مخيم اليرموك.. تحرير أم تدمير؟!
بعد النكبة الثانية ومنذ الخروج الكبير من مخيم اليرموك الذي تلا قصف طيران الميغ التابع للنظام لجامع عبد القادر الحسيني منتصف كانون أول ٢٠١٢ لا يزال المخيم ينام على اتفاق ويستيقظ على انهياره؟! ولا يزال ذات السؤال يتردد على مدار ست سنوات لماذا تنجح الاتفاقات والمصالحات في بقية المناطق وتفشل في المخيم؟! ولا جواب منطقي ولا مبرر موضوعي لذلك؟!
حتى عصر يوم الخميس ١٩ نيسان أبريل الحالي كانت الأمور تسير على ما يرام وفق أكثر من مصدر مطلع على مجريات المفاوضات وارتفع منسوب الأمل لدى ما تبقى من أهلنا في المخيم المحاصر على مدار سنوات ولدى عشرات الآلاف من مهجريه الذين ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء أزمته والعودة إلى بيوتهم وديارهم بعد أن أنهكتهم الغربة وتبعاتها المادية والمعنوية. وعلى غير المأمول بدأت الحملة العسكرية للنظام السوري والقوات الروسية وحلفائهم بعد انهيار المفاوضات وكل جهة تحمل الأخرى تبعات ذلك رغم أن ثمة رواية هذه المرة تؤكد أن فصيلاً معيناً لدى داعش يدعى "الأنصار" هو الذي تعنّت ورفض المغادرة.
لا شك لدينا في الدور المشبوه والتخريبي لداعش وأخواتها في محنة المخيم لا بل إن هناك العديد من إشارات الاستفهام حول كل نشأتها ومشروعها في المنطقة وتزداد إشارات الاستفهام هذه حول طريقة ومبررات دخول داعش إلى المخيم في مثل هذه الأيام من شهر نيسان قبل ثلاث سنوات تحت دعاوى"تحرير" المخيم وإنقاذ أهله وكذا جعله قاعدة للانطلاق إلى قلب العاصمة دمشق وهو مالم يحصل بالطبع ولم يكن متوقعاً أن يحصل أصلاً وقد قلنا ذلك مراراً وتكراراً في أكثر من محفل.
دعاوى "تحرير" المخيم وشعارات تخليصه من هذا الواقع المرير رفعها الجميع وركب موجتها الكل إلا أن الخاسر الأكبر في كل جولة ومعركة منها هو اللاجئ الفلسطيني وجوهر قضيته المتمثلة بحق العودة ومحاولات شطبه ولا يختلف في ذلك اثنان ولا يتناطح عنزان كما يقال؟! فهل من المنطقي أن تخوض بقايا داعش وجبهة النصرة معركة بحجم هذه المعركة ضمن مناطق محاصرة وساقطة عسكرياً بعد كل ما جرى في الغوطتين؟! ولماذا هذا التعنّت في المغادرة والذي تبدو نتائجه واضحة لكل بصيرة وهل من المتوقع أن لا تكون النتيجة الحتمية هي التدمير الشامل للمخيم ومحيطه؟!
من حقنا هنا أن نتساءل عن تعنّت داعش وأخواتها في كل ما يتعلق بوجودها ضمن المخيمات الفلسطينية ومحيطها في حين تمر جميع هذه الاتفاقات بسهولة وسلاسة في مناطق أخرى بل إن بعضها تم انسحاب داعش منها في صورة هي أقرب للاستلام والتسليم؟!
باختصار ما يجري للمخيمات الفلسطينية في سورية بشكل عام هو استهداف ممنهج ومدروس وما يجري لمخيم اليرموك بشكل خاص هو تدمير وشطب لرمز مهم لا بل الأهم من رموز حق العودة وقضية اللاجئين يعيدنا بالذاكرة إلى كل التهديد والوعيد الذي تلقاه المخيم من كل خصومه وأعدائه وفي مقدمتهم المجرم شارون" لك يوم يا مخيم اليرموك"؟!
إن تواصـل النـزاع فـي سـورية أدى إلى تمزيـق حيـاة المدنيـين، إذ سـبب الوفيات والإصابات والتهجيـر الداخلي، وأحـدث أضـراراً واسـعة النطـاق بالبنيـة التحتية المدنيـة، ما يـؤدي إلـى اشـتداد الاحتياجـات الإنسـانية. حيث تعانـي المخيمات والتجمعـات الفلسطينية مـن العنـف المنفلـت، ومن القيـود التي تكبل قدرة قاطنيها علـى التنقـل بحريـة، والانتهـاكات المسـتمرة للقانـون الإنسـاني الدولـي والقانـون الدولـي لحقـوق الإنسـان. ويعـد الفلسـطينيون ضمـن أشـد الفئـات تضـرراً مـن النـزاع. فمـن قرابـة ٤٣٨ الف لاجـئ فلسـطيني لايزالـون داخـل سـورية، يوجـد أكثـر مـن 95 % منهـم ٤١٨ ألف فـي حاجـة حرجـة للمسـاعدات الإنسـانية الثابتـة. ويعانـي حوالـي ٢٥٤ ألف مـن التهجيـر الداخلـي، فيمـا يقـدر أن ٥٦٦٠٠ عالقـون فـي مواقـع يصعـب أو يسـتحيل الوصـول إليهـا. وقد نـزح أكثـر مـن ١٢٠ ألف لاجـئ فلسـطيني مـن سـورية عـن البلـد، وتوجـه حوالـي ٣٢٥٠٠ مـنهم إلـى لبنـان فيمـا وصل ١٧ ألف إلـى الاردن وقرابة ٨ آلاف إلى تركيا و١٠ آلاف إلى مصر وألف إلى قطاع غزة.
والعديـد مـن هـؤلاء يعيشـون حيـاة مهمشـة ومحفوفـة بالخطر بسـبب عـدم وضـوح مكانتهـم القانونيـة ومحدوديـة آليـات الحمايـة الاجتماعية، ممـا يجعلهـم معتمديـن بشـدة علـى الأونـروا فـي تأميـن احتياجاتهـم الأساسـية. هكذا تبدو حال فلسطينيي سورية بعد سبع سنوات من الأزمة بحسب النداء الطارئ لعام ٢٠١٨ بشأن أزمة فلسطينيي سورية الإقليمية الذي أطلقته الأونروا مطلع هذا العام مع ملاحظة أن هناك قرابة ٧٥ ألف فلسطيني لم تلاحظهم الأونروا في إحصائياتها كونهم إما غير مسجلين لديها أو يعيشون الآن خارج نطاق مناطق عملياتها لأن تعداد الفلسطينيين الذي كانوا متواجدين في سورية قبل الأزمة وصل تقريبا إلى ٦٣٥ ألف لاجئ.
والحال كذلك فإن ثمة أسئلة يستدعيها هذا الملف برمته على الأصعدة كافة ولعل في مقدمتها سؤال الواقع والمصير في ظل ما سبق من معطيات ربما سلطت الضوء على جزء من الواقع لكن المصير يبدو مجهولاً ويكتنفه الكثير من الغموض ما يفرض طرح عدة سيناريوهات تحتاج من دون شك رؤية واضحة للتعاطي معها لاسيما أن السمة العامة للتعاطي مع هذه الازمة كان منذ بدايتها التخبط والارتباك ويبدو أن حجم التعقيد يزداد بازدياد تعقد الأزمة السورية ذاتها وتحول سورية إلى ملعب أممي لتصفية حسابات دول كبرى وحروب بالوكالة يدفع ثمنها بالدرجة الأولى سكان البلد وقاطنيه ويجني ثمارها تجار الأزمات ومفتعليها.
وهنا يقفز إلى الواجهة سؤال مفاده: ترى من المسؤول عن هذا الملف؟ وفي عهدة من؟ لا يمكن أن يكون مقبولاً من الأونروا مجرد إبداء القلق ومناشدات التحذير كما جاء على لسان ناطقيها كما لا يمكن أن يكون مقبولاً هذا الصمت المريب من الفصائل الفلسطينية فبعد بضع ساعات من الضربة الأمريكية لسورية والتي استمرت فقط ٥٠ دقيقة ولم تقتل فيها ذبابة واحدة كانت جميع الفصائل الفلسطينية قد دبّجت بيانات الشجب والاستنكار والإدانة سينقضي يوم كامل من القصف على مخيم اليرموك المحاصر منذ سنوات والذي أدى لقضاء شهيدين مدنيين حتى اللحظة ولم نسمع لأي من الفصائل الفلسطينية حسيساً؟!
الكل مسؤول. نعم، الكل مسؤول. منظمة تحرير، وفصائل تحالف. فلا يجوز التلطي خلف تعقيدات المشهد السوري والهروب إلى الأمام وترك فلسطينيي سورية تطحنهم سلسلة تشابُك المصالح الدولية والإقليمية وتضارُبها. فإذا كان صانع القرار الرسمي الفلسطيني قد وصل إلى نتيجة مفادها صعوبة حل الأزمة، فليس الأمر أقلّ من إدارتها على كل المستويات، سواءٌ في الداخل السوري أو خارجه.
لقد آن الأوان لتشكيل مرجعية وطنية لإدارة هذا الملف بعيداً عن المناكفات السياسية والحسابات الفئوية والحزبية التي ملّ منها فلسطينيو سورية لاسيما أنه بدا واضحاً أنهم مكشوفون تماماً ومن دون ظهير لا بل بلا أسوار؟!