مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
نهاية حرب حلب بداية اشعال نار الفتنة الايرانية – الروسية

لم تكن مأساة حلب بالأمر المستبعد، ولم يكن أمام فصائل المعارضة المسلحة حل أخير غير الموافقة عل الشروط التي وضعتها روسيا بعد أن باتوا في خانة "اليك"، فلم يعد بمقدروهم أن يصمدوا في وجه تقدم قوات النظام والميليشيات الشيعية الإيرانية والطيران الروسي، وإن صمدوا في وجه الحملة الشرسة  لأسابيع، فالذخيرة لن تبقى بين أيديهم أكثر من أيام، ولن يكون هناك ما يقيت الأهالي في تلك البقعة الصغيرة من الأرض التي حوصروا فيها.


على الرغم  من حزن السوريين من منحدر معركة حلب، إلا أن اقتراب كل من روسيا و ايران من اتمام خططهما المتعلقة بسوريا، سيسرع عجلة الحرب الدفينة بين الطرفين، لتتخذ شكلا واضحاً في وقت قريب جداً، لاسيما مع ظهور أولى علائمه مع رفض ايران تنفيذ بنود الاتفاق بين روسيا والفصائل المعرضة بوساطة تركية لخروجهم والمدنيين من حلب، فالمشاريع الايرانية-الروسية تتعارض بشكل واضح مع اقترابهما من قطاف الثمار، روسيا من جهتها تسعى لإتمام تنفيذ ما يعرف بخطة " m5 " بالسيطرة عى المدن الكبرى و ضمان آمان خطوط الامداد بينها، تلك الخطة التي وضعت منذ بدء التدخل الروسي منذ أيلول 2015، وبحسب ما هو مخطط لم يتبقى أمامها سوى الغوطة الشرقية في ريف دمشق، والرستن في حمص، وبعض المدن والبلدات في ادلب وريفها التي تقع على طريق حماة – حلب، في الوقت الذي تنتظر ، بسرور لقرب اكتمال هلالها  الشيعي مع وصول مليشيات الحشد الشعبي إلى مشارف سوريا بعد الموصل، الأمر الذي يجعل الصراع الامبراطوري بين الروس والايرانيين ملموس.


بعيداً عن هذا الصراع الثنائي، يبدو أنه لم يدرك الكثيرون مدى خطورة السيطرة الروسية الايرانية على حلب، لاسيما الوطن العربي عموماً والخليج العربي على وجه الخصوص، والذي أمسى بعد السيطرة على حلب هدف قريب المنال، وبالرغم من كل المساعي الخليجية لإطالة مدى الحرب في سوريا لتبعد عم محيطها خطر التشييع الشيوعي، إلا أنها لم تستطع أن تطله، لتكون دول الخليج في مهب ريح الشيعة عن قريب.


الانحسار الراهن لفصائل المعارضة المسلحة، هو انتكاسة قاسية للمعارضة، وربما تكون بداية لثورة جديدة من المفترض أن تقوم على اتحاد الفصائل المقاتلة والرضى بإقصاء جبهة النصرة، مع تحرك القوى السياسية المعارضة في الخارج لوضع استراتيجية واستغلال الشرخ الايراني-الروسي، وفي حال أخفقت قوى المعارضة السياسية والعسكرية على رسم استراتيجية هادفة في هذه الحقبة من الزمن، ستكون سوريا أمام منعطف خطير يظهر بعده المزيد من المتطرفين والمقاتلين الأجانب على أراضيها، وهذا الأمر بدى واضحاً من خلال المظاهرات التي قامت في عدة دول تضامناً مع حلب، والتي اتسمت بصيغة اسلامية دعت للجهاد في سوريا،  لنكون أمام استنساخ جديد لتجربة أفغانستان والعراق، يحول سوريا الى مصدر للارهاب، الأمر الذي سيستفيد منه النظام السوري وحلفائه لرفع العقوبات المفروضة عليه بمقارنتها مع انتشار جماعات توصف ب"الارهابية"، وبالتالي استدراج الأسد وأعوانه لمساعدات مادية من كافة الدول التي تخاف على مصالحها.

اقرأ المزيد
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
دماء حلب تشعل نيران الشقاق بين ايران و روسيا .. فكيف ستكون المرحلة القادمة

يبدو أن فترة الشراكة بالمصالح بين روسيا و ايران ، والتي شابها منغصات عدة، قد شارفت على الانتهاء، فما بعد حلب ليس كما قبلها، و بدأت علائم صراع المصالح تظهر للعلن بين الطرفين الذين جمعهما مصلحة آنية بوأد الثورة السورية، ولكن المصالح الاستراتيجية مختلفة تماماً حد الصراع.

وعلى وقع الدماء التي أُريقت بحلب، أقفل باب التعاون الروسي - الايراني في سوريا، وبات كلا الطرفين يسعى لتثبيت دعائمه، بغية الانتقال إلى المرحلة القادمة من الحصول على الميزات، التي لاتوافق فيها بين شركاء اليوم، و”الحرب الباردة” ستنتقل لتكون أشد حماوية، و أكثر علنية.

الصراع الايراني - الروسي ، في سوريا كان و منذ بداية التدخل، عبارة “قرصات” متبادلة بين الطرفين، و صراع حثيث على من يتسيد سوريا،و صاحب الكلمة الأعلى، والأهم راسم المستقبل، فبعد سنوات من الابتعاد الميداني الروسي و الاكتفاء بالدعم السياسي للأسد، دخلت روسيا من باب واسع للساحة الميدانية التي تشكل الملعب الأساسي لايران و مليشياتها الأجنبية و المحلية، صحيح  أن البداية كانت ضد الثورة فصائلها، ولكنها شهدت عمليات ، تقليم أظافر لايران في عدة مواقف، ابتداءً من السعى لافشال اتفاق المدن الأربعة (الفوعة - الزبداني) بضرب خطوط اخلاء سكان الزبداني الذي دفع ايران لتحويل الخروج إلى لبنان، مروراً باستهداف التجمعات على خطوط الامداد بين دمشق وحلب، و الأشهر كانت ترك ايران ومليشياتها وحيدين في “خان طومان” في آذار ، و تكرر المشهد في ملحمتي حلب (تموز و أيلول العام الحالي)، وبالطبع  الغارات الاسرائيلية التي استهدفت قيادات في الحرس الثوري و حزب الله والتي لن تتم بطبيعة الحال دون تنسيق مع روسيا، التي وقعت اتفاقات عميقة مع اسرائيل.


السعي الروسي المستمر للجم ايران في الميداني ، ترافق مع تحجيم كبير في الأمور السياسية أو الادارة العامة في سوريا، فعقدت المصالحات بريف دمشق كاملاً بتوجيه و اشراف روسي ، وذات الأمر يدور حالياً في الوعر، وخارجياً بعد سلسلة الاجتماعات التي حضرت ايران كـ”كرسي” لا أكثر، أبرمت روسيا صفقة العصر (حلب) بغياب تام لايران، التي وجدت نفسها فجأة لأول مرة بهذا الشكل، عبارة عن جندي مجهول يقاتل و يقتل و يشار إليه بـ”خوذة” في أحد الشوراع، دون أن يكوت له اسم أو نصيب مقابل ما قدم.

بعد حلب تتضح الصورة بشكل جلّي من حيث الاختلاف بالمصالح حد الاشتباك و الصراع، فايران التي تسعى بكل مليشياتها و قواتها للسيطرة على منطقة “تلعفر”، في العراق تحت تمويه تحرير “الموصل”، لتفتح النافذة باتجاه سوريا، و توصل جحافلها لشق الطريق أمام “الهلال الشيعي” ، وهو الاسم الذي تدغدغ به مشاعر المجيشين تحت رايتها، و إن كان هدفها هو ايجاد نافذة لها على العالم ، بعد ايقانها أن الخليج العربي سيبقى خارج ارادتها مع تركيز أمريكا لغالبية قواتها فيه.

قصارى القول يتمثل بأن ايران تبحث بعد كل هذه السنوات من القتال الوصول إلى شط البحر الأبيض المتوسط، لتضمن التواصل الحر و السلس مع العالم، بعيداً عن أي تنغيص من أمريكا أو دول الخليج، و منطقياً أن هذا المنفذ لن يكون في لبنان حتماً، البلد التي ترى فيها اسرائيل خط الفصل بينها و بين أي مشروع قد يهددها بالمستقبل سواء أكان قريب أو البعيد حد ظهور علائم يوم القيامة.

اذا اليوم الصراع يبدأ من يحكم الشواطئ السورية، فروسيا التي تتغنى بقاعدتها الأكبر و الأهم في المنطقة و العالم في اللاذقية و طرطوس، ولن تقبل بوجود شريك لها في منطقة تعتبر ثروة عسكرية و جويوسياسية، وكذلك اقتصادية بما تحويه من غاز، الذي يعتبر وقود الاقتصاد الروسي.

