غادر حجاج بيت الله تعالى، ضيوفُ الرحمن، الديارَ المقدسةَ بعد أن أتموا مناسكهم بكل يسر وسهولة وراحة وأمن وطمأنينة، بتوفيق من المولى تعالى لقيادة المملكة العربية السعودية وحكومتها التي سخرت إمكاناتها كافة لخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار، ابتغاء وجه الله تعالى. لقد كان حج هذا العام هو الأنجح في سلسلة مواسم الحج الناجحة كلها، بإجماع استطلاعات آراء الحجيج والمراقبين وحملات الحجيج، وأتصور أن هذا النجاح المؤزر ثمرة جهود ضخمة ومتكاملة وإدارة تنظيمية كفؤة، قامت على توافر أربعة عناصر ساهمت في هذا النجاح المشرف:
الأول: الأعمال والمشاريع التوسعية الضخمة التي لا سابق لها في تاريخ مشاريع الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، لخدمة بيت الله تعالى وحجاج بيته جل وعلا، مما كان له المردود الإيجابي الكبير في استيعاب أعداد الحجيج المتزايدة، وفي تسهيل وتيسير أداء مناسكهم، وفي سلاسة تنقلاتهم في المشاعر المقدسة كافة.
الثاني: التنظيم الدقيق المتكامل والتنسيق السلس المتناغم بين الجهات والأجهزة الرسمية والأهلية والتطوعية المعنية كافة، بتقديم الخدمات المختلفة، سواء على مستوى سير وتحركات الحجيج، ووسائل النقل وقطار المشاعر أو خدمات المرور أو الخدمات الصحية أو خدمات الكشافة الإرشادية والتوجيهية أو الخدمات الأمنية والعسكرية.. إلخ.
الثالث: المستوى العالي والمتطور في نوعية الخدمات المقدمة إلى الحجاج هذا العام، بتوظيف الأجهزة التقنية في أعمال التوجيه والإرشاد والأجهزة الذكية والتسجيل الإلكتروني والخرائط الإرشادية والمعصم الإلكتروني مما كان له أبلغ الأثر في انخفاض عدد التائهين نسبياً. كذلك قام قطار المشاعر المقدسة بنحو 1600 رحلة، ومع هذه الزيادة لم تتأثر دقة التفويج ومواعيد انطلاق الرحلات، كما التزمت حملات الحج كافة بجداول تفويجها، ونجحت هيئة تطوير مكة في الإشراف على تشغيل وصيانة أكثر من 36 ألف دورة مياه موزعة على كامل المشاعر المقدسة، مجهزة بالخدمات اللازمة كافة، إضافة إلى التنظيم الرائع من قبل رجال الأمن للحركة على جسر الجمرات.
الرابع: منع إيران لحجاجها هذا العام بسبب تعنتها وإصرارها على فرض توجهاتها السياسية والأيديولوجية، بتسييس الحج، مما دفع المملكة إلى رفض هذا التوجه الفوضوي المخرب، لخروجه على مقاصد الحج الكبرى، ومخالفته لقوله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ». وحسناً فعلت المملكة، إذ حظيت بتأييد إجماعي من الدول الإسلامية، فحمت الحجيج من السلوكيات السلبية للحجاج الإيرانيين، ممن يقدمون حاملين توجيهات الولي الفقيه بالتظاهر ورفع شعارات سياسية عدائية وطائفية تفرق بين المسلمين وتثير اضطرابات وفوضى وحوادث أليمة يروح ضحيتها مئات الحجاج جرحى وقتلى. لقد ساهم عناد إيران بمنع حجاجها، في إضفاء أجواء من الأمن والطمأنينة والصفاء والسكينة على موسم حج هذا العام، إذ خلا من مظاهر الشغب والفوضى والعبث. المسلمون قاطبة يعرفون أن لإيران تاريخاً عريقاً في إثارة الاضطرابات والفوضى في مواسم حج سابقة، وذلك منذ ثورة الخميني، الذي كان يكلف الحجاج الإيرانيين بالترويج للثورة الإيرانية وتنظيم حملة دعائية لصالح الجمهورية الإسلامية بين الحجاج. ولقد تسبب هذا المسلك التخريبي لإيران في سقوط مئات الحجاج قتلى وجرحى، بينهم حجاج إيرانيون دفعت بهم حكومتهم إلى الموت تحت شعارات ضالة ومضللة. الحجاج الإيرانيون ليسوا حجاجاً عاديين كبقية حجاج العالم الإسلامي الذين يقدمون لأداء الفريضة كعبادة خالصة لله تعالى، وإنما هم مكلفون أيديولوجياً وسياسياً، يقودهم عناصر من الحرس الثوري يجيدون لغات أجنبية للترويج لأجندة إيران السياسية بين حجاج العالم الإسلامي باعتبار موسم الحج أفضل فرصة للدعاية لفكر الولي الفقيه.
إن لجهود المملكة العربية السعودية في خدمة بيت الله تعالى وزواره، تاريخاً عريقاً ومشرفاً ومعروفاً، لا ينكره إلا معاند مكابر أو ناكر جاحد. والذين ينادون بالتدويل مسيسون يدورون في فلك إيران.
تصوروا لو كانت المشاعر المقدسة تحت حكم ولاية الفقيه أو حكومة إسلام سياسي، كيف يكون وضع الحج وحالة الحجيج؟ صراعات سياسية ومزايدات حزبية وفتن طائفية.
حين تمتلئ سماء سورية بطائرات عسكرية أجنبية، وأرضها بأسلحة وبمقاتلين من دول عدة، وحين تصبح لروسيا ولأميركا ولإيران وتركيا قواعد عسكرية في المدن السورية كافة، حين يحصل كل ذلك نجزم بأن سورية أصبحت محتلة.
طلب النظام من روسيا حمايته في مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة، منذ 2011، وكذلك فعلت المعارضة حينما طلبت كل أشكال الدعم والتدخل العسكري لتخليص سورية من المجزرة. لكن لا روسيا استطاعت إنهاء الثورة ولا أميركا نصَرَتْها. تطور الأحداث كان يَخضع للشروط الإقليمية والدولية، وكان لأميركا ولروسيا دور مركزي في تأجيل الحل السياسي وإدامة الحل العسكري، بقي الأمر كذلك حتى انهارت سورية بالكامل وأصبحت إمارات متقاتلة! دُمرت مدنُها وقُتل مئات ألوف الناس، وشُرد الملايين ونُهب الاقتصاد وأصبحت خسارتها أكثر من 250 مليار دولار.
بعد الهدنة الأخيرة، حدثت لقاءات بين كيري ولافروف وكُتبت وثائق، ومنها ما ظل سرياً، ورفضت القيادة الأميركية إعلانها، وهي بالتأكيد ستُعلن في وقت قريب. لكن هذا السلوك الامبريالي، الذي وافقتها روسيا عليه على رغم رغبتها في إفشاء السر، وبغياب المعارضة والنظام عنه، يؤكد مجدداً أن سورية محتلة.
النظام، ومنذ بداية الثورة، شعر أنها ستطيحه لا محالة كما حدث في تونس ومصر، فكانت الضرورة هذه تستدعي طلب التدخل الإقليمي والدولي. المعارضة أيضاً طالبت به، بسبب رؤيتها المشوشة للتموضعات الدولية والإقليمية، وأوهامها عن أن أميركا تريد نظاماً سورياً جديداً وبما يُكرر تجربة التدخل في العراق وليبيا، وبالتالي المعارضة والنظام أصبحا أدوات بيد الخارج. متانة الثورة وضخامة التدخل لمصلحة النظام، هما ما جمّد الوضع وأبقيا النظام، وفي مرحلة لاحقة لعبت أميركا دوراً مركزياً في ضبط كل العمليات العسكرية المناهضة للنظام.
أيضاً قوة الثورة، وعلى رغم كل أخطاء المعارضة، دفعت النظام والدول الإقليمية والعظمى لتسهيل دخول ألوف الجهاديين إلى سورية. وفي المقابل، فإن تلاشي قوة النظام العسكرية دفعه إلى الاستعانة بالميليشيات الطائفية التي تقودها إيران. عنف النظام ورداءة تحليل المعارضة للثورة والوعي الديني الشعبي هي ما سمح للجهاديين وللسلفيين بالوصول من الخارج أو الانبثاق من الداخل، وهذه فئات معادية للثورة أولاً، وللنظام ثانياً، وقد خاضت معاركَها بعد أن تمكنت من الشعب، أي قضت على منظماته السياسية والمدنية والإعلامية والإغاثية المستقلة، وبنت سلطتها الشمولية. والدقة تدفعنا للقول إنها خاضت معارك ضد النظام، وهي تُمكِن نفسها، لكنها ظلت معارك أقرب إلى صد هجوم قوات النظام، أو التدخل حينما تُنهِك فصائل الجيش الحر تلك القوات كما حدث في مناطق كثيرة في سورية.
الجهادية والسلفية ليستا من الثورة بشيء، وكذلك فالقوى السياسية المعارضة الحداثية لم تكن هي من أطلق الثورة، لكنها تساوقت مع بعض أهدافها وحاولت تسييد أهداف أخرى تراها ممثلةً للثورة. يعنينا هنا السلفية والجهادية، فهما تعلنان أن ثورتهما ليست من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بل من أجل دولة إسلامية متخيَّلة ومن أجل استعادة المجتمع الإسلامي الذي هويته من هوية الأكثرية الدينية. أهدافهما هذه مناقضة لأهداف الشعب، الذي كرّر طيلة 2011 و2012 أن الشعب السوري واحد، أي أن أهداف ثورته هي من أجل كل السوريين.
في مطلق الأحوال، تمكنت الجهادية والسلفية من الثورة، وبالكاد نجد في 2016 تنظيمات عسكرية مستقلة أو سياسية، كما كانت في الأعوام الأولى للثورة، فأغلبيتها أصبحت خاضعةً لهذه التنظيمات.
على العموم، الدور السوري انتهى الآن، وسورية محكومةٌ بالتوازنات الإقليمية والدولية، وما يُعد من هُدنٍ أو اتفاقات علنية وسرية ليست لمصلحة السوريين. نعم كان السوريون ثائرين ضد النظام، والآن، أصبحت مهمّتهم الثورة ضد الاحتلالات المتعددة الأشكال.
ربما هذه المرحلة لم يحن وقتها لغياب أي دور فاعل للسوريين الوطنيين، لكن حينما تهدأ الجبهات سيجد السوريون أنفسهم مكبلين باتفاقات تضرّ بمصالح النظام والمعارضة معاً.
بكلمة واحدة، قاد الاستبداد البلاد إلى الاحتلال، وساعدته المعارضة الانتهازية في ذلك.
قبل أيام، مسّت الحاجة إلى مَن يفاوض على «هدنة» بين موسكو وواشنطن، وكانت أروقة مجلس الأمن مسرحاً لسجالات انفعالية بين المندوبَين الأميركي والروسي بمقدار ما كان مسرح العمليات السوري يشير إلى أن الاتفاق الأخير بين الدولتَين يترنّح، فهو لم يأتِ متأخّراً فحسب بل جاء متسرّعاً أيضاً، وتبيّن أنه ما كان ليُنجز لولا استجابة أميركية للشروط الروسية. وقد اتضح ذلك في تهافت موسكو على حماية مكسبها، ملحّةً على التعجيل بتفعيل الاتفاق قبل انقضاء «أسبوع الاختبار» متجاوزةً انتهاكات نظام بشار الأسد للهدنة، وعلى السعي الى تحصين هذا المكسب بجعله قراراً صادراً عن مجلس الأمن، ولو تطلّب الأمر كشف بنود الاتفاق حتى السرّية منها.
