بعدما أكد الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله انه لن ينسحب من القتال في سوريا وسيخوض معركة حلب حتى النهاية ومهما بلغت التضحيات "لأن الدفاع عن حلب هو دفاع عن سوريا، والدفاع عن سوريا هو دفاع عن لبنان وإفشال للمشروع الاميركي - الصهيوني في المنطقة"، فإنه ربط بقوله هذا مصير لبنان بمصير سوريا كما ربطت منظمة التحرير الفلسطينية في الماضي حل القضية اللبنانية بحل القضية الفلسطينية... وتحوّل لبنان ساحة مواجهة وتصدٍ بعدما كان ساحة صمود فقط.
الواقع أن أخطر ما في هذا الكلام هو أن لا رئيس للبنان إلا بعد ان تتبلور صورة الوضع في سوريا، إلا إذا كان رئيساً كرؤساء سابقين لا دور لهم سوى إدارة الأزمات والحروب في انتظار تقرير مصير لبنان ربما هوية ونظاماً. وهو ما واجهه في الماضي عندما تعذّر عليه فصل قضيته عن القضية الفلسطينية، وحتى عن أزمة المنطقة كلاً وعن وضع الجولان السوري الذي صار حل الوضع في أجزاء محتلة من جنوب لبنان مرتبطاً بحله، مع أن مضمون قرارات مجلس الأمن حولهما مختلف فرفُع شعار "وحدة المسارين اللبناني والسوري" وذهب المغالون الى حد القول بوحدة المسار والمصير أيضاً.
لذلك فلا خروج من هذا الارتباط إلا إذا قرر القادة في لبنان تحييده انطلاقاً من "اعلان بعبدا" كي لا يظل حل أي أزمة تقع فيه مرتبطاً بحل أي أزمة في أي دولة في المنطقة. فعلى القادة إذاً أن يقرروا إما تحييد لبنان وإما ابقاءه ساحة مفتوحة لصراعات كل خارج قريب أو بعيد. فإذا لم يقرر "حزب الله" الانسحاب من سوريا فلا مجال للبحث في تحييد لبنان، ولا بد عندئذ من انتظار ما سيتقرر في سوريا لمعرفة ما سوف يتقرر في لبنان.
ولا شيء يدل حتى الآن على أن الحرب في سوريا ستنتهي قريباً كي تنتهي الأزمة في لبنان، وانه لا بد ربما من انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لمعرفة أي سياسة ستنتهجها الادارة الاميركية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، أهي سياسة الخروج منها والانكفاء، أم سياسة التصدي والهجوم لاحكام السيطرة على كل المنطقة وإن كان ذلك بات صعباً مع استعادة روسيا دورها وقوتها بحيث صارت قادرة على مقاسمة اميركا مساحات النفوذ فيها بموجب اتفاق شبيه باتفاق سايكس - بيكو، حتى اذا ما تعذّر التوصل الى مثل هذا الاتفاق اصبح التقسيم هو الحل الذي لا مفر منه، ويصبح دور القادة العمل على ابقاء لبنان خارج هذا التقسيم ليظل نموذجاً للعيش المشترك.
لذا يمكن القول إن لبنان يواجه ما واجهه عام 1943 عندما قرر انهاء الانتداب الفرنسي عليه والحصول على الاستقلال، فكان ميثاق 43 غير المكتوب، أو يواجه مرحلة ما قبل حرب الـ75 التي انتهت باتفاق الطائف الذي عدّل دستور لبنان. لكن لا ميثاق 43 حقق الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، ولا اتفاق الطائف حقق ذلك ايضاً وظلت لكل طائفة مطالب تريد تكريسها في الدستور. فاذا كان السلاح الفلسطيني في لبنان أشعل حرب الـ75 التي انتهت باتفاق الطائف وبوصاية سورية عليه، فأي اتفاق سيأتي به سلاح "حزب الله" بين اللبنانيين؟ هل بتعديل اتفاق الطائف، أم ان الخلاف على تعديله قد يفرض نظام "الفيديرالية" فيه خصوصاً اذا ما اعتمد هذا النظام في اكثر من دولة عربية؟
وهكذا فإن رئاسة الجمهورية اصبحت بعد موقف "حزب الله" القاطع والجازم من الحرب في سوريا والعراق، ولا أحد يعرف في أي دولة أخرى، بين خيارين: إما انتخاب رئيس يدير الأزمة التي لا حل لها ما دام الحزب يحارب خارج لبنان، وإما انتخاب رئيس للجمهورية بعد حل أزمته التي لا حل لها إلا بعد حل الأزمة في سوريا، وهو ما حصل له عندما تعذّر عليه حل مشكلة احتلال اسرائيل لأراضٍ في الجنوب ما لم تحل القضية الفلسطينية أو ان تحل قضية الجولان. فهل هذا ما يريده قادة في لبنان يدّعون حبهم له ولا يحبون أحداً عليه... وهم يفعلون عكس ما يقولون؟!
طرح الصديق ميشيل كيلو أفكاراً على غاية الأهمية، في مقالته "مشكلة تتطلب حلاً عاجلاً" في "العربي الجديد" (18/6)، تحدّث فيها، بصراحته المعهودة، عن التحولات والتعقيدات والمداخلات الخارجية الحاصلة في الصراع السوري. كتب: "قبل الحرب الأميركية ضد الإرهاب والاحتلال الروسي لسورية، كان حل القضية السورية يعني تطبيق وثيقة جنيف... لإقامة نظام ديمقراطي، لا محلّ فيه للأسد ونظامه، تتوقف بقيامه الحرب ويسود السلام. بعد إدخال واشنطن قوات "البايادا" بقوةٍ إلى الحرب، وقتال روسيا المكثف ضد الجيش الحر، لم تعد تسوية صراع المعارضة/ النظام كافيةً لتسوية المسألة السورية، ولم يعد حل "جنيف 1" كافياً لإنهاء الصراع، لسببين: ضمور مطلب تغيير النظام في أولويات الدول الكبرى والإقليمية، وبروز توجه يتصل بإعادة النظر في بنية الدولة السورية وهويتها"... ما "يطرح السؤال حول ما إذا كانت الدولة الديمقراطية تلبي المطالب القومية لبعض مكوّنات الشعب السوري، علماً بأنها ليست موجهة إلى النظام، بل إلى الثورة وبديلها الديمقراطي الذي يخيّر بين قبول حكم ذاتي فيدرالي في الدولة الجديدة وتقويض قدرتها على حل مشكلات سورية، في حال حافظت على بنيتها المركزية". ويتابع: "إذا كانت القرارات الدولية لا تصلح لتسوية هذه المشكلة، فهل نتوقع أن تصدر قراراتٌ جديدةٌ تنظم علاقاتٍ تلبي مطالب "البايادا" وبين الدولة المنشودة؟ أية علاقة ستربط هذه القرارات بوثيقة جنيف، وما نتج عنها من قرارات؟" ويتساءل: "يبدو الحل الديمقراطي كأنه يبتعد بقدر ما يتداخل مع الحل القومي، أو يتوارى وراءه، فهل ابتعاده مؤقت، وهل يحسن بنا انتظار تدخلاتٍ من خارج الشرعية الدولية تتيح للدول الأجنبية المتصارعة في بلادنا، التلاعب بالحل القومي، بعد أن تلاعبت، طوال نيفٍ وخمسة أعوام، بالحل الديمقراطي؟ ألا يجب علينا المبادرة إلى إجراء حوار وطني، يشارك فيه ممثلون عن جميع مكونات الشعب السوري، يحدّد هوية المطالب القومية وحدودها، ويجعل الحل الديمقراطي مدخلاً ملزماً إلى تحقيقها؟".
هذه التساؤلات جد مشروعة، وعلى المعارضة السورية أن تعقد ورشة لمناقشتها، خصوصاً عليها أن تشتغل على صوغ مقاربة سياسية واضحة، تتعلق بالمسألة الكردية في سورية، بما يحفظ وحدة أرض سورية وشعبها، وبما ينصف الأكراد، ويعترف بخصوصيتهم القومية.
ومن معرفتي المباشرة، واهتمامي بهذه القضية، أعرف أن المعارضة حاولت ذلك، وثمّة مداخلاتٌ إقليمية ترسم سقفاً لمقاربةٍ كهذه، وأن ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته "حماية الشعب" تثير الشبهات، إلا أن هذا لا يعفي أحداً من المسؤولية عن القصور في إيجاد مقاربة مشتركة.
"لعل الثورة من أجل الحرية والكرامة، لكل السوريين، مواطنين وجماعات، تحث على تفهم المسألة الكردية من خارج إطار المفاهيم السائدة التي طالما غيّبت، أو همّشت، حال التنوّع السوري"
ولعل الثورة من أجل الحرية والكرامة، لكل السوريين، مواطنين وجماعات، تحث على تفهم المسألة الكردية من خارج إطار المفاهيم السائدة التي طالما غيّبت، أو همّشت، حال التنوّع السوري، الإثني والديني والمذهبي، وتعاملت معه بطريقة توظيفية، أو على أنه جزء من فولكلور، سواء في الخطاب السلطوي للنظام أو في خطابات أطراف المعارضة، في حين تم إنكار هذا الاختلاف أو طمسه، أو مواجهته بطريقة تعسّفية.
هكذا، فإن انطلاقة الثورة وضعت أطياف المجتمع السوري في خضم مواجهتين في آن: في مواجهة نفسها، بما يعني ذلك تعريفها ذاتها الهوياتية ومكانتها وأولوياتها. وفي مواجهة بعضها بعضا؛ علما أن المداخلتين مستغرقتان في المشروع العام للثورة.
في كل الأحوال، إن صوغ الإجماعات السورية الجديدة هو من أولى مهمات المعارضة التي تطرح نفسها بديلاً للنظام، ما يفترض منها أن تتجاوز صندوقه السياسي والمفاهيمي، وأن تعترف بالأخطاء والتقصيرات الحاصلة في التعاطي مع المسألة الكردية. ولا بد أن ينطلق ذلك، بدايةً، من اعتبارها قضية الكرد قضية شعبٍ له خصوصيته القومية وطموحاته الخاصة التي يجب أخذها بالاعتبار، لأن قضية الحرية لا تتجزأ، ولا يجوز أن نطلب الحرية أو حق تقرير المصير لأنفسنا ونمنعها عن الآخرين، وإنما ينبغي التوصل إلى حلولٍ مناسبةٍ، وفق منظور ديمقراطي وسلمي، يراعي التطورات الاجتماعية والسياسية الحاصلة في مجتمعنا.
انطلاقا من ذلك كله، أعتقد أن الصديق ميشيل كيلو يتفهم أن المعضلة المتمثلة في إيجاد مقاربةٍ مناسبةٍ وديمقراطيةٍ للمسألة الكردية، لا تتبدّى فقط إزاء الثورة والمعارضة السوريتين، إذ هي تتبدّى أيضاً إزاء الأكراد أنفسهم، أفراداً وكيانات سياسية، أي أنها معضلة كردية أيضا، ما يعني أن هذا السؤال مطروح أمام الكرد أنفسهم، قبل أي أحد آخر.
مثلاً، إذا كان بعض الكرد يرون أنفسهم جزءاً من أمةٍ كرديةٍ متمدّدة بين عدد من بلدان المنطقة (وهذه حقيقة)، فإن هذا يطرح تساؤلاتٍ على من يعملون وفقاً لهذا النهج، أو هذه الرؤية، إن كانوا يرون أن الكردية "الأممية" تتقدّم على الهوية السورية؟ أو ماذا سيفعلون بخصوص مواطنيتهم السورية؟ السؤال التالي الذي يطرح نفسه لمن يعطي الأولوية لهويته الكردية ـ القومية هو: هل هذا الوقت الدولي والإقليمي المناسب لقيام دولةٍ كرديةٍ عابرةٍ لبلدان سورية والعراق وتركيا وإيران؟ وهل موازين القوى تسمح بذلك؟ ثم هل هذا الظرف المناسب للخروج من إطار الوطنية السورية، وتقويض وحدة سورية، وطناً لكل السوريين، في زمنٍ تشتد فيه معركتهم من أجل حريتهم، ومن أجل إسقاط نظام الاستبداد وهزيمة قوى التطرف المسيطرة الآن على المشهدين السوري والعراقي في آن معاً؟ أخيراً، أليس الأجدى إيجاد معادلةٍ تضمن التوازن بين الانتماء والخصوصية القوميين والانتماء لسورية، وطناً ومجتمعاً، في نظام ديمقراطي يتأسّس على دولة مواطنين أحرار ومتساوين، في آن معاً.
هذه الأسئلة أو ما يعادلها جرأةً وصراحةً وجديةً مطروحة على قوى المعارضة، أيضا، التي هي مدعوّة لمناقشة المسألة الكردية، وهذا ما يجعلني أضم صوتي إلى صوت ميشيل في هذا الأمر، حتى لا نكرّر تجربة النظام الاستبدادي الإقصائي في طمس تعدديّة مجتمع السوريين وتنوعه، وسلبهم خصوصياتهم وحريتهم، وحتى نتمكّن من صوغ معادلةٍ جديدةٍ في عقد اجتماعي جديد، يعترف بمكونات المجتمع السوري الإثنية والطائفية، في إطار وحدة أرض سورية وشعبها، مع تأكيد ذلك في نصوص دستورية واضحة.
ما يجدر التأكيد عليه، هنا، هو الحرص على عدم افتعال معارك وهمية، أو الدخول في مناقشات بيزنطية، من حول الفيدرالية أو غيرها، لأن هذا سيكون من مهام الهيئة الدستورية مستقبلاً، وبالوسائل الديمقراطية، مع فهمنا أن الإصرار على الدولة المركزية مساوٍ تماماً للدولة الاستبدادية، أو قد يفضي إليها، ما يستوجب البحث عن خياراتٍ لشكل دولةٍ لا يُستبعد فيها أي خيار مسبقا، ولا يقرّر مسبقا من أي طرف، علماً أن فكرة الفيدرالية لا تتعلق بالكرد وحدهم، وإنما تتعلق بمختلف مناطق سورية، ولاسيما الأطراف التي ظلت مهمّشة، ومحرومة حتى من مواردها، ومن الافتقاد للخدمات المناسبة. ويستنتج من ذلك أن فكرة الفيدرالية لا تقوم على عمود الطائفية ولا الإثنية، وإنما على أساسٍ مناطقي أو جغرافي، وعلى أساس دولة مواطنين أحرار ومتساوين، وفي دولة مدنيةٍ ديمقراطية، أي دولة مؤسسات وقانون، بغض النظر عن الانتماءات القبلية، مع الحفاظ على خصوصية الجماعات القومية، لأن هذه جزءٌ من الحرية والديمقراطية.
لذا، نحن مدعوون اليوم جميعاً للإجابة على هذه الأسئلة المهمة، وصوغ إجماعات جديدة لسورية جديدة، سورية دولة مواطنين أحرار ومتساوين ودولة مدنية ديمقراطية.
لا تشي الصفحة الشخصية على موقع «فايسبوك» الخاصة بالراقص السوري – الفلسطيني، حسن رابح، بأن صاحبها سيقدم على الانتحار. ثمة مواقف سياسية ناقدة للأوضاع السائدة من سورية إلى فلسطين مروراً بلبنان. فقد جمع حسن، كأي سوري من أصل فلسطيني، بين العداء لإسرائيل ولنظام الأسد، وأضاف احتقاراً للممارسات العنصرية ضد السوريين والفلسطينيين في لبنان.
ووفقاً لهذا البروفايل، فحسن لا يملك دوافع عامة، تختلف عن بقية السوريين، للإقدام على فعل الانتحار، أي أن انتحاره ليس له أساس اعتراضي. ذلك أن أي واحد منا يكتب على صفحته يومياً الكثير مما سجله حسن، انطلاقاً من مواقف سياسية لا نمل تكرارها. أما قرار الانتحار فمرده مطارح أخرى لا يمكن كشفها بسرعة، لارتباطها بفردية المنتحر وخصوصيته، وأمسى فعل الانتحار نفسه جزءاً منها. ولعل إخراج البعض الحادثة مما هو خاص، وزجها في سياقات عامة عن اضطهاد السوريين والفلسطينيين في لبنان، ينتزع من حسن جزءاً من فرديته، ويسقط عنه مشروعية الانتحار، الذي أراده جوانياً، لا يرمي إلى احتجاج عمومي يتوسل قضايا كبرى وثورات.
تأثيرات الخارج، بما تحمل من حروب وقتل وظلم وتشريد، ساهمت في تشكيل وعي حسن الفردي، كأي فرد معني بمحيطه، لكنها لم تكن شرطاً لخطوة الانتحار التي تتصاعد أسبابها غالباً من داخل الذات احتجاجاً على الذات نفسها، بكل ما تحمل من تناقضات وتعقيدات. ما يعني أن الخارج جزء يفرز تأثيرات وليس كلاً يؤسس للفعل الانتحاري.
الربط السريع بين قرار حسن الفردي والأحوال المأسوية لبلده، والبلد الذي يقيم فيه، يكشف إلغاء فردية السوري وزجه في سياقات سياسية عامة. واللافت أن هذا التوجه جاء من مؤيدي الثورة، الذين لم يتنبهوا إلى أن إقصاء الفردي، وتوسيعه إلى العام، لعبة بعثية استخدمها النظام السوري سابقاً، ليحوّل شعبه قطيعاً يتحرك بنوازع مشتركة، بدل أن يكونوا أفراداً لديهم خيارات مختلفة. فالفرد يجب أن يموت فداء للوطن و «القائد»، أما أن يموت بقرار شخصي فهذا منبوذ ومدعاة للسخرية في بلاد القسوة البعثية.
لقد أراد هؤلاء أن يموت حسن من أجل القضية ومآلاتها، بمفعول ضدي، بينما اختار هو أن يموت لأجل نفسه. أرادوه خليل حاوي الثورة السورية، وأراد هو أن يكون حسن، فقط حسن، الراقص الشجاع، الذي يملك قرار موته.
بعث لي أحد القراء الأفاضل رسالة على بريده الإلكتروني يستفسر فيها عن الأزمة الراهنة في بحر الصين الجنوبي ومواقف كل من واشنطن وموسكو منها، وقد فضلت أن أرد عليه من خلال هذا المقال، زيادة في الفائدة وتعميم المعلومة.
«سبراتلي» هي مجموعة من الجزر الصغيرة في بحر الصين الجنوبي، لكل منها اسم مثل جزر «نانشا»، و«شيشا»، و«دونجشا»، و«هوانجيان». هذه الجزر تدّعي الصين ومجموعة من الدول الآسيوية، مثل الفلبين وماليزيا وفيتنام وجزيرة تايوان وسلطنة بروناي، حق السيادة على كلها أو بعضها، نظراً لموقعها الاستراتيجي (ثلث الشحنات البحرية العالمية تعبر ممراتها)، وما يُقال عن احتواء باطنها على ثروات هائلة من النفط والغاز.
وحتى عام 1988 لم تكن الصين تولي اهتماماً كبيراً بهذه الجزر، التي كانت مسرحاً لموقعتين حربيتين في عامي 1974 و1988 ما بين القوات البحرية الصينية والفيتنامية، وإن كانت تمارس السيادة الاسمية عليها. لكنها بعد ذلك، وانطلاقاً من خططها لمد نفوذها نحو الجنوب، أرسلت بكين قواتها لاحتلال الجزر والتمركز فيها. وفي محاولة ذكية منها لضمان عدم تدخل الأميركيين في النزاع بحكم ارتباطهم باتفاقيات أمنية ودفاعية مع بعض الدول المعنية بالنزاع، ولاسيما تايوان والفلبين، منحت بكين بعض الشركات الأميركية حق التنقيب عن النفط والغاز في تلك الجزر. ولهذا السبب صمتت واشنطن طويلاً عن الموضوع، بل أعلنت رسمياً التزامها الحياد، وسط غضب حليفاتها الآسيويات اللواتي طالبن تارة بالتحكيم الدولي، وتارة أخرى بعقد حوار شامل في المنطقة، تشارك فيه كل الدول المعنية بالمشكلة، إضافة إلى اليابان والولايات المتحدة، لمناقشة قضايا الحدود والمياه والأمن، والاستغلال المشترك لثروات بحر الصين الجنوبي.
في عام 2002 جرى التوقيع على مذكرة بين الأطراف المعنية بالنزاع، تحظر على أي طرف القيام بأية إجراءات أحادية استفزازية، وخصوصاً إقامة المنشآت العسكرية فوق الجزر أو استحداث ما يغير طبيعتها، لكن الصينيين لم يلتزموا بنصوص المذكرة عبر التذكير بأن الصين هي أقدم دول المنطقة، وأنها هي التي اكتشفت تلك الجزر منذ أكثر من ألف عام، ناهيك عن أنها توجد في نطاق بحر يحمل اسم الصين. كما أنهم اتهموا الفلبين ودولاً أخرى بجر المنطقة إلى مشاكل لم تكن موجودة قبلاً من خلال استيلائها بالقوة على نحو 40 بالمائة من الجزر والشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي، بُعيد سماعها باحتمال وجود ثروات نفطية فيها. وقد دعم الصينيون وجهة نظرهم هذه بالزعم أن القوانين البحرية الدولية الحديثة، من تلك التي وقعوا عليها، غير صالحة للتطبيق في حالات تداخل الحقوق والمصالح، بل وتخلق مشاكل وتعقيدات إضافية، خصوصاً حينما يسعى طرف دون الأطراف مجتمعة باللجوء إلى طلب التحكيم الدولي. ولم ينس الصينيون في هذا السياق الإشارة إلى أن كل المعاهدات والوثائق التاريخية الخاصة بتحديد أراضي جمهورية الفلبين مثل: معاهدة واشنطن الإسبانية الأميركية لعام 1900 والدستور الفلبيني الصادر قبل عام 1997 لم يحتو على ما يشير إلى أن أي جزيرة من جزر بحر الصين الجنوبي تدخل في نطاق الأراضي الفلبينية.
في عهد إدارة أوباما الحالية، التي أعلنت على لسان وزيرة خارجيتها السابقة هيلاري كلينتون، أن واشنطن تعتمد سياسة «الاستدارة»، بمعنى تحويل اهتمامها من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، استبدلت الولايات المتحدة موقفها المحايد السابق من الأزمة، بموقف الانحياز إلى جانب حليفاتها الآسيويات، وقامت بتزويد الأخيرة بأحدث أدوات القتال، وشرعت أيضاً في استمالة عدوتها الفيتنامية القديمة، وذلك في محاولة منها لمحاصرة النفوذ الصيني المتمدد، فتسببت بذلك في استفحال الأزمة أكثر من أي وقت مضى.
أما روسيا، التي وضعت منطقة «آسيا/ الباسيفيكي» في المرتبة الرابعة لجهة أولويات سياساتها الخارجية، ولا توجد لها خلفية تاريخية مشتركة معها، فإنها أعربت مراراً عن التزامها الصارم بالحياد في أزمة بحر الصين الجنوبي، كما ناشدت جميع أطراف الأزمة على حل خلافاتها بالطرق الدبلوماسية. وموقف روسيا هذا دافعه هو الخوف من انفلات الأمور ووقوع نزاع عسكري في المنطقة يجرها جراً إلى ما لا تريد الانخراط فيه في ظل مشاكلها الحالية.
غير أن هناك عوامل أملت على موسكو مؤخراً أن تميل نحو بكين فيما يتعلق بهذا النزاع، على الرغم من أن هذا التغيير أحدث قلقاً لدى هانوي التي هي إحدى الدول المطالبة بحق السيادة على الجزر، وفي الوقت نفسه إحدى أهم الحليفات الاستراتيجيات لموسكو في آسيا، ففي أبريل 2016 قال وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» إن بلاده لا تدعم تدويل النزاع في بحر الصين الذي تطالب به الدول الآسيوية، فما كان من بكين إلا أن رحبت بهذا الموقف الذي أزعج الفيتناميين كثيراً.
وهناك اعتقاد أن هذا الموقف الروسي المتعجل ما هو إلا انعكاس للاضطراب والخلل والتنافس السائد في العلاقات الروسية الأميركية، إضافة إلى أن نتائجه كانت عكسية! بمعنى أنه أظهر روسيا أمام الرأي العام الدولي في صورة الدولة المأزومة، التي لم تجد حلاً لأزماتها والعقوبات المفروضة عليها إلا بالارتماء الكامل في أحضان الصينيين ودعم مواقفهم على حساب فيتنام، التي هي أكبر مشتر في جنوب شرق آسيا للأسلحة الروسية بمختلف أنواعها، وأكبر عميل لهم في مجال بناء محطات الطاقة النووية.
بين أول يوم من عام ٢٠١٥ و اليوم شهدنا ظهورين للإرهابي المسردب بشار الأسد خارج مقر اقامته السري ، بين قواته التي انهكت و لم يبق منها إلا بضع الميلشيات التي تقاتل بدافع غريزي، يتطلبها بقائها أحياء بعضاً من الوقت بانتظار النهاية المحتومة لأي قاتل و داعم لطاغية سفاح.
اليوم لم يتغير المشهد كثيراً بعد عام و نيف من حيث المكان الذي ابتعد عن السابق بضع كيلومترات ، لكن هناك تغير ملحوظ في طبيعة اللباس الذي ظهر به الإرهابي و الذي ينم عن فقده ازاره "الحزام"، و الذي يدل عن فقده سلطات عديدة أبرزها عدم قدرته تأمين أي حماية أو سند لأي من أتباعه، و ظهوره بهذا الشكل ما هو إلا للقول "إني مثلكم أنتظر ساعة مقتلي أو عزلي و تغييبي".
رغم ما ذكرته آنفاً إلا أن المشهد المتعلق بوجبة الطعام لم يتغير ، وبات هناك متلازمة عنيدة بين الأسد و قواته و البطاطا المسلوقة الخالية من أي منكهات أو أمور دسمة، وهذا دليل أن لا تغير طرأ رغم كل كثافة الحضور الروسي و مليشيات الأخير، و كل ما يحدث عبارة عن تضخيم مطلوب من اللاعبين الدوليين بغية تحسين شروط التفاوض و انهاء الأمور بشكل يرضي الجميع و برضاء الجميع، و بأسلوب أقل ضرر ممكن بتضارب المصالح.
المتلازمة بين الأسد و البطاطا المسلوقة ، تذكرني بالمتلازمة بين سوريا و النظام الحالي ، و هي التي يحب العالم حمايتها بالإبقاء على هيكلية النظام مع تغيير بعض الوجوه، دون المساس بالأسس التي يقوم عليها من خلال ثلاثية الجيش و الأمن و الخارجية، ماعدا ذلك يمكن أن يتغير ، أي أن المتلازم بين الحل و بقاء النظام مستمرة، و لو طال أمر الإرهابي الأكبر بعضاً، الذي ظهر اليوم محاولاً استرجاع شيء من هيبته بعد أن أفقدته إياها روسيا و أذلته بعد استدعاء وزير الدفاع الروسي له بشكل مهين لأرض سوريا بالاسم و روسية بالفعل .
يسعى الإرهابي فيما تبقى له من أيام في الحكم أن يحافظ و لو على بعضاً من ماء الوجه، و يريد أن يرسل رسالة ضمنية لروسيا ، أنه يمكن أن يكون قوي بوجود حاشيته التي ظهر بينها والتفت حوله، و لكن يأبى النجاح أن يكون حليفه، فقد عجز عن تغيير نوعية الطعام، و حافظ على "البطاطا" المسلوقة كعنصر أساسي الدالة على أنه لن يغير السياسية التي ينتهجها مهما حدث، و مستمر حتى فناءه ،
روت لي ابنتي من نيويورك كيف اشتغلوا لمدة شهر وبالتعاون مع الحقوقي الأميركي «ديفيد كرين» لتعميم الصور التي هرب بها المدعو قيصر (وهذا اسم مستعار) من سوريا، ويقول القانوني «ديفيد كرين» إنه اجتمع بالقيصر وتحدث معه، وهو مختفٍ الآن باسم مستعار في بلد أوروبي. ومما روى عن تجاربه أنه لم يعد يتحمل التصوير (بعد قرابة 11 ألف جثة ماتت جوعاً وتعذيباً موثقة بـ55 ألف صورة) فقد كانت مهمته تصوير الجثث وتوريدها للقصر الجمهوري! ومن الغريب هذا التوثيق الذي قد يفتضح، ولكنه يذكر بالعقلية النازية الجهنمية، فهتلر لم يكن يرتاح قبل أن يرى النهاية لخصومه أو من يعتبرهم خصومه مصورين بفيلم حي من نوع 8 ملميتر في أيامهم! ويقول قيصر: وفي يوم كان أحد الضحايا صديقاً لهم فقرر الهرب لأنه سيكون الصورة القادمة والضحية التالية التي لا مفر منها.
ويتشكك «كرين» كثيراً في أن يتجاوز مجلس الأمن محلة الإدانة والدعوة إلى فتح تحقيق في المسألة، وذلك لمعرفته العميقة بهذا المجلس المنحاز وخاصة أن بعض زعماء الدول الكبرى فيه مهتمون لنجاة صديقهم الموهوب في القتل. وفي أميركا قام البعض بالتفاف مختلف من خلال الضغط في مجلس النواب والشيوخ الأميركيين، حتى قام الجمهوري كريس سميث (Chris Smith) بالتعاون معهم وعرض الفاجعة على لجنة مستقلة.
وحالياً تم تحضير خمس قضايا للرفع القانوني في وجه الأسد المفلت من العدالة بالفيتو الذي يسخره في صالحه بعض حلفائه. ولابد أن يكون للعدالة الدولية موقف ليس فقط في وجه النظام بل أيضاً في وجه بعض المجموعات المسلحة مثل «النصرة» و«داعش» وحتى بعض العناصر المحسوبة على «الجيش الحر» (روى لي صديقي طبيب الأسنان من بصرى الحرير كيف استسلم تسعة جنود للمعارضة المسلحة فقتلوهم ميدانياً).
يقول «كرين» عن خبرته الشخصية إن والده كان ضابطاً يخدم في الجيش الأميركي في ألمانيا الاتحادية ورأى وهو طفل معسكر «داخاو» الألماني حيث كان يجمع ويصفى المعتقلون. وقال لقد شممت رائحة الرعب وما زالت في أنفي حتى درست الحقوق، وكرست نفسي اليوم للسوريين، كما فعلت مع المجرم تشالز تايلور (رئيس ليبريا السابق المسؤول عن قتل مئة ألف أو يزيدون).
وحين يتحدث عن حملة بوش الابن يقول كنت أنا في وزارة الدفاع حين تمت التهيئة لاجتياح العراق، والحق أقول لكم، كانت من أجل النفط لا أكثر ولا أقل.
ومن أعجب ما يذكر الرجل عن قضية المجرم تشارلز تايلور أن عمله لم يسند من الحكومة الأميركية بل تمت عرقلته في بعض المراحل، ليكتشف بعجب أن تايلور كان عميلًا مدللًا ليس عند الاستخبارات المركزية (CIA) فقط، بل أيضاً المخابرات المركزية العسكرية (DFA)، وربما كان أحب إلى قلوبهم حتى لو قتل مائة ألف أويزيدون، أو مثل بشار 470 ألفاً من الأنام، وعطب مليونين وهروب عشرة ملايين! ومن أعجب ما يسرد أن هناك الكثير من المجرمين الذين لا يمكن جرهم لعدل أو عدالة أو محكمة أو هيئة لأنهم محروسون في المحافل الدولية بالفيتو غير المسؤول. لينتهي بالقول: إن الطريق لتحقيق العدالة طويل ومليء بالمفاجآت والمطبات، ولكن يكفي أننا نجحنا مرة في جر مجرم عتيد إلى العدالة، ووضعنا الأصفاد والسلاسل في معصميه، ومن نجح مرة في تحقيق العدالة فقد ينجح مرات.
ومن هذه الخلاصة نصل إلى أن الظلم في الأرض عريق، وبين الخلائق مستمر وعتيق، ومن ظلمات هذا الجو كان لابد من قانون وعدالة ووقف لمجرمي الحروب عند حدودهم بشكل حاسم.
لو أن الاستفتاء الذي يعرفه الغرب، وآخره في بريطانيا حيث أظهر تفوقا لمؤيدي خروج المملكة من الاتحاد الاوروبي جرى تطبيقه عندنا، لقال الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في إطلالته امس أن قرار الاكثرية في بيئته الحاضنة هو الخروج من سوريا. لكن نصرالله لم ينطق بهذا القرار الذي صار متداولاً على نطاق واسع في الايام الماضية. وتروي شخصية شيعية بارزة أنها فوجئت بعبارة يرددها امامها مناصرون للحزب تقول: "ماذا نفعل في سوريا؟" وذلك بعد معركة ريف حلب الجنوبي بين 10 و17 حزيران الجاري وأسفرت حسب المعلومات الرسمية للحزب عن سقوط 26 عنصرا ووقوع عنصر في الاسر. وبعيدا عن الجدل حول حجم خسائر الحزب في سوريا فإن الثابت هو تلاشي الامال في أحراز إنتصار عسكري ساحق في سوريا عموما وحلب خصوصا وحلت مكانها آمال في تثبيت الواقع الميداني فلا يتغيّر نحو الاسوأ كما ظهر في أعلام الحزب وإيران على السواء بالقول: "روسيا لأميركا: لن نسمح بتقدم المسلحين في حلب".
إطلالة نصرالله التي جاءت في ذكرى أربعين مصرع القائد العسكري البارز في الحزب مصطفى بدر الدين في ظروف غامضة في دمشق لم تغص في هذه الظروف ومنها معلومات عن إتصال تلقاه الاخير قبل وفاته ودفعه الى الانتقال من لبنان الى سوريا حيث لقي حتفه. وحتى يأتي اليوم التي تروى فيها الحقائق كاملة بات واضحا أن سوريا صارت مصيدة لـ"حزب الله" من القمة الى القاعدة وكانت فاتحتها إغتيال القائد البارز عماد مغنية قبل أعوام من بدء الحرب السورية في عمق المنطقة الامنية بدمشق ثم كرّت السبحة فوقع غيره في المصيدة ومنهم نجل مغنية جهاد في الجانب السوري من الجولان وأيضا سمير القنطار في دمشق وآخرهم بدر الدين. وأعترف نصرالله بخطر سوريا عندما قال في كلمته بذكرى مرور أسبوع على مقتل بدر الدين في 20 أيار الماضي: "... كنت أمنعه (أي بدر الدين) من موقع مسؤوليتي المباشرة عنه من الذهاب الى سوريا حرصا عليه وصونا له..." لكن هذا الاعتراف لم يمنع نصرالله من القول: "... باقون في سوريا وسيذهب قادة الى سوريا أكثر من العدد الذي كان موجودا سابقا...".
لا يختلف إثنان على أن قرار ذهاب "حزب الله" الى سوريا قرار إيراني من المرشد علي خامنئي. ولن يغيّر هذا القرار سوى المرشد نفسه. من هنا يفهم المرء طريقة تعاطي وكالة الانباء الايرانية (أرنا) امس مع بيان كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة للحزب، فتجاهلت الوكالة كليا الموضوع الرئيسي في البيان المتصل بالعقوبات المصرفية الاميركية وركزت فقط على تجديد الكتلة "إلتزامها دعم سوريا في مواجهة قوى الارهاب التكفيري".
لو كان في البيئة الشيعية حركة تشبه حركة "الامهات الاربع" الاسرائيلية التي مهدت لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان لأختلفت الصورة ولربما أعلن نصرالله الخروج من سوريا.
تبدو مواجهة الذات في اللحظات الحرجة صعبة، ومؤلمة. مع ذلك، فهذا الاختبار لا بد منه إذا أردنا تصحيح مسيرتنا وأوضاعنا. على ذلك يمكن القول أن ثمة أخطاء للمعارضة السورية، ولا ينبغي إنكار ذلك أو تجاهله، أولاً، لأن من يعمل يخطئ ويصيب. وثانياً، لأن تجارب الحركات والثورات السياسية قائمة أصلاً على الصحّ والخطأ، إذ لا وجود هنا لوصفات نموذجية. وثالثاً، لأن تجربة هذه المعارضة حديثة، وقد انبثقت مؤخّراً، وفي ظروف صعبة ومعقّدة تقدر بالسنوات وليس بالعقود. ورابعاً، لأن السوريين كانوا محرومين من الحياة السياسية، لذا فهم يفتقدون الخبرات في هذا المجال، مع الاحترام لكل تكوينات المعارضة، التي حاولت فرض ذاتها قبل الثورة طوال العقود الماضية، ودفعت أثماناً باهظة ثمناً لذلك.
مع ذلك، ففي الكلام عن المعارضة يفترض أن نلاحظ مسألتين، أولاهما، عدم الخلط بين المعارضة والثورة، فالأولى تخصّ الهيئات السياسية، وهذه قد تخطئ وقد تصيب، وقد تقصّر، أو تعجز عن القيام بما عليها، لأسباب ذاتية وموضوعية، وهذا ديدن كثير من الحركات الثورية عبر التاريخ. في حين تعبّر الثورة عن الشعب، الذي يحاول مصارعة النظام، وفقاً لإمكانياته، وخبراته (وهي محدودة طبعاً)، ووفقاً لمستوى تطوره السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. أما المسألة الثانية فهي أن التمييز بين المعارضة والثورة لا يعني أن نقد المعارضة مسموح ومطلوب، وأن نقد الثورة غير ذلك، فالنقد مطلوب في كل الحالات لتصحيح أو لترشيد المسار والخطابات والبنى وأشكال النضال، لكنه يفترض أن يؤسس كل ذلك على الانحياز للثورة. بمعنى أكثر دقة أريد أن أقول بصراحة إن موقف أي كان من المعارضة، قبولها أو رفضها، لا يفترض أن يؤثّر في الموقف من ثورة السوريين العادلة والمشروعة، إذ لا يجب الخلط في الموقف الأخلاقي والسياسي بين الاثنين.
من تجربتي، ومع كل الكارثة الحاصلة في سورية بسبب النظام، لا سيما في محاولاته دفع الثورة للانحراف عن أهدافها الأساسية المتعلقة بالتغيير، وإقامة نظام ديموقراطي، أو دولة مواطنين، باستخدامه أقصى قدر من العنف، وتحويله الصراع من السياسة إلى صراع على الوجود، ومحاولته إسباغ صبغة طائفية على الثورة، وإظهار الأمر على أنه صراع ضد الإرهاب، ينبغي الاعتراف أن النظام استطاع أخذ بعض القطاعات المترددة من السوريين، ليس قبولاً منها به، وإنما بسبب الخوف من بطشه، أو بسبب انعدام اليقين من البديل.
هكذا، فلقد أخطأنا كمعارضة في عدم انتباهنا للدرجة المناسبة لاستراتيجية النظام هذه، وبعدم تمسكنا بانتهاج خطاب واضح وحاسم، خطاب ديموقراطي يتأسس على المواطنة، والحق في الحرية والعدالة والمساواة، في سورية متنوعة ومتعددة وديموقراطية ومدنية (لا دينية ولا طائفية ولا عسكرية). نعم لقد بات هذا الخطاب، الذي وسم الثورة في بداياتها الأولى، شبه غائب، وباتت لدينا خطابات مختلفة، ومتخلفة، لا ترقى إلى التضحيات التي قدمها السوريون من اجل حقهم في العيش بحرية وكرامة.
أيضا، أخطأت المعارضة في تغليبها البعد العسكري على البعد الشعبي في الثورة، وفي غلبة العسكرة على مظاهرها، وعدم اتباعها الكيانات العسكرية لرؤية سياسية واضحة، وفي هذه الفجوة بين الكيانات السياسية والعسكرية، وسكوتها عن الخطابات المتطرفة، ذات الصبغة الدينية والطائفية والتي تساهم مع النظام في صبغ سورية بلون واحد، تعسّفي وإقصائي.
ضمن هذه الأخطاء يمكن الحديث عن علاقات التبعية أو الارتهان لهذه النظام او ذاك، وهو أمر قد يبدو اضطرارياً بسبب الظروف المأسوية لشعبنا، وبسبب ضعف الإمكانيات، لكن هذا الوضع بالذات هو الذي يضع صدقية المعارضة على المحك، وفي نطاق المساءلة في شأن سلامة مواقفها، وصوابية خطاباتها، وخطط عملها. ما أعنيه هنا أن المعارضة يمكن لها أن تعزز مكانتها من خلال ترسيخ صلاتها مع شعبها، وإيجاد هيئات عمل تستطيع من خلالها تعبئة طاقاته، واستمداد الحيوية والفاعلية منه، كما من خلال حرصها على تمثيلها مصالح السوريين، إزاء الدول الصديقة أو الداعمة. وباختصار، نعم هذا ما ينبغي أن تفعله المعارضة لتعزيز مكانتها القيادية، أي أن احترامها ذاتها هو الذي يفرض على الآخرين احترامها، وتوطيد صلاتها مع شعبها هو الذي يمنحها القوة والاستقلالية.
بيد أن الحديث عن أخطاء المعارضة، أو نقدها فقط، لا يكفيان، أو لا يجديان وحدهما، لأن المطلوب زجّ مزيد من الجهود والطاقات في إطار قوى الثورة والمعارضة، بمعنى أن بعض المسؤولية يقع على عاتق القوى التي ما زالت لا تميل للانضواء أو للاشتغال ضمن «الائتلاف» أو ضمن الكيان الجمعي للمعارضة، كـ «الهيئة العليا للتفاوض»، كما يقع على عاتق الأفراد الذين يمتلكون الخبرات والطاقات التي يمكن أن تغني المعارضة، وأن تسهم في إضفاء الحيوية عليها، وتطوير خطاباتها وأشكال عملها، إذ يوجد كثيرات وكثيرون ممن يأنفون العمل في الكيانات الجمعية لسبب أو لآخر. كما أن بعض المسؤولية يقع على عاتق الكتل الاجتماعية التي لا تشتغل كقوة ضغط على المعارضة من اجل توسيع هيئاتها، وتحسين مستوى تمثيلها، ومن أجل تطوير عملها، وترشيد خطاباتها، لا سيما أن مثل هذه الكتل باتت موجودة، خارج سيطرة النظام، في المناطق المحررة، وفي مناطق الشتات في البلدان العربية والأجنبية، علماً أن مثل هذا الضغط يحصل أحياناً لكن بطريقة عفوية وفردية وعبر وسائط التواصل الاجتماعي.
نعم نحن في حاجة إلى تطوير أوضاعنا، لكن هذا في حاجة إلى تضافر كل الجهود أيضاً، فالعملية الثورية في سورية معقدة جداً، وتعترضها صعوبات كثيرة. وعليه لا يكفي رمي المعارضة بالتقصير أو بترداد أخطائها، وإنما المطلوب أكثر من ذلك، مطلوب المساهمة من الجميع، وبخطوات عملية، لوضع شعبنا على سكة الحرية والمواطنة والديموقراطية... سورية للجميع.
يخطف “القيصر الجديد” فلاديمير بوتين الأضواء على المسارح السياسية ويجابه أو يحارب من أوكرانيا والجوار الروسي إلى سوريا. وعبر اندفاعته السياسية والعسكرية يريد أن يثبت أنه غير معزول بسبب الحرب الباردة المحدودة أو العقوبات الغربية وأنه على العكس يسجل النقاط.
عبر اختبارات القوة المتنوعة والتوتر غير المسبوق مع حلف شمال الأطلسي والاستمرار في الانغماس في سوريا، يمارس سيد الكرملين لعبة المبارزة الكلاسيكية ويتصور أن امتلاكه الآلاف من الرؤوس النووية والصواريخ الاستراتيجية وخشية واشنطن باراك أوبـاما من “المجابهة الشاملة” يخولانه بواسطة الابتزاز والاختراق تحقيق رهاناته وتعزيز موقع بلاده العالمي، بَيْدَ أن اللعبة المفتوحة مع القوى الغربية والناتو وتعقيدات الوضع على الساحة السورية وحجم مصالح القوى الإقليمية وتصميم مناهضي منظومة بشار الأسد، يمكن أن تبدد على المدى المتوسط رهانات بوتين وتنقلب لعبة الروليت على مصالح روسيا، إذ أنها لعبة حظ مميتة ولا يعلم من يغامر بها إذا كانت الرصاصة الأخيرة ستكون من نصيبه.
في مرحلة الاضطراب الاستراتيجي العالمية يصعد نجم بوتين؛ الرئيس المتمرس بالأمن والمحارب المختال من الشيشان إلى جورجيا وأوكرانيا، وهو أيضا السياسي الداهية الذي أخرج بلاده من حقبة السبات أيام بوريس يلتسين ونسج صلات مصالح يتحكم بها مع أصحاب الرساميل وما يسمى الزمر أو المافيات. ويحاول الرئيس الروسي الحفاظ على شعبيته الداخلية من خلال استعراض العضلات والمغامرات المحسوبة في الخارج من أجل التغطية على الفشل الاقتصادي ومشاكل روسيا الهرمة، ليس هناك من تردد في استخدام كل الأساليب البهلوانية سياسيا وعسكريا. قبل زيارته إلى الصين نهاية هذا الأسبوع تحدث الرئيس الروسي بإصرار عن تمسك بلاده بالقانون الدولي لحل الأزمات واحترام سيادة الدول، لكن من يراقب فيديو لقاء وزير الدفاع الروسي بالرئيس السوري في قاعدة حميميم يلاحظ عدم اهتمام موسكو بحفظ ماء وجه حلفائها، ومن يقرأ تقارير المنظمات المحايدة عن استخدام روسيا للقنابل الحرارية المحرمة دوليا وللفوسفور الأبيض في قصف مناطق في حلب، يستنتج عقم وتناقضات الخطاب البوتيني ويتذكر أن قنابل النابالم الأميركية لم تغير مجرى التاريخ في فيتنام وأن كل أنواع السلاح لن تمكن روسيا من التحكم بسوريا على المدى المتوسط.
بعد زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى موسكو، والاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع الروسي والإيراني والسوري في طهران، وبلورة التقاطعات الروسية مع إسرائيل وإيران على الساحة السورية، اهتز بشكل بسيط السقف الأميركي نتيجة تفاقم الوضع الميداني وعدم احترام تفاهمات كيري – لافروف إلى حد أن البعض في واشنطن أخذ يهزأ من وزير الخارجية المخضرم ويطلق عليه لقب “كيروف”. في هذه الأثناء وبالرغم من كل الحضور الروسي في سوريا يصعب على بوتين لعب دور الحكم والخصم أو عراب الحل السياسي، وهو غير قادر على إلزام النظام في دمشق فك الحصار عن مئات الآلاف من السوريين أو إطلاق المعتقلين. إزاء الاستعصاء الداخلي والخارجي، صدرت مذكرة الدبلوماسيين الأميركيين الذين عملوا أو تعاطوا مع الملف السوري وفيها مطالبة بتغيير الأسلوب ودرس احتمال توجيه ضربات للنظام السوري كي يلتزم بوقف الأعمال العدائية، وسرعان ما تفهم جون كيري الأمر في مسعى للضغط على نظيره المتجهم الدائم سيرجي لافروف، والغريب أن موسكو أخذت هذا الموضوع على محمل الجد وانبرى ميخائيل بوغدانوف، نائب لافروف، والسيدة ماريا زاخاروفا الناطقة باسم الخارجية الروسية للتحذير من أي مجازفة أميركية، ومن أجل المزيد من التشويق في مسلسل رمضاني من نوع آخر جرى الكشف عن تفادي صدام بين مقاتلتين أميركية وروسية في الجنوب السوري، لكن جرى ختام المشهد الدرامي المصطنع بتراجع الشريف الأميركي وقول الناطق باسم البيت الأبيض رفض إدارته الانجرار إلى أي مجابهة شاملة مع روسيا، وهكذا لا يقبل الرئيس باراك أوباما أن يمنح دبلوماسيته ورقة التلويح بالقوة، ويترك الملف السوري عمليا في عهدة نظيره الروسي، بينما يتعامل معه بشكل مختلف في الجوار الروسي إذ تستمر العقوبات ضد موسكو بسبب أوكرانيا ويكشر الناتو عن أنيابه في بولندا ورومانيا وبلدان البلطيق.
ومن الواضح أن إدارة أوباما ترفض المقايضة أو المساومة بين الملفات المختلفة، وتفضل التركيز على الحرب ضد داعش واستمرار العمل مع روسيا وفق مسار فيينا والقرارات الدولية، وحسب مصدر أميركي معني بهذا الملف سيكون هناك تأكيد على موعد الأول من أغسطس لبدء المرحلة الانتقالية، وسيكون ذلك المحك للعلاقة مع موسكو على مدى الأشهر الأخيرة من ولاية أوباما ومع الإدارة الجديدة بحكم الأمر الواقع.
انطلاقا من هذه المعطيات انتهز فلاديمير بوتين فرصة انعقاد المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبورغ خلال الأسبوع الماضي، وبحضور وجوه دولية بارزة (الأمين العام للأمم المتحدة، رئيس المفوضية الأوروبية، ورئيس الوزراء الإيطالي) في ما يطلق عليه منتدى “دافوس الروسي”، وأراد أن يعطي الانطباع أنه لا يمكن الالتفاف عليه وأنه أخذ يستعيد الأمجاد السوفيتية وهو صاحب القول الشهير “نهاية الاتحاد السوفيتي كانت أكبر خطأ جيوسياسي في القرن العشرين”، لكن الواضح بالنسبة إليه أن هذه العودة لم تكن عبر البوابة الأوكرانية، بل عبر اختراقه الاستراتيجي في سوريا. ومن هنا كان طرحه لنظرته حول الحل السياسي في سوريا، ومرة أخرى تحدث بوتين باسم الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك خلال جلسة نقاشية في المنتدى الاقتصادي العالمي إذ قال “الأسد ‘ملتزم’ بالعملية السياسية لحل الأزمة السورية، وأنه وافق خلال زيارته لموسكو على تطوير دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة في سوريا”. وأبرز بوتين تمايزا مع وجهة نظر دمشق وطهران بقوله “المشكلات في سوريا تتمحور حول مكافحة الإرهاب، ولكنه ليس كل شيء، إذ أنه في جوهر هذا الصراع هناك تناقضات داخل المجتمع السوري، والرئيس الأسد يدرك ذلك”، مضيفا “السؤال ليس حول السيطرة على المناطق المختلفة، رغم أهمية ذلك، السؤال هو حول توفير الثقة بين جميع أطراف المجتمع”.
بعد ذلك حدد بوتين خارطة الطريق الروسية وأبرز عناصرها:
تشكيل حكومة فعالة، يمكن لجميع سكان البلاد الوثوق بها.
المشاركة بنشاط في عملية تطوير الدستور الجديد.
إجراء انتخابات جديدة؛ انتخابات مجالس المحافظات، وانتخابات برلمانية.
ويلاحظ أن الانتخابات الرئاسية غير مطروحة، بل يكشف بوتين عن رفضه محاولة من أسماهم الشركاء الغربيين إعادة هيكلة السلطات السورية وهذا يعني حسب رأيه رحيل الأسد. من دون مواربة ومن دون مفاجأة يتمسك بوتين بورقته السورية ويحاول أن يعيد إنتاج النظام مع عدم حسم مصير رأسه وعدم احترام تفاهمات فيينا التي تقول ببدء حكم انتقالي يمارس كل صلاحيات السلطة التنفيذية. إنه التسويف وإنها المراوغة على الطريقة البوتينية. يرفع القيصر الجديد الصوت ضد أعمال الناتو العدائية في جواره لمجرد إجراء مناورات وتركيز منظومات دفاع صاروخي، بينما يشن في سوريا حربا من دون هوادة ويستفيد من الخلل في ميزان القوى الدولي كي يفرض استمرار نفوذه.
يقر رئيس أركان الجيش الروسي (أو يناور ليغطي ضربات روسية قادمة) أن الوضع في سوريا يزداد تعقيدا، ومن الواضح أن التدخل المحدود وعدم الفعالية في التنسيق العملي بين الروس والمحور الإيراني وارتباطات موسكو مع واشنطن وإسرائيل، تجعل رهانات بوتين صعبة المنال وتترك الساحة السورية مسرحا للعبة الأمم وشعبها منسي ومتروك.
لن ينتهي الصراع في سوريا وعليها في العقد الحالي. أقصى ما يمكن طموحه، تحقيق حالة من الهدنة الهشة التي تتخللها عمليات إرهابية وتصفوية، لتبريد بعض «الرؤوس الحامية« التي تتمنع أو تستقوي في الوقت الخطأ. محاولة أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وأخرى إقليمية في مقدمتها إيران والسعودية وتركيا وحلفاء كل واحدة منها، تحقيق التفوق في منطقة الشرق الأوسط التي تتسع فيها يومياً الفوضى، يفرض المزيد من الغموض حول الأهداف الحقيقية لها، خصوصاً كل ما يتعلق بمدى استعدادها للقبول بقواعد التسوية وحجم التنازلات التي ستقبل بها.
التصعيد العسكري القائم في سوريا مستمر ولن يتوقف هذا العام. لن ينتصر أحد ولن يهزم أحد. كل شيء بحساب. من لا يصدق أو يقبل ليراقب مؤشر الأرباح والخسائر لدى الأطراف في المعارك اليومية حتى نهاية العام الحالي، حيث سيتبين التعادل. ليس في هذا سخرية وإنما هذا هو الواقع. المطلوب أن تصرخ القوى المشاركة من الألم والتعب، أو التعب والإرهاق.
قبل عام بالضبط خطب الرئيس بشار الأسد معلناً تقريباً خسارة الحرب لأن «الجيش منهك والخسائر تتزايد والتراجع قائم». لم يكن ينقص هذا الخطاب إلا إعلان انسحابه الى دولة تضمن له السلامة. بعد عام كامل خطب الأسد من المكان نفسه في مجلس الشعب معلناً، «متابعة الحرب ضد الإرهابيين وكل المعارضة المسلحة إرهابية». التدخل الروسي والجمود الأميركي، قلبا الوضع فتقدمت القوات الأسدية وتراجعت القوى المعارضة». الآن تتزايد ضربات المعارضة من جهة بعد أن وجدت الحلول التقنية لاستخدام المعارضة للأسلحة المتقدمة، المدفع الذي حصد تسعة مقاتلين من «حزب الله« استخدم من مقاتل سوري دربه الأميركيون وأخذوا بصمته ووضعوها على المدفع بحيث لا يمكن لغير المقاتل الذي بصمته موجودة استخدامه وضد الهدف الذي يتم تصويره حتى تتأكد المخابرات الأميركية من صحة الواقعة.
روسيا الدولة الكبرى، مثال كبير على احترامها للقواعد الميدانية. موسكو تنسق ليلاً ونهاراً مع واشنطن وتل أبيب، الى درجة أنه: حتى عندما تحلق طائرة روسية باتجاه موسكو، فإن واشنطن تعرف باكراً قبل التحليق نوعية الطائرة وخط تحليقها. بدورها فإن إسرائيل تطلع على كل التحركات والأهداف، وهي مطمئنة الى أن قوات المعارضة والجيش السوري اللذين لا يبعد أحدهما عن الحدود أكثر من مائة متر، لن يطلقا طلقة واحدة ضدها. وقائع اكتمال «العجة« السورية تفرض الالتفات الى الخلف وليس الى الأمام حيث يقف الجندي الإسرائيلي.
تركيا استوعبت بعكس إيران الطموحة جداً، كما يبدو الوقائع والتحولات أن عليها تقديم التنازلات وبالتالي خفض سقف طموحاتها. يوم غد، أو قبل نهاية الشهر الحالي إذا وقع أي طارئ ستتصالح أنقرة مع تل أبيب، وستبدأ مساراً جديداً بعيداً عن الحرب حتى النصر. أما إيران فإن مسارها نحو التغيير والاعتدال ما زال طويلاً، لم تستوعب طهران أن نقطة ضعفها مهما بلغت من القوة تكمن في كونها شيعية في بحر من السنة. هذا التناقض أساسي وفي صلب التحولات. مما يطيل الخيارات الإيرانية أن الخارج فيها متداخل مع تشكلات الداخل بين المعتدلين والمتشددين.
تبقى الولايات المتحدة الأميركية. لن يقع أي تغيير في الاستراتيجية الأميركية. حتى مذكرة الديبلوماسيين الأميركيين لم تطالب بأكثر من تغيير في تكتيك الرئيس القادم سواء هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب هو الذي سيقرر أي تغيير استراتيجي ولذلك يجب انتظار العام المقبل.
سؤال ميداني طرحته صحيفة «لوموند« الجدية: كيف حصل «داعش» على مليار دولار من العوائد المالية من بيع النفط؟ وكيف نجح في اختراق «الحصون» المصرفية لاستخدام هذه الأموال واستثمارها رغم الحرب الدولية ضده؟ لا جواب لدى «لوموند« رغم أنها على الأرجح تعرف بعض أو أغلب مفاتيح هذا السر، لكن ليس كل ما يُعرف يُقال، حتى تدق الساعة. عندئذٍ يُعرف الخيط الأبيض من الأسود.
كيف ستكون حال العراق وسورية بحلول 2030؟ سيئاً، فلا شيء في الأفق يدعو إلى التفاؤل، ذلك أننا - العرب - نحسن القفز في الحروب والفوضى، ولكننا لا نحسن الخروج منها! حال العراق السيء لم يبدأ بسقوط الموصل بيد «داعش» قبل عامين، حاله سيئة منذ الغزو الأميركي عام 2003، وعلى رغم كل المال والجهد والنفط والماء لم يخرج من عثرة إلا إلى أخرى.
عمر الأزمة في سورية خمس سنوات، ولا أمل بحل قريب. لنتذكر أن الحرب الأهلية في لبنان استمرت 15 سنة، ومن يتذكر متى انهارت دولة الصومال؟ قبل أكثر من ربع قرن. لذلك من العبث التفاؤل بخروج آمن قريب من دون مشروع جاد للتدخل ووقف حال الانهيار. ثم إن موعد 2030، الذي اختارته السعودية ومصر وقطر وأبوظبي موعداً لتحقيق نهضة تنتقل فيها بلادهم إلى عالم مستقبلي قريب جداً، ما يعني أن عليهم الانشغال أكثر بإعادة الاستقرار إلى العراق وسورية، إذا استطاعوا الاتفاق على خطة مشتركة، فهذان البلدان، اللذان يشكلان جل المشرق العربي، ليسا بهامشيين يمكن استمرار حياة جيرانهما بسلام من دونهما.
يمكن أن تنتهي الحروب في أيام، حصل هذا في البوسنة عام 1994، وبعدها تبدأ عملية إعادة بناء قد تؤتي أكلها خلال عقد واحد، وقد حصل هذا أيضاً في البوسنة، التي استقرت وباتت اليوم تستقطب استثمارات أجنبية وخليجية، ولكنه يستلزم عزيمة صادقة لفعله، وهو ما يفتقده المجتمع الدولي أو تحديداً اللاعب الأساسي (الولايات المتحدة) الغائبة الحاضرة في سورية والعراق، ومن الخطأ المراهنة على تغير حقيقي في السياسة الأميركية على يد رئيس جديد، إذ لا ضمانات لذلك، وأثبتت تجربة السنوات الأخيرة مرارة الاعتماد على واشنطن فقط.
ستنتصر قوات الحكومة العراقية وميليشياتها في الفلوجة، بل قد تستعيد حتى الموصل، فهي تتلقى دعماً غير مسبوق من الأميركيين والإيرانيين معاً، يا للغرابة! وغضت واشنطن والمجتمع الدولي الطرف عن وحشية ميليشياتها ضد المدنيين. ولكن لن يكون هذا كفيلاً حتى بإعادة العراق إلى «استقرار صدام حسين»، بلد موحد تحت سيطرة استخبارات قاسية، وإنما سيكون صفحة أخرى من صفحات الفوضى، تمرداً آخر يحمل اسم غير «داعش»، قد يكون أكثر أناقة أو بشاعة، ولكنه سيبقى تمرداً يأكل مزيداً مما تبقى من «الدولة العراقية»، مولّداً صراعاً قبيحاً آخر يأتي من رحم صراعات عدة تتوالد في رحم الفوضى والحروب والفشل العربي. وعندما يطفح بقبحه ينسحب الرئيس الأميركي وقواته مما اقترفت أيديهم في المنطقة، ثم يسرب تصريحاً أحمق لمجلة أميركية يقول: «مللت من الشرق الأوسط، هؤلاء العرب والمسلمون يعشقون الحروب». ويمضي بعيداً، وبراءة الأطفال في عينيه أو عينيها!
لماذا يحصل هذا في عالمنا؟ لماذا نعجز عن النهوض بالمقارنة مع أوروبا، التي أعادت ترتيب بيتها سريعاً بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك كوريا، بل حتى فيتنام؟! إنها التدخلات الخارجية والإقليمية السلبية، وكذلك غياب توافق إقليمي على مشروع واحد يقود المواجهة والنهوض.
في المنطقة معسكران متباينان متورطان في صراعات المشرق العربي، وكلاهما يفتقد رؤية مشتركة بين مكوناتهما، فالروس والإيرانيون مثلاً، متفقان في سورية ضد الثورة، ولكن لكل منهما رؤيته للمستقبل وأسبابه للتورط في الصراع، الروس يريدون إعادة بناء نظام قمعي يشبه النموذج الذي صنعوه في الشيشان، ويكون تحت حمايتهم، ويوفر لهم مساحة نفوذ في شرق المتوسط، في مقابل ترك سورية للإيرانيين يتمددون فيها بمشروع طائفي خرافي لا يوافق مزاجهم العلماني الحاد، رؤيتان لا تستحقان الحياة في عالم متحضر، ولا بد أن تصطدما.
في الجهة المقابلة، نجد السعوديين والأتراك والقطريين والأميركيين والفرنسيين متفقين فقط على مبدأ إسقاط النظام «الذي فقد شرعيته»، وقد قالوا ذلك منذ خمسة أعوام، ولكنهم مختلفون في ما عدا ذلك، على الثوار الذين يستحقون الدعم والذين لا يستحقونه، وعلى الأولويات، وهل هي «داعش» أم النظام؟ وعلى السلاح الذي يمكن دعم المعارضة به، بل حتى على مذكرة المفاوضات، ما أدى إلى كثير من الشكوك في النيات، وخصوصاً مع الجانب الأميركي، يغطونه بعبارات تزعم الاتفاق وتنفي الخلاف. لقد حصل انسجام كبير خلال العامين الماضيين بين الدول الثلاث الأولى، وحققت فيه تقدماً طيباً على الأرض، أجهضه الروس بتدخلهم الصيف الماضي، ولكنه لا يزال يفتقد الرؤية الواحدة.
هذه التباينات تدعو إلى التشاؤم بأن عمر أزمة المشرق العربي سيطول، ذلك أنها ستمنع أي طرف من تحقيق انتصار حاسم. ولنأخذ معركة الشمال السوري نموذجاً. التوافق السعودي - التركي - القطري مكّن الثوار من تحقيق انتصارات واسعة هناك، حتى اقتربوا من الساحل العام الماضي، وتراجع مع انتصاراتهم حتى «الدواعش» والأكراد، ولكن التدخل الروسي أحبط ذلك وخلط أوراق اللعبة دولياً ومحلياً. الأسبوع الماضي شهد دورة أخرى لمصلحة الثوار بدعم من الحلفاء الثلاثة، إذ استعادوا المبادرة وأثخنوا في «حزب الله» و»الحرس الثوري» الإيراني، ولكن لا شيء يضمن ألاّ تكون هذه دورة من دورات الحرب، فليس مستبعداً أن تتدخل إيران في شكل مباشر أكبر، وترسل آلافاً من قواتها إلى سورية، منتشية بالتقدم الذي حققته في العراق، ومستفيدة من تحسن علاقاتها مع الأميركيين، الذين باتوا شركاء لها في معركة الفلوجة، ولكن السعوديين لن يستسلموا لو حصل هذا، وسيعيدون الكرة، فثمة قاعدة استراتيجية لن تحيد عنها الرياض مهما كلف الأمر، وهي منع إيران من الانتصار في سورية والهيمنة عليها. الخلاصة أنها دورة عنف يدفع ثمنها الشعب السوري والمنطقة بما تطفح به من إرهاب، كحادثة مهاجمة مخفر أردني متاخم للحدود السورية، الأسبوع الماضي، سقط فيها ستة من رجال الأمن هناك.
دورة العنف هذه ستتكرر في الموصل، التي لن تقبل أنقرة ولا أكراد العراق أن تستقر لحكومة بغداد ومن خلفها طهران، وكذلك في منبج والرقة، التي تراها خاصرة رخوة تهدد أمنها القومي، وسترفض تمدد حزب كردي معاد فيها، تعلم أنها لا تستطيع تغيير موقف واشنطن الغريب الداعم لبغداد (ومن خلفها طهران) والأكراد، بعدما ضيعت أكثر من فرصة للتدخل مبكراً في سورية قبل أن يستفحل الوضع ويصبح تدخلها مستحيلاً من دون موافقة أميركية، ولكنها تعلم أيضاً أن الانتصارات العسكرية و«فتوحات» المدن لن تأتي بالاستقرار من دون توافق دولي وإقليمي، لذلك تستطيع وحلفاؤها تعطيل أي انتصارات لخصومها في الموصل والرقة ومنبج، مستفيدة من وجود رفض للفاتحين الجدد.
في الأفق تحول أميركي قادم، تجلى في خطاب 51 ديبلوماسياً بالخارجية الأميركية يحتجون على سياسة حكومتهم في سورية، احتجاجهم ليس مهماً لو توقف في أروقة الوزارة، ولكنه بدأ يحدث تأثيراً في واشنطن، يعززه الضغط السعودي، وعلى رغم عدم وجود تنسيق بين الطرفين فإنه يكاد يكون الخطاب نفسه، وجاءا في الوقت نفسه، إذ يدعوان إلى الاستمرار في المفاوضات، ولكن مع ضغط عسكري أميركي على النظام السوري، وهو ما لم يفعله أوباما، وتراجع عنه أكثر من مرة حين أتته الفرصة.
وزير خارجيته جون كيري التقى الديبلوماسيين، وقبلهم ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المنشغل هو أيضاً بسورية وبالموقف الأميركي الغريب فيها. تدريجياً عاد التشدد إلى الخطاب الأميركي وانتقد بحدة الدور الروسي فيها، ولكنه توقف هناك، وسيكون من السذاجة أن تترك دول المنطقة اختياراتها المستقلة، وتنظر إلى واشنطن، مؤملة بأن تتغير في آخر خمس دقائق من ولاية الرئيس أوباما!
باختصار، ما لم تطور الرياض وأنقرة والدوحة التنسيق بينها إلى مشروع إقليمي متكامل لا يعتمد على واشنطن أو غيرها، تعيد به ترتيب المنطقة من حولها، فحال الفوضى والانهيار ستستمر معنا حتى 2030، ولن نملك حينها غير الدعاء بالسلامة من شرر كالقصر يرمى علينا بين آونة وأخرى من هلالنا، الذي كان يفترض أن يكون خصيباً.
دعا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى تشكيل مجموعةٍ دوليةٍ تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، للإشراف على العملية التفاوضية السورية، على غرار المجموعة التي عكفت على الإشراف على مفاوضات الملف النووي الإيراني، ونجحت في مهمتها، وإن استغرقها الأمر وقتاً طويلاً (نحو عشر سنوات!).
عبر عن الدعوة رئيس "الائتلاف"، أنس العبدة، في بروكسيل، في أعقاب المباحثات التي جرت بين الائتلاف وهيئة التنسيق الوطني السورية (برئاسة حسن عبد العظيم)، وتوجّه العبدة بدعوته هذه إلى الاتحاد الأوروبي الذي وعد، حسب ممثليه في ذلك اللقاء، بدراسة الدعوة باهتمام.
مبعث الدعوة هو استشعار الطرف السوري المعارض أن الثنائية الأميركية الروسية لم تحقّق تقدماً يُذكر على طريق الحل السياسي، ولم تضع حداً لتغوّل النظام على المدنيين وعلى المرافق المدنية، وأن اندفاع موسكو إلى الانخراط في الحل السياسي السوري تجلى في اعتماد الحل العسكري على نطاق واسع، والإجهاز عملياً على الحل السياسي في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً في محاولات موسكو الدؤوبة الالتفاف على مرجعية العملية (جنيف1) ومحاولة تفريغها من مضمونها، وقد تبدّى ذلك بوضوح شديد في تبني الرئيس فلاديمير بوتين، أخيراً، فكرة "حكومة وحدة وطنية" التي يروّجها النظام بديلاً لمشروع الانتقال السياسي الذي يحظى بأوسع تأييد دولي وإقليمي. علماً أن الانتقال السياسي هو الذي يضمن تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ فعلية. علاوة على اندفاع موسكو، بصورةٍ منهجيةٍ، باستهداف المدنيين، وبالذات في مناطق إدلب وريف حلب. وهو ما جعل موسكو جزءاً من المشكلة، لا الحل. فضلاً عن الاستخدام الروسي الأراضي السورية، وفق أجندة خاصة بها، منصةً للاحتكاك مع تركيا، مع السعي الروسي إلى تمكين الاتحاد الديمقراطي الكردي من الاقتراب من الشريط الحدودي مع تركيا، وذلك من أجل إلهاب المسألة الكردية في الداخل التركي.
لهذه الأسباب، يبدو الدور الروسي على جانبٍ كبير من السلبية. ويكتسب هذا الدور مزيداً من الاندفاع في أجواء "الانكفاء" الأميركي الذي عبّر عنه الرئيس باراك أوباما، أخيراً، في رده على رسالة 50 دبلوماسياً أميركياً، بقوله إنه لا حل عسكرياً للأزمة السورية، على الرغم من إدراك البيت الأبيض أن هناك حلاً عسكرياً ناشطاً ومحموماً، تؤديه موسكو مع طهران ومع قوات النظام. قد يؤدي إلى انهيار تام لا سمح الله. كما حذّر بوتين نفسه، ولكن، من دون أن تغيّر حكومته سلوكها في دعم الحل العسكري الذي لا يُبقي ولا يذر.
تتماشى الدعوة إلى تشكيل مجموعةٍ دوليةٍ سداسيةٍ للإشراف على العملية السياسية تماماً مع رسالة الأمم المتحدة وميثاقها، ومع دور مجلس الأمن الذي أبدى انشغالاً دائماً بالأزمة السورية. ولكن، من دون تحقيق نتيجة تذكر، توقف خيار التدمير. وليس هناك أي مسوّغ جدّي، يمنع تشكيل هذه المجموعة التي ستضم، في حال الأخذ بها، روسيا، إلى جانب ألمانيا وبقية الأعضاء الدائمين. ألمانيا قريبة من قضايا المنطقة، وسبق أن لعبت دوراً تمهيدياً في مفاوضات الملف النووي الإيراني، كما عملت، أكثر من مرة، وسيطاً تفاوضياً بين حزب الله وإسرائيل. هذا علماً أنه ليس هناك منطق في اقتصار المهمة على دولتين فقط، أياً كانت منزلتهما. ونحن نعلم أن مفاوضات جنيف حظيت، منذ بدايتها في العام 2012، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة، نظراً لأهمية الملف السوري.
فشلت الثنائية الروسية الأميركية فشلاً ذريعاً، وأدّت إلى تراجعٍ مستمر في حظوظ العملية السياسية، حتى أنها أوقفت مفاوضات جنيف، وجعلت الهدنة (وقف الأعمال العدائية) تترنح باستمرار، وقد ساهمت موسكو، من جانبها، مساهمةً نشطة في خرق الهدنة، وقامت، في الوقت نفسه، بالتغطية الدائمة على الخروق التي لا تتوقف للنظام.
في هذه الأيام، تدعو موسكو إلى عودة سريعة إلى المفاوضات، ومن اللافت أنها تطلب من المعارضة عدم وضع شروط مسبقة، ويُخشى أن موسكو باتت تعتبر التمسّك بمرجعية العملية السياسية شرطاً مسبقاً (!)، وهذه، إذا صحّ هذا التقدير، حيلةٌ مكشوفة لترويج التخلي عن هذه المرجعية. أما البدء مجدداً من نقطة الصفر، والدوران في حلقة مفرغة، فالخشية أن يكون عين الحكمة في أنظار للدبلوماسية الروسية.
علاوة على ما تقدّم، فإنه قد يُراد من الإلحاح الروسي على واشنطن على استئناف التفاوض، في هذه الآونة بالذات، منع فكرة إنشاء مجموعةٍ دوليةٍ من التفاعل، بهدف الإبقاء على الثنائية، والحؤول دون توسيعها، ومواصلة عزل أطرافٍ دوليةٍ فاعلةٍ، مثل الاتحاد الأوروبي والصين، عن مجرى العملية السياسية، ومواصلة العبث بها، والأسوأ من ذلك العبث الأسود بمصير ملايين السوريين ومصير وطنهم.
تحتاج فكرة المجموعة الدولية الى متابعةٍ حثيثة، من "الائتلاف" بالذات، من أجل كسب أوسع تأييد لهذه الفكرة الإيجابية التي تمثل أفضل ردٍّ على الفشل الروسي الأميركي، ومن شأنها أن تضع المجتمع الدولي مجدداً أمام مسؤولياته المباشرة، كما تستعيد الدور الغائب لمجموعة "أصدقاء سورية"، وتقوم بتفعيل دور مجلس الأمن وأعضائه الدائمين حيال القضية الأكثر أهمية في عالمنا، والأشد استعصاءً، والأكثر تعريضاً لحياة المدنيين للخطر الداهم والمتحقق.
ولعل الأمر يحتاج إلى جهدٍ، وإلى مبادرةٍ من أجل استصدار قرار جديد لمجلس الأمن، يوسّع الجهة المنوط بها الإشراف المباشر والتام على العملية السياسية، ولا شك أن فرص صدور مثل هذه القرار متوفرة، فليس لدى واشنطن أو موسكو ما يسوّغ استبعاد الأعضاء الدائمين، والحصيلة البائسة للثنائية تُملي التحرّك على هذا الطريق، بما يُيّسر استئناف التفاوض في ظروفٍ أقلّ سوءاً، إن لم تكن تحمل بشارة أمل بأن المجتمع الدولي، بمكوناته الرئيسية، قد جدّد عزمه على إنهاء المأساة، والبدء بتحقيق تطلعات الشعب السوري، وتوفير ظروفٍ أفضل وأكثر نجاعة لمكافحة الإرهاب، بمختلف أشكاله ومصادره، وفي المقدمة منه إرهاب تنظيم داعش.