شرارة الخلاف أطلقتها دماء مدني حلب، سيكون تفاعلتها قريبة جداً، حد عدم التصديق من تسارعها، سيما مع وجود تهامس روسي مع القيادة الجديدة في أمريكا، أن لاخلاف بينهما على احترام ملكية روسيا لسوريا، شريطة أن لا يكون لايران دور فيها، ومن هنا يبدو على ايران أن تتحضر لسلسلة جديدة من القتلى تحت مسميات عدة كـ”اغتيال” ، “قصف خاطئ” ، ومن الممكن أن يكون بمحلمة جديدة، قد لا تسير باتجاه حلب، و إنما يكفي أنها ستجعل ايران تنشغل بلملمة أشلاء قتلاها، وتكتفي ببعض الفتات الذي سيرميه الروسي لها.

اقرأ المزيد
١٤ ديسمبر ٢٠١٦
ليت الأسد كان نيرونا

أعرف أنه كتب الكثير عن جرائم بشار الأسد، وتم وصفه في أكثر من مقال "نيرون سورية"، في إحالة إلى "نيرون روما"، وتشبيهه اليوم بـ "نيرون حلب" لن يضيف الكثير إلى سجل جرائمه الفظيعة.

تشبيه جزار الشعب السوري بنيرون فيه إجحاف كبير في حق نيرون الحقيقي الذي كان شاعراً وموسيقياً وفناناً، قبل أن يكون طاغية، كما صورته أساطير كثيرة نسجت عنه. فأحياناً كثيرة، تبالغ روايات التاريخ في تضخيم بعض الأحداث وأسطرتها، لتضفي عليها هالة من التقديس أو التهويل. وعندما نقارن اليوم بين جرائم الأسد وجريمة نيرون، سيقول المرء ليت الأسد كان نيرونا، لأنه لا مقارنة بين خطيئة نيرون وجرائم الأسد الفظيعة.

أكتب هذا المقال، وأنا أتابع قوافل النازحين السوريين الخارجين من مذبحة حلب، مشاهد نساء وأطفال وشيوخ تشبه ملامح شخصيات أفلام مشهورة، جسّدت الكوارث الفظيعة التي ضربت الأرض، أو توقعت ما يمكن أن يضرب كوكبنا من كوارث، يمكن أن تسبب فواجع وآلاماً لبني البشر.

لكن ما نراه على شاشات التلفزة من صور لأناسٍ هائمين على وجوههم، عائدين للتو من جحيم حقيقي، خارجين من تحت الأنقاض، منبعثين من جديد من موت حقيقي، هي صور حقيقية وواقعية، تحدث اليوم في مدينة حلب التي تحترق أمام عيوننا منذ شهر ونيف. لسنا أمام شريط سينمائي، وإنما أمام واقع حزين تتسارع أحداثه، وتتوالى شخصياته الحقيقية على شاشاتنا الصغيرة، لا تكاد تلتقط أنفاسها، وهي تواجه أقدارها ومصائرها، وسط الخطر المحدق بها، وهي تحاول إنقاذ نفسها، والهروب نحو المجهول.

مع الأسف، من فرط المبالغة في الاستهلاك الإعلامي لهذه الصور، أصبحت تمر أمامنا مثل شريطٍ سينمائي تتلاحق أحداثه بإيقاع متسارع، لا يسمح لنا بالتقاط الأنفس، والصور التي تلاحقها كاميرات المصورين لا تكاد تستقر لنقل ما يجري من دون أن ترصد لنا بالفعل حقيقة كل ما يقع على أرض الواقع من جرائم لا تصل إليها عدساتها. لذلك، قد لا نعي أبعاد الكارثة حالياً. لكن، سيأتي اليوم الذي ستؤنبنا فيه الأجيال المقبلة على صمتنا الجماعي على دمار حلب وخراب سورية.

لذلك أقول إن في تشبيه جرائم الأسد اليوم بخطيئة نيرون إجحافاً وظلماً كبيراً لنيرون، فحريق روما استغرق خمسة أيام ونصف اليوم فقط، بينما حريق سورية يستمر منذ أكثر من خمس سنوات ونصف السنة. وحريق روما أتى فقط على ثلث المدينة، وأصاب ثلثها الثاني بأضرار بليغة، ونجا الثلث الآخر، فيما حريق سورية أتى على كل مدنها ومازال. وحتى الروايات التي بالغت في تصوير فظاعة نيرون وساديته، وحكت لنا إنه كان ينشد الشعر، أو يعزف القيثارة، وهو يشاهد روما تحترق، لا تستند إلى مراجع تاريخية ذات صدقية كبيرة. فيما لدينا اليوم ما يتبث أن بشار الأسد سعيد بما تحققه قواته من هلاك لأبناء شعبه، ودمار وخراب لبلاده. ألم يصرح أخيراً إن الشعب السوري الذي قتل منه مئات الآلاف، وشرد وهجر منه الملايين "نجح في الحفاظ على وحدته ونسيجه الاجتماعي إلى حد كبير، بل وأصبح أكثر تماسكاً وتحصيناً في هذا الأمر، وهذا يشكل نقطة قوة بالنسبة لسورية" (!). مثل هذا القول لا يمكن أن يصدر إلا عن إنسان ساديٍّ، يتلذذ بمشهد الجثث المتناثرة تحت خراب قصف الطائرات والبراميل المتفجرة.

تقول كتب التاريخ إن نيرون لما علم بحريق روما سارع إلى نجدتها، وفتح قصوره لإيواء النازحين من أهلها، وأنفق من ماله الخاص، لإعادة بنائها، بل حتى كتب التاريخ التي تتهم نيرون بإحراق روما تبرّر ذلك بالقول إن خياله راوده أن يعيد بناء روما، فلجأ إلى إحراقها لإعادة بنائها، وفق تصميم حديث يروق له. فنيرون على الرغم من أنه كان طاغيةً، إلا أن في داخله كان يعيش فناناً مجنوناً، لكن بشار الأسد مجنون يعيش في داخله مجرم سادي قتال وسفاح، كلما دمر جزءاً من بلده وقتل الآلاف من أبناء شعبه وشرد الملايين منهم انتابه شعور بالنصر الذي لا يمكن أن يشعر به إلا مريض.

قال، أخيراً، وزير خارجية بريطانيا، بوريس جونسون، المعروف بتصريحاته الخارجة عن اللياقة الدبلوماسية، إن "انتصارات" الأسد "بلا قيمة"، لأنه "ينتصر" على الأبرياء من شعبه، ولأن "الملايين من شعبه يكرهونه".

كانت نهاية نيرون الطاغية مأساوية، عندما انصرف عنه أصدقاؤه وانفرطت من حوله حاشيته، ووجد نفسه يعيش هارباً في كوخ، بعد أن حول بلاده إلى دمار وخراب كبير. ظل نيرون مختبئاً في كوخه، حتى سمع صوت سنابك الخيل تقترب من مخبئه، فمات منتحراً. هكذا مصير الطغاة، يموتون موت الجبناء. هتلر وموسيليني ومعمر القذافي وغيرهم كثيرون. ولن يختلف مصير الأسد عن مصير من سبقوه من طغاة جبابرة.
مات نيرون منتحراً، ولم تمت روما، وسوف يموت بشار الأسد، وستبقى حلب، ولن تموت سورية. وسنموت نحن أيضاً، وسيبقى عار صمتنا يلاحقنا إلى الأبد.

اقرأ المزيد
١٤ ديسمبر ٢٠١٦
«تصدير معتدلين» لخداع العالم

لم تُغير إيران جوهر سياستها منذ سيطرة «آيات الله» على السلطة عام 1979. حدثت تغيرات من مرحلة إلى أخرى في أساليب هذه السياسة الهادفة إلى مد نفوذ إيران الإقليمي إلى أقصى مدى ممكن. توقفت طهران عن رفع شعار «تصدير الثورة»، لأنها صارت في حاجة إلى تكتيكات جديدة لتغطية تصدير قوات «الحرس الثوري» إلى بلاد عدة في المنطقة. ووجدت غايتها في تكتيك يمكن تسميته «تصدير معتدلين»، أو بالأحرى من يمكن أن يبدو للعالم أنهم معتدلون، بعد السماح لهم بهامش من حرية الحركة لأغراض المناورة. وساعدتها في ذلك وسائل إعلام كثيرة في المنطقة وخارجها نقلت الصورة التي رُسمت في إيران عن وجود متشددين ومعتدلين أو إصلاحيين، وكأنها حقيقية، خصوصاً في فترات الانتخابات.

وها قد مرّ نحو عام على الانتخابات الأخيرة لمجلس الشورى (البرلمان)، ومجلس الخبراء، وتبين أن كل التعليقات والتحليلات التي بشَّرت بصعود من يُطلق عليهم «إصلاحيون» لم تكن لها علاقة بالواقع.

غير أن الأمر لم يكن بحاجة إلى كل هذه الشهور الطويلة لمعرفة أن تركيبة نظام الحكم الإيراني قد تتيح وجود أكثر من تيار على سطحه، لكنها تضع السلطة الفعلية بين يدي مركز قوة واحد يقوده المرشد الأعلى ومؤسسته التي تتضاءل بجوارها أدوار أية مؤسسة أخرى، سواء الرئاسة أو البرلمان أو غيرهما.