كان الرئيس الروسي أعلن بنفسه أنه يؤيد نشر مضمون الاتفاق، ولم يفعل ذلك من قبيل الشفافية، بل لإخراج انتصاره الديبلوماسي الى العلن، ولإحراج الإدارة الأميركية بعدما استنتج أن الخلاف بين جناحَيها قد يطيح مكسبه. وقد أفضى الجدل الإعلامي على نشر أو عدم نشر مضمون الاتفاق، معطوفاً على تعارض مواقف الخارجية والبنتاغون والـ «سي آي أي»، الى اقتناع عام بأن إدارة اوباما قدّمت تنازلات عسكرية وسياسية تتعارض مع مواقفها المعلنة ولا تحبّذ الكشف عنها، حتى لو كانت فعلت ذلك على سبيل المناورة، أو متوقّعة أن يفشل الروس في التزام تعهداتهم بالنسبة الى الهدنة والسلوك المفترض من جانب النظام وحلفائه الإيرانيين.
لكن هذا الجدل كان مرشّحاً للانتقال الى مجلس الأمن، لو عُرض عليه الاتفاق بكل تفاصيله، وكان سيفتح بالضرورة نقاشاً في غير مصلحة الطرفَين سواء للمطالبة بإيضاحات وتعديلات، أو لشرح بعض المفاهيم ومدى تطابقها مع ميثاق الأمم المتحدة. إذاً كانت موسكو تعلم أن ثمة مجازفة في مطالبتها بتدويل الاتفاق لكنها وجدت الفرصة مناسبة لإرباك إدارة اوباما وتسجيل النقاط ضدّها. وقد تجلّى ذلك أيضاً في استدعاء روسيا مجلس الأمن الى جلسة طارئة - لإدانة أميركا؟ - بعد مقتل جنود للنظام السوري في قصفٍ على دير الزور، إذ أظهر فارقاً شاسعاً مع ردود الفعل الأميركية الباهتة على القصف التدميري المنهجي لحلب بقصد تهجير مدنييها ومقاتليها، وهو ما لم تقل موسكو يوماً أنه «خطأ» ولم تعتذر عنه بل إنها مصمّمة على المضي به، وبتغطيةٍ بات يوفّرها الاتفاق مع واشنطن.
هل تقصّدت الطائرات الأميركية المغيرة على موقع لتنظيم «داعش» في دير الزور قصف موقع معروف وليس مستحدثاً لقوات الأسد، وهل أرادت بذلك الردّ على استفزازات فلاديمير بوتين لإبلاغه أن خياراتها لا تقتصر فقط على التلويح بإلغاء الاتفاق، وهل ذهبت موسكو الى مجلس الأمن لأنها أدركت أن القصف الأول من نوعه منذ بدء الحرب الأميركية على «داعش» انما كان رسالة موجّهة اليها وقد تكون أودَت بجنود روس؟... أي خبير عسكري يدقق في الخريطة سيقول أن الضربة كانت متعمّدة لأن مواقع «الدواعش» والأسديين ليست متلاصقة الى حدّ يسمح بـ «الخطأ». وكانت المفارقة أن تعليقات عدّة اعتبرت أنها المرّة الأولى والوحيدة التي يكون فيها القصف الأميركي الخاطئ مصيباً، لأن «داعش» ونظام الأسد هما واحدٌ أولاً وأخيراً. ولو أتيح لمجلس الأمن أن يدرس هذه الواقعة في إطار «الحرب على الإرهاب» لما استجاب للإدانة التي أرادتها موسكو. وهكذا أمكن الأخيرة أن تتعرّف الى ما يعنيه تعطيل مجلس الأمن عندما احتاجت الى تفعيله. والسؤال المهم هنا أن جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا منذ تدخّلها هل تكفي «شرعية الأسد» لتغطيتها وهل يمكن أن تبقى مستثناة من المساءلة الدولية؟
في أي حال، أكدت البلبلة الحاصلة أن الاتفاق الأميركي - الروسي لم ينهِ الاستعصاء الدولي، أو لعله زاده تعقيداً، خصوصاً عندما بلغ الطرفان استحقاق «العمليات المشتركة» ضد الإرهاب من دون أن يُنضجا ظروفاً مناسبة للتعاون. وبطبيعة الحال، لم تكن اعتراضات البنتاغون والـ «سي آي أي» معنيةً بالمعارضة السورية أو بقضية الشعب السوري، بل بالمبدأ العام الذي بُنيت عليه مشاركتهما المفترضة مع الروس بالخطط والمعلومات والخرائط، وكلّها جُمعت أو أعدّت بتعاون عسكري واستخباري داخل حلف الاطلسي أو مع حلفاء وأصدقاء من خارج هذا الحلف. ثم إن العمل مع الروس في سورية، رغم رفضهم الانضمام الى التحالف الدولي ضد الإرهاب، يمثّل نقلة استراتيجية نوعية من دون أن تكون هناك استراتيجية متوازنة ومتّفق عليها، ورغم تحديد مجالها في الزمان والمكان فإن فلاديمير بوتين سيحاجج لاحقاً بأن لا شيء يبرر عدم تطبيقها في اوكرانيا على سبيل المثل.
لكن، حتى بالنسبة الى الشأن السوري، قد تكون منطلقات الخارجية الأميركية في تنازلاتها لروسيا مختلفة وأقل تدقيقاً بالتفاصيل من ملاحظات العسكريين والاستخباريين الذين يعملون على تماسٍ مباشر مع الأرض ومع نظراء لهم في غرفتي الـ «موك» والـ «موم». فأي اتفاق مهما كان صارماً، سيأخذه الروس على أنه ترخيص أميركي لسحق المعارضة، معتدلةً أو متطرّفة، وسيطبّقونه على طريقتهم وبمنطقهم «الشيشاني» المعروف. وإذا كانت واشنطن غضّت النظر بين عامَي 1994 و1996 فيما كانت روسيا ترتكب جريمتها في الشيشان، فقد ساعدها آنذاك نسبياً أن وسائل الإعلام الحديث لم تكن في ذروة تطوّرها كما هي اليوم، إلا أن التفريط بالمعارضة السورية وتعريضها لمذبحة على أيدي الروس والأسديين والايرانيين لن يكونا مجرد غضّ نظر بل مشاركة فعلية وعلنية في الجريمة.
قد تكون واشنطن خشيت الابتزاز الروسي في شأن كشف مضمون الاتفاق، ولعلها شعرت بأنه سيكون بمثابة ضبطها متلبّسة بتنازلات مكتوبة وموّقعة. وطالما أن الأمر متروك للتكهّن، فإن التراشق بتُهم عدم التزام التعهّدات، ومراجعة النهج الاوبامي السلبي طوال الأزمة، واستقراء الخطّ البياني للتغيير الذي طرأ على المواقف الأميركية منذ التدخّل الروسي، يمكن أن ترسم خريطة تنازلات جون كيري. وهي تظهر ببساطة أن واشنطن رضخت لميزان القوى على الأرض، بعدما ساهمت طوال الأعوام الخمسة في هندسة اختلاله لمصلحة نظام الأسد، وبعدما تغاضت عن تدخّل ايران وميليشياتها، وأخيراً بعدما تركت الروس يفرضون أمراً واقعاً لا يمكن العمل إلا بمنطقه «الشيشاني». لم يصدّق أحد أن الهدنة «التجريبية» التي أقرّها اتفاق الدولتَين تضمن إقلاع الروس عن ذلك المنطق، بل إنهم أبدوا استعجالاً لاستئناف القصف حتى قبل اختبار الهدنة التي لم تصمد أصلاً سوى ساعات قليلة.
لم يحدّد كيري هدفاً لتنازلاته سوى «خفض مستوى العنف»، أما الأسد فترجمها، مكرّراً خلال أقلّ من شهرين تصميمه - أي تصميم الروس والإيرانيين - على استعادة كل مناطق سورية... استعادتها، طبعاً، خاليةً من أهلها. أما «تنازلات كيري» فيمكن إيجادها في كل العناوين، سواء في الترتيبات العسكرية، أو في التفاهمات السياسية. وليس واضحاً أبداً أنه استطاع في المقابل انتزاع أي تنازل روسي، فوقف طيران النظام وبراميله الذي قدّم على أنه مكسب مُنح استثناءً في الغوطة، والفصل بين فصائل المعارضة و «جبهة فتح الشام» («النصرة» سابقاً) لم يكن واقعياً طالما أن الاتفاق «لم يُبنَ أساساً على الثقة بالروس» كما ردّد الأميركيون، وبالتالي حتى لو وُجدت خرائط واضحة ومفصّلة لا يمكن ضبط الروس الذين يصنفون كل من ليس مع الأسد بأنه «إرهابي»، وفي حال توصّلت الجهود الراهنة للفصائل الى صيغة لتوحيد صفوفها فإن التمييز في ما بينها سيغدو استحالة.
صحيح أن الهدنة المفترضة رُبطت باستئناف الحل السياسي، إلا أنها لم تُربط بالحفاظ على شيء من التوازن الميداني، بل تُرك عرضة لكل الاحتمالات. لكن «تنازلات كيري» السياسية، وفقاً للمتداول، لم تكتفِ ببقاء الأسد وبتمييع «الانتقال السياسي» بل تجاوزتهما لتكريس الاحتلالَين الروسي والإيراني، وهذا كافٍ وحده لتقويض أي حل سياسي وللحؤول دون عودة المهجّرين وإعادة الإعمار، فلا الروس يوحون بالثقة لاستعادة الاستقرار ولا الإيرانيون مستعدّون للتخلي عن خطط التغيير الديموغرافي لتوطيد نفوذهم.
من يصدق أن نظام بشار الأسد كان سيلتزم الهدنة بعد خمس سنوات من قصف شعبه بطائراته وقنابله وغازه الكيماوي. وقف القتال والتراجع عنه ليسا موجودين في ثقافة عائلة الأسد ونظامه. وحده قرار مجلس الأمن الرقم 1559 أجبره على التراجع والخروج من لبنان. لكن لم يوقف تدخله، فاستمر في اغتيال شخصيات لبنانية عدة حتى انتقل إلى قتال أهل بلده.
الحاجة الآن ماسة إلى قرار مجلس أمن جديد يخرج الأسد من سورية. فأي إنسان على رأس بلد يحرم شعبه من المساعدات الإنسانية ويوقف القوافل الإغاثية ويعرض مسؤوليها للقتل ويقصف أبناء شعبه وأهله بالكيماوي ويفرغ المدن من معارضين له كي يرسم خريطة جديدة لمؤيديه؟
من استمع إلى مستشارة الأسد بثينة شعبان على القناة الرابعة البريطانية، وهي تقول للصحافية كاترين نيومان إن سورية تواجه الاستعمار وهيمنة الخارج، يدرك مدى إنكار الواقع المرير في أوساط نظام بلد يعيش تحت رحمة روسيا وإيران و «حزب الله». لو لم تدخل روسيا إلى سورية لما استطاع الأسد البقاء. وسيستمر ألم الشعب السوري طالما لم تتخل روسيا عن الأسد، فهو يقاتل شعبه للاستمرار على رأس بلد مدمر هُجر ملايين منه ولن يعودوا وهو في الحكم.
