مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٥ أبريل ٢٠١٨
سورية على طريق الجلجلة

ما من شك في أن المعارضة السورية المسلحة، أو ما تبقى منها، قد تعرّضت لضربةٍ قوية في غوطة دمشق الشرقية، وأن الروس، ومن ورائهم الإيرانيون، ونكتة دولة الأسد، قد حققوا سبقا مهما في الصراع على تقرير مصير النظام السياسي القادم، وربما مصير سورية ذاتها إذا صحّ ما أعلن عنه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من نيته الانسحاب بأسرع ما يمكن من المواجهة الميدانية. ومع ذلك، لا أعتقد أنها تغير كثيرا في معادلة القوة التي رست عليها الأوضاع، منذ تدخل روسيا بسلاحها الجوي ومرتزقتها مباشرة في الحرب، فقد ظهر واضحا منذ ذلك الوقت أن استراتيجية الدفاع الثابت عن المناطق التي كانت في حالة حصار منذ سنتين أو أكثر لم تعد تستطيع أن تقدم مكاسب حقيقية للمعارضة، إن لم تتحول إلى عبء عليها، بسبب ما تكبّده للمدنيين من مشاق ومصائب، وما تعرّضهم له من عذابات. فهي لن تستطيع أن تغير من مجرى الأحداث، وتعيد قلب اتجاه الحرب الذي اتخذ منذ عام 2013 منحى مناقضا لما كانت تأمله المعارضة، في وقتٍ لم تقم فيه هذه المعارضة نفسها بأي جهدٍ لإخراج نفسها من الحصار، ولم تنجح في إحداث أي خرق مهم، يسمح لها بالأمل في الخروج من حالة الحصار، ولا أي تغيير في استراتيجياتها وأساليب عملها وتنظيمها.

كان الأمل الوحيد أن يساعد الصمود في الغوطة، كما الحال في غيرها من المواقع، وما يعنيه من تضحياتٍ بالنسبة للمقاتلين والمدنيين معا، هو أن تدفع نحو مخرجٍ من الحرب عن طريق التسوية السياسية التي تحفظ حياة المقاتلين، وتضمن مستقبل الأهالي المدنيين، لا عن طريق الحسم العسكري. بيد أن تحقيق هذا الهدف المتواضع نفسه كان منوطا باستعادة فصائل المعارضة خطاب الثورة ومشروعها الوطني، أو على الأقل النجاح في تشكيل مجلس قيادة موحدٍّ للقوى المقاتلة، ينسق خططها ويوحد أهدافها. للأسف، ما حصل كان عكس ذلك، فقد تشبثت الفصائل، إلا ما ندر، بتوجهاتها الأيديولوجية التي أفقدتها آخر ورقة سياسية يمكن أن تحث المجتمع الدولي على السعي إلى الحفاظ عليه، واستخدامها ورقةً للضغط من أجل تسوية سياسية.

لا يمكن أن نتذرع هنا بتخاذل المجتمع الدولي، ليس لأن هذا التخاذل لم يحصل، وإنما لأنه كان واضحا كالشمس، منذ قطعت الدول مساعداتها عن معظم الفصائل، حتى من قبل أن يحصل التدخل الروسي المباشر نفسه. كان العمل على تحييد الفصائل الإسلامية، وحرمانها من أي أمل في التقدم، بكل أطيافها، هدفا دوليا مشتركا، أوكلت إلى موسكو مهمة إنجازه بكل الطرق والوسائل، بالتعاون مع المليشيات الممولة من طهران. وعندما أعلنت "داعش" عن قيام دولتها المسخ في مدينة الرّقة، صارت الحرب على الإرهاب محور تحالف دولي شامل، شاركت فيه عشرات الدول، وشكلت في إطاره قوى جديدة بدعم أميركي مباشر، كقوات سورية الديمقراطية، ظهر في البداية على أنه ضد التنظيمات الإرهابية حصرا، "داعش" وجبهة النصرة، وتبين في ما بعد أنه يهدف إلى قطع الطريق على أي احتمال، مهما كان ضئيلا، لتحقيق قوى إسلامية مكاسب جديدة في الصراع.

لكن بعكس المظاهر السطحية، لن يغير انسحاب الفصائل الإسلامية من الغوطة الشرقية في المعادلة السياسية للصراع. وبدل أن يقضي على القضية السورية، أو يهيل التراب عليها، ربما ساعد على تحريرها من الأنقاض التي تراكمت عليها بسبب المواجهة المسلحة واستمرار الحرب. وفي المقابل، أعتقد أن موسكو أضاعت فرصة ثمينة لتحويل الحل في الغوطة الشرقية إلى مدخل أو خطوة أولى على طريق الحل السياسي الشامل، عندما اختارت لمعالجتها الاستمرار في منطق الحسم العسكري، بدل أن تستغلها مقدمة ونموذجا مصغرا لتسويةٍ تعيد شيئا من الثقة للسوريين، وتمهد الجو لإطلاق جولةٍ جديةٍ من مفاوضات التسوية الشاملة. ومؤكدٌ أن تثبيت نظام الأسد الذي جعل منه الروس هدفهم في العلاقة مع المعارضة بكل أطيافها، في الغوطة وغيرها، وهو باختصار نظام الإقصاء الشامل واحتكار السلطة وتحويل الدولة إلى جهاز قمع للمجتمع، ومزرعة خاصة بأصحاب القرار، لا يمكن أن يشكل حافزا للتهدئة، ولا أن يساعد في نزع فتيل النزاع. إنه يعمل بالعكس على تأجيج مشاعر القهر وتعميق الشرخ السياسي والعقائدي، ومشاعر الظلم والمهانة والتهميش التي كانت وراء اندلاع الانتفاضة الشعبية، والتي دفعت قطاعات واسعة من الجمهور السوري أيضا إلى الاستسلام لأوهام الأيدولوجيات الجهادية على مختلف تنويعاتها.

يمكن لطغمة الحكم الضيقة التي فقدت صوابها مرتين، مرة في تحديها إرادة شعبها وتصميمها على إبادة من لا يقبل بها بكل أشكال العنف والدمار، ومرة لاعتقادها اليوم بالنصر، وأن العنف وحده من يحسم الصراع لصالحها، أن تفكّر بتقليد المشروع الإسرائيلي، تجاه سكان البلاد الأصليين، والرهان على نتائج التهجير القسري الواسع النطاق، وتغيير الوقائع الديمغرافية هنا وهناك، مع الاحتفاظ بسياسة القبضة الحديدية التي تبيد أي شكلٍ من الاحتجاج والاعتراض، نظريا كان أو عمليا. لكن ليس من مصلحة موسكو أن تأخذ لحسابها هذه السياسات التي تهدّدها بأن تعيد في سورية التجربة المرّة التي عاشتها في أفغانستان. وفي المقابل، ليس مؤكدا أن تتمكّن موسكو من التفاهم في هذا الموضوع مع طهران، وتصل معها إلى تسويةٍ تسمح بإعادة بناء النظام على أسس أخرى، غير قهر الأغلبية واحتكار السلطة وحكم القوة وغياب القانون، والذي لا يعني التشبث ببشار الأسد رئيسا مجدّدا للبلاد، بعد سبع سنواتٍ من الحرب الدامية، سوى البرهان القاطع تبني هذه الأسس وتعزيزها.

ما من شك في أن المعارضة السورية في شكلها الراهن وتشظيها الفكري والسياسي والعسكري قد انتهت، ولم تعد قادرة على خدمة الثورة وأهدافها، ولن تستطيع استقطاب دعم كثير من الجمهور والبقاء. لكن نهايتها، بالطريقة التي حصلت بها، لا تعني نهاية الثورة أو التمرّد أو الاحتجاج، ولن تقضي على شرعية المطالب والتطلعات والحوافز التي دفعت إلى إطلاقها. بالعكس، ستدفع مذلة الخسارة وسياسات الاستئصال والقهر المضاعفة التي ستعبقها على يد طغمة "حاكمة" انتقامية وحاقدة أثبتت، كما لم يحصل لأي شعب، استعدادها للتضحية بشعبها وبلدها وتسليمه لقوى الاحتلال الأجنبي، حتى تحتفظ بكامل احتكارها السلطة وموارد البلاد، ملكا خاصا بها، إلى تفاقم مشاعر الظلم والقهر والاحتقار وتفجير إرادة مقاومة مستمرة، لن تهدأ قبل إسقاط النظام الذي أصبح ملتقى اضطهادين، داخلي وخارجي، اجتماعي ووطني، وغنغرينا في جسم الدولة والمجتمع والبلاد.

ومهما كان الشكل الذي سوف تتخذه المقاومة لنظام الاضطهاد والقهر المزدوج هذا، لا بد أن تستفيد من تجربة السنوات السبع القاسية، ولن تسمح لنفسها بارتكاب أخطائها. باختصار، القضاء على المعارضة لا يعني نهاية الثورة أو الاحتجاج ورفض نظام لم يفقد شرعيته فحسب، ولكنه كشف عن هويته بوصفه نظام احتلال، لا يهمه مصير شعبه، ولا مستقبل مواطنيه، ولا تعنيه في شيء مصالحهم وأمنهم وحياتهم. وما لم يتحقق الانتقال إلى نظامٍ يمثل الناس، ويستوعب الجميع، من دون تمييز، لن يقوم للدولة والسياسة قائمة ولا قوام، سواء بقي الروس وحلفاؤهم أم رحلوا، وسواء بقيت سورية مقسمةً كما هي عليه اليوم إلى مناطق نفوذ دولية، أو توحدت تحت سلطة جائرة جديدة. وسوف تتحول الحرب الطويلة الدامية إلى جولةٍ من حرب طويلة مقبلة.

لن يستفيد من إنكار حقيقة الثورة وشرعية مطالبها أحد. ولن يربح أحد إذا خسر الشعب السوري، ولن يستطيع أحد أن يحكم سورية، أكان طغمة محلية أو وصاية أجنبية، ما لم يعترف بحقوق شعبها ويضع حدا للمظالم التي طاولته خلال العقود الماضية، وبعد سنوات الحرب العدوانية الطويلة والدامية. من دون ذلك، لن تكون سورية وطنا بأي حال، وإنما ساحة مواجهة شاملة ودائمة.

ولن تهزم الثورة بالقضاء على المعارضة، ولا على قواها المسلحة، مع العلم أن الوضع بعيد جدا عن أن يكون كذلك. لكن المهم أن لا نيأس، ولا ننهزم من الداخل، ولا نعتقد أن النظام وحلفاءه قد ربحوا أي حرب. إنهم يغرقون، وسوف يغرقون أكثر في الوحل الذي صنعوه بدماء السوريين. ينبغي أن يكون لدينا إيمان لا يتزعزع بأن ما قمنا به كان حقا، وأن التضحيات الغزيرة التي قدمناها كانت دفاعا عن حق، وأن الغايات التي ثرنا من أجلها كانت الأشرف والأنبل، وأن غايات خصومنا وأساليبهم كانت مثالا للخسّة والدناءة والشر. فالقتل بالجملة وتدمير البلاد للاحتفاظ بالسلطة الشخصية لا يمكن أن يمثلا هدفا مقبولا، كما لا يمكن للاحتلال الروسي والإيراني، والتغيير السكاني، أن يتحول إلى غاية أو قضية مشروعة بأي صورة كانت.

ينبغي أن ندرك أن الثورة غير الانتفاضة وغير الحرب. إنها مطالب إنسانية وأخلاقية جوهرية، أي قضية، والقضية غير التعبيرات المادية المختلفة عنها. وهي مستمرة بصرف النظر عن أشكالها ما بقيت غاياتها وحوافزها محرّكة للنفوس والعقول، وستبقى راهنةً، طالما لم تتحقق التطلعات الإنسانية وراءها. ومثال فلسطين لا يزال قائما أمامنا، بعد أن تحولت إلى قضيةٍ لا تموت، ولا تنسى بل تصبح هي ذاتها مؤسسا لسياسة وهوية. وحتى الفشل لا يضعف الإيمان بها، لكنه يشكل دافعا للمراجعة وإعادة الكرة في انتفاضات متعاقبة، وأشكال مقاومة متجدّدة. ما يعني أن الصراع لم ينته، وسوف يستمر، لا لأننا نرفض التسليم بحقوقنا، وفي مقدمها حق كل فرد في الكرامة باعتباره إنسانا ومواطنا حرّا فحسب، ولكن، أكثر من ذلك، لأن النظام الذي دخل في نفق مظلم وأدخل البلاد والمجتمع معه فيه لن يستطيع أن يخرج منه، عن طريق الإصرار على الإنكار ورفض الاعتراف بالآخر، أو بالإفراط في العنف واستخدام مزيد منه.

لا يُخرج المجتمعات من الحرب العلنية والكامنة سوى التفاهم بين أبنائها. ولا طريق للوصول إلى التفاهم غير الإقرار بمصالحهم المشروعة، والقبول بالحوار طريقا للوصول إلى توافق سياسي. من دون ذلك، لن يحظى أي سوري بحق المواطنة، ولا بأي وحياة آمنة وسلام حقيقي، لا في سورية الكاملة، ولا في أجزائها المفيدة والزائدة. وفي موضوع هذا التفاهم والحوار والتوافق، لا نزال، بعد الفشل المزدوج للنظام والمعارضة، في بداية الطريق، إن لم نكن على طريق الجلجلة.

اقرأ المزيد
٥ أبريل ٢٠١٨
أيهما أولى ... فتح المعارك أم فتح المعابر ..!؟

يبدو أن الفصائل في الشمال السوري قد أمنت على نفسها من العدول الأساسي ممثلاً بالنظام وحلفائه إلى مرحلة معينة لاسيما بعد تسليم شرقي سكة الحديد وترسيم حدود المنطقة، لتنقل جل قوتها العسكرية وعتادها وتبدأ بمرحلة الصراع على تقاسم النفوذ ومن يقصي من ومن يفرض نفسها مهيمناً عسكرياً ومدنياً واقتصادياً.

لعل هذا التنبؤ او التوقع بات ملاحظاً بشكل كبير بعد الصراع الأخير بين هيئة تحرير الشام التي انسحبت من مناطق وأراضي تقدر بربع مناطق إدلب ممثلة بمناطق شرقي سكة الحديد وبدأت تعزز قواتها على الحدود وضمن المناطق الاستراتيجية مع مناطق النظام، فاصطدمت بجبهة تحرير سوريا في مسألة فتح معبر في الراشدين، و هاهي هي اليوم تصطدم مع أهالي منطقة العيس جنوب حلب لذات الأمر، في وقت سلمت الجبهات لفيلق الشام وبدأت تتصارع للهيمنة داخلياً وكأنها أمنت هدوء جبهات النظام وضمنت عدم التقدم.

المتابع للتطورات الميدانية على المستوى العسكري في الشمال واستمرار الهيئة في قتالها جبهة تحرير سوريا، يؤكد التسريبات التي نفت كل ادعاءات الهيئة عن سبب هجومها على الزنكي فيما يتعلق بجيش الثوار ومقتل المصري واعتقال المهاجرات، وأكدت بالدليل القاطع أن القضية أبعد من ذلك تهدف للسيطرة على منطقة الراشدين وإبعاد الزنكي عن معبر الغزاوية المحاذي لمناطق عفرين، وبذلك تضمن لنفسها الهيمنة على جميع المعابر داخلياً وخارجياً.

وما يؤكد المعطيات أكثر بعد خسارة تحرير الشام معبر مورك الذي لم يكن ضمن حساباتها هو السعي الحثيث لافتتاح معبر بديل مع مناطق سيطرة النظام، فكانت البداية في منطقة تل الطوكان، ثم تغيرت لجنوب حلب وباتت تحضر المنطقة لافتتاح معبر بين العيس والحاضر، ورغم اعتراض أهالي المنطقة إلا أن الهيئة تصر على افتتاح المعبر.

السعي الحثيث لهيئة تحرير الشام للهيمنة على جميع المعابر في الشمال السوري ليس بجديد بل يعود لأكثر من أربع أعوام مع كثرة التجييش ضد كتائب شهداء سوريا التي كانت تسيطر على مدينة حارم والذي كان طريقاً لتهريب المازوت لتركيا، ومارافقتها من اتهامات وتخوين وحملات انتهت بإنهاء قوة جبهة ثوار سوريا والهيئة على هذه المعابر التي كانت حراماً على غيرهم حلالاً لهم.

تلا ذلك تقويض قوة أحرار الشام والسيطرة على معابر أبو دالي وخربة الجوز وسلقين وعدة نقاط فاصلة بين الحدود السورية والتركية والتي تنشط فيها عمليات التهريب وتقاضي الأتاوات على المغامرين لدخول الأراضي التركية بالتنسيق مع المهربين، ولعل اللقمة الأكبر كانت في معبر باب الهوى الذي بات في قبضة هيئة تحرير الشام بواجهة مدنية، تعود جميع عائدات المعبر لها.

وكان الأولى بحسب ماتحدث أحد وجهاء منطقة الحاضر جنوب حلب بهيئة تحرير الشام أن تفتح معارك ضد النظام وتحرر لهم بلداتهم ومناطقهم بدلاً من فتح معابر للهيمنة وفرض الأتاوات والكسب على حساب تهجيرهم ومعاناتهم، فهل يعتبرون ....!؟

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٨
هل تنسحب الولايات المتحدة حقًّا من سوريا؟

جميعنا نذكر تصريحًا أدلى به ديفيد بترايوس المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قبل أسابيع حول حرب أمريكية تركية محتملة.

بترايوس أكد أن على أمريكا أن تفكر مرتين بهذا الخصوص، وقال: "لأن الأتراك لا يفكرون بشيء آخر إذا تعلق الأمر بوطنهم ودينهم. نتحدث هنا عن أمة مقاتلة بأسرها".

لنفكر قليلًا بتصريح الرئيس الأمريكي بخصوص انسحاب بلاده من سوريا، مع التطرق إلى تعليقات بعض المسؤولين الأمريكيين الرفيعين.

لماذا شعر ترامب بالحاجة للإدلاء بمثل هذا التصريح؟ ولماذا دخل ماكرون على الخط بهذا الاستعجال؟ هل هناك خطة مشتركة بينهما؟

نعلم ونرى أن فرنسا تسعى منذ زمن طويل من أجل سرقة دور تركيا، وندرك أنها ترغب في الجلوس إلى الطاولة في العالم الإسلامي، لهذا يمكن أن نرى تحمسها الشديد.

لا ترغب الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع تركيا، لأسباب متعددة. موقف تركيا ونجاح جيشها في العمليات بسوريا سبب هام، لكن هناك أمر آخر.

تركيا على الطريق لتصبح لاعبًا رئيسيًّا. ليس في منطقتها فحسب بل على الصعيد العالمي. لنعد الآن إلى تصريح المدير السابق للاستخبارات الأمريكية، "الأتراك أمة مقاتلة بأسرها. إذا تعلق الأمر بوطنهم ودينهم لا يفكرون بشيء آخر"، هذا هو بيت القصيد!

وبما أن الولايات المتحدة تدرك هذا الأمر، فهي تحتاج إلى طاقم جديد يقوم بالمهمات. أي إلى حملة تكتيكية. بعد كل هذه المطالبات بعقوبات صد روسيا وإيران كيف يمكنها الجلوس إلى طاولة المفاوضات في سوريا معهما؟

ولنقل إنها جلست، ألن تستخدم موسكو وطهران حاجة واشنطن هذه كورقة للمساومة؟ تمتلك فرنسا مغامرة تاريخية وسياسية مع روسيا وإيران.المدرسة الفرنسية ما تزال قائمة حتى الآن في إيران.

وفي هذا الحال ستعمل واشنطن على إثارة العداوة بين فرنسا وتركيا، على مبدأ الشرطي الطيب والشرطي السيئ! وبالمناسبة، إذا حدثت مواجهة بين تركيا وفرنسا فلن يكون بمقدور الأخيرة مجابهة جيش نظامي.

لكن الولايات المتحدة تدرك أن دفع تركيا إلى حرب مفتوحة سيجعل أنقرة تتحالف مع أعداء واشنطن كروسيا وغيرها، وسيكون لذلك ثمن باهظ بالنسبة للولايات المتحدة.

ولهذا ستدفع فرنسا إلى التعامل مع روسيا وإيران بلهجة معتدلة، وتستخدم هي لهجة شديدة مع البلدين المذكورين، في حين ستفضل التعامل بلهجة معتدلة مع تركيا.

لأن الهدف هو محور روسيا تركيا إيران، وهنا يبدو تدخل ماكرون وكأنه تمهيد لهذه الخطوة.

تمتلك تركيا القدرة على تسطير تاريخها وتحديد مصيرها. هذا هو الواقع، حتى وإن أصر البعض على إنكاره.

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٨
الانسحاب الأميركي وعملية تدوير الحرب في سوريا بعد داعش

واشنطن التي تعلن عن نيتها الخروج من سوريا، تتجه إلى ترك الكرة في الملعب السوري، وهذه الكرة الملتهبة بالأزمات، تراهن واشنطن على أنها ستحرق تلك الدول التي تسيطر على قطع الجبنة السورية.

التسوية السياسية في سوريا تطوي صفحاتها الأخيرة، بعدما أظهرت القوى الإقليمية والدولية موقفا ضد التغيير السياسي في هذا البلد، لصالح مشروع تقاسم النفوذ على الأرض السورية، بانتظار التوصل إلى خارطة سياسية واستراتيجية، تلبي مصالح خارجية، وبعد ذلك قد يشكل مستقبل النظام السياسي عنوانا للبحث ومجالا لإسقاط الحسابات والمصالح الإقليمية على معادلة السلطة والحكم.

معركة الغوطة الأخيرة أفضت إلى إخراج الفصائل المسلحة المعارضة إلى الشمال السوري باتفاقات فرضتها روسيا، ووافقت تركيا عليها عمليا، ولم تحرك الجامعة العربية ساكنا حيال التدمير الممنهج للجغرافيا والديمغرافيا السورية، فيما بدت واشنطن مراقبا عن بعد، بل أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطوة مفاجئة الاستعداد للانسحاب من سوريا، بعدما شاعت التحليلات التي عززتها المواقف الرسمية الأميركية إلى أنّ واشنطن رسخت وجوداً عسكريا لها في سوريا إلى أجل بعيد.

المشهد الإقليمي والدولي في سوريا، مستقر لجهة رسم خارطة النفوذ بمرجعية روسية تظلل الدور الإيراني، وتدير التباين الإيراني الإسرائيلي بما يوفر الهدوء في الجنوب السوري، وتقدم هذه المرجعية نفسها باعتبارها الطرف الذي يقرر في المعادلة السورية، في محاولة لفتح الباب واسعا لإجراء حوار مع واشنطن لا تبدو الأخيرة مهتمة بإجرائه، كما توحي الإجراءات الأميركية والموقف الأخير للرئيس ترامب الذي وإن انطوى على إعلان انسحاب من سوريا، إلا أنه يتضمن رسالة تهديد بأن واشنطن غير معنية وعلى الدول المنخرطة في الأزمة السورية أن تنجز الحلول في هذا البلد.

ليس خافيا أن الدول هذه التي أشار إليها ترامب، وفي مقدمتها روسيا، وإيران ثانيا وتركيا ثالثا، وعلى الرغم من تفاهم الحد الأدنى في ما بينها، تدرك أن أي اتفاق بينها يتطلب دورا أميركيا محوريا في المعادلة السورية، ذلك أن روسيا كما إيران، لا تخوضان مواجهة تثبيت نفوذ في سوريا فحسب، بل تسعى كل منهما إلى استخدام الورقة السورية على طاولة المفاوضات مع واشنطن.

فإيران تدرك أن ملفها النووي، الذي بات على رأس اهتمامات إدارة ترامب وفريقه المعادي لها، لا يعطي لنفوذها السوري أي معنى استراتيجي إن لم يكن له فعل تغيير في الموقف الأميركي والدولي من هذا الملف الذي بات شائكا ومعقدا بعدما أعلنت واشنطن الحرب عليه. أما روسيا التي تمسك بأوراق قوة في المعادلة السورية بقرار إقليمي ودولي، فتبدو مستعجلة لتسييل هذه الأوراق في علاقاتها الدولية، فيما المشهد الدولي ولا سيما الأميركي والأوروبي يبدو تصعيديا تجاه روسيا مع بدء طرد الدبلوماسيين الروس من أكثر من دولة أوروبية على خلفية محاولة قتل الجاسوس الروسي في بريطانيا قبل نحو أسبوعين.

الخلاصة أن المكاسب التي حصلتها روسيا في سوريا، لا تبدو أنها تسيل لعاب الأميركيين ولا الأوروبيين، بما يوفر لموسكو فرص فرض مطالبها سواء في محيطها الأوروبي أو على مستوى الحد من العقوبات التي باتت تثقل على الاقتصاد الروسي.

تستضيف تركيا الرئيس الإيراني في اليومين المقبلين، تمهيدا لقمة ثلاثية يفترض أن تجمع قادة روسيا وإيران وروسيا، سيشكل الملف السوري عنوانا رئيسيا لها، ومؤتمر سوتشي أحد ملفاتها. تركيا التي دخلت لعبة مقايضات على حساب المعارضة السورية، باتت حذرة حيال أمنها وهو ما يفرض على قيادتها تقديم المصالح التركية على ما عداها، بينما تبدو الفصائل السورية المعارضة عاجزة عن تحقيق أي تقدم عسكري أو سياسي، لتبدو تركيا أمام مزيد من التسليم بتراجع دور المعارضة وحصر دورها في الحدود الشمالية لسوريا التي تلبي المصالح التركية في ما يتصل بالشأن الكردي.

يبقى أنّ واشنطن التي تعلن عن نيتها الخروج من سوريا، تتجه إلى ترك الكرة في الملعب السوري، وهذه الكرة الملتهبة بالأزمات، تراهن واشنطن على أنها ستحرق تلك الدول التي تسيطر على قطع الجبنة السورية.

مؤشرات الأزمة السورية تسيطر على المشهد، فالحلول بعيدة ولا أحد متفائل بحل في المدى المنظور، وهذا ما يطرح التساؤلات حول مصالح روسيا وإيران وتركيا من بقاء سوريا ملعبا تتقاذف كرة النار فيه هذه الدول، ذلك أنه مع انتهاء داعش ثمة وقائع سياسية وديمغرافية ستفرض نفسها في المرحلة المقبلة، تتصل بوحدة سوريا أو تقسيمها، بإعادة البناء وقاعدة التفاهم التي يمكن أن تجمع هذا المثلث لا سيما في ما يتصل بموقع تركيا بين حلف الناتو وروسيا. وهي أسئلة لا يمكن تقديم إجابات عليها، بل قد تبدو الرمال السورية لها وجوه متعددة تحركها، ليس داعش وجهها الأبرز، بل يبدو التلويح الأميركي بالانسحاب وجها جديدا من وجوه الرمال المتحركة، بما يؤكد أن الأميركيين يصرون على السير باستراتيجية الاستنزاف ليس للدول الثلاث الباحثة عن صيغ قابلة لإدارة الصراع بأقل الأكلاف الممكنة، بل ثمّة إصرار أميركي على مراقبة عملية تدوير عناصر الحرب ومكوناتها الخارجية في سوريا لإنتاج أشكال جديدة من الحروب.

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٨
غزة سوريا.. اخلع نعليك فترابها من دمائنا

حدث في حي وادي النسيم بمدينة إدلب، أن شاباً لم يتجاوز الخامسة والعشرين ينظر بألم مرير إلى أنقاض بناء أحلامه حيث دُفنت زوجته ومستودع آماله، ووارت الحجارة جوهر نفسه، وحقيقة ذاته، وشق فؤاده، هناك امتلك كل شيء، وهناك فقد كل شيء أيضاً، هي صورة واحدة من نماذج آلام المجتمع السوري التي أُريقت على جنباته دماء الإنسانية جمعاء، سينظر كل شخص منا إلى هذه المعاناة بعين مأساته الخاصة، وإنسانيته الخالصة أو ربما بعين الاعتياد القاسي والتأقلم الكافي، لكن ذلك لن ينفي أن نياط القلوب تقطعت، وأن الأرواح تمزقت، وأن مآقي العيون جفت، وأن المآسي تعددت، وأن الأجساد كهُلت لفرط ما لاقت وتحملت، لكن عجلة الحياة لن تقف وستمضي هذه الأيام، وبعد مرور عشرات الأعوام وحلول الأمن والأمان وانتصار الثورة وتحقيق الغايات وتنفيذ المأرب وعودة من صان العهد وحافظ على الوعد ورجوع من خان الدم وباع الدمع، وعلى مشارف شامنا ستصفر الرياح وتغلق الأبواب ويصيح الصبية والفتيان: "اخلع نعليك.. فترابها من دماء شبابنا وشيابنا.. نسائنا وفتياتنا.. كبارنا وصغارنا.. اخلع نعليك فترابها من دمائنا".
 
كُتب لمدينة إدلب الخضراء أن تحيا بماء الحرية لتُثمر عطاء وتنمية، أن تواجه الموت والحياة في آنٍ معاً، أن تُسطِر بطولاتها في لقائها اليومي مع الموت ورحلتها الدائمة مع الحياة كغزةٍ لسوريا التي تعددت سكاكين طُغاتها وتنوعت أساليبهم وتعددت طرقهم، لكنها بقت صرح الحرية التي تتكسر على جنباتها عواصف الظلم والطغيان، اكتست إدلب بالأخضر لتكون عنوان الحرية والإباء ومبدأ النصر والانتصار ومنتهى العزة والإيمان، فالطغاة ما زالوا يحاولون إلى يومنا هذا جعلها ملطخة بالأحمر القاني، ولكنها تأبى أن تكون مدينة للموت وظلال الحياة، وأن يحيا أفرادها أشباه مواطنين على ثُرى المنية، فكانت الحياة في سبيل الله غاية الطريق، ومنتهى الأهداف وأنبل المأرب وأصعبها على الإطلاق، فَلَو أن مدينتنا العظيمة اختارت ثوب الحداد وهي حرة تختار ما تشاء، لعاش أفرادها بين سندان الشقاء ومطرقة التعاسة والآلام..

لكن غزة سوريا تخوض التجربة الأصعب، وتنفض الركام، وتتنفس الصعداء، وتكنس الآلام من طرقاتها وتقشع الدخان من سمائها مُبديةً ثغرها الملائكي لأهل الأرض جميعاً "أن هُنا إدلب.. هنا الحرية والحياة".. الرغبة العارمة والتوقُ الكبير للمعيشة الكريمة ألقى بظلاله على أحرار سوريتنا، مما جعل سير ثورتنا في طرق متوازية تتباين سرعتها لكنها في كليهما ماضية، البناء والهدم، الموت والحياة، الفضيلة والخداع، العلم والجهل، الأمل والألم، تمضي ثورتنا مكللة بالهمم والعزائم في هذه الطرق لتعطي درساً مهيباً بليغاً، في إمكانية النهضة في حين الدمار، فيُسرى أحرارنا وحرائرنا تنزع ألغام الطاغوت وأحقاده ويمناهم تزرع فسيلة الأمل وحق الوجود الذي لن يأخذه منا سوى واجد الوجود جل وعلا..

هذا هو سبيل الثائرين إيمان واجتهاد، تضحية وحياة ومن ثم بلوغ المراد والفوز بمعركة الحرية والحياة، أما عن سبيل المجرمين الظالمين المعتدين فهو من بدء البشرية وبداية الإنسانية لم يختلف، فها هو أمية بن خلف يتكلم بلسان طغاة العالم وطواغيت الأرض فيقول "إن شمس هذا اليوم لن تغرب إلا بعودة هذا العبد الآبق إلى ملتنا!".

لكن الشمس لم تغرب قط باستسلام الصحابي الجليل بلال بن رباح -رضي الله عنه وأرضاه- بل غربت ذات يوم بأصنام قريش كلها وحماة الوثنية فيها وشياطين الظلم التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور، تتجدد حملات القصف الهمجي على الأنحاء المحررة بالدم والدمع لكن ذلك لا يزيد أهلنا إلا تمسكاً بالحق وإقبالاً عليه وإدباراً عن أتباع أمية بن خلف فلن تغرب شمسُ الحق في أعين الثائرين ولكن الشمس ستغرب كل يوم على الطاغوت وأذنابه وهم يتقاسمون الخسران والحسرات كما تقاسم أصحاب أمية العذاب والتعب والخيبات من تعذيب بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه فهم المعذبون المنهكون وهو المؤمن حق اليقين الذي يقول في عظمة القديس أنشودته الخالدة (أحد.. أحد) الشعار الذي هتفت بها جموع أحرارنا "مالنا غيرك يا الله" من هناك ابتدأ وإلينا وصل، ومنتهاه في دمشق حيث مثوى الصحابي بلال بن رباح.
 
تدور الحرب عنيفة قاسية ضارية، وبلال هنالك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها في الإسلام، غزوة (بدر) تلك الغزوة التي كان شعارها (أحد.. أحد)، الكلمة التي كان يرددها بالأمس تحت وقع العذاب والهول قد صارت اليوم شعار دين بأسره وشعار الأمة الجديدة كلها!، تلاحمت السيوف وحمي القتال، "لا نجوتُ إن نجا" الصرخة التي دونت تاريخ ثأر الأحرار من طغاتهم، والقصاص من مجرميهم، وعودة الحق لأصحابه، (لا نجوت إن نجا) ستهتف غزة سوريا مُعلنة أن أشقاءها وشقيقاتها من (الغوطة الشرقية) إلى باقي المناطق الأبية لن تستكين ولو طالت السنين، وستأخذ ثأر الأيامى واليتامى والمساكين من الطغاة المجرمين، وستدوي صرخات "الله أكبر.. الله أكبر" مزلزلةً لعروش الظالمين، أخذة بهم إلى الديّان حيث لن ينفع المال ولا البنين.

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٨
عن الفلسطينيين في المحرقة السورية

كانت حياة الفلسطينيين في سورية نموذجاً مقبولاً لحياة المنفى الفلسطيني، بالنسبة لحالات اللجوء الأخرى الأكثر تطرفاً في إذلالهم، خصوصاً لبنان الذي يحرم الفلسطينيين من العمل في أكثر من سبعين مهنة. وجد الفلسطينيون حالة احتضان شعبية سورية عالية التضامن، وصلت في حالاتٍ كثيرة إلى حالة اندماج في الحياة السياسية الفلسطينية، فهناك سوريون كثيرون اختاروا الانضمام إلى الفصائل الفلسطينية، وقضوا أعمارهم فيها، وبعضهم قدم حياته من أجل فلسطين واستشهد على أرضها. وهناك فلسطينيون اختاروا الانخراط في الحياة السياسية السورية، منهم من انضم إلى حزب البعث، وحصل على امتيازات السلطة وعارها، ومنهم من انتمى لأحزاب المعارضة، ودفع ثمن ذلك سنوات طويلة في سجون السلطة. وفي الحالتين، لم يكن الانتماء إلى قوى سورية ظاهرةً تهدّد العمل السياسي الفلسطيني، وفعاليته في الأوساط الفلسطينية في سورية. ولا كان الانتماء السوري إلى الفصائل الفلسطينية يدفعها إلى التدخل في الشأن السوري، على الرغم من التدخل السوري المستمر في الشأن الفلسطيني، ومحاولات النظام المستمرة للإمساك بالورقة الفلسطينية، ورقة مساومةٍ، ولا كان العمل السياسي الفلسطيني في صفوف المعارضة السورية، يعطيهم وزناً في تقرير السياسة السورية التي كان، وما زال، يقرّرها رجل واحد.

عانى الفلسطينيون في سورية ما عاناه السوري، على مستوى الحياة والمتاعب الاقتصادية والإفقار السريع الذي بدأ منذ التسعينيات. وفي بعض الأحيان، كانت أوضاعهم أفضل من أقرانهم السوريين، بسبب حصولهم على مساعدات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي بدأت تتراجع سريعاً، انطلاقاً من مطلع الثمانينات، أو على مستوى القبضة الأمنية التي حكمت المجتمع السوري، وأخضعت الجميع بالترهيب، والتي شملت المخيمات بشكل طبيعي، كونها جزءاً من الأراضي السورية، فالمخيمات لم تكن معازل أمنية، كما الحالة في المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني التي لا تخضع للأمن اللبناني. الموضوع مختلف في سورية، كل شيء تحت القبضة الأمنية، وما يخضع السوريون له من تدقيقات ومراجعات أمنية يخضع الفلسطينيون له بالقدر نفسه.

قبل انطلاق الاحتجاجات في سورية في مواجهة النظام، لم يشعر الفلسطينيون بتهديد الاقتلاع من سورية، أو أن وجودهم معرض لخطر التهجير والتبديد، على الرغم من تحرُّك هذا الشعور لديهم أحياناً، خصوصاً عندما تعرّضت تجمعات فلسطينية لهذا التهديد، كما جرى في الكويت بعد الغزو العراقي، وكما جرى في العراق بعد الغزو الأميركي. كان الاستقرار النسبي السمة البارزة لحياة الفلسطينيين في سورية، على الرغم من إجراءات التقييد والتضييق على المستوى القانوني التي كان يمارسها النظام عليهم في بعض الأوقات. على الرغم من ذلك كله، كانوا يعتقدون أن مساراً واحداً فقط يمكن أن يجعلهم يغادرون سورية، وهو مسار العودة إلى ديارهم في فلسطين.

فجأة، تبين أن هذا اليقين مجرد وهم، وأنه في هذه البلدان الأسوأ ممكن دائماً، وأن الثابت يهتز، ويهتز بعنف شديد. تتجسد المخاطر التي لم تكن تخطر على البال دفعة واحدة، مبدّدة كل أوهام الثبات والاستقرار في المكان. بذلك، أعطت سورية الفلسطينيين الدرس القاسي التالي في تجربتهم. هذا الدرس الذي يقول إنه لا يمكن لوضع اللاجئ أن يبقى ثابتاً، في وقت يهتز البلد التي يقيم فيه، لم يكن من الممكن أن يبقى الوجود الفلسطيني في سورية على حاله في بلد يشتعل. لا يمكن بقاء الوضع على حاله في الوقت الذي تشهد سورية صداماً دامياً في كل المناطق، بفعل الاحتجاجات التي اجتاحت البلد، والتي تم التعامل معها بقمع دموي ووحشي من النظام. وعلى عكس الحالة اللبنانية، وعلى عكس ما حلم به فلسطينيون كثيرون في سورية أيضاً، لم يكن ممكناً أن تبقى المخيمات الفلسطينية في سورية تعيش خارج الصراع السوري، مواقع محايدة، في وقتٍ تشتعل به البلد كلها.

في الأزمات الكبرى، تكتشف الفئات الأضعف أنها من يدفع الثمن الأكبر. ولأن اللاجئين هم من أضعف الفئات في الصراعات المسلحة، فهم يواجهون الخطر الداهم باقتلاعهم من جديد. لأن الصراع يحولهم فجأة إلى غرباء عن المكان الذي عاشوا فيه حياتهم. وهكذا اكتشف اللاجئ الفلسطيني في سورية حالة التهديد المباشر والداهم، وعرف أنه لا ينتمي إلى المكان المقيم فيه، أو هناك من يُفهمه ذلك، ومن يُذكره أن المكان ليس مكانه، ويطلب منه أن لا يتدخل في ما لا يعنيه، وأن ليس له الحق في التعبير عن رأيه في قضايا لا تخصه، وكل طرف يتهمه بالعمالة للطرف الآخر! عند ذلك، اكتشف من جديد هشاشة وجوده في المنفى. وأن الثبات وهمٌ، وأن الاستقرار قناعٌ مزيفٌ لكارثةٍ تنتظره في أول انعطافة، أو في أول صِدام. لذلك، كان الفلسطينيون أول من اتهمهم النظام بأنهم يفتعلون الصراع في سورية، جزءاً من مؤامرة خارجية.

تم تدمير المخيمات الفلسطينية في سورية شأن مدن كثيرة واجهت المصير نفسه. وبتمزيق المخيمات وتدميرها سكانيا وعمرانيا، لم يعد الوجود السابق للمخيم موجودا، ولن يعود إلى ما كان عليه. كما أن سورية التي كانت قائمة قبل العام 2011 لم تعد موجودة، ولن تكون قادرة على العودة كما كانت. لذلك، في واحدٍ من جوانبها التراجيدية، سجلت المأساة السورية فصلا جديدا من فصول التراجيديا الفلسطينية المستمرة منذ عقود، لكنها هذه المرة مجدولة مع مأساة سورية أوسع وأشمل، تستعيد محطات التجربة الفلسطينية في تفاصيل كثيرة، ليس أولها التهجير والمذابح، وليس آخرها منافي احتضنتهم وسرعان ما انقلبت عليهم. التاريخ السوري الراهن في واحدٍ من جوانبه تكثيف حداثي وسريع للمأساة الفلسطينية، ما اختبره الفلسطينيون خلال أكثر من سبعة عقود جرّبه السوريون في أقل من سبع سنوات. إنهم في جانب من مأساتهم ضحايا لعنة التاريخ السريع.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٨
بعد تحريرها في "غصن الزيتون".. من سيحكم عفرين؟

تحررت عفرين من إرهاب "بي كي كي"، وجاء الدور الآن على مسألة حكم المدينة. القوة الوحيدة التي تكافح الإرهاب بالمعنى الحقيقي في سوريا هي تركيا، ومن خلال تسليمها الأراضي التي تحررها إلى أصحابها الحقيقيين فهي تقدم من جديد على خطوات هي الأولى من نوعها.

حررت تركيا خلال عملية درع الفرات عام 2016 مناطق اعزاز وجرابلس والباب من تنظيم داعش، وحالت دون دخول "بي كي كي" إليها.

وبعد ذلك سلمت حكم تلك المناطق إلى السكان المحليين. منذ أكثر من عام يحكم اعزاز وجرابلس والباب أصحابها الحقيقيون، أي السوريون.

الأمر نفسه ينطبق الآن على عفرين. مع تطهير مركز المدينة وقراها وبلداتها تمامًا من الإرهاب، تسعى تركيا لكي يحكم أهالي عفرين منطقتهم بأنفسهم.

وفي هذا السياق، عقدت اجتماعًا ضم ممثلين عن السكان المحليين، في مدينة عنتاب، وتم تشكيل لجنة مهمتها تأسيس إدارة محلية لعفرين خلال 10 أيام.

تم ترشيح 230 اسمًا لعضوية الإدارة، سيُنتخب منهم 115. ستتشكل هذه الإدارة من السكان المحليين لعفرين، وسيجد العرب والأكراد والتركمان ممثلين لهم في هذه الإدارة.

منذ خمس سنوات والنظام الإرهابي لتنظيم "بي واي دي" فرع "بي كي كي" في سوريا، يسيطر على عفرين. لكن من الآن فصاعدًا سيدير العفرينيون وحدهم شؤون منطقتهم، كما هو الحال في اعزاز وجرابلس.

بينما تكافح تركيا الإرهاب في سوريا، تترك إدارة شؤون الأراضي التي تحررها إلى أصحابها الحقيقيين.

وتعلن تركيا من جديد، عبر هذا النموذج الأخير في عفرين، أنها ليست قوة احتلال واستعمار.

نهب الغرب المناطق التي احتلها في أفريقيا، وفي سوريا والعراق، واستولى على ثروات هذه المناطق، وما زال يفعل حتى اليوم. لم تنسحب الولايات المتحدة من العراق، الذي تحتله منذ 15 عامًا.

وفي أفريقيا، هناك النموذج الفرنسي. فعلى الرغم من مرور أكثر من ستين عامًا إلا أن فرنسا ما تزال تستعمر 14 بلدًا في أفريقيا.

ومع أن الساسة الفرنسيون يدعون أن بلادهم انسحبت من البلدان المذكورة، إلا أنهم أسسوا نظامًا في البلدان التي منحوها استقلالًا مزيفًا.

وبفضل هذا النظام تجبي فرنسا تحت مسمى "ضريبة الاستعمار" إتاوة يقرب مقدارها من 500 مليار دولار سنويًّا، من 14 بلدًا أفريقيًّا.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٨
حزب سوريا المستقبل.. دلالات وأسئلة

كان لافتا الإعلان في مدينة الرقة السورية عن تأسيس حزب جديد باسم حزب سورية المستقبل قبل أيام، جاء إعلانا حمل معه جملة من الدلالات، لجهة التوقيت والمكان والرسائل والمأمول والأسئلة. مع أن ظاهرة انتشار الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية والعسكرية في الساحة السورية باتت من أهم مظاهر الأزمة السورية، إلا أن تأسيس حزب سورية المستقبل على أنقاض مدينة الرقة المدمرة، وبحضور نحو ألف شخص، يمثلون معظم مكونات الشعب السوري، أمر مثير، لا سيما لجهة الأسئلة، فالساحة التي عقد فيها المؤتمر هي نفسها التي رفعت فيها صور الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، عقب طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منها، والمدينة، الرقة، تقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل وحدات حماية الشعب عمادها الأساسي. وعلى الرغم من الحضور الكردي النوعي والكثيف في المؤتمر، إلا أن القاعة التي عقدت فيها الجلسات خلت من أي علم أو شعار أو لغة أو إشارة إلى الكرد ولغتهم، بل ومطالبهم التي رفعوها طوال الفترة الماضية! مع أن ثمة قناعة راسخة لدى الأوساط المطلعة بأن الطرف الكردي، وتحديدا حزب العمال الكردستاني، هو من يقف وراء تأسيس هذا الحزب.

في الأوساط الكردية، ثمّة من يعتقد أن تأسيس هذا الحزب جاء وفقا لرغبة أميركية، لها علاقة بتأسيس تنظيم يحظى بقبول من جميع الأطراف السورية، ولا يثير التوتر مع الدول الإقليمية، وتحديدا تركيا التي دخلت في مواجهة مفتوحة مع المشروع الكردي في شمال شرق سورية. ويضيف بعضهم أن هذا الحزب جاء ليكون بديلا عن حزب الاتحاد الديمقراطي، استجابة لظروف المرحلة الجديدة. ولعل هذا ما يوحي به ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر الحزب، إذ خلافا لخطاب حزب الاتحاد الديمقراطي، حمّل البيان النظام السوري وحده مسؤولية الأزمة السورية، لاستمراره في نهج العسكرة. وحصر الإرهاب بتنظيمي داعش وجبهة النصرة من دون الإشارة إلى فصائل أخرى، كانت تصنف إرهابية وفق "الاتحاد الديمقراطي" وحركة المجتمع الديمقراطي. ونبه البيان إلى ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع الجوار الجغرافي، وحدّد تركيا بالاسم خلافا للخطاب العدائي الحاصل بين تركيا والكرد، لم يشر البيان لا من قريب ولا من بعيد إلى الإدارة الذاتية الكردية أو فيدرالية شمال سورية أو إقليم روج آفا أو الكانتونات والمقاطعات... وغيرها من المصطلحات السياسية التي سادت الخطاب الكردي في السنوات الأخيرة، بل حرص البيان مرارا على الإشارة إلى وحدة الدولة السورية دولة ديمقراطية، لا مركزية، تعدّدية، تقوم على المواطنة والحقوق والواجبات، وذلك كله من خلال التغيير السلمي ومؤتمر جنيف وفقا للقرار الدولي 2254 ودستور جديد.

تجديد الخطاب الكردي مطلوب، بل وضروري، ولا سيما في هذه المرحلة حيث تظهر بوادر انشقاق كردي – عربي. لكن يبقى الأهم كرديا وسوريا كيفية تحويل هذا الخطاب إلى مرجعية سياسية وممارسة عملية، ومفاهيم ثقافية، تصب جميعها في الحالة الوطنية، من دون إنكار الهوية الكردية.

وعليه، يضع طمس الهوية الكردية، في مؤتمر انعقد وسط السيطرة الكردية، ما صدر عن المؤتمر في امتحان الاختبار، لا على المدى اللحظي القريب، بل في إطار استراتيجية بعيدة المدى، من خلال جعل هذا الخطاب مسارا فعليا للشعارات التي رفعت، ولعل المسؤولية عن ذلك تتجاوز حزبا بعينه إلى كل الأحزاب والقوى التي ترى نفسها معنيةً بمستقبل سورية.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٨
الرئيس الفرنسي.. واعترافه بدعم الإرهاب ضد تركيا

عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الواجهة من جديد مع إدلائه بتصريحات استهدف فيها تركيا.

استقبل ماكرون وفدًا مكونًا من عناصر تنظيم وحدات حماية الشعب الإرهابي في قصر الإليزيه، وقال: "قدمنا ضمانات بدعم وحدات حماية الشعب. نريد أن نقوم بالوساطة بين تركيا ووحدات حماية الشعب".

وكان الرئيس الفرنسي قد أدلى مؤخرًا بتصريح على خلفية سقوط مركز عفرين بيد قوات عملية "غصن الزيتون"، قال فيه إن سيطرة تركيا على عفرين |"يجب أن لا تتحول إلى احتلال".

مما لا شك فيه أن تصريح ماكرون لم يصدر بمعزل عن الولايات المتحدة, فالبلدان يريدان عزل تركيا وقطع الطريق أمام تنفيذها عمليات عسكرية محتملة في منبج وشرق الفرات.

تستعد الولايات المتحدة إلى دفع أوروبا، عن طريق فرنسا، للوقوف في وجه تركيا. فقد تبين للإدارة الأمريكية أن البنتاغون وحدها غير قادرة على عزل تركيا.

فالتنظيم الذي تحميه وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) فقد أكثر من 3500 من مسلحيه خلال عملية عفرين، وهذه الخسائر الثقيلة وجهت ضربة كبيرة لسياسات الولايات المتحدة في سوريا.

وتسعى وزارة الدفاع الأمريكية إلى توسيع الجبهة في سوريا ضد تركيا، بهدف إنقاذ وحدات حماية الشعب.

لكن مهما وسعت الجبهة لن يكون من الممكن للبنتاغون أن ترغم أنقرة على التراجع. فتركيا تحررت من الأغلال التي كانت توثقها، ومع تحييد تنظيم "فتح الله غولن" وحزب العمال الكردستاني، انتقلت إلى مرحلة المواجهة مع الأصحاب الحقيقيين لهذين التظيمين.

أما تصريح ماكرون بأنه قدم ضمانات بدعم وحدات حماية الشعب فهو اعتراف صريح بتعاون فرنسا مع الإرهاب، ويكشف بوضوح حقيقة بلدان تقف إلى جانب الإرهاب الذي يضرب تركيا منذ 40 عامًا.

اعتراف الرئيس الفرنسي جاء ليؤكد من جديد عبارة "مشروع تنظيم إرهابي" الواردة في بيان مجلس الأمن القومي التركي بخصوص تنظيمات غولن وداعش وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٨
ترمب وسوريا... الواقع والخيال

تصريح صادم أدلى به الرئيس الأميركي ترمب بتجمع حاشد في أوهايو، خلاصته نيته الانسحاب من سوريا، وأنه قد انتصر على داعش وأنجز المهمة.

هل هذا مجرد دغدغة سياسية «شعبوية» لطبيعة الجمهور الذي كان يخاطبه، وهو جمهور جاهل بالسياسة الخارجية ومقتضيات الأمن القومي «الأميركي»؟

ربما... لكن الحال أن هذا الكلام «يتناقض» مع عزم ترمب على مواجهة إيران والقضاء على «أنشطتها الخبيثة» بالمنطقة، كما يتناقض مع المزاج الأميركي الساخن هذه الأيام ضد الصولة الروسية على الغرب، كما يتنافى مع الحنق الأميركي من الدور التركي بالشمال السوري، عفرين، حيث يعتقد صناع القرار بواشنطن أن أنقرة «تشتت» المعركة الحقيقية وتحرف البوصلة، من خلال عدم التركيز على «داعش» حسب المقاربة الغربية لسوريا.

بالمناسبة، أعداء الحضور الأميركي بسوريا، هم الثلاثي: روسيا، إيران، تركيا، وهم من سيجتمع الأربعاء المقبل، بأنقرة، لتنسيق الجهود السورية، وروسيا مع إيران على وشك تحقيق الغاية في «جريمة» الغوطة الشرقية، استكمالا لمسلسل التهجير الطائفي المستمر بمحطات شهيرة مثل مضايا والزبداني والقصير، وغيرها.

كما أن هذا الإعلان الترمبي، يتناقض مع دلالات تعيين شخص مثل جون بولتون، مستشاراً جديداً للأمن القومي، والأخير داعية صريح لإنهاء حياة النظام الخميني الإيراني، وأيضا يتناقض هذا التصريح مع دلالة تعيين مايك بومبيو، وزيراً للخارجية، وهو عدو لدود للنفوذ الإيراني.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورغم حديثه «الواقعي» عن سوريا حالياً، إلا أنه، وانطلاقاً من هذه الواقعية تحديداً، قال لمجلة (تايم Time) الأميركية: «الوجود الأميركي بسوريا هو السبيل الوحيد لإيقاف تمدد النفوذ الإيراني بالمنطقة بمساعدة حلفائها».

صحيفة الواشنطن بوست، غير الودودة مع ترمب عادة، نشرت مقالة، لـ«جوش روغين» تعليقا على تصريح ترمب، جاء فيها: «ترمب ربما يتراجع عن خطوته هذه فمن أبرز أسباب الوجود الأميركي بسوريا، احتواء النفوذ الإيراني، ومنع أزمة لاجئين جديدة، ومحاربة التطرف، ومنع روسيا من مواصلة بسط نفوذها في المنطقة».

دعك من هؤلاء، النظام الخميني نفسه تلقى رسالة ترمب الأصلية، من خلال تعيين جون بولتون للأمن القومي، بوضوح، فالمعاون السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حسين موسويان، قال بمقابلة مع وكالة «إيسنا» الطلابية الإيرانية، إن: «ما عدا حقبة أوباما - أسفاه عليك يا باراك! - كان العداء موجوداً دائماً بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، لكن سياسة تغيير النظام الإيراني في حكومة ترمب أصبحت علنية».

كل ما يفعله وفعله ترمب خلال السنة وبضعة أشهر من ولايته، لا صلة له البتة، بتصريح أوهايو.

اقرأ المزيد
٢ أبريل ٢٠١٨
خروج الأميركيين وبقاء الإيرانيين

عدا عن القضاء على تنظيم داعش، لم يكن لوجود القوات الأميركية دور حاسم في الحرب السورية. مع هذا فإن انسحابها سيسهل على النظام الإيراني إكمال الفصل الختامي بالاستيلاء الكامل على سوريا، والسيطرة على العراق ولبنان.

الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، فاجأ الجمع المحتشد في أوهايو بقوله «سنسحب قواتنا من سوريا»، وأبلغ مستشاريه «سنغادر إذا قضينا على جيوب (داعش)» المتبقية. وفي نفس الوقت، الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، قيّم الوضع في سوريا، موضحاً أنه، وإن يبدو بشار الأسد باقياً رئيساً فإن عليه ألا يظل تحت سيطرة الإيرانيين وعليه إخراجهم. وأن الوجود الأميركي يوقف مشروع الطريق السريع من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا.

الوضع اليوم في سوريا مثل ثوب ممزق؛ روسيا لها قواعد في مناطق نفوذ النظام. والولايات المتحدة اختصرت وجودها في سوريا في مقاتلة «داعش»، وأنها لن تتدخل في حرب السوريين بعضهم بين بعض. وإسرائيل معنية في «ما قد يهدد أمنها» من الإيراني وميليشياته. وتركيا، هي الأخرى، اهتمامها في مطاردة الأكراد إلى ما وراء حدودها داخل سوريا. ورغم الخسائر التي أصابت الجيش السوري الحر بقيت بعض فصائله صامدة في مناطقها، وقد خيّبت توقعات الكثيرين الذين أعلنوا وفاتها. أما التنظيمات الإرهابية، مثل «جبهة النصرة»، فقد هُزمت، وشُتت، لكن لم يُقضَ عليها تماماً. وظل الأسد واقفاً مستنداً إلى قوتين؛ قوات أرضية إيرانية، وقوة جوية روسية.

ويصعب على أغلبية الناس في العالم العربي، وعلى وجدانها، أن تتقبل فكرة بقاء بشار الأسد حاكماً بعد كل ما فعله. الأمير محمد في حديثه لمجلة «تايم» كان يتحدث عن الوضع كما هو، وهو أن وجود الأسد حقيقة، داعياً إلى ألا يكون واجهة لإيران وميليشياتها.

فوراً، يخطر على البال سؤالان جوهريان: هل بمقدور الأسد طرد الإيرانيين من سوريا؟ والثاني: لو فعل، وخرجوا، هل يستطيع البقاء من دون عونهم؟

في سبيل السيطرة على سوريا خسرت إيران آلافاً من مقاتليها ومقاتلي ميليشياتها التابعة لها، وأهدرت مليارات الدولارات. ولو تم إخراج قاسم سليماني، وقواته الإيرانية وميليشياته من سوريا، فهذا سيعني أيضاً إضعافهم في لبنان والعراق.

وإخراجهم من سوريا سيكون له تداعيات على الداخل في إيران، فمنذ أربع سنوات والنظام يقول إن حربه ضرورة لحماية النظام الإيراني نفسه، وإنها مسألة بقاء له. وقد لا يكون ذلك بعيداً عن الحقيقة، خصوصاً في ظل تكرر الانتفاضات الشعبية في شوارع المدن الرئيسيّة في إيران.

الاختبار الثاني: ماذا لو أن الأسد أمر الحرس الثوري الإيراني، وميليشياته اللبنانية والعراقية والأفغانية وغيرها، بمغادرة أراضي سوريا، واحتمى بالأمم المتحدة والقوى الكبرى لتنفيذ قراره، هل يستطيع النظام السوري المتهالك البقاء من دونهم؟ أشك في ذلك.

فمعظم الذين قاتلوا المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية، وهي من ضواحي دمشق، كانوا من إيران و«حزب الله» اللبناني والعراقي، والروس يقومون بالهجوم الجوي. فإذا كانت قوات الأسد عاجزة عن إدارة وتنفيذ معركة في أطراف العاصمة، فكيف ستدير وتحرس دولة بحجم سوريا ورثت عداوات وثارات من حرب السنوات السبع الماضية؟ ولا ننسى أن معظم قوات النظام الأمنية والمسلحة الأخرى اندثرت في الحرب، نتيجة انشقاقات واسعة، وخسائر بشرية، وهروب العديد إلى الخارج ممن بلغوا سن الخدمة العسكرية.حتى لو أراد الأسد بدء صفحة جديدة، ووافق الجميع على إنهاء النزيف، فإنه لا أحد سيصدق أيَّ وعد بخروج قوات نظام طهران التي ستماطل، وقد حفرت لنفسها خنادق وقواعد تشير إلى أنها تنوي الإقامة في سوريا. كبداية، قد يتطلب الأمر حلاً دولياً يعتبر وجود القوات الإيرانية قوة احتلال ويأمرها بالخروج.

اقرأ المزيد
٢ أبريل ٢٠١٨
وداعاً يا غوطتي.. سنلتقي قريباً

وكأنني جسدٌ غريقٌ في بحر الذكريات، يحاول التشبث بقطعة خشب من ذاك الزورق الذي خانته الرياح، وفرّقت ركابه، قبل أن يصل إلى شاطئ النجاة..

وكأنني طفلةٌ ضائعةٌ في طريقٍٍ مجهول، تبحث عن يد أمها التي تركتها دون قصد، وتسمع صوتَ والدها ينادي اسمها بصوتٍ عالٍ، تحاول البحثَ عنه، لكن لصَّاً متخفياً، يغلقُ فمها ويمنعها من الوصول إليه..

وكأنني حلمٌ لم يكتمل.. قتله الواقعُ الأليم في منتصف الطريق، وسلب منه إصراره على الصمود، ليرميه ميتاً، دون أن يراهُ أحد. وكأنني جسدٌ بلا روح.. لم أكن أستوعبُ هذا الوصف حتى عشته، فكيف لجسدٍ أن يعيش بلا روح؟!

أنا الآن أعيشُ في منأى عن بلدتي، حارتي، منزلي، وحتى أهلي، لن أراهم بعد اليوم.. كانت تفصلني عنهم أمتارٌ قليلة، واليومَ تفصلني عنهم عدةُ بلداتٍ وحواجزُ للنظام بعد تسليم بلدتي..

ودعتهم قبل أيام، وشعورُ "العجز" كان يسيطر على لحظاتِ الوداع.. أنا عاجزةٌ عن البقاء لأن إنسانيتي لا تسمح لي بالعيش مع سفاحين ومجرمين، لم يتركوا سلاحاً إلا وجربوه علينا وعلى أطفالنا.. وأهلي عاجزون عن الخروجِ من أرضهم، ونفيهم خارج حدودِ تلك البلاد.. كانت المرةُ الأولى التي أرى فيها والدي منهاراً لهذه الدرجة، وكأنه عاجزٌ عن حمايتي من مجهولٍ ينتظرني.. ودعتهم، لكنّ روحي أبَت أن تودعهم.. أشعرُ بروحهم معي في كلّ لحظة..

دعواتُ أمي وأبي تحيطُ بي وترعاني، أشعرُ بنسماتِ دعواتهم تمنحني الراحةَ والقوةَ والصبر.. "الله يبعتلك حناين" هذا آخرُ دعاءٍٍ سمعته من أمي، والحمد لله، مواقفُ عدة تشعرني باستجابة الله لهذا الدعاء، وتأثيره واضحٌ على حياتي اليومية في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها..

أكثرُ ما يريحني هذه الأيام، شعوري أن "الله يحبني". ليس سهلاً ما نعانيه، ومن الصعب التأقلمُ عليه، لكنني على يقين أنه "ابتلاء وامتحان من الله"، وأن الله إذا أحبَّٖ عبداً ابتلاه.. يريحُني أن الله يغفر لي ذنوبي مع كل ساعةِ صبرٍ واشتياقٍ وألم، ومع كل دمعة لذكريات ذهبت ولن تعود.. "غرقتْ مع ذاك الزورق الذي خانته الرياح"..

ولربما تصبحُ هذه الأيام المؤلمة، "ذكرى"، نخبرُها لأطفالنا وأحفادنا يوماً، ونحمدُ الله أننا نجونا منها بأعجوبة.. شكراً يا الله لأنك معنا..

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان