“أنا الثورة و الثورة هي أنا”
أن يُفرض عليك مع كل اشراقة شمس و حتى غروبها ، و ذات الأمر مع ظهر أول ضوء للقمر و اقترابه من الأفول ، أن تكون بشكل لصيق كـ ”زوجة” أو “ابن” مع تلك المتوالية الغير متناهية من الطلاسم ، و السيول الدائمة من الأخبار ، حول “فُلك” الثورة ، لتستنتج عند آخر رمق لدى عيونك على مصطلح “أنا الثورة و الثورة هي أنا”.
“أنا الثورة و الثورة هي أنا” هي أشد الكلمات التوبيخية التي تجلدني و تؤلمني في الحقيقة ، و أشعر من قائلها أني اقترفت من الذنوب تجاوزت الموبقات السبع ، و لا مكان للصفح أن التوبة ، و لا حتى “الحج” يكفي لإزالة براثن الاثم عني، فهنا خطئي يتعلق بحقوق “الثورة” التي يمثل و التي يُشكلها.
“أنا الثورة و الثورة هي أنا” هي كـ بطاقة “ذهبية” ، كُتب عليها يسمح لحاملها الولوج في كل العقول دون أن “حاضر أو دستور” ، ليفرغ فيها “الثورة” الحقّة ، و يطرد من الفراغ المعلومات حوامل الذاكرة بما فيها في الفضاء القذر الذي يحوي فقط المرفوضين و الخارجين من عطف “أنا الثورة و الثورة هي أنا”.
لا يوجد يقين أو تحديد دقيق لمراحل الثورة عموماً و لتلك المندلعة في سوريا على وجه الخصوص ، فهنا يغيب التاريخ المسقط عليها ، و تضمحل التجارب وتتحول إلى “ثغاء” ، ولا يبقى إلا “أنا الثورة و الثورة هي أنا”، هي الكلمة الفصل والحسم في أي شأن كان سواء سلاح أم سياسة أو اعلام و منظمات و اغاثة و كذلك اجتماع و ثقافة وحتى هيكلية أو تشكيلات منظومية، فأنت أمام من ولّد الثورة من رحم عقولنا الرضيخة المتلذذة بـ”سادية” الاستبداد .
يمرقك “أنا الثورة و الثورة هي أنا” عند مرورك في أي باب ، ويعاقبك عند كل انحناء داخل كل نفق ، و يصفعك في أي حالة من حالات الركون أو الاستراحة ، و يجلدك بسوط حديدي مع خطوة راجعتها أو فكرت بأن تفعل هذا الاثم المخرج من “الثورة” التي هي عبارة عن “ثورته الحصرية”.
حامل لقب “أنا الثورة و الثورة هي أنا” ، عملة نادرة تضج بها الثورة السورية الجميلة ، والتي يعتبر أحد أزهارها و ريحانة العطر التي تجمّل أجوائها ، فهو يقفز و ينبه و يوجه و يستشرق و ينجم ، و قد يصل لحد رسم القدر الذي يسير عليه الملايين ، و من الممكن أيضاً أن يحدد ساعة الموت و لحظة الاصابة و ثانية القصف ، وأجزاء ثانية الفاصلة بين السمع والمشاهد، فهو من المبصرين في جحافل العميان قلوباً ، و عندما يحدث ما رسم سيقول “قلتها قبل زمن” و لكن أنت أخرق لا توقن معنى “أنا الثورة و الثورة هي أنا”.
آلية رهيبة تقود المتوالية “حذرتكم من هذا” و “نبهتكم من ذلك” و “كنت أول من قال” و “أشرت لذلك فيما سبق” ، و تختلف المصطلحات حول هذا اللولب و المغناطيس الذي تناسيناها ، لننسى ما حدث و نركز على قضية كيف تجاهلنا تحذيراته و أحاديثه و انشغلنا عن اشاراته و أقواله ، ماذا لو استمعنا إلى “أنا الثورة و الثورة هي أنا”، كنا وفرنا كمية هائلة من الدماء و لا حدود لحجم الأوجاع ، لا بل قد وصلنا لقناعة محتمة أن “لو أننا لم نخرج بتلك الثورة” و نسرقها من مالكها.
يظن “أنا الثورة و الثورة هي أنا” أنه يعيش في غابة من اللصوص، المدمنين، شذاذ الآفاق، الغير أخلاقيين، الشواذ فكرياً، و الجميع يهيم خلفه لسرقة ما امتلك وحاز ، عن طريق كده و جهده و عرق جبينه ، فهو الخارج في المظاهرة الأولى ، كذلك متلقي صفعة الانطلاق ، وهو من فض “بكارة” الدم في الثورة ، وهو من احتضن الرصاصة ولامس حرارة البندقية ، في الوقت الذي كان الجميع في غياهب التأليه للسيد القائم المبجل المسمى “رئيس”.
في مصطلح “أنا الثورة والثورة هي أنا” يكمن الوجع الأكبر والفكرة الأصدق لفشل متتالي وغير منتهي يخيم على الثورة في هذا المكان أو ذلك.