تعرضت الهيئة العليا للمفاوضات المشكلة في عام 2015 لانتقادات كثيرة من الناشطين السوريين، بسبب عدم فاعليتها وعدم قدرتها على التأثير في الأحداث السورية بخاصة على صعيد وقف تدهور المعارضة منذ هزيمة حلب الشرقية في العام 2016، وبسبب غياب الآلية الضرورية للمحاسبة من ضمن الهيئة. غالباً ما كان مصير هذه الأصوات التجاهل أو الصمت على أحسن الأحوال، وتتالت خسائر المعارضة السورية في داريا وحمص والغوطة الشرقية والتي أعقبتها انسحابات متتالية للمعارضة المسلحة من المناطق التي سيطرت عليها على مدى سنوات إلى الشمال السوري، طبعاً التقدم العسكري للنظام لم يكن ليتحقق لولا وجود القدرة النارية الهائلة للسلاح الجوي الروسي بالإضافة إلى التخلي تماماً عن قانون الحرب من القوات الروسية والنظامية السورية لجهة استخدام الأسلحة المحرمة دولياً من مثل القنابل العنقودية واستهداف المدنيين بكثافة والبراميل المتفجرة بشكل عشوائي، ما جعل المعارضة تفضل خيار الانسحاب لحفاظ أرواح المدنيين بدل التمسك بالأرض.
بموازاة ذلك، كانت مفاوضات جنيف وآستانة تعقد من دون نتائج تذكر. فريق الهيئة العليا للمفاوضات هو الذي كان يشرف على المفاوضات في جنيف، وقد تعرض هذا الوفد لانتقادات من جانب روسيا بسبب رفضه المشاركة في محادثات آستانة وتمسكه برحيل الأسد والتفاوض حول المرحلة الانتقالية كأساس لقرار مجلس الأمن 2254، لكن روسيا وجهت انتقادات علنية لرئيس الهيئة واعتبرت أنه من «المتشددين» وأنه يضع شروطاً مسبقة للتفاوض.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الهيئة مُشكّلة من مكونات سياسية كالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي يعمل من إسطنبول وهيئة التنسيق التي مقرها القاهرة؛ وعليه، فتوسيع الهيئة العليا للمفاوضات يجب أن يتم بالاستشارة مع هذه المكونات.
لم يكن النظام السوري في يوم من الأيام جاداً في الدخول في عملية المفاوضات أو الوصول إلى مخرجات تبنى على المفاوضات السياسية في جنيف. بالنسبة إليه، لم تكن تعني المفاوضات سوى فرصة لتلميع وإعادة تأهيل النظام دولياً وفي الوقت ذاته كسب الوقت بهدف تغيير الوقائع على الأرض وهو ما حدث تماماً.
ففي كل جولة من المفاوضات يتحجج النظام بحجج واهية من أجل تجنب أو رفض الدخول في مفاوضات جادة بشأن تنفيذ القرار 2254، ففي الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف تحجج النظام ببيان مؤتمر الرياض2 الذي طالب «مواربة» برحيل بشار الأسد برفض القبول بمفاوضات مباشرة مع وفد المعارضة السورية الذي انبثق عن مؤتمر الرياض2.
الجولة السابعة استمرت على مدى جولتين، تأخر وفد النظام السوري حتى وصل إلى جنيف وقطع الجولة الأولى عائداً إلى دمشق بحجة إجراء مشاورات وكلها تظهر مناورات صغيرة، بهدف إفراغ المفاوضات من معناها وإنهاء الثقة نهائياً بقدرة المفاوضات في جنيف في الوصول إلى حل للأزمة في سورية؛ فما زال النظام السوري يحتفظ بتصور بقدرته على إنهاء الحرب والعودة إلى حكم سورية كما كانت قبل بداية الثورة السورية، من دون حد أدنى بالاكتراث بمصير مئات الألوف من المعتقلين السياسيين أو الملايين من المهجرين واللاجئين الذين فروا من أتون الحرب السورية ويعيشون أوضاعاً صعبة للغاية لاسيما في لبنان والأردن وغيرها من بلدان اللجوء.
أعتقد اليوم، مع سيطرة النظام السوري بشكل كامل على الغوطة الشرقية أن فكرة المفاوضات انتهت عملياً، فالنظام الذي لم يكن مستعداً للمفاوضات خلال لحظات ضعفه، لن يقبل بالمفاوضات الآن وهو يشعر بالنصر الفارغ بعد الغوطة، لا سيما أن روسيا ستمثل حماية دائمة له في مجلس الأمن وفي كل المحافل الدولية، تحميه من أية محاسبة دولية ممكنة، وهو ما يضع المعارضة السورية أمام مفترق صعب يقوم أولاً على تحدي بناء قدراتها الذاتية وتدعيم وحدة صفوفها وبناء خطها السياسي وتدعيم علاقاتها مع حلفائها الإقليميين والدوليين، تبدو هذه الأجندة مكثفة للغاية لكنها في الوقت نفسه تبدو الأجندة الوحيدة التي ربما تمكن السوريين من امتلاك مستقبلهم، فبناء وحدة المعارضة سياسياً بعد الهزائم العسكرية يعد من أهم الأولويات التي تمنع الأسد من تحقيق «النصر الوهمي»؛ فهو لن يتمكن من إعادة سيادة أراضيها ولن يتمكن من إعادة إعمارها، وأمام هذه الشروط يجب أن تكون المعارضة قادرة على تقديم بدائل للشعب السوري، وتقديم بدائل سياسية تخدم مصالحها وتعيد توحيد صفوفها.
الأبشع من الهزيمة هو قبولها والقبول النفسي بنتائجها، ولذلك أمام الذين هزموا نفسياً من المعارضة السورية أن ينسحبوا فطريق النضال طويل، وربما تكون الهزيمة العسكرية أقساها لكنها لم ولن تكون نهاية الطريق، فالثورة السورية ولدت في أظرف الصعوب وستبقى الطريق الوحيد لتغيير نظام حكم يعتقد أنه يمكنه من استمرار حكم السوريين بالقسوة والعنف والقتل والتدمير، يستحق السوريون نظاماً أفضل، وهو لن يتحقق من دون أن تقدم المعارضة خيارات أفضل وعلى رأس هذه الخيارات أن تقنع السوريين والعالم بأنها تستطيع توحيد صفوفها من دون أجندات خارجية، وأنها تستطيع العمل معاً لإخراج السوريين من أصعب اللحظات في تاريخهم الحديث، فلا أقسى من أن يفقد الإنسان الأمل بالحياة ، ويصبح له الموت أكثر راحة وأماناً من العيش على سطح الأرض، ليست هذه سورية التي نحلم بها، وليست هذه سورية التي ننتسب إليها.
هل عادت موسكو إلى «النغمة الأولى» التي عزفت عليها عند بدء تدخلها العسكري في سوريا قبل ثلاث سنوات؟؟ ربما، فقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل يومين إن «موسكو لم تتخذ قرارها بشأن سوريا من أجل التباهي بالأسلحة أو لعرض قوتنا، بل انطلقنا من البيانات التي كنا نملكها والتي أثارت قلقنا، والمتمثلة بوجود 2000 شخص من روسيا كانوا ضمن صفوف داعش وجبهة النصرة بالإضافة إلى 4500 شخص من آسيا الوسطى».
كان هذا فعلا هو التبرير الروسي في البداية قبل أن تتعقد الأمور ويتجلى بوضوح أن المسألة أبعد من ذلك بكثير. وقد روى الدكتور برهان غليون أنه مع بداية إرسال القوات الروسية إلى بلاده التقى في سفارة موسكو في باريس بميخائيل بوغدانوف المبعوث الرئاسي الخاص لمنطقة الشرق الأوسط بناء على طلبه فكان أن قال له إن هذا التدخل إنما جاء فقط لتصفية هؤلاء المقاتلين الجهاديين من الشيشانيين وغيرهم قبل أن يعودوا إلى البلاد ويسببوا فيها الكوارث وأن المسألة برمتها لن تستغرق أكثر من شهرين أو ثلاث.
ابتسم الدكتور غليون لهذا الكلام وقد كان محقا في ذلك. يبدو اليوم أن ما دعا موسكو إلى التعلل من جديد بهذه الحجة هو هذه الهجمة الدبلوماسية الغربية الكبيرة ضد موسـكو وتصعيد الضغوطات عليها عبر طرد الدبلوماسيين وزيادة العقوبات وما صاحب ذلك من تأكيد الاتهام عن استعمال أسلحة كيمياوية على التراب الأوروبي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. لقد جعلت القيادة الروسية تفضل العودة من جديد إلى مربع الحديث عن «محاربة الإرهاب» في سوريا، من أضيق أبوابه، أي الدفاع عن روسيا من إرهاب محتمل سيعود إليها عبر أبنائها المنخرطين في النزاع هناك.
بوتين، وفي مقابلته مع قناة روسية وردت ضمن البرنامج الوثائقي «النظام العالمي 2018»، لم يكتف بذلك وإنما أضاف محذرا أن «انهيار الدولة في سوريا محفوف بمخاطر ظهور بؤر إرهابية واسعة ستمتد لعقود طويلة، ولو لم تقدم روسيا على ضرب الإرهابيين ولم تساهم في إعادة بناء هياكل الدولة لكانت العواقب سيئة للغاية ولكنا أمام حالة شبيهة بأفغانستان».
هذه الإشارة إلى أفغانستان لا تبدو عبثية ففيها تلميح واضح المعالم من أنه لولا روسيا لتورطت الدول الغربية، وأساسا الولايات المتحدة، في مستنقع لا يقل بؤسا ودموية عما حصل لها هناك. وحتى لا يكتفي الروسي بإشارات تبريرية وأخرى تحذيرية، ها هو بوتين يبدي في نفس المقابلة تفهما «غاية في البراءة» للمصالح المتشابكة الإقليمية والدولية في المنطقة. لقد قال في ذات المقابلة إن «لكل دولة في الشرق الأوسط مصالحها، وأعني هنا إيران والسعودية وتركيا ومصر وإسرائيل، والأردن، كما أن هناك مصالح اللاعبين الدوليين، كالولايات المتحدة والصين والهند وروسيا، لذا ينبغي التعامل باحترام مع مصالح الجميع علما بأن العملية صعبة».
ولا يقف بوتين عند هذا الاعتراف بل ويذكر الجميع أنه «مهما كانت درجة صعوبة العلاقات بين دول المنطقة، إلا أننا جلسنا إلى طاولة واحدة مع تركيا وإيران ولعبنا دور الضامن للاتفاقيات في سوريا». إنها إشارة إلى أنه لا غنى عن روسيا في مثل هذا السياق، إنها الوحيدة القادرة اليوم على الجلوس على نفس الطاولة مع لاعبين أساسيين في سوريا، تركيا وإيران، فمن قادر غيرها على أن يفعلها؟!!
و سواء جاء كلام الرئيس الروسي حديثا، و بالتالي مراعيا للوضع الحالي الصعب لبلاده في علاقاتها مع الولايات المتحدة و معظم الدول الغربية التي يبدو و كأنها اجتمعت عليه كنوع من «الشيطنة المنظمة» كما تراها موسكو، أو أن كلامه مسجل قبل فترة، خاصة و أنه قيل في برنامج وثائقي، فإن الكلام في كلتا الحالتين عبارة عن رسالة واحدة مفادها أن ما تفعله موسكو في سوريا هو تقريبا دفاع شرعي عن النفس يجب أن نشكر عليه، لا أن تنتقد، لأنه جنبكم ويلات عدة و نحن، مع ذلك، مستعدون لتفهم هواجسكم و مخاوفكم و قادرون على تسوية الأمور مع أنقرة و طهران و لا أحد أقدر منا على ذلك.
يأتي كل هذا الكلام الروسي عن سوريا في وقت يعيش فيه أهالي الغوطة الشرقية مذلة الاعتقالات والتجنيد الانتقامي وتقسيم العائلات وتشريدها، بعد أسابيع من القصف المتوحش عليهم من الطيران الروسي وطيران النظام معا بذريعة أن إرهابيين يوجدون هناك وهو كلام على افتراض صحته الكاملة أو المنقوصة لا يعطي لأحد الحق في تدمير ممنهج للمباني وقتل للمدنيين وبالأسلحة المحظورة دوليا لمجرد أن ما قيل هو فعلا كذلك.
ربما لو حصلت روسيا من العرب، أو بعضهم على الأقل، على معاملة مماثلة لما يفعله الغرب بها الآن لما تجرأت على السوريين كما تجرأت، ولما واصلت كما تواصل، سواء على الأرض أو في تصريحات قيادييها الذين يبدون كمن يحركون السكين في الجرح بعد رشه بالماح أيضا.
هناك بعض الجهات التي رغبت في إطالة مدة عملية عفرين وسقوط عدد كبير من الشهداء الأتراك وبالتالي دفع تركيا للقلق والتشاؤم، لكن عندما تمكنت القوات المسلحة التركية وقوات الجيش السوري الحر من السيطرة على مركز عفرين في مدة شهرين باءت هذه الجهات بالفشل.
تأسيس الكانتونات في مناطق جيزرة وكوباني -عين العرب- وعفرين في شهر يناير/كانون الثاني سنة 2014 وإعلان حزب الاتحاد الديمقراطي عن تأسيس دولة مستقلة في الأراضي السورية في شهر يونيو/حزيران سنة 2015 وتخلي داعش عن منطقة تل أبيض وتسليمها لوحدات الحماية الشعبية دون أي مقاومة عقب انتخابات 7 يونيو/حزيران التركية، جميع هذه التطورات كانت تشير إلى ضرورة تدخّل تركيا في مجرى أحداث القضية السورية، لأن احتمال اتحاد مناطق جيزرة وكوباني وتل أبيض يشكّل مرحلةً هامة في إطار تأسيس الممر الإرهابي، وذلك يعني استعادة المناطق الممتدة من جرابلس إلى الباب تحت مسمى الصراع ضد داعش وتسليم هذه المناطق لحزب الاتحاد الديمقراطي وبالتالي اتحاد عفرين وكوباني في النهاية.
كما يجب التذكير بمحاولة بي كي كي لنقل الحرب السورية إلى تركيا عقب سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على منطقة تل أبيض، وذلك من خلال إفساد الهدنة المعقودة مع بداية مرحلة إيجاد الحل المطروحة من قبل الحكومة التركية، وهدف بي كي كي من ذلك هو تأسيس ممر إرهابي في الجنوب الشرقي للدولة التركية وبالتالي تأسيس دولة مستقلة تحت سيطرة بي كي كي.
أدت الهجمات الإرهابية المنفذة من قبل داعش وبي كي كي ضد الدولة التركية إلى بداية صراع مكثف ضد الإرهاب في الداخل التركي، وأدى هذا الصراع إلى إيقاف مداخلات تركيا في مجرى الأحداث السورية، كما أن تسرّب عناصر تنظيم الكيان الموازي إلى كوادر القوات المسلحة التركية كان يشكّل عائقاً هاماً في وجه تدخّل تركيا في الحرب السورية، لكن عندما أدى ثبات الرئيس التركي أردوغان وإصراره على موقفه إلى فشل هذه المخططات جاءت حادثة إسقاط الطائرة الروسية لتدفع الدولة التركية إلى الدخول في حرب جديدة ضد روسيا، وكذلك استمرت محاولات إبعاد تركيا عن التدخّل في التصميم المخطط له حيال الأراضي السورية، كما أن الجهات المعارضة للرئيس أردوغان في الداخل التركي ساهمت في هذه المحاولات أيضاً، إذ حاولت هذه الجهات خداع الرأي العام التركي وإبعاده عن حقائق الأحداث السورية من خلال نشر الإشاعات التي تشير إلى أن الدخول إلى سوريا يعني الوقوع في فخ وأن الرئيس أردوغان يحاول خلق حرب جديدة وأن تركيا لا شأن لها في مجرى الأحداث السورية، وبالفعل تمكنت الجهات المعارضة للرئيس أردوغان من الاستمرار في خداع الرأي العام لمدة طويلة.
أدّى تحوّل روسيا إلى قوة جوية تابعة للنظام السوري ووجود احتمال نشوب حرب جديدة بين الدولتين التركية-الروسية في حال تدخّل تركيا في القضية السورية إلى إعاقة تقدّم الدولة التركية لمدة طويلة، لكن في سنة 2016 توضّح أنه لا يمكن لأنقرة الاكتفاء بمشاهدة التطورات التي تشهدها الحرب السورية، وبالتالي جاءت الخطوات الأولى في سبيل تحسين العلاقات التركية-الروسية في شهر مايو/أيار، وبدأ التقارب بين الحكومتين في شهر يونيو/حزيران، وبعد مرور شهر على هذا التقارب تعرضت الدولة التركية لمبادة انقلاب 15 يوليو/تموز، لكن لم تكن محاولة الانقلاب المنفذة من قبل تنظيم الكيان الموازي مجرّد صدفة، بل كانت تهدف إلى القضاء الرئيس أردوغان وبالتالي إضعاف الدولة التركية وإبعادها عن الدخول إلى سوريا، لكنهم فشلوا في ذلك بسبب وقوف الشعب التركي إلى جانب الحكومة والرئيس أردوغان.
وبعد مرور 40 يوماً على محاولة الانقلاب أعلنت الحكومة التركية عن بداية عملية درع الفرات قبيل قدوم "جوي بيدين" مساعد الرئيس الأمريكي أوباما إلى أنقرة، وبذلك أوضحت الحكومة التركية لأمريكا أن المحاولات التي تبادر بها واشنطن لن تستطيع منع تدخّل تركيا في أحداث الحرب السورية، لكن ذلك لم يكن كافياً لإيقاف أمريكا.
مع تقدّم القوات المسلحة التركية وقوات الجيش السوري الحر إلى أطراف مدينة الباب السورية جاءت حادثة اغتيال السفير الروسي "أندريه كارلوف" في العاصمة أنقرة، وبذلك حاولوا دفع تركيا للدخول في حرب ضد روسيا مرة أخرى، لكن تمكنت الحكومتان التركية-الروسية من الوقوف في وجه هذا المخطط من خلال إدراك وجود أيد أخرى خلف هذه الحادثة والحفاظ على الهدوء خلال المباحثات التي جرت في خصوص حادثة اغتيال السفير الروسي، ولم تكتف الحكومة التركية بذلك، بلا حافظت على استمرار عملية درع الفرات وبالتالي انتهت العملية بدخول القوات المسلحة التركية وقوات الجيش السوري الحر إلى بلدة الباب.
ومع استمرار القوات المسلحة التركية وقوات الجيش السوري الحر في التقدّم نحو عفرين أدى هذا التوسّع السريع إلى دفع أمريكا للتساؤل حول دخول تركيا إلى منبج أيضاً.
إن ما تقوم به تركيا في الداخل السوري لا يقتصر على الوقوف في وجه تأسيس ممر إرهابي فقط، إنما يشكّل حاجزاً يمنع تقدّم نظام الأسد نحو الشمال السوري أيضاً، ويمكن القول إن الخطوات التي ستُتخذ في سوريا ستكتسب وضوحاً أكثر بناءً على نتائج الاجتماع الذي سيٌعقد في مدينة اسطنبول التركية في 4 أبريل/نسيان بين الرؤساء أروغان-بوتين-روحاني.
هل ستحاول الجهات التي دفعت تركيا إلى الدخول في حرب ضد روسيا إعادة السيناريو ذاته ولكن هذه المرة ضد أمريكا في منبج؟ أي هل ستبادر الجهات التي فشلت في تأسيس ممر إرهابي في الشمال السوري بإعادة تحويل مجرى الأحداث لصالحها من خلال دفع الدولة التركية في حرب جديدة ضد أمريكا؟
السؤال الأكثر تداولًا في الكثير من العواصم هو ما الهدف التالي لأنقرة. أثبتت عملية غصن الزيتون عزم تركيا وقدرتها، وقدمت مؤشرات قوية على أن العمليات العسكرية التركية ستتواصل في سوريا والعراق.
اتضح أن منبج وشرق الفرات وشمال العراق.. وكل مكان فيه حزب العمال الكردستاني أصبح هدفًا لتركيا. لكن ما يثير فضول الجميع هو توقيت وحجم العملية.
ديناميات المناطق الثلاث المذكورة مختلفة. ففي عفرين شهدنا مفاوضات مكثفة مع موسكو لأن المدينة تقع تحت النفوذ الروسي.
وتقع منبج وشرق الفرات تحت النفوذ الأمريكي، علاوة على وجود للنظام السوري.
أما شمال العراق، فالمعني به الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم الكردي، وحتى إيران.
بطبيعة الحال ستحدد تركيا توقيت وحجم العمليات وبناء عليه تقدم على الخطوات اللازمة، لكن للمفاوضات مع اللاعبين المذكورين دور في تحديد توقيت العمليات واتساع رقعتها.
رغم التصريحات الأمريكية بعدم وجود اتفاق مع تركيا وأنها لا تفكر بالانسحاب من منبج، إلا أن من الواضح استمرار الحوار بين الجانبين.
كان هناك مباحثات تأجلت مع إقالة تيلرسون ومكماستر. وعقب عملية عفرين نلاحظ وجود موقف أمريكي جديد من تركيا.
ولهذا فإن بومبيو ويولتون سيتحفظان على هذا الموقف في حال التوافق على قواسم مشتركة. فبومبيو قد يحقق توازنًا بخصوص "هاجس حزب العمال الكردستاني" المسيطر على قيادة القوات المركزية الأمريكية، التي تملك نفوذًا لدى ترامب في الملف السوري.
أما بولتون فمربط الفرس بالنسبة له هو إيران. أظهرت عملية عفرين قدرات تركيا من جهة، وأن حزب العمال الكردستاني لا يمكنه تحقيق توازن مع إيران من جهة أخرى.
إذا تصرفت الولايات المتحدة بموجب هذه الحقائق، يمكن عندها حل مسألة منبج بالتفاهم.
في شرق الفرات، يمكننا الحديث عن مسار في اتجاهين. يمكن لتركيا القيام بعمليات متزامنة على معاقل الإرهاب قرب الحدود من جهة، والمناطق التي مارس فيها حزب العمال التطهير العرقي من جهة أخرى.
في الاتجاه الآخر، يمكن بذل جهود مع الولايات المتحدة من أجل صياغة جديدة للمنطقة. وفي هذا السياق يمكن إدخال الجيش الحر الذي أثبت نفسه في عفرين إضافة إلى عشائر المنطقة، التي يقيم معظمها في تركيا، في العملية.
وإذا تم التوصل لاتفاق بخصوص منبج، يمكن أن يشكل نموذجًا لشرق الفرات، لكن لا بد من التذكير بوجود النظام في المنطقة، التي تملك الجزء الأكبر من الأراضي الزراعية وموارد الطاقة في سوريا.
لن يكون من السهل أن يتخلى النظام عن هذه المناطق، ولن يكون بإمكان الولايات المتحدة فرض الاستقرار فيها مع حزب العمال الكردستاني، دون أن تضاعف عدد قواتها.
نأتي إلى شمال العراق. سيتأثر سير العملية هناك بالانتخابات في العراق، والعلاقات مع الإقليم الكردي، وسياسات إيران المثيرة للريبة. يمكن وضع العلاقات مع الإقليم على أرضية جديدة، بيد أن إيران ستواصل دورها في إثارة العقبات في العلاقات مع حكومة بغداد.
عقب عملية عفرين، وفي ظل المعادلة الجديدة التي تنص على القضاء على الإرهاب في منبعه، لن تتورع تركيا عن تنفيذ عمليات بمفردها في المنطقة (سنجار وقنديل). ولن يكون مدهشًا تنفيذ عمليات متزامنة في سوريا والعراق.
"بي كي كي"، "كي جي كي"، "كونغرا- غيل"، "واي بي جي"، "بيجاك"، "تاك"..
وهناك أيضًا أسماء لا تحضرني الآن، علاوة على الأجنحة السياسية لهذه التنظيمات؛ حزب الشعوب الديمقراطي، حزب الاتحاد الديمقراطي، إلخ..
لا أدري إن كان هناك على سطح الأرض تنظيم آخر يغير اسمه بهذه السرعة وفقًا للزمان والمكان الذي يوجد فيه.
نعلم أن بعض الشركات تلجأ من حين لآخر إلى تغيير اسمها سعيًا للتهرب من الديون أو الضرائب. يمكننا أن نتفهم ذلك، لكن ما المكسب الذي يحققه التنظيم من هذا التكتيك؟
ألا يضر تغيير الاسم المستمر بشهرة التنظيم؟
***
أولًا، الهدف الرئيسي من تغيير الاسم هو التأثير على الرأي العام والحكومات في الخارج.
لكون حزب العمال الكردستاني ليس نتاج "عقل محلي"، فإن صورته لدى المجتمع الدولي موضع اهتمام، على عكس التنظيمات الأخرى.
إذا توجب قتل مدنيين، يمكن القول إن حزب العمال لم يفعل، وإنما مجموعة منه تتحرك بشكل مستقل اسمها "تاك"، من أجل تجنب ردود أفعال من يظنون أن حزب العمال "تنظيم ماركسي تحرري وطني".
أما كلفة هذا التكتيك داخل التنظيم فتكاد تكون معدومة.. لأنه يسوغ تغيير الاسم هذا بأنه "أهداف مرحلية".. ويوجه لحاضنته الشعبية رسالة تقول "نحن مفعمون بالحيوية، نتطور، نتحول من تنظيم إلى حزب، نكبر"..
عندما أعلنت تركيا أن هدفها التالي سيكون منطقة سنجار، أصدر حزب العمال الكردستاني بيانًا على عجل قال فيه إنه يغادر المنطقة.
ماذا دهاه؟ لماذا يغادر معقله الجديد؟ لماذا يترك ما أسماه "ساحات الدفاع"؟
الخطة مكشوفة، الحزب يعد أرضية للرسالة التي سيوجهها للعالم عندما يدخل الجيش التركي إلى سنجار.
"لا يوجد في المدينة سوى المدنيين. تركيا تقصفهم".
لكن كما قال أبرهام لينكولن "يمكنك أن تخدع بعض الناس دائمًا، ويمكنك أن تخدع كل الناس أحيانًا، لكن لا يمكنك أن تخدع الجميع دائمًا".
يطبق حزب العمال الكردستاني هذا التكتيك منذ سنين طويلة. وقف بوجه تركيا في عفرين على أنه وحدات حماية الشعب، فمن انخدع بحيلته هذه؟
حتى الولايات المتحدة، التي توجهه في الخفاء، رأت أن هذا التكتبك لم يعد قادرًا على خداع العالم، ولم تقف إلى جانبه في عفرين؟
ولن تكون عاقبته في سنجار ومنبج مختلفة عن ذلك.
المحزن والمفجع أننا اعتدنا على رؤية صور النازحين السوريين داخل بلادهم؛ أطفالا وشيبا ونساء، يسيرون على أقدامهم وهم يهجرون من بيوتهم وبلداتهم وأسلحة الجيش موجهة إليهم. حافلات تنتظر نقلهم وإخراجهم من أراضيهم إلى مناطق محاصرة أخرى. صور المهجرين من الغوطة الشرقية خلال الأيام الماضية تأتي بعد صور مماثلة لسوريين أجبرتهم حكومتهم على الاستسلام بعد سنوات من الحصار والتجويع، أساليب تعود للقرون الوسطى وتنافي كل القوانين والأعراف الدولية. ولكن القانون الدولي ليس له وجود في سوريا منذ زمن. لقد دخل ممثلون عن منظمات دولية مثل منظمة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية، الغوطة الشرقية، وشهدوا على حجم الدمار فيها، ولكن من دون القدرة على حماية أهاليها.
ما نراه في الغوطة هو إصرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد على فرض سلطته أمام كاميرات التسجيل، معلنا «النصر» على شعبه. فحتى وإن كانت هناك مجموعات مسلحة في الغوطة الشرقية، هناك أضعاف أعدادهم من المدنيين. وكانت زيارة الأسد، الأسبوع الماضي، لريف دمشق ضمن هذه الحملة، إذ كان ظهوره ونشر صوره، مهما لمؤيدي النظام؛ أولا لرفع المعنويات بين مؤيديه بعد القصف العشوائي الذي عانت منه دمشق خلال الأسابيع الماضية من الغوطة، وثانيا لإظهار الأسد على أنه قادر على التحرك خارج العاصمة السورية. لكن في الواقع، ما رأيناه الأسبوع الماضي زيارة رئيس دولة لبلدة على بعد أميال من مقر إقامته وقد دمرت بالكامل.
وخلال الأيام الماضية، ظهر تسجيل يجسد الأزمة السورية سياسيا وإنسانيا؛ إذ انتشر تسجيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي لعضو مجلس الشعب السوري محمد قنبض وهو يفرض على النازحين الهتاف تأييدا للأسد، ويزيد من معاناتهم بانتظار هذه الهتافات قبل أن يعطيهم قنينة ماء شرب صغيرة تروي عطشهم بعد سنوات من الحصار وأسابيع من القصف المستمر عليهم.
التسجيل يظهر قنبض وهو يصرخ «من هو رئيسكم؟»، ليجيب النازحون المنهكون بصوت ضعيف «بشار الأسد». ولكن ذلك لم يكن كافيا، إذ يصر قنبض بصوت عال «من هو رئيسكم»؟ ليرد السوريون «بشار الأسد» بصوت أعلى، ولكنه مليء بالحزن.
ويظهر التسجيل الذي نشره «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عضو مجلس الشعب السوري، الذي كان يقف فوق سيارة نقل تحمل قناني المياه، حاملا إحداها، ويقول: «سوريا منتصرة بقيادة الرئيس بشار الأسد». وقبل أن يسلم قنينة الماء للعطاشى، يصر عليهم بالهتاف تأييدا للرئيس السوري الذي أشرف على حصارهم وتهجيرهم. هذا التصرف جاء ممن يدعي أنه يمثل الشعب، لكنه في الواقع هو الذي يذله.
علينا التذكر بأنه خلال 5 أسابيع، قتل 1600 سوري على الأقل وجرح 7 آلاف آخرين في الغوطة الشرقية. أما الآثار النفسية التي لا تراها العين، فهي من دون شك أعمق وأشد مما نعرفه الآن. ومن يتوقع أن هذا الذل وعمليات التجويع والتهجير القسري من الممكن أن تؤدي إلى حل في سوريا فهو مخطئ في حساباته. تدمير الغوطة الشرقية وتجول الأسد في أجزاء منها قبل أيام ليس حلا، بل فتح فصلا جديدا من الأزمة السورية لا تعلم تداعياتها فورا بل ستأتي لاحقا. الطفل الذي عاش 6 سنوات خارج سلطة النظام السوري، وعانى ما عاناه في الغوطة، لن ينسى هذه المأساة، ومن الصعب أن يتقبل سلطة نظام يضم عضو مجلس شعب يهين الشعب بالطريقة التي مر ذكرها. وهذا أمر يعرفه النظام السوري، مما يرجح فرضية الهجوم المقبل على إدلب، التي باتت حاضنة لكل من هجر من المناطق السورية التي استسلمت فيها المعارضة. السيناريو الذي تم في الغوطة الشرقية رأيناه سابقا في حمص وحلب وغيرهما. التهجير القسري إلى إدلب ينذر بضربات عسكرية موجعة عليها خلال أشهر قليلة. من ينتقل إلى إدلب يعلم أنه يواجه المزيد من التجويع والاستهداف بطرق مختلفة.
وهناك أكثر من 5.5 مليون لاجئ تركوا سوريا ومن الصعب أن يعودوا إليها، خصوصا أن لائحة المطلوبين مدرج عليها أكثر من 1.5 مليون اسم.
لا شك في أن تشرذم المعارضة السورية والاختلافات بين فصائلها وداعميهم يزيد من حدة الأزمة ويقوي كفة بشار الأسد. فتعامل القوى الإقليمية والدولية مع معارضة مفككة يجعل الدبلوماسيين يشعرون بالحيرة. لا شك أن الخلافات بين «فيلق الرحمن» و«جيش الإسلام» أدت إلى المزيد من الدمار في الغوطة. ولكن هذه الانقسامات جاءت بسبب الاختلافات الدولية والإقليمية التي جعلت أطرافا عدة تدعم فصائل مختلفة مما أوصل المعارضة السورية إلى هذه المرحلة.
البعض يقول بأن علينا «الاعتراف» بأن الأسد انتصر. إذا كان النصر هو البقاء في السلطة بناء على أساليب الحصار والتجويع وتدمير مدن بكاملها واحتلال قوات مدعومة من إيران وروسيا، فنعم الأسد انتصر على جزء من شعبه بهذه الأساليب. ولكن فقدان السيادة وفقدان الملايين من الشعب بين قتيل ومهجر ونازح ومعارض لا يمكن أن يشكل نصرا. ومع الأسف، جميع المؤشرات في الوضع السوري والإقليمي الحالي تدل على أننا سنرى صورا جديدة من الدمار والتهجير. لكن من غير المؤكد كيف سيرد ابن الغوطة وبابا عمرو وغيرهما من بلدات سوريا، آجلا أم عاجلا، على هذه الاختراقات البشعة لجميع حقوقه.
لا يبدو أن حرباً إسرائيلية أميركية على النفوذ الإيراني في كل من سورية ولبنان ستسبق الاستحقاقات السياسية والعسكرية في كل من البلدين، أي قضم النظام السوري وحلفائه مزيداً من المناطق من يد الفصائل التي تقاتله في ريف دمشق، والانتخابات النيابية اللبنانية المقررة في السادس من أيار (مايو) المقبل.
في الآونة الأخيرة كثرت التكهنات حول احتمال حصول هذه الحرب، ولاحت مؤشرات ترجحها. الإسرائيليون يراقبون الوقائع في ريف دمشق ويقولون إن إيران تقترب. الإدارة الأميركية تضم إلى صفوفها مزيداً من الصقور الذين يعتقدون أن المواجهة مع إيران ضرورة، وآخر هؤلاء جون بولتون طبعاً. عمّان تسرب أخباراً عن مخاوفها من وقوع مواجهة إقليمية كبرى بالقرب من حدودها، أي في جنوب سورية.
لكن، في مقابل كل هذه المؤشرات، ثمة مؤشرات أخرى تقول إن المواجهة ليست وشيكة على رغم أنها واقعة لا محالة. إذ لا يبدو أن حال الـ «ستاتيكو» على جبهات المواجهة المحتملة، أي جنوب سورية وجنوب لبنان، قد حان موعد إطاحته. إيران ترقص في سورية على حدود ما يسمح به هذا الـ «ستاتيكو»، وهي، إذ تتجاوزه أحياناً، تتلقى الصفعة الإسرائيلية راضية بما تتيحه هذه اللعبة من احتمالات يمكن استيعابها. وفي جنوب لبنان ليس من مصلحة أحد حتى الآن إطاحة الهدنة المنعقدة هناك منذ 12 عاماً.
الحماسة الأميركية لضرب إيران في سورية لا تكفي، خصوصاً أن ليس لدى واشنطن أذرع عسكرية مباشرة. الحرب ستكون إسرائيلية إيرانية بالدرجة الأولى، وتل أبيب ليست خادماً لغير مصالحها. فهي قد تستثمر في رغبة واشنطن في الحد من نفوذ طهران الإقليمي، إلا أنها حين تقرر الانخراط في حرب بحجم المواجهة مع طهران، تقدم حساباتها على كل الحسابات.
للمرء أن يعتقد أن المواجهة حاصلة لا محالة. طهران تتوسع في سورية وتقترب من الحدود مع إسرائيل، وتل أبيب لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تقبل بمزيد من النفوذ الإيراني على حدودها. لكن شرط المواجهة هو استنفاد ما قبلها من مراحل. ففي جنوب سورية توازنات لم يطحها أحد حتى الآن على رغم أن طهران ترقص على ضفافها. وصفقة الحرب لا تقتصر حساباتها على جغرافيا المنطقة. الثمن الذي تريده تل أبيب يشمل القدس أيضاً، ذاك أن توجيه ضربة لطهران سواء في سورية أم في لبنان سيخدم أطرافاً غير موجودة على مسرح المواجهة المباشرة هذه، وتل أبيب لا تعمل مجاناً، ولا تفوت فرصة طلب أثمان.
الـ «ستاتيكو» اليوم قائم على معادلة الضربات الصامتة، وهي ضربات مؤلمة لطهران وحلفائها، إلا أنها توفر للضارب والمضروب سبلاً لتصريف المصالح والحاجات. إسرائيل تحد عبر هذه الضربات من أخطار بناء ترسانة إيرانية بالقرب من حدودها، وإيران تمتص الضربات وتواصل وظيفتها المتمثلة في إعلان نفسها لاعباً في معادلة حدود، هي ليست حدودها. حتى الآن لا تبدو الرغبة الأميركية في هذه الحرب كافية لكي تشتعل الجبهات. واشنطن ابتعدت كثيراً في السنوات الفائتة، وتحولت إلى لاعب من خارج الجغرافيا. حضورها العسكري المباشر في سورية رمزي، ومعظمه في الشمال وفي الغرب، وهي إذ اقتربت أخيراً من الصحراء غير البعيدة عن الجبهة الجنوبية، وتحديداً في منطقة الركبان، بقيت خطوتها رمزية ولا دلالات ميدانية كبرى لها.
الحروب تحتاج إلى أكثر من رسائل رمزية، وتل أبيب لن تقبل بخوض الحرب وحدها. جاهزية واشنطن سياسية وليست ميدانية حتى الآن، وثمة لاعب لا يجب الاستخفاف بموقعه هو موسكو. ووفق هذا المشهد، لا يبدو أن المواجهة وشيكة، على رغم أن لا أفق غيرها في المدى المتوسط.
بعد ثورات الربيع العربي ظهر جدل كبير في حكم الخروج على الحاكم بين من يحرم الخروج على الحاكم ويبرر لاستبداد الحكام بناء على هذه الفتوى وبين من لا يعتبر هذه الثورات خروجا على الحاكم بل هي دعوة إلى الحرية والقضاء على الظلم والاستبداد.
إن أصحاب التيار الأول تمسكوا بهذه الفتوى محتجين بأحاديث نبوية تحرم الخروج على الحاكم ولو سفك دمك وهتك عرضك وجلد ظهرك ومن هذه الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم. وشرار أئمتكم الذي تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة" وعن عبادة بن الصامت قال:" دعانا النبي صلّى الله عليه وسلم، فبايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بَوَاحاً عندكم من الله فيه برهان". وبناء على هذه الأحاديث يحرم الخروج على الحاكم ولو قتل شعبا ونهب ثرواته إلا إن ظهر منه كفرا بواحا ظاهرا.
إن الإسلام متكامل لا يمكن فهم بعضه دون بعض فالعبادات لا تنفصل عن المعاملات والأخلاق وكذلك مواضيع السياسة الشرعية التي ذكرها الفقهاء مرتبطة ببعضها البعض ولا يمكن الحديث عن موضوع الخروج على الحاكم الذي تحدث عنه الفقهاء بشكل مقتطع دون فهم الأبواب الأخرى في السياسة الشرعية من الشورى والعدل والمساواة والرقابة ومسؤولية الحاكم ووجوب النصيحة والحرية وحقوق وواجبات الحاكم وحقوق والرعية وفي هذا المقام لا بد من ذكر عدد من المعايير التي تقوم عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم ثم نناقش بعد ذلك موضوع الخروج على الحاكم وحكمه.
المعيار الأول: إن نظام الحكم في الإسلام نظام يقوم على الحرية والشورى لا على الاستبداد والدكتاتورية فالحاكم تجب عليه الشورى ويحرم عليه أن يستبد برأيه وقراره والحاكم يخضع لسلطة أهل الحل والعقد وأهل الشورى أو ما يقوم مقامها من المجالس البرلمانية والصور المعاصرة ويرجع إليهم في جميع شؤون الحكم والإدارة وهذا ما أكدته سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يستشير في جميع أموره وشؤونه ويأخذ بالشورى فقد أشار عليه الحباب بن المنذر في غزوة بدر ومكان الوقوف وأخذ بشوراه وأشار عليه سلمان بحفر الخندق وأخذ بها واستشار الأنصار بغزوة بدر وأخذ بها واستشار الصحابة بغزوة أحد وأخذ برأي الشباب واستشار زعماء الأنصار بمصالحة اليهود على ثلث ثمار المدينة وبعد أن رفضوا رفض هذا الصلح والأمثلة على ذلك كثيرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والتي لا تدع مجالا للشك بوجوب الشورى وحرمة الاستبداد بالرأي والدكتاتورية.
المعيار الثاني: الرقابة على الحاكم ومسؤوليته فقد اتفق الفقهاء أن الحاكم هو وكيل عن الشعب ومعبر عنه إرادتهم وأن الحاكم في الإسلام ليس معصوما عن الخطأ بل يراجع ويقوم إن أخطأ وتوجد سلطة رقابية عليه هي سلطة الشعب وهذه السلطة مستمدة من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا ما سار عليه الخلفاء الراشدون عند توليهم الخلافة فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول للناس عند توليه الخلافة (وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني) ثم يقول (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصبت الله فلا طاعة لي عليكم)، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخاطب المهاجرين والأنصار ويقول لهم: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر ما كنتم فاعلين فسكتوا فعاد مرتين أو ثلاثا قال بشير بن سعد: لو فعلت قومناك تقويم القدح قال عمر أنتم إذاً أنتم.
فهذه هي الرقابة التي تكون من الشعب على الحاكم وهذه هي المسؤولية التي يستشعرها الحاكم بأنه مسؤول ومحاسب عن جميع تصرفاته. وهذا ما أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته من كانت له عندي مظلمة فليقتص مني. فالحاكم في الإسلام ليست له صفة قداسة أو هو جزء من إله كما كان سائدا في العصور الوسطى بل هو مراقب ومسؤول ومحاسب على جميع تصرفاته.
المعيار الثالث: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه الفريضة ثابتة على جميع المسلمين حاكمها ومحكومها بل هي على الحاكم أوكد وأوجب وأفضل وهي من أفضل الجهاد كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر والدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ومن يرجع إلى كتب التاريخ يجد القصص الكثيرة لعلماء وقفوا في وجه الحكام ومنعوهم من الظلم والاستبداد فليس للحاكم سلطة مطلقة في إصدار الأوامر وقتل من يشاء وسفك دم من يشاء إنما هناك جهة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تقف في وجهه وقد تمنعه إن اضطر الأمر وهذا من أفضل أنواع الجهاد.
المعيار الرابع: ليس للحاكم في الإسلام صفة الديمومة على الحكم والبقاء على الكرسي بل ذكر فقهاء السياسة الشرعية حالات متفق عليها بانعزال الحكم وذلك عند ثبوت خيانته أو عجزه الحسي والمعنوي عن إدارة البلد فإذا ثبت تورط الحاكم بالخيانة يعتبر منعزلا بشكل تلقائي ولا طاعة له من الشعب فالحكم ليس له صفة الديمومة بل ينعزل بارتكاب ما يوجب العزل.
المعيار الخامس: إن العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي عقد بين الطرفين يلتزم فيه الحاكم ما التزم به أمام الشعب وهذا ما فطن له علي بن أبي طالب عندما طلب منه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه البيعة على كتاب الله وسنة النبي وسيرة الشيخين فقال لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي فعلي رضي الله عنه لو بايع على سيرة الشيخين لالتزم ذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم فالحاكم ملتزم بما اتفق عليه بينه وبين الشعب وهذا ما يحدده الدستور بإعطائه صلاحيات متفق عليها بين الحاكم والمحكوم يجب الالتزام بها ولا يجوز له الخروج عنها.
المعيار السادس: يجب على الحاكم أن يقوم بجميع واجباته المنوطة به من تأمين الحياة الكريمة للشعب والمساواة والعدل وحفظ الأمن والدماء والأموال وصرف الأموال إلى مستحقيها وتولية الأصلح في الولايات دون اعتبار نسب أو قرابة وأنه مستأمن على أموال الرعية ويحرم عليه أن يأخذ جزء من بيت مال المسلمين لمصالحه الخاصة بل يعتبر هذا خيانة للأمانة التي كلفه الله بها يقول تعالى:" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، وعندما نزلت هذه الآيات في فتح مكة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي شيبة وكان قد أخذ منه مفاتيح الكعبة قائلا له: خذوها لا ينزعها منكم إلا ظالم.
وبعد استيفاء هذه المعايير المذكورة عندها نتحدث عن حاكم شرعي يحرم الخروج عليه بل من يخرج على هذا الحاكم يعتبر باغيا معتديا يجب الوقوف في وجهه كما هو موجود في كتب الفقه والأحاديث التي تأمر بطاعة الحكم في المنشط والمكره. أما أن نتحدث عن حاكم جاء عن طريق القوة العسكرية وحكم شعبه بالحديد والنار ونهب أموال شعبه وزجهم في السجون والمعتقلات وتعامل مع جميع قوى الأرض لتثبيت حكمه فهل هذا هو الحاكم الذي توافرت فيه الصفات السابقة المذكورة حتى نعتبره حاكما شرعيا يحرم الخروج عليه!
وللأسف نرى بعض الدعاة يبررون لاستبداد الحكام ثم يزينون للعامة حرمة الخروج على الحاكم مستدلين بأحاديث جزئية تم اقتطاعها عن سياقها الكامل في السياسة الشرعية. إن من ينظر إلى السياسة الشرعية نظرة شاملة بجميع أبوابها يستطيع أن يوفق بين وجوب طاعة الحاكم وحرمة الخروج عليه ومتى ينعزل الحاكم فالحاكم المقصود هو الحاكم الشرعي الذي تتوافر فيه جميع صفات الحكم الرشيد أو وجوب الصبر على الحاكم إن أخطأ في حقوق فردية خاصة أما من يقتل شعبا ويسليهم جميع حقوقهم وحرياتهم ويحكمهم بالحديد والنار ما هو إلا سارق لثروات شعبه مجرم بحق أمته لا بد أن يقدم للمحاسبة والمحاكمة العادلة بنظر الفقه والسياسة الشرعية.
تواترت تقارير حول استخدام غاز الكلور على نطاق واسع في سوريا، بجانب تقارير حول استخدام غاز السارين للأعصاب. ومع هذا، فإنه حتى هذه اللحظة ليس ثمة خطة حقيقية لوقف جرائم الحرب تلك، وتقف مصداقية أميركا اليوم على المحك.
ومع دخول الحرب السورية عامها الثامن، دعا مستشار الأمن الوطني، إتش. آر. مكماستر، الخميس (قبل إقالته)، لمعاقبة موسكو وطهران للدور الذي اضطلعتا به في المذابح الجارية داخل سوريا. وأشار إلى أن مثل هذه الأفعال يجب أن تكون لها تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة.
وقال مكماستر خلال كلمة ألقاها داخل المتحف الأميركي للنصب التذكاري لضحايا «الهولوكوست»: «يجب أن تحاسِب جميع الدول المتحضرة كلاً من إيران وروسيا على دورهما في تمهيد الطريق أمام هذه المذابح وإطالة أمد المعاناة الإنسانية في سوريا. يجب ألا يحظى الأسد بالحصانة عن جرائمه، وكذلك من يولُونه الرعاية».
جدير بالذكر أن الهجمات التي يشنها النظام ضد المدنيين على أشدها حالياً داخل ضاحية الغوطة الشرقية التابعة لدمشق. وتحاصر قوات الأسد ما يقرب من 400 ألف شخص، بدعم من ميليشيات تساندها إيران، وقوة جوية روسية. وغالباً ما تنشر القنابل المتساقطة على الضاحية غازات سامة في الهواء. من جهته، وصف المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، الغوطة الشرقية بأنها «ذروة المعاناة».
على الجانب الآخر، من غير الواضح بعد ما إذا كانت إدارة ترمب على استعداد لمواجهة الأمر. من ناحيتها، هددت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي الأسبوع الماضي بأن الرئيس ترمب سوف يستجيب عسكرياً، مثلما فعل في أبريل (نيسان) الماضي، حال الاستمرار في استخدام أسلحة كيماوية. وقالت أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: «عندما يخفق المجتمع الدولي مرة تلو أخرى في التحرك، تحين لحظات يصبح لزاماً على الدول أن تأخذ بزمام الأمور في أيديها».
وسارع دبلوماسيون من مختلف أرجاء العالم إلى محاولة تحليل مدى مصداقية التهديد الذي أطلقته هيلي. من جهته، حذر الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الروسية، من أن روسيا سترد هذه المرة حال وقوع هجوم أميركي. كما أجرى نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، اتصالاً بجون هنتسمان، السفير الأميركي في موسكو، لنقل التحذير ذاته إليه بعيداً عن العلانية.
إلا أنه حتى هذه اللحظة، لم يُتخذ قرار باستخدام القوة العسكرية. الواضح أن البنتاغون لا يفضل مهاجمة الأسد بالقرب من دمشق، رغم أن وزير الدفاع جيمس ماتيس صرح منذ وقت قريب بأنه «سيكون من غير الحكمة على نحو بالغ» أن يستمر الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية. أما وزير الخارجية ريكس تيلرسون السابق فكان يفضل التفاوض مع موسكو - قبل أن يتعرض للطرد من منصبه. أما وجهة نظر ترمب الشخصية حيال الأمر فغير معروفة حتى الآن.
من ناحية أخرى، فإنه قبل شن أي هجوم، سيتعين على إدارة ترمب بناء حجة قوية تؤكد مسألة استخدام نظام الأسد أسلحة كيماوية، الأمر الذي يعد أقرب إلى المستحيل بالنظر إلى الوضع الفوضوي القائم على الأرض. جدير بالذكر أن عمال الإغاثة في منظمة «الخوذات البيضاء» والأطباء المحليين جمعوا أدلة قوية حول وقوع هجمات بغاز الكلور، لكن التحقق من هذه الأدلة ربما يستغرق شهوراً.
من جهته، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) السابق ووزير الخارجية الحالي مايك بومبيو، في 11 مارس (آذار): «لدينا معيار أعلى للتأكد من فهمنا لحقيقة ما حدث... بحيث تتمكن استجابتنا من التصدي للتهديد».
وعليه، فإنه يتعين على الولايات المتحدة وشركائها البحث عن أدوات أخرى. ويحاول فريق العمل المعاون لنيكي هيلي بدأب التفاوض بشأن إصدار قرار جديد بوقف إطلاق النار من جانب الأمم المتحدة، وكذلك قرار جديد بخصوص مراقبة استخدام الأسلحة الكيماوية. جدير بالذكر أنه عام 2013. جاء تهديد الرئيس باراك أوباما باستخدام القوة سابقاً لاتفاق مع موسكو حول الأسلحة الكيماوية. بيد أنه ليس ثمة احتمال يذكر أن تسمح روسيا بنجاح أي اتفاق حقيقي هذه المرة.
ومع هذا، يبقى الكثير في استطاعة الولايات المتحدة فعله. من ناحيته، أصدر متحف الهولوكوست تقريراً الأسبوع الماضي يوصي بسبل حماية المدنيين من الأسلحة الكيماوية وغيرها. وركز التقرير على ضرورة تصعيد الضغوط على موسكو وطهران لضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى الضاحية المحاصرة، ودعم المجتمع المدني في المناطق المحررة، ومحاسبة مجرمي الحرب.
جدير بالذكر أن مجلس النواب مرر بالفعل تشريعاً يرمي إلى فرض عقوبات على الأسد لارتكابه جرائم حرب ووقف تدفق الأسلحة التي تستخدم في قتل مدنيين. وحمل القانون اسم «سيزار» (القيصر)، تيمناً باسم المصور العسكري السوري الذي هرّب أكثر عن 55 ألف صورة تثبت تورط نظام الأسد في تعذيب وقتل مدنيين محتجزين. ومن جهته، أبدى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كروكر تفضيله لتشريع بديل يركز أكثر على التحقيق في جرائم الحرب. إلا أن إدارة ترمب لم تبدِ تأييدها لأي من التوجهين.
وإذا لم يحدث شيء قبل سقوط الغوطة الشرقية، فإن هذا سيكون دليلاً على عدم صدق موقف هيلي، الأمر الذي سيكون بمثابة كارثة في ما يخص الأزمات الدبلوماسية المستقبلية في مواجهة الأسد وروسيا وإيران في أجزاء أخرى من سوريا. وفي هذا الصدد، قال هادي البحرا، من لجنة المفاوضات السورية: «يقف الأسد متحدياً إرادة وجدية إدارة ترمب. ما دام بقي النظام قادراً على قصف المناطق من دون أي رادع، فلن يجلس أبداً على طاولة المفاوضات».
الواضح أن تداعيات ذلك سوف تمتد إلى ما وراء سوريا. في سبتمبر (أيلول) 2013، أعرب النائب آنذاك بومبيو والسيناتور توم كوتون خلال مقال رأي لهما عن اعتقادهما أن الإخفاق الأميركي في الاستجابة لاستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا من شأنه تعزيز الجرأة في نفس ليس الأسد وحده، وإنما كذلك عناصر مارقة أخرى بينها إيران وكوريا الشمالية. وقد كان هذا القول صائباً حينها، ولا يزال حتى يومنا هذا. وفي ما يتعلق بحماية المدنيين في سوريا من الأسلحة الكيماوية، فإن مصالحنا وأخلاقنا تقف على نفس الجانب. وما دامت استمرت المذابح، سيزداد تدفق اللاجئين ويتفاقم التطرف ولن تنتهي الحرب أبداً.
كما قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في حديث مع جنرالاته، عقب قيام الجيش الروسي بمناورةٍ، ختمها قبل يوم من إعلانه غزو سورية رسميا، ومرابطة قواته في مطار حميميم. وقال جنرال كبير في جيشه، في حديث تلفزيوني، إن سورية ستحتل مكانة فريدة في رؤية بلاده، تعتبرها "مركزها الجيوسياسي" في المنطقة العربية، بل وفي العالم بأسره، بعد تراجع موقع روسيا الدولي إلى حد الانعدام التام عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وزواله من الوجود. قال بوتين إنه يدخل إلى سورية، لكي يقفز منها، في طورٍ تالٍ، إلى البلدان العربية الأخرى التي كان للاتحاد السوفييتي نفوذ وحضور فيها. ومع أنه أرسل، بالتلازم مع غزو سورية، جنرالات روسا إلى العراق والأردن، للتباحث بشأن إقامة نظام أمن إقليمي مشترك معها، فإن هذا المشروع طوي بعد مسارعة رئيس أركان القوات الأميركية إلى البلدين، وإعلانه من بغداد رفضهما مغادرة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن للحرب ضد الإرهاب، ودعوته روسيا إلى الانخراط في التحالف، إن كانت تريد حقا المشاركة في هذه الحرب.
ركز بوتين جهوده على ترسيخ وجود روسيا في سورية، وعلى انفرادها بها قوة تقرّر مواقع الآخرين ومصالحهم فيها، تمهيدا لاستئناف سعيه إلى استعادة نفوذ روسيا في البلدان العربية من قاعدةٍ صلبة، يمثلها تعاونه مع جيش إيران البري في الحرب على سورية، ومع تركيا على سياساتٍ تبعدها عن واشنطن في القضية الكردية خصوصا، انطلاقا من اعتراف في الكرملين بأنها مسألة "أمن قومي"، لا تستطيع تركيا التساهل فيها، إن وسعت موسكو الهوة بين أنقرة وواشنطن أحدثت خرقا استراتيجيا في جدار حلف شمال الأطلسي الذي يطوقها، ويشعرها بالتطويق والاختناق.
لم تكتف واشنطن بإرسال رئيس أركان جيوشها إلى بغداد وعمان، لمنعهما من مجاراة موسكو في مشروعها، بل بادرت إلى إرسال عسكرها إلى شمال سورية، حيث تحتل اليوم 28% من مجمل مساحة سورية، من دون أن تخسر جنديا واحدا، بنت فيها، منذ عامين، قاعدة آمنة بمعونة حزب العمال الكردستاني، تتوفر لها جميع المزايا التي كانت قد دفعتها إلى غزو العراق واحتلاله عام 2003، وفي مقدمها موقعها الاستراتيجي الفريد بالنسبة لاستراتيجيتها الدولية التي تعتبرها أفضل تعويض عن العراق، باعتباره موقعا وصفه بريجنسكي، مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي، بأنه "درة العالم الاستراتيجية" التي يجب احتلالها لإحكام سيطرة واشنطن على المجال الأوراسي، بوصفها أول قوة في التاريخ، تمسك به من خارجه. هذا البديل الاستراتيجي للعراق الذي شرعنت واشنطن غزوه مع الغزو الروسي لسورية يطل على تركيا وإيران، ويشرف على الخليج وشرق المتوسط، فضلا عن الأردن وفلسطين ووسط سورية، فإذا أضفنا إلى ذلك انتشار جيش واشنطن في التنف والأردن، ودور إسرائيل في الصراع السوري، وتذكّرنا أن منطقة الجزيرة تخلو من أي قوى معادية لأميركا، بينما تخوض روسيا معارك يومية ضد السوريين، وتبقي عساكرها عرضةً لأخطار شتى، إذا ما قرّر طرف ما مساعدتهم على مواجهتها بأسلحة حديثة، كما حدث بواسطة الهجوم بالطائرات بلا طيار على قاعدة حميميم مرفأ طرطوس، حيث خسر الروس عتادا بمئات ملايين الدولارات، وعددا من جنودهم وضباطهم، بضربة نفذتها طائراتٌ لا يتجاوز ثمنها عشرة آلاف دولار، كشفت كم هو الوجود الروسي هش سياسيا وعسكريا في سورية، حيث لم تتمكن موسكو بعد من وضع نهايةٍ للحرب الدائرة فيها، المفتوحة في الوقت نفسه، على احتمالاتٍ يصعب عليها التحكم بمساراتها في عالمٍ يضج بصراعات سلبية متفاقمة، ونزاعات عدائية متنوعة الأشكال، تغادر دوله الكبرى العولمة التي كان تفرض عليها الانفتاح بعضها على بعض، والتفاعل بإيجابية، وتنخرط في أجواء تدور حول مصالح قومية ضيقة، يتبناها ساستها بعيدا عن أي تفاهمات، وخارج أية اتفاقيات أو معاهدات سابقة، ويستبدل ما سبق التوافق عليه بنهج يستند على القوة وسيلة لتحقيق الأهداف والمصالح، كما هو ملحوظ منذ أعوام في سياسات روسيا بصورة خاصة، ومنذ وصل دونالد ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة.
مثلما تتعاون روسيا مع إيران وتركيا لتوطيد أقدامها في سورية، وتستقوي بالبلدين على واشنطن، يبدو أنها قررت أيضا التعاون مع بكين والدول الأوروبية العازفة عن تأييد سياسات ترامب، كي تنتزع مواقع دولية، تمكنها من الحصول على تحقيق انتشار عالمي، إلى جانب الانتشار الإقليمي، والحصول على اعتراف البيت الأبيض بها قوة عالمية ثانية في نظام جديد، ينتجه فشل القطب الأميركي الأوحد في حل مشكلات عالم ما بعد السوفييت، من الضروري إدارته بتضافر جهود الدول الكبرى مع الجهود الروسية عالميا وإقليميا، بما يفضي إلى إخراج روسيا من عزلتها أولا، وتخفيض اعتمادها على القوة وسيلة دبلوماسية ثانيا، وإنجاز تفاهم معها بشأن سورية وأوكرانيا وجورجيا ثالثا، وبناء نظام عالمي تحتل واشنطن قمته من دون أن تكون قطبه الوحيد، أو الطرف الذي ينفرد بتسوية مشكلاته، رابعا. فهل ستنجح موسكو في تحصين موقعها داخل سورية وتوسيع وجودها في المنطقة، بينما تكتفي واشنطن باحتلال الموقع الاستراتيجي الذي طالما قاتلت في العراق لاحتلال ما يماثله، وتترك للروس التوسع في المنطقة وفق الخطة البوتينية، أم أن البيت الأبيض سيستغل انشغال الكرملين بالصراع مع السوريين، ليغرقه في مزيدٍ منه، بينما يتفاهم وزير خارجيته، مايك بومبيو، مع تركيا على صفقة حول الكرد، تمنع التوصل إلى حل خاص بها، لا يكون جزءا من الحل السوري العام، والبعيد، وتدعم حربها الوشيكة ضد حزب العمال الكردستاني في العراق، حيث قرّرت خوض مواجهة حاسمة، كما تقول علامات كثيرة. وماذا ستفعل روسيا غير الإمعان في التخبط المفعم بالإرباك، في حال قرّرت أميركا بدء عمليتها الموعودة لـ "إخراج إيران من المشرق بدءا من سورية"، كما يعد ترامب، بتأييد من بومبيو وجون بولتون، مستشاره الجديد لشؤون الأمن القومي؟ هل سيكون هذا الاحتمال واقعيا خلال الفترة المقبلة التي حدد ترامب بدايتها في أوائل مايو/أيار المقبل، عندما ستقرر أوروبا بطلب منه موقفها الأخير من الاتفاق النووي مع إيران، وتشير دلائل متعددة إلى أنها ستقبل جوانب من وجهات نظره حوله، وموقفه حيال برنامج طهران الصاروخي، وقد تقبل خطته لمواجهة احتلال وتهديد طهران للبلدان المجاورة لها؟ أية قيمة ستبقى لانتصارات الروس الراهنة في سورية، وهل ستكون حقا نهائية وحاسمة، في حال فتحت معركة الوجود الإيراني في سورية التي ستضعهم أمام خياراتٍ تتحدى مخططهم، وقدراتهم، في حال قررت واشنطن تحييدهم، أو الرد على دعمهم إيران، من خلال إمداد السوريين بسلاح حديث، يعيد استخدامه تسعير نيران ثورة يحاولون اليوم إخمادها، في بؤرها المتفرّقة الراهنة، لكن لهيبها سيظل تحت الرماد، ويمكن أن يتأجج من جديد، ويغدو عامّا وشاملا في ظل التطورات التي تتخلق اليوم، ويرجّح أن تتسارع بعد مايو/أيار في ظل الاستعدادات الجارية، لتقرّر ما سيترتب على الصراع السوري من نتائج، وما إذا كان التصور الذي وضعه الروس للاستئثار بالغنيمة الأكبر في سورية هو الذي سيطبق على الأرض، أو أنه سيشهد تعديلات ستأخذه إلى نتائج أكثر تواضعا بكثير مما يريده بوتين؟
توشك واشنطن أن تستغل وضعها السوري القوي، كي ترد على إيران، باعتبارها طرفا إقليميا يحتل بلادنا، ارتبط به نجاح روسيا في تفادي انخراط وحدات كبيرة من جيشها البري في الحرب. هذا الرد إن حدث، بدل معنى ما يجري اليوم على الأرض السورية، وأفرغ انتصارات الروس والإيرانيين من مضمونها، وفتح الباب أمام تصحيح جدي للسياسات الكارثية التي اتبعتها المعارضة والفصائل في السنوات الماضية، على الصعيدين العسكري والسياسي، وأسهمت في إنقاذ النظام، على الرغم من صدق ونزاهة من ضحوا بأنفسهم من أجل ثورةٍ خذلها قادتهم، بجهلهم وأنانيتهم وضمور وعيهم الوطني، وما جبلوا عليه من نزوعٍ إلى التسلط والبهورة. تقترب سورية، بجميع مكوناتها، من لحظة مفصلية، سيتقرّر مصيرها بعدها، لن يكون فيها أي نفع للسوريين، إن استمر وضعهم الحالي على ما هو عليه.
يبدو أن عملية عفرين التي تكللت بالنجاح ستقلب كل التوازنات العالمية والإقليمية رأسًا على عقب. ومما لا شك فيه أن الضربة الكبرى تلقاها تنظيم وحدات حماية الشعب الإرهابي وحاميتيه الولايات المتحدة وأوروبا.
وبعد إحباطها كل الألاعيب الإمبريالية منذ عام 2013 وتنفيذها عملية غصن الزيتون، تتجه تركيا لزيادة فعاليتها في المنطقة كقوة مؤثرة فيها.
الأمر المؤكد أن النصر في عفرين يمكن أن يتمخض عن نتائج تاريخية من الناحية الجيوسياسية، لا تختلف عما أدى إليه الانتصار في معركتي جناق قلعة وكوت العمارة.
الانتصار في جناق قلعة (1915) وكوت العمارة (1916) أحبط جميع المخططات القذرة للقوى الإمبريالية ضد العالم الإسلامي.
اعتقدت بريطانيا أن الحرب العالمية الأولى ستنتهي في غضون 6 أشهر، إلا أنها استمرت ثلاثة سنوات وأدت إلى قيام الثورة البلشفية في روسيا (1917) وتصدع التحالف الغربي.
وعلى غرار ذلك، ترمز عملية عفرين لعودة تركيا إلى منطقتها وتاريخها، وسوف تؤثر بشكل جذري على المخططات الأمريكية الخبيثة بشأن الشرق الأوسط
لم تُهزم وحدات حماية الشعب فقط في عفرين، وإنما تعرض العالم الغربي الذي دعمها سياسيًّا وعسكريًّا، لهزيمة نكراء، وضربت تركيا وحدات حماية الشعب والأيدي التي توجهها.
جاء الدور الآن على الحزام الإرهابي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، فبعد إحاطته من جهة عفرين وجرابلس، سيتم إحكام حصاره من جهة الشرق عبر عملية سنجار، وتدميره.
ولهذا وجهت الولايات المتحدة كل قوتها إلى شرق الفرات، فقد رأت أن أيامها في سوريا أصبحت معدودة.
وفي هذا السبيل أنشأت عشرين قاعدة عسكرية إضافية، بينما بدأت عمليات حفر الخنادق وإقامة المتاريس في كل من عين العرب وتل أبيض والدرباسية والقامشلي، علاوة على حشد قوات لها في قاعدة العمر بدير الزور.
وتجري واشنطن استعداداتها من أجل الانسحاب بشكل أكبر نحو إسرائيل والسعودية، فهي تدرك أنها لن تجد لها موطئ قدم في شمال سوريا وشمال العراق بعد دخول تركيا إليهما.
دعكم من هذه المناطق، هناك تقارير صحفية تقول إن الولايات المتحدة تواجه صعوبات حتى في المحافظة على وجودها في قطر، حيث تدير عملياتها العسكرية في المنطقة، وإن تركيا تحل محلها في البلد المذكور.
وبحسب التقارير فإن قيادة القوات الأمريكية المركزية ستغادر قاعدة العديد، لتتجه إلى عُمان أو الولايات المتحدة أو السعودية.
وتقول التقارير والتحليلات الإخبارية إن القوات التركية ستحل محل نظيرتها الأمريكية. ولهذا تقوم استراتيجية البنتاغون الحالية على عدم السماح لتركيا بالسيطرة على منبج، فهي تعلم جيدًا أنه مع سقوط منبج لن يبقى لها موطئ قدم في شرق الفرات.
لكن لا يغني حذر من قدر، وسيكون مصيرهم الانسحاب من هذه الأراضي كما فعل أجدادهم في الماضي.
إذا ما كان لديك فضول تجاه التعرف على كيف ينوي مستشار الأمن الوطني الجديد، جون بولتون، الاندماج داخل منظومة السياسة الخارجية لواشنطن، يمكنك النظر إلى جهود الضغوط التي مارسها العام الماضي ضد الاتفاق النووي الإيراني. وتخبرنا التفاصيل المتعلقة بهذا الأمر بالكثير عن كيف ينظر مستشار الأمن الوطني الجديد لدى الرئيس ترمب إلى مكان أميركا في العالم.
من جانبه، شن الرئيس دونالد ترمب بالتأكيد حملة ضد الاتفاق وتحسر علانية على أنه مجبر على الاستمرار في التصديق على التزام إيران به. ومع هذا، فإن الانسحاب المتعجل من الاتفاق لا يخلو من مخاطر. هل بمقدور أميركا فرض عقوبات ثانوية فاعلة ضد مصارف وشركات أجنبية دون تعاون على الأقل من جانب حلفاء؟
وعليه، استقر الرئيس ترمب أخيراً على الاستراتيجية الأميركية الحالية: التهديد بالانسحاب إذا لم يوافق حلفاء أميركا الأوروبيون على تناول نقاط ضعف الاتفاق، تحديداً بند انتهاء السريان وبرامج الصواريخ الإيرانية ونظام التفتيش الضعيف الذي يفرضه الاتفاق.
ومع هذا، فإنه حتى هذه الاستراتيجية لم تلق قبولاً طيباً داخل المؤسسة السياسية في واشنطن، أو لدى وزير خارجية ترمب السابق ريكس تيلرسون. ودارت الفكرة الرئيسة داخل معسكر رافض الاستراتيجية حول أنه: إذا كان الاتفاق ناجحاً، فما الداعي لتحطيمه؟
إلا أن هذا الرأي لم يفز باتفاق الجميع. على سبيل المثال، كان بولتون واحداً ممن رغبوا في تحطيم الاتفاق. وبمعاونة رفيق دربه، فريد فليتز، صاغ بولتون ورقة حول كيفية الخروج من اتفاق «خطة العمل الشاملة المشتركة»، العنوان الرسمي للاتفاق الذي من المفترض أن يضمن وجود مراقبة دولية لجهود التطوير النووي داخل إيران مقابل رفع عقوبات بعينها مفروضة ضد النظام.
من جهته، حث بولتون إدارة ترمب على اتباع استراتيجية دبلوماسية وسياسية صاغها في ورقة تناول خلالها كيف أن إيران في حالة انتهاك بالفعل للاتفاق. ودعا بولتون لتنسيق القرار مع الحلفاء، مع إقصاء روسيا والصين عن تلك المشاورات (دولتين اشتركتا في التفاوض حول وإبرام الاتفاق عام 2015) حتى الدقيقة الأخيرة.
أيضاً، حدّد بولتون مجموعة من الخيارات تقترب للغاية من تغيير النظام. وحث البيت الأبيض على تشجيع عقد مناقشات داخل الكونغرس للضغط على حلفاء لإنهاء حقوق الهبوط والإرساء بالنسبة للطائرات والسفن الإيرانية، ومطالبة إيران بسداد تعويضات لضحايا الإرهاب، استجابة لأحكام صادرة عن محاكم أميركية، وإعلان دعم أميركا للمعارضة الديمقراطية داخل إيران، وتوفير الدعم لمجموعات الأقليات الإيرانية مثل البلوش في إيران وعرب خوزستان والأكراد وكذلك «المقاومة الداخلية في صفوف نقابات العمال ومجموعات الطلاب والنساء».
وأخبرني مسؤولون من البيت الأبيض حينها أن بولتون قدم مذكرة إلى ترمب حول الخطة (تربطه صلات بترمب منذ الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2016). إلا أنه في نهاية الأمر مضى الرئيس قدماً في استراتيجية محاولة إصلاح الاتفاق النووي بدلاً من قتله تماماً. الشهر المقبل، عندما يتولى بولتون مهام منصبه الجديد، حينها ستصبح أمامه فرصة لطرح وجهة نظره منذ جديد على الرئيس ـ هذه المرة، كمستشار للأمن الوطني.