وكان هذا هو ما حاول كاتب السطور لفت الانتباه إليه في المقال المنشور في «وجهات نظر» في 16 مارس الماضي تحت عنوان «انتخابات إيران.. الواقع والخيال».

وقد ثبت مرة أخرى خلال الشهور التي مرت منذ ذلك الوقت أن شيئاً لم يتغير، سواء على صعيد سياسة إيران في المنطقة ونظامها السياسي، أو حتى على مستوى سلوكها بعد الاتفاق بشأن برنامجها النووي. ولم يكن إجراء تجارب على صواريخ باليستية، وتصاعد الخطاب الذي يركز على تعزيز الترسانة الهجومية الإيرانية، إلا مؤشرين على أن انتخابات 26 فبراير الماضي لم تُحدث أي تغيير ما دام النظام السياسي قائماً على هيمنة مركز قوة واحد. ويُقنِّن الدستور هذه الهيمنة، فلا يترك لمؤسسة الرئاسة والمؤسسة البرلمانية سوى هامش ضئيل يُستخدم من وقت إلى آخر، لتصدير صورة معينة.

لذلك كان لفوز حسن روحاني الذي يوصف بأنه معتدل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وظيفة محددة ترتبط بالمفاوضات النووية التي كانت مرتقبة عند إجراء تلك الانتخابات في منتصف عام 2013 (بدأت المفاوضات في نوفمبر من العام نفسه). كما كان حصول مجموعات من المصنَّفين معتدلين على مساحة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ضرورياً لكي تكتمل الصورة المرغوب تصديرها إلى العالم في إطار الوظيفة التي يؤديها روحاني وحكومته.

ويخلط كثير من متابعي الشأن الإيراني بين هذه المجموعات المعتدلة المرتبطة عضوياً بالقوى المتشددة التي تُوجِّه سياسات إيران المتطرفة وبين التيار الإصلاحي الذي تم توظيفه من قبل خلال فترتي رئاسة خاتمي (1997 –2005)، ثم أُجهز عليه في انتخابات 2009 الرئاسية التي ما زال مرشحاه الأساسيان فيها رهن الاحتجاز حتى اليوم. ورغم أن ذلك التيار الذي أُجهز عليه لم يكن يجادل في ركائز النظام السياسي الإيراني وسياسته الخارجية، فإنه كان يسعى إلى بعض الإصلاحات الداخلية الثانوية، وإلى تحسين العلاقات مع الدول العربية عموماً، ودول الجوار خصوصاً.

أما المجموعات التي يجري توظيفها الآن فهي لا تطمح إلى أكثر من تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، وإلى إصلاحات اقتصادية تفتح باباً أمام الاستثمارات الأجنبية. والأرجح أن خطاب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، واختياره بعض أصحاب المواقف المتشددة تجاه إيران ضمن فريق إدارته، ثم تجديد الكونغرس العقوبات عليها.. سيؤدي إلى مد أجل دور هذه المجموعات التي تم توظيفها للحصول على الاتفاق النووي. ولذلك يتصدر روحاني الآن المشهد في رد الفعل الإيراني على تجديد العقوبات الأميركية، ويؤدي الدور المطلوب عبر خطاب ينطوي على رسالة ضمنية تُحذر من أن يؤدي أي تشدد أميركي إلى إضعاف مركز «الإصلاحيين» في إيران.

وهكذا فرض فوز ترامب وتجديد العقوبات استمرار الحاجة إلى تكتيك «تصدير معتدلين»، على نحو سيؤثر في الانتخابات الرئاسية في مايو القادم، والأرجح أن يتيح ذلك لروحاني فترة رئاسية ثانية لم تكن متوقعة بعد أن أخذت طهران ما أرادته في الاتفاق حول برنامجها النووي.

اقرأ المزيد
١٤ ديسمبر ٢٠١٦
تدمر في ذمة حلب؟

ليست الغرابة في ان يتمكن تنظيم "داعش" من العودة لاحتلال مدينة تدمر، بعدما كان النظام قد أخرجه منها في آذار الماضي بدعم مكثّف من الطيران الروسي، الغرابة هي في ان يسارع الكرملين الى إلقاء المسؤولية عن عودة الإرهابيين الى تلك المدينة التاريخية على الأميركيين، والأشد غرابة القول إن السبب هو ان الأميركيين لا يتعاونون مع موسكو في محاربة الإرهاب !

الإحساس الروسي بالحرج ليس خافياً، فعندما يذكّرنا دميتري بيسكوف الناطق باسم فلاديمير بوتين بأن "تدمر مدينة سورية، والحديث لا يدور عن فقدان روسيا لتدمر، بل علينا ان نطرح الأسئلة بصيغة صحيحة، ففقدانها ضربة تضرّ بالبشرية المتحضرة برمتها"، فذلك يعني أنه يحاول رفع المسؤولية الروسية عن هذه الخسارة المعيبة!

هي بالفعل عملية معيبة جداً ولأكثر من سبب، اولاً لأن تحرير تدمر من "داعش" في آذار الماضي اعتُبر انتصاراً مهماً وكان يجب ألا تسقط من جديد، وخصوصاً وسط الحديث في هذه الأيام عن انتصارات النظام وحلفائه، وثانياً لأن سقوطها يأتي في وقت يركز الروس والنظام وحلفاؤه على استعادة شرق حلب والبدء بدك مناطق إدلب، وثالثاً وهو الأهم لأن سقوطها مجدداً في يد "داعش"، يشكل ضربة معنوية للنظام ولروسيا في وقت يسجل الأميركيون تقدماً ملحوظاً على الطريق من الباب الى الرقة.

أمام هذا ليس مستغرباً ان تشكل التطورات الميدانية منطلقاً لطرح المقارنة المُحرجة: الروس منهمكون في تدمير حلب والأميركيون منهمكون في السعي لإسقاط الرقة معقل "داعش"، وعلى رغم هذا لا تتردد موسكو في القول إن واشنطن هي المسؤولة عن استيلاء "داعش" على تدمر لأنها لا تتعاون معها!

غريب، لكأن موسكو قبلت يوماً بالتعاون مع واشنطن والتحالف الدولي في الحرب على الإرهاب، وهي التي تركّز كل عملياتها على دعم النظام السوري ولو على جثث المعارضين في حلب وغيرها، وعلى خلفية ما أعلنه بوتين منذ البداية من أن كل معارض للنظام إرهابي!

الفضيحة ان يتمكن "داعش" من العودة الى تدمر، في حين يغرق الروس في تدمير حلب، بينما يندفع الأميركيون في دعم "قوات سوريا الديموقراطية"، وهي تحالف فصائل عربية وكردية، لبدء المرحلة الثانية من حملة "غضب الفرات"، التي يتقدمها جنود أميركيون لطرد "داعش" من معقله الأساسي في الرقة، وهو ما يتّخذ شكل سباق نحو أهداف متناقضة!

لم يكن الروس والنظام في حاجة الى تعاون الأميركيين لطرد "داعش" من تدمر في آذار الماضي، فلماذا الحاجة اليهم الآن على رغم الحديث عن الانتصارات المتتالية في حلب، ثم عندما يوجّه المجتمع الدولي التهم الى الروس بتدمير سوريا على رؤوس أهلها، كيف يتجاسر بيسكوف ويدعو هذا المجتمع الى بذل الجهود لتحرير تدمر؟

اقرأ المزيد
١٤ ديسمبر ٢٠١٦
انتصار الأسد: تبييض الجريمة بتسعير الحرب المذهبية

مهما كانت النتيجة في شرق مدينة حلب، فالثابت أنّ العالم وقف، ولا يزال، متفرجا على أكبر عملية قتل وتدمير طالت مدينة في هذا القرن. يجري تبييض الجريمة بعنوان الإرهاب. هكذا يتحول قتل الأطفال وتشريد أبناء المدينة وتدميرها الممنهج إلى أمرٍ عادي لا يهتز له العالم، فقط بذريعة محاربة الإرهاب.

الانتصار الذي بدأ النظام السوري يتحدث عنه ليس سوى انتصار للجريمة وللاستبداد، وهو أيضا انتصار للمقتلة التي نفذت ضد هذه المدينة بالتعاون بين روسيا وإيران ونظام بشار الأسد، وما بينهما من ميليشيات. والأهم هو التغطية الدولية التي جعلت من جريمة الحرب هذه مجرد قتال عسكري بين جيش وعصابات إرهابية، متعامية عن حجم الإجرام الذي ارتكب بحقّ الشعب السوري طيلة السنوات الماضية، وعن مطالبته بحقوقه الدنيا كشعب وكمواطنين في دولتهم.

التدمير ليس لسوريا فقط، ولا لمدنها ولا لأريافها ولا لنسيجها الاجتماعي فحسب، بل التدمير الأكثر أهمية وأكثر عمقا هو الذي يحاول النظام السوري وحلفاؤه تحقيقه، يطال حق الحياة بحرية. إذ لا يتيح هؤلاء ولا المجتمع الدولي من ورائهم أي مجال لإحداث تغيير سياسي يتيح المجال لإعادة الأمل في بناء سوريا. المطلوب هو تدمير إرادة السوريين وجعل البلد بما تبقى من أهله في حال من الطواعية لكلّ ما يمكن أن يكبّل به من اتفاقيات دولية وإقليمية.

