تخصيص مواقع محددة يمكنهم البيع فيها بشكل منظم.

ورغم كل هذا الجهد والتنقل المستمر لساعات طويلة، تظل أرباح الباعة محدودة جداً مقارنة بالجهد المبذول، إذ بالكاد تغطي احتياجاتهم اليومية. ومع ذلك، يواصلون عملهم، إذ يظل الخيار الوحيد أمام الكثيرين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السوريون.

يبقى الباعة المتجولون في سوريا شاهدين على صمود الإنسان أمام قسوة الظروف الاقتصادية والاجتماعية. هذا العمل، الذي قد يبدو بسيطًا للوهلة الأولى، إلا أنه يعكس واقعاً مليئاً بالتحديات. وبينما تسعى السلطات لتنظيم أماكن البيع وحماية المظهر الحضاري للمدن، يواصل هؤلاء الباعة العمل في الشوارع، حاملين بضائعهم ومثابرين على تأمين لقمة العيش، شاهداً حيًا على قدرة الإنسان على الكفاح اليومي في مواجهة قسوة الحياة.

الكاتب: فريق العمل - سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