وغاب صوت “الحرية” عن حلب …
يختفي مع خروج الثائر الأخير ، الذي تم منذ قليل ، من أرض حلب الشهباء ، صوت “الحرية” الذي ظلّ حاضراً طوال السنوات الأربع و النصف الماضية على هذه المدينة ، لتغيب عن المشهد و تنضم لقائمة المدن المحتلة ، بعد أن تحولت من عاصمة الثقافة و التجارة لمدينة الركام و الدمار ، مدينة المكلومين والجرحى ، صاحبة الرقم الأعلى من المهجرين والمبعدين عن أراضيها.
اليوم في ٢٢ كانون الأول ٢٠١٦ ، تطوي حلب صفحة من تاريخها لتدخل في دهاليز الظلام المتعدد الرايات ، في ممرات المحتلين المتنوعين في الأشكال و المتحدين في المصالح و الأهداف ، والتي تدور حول محور واحد ألا وهو “التدمير” و “التهجير” و من ثم “التغيير”.
دفعت اليوم حلب بعد أربع سنوات ونيف من القتال ، الثمن الأكبر بشرياً و مادياً و اجتماعياً ، اذ بفقدها تختل التوازنات ، وتتيه معها الحسابات ، في قوائم تتبدل تبعاً لتبدل آراء الدول ومصالحها، ولكن هذا التبدل لم يجعل من حياة السوريين إلا أكثر بؤساً و أفدح خسارة .
بين صيف ٢٠١٢ و شتاء ٢٠١٦ ، صنعت حلب تاريخها الثوري بكل تفاصيله، رونقه وبياضه وصفاءه و ارثه الغني ، وشهدت سواده ومسالبه و أخطاءه القاتلة ، شهدت ولادة “متعسرة” للثورة و انتهاء أشد “عسرة” ، فضحّت في الولادة والوأد بما لايحتمله أي مدينة ، حملت في طياتها مئات الآلاف من الأبناء ، إلى جانبهم عشرات الآلاف من القبور و أسّرة الجرحى و كراسي المقعدين.
بين الصيف و الشتاء كان الأمل يتنقل بربيعه و خريفه ، وكانت الأمور تتطور لتلامس الحلم الكامل ، وتخبو حد اليأس بأن لا امكان للحياة .
حلب اليوم بعيدة عن الحرية ، بُعداً شديداً ، مغلقة على ذاتها في قوقعة يعتليها “عمامة” ذات شكل اسلامي ، تخفي حقد عمره أكثر من ألف عام ، بين كسر الفرس و زراعة الحقد الطائفي ، فهي النموذج لحجم “الغل” على العرب و المسلمين ، عبر مر السنين.
حلب هي أكثر من خُذل من قبل الجميع ، طعنت من الداخل عشرات المرات و من الخارج آلاف المرات ، شهدت أشنع الصفقات الدولية و أكثرها فجاجة ، لينتهي صوت “الحرية” مؤقتاً وسط طغيان طبول الأهازيج من شقها الثاني (المحتل ) ، هو طغيان مؤقت لادوام فيه ، فالباطل لايدوم و قد تكون العودة أقرب أو أفضل في القريب .