هذا هو الانتصار، ذلك أنّ النظام السوري لو كان يعبّر ولو بحدود بسيطة عن نظام المصالح الوطني السوري، لكان أدرك منذ البداية أنّ الانتصار الحقيقي هو في المحافظة على مقومات الدولة البشرية والمادية، بتقديم بعض التنازلات الحقوقية والسياسية لشعبه، لكن هذا النظام الذي طالما صادر الحريات باسم القضايا الكبرى سواء فلسطين، أو شعار حماية الدولة وحدودها وسيادتها، أثبت أنـّه مستعد لتدمير كل البلد والتنازل عن السيادة، وتقديم كل شيء على مذبح البقاء في السلطة. هذا ما تظهره الوقائع حتى اليوم، القرار الرسمي السوري أصبح في يد روسيا وإيران، فيما الملايين من المهجّرين السوريين ومئات الآلاف من القتلى هم مجرد أرقام تجري عملية تبييض الجريمة التي ارتكبت بحقهم تحت أنظار العالم وبرعاية الأمم المتحدة.

 
الانتصار الذي حققه بشار الأسد هو انتصارٌ لروسيا وإيران، وسيتعيّن على الأسد أن يلتزم أكثر بمقتضيات السياسة التي سيفرضها المنتصران. وما سيزيد من مأزق الأسد وحلفاؤه هو العجز عن توفير الاستقرار لسلطته ونظامه، وما سيزيد من تفاقم الأمور هو أنّ الحرب أخذت أبعادا مذهبية يصعب تجاوزها لا سيما مع بقاء حكم الأقلية العلوية، وهي التي تستمد قوتها من قوة شيعية تمثلها إيران.

هذا الواقع بذاته كفيل بجعل الأزمة مستمرة، وكفيل بجعل حالة الاعتراض متنامية وستأخذ أشكالا مختلفة بعد سقوط حلب. بالتأكيد لن تكون الحرب النظامية، لكنّ أشكالا مختلفة من نمط حرب العصابات أو المزيد من الاغتيالات والتفجيرات ستكون وسيلة من وسائل مواجهة فصائل المعارضة لنظام الأسد.

وإذ تؤكد مصادر غربية أنّ ظاهرة تمدد نفوذ القوى الإسلامية المتشددة ستبرز أكثر فأكثر كلّما بدا أنّ المجتمع الدولي سيحامي عن فكرة بقاء الأسد في السلطة، وسيقدم مشروع المواجهة العسكرية ضد الإرهاب على التسوية السياسية والتأسيس لنظام ديمقراطي، وبالتالي فإنّ الشرخ سيتنامى بين النظام ومعارضيه، وستشكل السمة المذهبية اختصارا للمواجهة في الداخل السوري.

قبل نحو ثلاث سنوات كان الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبعد سقوط الموصل بيد تنظيم داعش، من أوائل الذين أعلنوا أنّ عملية الخلاص من داعش لها بعدان أمني وسياسي ولا يمكن الفصل بينهما، مشيرا إلى أنّ مواجهة هذا التنظيم تتطلب تسوية سياسية داخلية في العراق تكون السبيل لتوفير البديل عن داعش في البيئات التي نجح هذا التنظيم في استغلال حالة القهر داخلها.

لم يقل أوباما في حينها إنّ ذلك يتطلب جهدا دوليا وأميركيا يتجاوز التحليل إلى الممارسة. من هنا تبدو سوريا مثالا لما يمكن أن يصبح عليه الحال في المستقبل كلما تمسكت إيران وروسيا ببقاء النظام. فهذا بحد ذاته سيكون عنصر تفجير دائم في المشهد السوري، وعنصر استثمار دولي وإقليمي، بحيث سيدرك الجميع أنّ الحرب ستستمـر وأنّ الاستنـزاف سيستمر، في غياب أيّ تسـوية سياسية تنطـوي على تغيير سياسي ملموس ومقنع للسوريين. فالحرب على الإرهاب ليست شعارا في نموذج تطبيقاته في العراق وسوريا، ولكنه يشكل مدخلا لبناء استقرار سياسي في هاتين الدولتين، خصوصا وأنّ التطبيقات على الأرض لا تـزال تظهـر أنّ القهـر السياسي مستمر لفئات واسعة من المجتمع، ولم تزل وسائل الحرب المذهبية والطائفية، هي الأداة التي تتحلـق حولها فصائل الحرب، فيمـا يغيب عمليا أيّ مشروع سياسي وطني جامع وقادر على معالجة أسباب القهر تلك التي شكلت، ولا تزال، أرضا خصبة لنشوء جماعات الإرهاب والتطرف.

تسقط حلب الشرقية بالمعنى العسكري لكن عبر سحق كل ما يتصل بقيم الإنسان وحق الحياة وحق التعبير والاعتراض وحق التغيير الديمقراطي. يتمّ ذلك من دون أن يشكل ذلك تحديا للمجتمع الدولي، بل يكافأ نظام الأسد وحلفائه بالمزيد من تشجيعه على ممارسة أبشع الجرائم.

فما فعله هؤلاء طيلة أكثر من خمس سنوات يتناساه العالم اليوم، بل يشجع أكثر على المزيد من التورط في الإجرام والتهجير. أوَ ليس هذا ما رأيناه في سوريا، فكلما أوغل الأسد في القتل والتدمير كلما صار العالم مقرّا بأهمية بقائه ووجوده على رأس النظام.

هذا العالم لم يزل على عهده في بلادنا. هو عالم يحترم من يقتل أكثر من شعوب المنطقة. كانت إسرائيل في زمن مضى، أمّا اليوم فثمة من تفوق بدرجات عليها في القتل والتدمير ويستحق أن يبقى ما دام يحسن قتل الشعوب وقمعها.

اقرأ المزيد
١٤ ديسمبر ٢٠١٦
الثورة تواجه الأسد وحلفاءه في حربي السلاح والاعلام.. إدلب مثالا

تزامناً مع الحرب العسكرية التي تشنها قوات الأسد والميليشيات الشيعية على أحياء مدينة حلب المحاصرة، وبعد معارك طاحنة تكبدت فيها الميليشيات مئات القتلى والخسائر والتي لم تفصح عنها حتى لا تؤثر بشكل سلبي على معنويات عناصرها والطائفة المؤيدة للنظام، كانت الحرب الإعلامية والنفسية أحد أكبر الركائز التي اعتمدت عليها في إدخال الخوف للمدنيين، وخلق حالة من الفوضى الشعبية العارمة بين النفوس ساهمت بانهيارها لحد كبير.


يضاف لذلك تكثيف القصف الجوي والمدفعي والمجازر اليومية على مدار أشهر التي كان لها الأثر الكبير في رغبة المدنيين بالخروج من الأحياء المحررة للنجاة، ومع ذلك صمدت حلب لأشهر طويلة رغم الحصار الخانق ورغم منع أي قافلة مساعدات طبية أو غذائية من الدخول، ومن المعروف أن حرب المدن تختلف بشكل كبير عن حرب الأرض المفتوحة في المناطق الريفية والجبلية، حتى أن حدة الضربات الجوية تكون أخف وأقل تأثيراً عنها كما في المدن المكتظة بالسكان.


ومع تراجع الأوضاع التي وصلت إليها حلب بسبب تخاذل المجتمع الدولي أولاً، وعجز فصائل الثوار خارج حلب عن تقديم أي دعم، بعد فشل معركة فك الحصار الثانية، رغم كل الخسائر التي أمنيت بها قوات الأسد والميليشيات الشيعية في المعارك التي شهدتها منطقة الكاستيلو والملاح وحندرات ومعركة الراموسة التي أرهقت إيران وحزب الله، ومعركة فك الحصار الثانية، بسب عدم توازن القوى وامتلاك قوات الأسد دعم كبير جداً من عشرات الميليشيات الشيعية التي حضرتها لمعركة حلب، هذا بالإضافة مع القصف الروسي والدعم الروسي الكبير جواً وبراً.


بالتزامن مع ذلك ومع بدء المرحلة الأخيرة من معركة حلب المدينة بعد تضييق الحصار بشكل كبير على ما تبقى من أحياء تكتظ بعشرات الألاف من المدنيين ما يجعل المقاومة أمراً مستحيلاً، بدأ الحديث عن المرحلة الثانية للمعركة التي ستقودها إيران وروسيا باتجاه " إدلب" في محاولة لكسب المعركة إعلامياً لا عسكرياً وذلك مستغلين حالة الغضب الشعبي تجاه الفصائل الثورة التي وقفت عاجزة عن نصرة حلب، وسط غيابها عن الساحة واستمرار عمليات التناحر والتشرذم بين الفصائل دون اتخاذ التدابير للمرحلة القادمة والإعداد لها بشكل صحيح.