كان الاتفاق الروسي - الأميركي على الهدنة محكوماً بالفشل. صحيح أن المدنيين في المدن السورية متعطشين لوقف النار إذ أنهكهم القصف والقنص والقتل وتدمير المستشفيات وقتل الأطباء. لكن هدنة تم التفاوض عليها بين جون كيري الذي يتنازل كثيراً للثعلب الروسي سيرغي لافروف لم تحمل أي أمل بالنجاح، خصوصاً أن كيري كان وعد حلفاءه قبل ستة شهور بأنه لن يصل إلى اتفاق تعاون عسكري مع الروس إلا بضمانات روسية في شأن المرحلة الانتقالية في سورية. لكنه عاد وأعلن اتفاقاً للهدنة وإدخال المساعدات الإنسانية سرعان ما فشل من دون أن يكون هناك أي تغيير في الموقف الروسي من المرحلة الانتقالية.
كيف يمكن أن يوافق الجانب الأميركي على تبادل معلومات عسكرية واستخباراتية مع الجانب الروسي وروسيا تحارب وتحمي نظام بشار الأسد؟ وعد كيري مرات عدة المعارضة السورية بفرض إدخال المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة من النظام ولكنه لم يفِ بوعده وفشل في ذلك. ولم يكن قصف قافلة المساعدات الإنسانية أمس سوى إجرام جديد من نظام يتغذى من راعييه الروسي والإيراني اللذين لا يعرفان معنى الإنسانية.
لا حل اليوم للوضع السوري حتى يقرر الحليف الروسي أن الأسد أصبح عبئاً عليه ويتخلص منه. وهذا لن يحصل إلا بتغيير في السياسة الأميركية التي كانت بالغة الضعف في وجه فلاديمير بوتين. وكل المفاوضات بين كيري ولافروف تشير إلى ذلك، كما مفاوضات أوباما مع بوتين بعد استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي.
تغيير الإدارة الأميركية قريباً إذا تم انتخاب هيلاري كلينتون قد يكون فرصة أفضل لإظهار حزم وقوة أكبر للسياسة الأميركية في مواجهة بوتين، ولو أن الولايات المتحدة لا تبالي بالشعب السوري واهتمامها الأول هو مصالحها، فقد ترى إدارة أميركية جديدة مصلحة في عدم ترك هيمنة روسيا على المنطقة والضغط عليها للتخلي عن بشار الأسد. فقد قال الجانب الروسي مراراً - لمن يريد الاستماع إليه - إنه ليس في زواج مع بشار الأسد، لكنه لا يرى بديلاً له. لهذا بإمكان احتمال تقاطع المصالح الأميركية - الروسية في عهد أميركي جديد أن يقلب المعادلة، على رغم أن ذلك يبقى مجرد رهان.
شهدت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وسورية تطوراً ملحوظاً بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، واتّسقت هذه العلاقة حتى انطلاقة الربيع العربي بالصداقة تنفيذاً لسياسة تصفير المشاكل مع الجيران. وفي حين أبدت أنقرة مرونةً مع النظام في بداية الثورة، إلا أنه كان من البديهي أن تنتهز الفرصة التي قدمتها الأزمة السياسة السورية في تعزيز موقعها الجديد في المنطقة.ولقد شهدت طريقة تعامل الحكومة التركية مع الثورة الليبية نسقاً شبيهاً، حيث تلكأت في إظهار دعمها للثوار قبل أن تسرع في تقديم الدعم لهم سواءً من خلال استضافة معارضي القذافي أو من خلال إيصال المساعدات الإنسانية للشعب الليبي، ويظهر نهج الخارجية التركية في التفاعل مع ثورات الربيع العربي درجة عالية من الواقعية السياسية فيما يحقق أهدافها الاستراتيجية ومما يفسر بدوره أيضاً التراجع الأخير في سياسة مواجهة الخصوم الدوليين والإقليميين وعلى رأسهم روسيا وإيران.
فيما يلي عرض لثوابت الخارجية التركية وطرق تأقلمها مع الظروف الدولية والاقليمية، يليها تطور الأزمة السياسية والعسكرية مع نظام الأسد وأخيراً محاكاة لأهم سيناريوهات دخول الجيش التركي في شمال سورية.
السياسة الخارجية التركية
تحتل تركيا موقعاً جيوسياسياً مهماً يؤهلها للعب دور أكبر من مجرد وسيط أو وكيل في المنطقة، ولكن يدرك الساسة الأتراك عجزهم عن التحول إلى قوة دولية كبرى حالياً، وذلك يعود لعدّة أسباب أهمها:
وجود تيارات متصارعة ضمن مؤسسات الدولة مما يعطل من سرعة اتخاذ القرارات الحاسمة وتنفيذها.
اعتمادها على مصادر طاقة خارجية مما يسهل ضربها اقتصادياً.
استمرار القلاقل الداخلية التي تهدر طاقات الدولة وتشّرعن في التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد.
ولذا تعتمد أنقرة إلى بناء شراكات إقليمية تمكنّها لحين من تفويض جزء من العبء الواقع عليها في قيادة المنطقة، فيما تعمل على تحرير كمونها الذي قد يؤهلها للعودة إلى مقدمة المسرح الدولي مستقبلاً. ولقد عبّر الدكتور أحمد داوود أوغلو عن الجزء الأخير من هذه الرؤية في كتابه "العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية" والذي يدعو فيه لإخراج تركيا من دورها الهامشي أثناء الحرب الباردة ونقلها إلى بلد محوري ومؤثر دولياً. وينطلق داوود أوغلو في رؤيته من مبدأ أهمية استثمار بعد تركيا الاستراتيجي في المشرق لتأكيد دورها القيادي فيه بما يعزز دورها الدولي، معتبراً أن تركيا تمثل الوريث التاريخي لآخر كيان جامع في المنطقة مما يؤهلهاللإحاطة بالمنطقة وتجاوز انقساماتها الأيديولوجية والعرقية والعقدية، مع عدم إغفال أي فاعل داخل التوازنات الدولية والإقليمية.
قدّم الربيع العربي فرصة سانحة لتركيا من أجل تحقيق هذه الرؤية، وإذ لا يوجد شك في تبني العدالة والتنمية مواقف أخلاقية ومبدئية في دعم طموح الشعوب العربية إلّا أن ذلك لا ينفي بالضرورة تعارضها مع تحقيق مصالح تركيا كما يراها كثير من الساسة الحزب، والجدير بالذكر في هذا الصدد بأن موقف الحكومة التركية لم يتناقض مع مواقف الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة. وعملاً بهذه الرؤية سعت أنقرة إلى إقامة حلف مع الدوحة والقاهرة للارتكاز عليه في إعادة بناء النظام الإقليمي الجديد، إلّا أن موجة الثورات المضادة التي عصفت ببلاد الربيع العربي والاستقطاب الإقليمي الحاد الذي شهدته المنطقة أدّى في المحصلة إلى وقوع تركيا في عزلة دولية وصلت قمتها في الخامس عشر من تموز ومحاولة الانقلاب الفاشلة. أدّت الأحداث الأخيرة إلى تبني الحكومة التركية مجموعة من الإجراءات التكتيكية الجديدة تبدو في مجملها غير متسقة مع نهجها الأول في دعم الربيع العربي إلّا أنها لم تخرج عن الإطار الأوسع للسياسة الخارجية التركية وما توصف به من واقعية في التعامل مع المجتمع الدولي.
ومن أجل تفسير أداء السياسة الخارجية التركية لا بد من الوقوف يسيراً على الظروف التي شكّلت وعي الساسة الأتراك، فلقد أنشئت الدولة التركية الحديثة على أطلال إمبراطورية عكفت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى على تفكيكها، ولم تحصل على اعترافها إلّا بعد حرب انتصرت بفعل سياسي ومجموعة من المعاهدات الدولية. وعلى الرغم من القيود التي فرضتها معاهدات باريس ولوزان على أنقرة، فلقد آثرت الوقوف إلى جانب لندن وواشنطن أثناء الحرب العالمية الثانية، كما أنها انضمت إلى حلف الشمال الأطلسي في عام 1952 وذلك لمواجهة المخاوف المشتركة مع الولايات المتحدة من التوسع السوفيتي في دول القوقاز.
يسود إيمان لدى الساسة الأتراك أن أمان واستقرار تركيا يعتمد بشكل رئيس على حسن علاقة البلاد بالقوى الكبرى، فاللبيراليون من جهة يؤمنون بضرورة استمرار سياسات التحديث والتغريب، فيما يسعى الإسلاميون من جهة أخرى للتخلص من شبح الانقلابات. وبخلاف ما نادى إليه أربكان من ضرورة التصدي للغرب قام تلميذه أردوغان بصيانة علاقة بلاده معها كما أنه اتّكأ عليها بشكل كبير في الحصول على الدعم الدولي اللازم لاستقرار حكوماته المتعاقبة. ولقد عمد حزب العدالة والتنمية إلى عدم الاصطدام بواشنطن، واحدى تجليات هذه السياسة حرصه على عدم التحرك في سورية دون وجود غطاء دولي وأمريكي، وبمسايرة مخرجات المسار السياسي في سورية رغم تضاربها مع مصالح الحزب الاستراتيجية في المنطقة.
ويجدر بالذكر في هذا السياق أن حزب العدالة والتنمية لا يحتكر بالضرورة رسم السياسة الخارجية التركية، حيث يتوجب عليه التعامل مع التوجهات الكمالية في السلك الدبلوماسي. وإذ يصعب وصف علاقتهما بالتصادمية حيث يلتقيا مثلاً على ضرورة الحفاظ على حسن العلاقات الدبلوماسية مع الغرب، إلّا أنه من غير الدقيق وصفها بالمتصالحة كذلك. فنظرة سواد السلك الدبلوماسي اتجاه الربيع العربي متضاربة مع رؤية الحكومة التي تجد فيه فرصةً للاستثمار فيه. لذا من السليم الخلوص إلى وجود معوّقات أمام الحكومة في تنفيذ كامل رؤاها وخطاها على صعيد السياسة الخارجية.
ويمكن حصر ثوابت السياسة الخارجية التركية بعدّة نقاط كالتالي:
إخراج تركيا من دورها الهامشي أثناء الحرب الباردة ونقلها إلى بلد محوري ومؤثر دوليًا مستفيدة من موقعها الجيوسياسي المميز.
صيانة العلاقات الاستراتيجية التي تربط تركيا بالغرب من خلال الحفاظ على دورها في حلف الشمال الأطلسي.
بناء شراكات استراتيجية مع الدول التي تشترك معها في مواجهة التنظيمات الانفصالية.
بناء علاقات متينة مع الدول المنتجة للطاقة وتعدد مصادر النفط والغاز.
البحث عن أسواق جديدة للسلع التركية والحفاظ على سلام وأمن جيرانها الإقليمين من أجل تحسين شروط تجارتها الخارجية.
قد نتسرع في الحكم على دخول الجيش التركي الأخير في سورية وتقييمه كتحول في السياسة الخارجية للبلاد، وإذ أنه وبحسب بعض المعلومات الواردة من واشنطن قد فاجأ البنتاغون، إلّا أنه لا يتعارض حقيقة مع قواعد اللعب التي حددها السقف الأمريكي. وإذا ما أردنا أن ننظر إلى المشهد السياسي الإقليمي بانورامياً فإن التغير الحقيقي قد أصاب السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تبنت حزم من القرارات تخالف أسس تحالفاتها في المنطقة، فكان أبرز نتائج هذا التحول توغل روسيا في المشرق على حساب ما يبدو انحساراً أمريكياً فيه.
تأزم المشهد السياسي بين تركيا ونظام الأسد
لم تسرع تركيا في ابداء موقف حاسم من النظام مع بداية الثورة، بل بادرت بالقيام بعدّة زيارات بهدف أقناع بشار الأسد بالاستجابة لمطالب الإصلاح، إلّا أن إصرار النظام على اتّباع النهج الأمني في التعامل مع المظاهرات أدّى إلى تصعيد مطالب الثوار وتأزم المشهد السياسي في البلاد. وردّاً على سلوك النظام دعت تركيا بالتزامن مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى لتنحي الأسد نزولاً عند رغبة الشعب، وتأزمت تباعاً علاقة البلدين حتى حادثة اسقاط المقاتلة التركية فوق المياه الإقليمية التي اعتبرتها أنقرة بمثابة إعلان حرب عليها. فيما يلي أهم الأحداث السياسية بين البلدين بعد بداية الثورة.
زيارة داود أوغلو الأخيرة لدمشق: قام وزير الخارجية التركي في التاسع من آب بآخر زيارة له لدمشق ومعه رسالة "قوية" أكدّت ضيق ذرع أنقرة بوحشية حكومة بشار الأسد وتلاها إعلان بتعليق لعلاقات التجارية بين البلدين، وكافة الاتفاقات الأخرى.
هجوم على حافلة حجاج أتراك: أطلق عدد من الجنود السوريين في 21 تشرين الثاني عام 2011 النار على قافلة حجاج أتراك عند نقطة تفتيش قرب حمص، وأسفرت الحادثة عن جرح شخصين وأحد سائقي الباصات.
استدعاء السفير السوري في تركيا: تم استدعاء السفير السوري الى تركيا في 9 نيسان 2012 بعد أن أطلقت قوات النظام النار على مدنيين في الطرف التركي.
بدء التعاون الأمريكي التركي: شرعت تركيا في أغسطس 2012 لعقد عدد من اجتماعات رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة لإيجاد بدائل سياسية للأسد.
دعوة لإقامة منطقة عازلة في سورية: دعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السابع عشر من شباط 2016 إلى إقامة منطقة عازلة في شمال سورية فيما قوبلت هذه الدعوة بالرفض من قبل حلف الشمال الأطلسي والولايات المتحدة،
تأزم المشهد العسكري بين تركيا ونظام الأسد
لم تشهد طيلة الأعوام الست الأولى للثورة السورية صداماً عسكرياً بين النظام وتركيا، إلّا أنها لم تخلو من تحرش الأول ضد المدن الحدودية التركية، كما أنها دعمت عدد من المنظمات الإرهابية التركية التي نشطت في جنوب البلاد، وفي المقابل نشطت تركيا في تقديم الدعم اللوجستي لقوى المقاومة الوطنية في حربها ضد النظام، كما اتهمتها دمشق بالتدبير لعدد من التفجيرات التي هزت العاصمة ومدن الساحل. فيما يلي أهم الأحداث العسكرية بين البلدين بعد بداية الثورة:
2011 واستضافة مؤتمرات المعارضة السورية: لم يشهد العام الأول للثورة تصعيداً عسكرياً بين البلدين، باستثناء اتهامات دمشق لأنقرة بانطلاق أعمال عسكرية ضد قوات النظام من الأراضي التركية، في المقابل عرف المشهد السياسي نشاطاً تركياً ملحوظاً كان أبرزه استضافة مؤتمر انطاليا في الثاني من حزيران، ومؤتمر الإنقاذ الوطني السوري في السادس عشر من تموز، وارهاصات تشكل المجلس الوطني فيما بعد.
حادثة طائرة فانتوم الحربية في حزيران عام 2012: قام الدفاع الجوي السوري بإسقاط طائرة فانتوم حربية فجاء الرد على لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردوغان الذي أعلن عن تغير قواعد الاشتباك مع قوات الأسد.
اشتباكات الحدود في تشرين الاول 2012: سقط عدد من صواريخ هاون على الاراضي التركية في الثالث من تشرين الاول مما أدّى الى مقتل خمسة مدنين في مدينة أقجة وردّ الجيش التركي بقصف مواقع جيش النظام على طول بجموع 87 مرة خلفت مقتل 12 جندي سوري وتدمير عدد من آليات النظام. واستمرت تحرش قوات الأسد بمدن وقرى الشريط الحدودي طيلة شتاء عام 2013.
تفجيرات الريحانية: انفجرت سيارتين مفخختين في 11 مايو 2013 في بلدة الريحانية، وقتل على أثرها 43 مدنياً فيما أصيب 140 اخرون في الهجوم. ولقد اتهمت الحكومة التركية دمشق بالتدبير للهجوم ودعم تحرير لواء الاسكندرون في العملية الإرهابية.
الغارات الجوية في اب 2013: قام طيران النظام السوري في الثلاثين آب بقصف مخيمات اللاجئين على الحدود السورية التركية مما أدّى الى استشهاد خمسة مدنيين سوريين، وقد أشارت تقارير النشطاء السوريين إلى احتمالية استخدام غاز الكلور في الهجوم حيث ظهرت مشاكل في التنفس عند عدد من المصابين.
حادثة المروحية في 2013: أسقطت طائرات تركية في السادس عشر من حزيران مروحية سورية على الحدود السورية التركية ووفقاً لتصريحات الرسمية التركية قامت المقاتلات التركية بإسقاط المروحية بعد دخولها المجال الجوي التركي وعدم امتثالها للتحذير التركي.
إسقاط مقاتلة سورية في اذار عام 2014: أسقطت طائرة حربية تركية طائرة سورية طراز ميغ 23 في الثالث والعشرين من آذار بعد انتهاكها المجال الجوي التركي.
نقل ضريح سليمان شاه: قامت قوات الجيش التركي في ليلة 21-22 شباط بالتوغل في سورية من خلال كوباني لاجلاء 38 عسكري في الحامية العسكرية التركية التي تحرس ضريج سليمان شاه ونقل رفاته لموقع مختلف، وقد نددت وزارة الخارجية السورية العملية معتبرته اعتداءً على سيادة البلاد.
إسقاط طائرة بدون طيار سورية في ايار عام 2015: قامت مقاتلة تركية من نوع اف16 في السادس عشر من أيار بإسقاط طائرة بدون طيار إيرانية الصنع باسم مهاجر بعد أن انتهكت المجال الجوي التركي في محافظة هاتاي.
أسباب دخول الجيش التركي في سورية
وقف العمليات داعش الإرهابية في تركيا والقضاء على آخر وجود له على الحدود السورية التركية. (انظر إلى التسلسل الزمني لأهم العمليات الإرهابية التي عصفت بتركيا منذ عام 2015)
إيقاف تمدد حزب الاتحاد الديموقراطي غربي النهر ومنعه من وثل كانتون عرفين ببقية نفوذه إلى شرق النهر.
استعادة هيبة الجيش التركي بعد فشل انقلاب الخامس عشر من تموز وإلهائه بذات الوقت عن مجريات العملية السياسية التركية.
تهيئة الظرف الأمني المناسب لإقامة منطقة عازلة في شمال سورية.
استعادة زمام المبادرة في الملف السوري وانتهاز التقارب مع روسيا في تثبيت قدم تركية في الجغرافيا السورية.
سيناريوهات دخول الجيش التركي في سورية
أعلنت تركيا في الرابع والعشرين من آب أوغسطس عن انطلاق عملية عسكرية لتحرير مدينة جرابلس من "داعش"، حيث رصد عبور عدد من الآليات التركية من مدينة قرقميش الحدودية إلى داخل الأراضي السورية. ولقد أمّن الجيش التركي الغطاء الجوي والدعم اللوجستي لـ "درع الفرات" الذي تولّى بدوره مهمة العمليات البرية. وإذ أن حدود تدخل الجيش التركي سترسمه ردود أفعال كل من روسيا إلّا إنه يشكّل منعطفاً مهماً في الأحداث التي تشهدها الساحة السورية.
لا يمكن اعتبار هذا التدخل نتيجة لاتفاق نهائي في سورية، بل هو مقدمة لمرحلة جديدة يتحتم على جميع الأطراف الفاعلة فيها التعامل بعضها مع بعض بطريقة مختلفة، كما أنها تضيف ثابتاً جديداً على المعادلة الدولية والإقليمية للصراع السوري التي لا تفتأ أن تزداد تشعباً وتعقيداً. فيما يلي محاكاة لأهم السناريوهات التي قد تواجه دخول الجيش التركي في سورية.
امتحان للمعارضة السورية
تجد المعارضة السورية بشقيها السياسي والمقاومة الوطنية في ميدان المعركة أمام العديد من التحديات والفرص بعد دخول الجيش التركي شمال البلاد، ويأتي على رأس هذه الفرص:
تمكينها عسكرياً من طرد تنظيم داعش خارج المناطق التي حررتها قبل 4 أعوام.
الاستفادة من الغطاء الجوي لسلاح الجو التركي وما ينتج عنه تلقائياً من حظر جوي في مناطق وجود عناصر الجيش التركي.
الاستفادة من الخبرات العسكرية التركية في قيادة المعارك وتدريب الكوادر العسكرية لدى قوى المقاومة الوطنية.
استثمار دخول الجيش التركي في تعزيز المطالب المنادية بإقامة منطقة عازلة في الشمال.
استثمار تلبية الأولوية الأمريكية في محاربة تنظيم داعش لتحسين تموضع المعارضة السورية دولياً.
أمّا على صعيد التحديات:
خفض الطاقة التعبوية على جبهات حلب والساحل لقوى المقاومة الوطنية.
إدارة العلاقات البينية مع المكون الكردي في ظل غياب قنوات تواصل فعّالة مع مكوناته السياسية عدا الاتحاد الديموقراطي.
إدارة المناطق المحررة وإنشاء مجالس الإدارة المحلية وعودة الخدمات الأساسية للمواطنين.
الحفاظ على الشراكة مع تركيا دون الوقوع في فخ القيام بدور الوكيل المحلي لها.
ويكتمل المشهد السياسي والميداني بتوصل الولايات المتحدة وروسيا إلى إقامة غرفة عمليات مشتركة، ووقف إطلاق نار، وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى المناطق المحاصرة، بالإضافة لإلزام سلاح جو النظام بعدم قصف مواقع القوى المهادنة. وإذ تشمل الصيغة الحالية جميع القوى المقاتلة في سورية باستثناء داعش وجبهة فتح الشام، إلا أن تطوره الطبيعي سيفضي إلى ضم كل القوات الخارجة عنه في المستقبل وعلى رأسها قوى المقاومة الوطنية التي لا تحظى بظهير دولي يحميها من بطش الروس وتهاون الأمريكان.
ملاحظات
من المبكر جداً الخلوص إلى توصل تركيا وروسيا إلى اتفاق نهائي في سورية، فالهوامش التي يخلقها استمرار وجود داعش في سورية يتيح الفرصة لتركيا في إعادة تموضع نفسها في الملف السوري،
لا يوجد ما يدفع أنقرة للاتفاق مع دمشق، حيث لا يوجد للنظام ما يقدمه لتركيا في محاربة الاتحاد الديموقراطي، كما أن أي اتفاق بينهما يقتضي استمرار الأسد في الحكم وهو ما يتعارض مع رؤية حكومة العدالة والتنمية لمستقبل جارتها.
لم يطرأ تغيير جذري على السياسة الخارجية التركية فالتصريح بقبول ببقاء الأسد حتى إنتهاء المرحلة الانتقالية ليس جديداً، وهو بمثابة مجاراة للتوافق الدولي حول القضية.
لا يوجد خلاف أكبر بين تركيا وروسيا وإيران من مستقبل سورية ولكن لكل منها مصلحة في تهدئة التوتر الحاصل بينها ومناطق التقاء خارج سورية، فلأنقرة وموسكو مصالح اقتصادية مشتركة لا تفترض بالضرورة التوصل إلى تفاهم في سورية لأجل تحقيقها، وكذلك الأمر مع طهران.
لم تعد ترى تركيا الملف السوري إلا من منظار حل القضية الكردية، إلّا أنه من المبكر على روسيا مقايضتها عليها، خصوصاً مع ورود بند كامل حول عدم التعرض للاتحاد الديموقراطي في الاتفاق الأمريكي الروسي.
ستقوم تركيا بتقديم بعض التنازلات في سورية كإثبات حسن نية وقد تسبق طهران وموسكو بذلك ولكن دون وجود ضمانات أن تقوم الأخيرتان بتقديم أي تنازلات في المقابل.
الأولوية الأمريكية في سورية محاربة تنظيم داعش والقاعدة، ولا ترى في دخول الجيش التركي تهديداً لتحقيق هذه الأولوية ما دام ينحصرفي محاربة التنظيم.
لا يثق أوباما بأهداف تركيا، إلّا أنه غير قادر على الإخلال بعلاقة بلاده بشكل كامل معها، وبالتالي من المتوقع أن يعمد إلى أساليب غير مباشرة في التضييق على أنقرة كدعم الاتحاد الديموقراطي بما يحد من تحركات الجيش التركي في سورية
لا يوجد توافق كامل ضمن مؤسسات الإدارة الأمريكية حول أهدافها في الملف السوري، وإذ لا يوجد شك حول تغلب رؤية البيت الأبيض على باقي الرؤى، إلّا ان اختلاف وجهات النظر يتيح بعض الفرص لتركيا للتحرك داخل سورية.
ليس للأمر علاقة بعمالة تنظيم داعش للولايات المتحدة الأميركية، كما يعتقد بعضهم، فالتنظيم ليس صنيعة مخابرات أميركية أو إسرائيلية أو إيرانية أو روسية، كما يحلو لبعضهم أن يطلق عليه، لا لشيء سوى للهرب من مسؤوليةٍ حقيقيةٍ تقع على الجميع، أسهمت في ظهور هذا التنظيم. ومع ذلك، تخشى أميركا من انهيار التنظيم، لأسبابها الخاصة المتعلقة بأمنها بالدرجة الأولى.
عندما تمكّن تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة على مساحاتٍ وأراض واسعة في العراق وسورية، كانت أميركا تراقب، وهي التي كانت تعلم جيداً أن حجم فظاعات رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، ستقود، لا محالة، إلى ظهور التشدّد بطريقةٍ أعنف وأكثر تطرفاً عن القاعدة التي كان يقودها أبو مصعب الزرقاوي في العراق تحديداً، وبقية أماكن وجود القاعدة حول العالم.
ولأن لأميركا خططاً وأهدافاً واستراتيجيات، ولأن لها بدل الطريق عدة طرق، للوصول إلى غاياتها، تركت التنظيم يظهر ويكبر ويتمدّد، ولعلنا نتذكّر جيداً التصريحات الأميركية التي هولت وكبرت من حجم التنظيم وقوته، بل إن وزير الدفاع الأميركي السابق، ليون بانيتا، قال إن الحرب على هذا التنظيم قد تستغرق 30 عاماً.
ساهم الإعلام الأميركي، والغربي عموماً، بالتطبيل لأسطورة داعش، فلقد ضجّت المواقع والصحف الأميركية والغربية بأخبار التنظيم، بعضها يتحدّث عن قوته، وبعضها الآخر يتحدّث عن أماكن انتشاره، حتى وصل الأمر بصحيفةٍ أميركية إلى نشر خريطة للعالم، وضعت عليها أماكن انتشار داعش، في حين ساقت صحيفةٌ أخرى أمثلة عديدة على كيفية استغلال التنظيم قضية اللاجئين، وكيف أن عشرات من عناصره تسرّبوا إلى أوروبا من خلاله. وأمثلةٌ لا مجال لحصرها وذكرها هنا ساهمت كلها في نسج أسطورة التنظيم، تماماً كما أسهمت أميركا وإعلامها في تعظيم شأن قاعدة العراق، وأنها التنظيم الذي لا يهزم، حتى أن قائد القوات الأميركية في العراق، ريكاردو سانشيز، قال، في مؤتمر صحفي في المنطقة الخضراء في بغداد عام 2005، إننا "ربما فقدنا الأنبار إلى الأبد"، في إشارةٍ إلى سيطرة القاعدة على المدينة، فتخيل كيف لقائد القوات الأميركية، بقضّها وقضيضها، أن يصدر على لسانه هذا التصريح!
تركت أميركا داعش يتمدّد في العراق وسورية، لتضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد، فهي، من جانب، استعادت وجودها في العراق الذي خسرته وقتياً عقب انسحاب قواتها من العراق نهاية 2010 ومطلع 2011، وباتت لأميركا اليوم خمس قواعد كبيرة في البلاد.
الأمر الآخر أن أميركا وجدت في هذا التنظيم فرصة لها لسحب البساط من تحت تنظيم القاعدة، ولها في ذلك مآرب عدة، فللقاعدة استراتيجية مختلفة عن تنظيم الدولة الإسلامية، استراتيجية بيّن أهدافها الزعيم السابق للتنظيم، أسامة بن لادن، يوم أن قال لن تنعم أميركا بالأمن قبل أن نلمسه واقعاً في فلسطين، بمعنى أن استراتيجية القاعدة كانت تقوم على مهاجمة الغرب في عقر داره، وهو ما نفذته القاعدة في سلسلة هجمات دامية.
في المقابل، كان تنظيم الدولة الإسلامية يقوم على استراتيجية مركزية، تؤكد على دولة الخلافة التي لها حدود تتوسع وتنكمش، تبعا لطبيعة سير المعارك، ولاحظنا كيف أن تنظيم الدولة بدأ يسحب حتى ولاءات عناصر القاعدة الذين صدّقوا أنه بات هناك للخلافة حدود وجغرافيا يجب الدفاع عنها.
قوّت أميركا، عبر إعلامها وتصريحات مسؤوليها، تنظيم الدولة الإسلامية، حتى إن زعيمه، أبو بكر البغدادي باتت له مكانة كبيرة بين صفوف الجهاديين في العالم، وبزمن قياسي، في وقت خفت صوت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
لاحظنا، بعد ذلك، كيف أن مئات الجهاديين تدفقوا على العراق وسورية للدفاع عن دولة الخلافة، الأمر الذي وجدت أميركا أنه خلاص من المتشدّدين، وخصوصاً أتباع القاعدة الذين خلع عشرات منهم بيعتهم الظواهري وبايعوا البغدادي، والتحق كثيرون منهم بصفوفها في العراق وسورية.
ما يقارب من عامين ونصف العام من ساعة ظهور التنظيم وإعلان خلافته، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يقصف المواقع التي يتحصن بها عناصر التنظيم في الجغرافيا التي اختارها التنظيم لنفسه، أمر منح الولايات المتحدة وكل أطراف التحالف الدولي الفرصة للتخلص من كبار القيادات التابعة للتنظيم، أو حتى التابعة للقاعدة، ممن بايعوا البغدادي.
عندما شنت تركيا عملية "درع الفرات"، واستطاعت أن تطرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة جرابلس السورية المحاذية للحدود مع تركيا، انكشفت حقيقة التنظيم، وأنه ليس بالقوة التي روجتها أميركا وإعلامها وكبار مسؤوليها، فقد تمكنت القوات التركية في ساعات من استعادة جرابلس وبلا خسائر كبيرة، الأمر الذي شجع الرئيس التركي، أردوغان، على مطالبة العالم بالسماح لتركيا بعمليةٍ مماثلةٍ في الموصل.
تخشى أميركا من انهيار "داعش"، لأنها تدرك أن القاعدة في الانتظار، وهي التي ستتلقف عناصر التنظيم، هذا إذا لم يكن تنظيم الدولة هو نفسه سيتبنى استراتيجية القاعدة، بعد أن ثبت له عدم جدوى استراتيجية البغدادي إقامة دولة الخلافة، الأمر الذي يعني أن أميركا والغرب ستكون على موعد مع صيفٍ لاهب، أو ربما حتى خريف ساخن.
أما لماذا لا تبقي أميركا على هذا التنظيم والحال هكذا، فللأمر، على ما يبدو، علاقة بصفحة أخرى من التآمر، خصوصاً في أعقاب الاتفاق الأميركي الروسي الذي بقيت أغلب بنوده غير معروفة.
خمس سنوات دموية، دفع فيها المدنيون ومدنهم الثمن الأشد كلفة. لم نسمع شيئاً بعد عن الديمقراطية الموعودة وخطط إعادة بناء سورية الجديدة، وإشارة الانطلاق نحو المرحلة الانتقالية. كل ما وصلنا إليه هو تفاهم أميركي روسي، لا نعرف حدوده القانونية ومشروعيته الدولية ومصداقيته السياسية، يعلن خطة وقف للنار على جبهات القتال، وتحييد بعضها.
تركيا التي انتقدت هدنة فبراير/ شباط المنصرم التي أطلقت يد روسيا في سورية، ما دفع وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إلى اتهامها بتقويض الهدنة، وطاردها على حدودها السورية، أشهراً طويلة، كابوس "داعش"، وشعرت "بالخطر الكردي"، يقترب أكثر فأكثر من الجوار السوري، وأفاقت، وفي حضنها ثلاثة ملايين وافد سوري، وصلت أعباء استضافتهم إلى عشرة مليارات دولار، وعانت، أخيراً، من التصعيد الواسع في عمليات حزب العمال الكردستاني في جنوب شرقها، تركيا هذه أعلنت تأييدها العلني للتفاهم الأميركي الروسي الذي تكشف أنه يشمل أكثر من مسألة وقف إطلاق النار، وإعلان الهدنة بين المتقاتلين.
وعلى الرغم من معرفتها أن اتفاق الهدنة يهيئ الظروف للحل السياسي الذي يحمي مصالح من يعد الاتفاق ويشرف على تنفيذه، قبل مصالح الحلفاء والشركاء، وأن مواد التفاهم لا تسري على تنظيمي داعش والقاعدة في سورية، وأن انتهاكات للهدنة سيتم التعامل معها بالتنسيق العسكري المباشر بين واشنطن وموسكو، وأن كلام لافروف نفسه، المختلف تماماً هذه المرة، وهو يتحدث عن تحولٍ في مواقف القيادات التركية حيال بشار الأسد، حيث لم تعد توجه الإنذارات
"بدعمها الاتفاق الروسي الأميركي في سورية، قد تكون تركيا دخلت في ورطة تقديم الكثير لموسكو ولواشنطن، وحتى لبشار الاسد نفسه، من دون أن تدري"
والتحذيرات المطالبة برحيله، على الرغم من ذلك، ترى تركيا في الاتفاق فرصةً لوضع حدّ للعنف الذي يعاني منه الشعب السوري منذ فترة طويلة، وأن هذه الهدنة ستكون أكثر فعالية، ولها الأثر في تهيئة الظروف الملائمة للانتقال إلى الحلّ السياسي، وأن التفاهم الأميركي الروسي سيكون فرصةً لتكريس قبول خطي حلب والموصل درعي الدفاع الأول لتركيا من جهة حدودها مع سورية والعراق، ومنع تنامي أي خطر على أمنها القومي على مقربة من الخطين. وأن الاتفاقية تتضمن احترام وحدة سورية وتماسكها، لمنع أي كيان قومي أو إيديولوجي يسعى إلى تغيير الحدود الجغرافية أو المعايير الديمغرافية للبلاد، وأن وقف القتال وتقديم المساعدات في حلب يمثلان أهمية كبيرة بالنسبة لها، وأنها ستدعم جهود ضمان صمود الهدنة، وأن الاتفاق قد يتحول خريطة طريق باتجاه وقف الأعمال القتالية، وسيسمح باستئناف المحادثات السياسية بشأن مرحلة انتقالية في سورية.
يقدّم المقرّبون إلى حكومة "العدالة والتنمية" في تركيا المشهد اليوم على أن القيادات السياسية تعلمت من دروس فشل اتفاقية وقف النار والهدنة في فبراير، وأنها نجحت في خمسة أشهر فاصلة في تغيير سياستها الروسية والسورية، والكثير من تحالفاتها المحلية هناك، والخروج من وضعية اخسر اخسر، على الرغم من أنها رفعت مع منظر سياستها السابق أحمد داود أوغلو شعار اربح اربح. وقد تمكنت أنقرة، بدعم مثل هذه الاتفاقية، من قطع الطريق على حلم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بالتنسيق مع واشنطن ودعم روسي، لناحية التمدّد عبر جرابلس ومنبج ثم الباب وتل رفعت، باتجاه إنشاء ممرّ واصل بين مقاطعتي كوباني وعفرين الكرديتين، فيما يكتفي أنصار زعيم الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، صالح مسلم، اليوم برفع الأعلام الأميركية على مداخل منبج لحمايتها من السقوط بيد الجيش السوري الحر والقوات التركية المساندة، والترديد أن الدخول التركي إلى جرابلس يشبه دخول مستنقعٍ يصعب الخروج منه.
ألا يزعج تركيا إعلان وزيري الخارجية، الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، التوصل إلى خطةٍ لإرساء هدنة، سيسفر صمودها عن تعاون عسكري بين البلدين؟ ومن يضمن لها أن حلفاءها المحليين في سورية لن يتحولوا إلى أهداف أميركية، بعدما كانوا حتى الأمس القريب أهدافاً روسية؟ أين عثرت القيادة التركية في بنود الاتفاقية على ما يضمن شروطها ومطالبها المعروفة، لناحية وجود خطةٍ واضحةٍ لتغيير النظام؟ وهل تشمل مواد الاتفاقية مطلب إزاحة الطرف الكردي الذي يقلق تركيا من طريق الحل المرتبط بالكيان الكردي على حدودها الجنوبية؟
يصوّر بعضهم التفاهم بين واشنطن وموسكو أنه قد يستهدف سياسة تركيا السورية، وأن تقع أنقرة في مصيدة ما نجحت في منعه سنوات طويلة، أي استهداف حلفائها المحليين عبر شن الضربات الجوية ضدهم تحت غطاء القضاء على الجماعات المتطرفة، وأن كل ما حصلت عليه كان هدنة عيد الأضحى، وتعهدات فتح الممر أمام إدخال المساعدات الغذائية إلى حلب.
ونكتشف اليوم أن ما قيل وكتب عن اتصالاتٍ بين أنقرة والنظام السوري كان هدفها، إذا ما تمت فعلاً، التمهيد لإعلان اتفاقية وقف النار والهدنة في سورية لتكون مقدمةً لتطبيق تفاصيل خطة التفاهم الأميركي الروسي. فهل فعلت ذلك أنقرة فعلاً، وهل قبلت مواد الاتفاقية وتفاصيلها التي ترفض واشنطن الكشف عنها، وتتضمن كثيراً من الغموض والتأويل والتفسيرات المتناقضة؟
هناك من يردّد أن التفاهم الأميركي الروسي يعني، بشكل أو بآخر، سقوط مشروع الدولة الإسلامية السنية التوجه، الإخوانية الميول في سورية، وأن قيام نظام إسلامي في سورية سيصبح ضرباً من الاستحالة، فهل تزعج مثل هذه التحليلات أنقرة أم لا، أم هي متمسكة بنظامٍ علمانيٍّ تريده نموذجاً أفضل لسورية المستقبل، حيث فشلت، في ذلك، مع "الإخوان المسلمين" في مصر، أم هي تريد التريث لانجلاء المشهد السياسي والأمني في سورية، وعندها تقول ما عندها؟
في الطرف المقابل، هناك من يرى أن تركيا اليوم بين خيار ما تسمى واقعية الصفقة الأميركية – الروسية ومحاولة تغيير الأوضاع الميدانية لصالحها، فهي تعرف أن مشروع وقف النار قد لا يدوم، لأنه لا ضمانات واضحة في حماية تنفيذ الخطة، وكذلك الأمر بالنسبة لموضوع الانتقال إلى حكومة وحدة وطنية بعد الأسد. لذلك، نراها تتمسك بخطة تحويل بعض المناطق إلى مناطق آمنة، وطروحات إنشاء مناطق حظر الطيران في شمال سورية.
وإن تفاهم أنقرة وموسكو بشأن سبل التوصل، في أسرع وقت ممكن، إلى وقفٍ لإطلاق النار في مدينة حلب، ومسارعة تركيا إلى إعلان أن عمليةً بريةً تقودها يمكن أن تنجح في طرد تنظيم داعش من مدينة الرقة، إذا حصلت على دعم جوي من التحالف الدولي، يعكس حقيقة رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان في التمسّك بإقحام الأكراد المحسوبين على صالح مسلم في خانة الإرهاب، متحدّياً الموقف الأميركي الذي يرفض المنطق التركي، ويعتبر هذه المجموعات شريكاً في الحرب على "داعش" في سورية وفي العراق.
بدعمها الاتفاق، تكون تركيا تدافع ربما عن إنجازات "درع الفرات"، وفتح الطريق أمام تمدّد حليفها الجيش السوري الحر في شمال سورية، وحماية حصته في المعادلات السياسية والأمنية المقبلة في خارطة سورية الجديدة، لكن أنقرة ملزمة بالرد على تساؤلاتٍ تكاد تتحول إلى انتقاداتٍ بينها كيف تدعم تركيا اتفاقاً لا تعرف مضمونه، ويرفض حليفها الأميركي الكشف عن بنوده، تحت مقولةٍ لن يصدّقها الأطفال، حتى في تجنب الكشف عن الوثائق أمام مجلس الأمن، حتى لا يُساء فهمها، وتضع المعارضة السورية في خطر! ألا ترى في ذلك استهدافاً لمصداقيتها ودورها في سورية، خصوصاً إذا ما بدا بعضهم يردّد أن أنقرة لعبت دوراً في إخراج التفاهم، ولا تريد البوح بذلك؟ ثم كيف سترد على ما يقال حول وجود مواد تتحدّث عن المحاصصة الطائفية، وإنهاء دور "أصدقاء الشعب السوري"، وفرض الوصاية الروسية على سورية بغطاء أممي؟ وخصوصا أن بعضهم بدأ يتساءل ما إذا كانت تركيا أطلقت يد كيري للمساومة على كل شيء، وقلصت في خطة "درع الفرات"، وحولتها إلى "درع الساجور"، ونسيان وحدات صالح مسلم في منبج تحت حماية العلم الأميركي؟
ويقول الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، إن أنقرة تدعم اتفاق وقف إطلاق النار. هذا من حيث المبدأ. لكن، للأسف، لدينا مخاوف بالغة بشأن استمراريته مع مواصلة المعارك التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، واستئناف مباحثات السلام، لكن لافروف ينفي وجود اختلافات بين موسكو وأنقرة حول تصنيف "الإرهابيين" في سورية، ويؤكد أنهما تشتركان في الموقف نفسه بشأن ضرورة انسحاب قوات المعارضة السورية من المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين.
بدعمها الاتفاق، قد تكون تركيا دخلت في ورطة تقديم الكثير لموسكو ولواشنطن، وحتى لبشار الاسد نفسه، من دون أن تدري، فهل علينا أن نقول، ونفترض أنها لم تحسب ذلك جيدا؟ فهناك حتماً ما هو أهم وأبعد من مسألة إيقاف النار لإيصال المساعدات إلى المحتاجين.
لا يشير الاتفاق إلى خريطة طريق مفصلة حول المسألة السورية، ويستثني دور المعارضة، بشكل أساسي، مع تهميشها في معظم الفقرات عند التطرّق إليها، بل هو يفتح الطريق أمام تعاون عسكري روسي أميركي للقضاء عليها بكل فصائلها، ويعطي روسيا المشروعية التي كانت تبحث عنها لاستهداف هذه القوى، بمباركةٍ أميركيةٍ، وتحت شعار محاربة مجموعاتٍ تم توصيفها إرهابية لا يمكن تبنيه، وترويجه والدفاع عنه بمثل هذه البساطة. هل هناك ما لا نعرفه في أسباب تأييد أنقرة التفاهم الأميركي الروسي؟
يعتقد كثيرون أن أوباما أوصل أميركا إلى بر الأمان٬ وأخرجها من حروب شرق أوسطية٬ واستعاد توازنها الاقتصادي٬ وسمح لها أن تركز انتباهها على منطقة آسيا٬ ومواجهة التمدد الصيني. ولا يمانع أن يمنح البعض الرئيس أوباما وسام الذكاء والشجاعة٬ لأنه لم ينجر وراء العاطفة٬ وكان واقعًيا في سياساته: المصلحة الأميركية لا غير!
في سياق هذه الواقعية٬ توصل أوباما٬ منذ أيام مع الروس٬ إلى اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا وفتح ممرات إنسانية٬ علاوة على التعاون في محاربة الإرهاب٬ وبالتحديد «داعش» و«النصرة» (فتح الشام)٬ هذا التعاون يتأسس على فرضية تحييد الخلاف حول مصير الأسد٬ والعمل على هزيمة الإرهاب واستكشاف سبل الحل السياسي في سوريا٬ ما هو مسكوت عنه في الاتفاق هو الاعتراف الضمني بالأسد ونظامه٬ ومنحه بالممارسة الحق في الدفاع عن نفسه٬ وأن يكون شريًكا في الحرب على الإرهاب! بعبارة أخرى٬ لم يعد أوباما يرى في الأسد عقبة٬ وإزاحته شرًطا٬ ولا عجب إن سمعناه غًدا يقول٬ كما يردد الروس والإيرانيون: لنترك للشعب السوري حرية القرار. وإذا ما قال ذلك لم يعد ثمة خلاف مع الروس على الإطلاق٬ ولا مع الإيرانيين٬ إنما سيكون خلافه مع حلفائه في السعودية٬ وتركيا وبعض دول الخليج.
وهذا يعني أن سياسة أوباما تأسست على التحالف مع الأعداء٬ والابتعاد عن الحلفاء!
اعتبر أوباما في إحدى تجلياته (الواقعية) أن روسيا دولة من الدرجة الثانية (دولة إقليمية)٬ ونبذ رئيسها عدة مرات٬ وفرض عقوبات عليها٬ لكنه اضطر الآن أن يتابع مع روسيا تفاصيل في الشرق الأوسط٬ بعد تدخلها في سوريا٬ وفي عملية السلام بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية وكذلك في أزمة أوكرانيا٬ واضطر أن يعترف بأنها ند٬ وأن وجودها في سوريا أصبح واقًعا لا يغيره سوى المصادمة المباشرة معها٬ الاصطدام خيار استبعده أوباما منذ اليوم الأول٬ وبالتحديد عندما خرق الأسد خطه الأحمر في سوريا. وكم كانت فرحة أوباما بعدما تدخل بوتين لإراحته من ضرب الأسد وتبعات المواجهة مع الروس! كما ثَّمن لروسيا كثيًرا تعاونها معه لحل المشروع النووي الإيراني «سلمًيا».
يعتقد أوباما رغم إقراره بإيجابية التعاون مع روسيا أنها بتدخلها في سوريا تغرق نفسها في الوحل السوري٬ وأن أميركا ستكتفي بالتفرج على هذه الورطة! يرى أوباما أن روسيا ترتكب حماقة بتدخلاتها في أوكرانيا وفي سوريا٬ وأن النتائج عليها حصار أوروبي٬ وعداء عربي٬ وهواجس إسرائيلية! وهذا كله يجعل أميركا القوة الوحيدة المتحكمة في القرار٬ ومن دون تكاليف!
في الخليج العربي يتحرش الإيرانيون بسفن أميركا الحربية٬ ويجبرونها على إرسال الملايين من الدولارات في طائرات خاصة٬ وسًرا٬ ولا يتورعون دوًما عن تهديدها٬ ناهيك عما فعلوه في الماضي بالقوات الأميركية في بيروت٬ أو الُخبر وفي أماكن أخرى من العالم. وفي بحر الصين٬ يتحرك بوتين ويرسل سفنه الحربية لإجراء مناورات مع الصين٬ في تحٍد واضح للإدارة الأميركية التي تطالب الصين بتخفيف وجودها العسكري في هذه المنطقة! كما أن حليف أميركا٬ وصديق أوباما٬ الرئيس إردوغان٬ لم يتورع عن اتهام أميركا بالتآمر عليه٬ وتصالح مع بوتين٬ مع أنه ثاني أقوى دولة في حلف «الناتو»٬ المخصص أصلاً لمواجهة الاتحاد السوفياتي.
الأغرب٬ أن المرشح الأميركي دونالد ترامب قال علانية إن أوباما رئيس ضعيف٬ وإنه يفضل عليه بوتين القوي!
إذن نحن أمام واقع قلما رأيناه من قبل؛ رئيس دولة عظمى يقول بأن أميركا لا تزال القطب الأوحد٬ بينما تخسر يومًيا سمعتها٬ وكلمتها٬ وحتى حلفاءها٬ لقد تحولت أميركا في نظر الخصوم إلى كيان أجوف٬ وأصبحت سمعة رئيسها بلا معنى٬ لأنه يقول ما لا يفعل٬ وفي نظر الحلفاء أصبحت دولة مشكوًكا في مصداقيتها. فالمملكة العربية السعودية٬ كمثال٬ كانت الحليف الوفي والأوثق لأميركا٬ لكن أميركا تسن ضدها قانوًنا لمحاكمتها بتهمة الإرهاب للاستيلاء على مدخراتها المالية٬ أميركا تحاكم حليفها بالإرهاب٬ وتصادق عدوتها إيران٬ وتمدها بالمال٬ وتسمح لها بتطوير السلاح النووي والباليستي٬ بحجة الحفاظ على الاستقرار! في مفهوم الكونغرس أصبحت المملكة التي لم تتلفظ بكلمة ضد أميركا٬ ولم تتواَن لحظة عن مساعدتها متطرفة٬ وأصبحت إيران٬ قاتلة المارينز في لبنان والخبر في السعودية٬ ومنشئة الميليشات الطائفية٬ والمخططة لقتل السفير السعودي في أميركا٬ وقاتلة الجنود الأميركان في العراق٬ وحاضنة قياديي «القاعدة»٬ والمترجمة لكتب مفكر الإرهاب سيد قطب في نظر أميركا٬ والمشعلة لبركان الحقد الطائفي٬ دولة معتدلة٬ وأصبحت المملكة الحليفة عدوا!
ما يهم أن هذه السياسة الأميركية المشوشة كانت لها تداعياتها في المنطقة والعالم٬ على المستوى العالمي نشاهد اليوم غياب الهيبة الأميركية٬ وانفراط القطبية الأحادية٬ واستبدال الأقطاب المتعددة بها٬ وتزايد النزاعات٬ وخواء الأمم المتحدة٬ في أوروبا تدخل الروس لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية٬ واقتطعوا أرًضا من أواكرانيا وضموها لروسيا٬ وتمددت الصين في بحر الصين الجنوبي٬ وأنشأت٬ رغم صدور قرار دولي من محكمة العدل الدولية٬ حظًرا جوًيا فوق منطقة بحرية متنازع عليها٬ وفي أفغانستان تعاظمت قوة «طالبان» واتجهت باكستان أكثر صوب الصين. وفي منطقة الشرق الأوسط نشاهد تسارع دول كثيرة نحو روسيا٬ وكانت آخرها تركيا٬ لعقد تفاهمات مع القيصر الروسي الذي دخل المنطقة ولا يفكر في الخروج منها٬ وحتى الصين أصبح لها موطئ قدم في الشرق الأوسط على حساب الرصيد الأميركي.
لقد أظهر اتفاق حلب الأخير أميركا على وجهها الحقيقي؛ دولة ليست بالعظمى٬ وعاجزة ليس عن حماية حلفائها٬ بل حتى مصالحها٬ كانت أميركا٬ مع بداية عهد أوباما٬ دولة تدافع (ولو انتقائًيا) عن حق الشعوب بالحرية٬ وتطالب بنزع السلاح النووي٬ وتفعيل الأمم المتحدة٬ ومحاربة الإرهاب٬ وأصبحت بعد نهاية عهده دولة متآمرة على حرية الشعوب٬ وعلى حقوق الإنسان٬ ولا تبالي بانتهاكات القانون الدولي٬ ولا بانتشار السلاح النووي٬ ولا بتحول الأمم المتحدة إلى داعم للاستبداد والقهر.
قال لي لاتستخدمها، فهي باتت مستهلكة لحد أن أحداً لن يتأثر بها ، قررت ترك الموضوع بحثاً عن توصيف أو شيئ يساعدنا على لئم جراحنا ، و تضميدها وحدنا ، وفي الوقت ذاته أن نبقى نحتمل مزيداً من الضربات ، و لكن لا أجد سوى أن ألجأ لها ، لأكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ” .
أرقب مناقشات الجمعية العام للأمم المتحدة ذات الرقم ٧١ ، وما ينهال منها من صور عن لقاءات و اجتماعات ثنائية و ثلاثية و كذلك تلك ذات الـ٢٣ جهة في آن معاً ، و في نفس الوقت أتابع عداد الغارات ، و سجل الرصد و مناطق القصف و نوعيته و مخلفاته من بارود و غبار و منازل و أحلام و أتوقف متوجساً أمام الأرواح المتصاعدة ، و أنا أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.
تتكثف الصور و الفيديوهات من مواقع استهداف الهلال الأحمر في ريف حلب الغربي ، و أشاهد فظاعة ماحدث و كيف مزقت أجساد كانت ناعمة و طاهرة، إلى حد يُسمح لها بلمس الطعام دون أن يمتعض أحد ، و أتلقف تصريحات الغضب من الدول و الهيئات و المنظمات ، لأتعامل بنحو اعتيادي مع خبر تعليق الأعمال الانسانية في سوريا ، و أقف قليلاً لأتسائل هل المطلوب تعليقها أم تعليق عمل سلاح الجو و نزع مخالبه ، و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.
تصدر روسيا بياناً توضيحياً حول الاستهداف بالأمس وتنفي كل ماحدث و تضعه في اطار المسؤولية الدائمة لـ”الثورة” و “الثوار” ، و يتبعها الأسد ببيان مشابه و أكثر “وقاحة” ، و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.
تبدل الأمم المتحدة الكلمات و تقول أن ماحدث هجوم مجهول المصدر و ليس قصف جوي ، و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.
أرقب المتحدثين الذين يعتلون منصة الأمم المتحدة ليبثوا كلماتهم في المحفل الأممي، فأوباما يقول أن روسيا تسعى لاعادة أمجادها بالقوة ، و هولاند يعبر عن العجز بالقول “كفى” ، الأردن و لبنان يحملان همومهما من اللاجئين السوريين باحثين عن مصدر رزق جديد ، و قطر تقول أن لامكان للأسد و السعودية تساندها بذات القول ، و تركيا تنضم لهما و تشدد على قتال “الارهابيين” ، و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.
في اجتماعات خصص لها اسبوع يبحث الجميع عن مفردات و هوامش في الحرب علي الشعب السوري ، ينتقون بشدة العبارات و التعابير الوجهية و المخفية ، حتى لا يجرح شعور أحد ، بمن فيهم القاتل ، و لكن جميعهم يصمتون أمام “الأسد” و يقولون “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.
ليس تكبيراً به أو رفعاً من شأنه ، و إنما هو العجز المتولد من المصالح المتضاربة ، والجودة المتوفرة من قبل الأسد في توفير المنطقة الملائمة للاشتباك العسكري بين جميع الدول ، فيما تكون للسياسة مكان آخر .
و من المفروض أن نملك أدوات فك العقدة و لكن يبدو أنها مفقودة هي الأخرى ، و لأعود و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “
تبدأ في نيويورك اليوم الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تشكل مناسبة لقادة الدول الـ193 الأعضاء في المنظمة، لمخاطبة نظرائهم والعالم ومناقشة ملفات عدة والبحث عن تسويات لأزمات. ودرجت العادة أن تعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة، قمم تركز على مواضيع محددة تتطلب أوسع قدر من التعاون بين الدول.
وفي كل عام تكون الاجتماعات فرصة لظهور وجوه جديدة على المسرح العالمي، كما سيكون الحال بالنسبة إلى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ومناسبة لوداع آخرين وأبرزهم هذه السنة الرئيس الأميركي باراك أوباما المنتهية ولايته والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي سيكون التنافس على خلافته أحد المواضيع المطروحة على هامش الاجتماعات، علماً أن اختيار خلفه أمر متروك لمجلس الأمن.
وهذه الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت أولى جلساتها في لندن في العام 1946. وعلى امتداد تلك السنوات الطويلة، قلما علقت في الأذهان أحداث مميزة تخللت اجتماعات الجمعية العامة، مثل إقدام الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف على الضرب بحذائه على الطاولة متوعداً الأميركيين، أو الظهور الأول للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أو الخطاب الأخير للزعيم الليبي معمر القذافي.
والملفت أيضاً أن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة قلما شكلت بحد ذاتها منطلقاً لمبادرات تاريخية، بل شكلت فرصة لعقد قمم على هامشها لهذا الغرض. ولعل أبرز المناسبات من هذا النوع هذا العام، اللقاءات حول أزمة المهاجرين واللاجئين والتي استهلت بقمة مطلع الأسبوع نوقشت خلالها أزمة الهجرة الأخطر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية والمتداخلة مع الفوضى المستحكمة في ليبيا وأيضاً مع النزاع السوري الذي برزت قناعة أخيراً على أن حله بات كالعادة في عهدة التسويات الأميركية - الروسية.
وكانت قمة الهجرة موضع انتقادات حتى قبل انعقادها بأيام، وذلك لتبنيها إعلاناً سياسياً بدائياً، لم يتضمن أهدافاً محددة بأرقام ولا التزامات قاطعة عن كيفية تقاسم أعباء اللاجئين الذين ناهز عددهم 24 مليوناً (فضلاً عن 41 مليون نازح داخل بلدانهم)، وهو رقم مخيف بحد ذاته، بل اقتصر الإعلان على تأكيد «احترام الحقوق الأساسية» لهؤلاء وعلى التعاون الدولي من أجل مكافحة تهريب البشر، إضافة إلى محاربة العنصرية والعداء للأجانب في الدول التي تستضيفهم وحق أطفالهم في التعليم.
ومع غياب الأهداف المحددة والالتزامات الواضحة حيال موضوع الهجرة، باتت الآمال في هذا الشأن معلقة على قمة ثانية يستضيفها أوباما اليوم، ستخصص لجمع مساهمات الدول وتعهداتها المالية تجاه المهاجرين والنازحين لدعم البرامج الإغاثية عالمياً.
لا شك في أن قضية اللاجئين سببت ضغوطاً هائلة على دول أخذت تفقد قدرتها على التحمل، مثل اليونان وأيطاليا، ما بدأ يهدد بخلافات أوروبية، تجسدت بوادرها في انتقادات حادة وجهها رئيس الحكومة الإيطالي ماتيو رينزي إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية انغيلا مركل، وهي انتقادات تكاد ترقى إلى مستوى اتهامهما بعدم المبالاة حيال معاناة بلاده مع الهجرة.
سيكون قدر كبير من الأضواء مسلطاً على نيويورك هذا الأسبوع، لكن الواقعية السياسية تقتضي عدم الرهان كثيراً على ما يجري أمام الكاميرات بل خلف الكواليس، خصوصاً في لقاءات ممثلي الدول الكبرى مع مندوبي قوى إقليمية فاعلة، غير أن الرهان الأساسي يبقى التوصل إلى تفاهمات، أقله في ما يتعلق بإدارة أزمة اللاجئين، لئلا تتحول الاجتماعات في نيويورك إلى مجرد «فولكلور» أممي لا يقدم ولا يؤخر في الاستحقاقات والأزمات.
منذ زيارته داريّا المنكوبة، تعاظم شعور بشّار الأسد بالانتصار. فهو تصرّف وتحدّث على هذين النحو والافتراض، فكأنّه استنتج وضعه من كونه نقيض داريّا. وما دام أنّ الأخيرة صارت خراباً، فإنّه كضالع في سياسات الإبادة غدا المنتصر التلقائيّ.
والحال أنّ الأسد ضمن لنفسه هدنة روسيّة - أميركيّة بدت نافعة له. صحيح أنّها قد لا تعيش ولا تتحوّل مدخلاً إلى تسوية سياسيّة، لأسباب أهمّها أنّ الأميركيّين والروس ليسوا متّفقين كثيراً على اتّفاقهم الجديد، ما توحي به الضربة الجوّيّة الأميركيّة الأخيرة. مع هذا ثمّة من يعوّل على أنّ الأسد، وفي الحالات جميعاً، كرّس نجاحات ونمّ عن نجاحات. فمطلب إزاحته لم يعد مطلباً أميركيّاً ولا عاد مطلباً تركيّاً. أمّا الميليشيات الإرهابيّة الداعمة له، اللبنانيّة منها والعراقيّة والأفغانيّة، فلفّ الصمت الدوليّ دورها مثلما لفّ أوضاع السوريّين الذين يتلذّذ النظام بسجنهم وقهرهم وتغييبهم. وهذه وسواها ممّا أطنب النقّاد والمعلّقون في تناوله تقول إنّ الأسد انتصر، وإنّ انتصاره يعكس توازنات قوى محلّيّة وإقليميّة ودوليّة لاءمته ولم تلائم معارضيه.
مع هذا، يصحّ الرهان على أنّ ذاك التأويل سراب، وأنّ الأسد لا يمكن أن ينتصر، لا اليوم ولا في أيّ غد مقبل. وهذا لا يرجع فحسب إلى أنّ سلطته تقتصر على نصف المساحة السوريّة، وإلى أنّ جيشه وأجهزته الأمنيّة أضعف كثيراً من أن تستثمر بذاتها أيّ انتصار وأن تحوّله إلى واقع سياسيّ. وطبعاً لا يُعوّل كثيراً على الصرخات الحماسيّة البريئة لبعض المعارضة من أنّهم «لن يمرّوا»، خصوصاً أنّ مثلاءهم سبق لهم للأسف أن مرّوا في إسبانيا وفي كلّ مكان عرف الخطابة الحماسيّة.
واقع الأمر أنّ الأسد لن ينتصر لأنّه أهين على مرأى شعبه والعالم وعلى مسمعهما. وهذا نمط من الأنظمة يحتمل إهانة واحدة كبيرة يعالجها بقمع يُنهي الاعتراض بالدم قبل أن تعود الأمور إلى «طبيعتها». إلّا أنّه لا يحتمل خمس سنوات ونيّفاً حفلت بالإهانات وتمزيق الصور ودوس التماثيل وتمريغ الرموز.
ولمّا كان النظام، الضعيف الأدوات والخائر القوى، مضطرّاً، بعد انتصاره المفترض، إلى إدامة الاستعانة بالروس والإيرانيّين وبميليشياتهم، كي يبقى نظاماً، فهذا ما سوف يضاعف طبيعته كتركيبة مُهانة وذليلة. وهي طبيعة لابدّ من أن تفاقمها المقارنة التي يلحّ عليها تبجّح مثلّث الأضلاع: انتصاريّ مشوب ببقايا اللغة القوميّة لحزب البعث، و «حضاريّ» أنتجته السنوات الماضية حيال «العربان»، وسياديّ ووطنيّ حيال «الإمبرياليّة وعملائها».
ثمّ إنّ ظروف التهجير والنزوح ممّا طاولا ملايين السوريّين تجعل التأطير والضبط اللذين لا يقوم نظام أمنيّ من دونهما في غاية الصعوبة. فكيف حين نضيف تعرّض ربع الشعب السوريّ لتأثيرات الخارج الذي انتقلوا إليه وتفاعلوا معه، ويقظة بعض الروابط الطائفيّة أو القرابيّة أو العداليّة مع أطراف في الجوار مناهضة هي الأخرى للأسد؟
وبعد كلّ حساب، هل يمكن أن يقوم، في العالم العربيّ، بعد تجربة ثوراته، نظام يضمّ رصيده أقصى الطغيان وأقصى الثأريّة وأفدح الأكلاف الإنسانيّة وضعفاً في الأدوات العسكريّة والأمنيّة والسياسية والاقتصادية التي تجعل الحاكم حاكماً، كما تجعل الاستعمار الخارجيّ المباشر حالة يوميّة وعيانيّة وملموسة؟
صحيح أنّ حظّ الأسد يبقى أفضل من حظوظ القذّافي وصدّام لأسباب معروفة، إلّا أنّ رحيل الأوّلين قصّر فاتورتَيهما الدمويّتَين بقدر ما أطال البقاء على قيد الحياة الفاتورة الدمويّة لزميلهما السوريّ. وهذا يسمح بالقول إنّ الأسد لن ينتصر ولن يحكم. أما أن يُهزم أيضاً معارضوه، وأن تكون سورية القديمة التي هندسها أبوه هي نفسها قد انتهت، فهذان موضوعان آخران.
للأسف؛ إن العمل الصحيح الوحيد الذي قامت به الولايات المتحدة في سوريا طوال خمس سنوات، هو غارة خاطئة. فقد قصف طيرانها لأول مرة مواقع عسكرية لقوات نظام الأسد في محيط مطار دير الزور، استهدف كتيبتي المدفعية والصواريخ. واشنطن اعترفت واعتذرت، مع أن القوات الروسية قصفت مرات عديدة مواقع للمعارضة السورية (الجيش الحر)، إلا أن موسكو لم تعتذر ولم تبرر.
ولو أن القوات الأميركية كررت قصف قوات الأسد، وميليشياتها المرافقة لها، عن خطأ أو عمد، لوجدت رغبة في المفاوضات للقبول بحل سلمي ينهي هذه المأساة. إنما بسبب غياب التوازن في وجه روسيا وإيران الداعمتين لنظام الأسد، تستمر الحرب والمأساة والمخاطر، وبسبب انعدام التوازن ولدت «داعش». وبسببه يرفض النظام السوري أي حل لا يعيد له السلطة على كامل البلاد.
وهذه هي المرة الأولى التي تتعرض لها القوات السورية للقصف، بعد أن تمتعت على مدى سنوات القتال بهيمنة جوية مطلقة، أعطى الأسد شعورا بأن نظامه آمن مهما فقد من قوات وخسر معارك، لذا يرفض القبول بحل سياسي معقول ينهي الأزمة.
هل كان القصف متعمدا كما تردد وسائل إعلام الأسد؟ بالطبع لا، لأن الأميركيين كانوا يستطيعون تبرير القصف بلغة مختلفة، وتحويل اللوم على قوات النظام أو على شريكهم الروس، إلا أن واشنطن اعترفت بأنه خطأ ووقع نتيجة غياب التنسيق. وقد كان واضحا، منذ إعلان موسكو عن مشاركتها في الحرب في سوريا، حرص واشنطن على تفادي الصدام بين قوات التحالف الذي تقوده والقوات الحليفة لنظام الأسد، وكل الخلاف الذي نسمع عنه مقصور على مسؤولية إدارة العمليات العسكرية هناك. والجميع، الأميركيون والروس والأتراك، يتفقون داخل الأراضي السورية على عدو واحد هو «داعش». ويتميّز الروس بوجود عسكري كبير ثابت على الأرض ضمن مساندتهم للقوات السورية والإيرانية لمقاتلة المعارضة السورية، التي لا تزال تدهش الجميع بقدرتها على الصمود. المعارضة السورية المسلحة أفشلت وعود الأسد والإيرانيين والروس، الذين تنبأوا بنهاية للحرب بعد اتفاق الدول الثلاث على شن الحرب بشكل جماعي، لم ينجحوا رغم نجاحهم في محاصرة «الجيش الحر» في مناطق عديدة، وقطع معظم إمداداته. إلى اليوم لم يستطع العدوان الثلاثي، قوات الأسد وروسيا وإيران، من الاستيلاء على حلب التي كانت أول وعد قطعوه منذ نحو عام.
وقد يدفع قصف الأميركيين لقوات الأسد الروس إلى التنسيق معهم من أجل تفادي تكرار الأخطاء القاتلة، وقد يكون العكس هو الصحيح؛ أن يستخدمه الروس حجة لتحجيم الحضور العسكري الأميركي في الأجواء السورية التي لطالما اعتبرتها موسكو خرقا لسيادة الدولة السورية.
لم يبق من الوقت الكثير في إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حتى يمكن أن يبنى على المفاوضات الأخيرة بين موسكو وواشنطن أفكار جديدة للحل السياسي، ولا يمكن أن نتصور أن القصف الخاطئ سيحقق تغييرا في إدارة الحرب للقوتين العظميين في سماء وأرض سوريا. وما قيل عن «اتفاق سري» بين وزيري الخارجية، وفق تصريحات منسوبة لوزير الخارجية الروسي الذي يطالب بنشرها علانية، أيضا لا تبدو أكثر من كونها نقاشات لم تحقق شيئا على الأرض.