هذه الحرب النفسية والتي بات الإعلام بوجهييه المؤيد والمعارض يتداوله من شأنها أن تخلق حالة من الانهيار النفسي لدى المدنيين في محافظة إدلب، وبالتالي تحقيق الهدف المراد من التويج الإعلامي لمعركة إدلب، والمساهمة في مساندة العدو في ارهاق السكان والحاضنة الشعبية نفسياً لا عسكرياً، وعليه فإن المرحلة الراهنة تتطلب وعي إعلامي حذر يواجه الترويج المضاد، ويعمل على توعية الشارع الثوري في إدلب، لعدم الانجرار وراء الحملات التي تهدف لإضعافه وارهاقه نفسياً، والسعي لتوحيد الخطاب الجماهيري في مطلب الوحدة، والضغط على الفصائل لذلك بالطرق السلمية المتاحة.


كما تتطلب المرحلة وعي عسكري تام لجميع الفصائل في الساحة بخطورة المرحلة، والعمل على اتخاذ التدابير اللازمة لرفع الحالة المنهارة لدى البعض، والعمل بجدية لإنشاء غرفة عمليات عسكرية موحدة وارسال تطمينات للمدنيين تؤكد وقوفهم في وجه أي تحرك كان، وعدم الاكتفاء بالصمت المطبق، وعدم التعامي عما يخطط له العدو، لأن المعركة طويلة وتحتاج لوعي ثوري عسكري ومدني متوازن.

اقرأ المزيد
١٤ ديسمبر ٢٠١٦
أقرب مما يتخيل أحد .. “إدلب” الهدف القادم و توقعات أمريكية بسقوطها خلال عام !!

ماهي الا لحظات قليلة تلت الانتهاء من معارك مدينة حلب ، حتى بدأ اسم ادلب يلمع في الأفق، و تتوجه الأنظار إليها ضمن خطة تلميع الأسد ومنحه القدرة على اعادة احتلال المناطق المحررة، في اطار استراتيجة استغلال كسب المناطق المحررة الواحدة تلو الأخرى ، بعد بدء العدوان الروسي منذ أيلول ٢٠١٥ و زيادة كبيرة بعدد وأنواع المليشيات الشيعية التي تتدفق إلى سوريا من كل حدب و صوب.

المبعوث الأممي إلى سوريا دي مستورا أعلن بالأمس عن صعود ادلب إلى رأس قائمة الأهداف ، مع وعود بالسعي لعدم حدوث سيناريو مشابه لحلب المدينة ، ولكن هناك توقعات أمريكية أن المساعي لن تؤتي نتيجة ، فالأمر شبه محسوم .

و يعزي الأمريكيين سبب عدم قدرة الفصائل الثورية على الصمود كثيراً في ادلب، يعود إلى الاستراتيجية الخاطئة التي تنتهجها هذه الفصائل، حيث  لا يمكنهم الاستمرار بمحاولة السيطرة على أراض كجيش تقليدي لأنهم ليسوا كذلك، وليس في مقدورهم التصدي للطيران الروسي، وفق للسفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد، الذي طالب الفصائل بإعادة التفكير بإستراتيجيتهم.

و يتوقع فورد أن بعد حلب ، فإن الأسد و حلفاءه سيلاحقون الفصائل في ادلب ، و لن تتمكن الفصائل من وقفهم ، محدداً الوقت لتحقيق أهداف الأسد سيكون خلال عام واحد.

في خضم ذلك، لاتزال إلى الآن الفصائل بمختلف مشاربها، لاتملك رؤية استراتيجية أو حتى آنية لمواجهة ما سيحدث، ورغم اليقين بأن الأمر قادم لامحال إلا أن الخلافات التي تعصف في البيت الداخلي لأغلب الفصائل، ولاسيما الاسلامية منها، يحد من القدرة على التفكير.

وتعاني الفصائل ، وإن كان الأمر يشمل الثورة السورية ككل، من غيابأشخاص قادرين على العمل ضمن خط استراتيجي أو التحضر لأسوء الأمور ، اذ الاعتماد في غالبية التشكيلات على عناصر و كوادر تتمتع بـ”الولاء” الايدلوجي للتنظيم أو التشكيل، دون الاهتمام بـ”الكفاءة”، اذ تم استبعاد آلاف الكفاءات و استبدالها بأصحاب “الولاءات” ولو كانت “كفائتهم” منخفضة حد الاضمحلال.

لم تملك الفصائل في أي مرحلة من مراحلها من سوية استراتيجية معينة، اذ دائماً تكون المراحل تسير وفق “ما يتيسر “ لا تبعاً “لما هو مفروض العمل به”، الأمر الذي يكلف السوريين الكثير و أمور تفوق حد الاحتمال ، كفاتورة بسيطة لعناد مبني على اتباع أعمى لقواعد بالية ، يقوم أساسها على انتهاج أساليب متحجرة ، تعب التاريخ من تكرارها و أثبت عدم كفائتها بالصيغة ذاتها، فـ"تبيئت" القواعد تبعاً للظروف مطلوب، لا تغيير البيئة و المحيط تبعاً للقواعد.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٦
سوق ‬تعرية ‬إيران

في‎ ‬سوق ‬السياسة –‬كما ‬في ‬أي ‬سوقٍ-مواسم ‬للربح ‬ومواسم ‬للخسارة، ‬والمتغيرات ‬المتوالية ‬تقول ‬إن ‬موسم ‬إيران ‬في ‬سوق ‬السياسة ‬يتجه ‬لخسائر ‬متعددة، ‬ويمكن ‬بناء ‬على ‬ذلك ‬رسم ‬استراتيجياتٍ ‬جديدةٍ ‬ومتكاملة ‬تستجيب ‬للتغيرات ‬الدولية ‬وتسعى ‬لتحجيم ‬إيران ‬وإعادتها ‬لوضعها ‬الطبيعي. الاستراتيجيات‎ ‬هي ‬أشبه ‬ما ‬تكون ‬بالكائن ‬الحي، ‬فهي ‬تنمو ‬وتتطوّر، ‬كما ‬تهرم ‬وتمرض، ‬وتموت ‬في ‬بعض ‬الأحيان، ‬وهي ‬فعل ‬دائم ‬التشكل ‬والتطور. يدفع‎ ‬مجموع ‬المعطيات ‬الحالية ‬باتجاه ‬واحد ‬هو ‬التغيير ‬القادم، ‬فسيتم ‬قريباً ‬إعادة ‬رسمٍ ‬للتوازنات ‬الدولية ‬والصراعات ‬الإقليمية، ‬وستخرج ‬عن ‬ذلك ‬آثار ‬وتأثيراتٌ ‬لم ‬يتنبأ ‬بها ‬أحدٌ، ‬ما ‬يعني ‬أن ‬ثمة ‬تشكلات ‬جديدة ‬للاستراتيجيات ‬الدولية ‬والإقليمية.

جزء‎ ‬مهم ‬من ‬بناء ‬الاستراتيجيات ‬يكمن ‬في ‬الفهم ‬والاستيعاب ‬المنظم ‬لما ‬يمكن ‬من ‬العناصر ‬التفصيلية ‬ومن ‬ثم ‬الخروج ‬بنتائج ‬كلية ‬متماسكة ‬وهذا ‬سبيله ‬العلم ‬والمعرفة ‬والإحصاءات ‬والأرقام، ‬ويبنى ‬عليه ‬صلابة ‬الوعي ‬وحدة ‬الرؤية ‬وهو ‬أمر ‬سقفه ‬رفعة ‬الطموح ‬وتعالي ‬الأمل، ‬وهو ‬ما ‬يستخلص ‬منه ‬عماد ‬الأهداف ‬المحددة ‬والغايات ‬المرجوة ‬في ‬الحاضر ‬والواقع ‬لدعم ‬القوة ‬والتأثير ‬والفاعلية.

إن‎ ‬الاستراتيجيات ‬المكتملة ‬العناصر، ‬واعية ‬كانت ‬أم ‬غير ‬واعية، ‬قادرة ‬على ‬تغيير ‬مسار ‬التاريخ، ‬بل ‬هي ‬التي ‬ترسمه ‬سواء ‬كانت ‬من ‬أفراد ‬أو ‬مجموعات ‬أو ‬دول، ‬وأحداث ‬التاريخ ‬خير ‬شاهد ‬على ‬طول ‬الزمان ‬والمكان، ‬يسميها ‬الناجح ‬رؤية ‬ويسميها ‬الفاشل ‬مؤامرة.

عوداً‎ ‬على ‬بدء، ‬فإيران ‬تعيش ‬اليوم ‬لحظة ‬تاريخية ‬تتجه ‬فيها ‬للخسارة ‬بعد ‬أرباحٍ ‬ساعدها ‬عليها ‬غيرها ‬من ‬أميركا ‬إلى ‬روسيا، ‬ويجب ‬لإعادة ‬التوازن ‬في ‬المنطقة ‬أن ‬تعود ‬مرة ‬أخرى ‬لتجرع ‬سم ‬الخسارة، ‬ويمكن ‬فعل ‬ذلك ‬على ‬عدة ‬مستوياتٍ ‬منها: ‬المستوى ‬الدولي، ‬المستوى ‬الإقليمي، ‬المستوى ‬الهوياتي، ‬المستوى ‬الإنساني.

دولياً، ‬فبعد ‬سنوات ‬من ‬محاولات ‬إدارة ‬الرئيس ‬أوباما ‬للتقارب ‬مع ‬إيران، ‬توحي ‬الإدارة ‬الجديدة ‬للرئيس ‬دونالد ‬ترامب ‬بوعي ‬أكبر ‬وفهم ‬أدق ‬للنظام ‬الإيراني، ‬كما ‬توحي ‬التعيينات ‬الجديدة ‬باتجاه ‬نحو ‬مواجهة ‬إيران ‬لا ‬التصالح ‬معها.

إقليمياً، ‬فالأزمة ‬السورية، ‬وفيها ‬شركاء ‬متشاكسون، ‬دولياً ‬وإقليمياً، ‬ولكنها ‬ستتجه ‬لخسائر ‬لإيران، ‬بناء ‬على ‬تفاهماتٍ ‬دوليةٍ ‬وإقليميةٍ ‬سيتم ‬بناؤها ‬قريباً، ‬وهو ‬ما ‬يحاول ‬النظام ‬السوري ‬وإيران ‬وروسيا ‬الانتهاء ‬منه ‬لاستباق ‬الأحداث، ‬ومن ‬هنا ‬تأتي ‬الجرائم ‬الدولية ‬الشرسة ‬بحق ‬حلب.

«هوياتياً»، ‬إيران ‬دولة ‬طائفية ‬بامتياز ‬بحكم ‬دستورها ‬وبحكم ‬سياساتها، ‬وهي ‬تبنت ‬على ‬مراحل ‬نشر ‬الصراعات ‬الطائفية ‬كسلاحٍ ‬سياسيٍ، ‬ورعت ‬كافة ‬أنواع ‬الميليشيات ‬وتحالفات ‬مع ‬الأصوليات ‬الحديثة، ‬ودعمت ‬تنظيمات ‬الإرهاب. ‬وحوّلت ‬بوعي ‬الأقليات ‬التابعة ‬لها ‬إلى ‬أقليات ‬متوحشة ‬في ‬العراق ‬وسوريا ‬ولبنان ‬واليمن، ‬وسعت ‬لاستهداف ‬الأقليات ‬المسالمة ‬وتحويلهم ‬لضحايا، ‬كالأزيديين ‬والمسيحيين ‬وغيرهم.

إنسانياً، ‬فقد ‬كسبت ‬إيران ‬كثيراً ‬عبر ‬تبني ‬الإرهاب، ‬كسبت ‬في ‬العراق ‬ولبنان، ‬وأفغانستان، ‬واليمن ‬وسوريا، ‬وهي ‬تسعى ‬لكسب ‬المزيد ‬عبر ‬خلايا ‬التجسس ‬والإرهاب، ‬وكانت ‬معادلتها ‬الدائمة ‬تقوم ‬على ‬قاعدة «‬الإرهاب ‬يحولك ‬إلى ‬لاعب ‬دولي»‬ وسيكون ‬على ‬داعميها ‬الغربيين ‬من ‬وسائل ‬إعلامية ‬وحقوقية ‬أن ‬يعترفوا ‬بالتضليل ‬الذي ‬اتبعوه ‬في ‬الفترة ‬الماضية.

ومن‎ ‬ضمن ‬ما ‬يمكن ‬فعله ‬العمل ‬إعلامياً ‬وثقافياً ‬وفنياً ‬وغيرها ‬بمعنى ‬استخدام ‬القوة ‬الناعمة ‬في ‬فضح ‬الوجه ‬الحقيقي ‬لقساوة ‬وعنف ‬النظام ‬الإيراني، ‬مع ‬التأكيد ‬الدائم ‬على ‬التفريق ‬بين ‬إيران ‬النظام ‬وإيران ‬الشعب، ‬وكذلك ‬إبراز ‬السياسة ‬التوسعية ‬لإيران.

المرشد ‬الإيراني، ‬هو ‬مرشد ‬أصولي ‬وديكتاتور ‬ينتمي ‬للقرون ‬الوسطى ‬المظلمة، ‬كما ‬أن ‬الحرس ‬الثوري ‬يمثل ‬المنظمة ‬الإرهابية ‬الرسمية ‬للدولة ‬الإيرانية، ‬وما ‬يخصه ‬من ‬استثمارات ‬ضخمة ‬وميليشيات ‬شيعية ‬وتنظيمات ‬أصولية ‬سُنية ‬ك«الإخوان» ‬و«حماس» ‬ونحوهما، ‬وتنظيمات ‬إرهابية ‬سُنية ‬ك«القاعدة» ‬و«داعش» ‬كلها ‬تصب ‬في ‬نشر ‬خلايا ‬الإرهاب ‬والتجسس ‬في ‬دول ‬الخليج ‬كمثال، ‬الكويت ‬وخلية ‬العبدلي، ‬البحرين ‬وعدد ‬من ‬الخلايا، ‬السعودية ‬وآخر ‬الخلايا ‬الخلية ‬التي ‬تم ‬الحكم ‬عليها ‬هذا ‬الأسبوع ‬بأحكام ‬تفاوتت ‬بين ‬القتل ‬والسجن ‬والبراءة.

أخيراً، ‬فإيران ‬عاجزة ‬عن ‬التغيير، ‬بحكم ‬أيديولوجيتها، ‬وبحكم ‬تركيبة ‬نظامها، ‬وبحكم ‬هرم ‬قيادتها، ‬وبحكم ‬تجربتها ‬الرافضة ‬للتغيير.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٦
روسيا وثورة سورية... من تستنزف طاقته أولاً؟

تدمج روسيا في استراتيجيتها الحربية ضد ثوار سورية تجربتين حصلتا في العقدين الأخيرين، وفي إطار ظروف وبيئات تتقاطع مع بعض، وليس كل ما هو حاصل في سورية، وتذهب التقديرات الروسية إلى أن هذا المزيج كفيلٌ بإنهاء الثورة السورية، وإحداث واقع جديد يتطابق مع التصورات الروسية لسيطرتها في المنطقة.

الأولى، تجربة الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وهي التي استنسخها نظام الأسد، وجعلها الأساس لخطته الحربية، بإضافة تطويراتٍ تؤدي إلى تبيئتها في الواقع السوري. حينذاك، كان ينقص هذا الواقع وجود واضح للطرف الإسلامي المنظّم، وهو ما عمد إلى تركيبه في المشهد السوري بشكل عنفي، عبر جملة من التكتيكات الإستخباراتية التي عملت على حافة الحرب المذهبية، وصولاً إلى صناعتها واقعاً حقيقياً. بالنسبة للأسد، تعنيه التجربة الجزائرية من زاوية أنها جعلت العالم يتقبل الرواية الرسمية القائمة على محاربة الإرهاب، وتجاوز حقيقة أن القضية في أساسها اغتيال للديمقراطية، إذ يكفي وضع عنوان محاربة الإسلاميين، ثم تدوين ما شئت من ارتكابات ومجازر تحت هذا العنوان.

بالنسبة لروسيا، ما يهمها في التجربة الجزائرية أن السلطة أخرجت معارضتها من المدن والحواضر إلى الصحراء والأرياف، وهناك جرى التحكّم بهم عبر محاصرة خطوط الإمداد ووضعهم في ساحات مكشوفة، سهّلت من عملية تدمير هياكلهم، وبعثرة جهودهم، وتحويلها إلى مجرد عمليات صغيرة بلا فائدة إستراتيجية.

التجربة الثانية، هي تجربة روسيا نفسها في غروزني (الشيشان)، والتي غدت من التجارب الشهيرة في مجالات قمع الخصوم، عبر استخدام استراتيجية "السجادة المطوية" التي تقوم على تقسيم المدينة إلى مربعات، ثم تدميرها مربعاً بعد الآخر، إلى حين تحقيق الحسم، في مقابل عجز الثوار في غروزني عن التأثير في هذه الاستراتيجية، والسؤال: كيف يمكن مواجهة هذه الاستراتيجية في الواقع السوري، أم إن أوان مواجهتها قد فات؟

في السابق، راهن كثيرون من داعمي الثورة وأركانها على أن روسيا سيكون نفسها قصيراً، وستكون مستعجلة على إحداث تغييراتٍ على سطح الحدث، من أجل تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية في مواجهة منافسيها الدوليين، وأنها لن تحارب كرمى لعيون الأسد. تبدو اليوم هذه الرهانات غير حقيقية، ومن التضليل الاستمرار في نشرها. ولم يعد مجدياً التركيز على البيانات الاقتصادية الروسية المتهاوية، وتراجع التنمية وهبوط سعر صرف الروبل، تلك مؤشراتٌ، على أهميتها، لا تنعكس على موقف روسيا وقوتها في سورية.

في المقابل، راهن ثوار سورية على قدرتهم على امتصاص الصدمة، ومرونة هياكلهم الثورية، وحجم انتشارهم. وفوق ذلك، قوّة الحق الذي تستند إليه قضيتهم ومحفّزات المظلومية التي يقاتلون تحت عنوانها، وقدرة ذلك كله على إنتاج دينامياتٍ ثوريةٍ، تنتصر على أي محاولة لكسرها.

غير أن المعطيات التي كرّستها كل من روسيا وإيران، عبر تغييرٍ ليس فقط معادلات الصراع من خلال الزجّ بقوتيهما إلى أقصى الحدود، بل ومن خلال التغيير المستمر لمسرح الصراع وحيثياته، عبر تأسيس حيثياتٍ لهما على الأرض، سواء على شكل قواعد ومرتكزات عسكرية، مثلما فعلت روسيا، أوعلى شكل إنشاء أهلّة استيطانية في المناطق الاستراتيجية الحاكمة للعاصمة والخواصر الحدودية مع لبنان، وقد ساهم ذلك كله في تدعيم توليد طاقتهما الصراعية، وخفض التكاليف إلى درجة متدنية، بما يجعلهما (روسيا وإيران) قادرتين على تحمل الصراع مدة أطول.

في المقابل، أسهمت إجراءاتهما الحثيثة بنزع طاقة السوريين بدرجةٍ كبيرة على الاحتمال، فقد حطمت الحواضن الاجتماعية، واستنزفت قدرتها على توليد الفعل الثوري، والاستمرار بالصمود، حتى باتت هذه المجتمعات مستعدةً للقبول بتسوية مع النظام، ولو على حساب الثورة.

إذاً، التحدي المطروح اليوم أمام الثورة السورية، كيف يمكن الحفاظ على الطاقة التشعيلية للثورة، وكيف يمكن ابتداع محرّكات جديدة لاستمرارية الثورة، شريطة تحقيق الجدوى وتقليل حجم الاستنزاف، بما يؤدي إلى عكس الأزمة إلى الطرف الآخر.
طالما راهن الثوار على كثافتهم العددية أكثر من رهانهم على أسلوب العمل وطرائقه، وقد استطاع الطرف الآخر إلغاء هذه الميزة من خلال استقطابه آلافاً مقابلة من دول الجوار، أو من خلال استخدام الكثافة النارية التي تضمن تعطيل فاعلية الأعداد وإلحاق الأضرار الكبيرة بها. وبالطبع، من الإجحاف القول إن التكتيكات التي استخدمها الثوار فشلت. هذا جلد للذات غير حقيقي، بدليل أن الثورة استنزفت قوة نظام الأسد، ومن خلفه إيران وحزب الله والمليشيات العراقية، وإنْ لم يكن هذا هدف الثورة، ولا طموحها، بقدر ما كان تحقيق الانتصار على نظام الاستبداد.

تتغير المعطيات اليوم، وتنقلب المعادلات، بما يحتّم على الثوار تغيير الإستراتيجيات، وعلى الثوار أن يوظّفوا معطيات كثرتهم العددية، ومحرّك الحماسة لعدالة قضيتهم في إطار الصياغة الجديدة لاستراتيجياتهم، لا أن يركنوا عليها عناصر وحيدة للنصر.

وعلى الرغم من أن ثمة فوارق بين التجربتين، الجزائرية والشيشانية، والتجربة السورية، وبالتالي، استحالة انطباق نتائجهما على سورية، وخصوصاً لفرق المساحة مقارنة بالشيشان، وحجم التسليح والدعم والعدد، مقارنة بتجربة الجزائر، إلا أن روسيا تحاول ليّ عنق المعطيات وسحبها بهذا الاتجاه، ولا يمكن تغيير الموجة وعكسها إلا من خلال ضخ مزيد من الطاقة في شرايين الثورة، ولعل البداية تكمن في إنهاء تشتت القوى الثورية، وتنظيم الموارد البشرية المقاتلة، وتوجيهها ضمن خطط تعكس رؤية استراتيجية للميدان السوري بكليته.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٦
الثورة باقية ما بقي النظام

مضى على معركة القصير أكثر من ثلاث سنوات، حيث خاض حزب الله بشكل رئيس حرباً ضد قواتٍ معارضةٍ محليةٍ، واستطاع، بعد أكثر من شهر، دخول المدينة الصغيرة، ورفع شعار "ثارات الحسين" فوق مسجدها الرئيسي. كانت الصحافة، بكل أنواعها وتوجهاتها، تطرح تساؤلاتٍ عن نهاية الثورة بشكل مسايرٍ للمعارك الدائرة في شوارع القصير، وتربط بين الاستمرارية ونتائج الحرب، ويوحي بعضها بأن نتيجة المعركة هي نتيجة الثورة النهائية، مع تركيزٍ شديدٍ على ألوان الطيف المذهبية للمعركة.

على الرغم من أهمية المدينة الواقعة على مقربةٍ من عقدة طرق استراتيجية، وملاصقتها الحدود اللبنانية، حيث الوجود المكثف لحزب الله، إلا أنها لم تكن إلا مدينة صغيرة ضمن مدنٍ كثيرة يتطابق وضعها العسكري مع القصير، لكن ربط مصير الثورة بمصير القصير كان مريباً وملحاً حتى صدّقه بعضهم.

بشكلٍ مشابه، أصر الإعلام على متابعة معركة حلب الشرقية، باعتبارها مصيراً نهائياً للثورة، وازداد الزخم الإعلامي على شكل تغريداتٍ وتعليقاتٍ، مع تقدّم قوات النظام في أحياء القاطرجي والصاخور وكرم الشعار، حتى أصبح وقوع حلب تحت مظلة النظام حقيقة واقعة. تعالت النغمة مع نتائج مؤتمر أصدقاء سورية الذي تمخض عنه قبول للمفاوضات "بدون شروط مسبقة"، عبر عنه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، "متعهد" الثورة، وورد على لسان رئيس وفد التفاوض، رياض حجاب. وقد ساد شعور عام بأن نتائج الثورة صارت مجرد ما قد يتركه النظام لوفد التفاوض، هذا إن ترك شيئاً. وأصبحت حلب مركز مواجهة، الغلبة فيها ستكون للأقوى، ومفهوم الأقوى مرتبطٌ بعناصر موضوعية كثيرة، يتعلق غالبها بالتحالفات والاتفاقيات، ومصالح كبرى وصغرى، يتحكّم فيها أطراف ليسوا سوريين بالضرورة. يتعلق هذا المنطق بنتائج حروب مرحلية، وليس له علاقة بنتائج الثورات التي لها سياقات مختلفة، وهدفها إجراء تغيير كلي.

في حلب وفي القصير وفي غيرهما، كان الصراع عسكرياً محضاً، هدفه كسب الأرض، تمهيداً للمعركة التالية. والكتائب المعارضة، ومعظمها إسلامي الطابع والهوية والهدف، تُغرق القطاع الواقع تحت سيطرتها بشعارات الشرعية وحكم الله، أما النظام فيستعيد ما خسره، ويعيد سيرته في تطبيق ما يعرفه من دروس القمع والانتقام، لكنه أيضاً لا يمانع في السيطرة على بقعةٍ فارغةٍ من السكان. هذه السلوكيات العسكرية تجعل مفهوم الحرب الأهلية يطفو على السطح، ويفرض نفسه على وسائل الإعلام، وعلى عقلية الدبلوماسي الغربي الذي يشاهد بمنظارٍ مقرّبٍ، ويعتقد بأنه يساهم بفعالية عند تطبيق عقوباتٍ على هذا الشخص أو ذاك، فيما يدور على الأرض شيء مختلف، يدخل في تركيبته طبيعة النظام ورغبة السوريين وإرث طويل من المعاناة والإقصاء.

بدأت الثورة السورية مع مجموعة أشخاص ثاروا بمظاهرة غاضبة في سوق الحريقة، وجدت مغامراً يصوّرها بأصابع وجلة ومستعجلة، تبعتها سريعاً مظاهرات درعا التي ألهمت جميع المدن السورية، وكان التعبير فيها واضحاً ومباشراً. وعلى الرغم من الطبيعة غير المنظمة للمظاهرات عموماً، ومن ثم إخمادها بشكل نهائي، إلا أن الوعي بما لم يعد مقبولاً كان حاضراً، ولا يزال يحتل العمق والقوة نفسيهما، وهذا لا يرتبط بمعركة ولا بتسليح ولا بدعم دولي، ولا يأبه بفيتو في مجلس الأمن، ولا بإجماع في الجمعية العامة. ولا علاقة للشعور الذي يحمل طبيعةً اجتماعيةً تغييريةً بوجود قوى إسلامية متطرفة وإرهابية، ولا يلغيه توالد شخصياتٍ سياسيةٍ انتهازيةٍ، تستغل الظروف لمصالح شخصية.

الثورة إرادة جماعية عامة، حدثت بشكل قصدي، وتجذّرت طوال سني الحرب، ولعل الوقت الطويل زاد في تعميق جذورها، لأنها لا تقتات على المعارك، ولا على السلاح، ووجودها مربوط بوجود النظام وطبيعته الهمجية، وهي باقية ما بقيا. وخسارة المعارك الجانبية محطات بسيطة تزيد في شحنها. والنظام الذي رفض وجود معارض واحد طوال عقود حكمه وصل إلى مرحلة أوجد فيها نداً أخلاقياً جارفاً، اكتسب عنفاً وقسوةً، ولن يتوقف حتى يراه جثة هامدة.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٦
انتصار الدمار على سورية

اكتظت حلب (وريفها) بمختلف أشكال الجيوش؛ فبعد أن كانت بعض الدول داعمةً للفصائل المقاومة للنظام، فإن موقفها تغيّر، وأصبحت في موقع "الحياد"، وهذا يسري على تركيا ودول أخرى. سهّل الموقف المذكور على إيران بالتحديد ومليشياتها التقدمَ في أحياء حلب الشرقية. انخفضت نسبة مشاركة قوات النظام فيها عن 15 بالمائة، وفق بعض الإحصائيات، والغطاء الجوي الروسي توقّف، أو اقتصر على طلعات محدودة أخيراً. وبالتالي، تنتصر إيران في حلب، وتخسر أميركا وتركيا، وطبعاً الفصائل المقاتلة، وكذلك يتقلص هامش تحرّك النظام؛ بل إن روسيا نفسها تشعر بتخوّفٍ كبيرٍ من التقدّم الميداني للإيرانيين. ومن هنا، نلاحظ الضربات الروسية المستمرّة والمتقطعة للمناطق التي تعدّ مواليةً موالاة كاملة لإيران، كالضربات الموجهة لنبّل والزهراء وسواهما، وكذلك الإنذارات الروسية للنظام، بأن يفعل ما تأمره هي به، ويمكن قراءة دخول "داعش" مجدّداً إلى تدمر رسالةً روسية للنظام كذلك.

سيعني انتصار إيران دعماً لموقف النظام في مواجهة الضغوط الروسية، وكذلك في مواجهة العالم وإجباره على الاعتراف بدوره في المرحلة المقبلة، وهو ما يلحظ في أي نقاشات دولية عن سورية، فبقاء الأسد أصبح لا جدال فيه؛ ولكن ماذا حصل في حلب وبقية المدن السورية.

الانتصار في حلب يعني انتصار الدمار في كل سورية، فقبل ذلك هناك مدينة القصير وقراها، وحمص وريف دمشق الغربي، وهناك بلدات كثيرة، وأخيراً حلب.

من الخطأ، عدم رؤية اللوحة السورية كاملة، فهناك الآن مناطق واسعة في درعا وحمص الشمالية وحماه وإدلب ودير الزور والرقة والبوكمال والمناطق التي فيها وجود كردي كبير، وكلّها خارج النظام، ويتطلب إنهاؤها زمناً طويلاً، وبالتالي، يساوي الانتصار في حلب دماراً وقتلاً، وليس من شيء آخر. يمكن القول إن انتصار حلب سيُدخل إيران لاعباً أساسياً في غرب دمشق وفي الشمال السوري، لكن هذا ليس نهاية المطاف، وإذا كان التخلص من الثورة الهدف الرئيسي للدول الإقليمية والعظمى، فإن الاستقرار السياسي يتطلب أخذ مصالح كل الدول المحيطة بسورية، أو المتدخلة بالشأن السوري. الخلاصة، هنا، أن إيران لن تُسعدَ بدمارِ سورية، وأن تلك الدول سيكون لها حصصها كذلك.

الحرب الإيرانية في حلب هي، في وجهٍ منها، تكملةً للحرب في الموصل بقيادة الحشد الشعبي، وإذ تداعب مخيلة القادة الإيرانيين أنهم أصبحوا مالكين أربع عواصم عربية، ويتوهمون إنشاء قاعدة عسكرية بحرية على الشاطئ السوري، فذلك كله سينتهي بمجرد الوصول إلى الحل السياسي. نقصد أن لروسيا استراتيجية مختلفة في الهيمنة على سورية، ولا يمكن تخيّل وجود احتلالين لدولة واحدة، وكذلك فروسيا اعتمدت على جيوش إيران لإخماد الثورة، ولا سيما أن إيران أقرّت بفشلها في دحر الثورة، وفاوضت الروس للمجيء إلى سورية. روسيا وكي لا تتورّط في حربٍ برية فاشلة، وبالتالي، هناك سياسات أخرى، سيُعمل بها بعد سقوط حلب، أي تحجيم إيران. تساعد في ذلك التسريبات الخاصة بالسياسة الأميركية، والتي ترفض التمدد الإقليمي لإيران في الدول العربية، وإن ليس لصالح تركيا، أو السعودية كذلك، أو أية دولة عربية.

كانت المشكلة الحقيقية هي الثورة بالنسبة للدول المتدخلة، وبتحجيمها بعد كل هذا الدمار والتهجير والقتل والمآسي، فإن الأمور إمّا أن تعود إلى سابق عهدها، أو سيتشكل حكمٌ يُراعى مصالح الأغلبية السورية. ومن دون ذلك، ستندلع حرب عصابات، أو ستظهر مليشيات أكثر تطرّفاً وجهادية. وبالتالي، هناك شروط واقعية يجب تحققها، لإخماد أسباب الثورة، ولمنع اندلاع التطرّف بشكل أوسع، وبطريقةٍ قد تكون حرب العصابات، وهذا يعني تحقّق مقدار معين من المشاركة الشعبية في كل مؤسسات الدولة، وتحجيم إيران بالضرورة، بل ووضع تواقيت زمنية لخروج الروس أنفسهم من سورية.

ساهمت التنظيمات الجهادية في تدمير الثورة وسورية، وإذا كان الإجماع الكوني على أن "داعش" يفرض اجتثاثه، فإن بقية التنظيمات الجهادية لعبت دوراً مركزياً في "واقعية" الحرب ضد تلك الجماعات. وفي الوقت نفسه، تمنع أية دولة إقليمية من الدفاع عنها بشكل علني، وبالتالي، هناك ضرورة سياسية تقع على المعارضة، وهي التبرؤ الكلي من أية جماعات جهادية وسلفية وإسلامية، تتناقض مع أهداف الثورة السورية ومصالح السوريين، ولها أهدافها الفئوية، والتي لا تتطابق مع العصر، وتستقي قوتها من الفوضى العارمة في الثورة السورية، وهي بكل الأحوال أداة سياسية لصالح النظام، وكل الدول المتدخلة في سورية. وقد أكدت تحليلات كثيرة "صناعة" التنظيمات المتطرفة، وبغرض تخريب الثورة، ومنع انتقالها إلى دول عربية أخرى.

بعد دمار حلب، ستكون معركة إدلب، وسيتم تدميرها بحجة جبهة النصرة أو فتح الشام، وكون الأخيرة مشمولة بقراراتٍ دوليةٍ، كقوة إرهابية، وكذلك هناك الرقة ودير الزور، وسيتم إكمال تدميرهما أيضاً؛ يهم مقالي هذا القول: إن التدمير سياسة النظام وحلفائه، بما يخص المناطق الثائرة والخارجة عن النظام. السياسة هذه لن تُخرجَ النظام قوياً، فهو ضعيفٌ وفاقد القدرة، وإيران وروسيا هما اللتان تقودان المعارك والدمار.

يمكن تسمية الخيار الأمني خياراً تدميرياً لسورية؛ وهو ما جرى ويجري. المستقبل السوري إذاً أمام حالتين، ولا شيء أكثر، الذهاب نحو حلّ سياسي يُنصف المناطق المتضرّرة من دمار سورية، وبالتالي ستُراعى مصالح الدول الداعمة للمعارضة، وستضمن بالضرورة تحجيم إيران وسيطرة روسيا على سورية. أو حلّ يتجاهل حقوق الأغلبية الشعبية في سورية، ويستكمل حصار ودمار بقية المناطق أو إجراء مصالحات معها. ولن يشكل هذا الأمر بيئةً آمنةً للاستقرار السياسي، وسيفتح المجال لحروب مستمرة من الجهاديين وغير الجهاديين، وقابلية للتفجر العنفي، حيث ستكون قوات النظام مدعومةً بالقوات الإيرانية، هي المتحكمة أو ستكون مليشيات مرفوضة شعبياً هي المتحكمة.

لن يسمح خيار الدمار هذا لدولٍ كثيرة بتقديم دعمٍ ماليٍّ لإعادة الإعمار، وتأمين حاجات ملايين السكان. ونضيف إن التهجير الذي شمل ملايين السكان لن يؤمن وجود بيئةٍ "نظيفة" اجتماعياً ودينياً، وصامتة عما جرى في سورية؛ فالسوريون عامة سيكونون أمامهم حاجات متعدّدة الأوجه، وهذا ليس في مقدور النظام تأمينه، ولا روسيا ولا إيران. وبالتالي، يتطلب أي استقرار عام في سورية بالضرورة حلاً سياسياً يتجاوز السياستين، الروسية والإيرانية، وسياسة النظام؟ فهل هذا ممكن؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان