مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٠ ديسمبر ٢٠١٦
سوريا بين الانتداب الروسي والنفوذ الإيراني

تجسد الخواتيم المأساوية لمعركة حلب أبشع مظاهر الفوضى التدميرية التي تجتاح العالم العربي، وتبرهن على أهمية القوة الجوية الروسية والقوات البرية التي تقودها إيران في فرض الوقائع الجديدة في سوريا إبان الوقت الضائع الأميركي.

وإذا كانت المواجهة العسكرية الدائرة تكشف، بما لا يقبل الشك، عن فعالية التنسيق بين روسيا وإيران، يتوجب الاستدراك أن تجارب التاريخ علمتنا صعوبة التعايش بين قوتين محتلتين على أرض واحدة، وفي حالتنا هذه إن لجهة تصور مستقبل سوريا ودور منظومة الأسد، وإن لناحية الحسابات الإستراتيجية والإقليمية للطرفين. ولذا لن يشكل إسقاط حلب إلا فصلاً من فصول أول نزاع إقليمي-عالمي متعدد الأقطاب، وأن مصير المشرق يبقى معلقاً على نتائج صراع مفتوح على أكثر من مسرح.

يزهو النظام السوري بقتل الإنسانية ونفيها في حلب وسواها، وفي استكمال تدمير المدن والدساكر وتغيير الديموغرافيا السورية.

في تصريح حديث له أقر بشار الأسد بأن النسيج الاجتماعي السوري اليوم ملائم تماما وذلك بعد اقتلاع وتهجير طالا أساساً المكون السني الأكثري، وسبق لبعض رموز النظام أن هددوا الحراك الثوري في العام 2011 بإعادة التركيبة السكانية في البلاد إلى ما كانت عليه عندما تسلمها حافظ الأسد أي حوالي 8 ملايين نسمة. وقبل استتباب الأمور له يستعجل النظام، مع شركائه، إحكام القبضة على لبنان ومنع العهد الجديد من الانطلاق قبل تطويعه. لكن هذه العجلة وهذا التمظهر الإعلامي لا يمكن أن يحجبا الواقع الفعلي الميداني والسياسي إذ أن النظام استمر ويستمر بفضل الانخراط الروسي-الإيراني الكثيف إلى جانبه، وقبل ذلك بفضل التغاضي الإسرائيلي والأميركي إضافة إلى العجز العربي والإسلامي والضعف الأوروبي. أما سوريا (قلب العروبة النابض حسب توصيفات النظام سابقا ونوستالجيي البعث والقومجيين، وسوريا الأموية حسب توصيفات أيديولوجية تاريخية) فقد تفككت إلى مناطق نفوذ حتى إشعار آخر، والنظام وقع ببساطة صك التسليم بالانتداب الروسي، وهو الخاضع عن قناعة لوصاية ونفوذ إيران.

قبل تسلم إدارة دونالد ترامب في الشهر القادم وبلورة سياسة سورية جديدة لواشنطن، وعلى ضوء مراقبة التقاطعات الروسية مع إسرائيل من جهة، ومع تركيا من جهة أخرى، يمكن التساؤل حول مآلات العلاقة الروسية-الإيرانية التي لا ترقى إلى مصاف الحلف الإستراتيجي، لكنها تتميز بمستوى متقدم من التنسيق تحت سقف لعبة المصالح المتبادلة. وكانت الساحة السورية مختبر العمل بين الجانبين وذلك لحاجة مزدوجة:

- حرص الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ديمومة النظام السوري الذي يعتبر الجوهرة على تاج مشروعها الإمبراطوري، والذي حول سوريا إلى جسر إيران نحو البحر الأبيض المتوسط.

- تمسك الاتحاد الروسي بآخر نقطة ارتكاز في العالم العربي، إذ تتجاوز المسألة الدفاع عن النظام السوري إلى أهمية دور سوريا الجيوسياسي لناحية الوصول إلى المياه الدافئة وحروب مصادر وممرات الطاقة، بالإضافة إلى استخدام الورقة السورية في العودة بقوة إلى الساحة الدولية.

هكذا تركز التفاهم بين موسكو وطهران تحت عين إدارة أوباما المتجاهلة، ومنذ صيف 2015 تحول سلاح الجو الروسي ليكون الغطاء للقوات البرية التي تتحرك تحت إشراف إيران وغرف عملياتها من البيت الزجاجي بالقرب من دمشق، إلى ثكنة السيدة رقية (مركز البحوث سابقا جنوب حلب بالقرب من معامل الدفاع في السفيرة). ولوحظ وجود تقاسم للنفوذ والعمل على الأرض إذ تركز روسيا على استكمال بناء جزيرتها (روسيا الجديدة أو أبخازيا السورية) على ساحل المتوسط في غرب سوريا.

بعد التوقيع على صك تسليم قاعدة حميميم الجوية لمدة 99 عاماً، يجري العمل على ترتيب نفس العقد لقاعدة طرطوس البحرية، عبر الاتفاق الموقع بين فلاديمير بوتين وبشار الأسد في أغسطس 2015 والقاضي بإبقاء القوات الروسية حتى إشعار آخر ومن دون أي مسؤوليات جنائية. إنه الانتداب الروسي بغير قناع مع الحصانات المكتسبة والأراضي والمياه وعقود الطاقة المنتظرة وغيرها من المكاسب. أما مناطق النفوذ الإيراني فتمتد من دمشق وجنوبها حتى الحدود مع لبنان (الممر نحو حزب الله) وتصل إلى حلب نظرا لأهمية موقع المحافظة الإستراتيجي والاقتصادي، وهناك عامل تبريري لحشد الحرس الثوري الإيراني ميليشياته وقيادته لميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية، يتصل باعتبارهم محافظة حلب محافظة شيعية بعد أن حكمها الحمدانيون في القرن العاشر ولذلك يسعون لإعادة السيطرة عليها.

من خلال تصريح أحد الجنرالات الإيرانيين عن الرغبة في إقامة قاعدة بحرية في سوريا، يتبين إمكان تزايد عدم الثقة بين الشريكين على المدى المتوسط، لأن روسيا التي لا تريد تحول سوريا إلى مستنقع يمكن أن تكتفي بما يسمى “سوريا المفيدة”، وأن تعمل لاحقا مع تركيا والأكراد وربما تدفع إلى دور مصري من أجل تركيب حل في سوريا يحفظ مصالحها ووجودها، ومسألة بقاء أو عدم بقاء الأسد ستتصل بالتوازنات المستقبلية والمساومات الممكنة. في المقابل، تخشى إيران غلبة الدور الروسي وتهميش دورها على المدى المتوسط، ولذا تركز على الإمساك بالحلقة الأولى وبالقيادات الميدانية العاملة على الأرض، ويخشى بعض أنصارها ترحيب العلويين بالوجود الروسي.

على المدى القريب سيكون هناك الكثير من الأعباء على العلاقة التنسيقية الروسية-الإيرانية مع دخول تركيا على خط العلاقة مع موسكو للدفاع عما تعتبره مصالحها وأمنها القومي في الشمال السوري، ونتيجة احتمال تدخل إسرائيلي في المناطق حول دمشق وجنوبها تحت ستار منع إدخال أسلحة إلى حزب الله الذي يحتاج إلى مد أكثر انتظاماً من المد الجوي بعد مشاركاته الكثيفة في الميدان السوري منذ العام 2012. وهكذا يمثل النظام السوري دور الناطور أو شاهد الزور في لعبة دمرت سوريا وجعلتها ساحة حروب وتقاطعات الآخرين.

اقرأ المزيد
١٠ ديسمبر ٢٠١٦
عندما يلقي رأس النظام خطاب «النصر» في حلب

للمرة الخامسة منذ ٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١ وحتى يوم الإثنين الماضي ٥ كانون الأول (ديسمبر) ترتفع أيدي سفيري روسيا والصين معاً معلنين تضامنهما الكامل ليس مع النظام السوري وإنما مع استمرار حرب الإبادة الوحشية التي تشنّ على السوريين عموماً، وفي حلب على وجه الخصوص، تحت غطاء سلاح الطيران الروسي، والميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية، التي تعتبر بمثابة أذرع إقليمية لإيران، و «الحرس الثوري» الإيراني.

لا جديد يقدمه العالم عبر هيئته الدولية (مجلس الأمن)، اللهم إلا مشهد العجز أمام الفيتو السادس لروسيا، مع بعض الخطابات التي تحاول تلوين البؤس بالحزن، وخذلان السوريين في عالم تحكمه دول خمس كبرى، في عالم تعيش غالبيته كأتباع ومستضعفين، لا يستطيعون القيام بأي شيء لوقف سيلان الدم في ثاني مدن سورية، التي تعتبر واحدة من أهم حواضر العالم الثقافية والتاريخية.

وبينما تمضي حلب إلى مصيرها المأسوي والكارثي تحت وابل البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والارتجاجية، التي تحمل توقيع النظام ومسانديه الروس والإيرانيين، تفتح أيضاً صدرها على الضفة المقابلة لرصاص المتقاتلين من فصائل محسوبة على الثورة أو تلبس عباءتها أو هي خنجر في صدرها تماماً كـ «القاعدة» وأخواتها.

وبين أنهار الدم المسفوك في حرب شبه عالمية على الشعب السوري، هناك في حلب يستعد رئيس النظام لخطاب «النصر» خاصّته مستحضراً فيه ما يعتبره بطولته في تدمير حلب، التي احتفي بها كـ «عاصمة الثقافة الإسلامية» عام 2006، سابغاً اللون الأسود عليها، ليمد هو تحت قدميه بساطاً أحمر منسوجاً بدم ولحم جنود جيشه الذين أرسلهم إلى أمهاتهم بأكياس، من أجل ما يعتبر أنها سوريته التي وعد بها جيشه قبل معارضيه برفعه شعار: «سورية الأسد أو نحرق البلد».

المشاركة بحفل «الانتصار» هذا على ما يبدو ليست روسية أو إيرانية فحسب، بل أميركية أيضاً، إذ أضحى المسؤولون الأميركيون يمنحون هدايا الطمأنينة لرأس النظام، من وقت إلى آخر بعد كل هذا الدمار، حيث «العملية السياسية مستمرة والأسد جزء منها»، وفق الوزير جون كيري، علماً أن هذه العملية ليست حديثة الولادة، فهي العملية ذاتها التي أطلقت في جنيف عام ٢٠١٢، أي يوم كان عدد ضحايا هذه الحرب المجنونة أقل من خُمس الأرقام التي صدرتها الأمم المتحدة هذا العام، أي كانت أقل من نحو ثمانين ألف ضحية، بينما باتت اليوم تزيد على أربعمئة ألف ضحية حرب.

وللتأكد من هول ما يحدث في الكارثة السورية يمكن عرض بعض ما ذكرته هذه التقارير، إذ ثمة ما يقرب من ثمانية ملايين سوري يعانون من إعاقة جسدية، ونحو ثلاثة ملايين طفل سوري تحت سن الخامسة أفاقوا على الحياة في ظل الصراع المسلح، و7 ملايين طفل فقير، وما يزيد على مليون طفل محرومين من التعليم. كما تم تدمير نحو ثلث مدارس سورية بالقصف كلياً أو جزئياً، وزاد على ذلك تدمير كل مدارس حلب الشرقية أيضاً خلال الشهر الماضي. وهناك 13 مليون إنسان بحاجة الى المساعدات بينهم 5 ملايين و800 ألف من الأطفال. أيضاً، يوجد أكثر من مليون شخص تحت الحصار، و3 ملايين و900 ألف شخص يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، وما يزيد على 6 ملايين شخص اضطروا لترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى داخل سورية. وما يقارب نصف الشعب السوري تركوا منازلهم في البلاد (نزوح ولجوء) منذ ربيع 2011، وغير ذلك من أرقام مرعبة عن نسبة الفقراء في سورية التي تجاوزت 80 في المئة.

نعم، نحن إزاء العملية السياسية المجحفة ذاتها، لكن بشروط أكثر إجحافاً هذه المرة عما كان الحديث يجري عنه في «جنيف-1»، إذ استبدلت «هيئة الحكم الانتقالي» الكاملة الصلاحيات بـ «حكومة مشاركة» بين النظام والمعارضة، وبالحديث عن صلاحيات بالتفويض يمنحها رأس النظام لهذه الحكومة التمثيلية، أي لم يعد الحديث عن رحيل الأسد وأزلامه بمثابة عادة أميركية للمسؤولين، كما كان سابقاً، بدءاً من الرئيس أوباما مروراً بوزراء خارجيته المتعاقبين، بل هو الآن حديث صريح عن أن الأسد جزء من عملية سياسية. بل إن أوروبا باتت تروج لشكل جديد للحكم، سعياً الى تقليص بعض صلاحيات الرئيس (نظام برلماني)، في حين تعمل بعض الديبلوماسية العربية والغربية على ترويج مشروع استفتاء على مصير الأسد، وهذا الأخير لم يترك المشروع على رغم رفضه له، يمر إلى سلة مهملاته. على عكس ذلك تماماً فقد أخذ سيناريو احتمالات قيامه على محمل الجد، وبدأ بخطة ترويجية له لا تستهدف هذه المرة المؤيدين، بل تستهدف مباشرة ضحاياه في بلاد اللجوء الذين أرغمهم بسياساته على ترك مدنهم والتشرد بحثاً عن وطن بديل. وهكذا يعمل النظام اليوم على مصالحات تقوم بها لجان متخصصة في بلاد اللجوء السوري، سعياً منه ليس فقط لاحتواء الحاضنة الشعبية، بل لتحويلها إلى إحدى نقاط القوة التي يرتكز عليها، فيما لو كان القرار الدولي بالذهاب فعلياً إلى عملية الاستفتاء على مصير الأسد.

نعم، العملية السياسية هي الحل، عندما كانت ضحايا الحرب تقدر بعشرات الآلاف، وعندما أصبحت بمئات الآلاف، وعندما أغلق عداد الأمم المتحدة على ٤٠٠ ألف، متجاهلة أكثر من عشرين ألفاً من ضحايا مجازر الحرب في حلب فقط خلال الأشهر القليلة الماضية، وستكون العملية السياسية بشروط أقل انسانية أيضاً عندما يتجاوز رقم الضحايا المليون، أو تتضاعف كل هذه الأرقام.

بانتظار أن تأتي تلك العملية السياسية، وقد تأتي بثوب أحمر أكثر حتى حدود المليون، وقد لا تأتي، فإن إلقاء خطاب «النصر»، بالنسبة الى رأس النظام، بين أبنية مهدمة تحيط بها شوارع اجتاحتها رياح الموت والدمار الهستيري، قد يبدو أكثر جذباً له من أي حديث عن عملية سياسية.

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٦
تهديد المعارضة المعتدلة

أكدت تصريحات لافروف الأخيرة أن هدف التدخل الروسي في سورية هو الحفاظ على بقاء الأسد رئيساً وتدمير المعارضة المعتدلة، وأن شعار مكافحة الإرهاب هو مجرد ذريعة للتدخل، وهذا ما كنا نردده وروسيا تنفيه وتزعم أنها باحثة عن حل سياسي. وكان العالم كله يواجه روسيا بحقيقة كون هجماتها على الإرهابيين تعادل 3% من مجمل الهجمات، بينما ينصب 97% على غيرهم، ومراجعة أسماء الضحايا وأعمارهم وجنسهم تكشف هذه الحقيقة التي لا تستطيع روسيا إخفاءها، ولا سيما بعد استهداف قوافل مساعدات أممية والمشافي والأفران وأدان العالم ذلك.

وكانت شخصيات عديدة من المعارضة السورية قد زارت موسكو وأجرت حوارات مكثفة مع المسؤولين الروس لتصويب الموقف، وتذكيرها بأن المصالح لا تحققها حكومة ضعيفة يثور عليها شعبها، وإنما يضمنها الشعب ذاته، وأوضحت أن أي اتفاقات لا يوافق عليها الشعب لا مستقبل لها. وأكد المحاورون أن الشعب السوري كان حريصاً على استمرار الصداقة بينه وبين الشعب الروسي، ولا مانع من تحقيق مصالح متبادلة، وقد فوجئ شعبنا بمواقف أبداها سياسيون روس، قال أحدهم أكثر من مرة إنه لن يسمح لأهل السنة بأن يصلوا إلى الحكم في سورية، في الوقت الذي تتحالف فيه روسيا مع كل أصناف جيوش الشيعة وميليشياتهم، وهي تدرك أنه لا فارقَ حقيقيٌ بين خطاب حسن نصرالله وبين خطاب البغدادي، فكلاهما يزعم أنه يحارب في سبيل الله، وكلاهما متطرف، ويرتكبان جرائم مروعة ضد الإنسانية.

ولقد صاغت موسكو بيان جنيف وبنود القرار الأممي 2245 وكان عجيباً أن ترفضه وتقف ضد جوهره فيما أسمته هي «الانتقال السياسي» وأن تطلب بأن يحدث هذا الانتقال بقيادة الأسد نفسه، وهي التي صرحت عدة مرات بأنها غير معنية بالأسد، وإنما هي معنية بمكافحة الإرهاب، وبالمشاركة الدولية في وضع حل سياسي للقضية السورية.

ولقد مر عام ونحو ثلاثة أشهر على التدخل الروسي المباشر في سورية، وكان الرئيس بوتين قد أعلن خلاله الانسحاب ولكنه نسي إعلانه وعاد بقوة عسكرية جبارة، وقد زادت روسيا عدد قواعدها العسكرية وزودتها بصواريخ وأساطيل وحصلت على موافقة «الدوما» بالبقاء في سورية. وصعّدت خاصة في حلب وإدلب في هذه الفترة التي تسبق وصول ترامب إلى السلطة. والواضح أنها تريد تمكين النظام من السيطرة على كل المواقع التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، وأن تقضي على البقية الباقية من تنظيمات الجيش الحر، كي تجعل الوضع قبيل وصول ترامب أمراً واقعاً، ولا يكون في ساحة الصراع غير النظام وقبالته «داعش» التي أكد ترامب تصميمه على إنهائها، على أمل أن يتعاون مع الأسد في الحرب على الإرهاب.

ويأتي إصرار روسيا على بقاء الأسد عبر انتخابات مقبلة للرئاسة تمويهاً لما تعرف نتائجه، فهي تدرك أن المعارضة مهما التأم شملها لن تتفق على مرشح واحد، بينما سيلتزم كل مؤيدي النظام على التصويت له وحده من دون منافس جاد.

وقد كان المشهد الأخير في إعلان روسيا «الفيتو» السادس ورفضها القبول بهدنة سبعة أيام تسمح بدخول المساعدات إلى حلب موقفاً أثار غضب أعضاء مجلس الأمن عدا الصين التي ربما تكون أرادت توجيه رسالة خاصة إلى الموقف الأميركي الذي كان داعماً للهدنة وهذا أضعف الإيمان لديه، أمام هول ما يحدث في حلب من جرائم وحشية ضد المدنيين الذين فر كثير منهم عبر ما سمي ممرات آمنة فلاحقتهم نيران النظام وقتلت نحو 500 شخص منهم، وقامت بتصفية آخرين ممن هم دون الأربعين من العمر ميدانياً.

لقد أغلقت روسيا على المعارضة المعتدلة والمعادية للتطرف والإرهاب كل نوافذ الحل السياسي، ولم تأبه بكل المناشدات الدولية لوقف القتال ولحماية المدنيين، وهي تصر على الحسم العسكري حتى وإن كانت النهاية أن يصير الأسد رئيس جمهورية المقابر.

لكن الموتى سينهضون عبر أبنائهم وأحفادهم، ولن يقهر الشعب السوري، ما دامت بعض قوى الإرهاب المنظم تضعه في زاوية القتل والتدمير فلا يجد مهرباً من الموت سوى أن يسعى إليه، مصراً على تحقيق حريته وكرامته وبناء دولته الديمقراطية مهما طال الزمن.

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٦
العمال الكوردستاني و أفرعه آخر من يحق لها الحديث عن ( التدخل في شؤون الأجزاء الأخرى ) !

حقاً المستبدون طبعاً و طباعاً يرون لهم الحق في كل شيء و لا يمنحون أي حق لغيرهم في شيء سوى الصمت على أفعالهم و تقبلها .
الحزب الذي يترك حرمة لأي جزء كوردستاني من الأجزاء الثلاث الأخرى ، و  تدخل فيها بكامل إرادته و رغماً عن أحزابها الرافضة ،  معتبراً أنها- أي كوردستان -  واحدة موحدة و هي ملك لكل الكورد لا يحق لأحد منعهم في التحرك فيها و التصرف ، منذ تأسيسه الأول ، و وضع قواعده الأولى على جثة غربي كوردستان و شعبها باتفاق مع الأسد الأب  منذ بداية ثمانيات القرن الماضي و خطف و قتل و هدد أحزابه و مناضليه ، بدأ يتحدث  - عبر فرعه ب ي د - عن موضوع التدخل في الشؤون الداخلية لغربي كوردستان من قبل قيادة إقليم جنوبي كوردستان و يعتبره هذا التدخل مرفوضاً و غير منطقي و فتنة !؟
الحزب الذي بنى قواعده العسكرية  في جنوبي كوردستان وجر الجيش التركي إليها لعقدين تدميراً و قصفاً و لا تزل 600 قرية مهجرة بسبب تدخله ، بل و ربما تناسى حكومة بوطان- بهدينان التي أعلنها في بداية التسعينات بعد تشكيل حكومة إقليم كوردستان و انتخاب برلمانه من الشعب ، معتبراً بهدينان(جنوبي كوردستان ) و بوطان (شمالي كوردستان) تحت إدارته ، متحدياً كل النداءات و المطالبات بمراعات الظروف الموضوعية و الذاتية لكل جزء و الأوضاع الإقليمية و الدولية أيام الحرب الباردة و لا منطقية مطلبه توحيد و تحرير كوردستان ، بات الآن ينتقد تدخلات الآخرين في شؤون غربي كوردستان التي باتت تحت سلطته اللاشرعية المفروضة بقوة السلاح و التنسيق مع المحتل الأسدي الذي لا يزال يجثم في قامشلو قلب هذا الجزء الكوردستاني على بعد أمتار من مقراته ، بل و يهان الكوردي و مقدساته و رموزه و يزج به في السجون و يهجّر و ينفى خارج أرضه مطالباً الحركة القومية الكوردستانية بالتقبل و الرضا عن أفعاله !!
العمال الكوردستاني الذي ترك هدف توحيد و تحرير و استقلال كوردستان الكبرى بل و استقلال شمالي كوردستان وحدها ، و غيّر استراتيجيته  بعد اعتقل زعيمه ليطالب بالأمة الديمقراطية و وحدة تراب و دمقراطة البلدان الأربعة المقتسمة لكوردستان و بالحفاظ على سايكس بيكو ، لا يزال في شنكال يعبث  و يؤسس قوات و يرفض قرارات إقليم كوردستان و يسعى لنزعها عنه و ضمها للعراقي العربي ، و في شرقي كوردستان يتعاون مع ملالي الإعدامات الإيرانيين ضد انتفاضة شعبنا الكوردي  و ثورته هناك ، فرعه في غربي كوردستان حزب الإتحاد الديمقراطي يسمي رفض الرئيس بارزاني و تنديده بحرق العلم الكوردي فتنة و تدخلاً مناقضاً نفسه في الوقت عينه حين يدعي هذا الحزب أن العلم هو للإقليم و ليس علم كل الكورد !؟
أما أن الحزب لم يحرض و لم يهن هذا العلم فهو موضوع آخر يعرفه القاصي و الداني في غربي كوردستان حيث  لعشرات المرات من عفرين إلى ديرك جرت إهانة العلم على أيادي كوادر العمال الكوردستاني و مسلحي الاتحاد الديمقراطي و انا بنفسي شاهد على واحدة منها في أواخر 2012 حيث اعتقلت و معي رفاق ثلاث و معنا 100 علم كوردستاني ، شتمها و أهانها رئيس مخفر كِرَصور - بمنطقة الكوجرات - المدعو معصوم كادر ب ك ك ، و أنا عضو أمانة  المجلس الوطني الكوردي و قادم من هولير حيث اجتماعات الهيئة الكوردية العليا بين مجلسنا و مجلس شعبهم لغربي كوردستان دون مراعاة و احترام لدماء مئات آلاف الشهداء الذين يمثلهم هذا العلم .
و حول إهانة العلم الكوردي من قبل كتائب إسلامية في سريكانيه و موقف الرئيس بارزاني يبدو أن منسقية ب ي د تتغافل عن الدعم الذي قدمه لهم الرئيس بارزاني بالسلاح أولاً و رفضهم لقتالنا إلى جانبهم تحت راية كوردستان بل و الاعتداء على رفاقنا الذين حاربوا تلك الكتائب إلى جانبهم أياماً صعاب  ، غدراً و غيلة و نكراناً للجميل كعادتهم .
أخيراً حزب العمال الكوردستاني و منظومته منظومة المجتمع الكوردستاني باتتا في وضع لا يحسدان عليه من الإرتباك و التخبط بين البعدين الوطني و القومي ، بين الأمة الكوردية و الأمة الديمقراطية الشرق أوسطية ، بين كوردستان الواحدة و رفض الدولة الكوردية .

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٦
الوضع السوري في انتظار ترامب

إذا نظرنا إلى ظاهرة ترامب في سياق جملة التحوّلات الكبرى التي شهدها العالم، ربما وصلنا إلى أحكام أقل حدة من الأحكام التي صدرت حتى الآن بسبب مقاومتها للشعبوية وتمسكها بالديموقراطية في شكلها الأمثل.

فهذه الظاهرة تنامت في أجواء انهيارات الأنظمة الاشتراكية، وتغوّل النزعة الاستهلاكية، واتساع الهوة بين التطور في ميادين العلوم الطبيعية وما يجرى في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وشمولية العولمة بأبعادها المختلفة، واستفحال أخطار التطرّف الإسلاموي في نسخه الجهادية.

وتُضاف عوامل أخرى منها: ترهّل الأنظمة الديموقراطية الغربية، وغياب الزعامات الكاريزمية التي كانت تنطلق من كونها صاحبة رسالة، إلى جانب تشكّل نخب بيروقراطية مهيمنة لم تكن يوماً بعيدة عن الفساد، وأخرى باتت ممارسة السياسة عندها جزءاً من الإرث الأسري، أو صيغة من العمل الشللي المصلحي.

وبتفاعل كل ذلك، تأتي الترامبية لتجسّد مرحلة التحوّل الكبير لعصرنا على صعيد القيم والمبادئ، وأساليب العمل والتعامل والتداخل، وطنياً وكونياً. ولهذا، نرى أن اعتبار الترامبية كارثة ستعقبها كوارث في بلدان أخرى لا يستقيم وطبيعة الواقع المعاش. ففي النهاية نحن أمام وضعيات مشخّصة تتحكّم فيها آليات جديدة ربما لم نألفها بعد، أو أنها تتناقض مع تلك التي اعتقدنا أنها النموذج والمثال. وضعيات سيتمكّن من يمتلك القدرة على التكيّف الفاعل معها من الاستمرار، والتحوّل إلى جزء من منظومتها. أما من يعجز فسيلتحف بالحنين المضمّخ بالمشاعر إلى الزمن الجميل الذي لم يكن، ولن يكون.

فهو واقع نعيشه بآماله وآلامه، بإخفاقاته ونجاحاته، يلزمنا بالمتابعة والقدرة على التفاعل، إذا كنا نريد دوراً مؤثراً يوقف المزيد من التراجع والانهيارات.

لكن الترامبية بكل ما أُحيط بها من توجّس أو ترحيب، وما قيل حولها، لن تكون الظاهرة السحرية التي تعيد تكوين العالم، وتلوّنه وفق الأمزجة الخاصة بهذه الفئة أو تلك. فهي ظاهرة اجتماعية- اقتصادية وسياسية ملزمة بأخذ الحسابات والمصالح في اعتبارها، أي أنها ملزمة بإعادة النظر في تقويم أسس الصراعات والتوازنات في مختلف مناطق العالم، اعتماداً على تقارير المؤسسات والمراكز والخبراء المعنيين. وإلا فإنها ستظل ظاهرة فوقية إعلامية تعيد إنتاج المأزوم الذي لم يتمكّن أوباما بوعوده التبشيرية من تجاوزه، بل أسهم بسياساته الانسحابية في تعميقه وتعميمه، بخاصة في منطقتنا.

وعلى رغم كل التحليلات السوداوية المتصلة بترامب، لا نعتقد بأن الأمور ستكون أسوأ مما كانت بالنسبة إلى سورية بخاصة، ومنطقتنا عموماً. وهذا ما بدأت ملامحه تتبلور شيئاً فشيئاً مع إعلان أسماء من سيتسلّمون المواقع الحساسة في الإدارة الجديدة. فهم أصحاب خبرة وكفاءة، ولديهم معرفة بأوضاع المنطقة، وطبيعة صراعاتها وتشعباتها. وهم ليسوا من مناصري توجه أوباما الحالم بإمكان احتواء النظام الإيراني، الذي تؤكد كل الدلائل أنه المخطط والمنفذ والمموّل الأكبر لمجمل كوارث المنطقة، وتالياً لتصاعد التطرف والإرهاب بدرجات غير مسبوقة.

فقد أثبتت الوقائع عقم تصنيف أوباما للإرهاب، كإرهاب «منظّم» يمكن التعامل معه وآخر «منفلت» لا بد من محاربته. وأدت هذه المقاربة السطحية إلى انفلات الأمور في المنطقة بأسرها، وباتت الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات الكارثية.

وإذا أخذنا ما حصل ويحصل في سورية بعامة، وحلب تحديداً، بالاعتبار، وجدنا أن القادم لن يكون أسوأ مما كان. فالرئيس الأميركي الجديد، على رغم كل الغموض الذي يحيط بسياساته، تبعاً لتصريحاته المتعارضة في المرحلتين الانتخابية والانتقالية، سيضيّق على الأرجح الدائرة على النظام الإيراني ومشاريعه الإمبراطورية، ما سيستفيد منه السوريون مباشرة وقبل غيرهم، لأسباب واضحة للقاصي والداني. وما اتخذه الكونغرس حتى الآن من قرارات توحي بالأفضل قياساً بمرحلة أوباما.

بهذا نرى أن نتائج المعركة الميدانية في حلب ستكون مؤثرة من دون شك، لكنها لن تكون الحاسمة، لأنها في نهاية المطاف جزء من صراعات وتنافسات إقليمية ودولية لن تحسم، ولن تجد طريقها إلى التهدئة والتوازن قبل انطلاقة الإدارة الأميركية الجديدة.

وفي انتظار ذلك، يمكن للنخب الوطنية السورية التي لم تتلوّث عقولها بعد بآفات الاستبداد والإرهاب؛ وما زالت مؤمنة بإمكان التعايش المشترك بين المكوّنات السورية على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات، أن تتحرّك وتتواصل، لتتوافق على قواسم مشتركة، وهي كثيرة تتجاوز ما يتوقعه المرء.

ويمكن لهذه القواسم أن تكون أرضية لعقد وطني يكون أساساً لدستور يطمئن الجميع، وأن تكون مرجعية لوفد وطني وازن يمثّل السوريين والسوريات ويتواصل مع الإدارة الجديدة ومفاصل القرار والتأثير فيها، بالتنسيق مع الجالية السورية الكبيرة في الولايات المتحدة.

فعمل كهذا قد يسهم في إنقاذ ما قد تبقى من الشعب والوطن. أما انتظار الانتصار العسكري من معارضة مغلوبة على أمرها، محكومة بتفاعل الحسابات الإقليمية والدولية، أو الحسم العسكري من نظام بات مجرد دمية بين أيادي الغزاة، فهذا مؤداه إدامة الصراع والتدمير والقتل في سورية إلى ما شاء الله.

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٦
التوفيق بين إيران وبوتين

تقترب السنة 2016 من نهايتها سريعا. يقترب الشرق الأوسط، سريعا أيضا، من مرحلة جديدة عائدة إلى تحولات كبيرة. من بين أبرز مظاهر هذه التحوّلات سقوط متوقّع لمدينة كبيرة مثل حلب في يد إيران وميليشياتها المذهبية اللبنانية والعراقية وغيرها بفضل الغطاء الجوي الذي تؤمّنه روسيا.

ليس سقوط حلب السورية المتوقّع، الذي سيترافق على الأرجح مع سيطرة “الحشد الشعبي” على الموصل العراقية قبل نهاية السنة، سوى تعبير عن بداية قيام الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى قوى غير عربية إقليمية وغير إقليمية إلى تأكيد نفوذها الإقليمي من خلاله.

ليس سرّا من يتقدّم هذه القوى. تتقدّمها إيران وروسيا وهناك أيضا تركيا وإسرائيل… فيما اعتمدت الولايات المتحدة موقف المتفرّج وكأنّها غير معنية بما يجري وأنّ همها الوحيد استرضاء إيران وحماية الاتفاق في شأن ملفّها النووي الذي دفعت ثمنه الكثير، بل الكثير جدا من حساب الغير، خصوصا من حساب الشعب السوري وثورته الحقيقية التي لا يمكن إلا أن تنتصر يوما…

كشفت السنة 2016 خفايا كثيرة. من بين ما كشفته الأسباب التي دعت إدارة باراك أوباما إلى تجاهل “الخطّ الأحمر” للرئيس الأميركي عندما استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميائي في الحرب على شعبه صيف العام 2013. كلّ ما في الأمر أنّ الولايات المتحدة كانت منهمكة في مفاوضات مع إيران في شأن الملفّ النووي. لم يكن قتل بشّار الأسد ألفا أو ألفين من مواطنيه بالسلاح الكيميائي أمرا يستأهل التوقّف عنده في تلك المرحلة. فمن أجل عيون إيران والتوصّل إلى صفقة ما معها، لا تعود للآلاف من المواطنين السوريين قيمة تذكر. كان لا بدّ من حماية الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مجموعة الخمسة زائدا واحدا مع إيران في صيف العام 2015 أكثر من ضرورة. كان أولوية أميركية لا يمكن أن تعطلها أرواح السوريين، حتّى لو كان عدد الأرواح التي زهقت تجاوز إلى الآن نصف مليون، استنادا إلى التقارير الدولية الشديدة التحفّظ.

لن يعود وجود للمدن العربية في الشرق الأوسط الجديد. دمّرت حلب بعد تدمير حمص وحماة وبعد تدجين دمشق. تغيّرت طبيعة دمشق كلّيا بوسائل مختلفة، من بينها الإتيان بمجموعات سكانية جديدة إليها وتدمير مناطق قريبة منها بالكامل… وعن طريق شراء عقارات فيها. يتمّ كلّ شيء بموجب خطة مدروسة بدقة تستهدف الانتهاء من المدن السورية الكبيرة التي اكتشف الإيرانيون، ومعهم الروس، أنهّا متمرّدة على النظام الذي أقامه حافظ الأسد وترفض الخضوع له. درس حماة 1982 لم يكن كافيا في ما يبدو كي تتربّى المدن السورية الكبيرة، وكي يتوقف المواطن العادي عن طرح أسئلة مرتبطة بطبيعة النظام الأقلّوي الذي أسّس له حافظ الأسد، وسرّ بقاء الجولان محتلّا منذ نصف قرن إلا سنة واحدة بالتمام والكمال.

ثمّة حاجة إلى التفكير أيضا في مصير المدن العراقية. تغيّرت طبيعة بغداد على نحو جذري. كذلك طبيعة البصرة التي صارت معظم أحيائها أقرب إلى أحياء المدن الإيرانية، أو على الأصحّ ضواحي المدن الإيرانية.

جاء الآن دور الموصل التي دخل إليها “داعش” في العام 2014 عندما كان رجل إيران نوري المالكي رئيسا للوزراء في العراق. حصل كلّ شيء بظروف مريبة لم تتضح إلى الآن. قد تتضح هذه الظروف في يوم قريب عندما يجتاح “الحشد الشعبي”، أي ميليشيات الأحزاب المذهبية العراقية، هذه المدينة العراقية العريقة التي فيها أقليّة تركمانية ذات وجود تاريخي فيها.

سيقوم الشرق الأوسط الجديد على أنقاض المدن العربية المهمة في سوريا والعراق وحتّى لبنان الذي تعرضّت فيه بيروت، ومازالت تتعرّض، لكلّ أنواع الهجمات من أجل محو دورها، خصوصا في مجال التعايش بين أديان وقوميات وثقافات مختلفة.

هل يتغيّر شيء مع رحيل باراك أوباما من البيت الأبيض وحلول دونالد ترامب مكانه؟ كيف يمكن لترامب أن يكون مع فلاديمير بوتين وضدّ إيران في الوقت ذاته؟ هل يمكن التفريق بين الحسابات الإيرانية والحسابات الروسية؟

هذان السؤالان سيطرحان نفسهما بحدّة في الأشهر القليلة المقبلة. سيتبيّن عاجلا أم آجلا هل يمتلك ترامب سياسة واضحة ومحدّدة، أو على الأصح هل يعرف شيئا عن الشرق الأوسط والخليج، وهل يعرف خصوصا أنّ هناك حلفاء تقليديين للولايات المتحدة في المنطقة.

سيتوقّف الكثير على ما إذا كان الرئيس الأميركي الجديد الذي سيتولى مهمّاته رسميا في العشرين من الشهر المقبل سيعتمد على خبراء أميركيين في الشرق الأوسط يعرفون أن الإرهاب هو الإرهاب، وأن لا فارق بين إرهاب سنّي وإرهاب شيعي. هناك “داعش” السنّي وهناك “دواعش” شيعية. هناك ارتباط بين “داعش” و”الدواعش” بطريقة أو بأخرى ونوع من التواطؤ بين الطرفين اللذين دخلا في تنافس على من هو أكثر إلماما بالوحشية وفنون الإرهاب.

قد يتغيّر شيء إذا اقتنع ترامب في نهاية المطاف أن ليس في استطاعته اختزال مشاكل الشرق الأوسط كلّها في الملفّ النووي الإيراني والاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه في شأن هذا الملفّ. هذا الاتفاق لا يحلّ أي مشكلة في الشرق الأوسط والخليج. على العكس من ذلك، إنّه يوفّر فرصة لإيران كي تزداد عدوانية، وكي تتابع مشروعها التوسّعي من دون حسيب أو رقيب.

تبقى نقطة أخيرة لن يستطيع ترامب إلا التوقّف عندها. تتمثل هذه النقطة في أنّ هناك وجودا عربيا في المنطقة لا يمكن تجاهله. تعبّر الجولة الخليجية التي يقوم بها الملك سلمان بن عبدالعزيز والتي بدأها بأبوظبي حيث كانت له محادثات طويلة مع الشيخ محمّد بن زايد وليّ العهد فيها، عن إرادة عربية ترفض القبول بالأمر الواقع الذي تحاول إيران وروسيا وتركيا وإسرائيل فرضه في المنطقة. سيتبيّن في نهاية المطاف أن العرب ليسوا هامشيين وأن لديهم صوتهم على الرغم من حال الضعف السائدة حاليا، والتي مكنت إيران من أن تسرح وتمرح في العراق وسوريا وفي لبنان إلى حدّ كبير. المقاومة العربية ستستمرّ على الرغم من أنّه ليس مضمونا أن يتخلّى ترامب عن الخط الذي اعتمده سلفه، وهو خط قائم على فكرة أنّ الإرهاب سنّي، وأن التخلص من المدن العربية جزء من التخلص من هذا الإرهاب.

في السنة 2017، ستظهر أمور كثيرة، بما في ذلك الفارق بين أوباما وترامب، علما أنّه سيظل السؤال الذي سيتحكّم بالمعادلة الشرق أوسطية والخليجية كيف يمكن وضع حدّ للعدوانية الإيرانية القائمة على الاستثمار في الغرائز المذهبية من جهة، والتعاطي بشكل إيجابي من جهة أخرى مع فلاديمير بوتين، الشريك في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، في الوقت ذاته؟

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٦
في أصل الحكاية السورية

ثمة أحداثٌ تتحوّل إلى حكايات. دمُ الحقيقة ولحمُها يتحولان إلى هواء. وبعدما تتحول الأحداث - الجرائم إلى حكاياتٍ هوائيّة، يجري نقلها من فم إلى فم ومن حالة إلى أخرى، إذ يخف ثقلها ويسهل نقلها. ولأن الأفواه مختلفة والأحوال متقلبة، نحظى بأكثر من حكاية لواقعة واحدة وحدث واحد.

فمن أوائل ربيع 2011 حتى اليوم، حدثت وتحدث وقائع غريبة وأحداث عجيبة لم يعهدها أحد في سورية من قبل، وإلى الآن لاتزال محل شكّ: هل كانت حقيقية بالفعل؟ هل حقاً خرج الملايين إلى الشوارع خلال أشهر قليلة، ثم اختفوا فجأة، وحل محلهم خراب مذهل وحرب مثل أفعى لا ترى ذيلَها من فمها!

حدثت للأسف مؤامرة كونية لا سابق لها في تاريخ البشرية كلّها. فقد صدّق معظم السوريين الذين خرجوا ضد النظام السوري أن العالم لن يتركهم وحدهم. هنا للأسف كانت بداية المؤامرة؛ إذ إن المتآمرين ضد أنفسهم، أعني السوريين، تَخادَعَوا في ما بينهم وصدّقوا ما يُفترض عادة أن يصدقه عاقلٌ.

قالوا: «إنْ حدثت مجزرة أخرى فلن يبقى الحال على ما هو عليه. لا شك في أن أحداً ما سيقول كفى، وسيقرن القول بالفعل وننتهي من هذه المصيبة التي أوقعنا أنفسنا فيها». وكما هو متوقع وقعت المجزرة الأخرى، وانتظر من خرج ضد الجريمة من يقف معه بوجهها ويقضي عليها. لم يأت أحد! حقاً لم يأت أحد؟ لكنهم قالوا، جميعاً، إنهم معنا، إنهم لن يقفوا ساكتين بعد اليوم. ما الذي أخّرهم؟!

«حسناً، لن نفقد الثقة في البشرية ولا في الحس الإنساني. بالتأكيد سيأتون لإنقاذنا في المرة المقبلة، بعد المجزرة التالية». هكذا قال البعض، «إذا بلغ عدد القتلى خمسين ألفاً سيتدخل المجتمع الدولي، قال آخرون...، فيما البقية بدأوا يفكرون بجدية أن ثمة خطأ من قبلهم، أنهم قد ساروا على الطريق الخطأ، وآن لهم التراجع. ثم في يوم عيد حدثت مجزرة أخرى. حينها قال متفائلون محزونون: «الآن حانت الساعة. سيأتون لإنقاذنا سريعاً هذه المرة». لكن الخيبة أطلت برأسها، وثمة من مدّ لسانه شامتاً، وثمة من وزع الحلوى وأولم وأقام الأفراح!

هنا أخذت الوساوس تأخذ مكانها: «ثمة خطأ. بالتأكيد ثمة خطأ. ربما هناك أحد ما، لم يفهمنا بعد، ربما يجب أن نحاول مرة أخرى، أن نرسل رسالة مفصلة بما يجري، أن نصور بدقة وبالتاريخ واللحظة والمكان والأرقام والوجوه كل ما يحدث...». فصارت هناك مراكز توثيق ولجان حقوقية، ومؤسسات رصد ومتابعة، ثم صارت مراكز إغاثة، ثم كثر اللاجئون، وفاضوا على البلدان المجاورة، ثم سلكوا طريق البحر وفاضوا على البحر، ثم... ثمّ ظهر الخط الأحمر وبان عن الخط الأبيض واستُخدم السلاح الكيماوي!

خلاص، إنها النهاية. خلال أربع وعشرين ساعة سيتغير كل شيء. لكن مضت ثمان وأربعون ساعة، وجرى ما جرى، وأضيفت إلى مراكز التوثيق، وحملات الإغاثة والدعم، لجنة لنزع السلاح الكيماوي، إذ إن المشكلة الحقيقية كانت في نوعية السلاح لا في يد القاتل ولا في استمرار القتل، فالأخير يقوم بما قام به من قبل، ولم يغير من سلوكه الثابت المعهود، وتلك كانت النقطة الأساسية التي غفلنا عنها منذ البداية، «قالت القلة القليلة ممن تبقى». فأصل الحكاية كلها، أن هناك قاتلاً، ولأنه كذلك، لأن القتل وظيفةٌ عاديةٌ من ضمن وظائف أخرى بشرية عادية كالقلق البان كي مونيّ والتنديد المهذب الكلاسيكي والإغاثة المتلهفة للضحايا وحملات الدعم النفسي للمعطوبين، والدورات التدريبية على طرق حل الصراع، والأساليب الجديدة في إجراء الحوار وحفظ حقوق الأقليات والأغلبيات... الخ.

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٦
الروس والإيرانيون شركاء في أعباء «الانتصار»؟

تتكشّف النيات الروسية والإيرانية أكثر فأكثر، كما يستشرس أي وحش كلما ولغ في دم فريسته. لم يعد سفاحو حلب يطالبون بالتمييز أو الفصل بين «المعتدلين» معارضي نظام بشار الأسد و «الإرهابيين». سيعتبرهم سيرغي لافروف إرهابيين جميعاً، طالما أنهم قرروا عدم مغادرة المدينة. هذه فتوى للقتل العشوائي التلقائي، كما في أي عملية إبادة. «فيتو» على وقف لإطلاق النار، على هدنة، وعلى مرور غذاء للأطفال ودواء للجرحى المتروكين لمصيرهم. «فيتو» كهذا يعني نعم للإبادة، فالمطلوب إخلاء حلب واستباحتها، ولو لم يبقَ فيها سوى الركام. كثيرون راهنوا أو توقّعوا أن تأتي لحظة تظهر فيها روسيا كدولة كبرى مسؤولة ومعنية بشيء آخر غير أن ترتكب غروزني ثانية. بل اعتقدوا أنها يمكن ألا تكون متماهية مع وحشية نظام الأسد، وأن لا تقبل بإخراج سوريين من مدينتهم لتتركها نهباً للميليشيات الإيرانية... روسيا هذه لم تكن يوماً، ولن تكون، ولعلها استدعت الولايات المتحدة للحاق بها في تأكيد أن النظام العالمي بات بلا أي قيم، ولا وجوب للمراهنة عليه، أو توقّع احترامه قوانين وضعها ويمعن في تمزيقها.

آخر ما يمكن أن يفكّر فيه فلاديمير بوتين وعلي خامنئي والأسد، أن تُختزل سورية في معاناة البشر الذين يجوّعونهم، في جثث الصغار والكبار على قارعة الطريق، وفي أنين المصابين والمكلومين في احتضارهم الطويل. لم يأتِ الروس الى سورية إلا من أجل هذه اللحظة، وليست في جعبتهم «أخلاقيات» بل أدوات قتل يريدون تجريبها. كل الجدالات التي افتعلوها حول الإرهابيين، كل الهدنات التي أقرّوها لخرقها، كل المفاوضات التي شجّعوا عليها وحضّوا على إفشالها، وكل تفاهماتهم واتفاقاتهم مع الأميركيين، لم تكن سوى مسلسل من الكذب والخداع، سوى استهلاك للوقت ومناورات لإحكام الحصارات والمجاعات. أخضعوا الأمم المتحدة واستخدموا مبعوثها لتجويف قراراتها وحرفها عن أي منطق قانوني أو إنساني. داوموا على مساومة الولايات المتحدة (وأوروبا) على صفقة لا ترغبان فيها: سوريا (أو نصفها) مقابل أوكرانيا (أو نصفها)، استوعبوا الثنائي باراك أوباما - جون كيري وانتزعوا منه اتفاقاً لـ «التعاون» بين الجيشين، لكن رفض البنتاغون كلّف حلب وأهلها جولة من أشد الصواريخ فتكاً وتدميراً، إضافة الى سفك دم الإغاثيين في قافلة المساعدات.

كان بين تفاهمات كيري - لافروف تأكيد لضرورة ضرب «الإرهابيين» غير «الداعشيين»، في حلب وامتداداتها وكذلك في إدلب. الحجة أنه يُفضَّل التخلّص منهم «الآن» («قبل الحل السياسي») تفادياً لإزعاجات سيسبّبونها لاحقاً. لكن، ماذا عن الأسد، وماذا عن الإيرانيين، الذين لم يكن خيارهم مجرد الإزعاج بل إحباط أي حلّ لأي حلّ. ثم، عن أي حل سياسي كان الوزيران يتحدّثان؟ لم يكن في بال الروس سوى «حلّهم»، بـ «المعارضة» التي هندسوها من بين «المعارضات» المتوافرة في جيوب النظام. أما الحلّ الذي تخيّل كثيرون أنه موضع نقاش فيمكن القول الآن أنه كان طبخة أوهام، وكان كيري صريحاً الى حد الوقاحة في أكثر من لقاء مع معارضين من «الائتلاف» أو من «هيئة التفاوض»، إذ كان مكلفاً بإفهامهم أن أميركا أوباما تقبل ما تعرضه روسيا بوتين: «الحلّ» يكون مع الأسد أو لا يكون، وأن الخيار بين قبول هذا الحل مع ضحايا ودمار أقلّ وإلا فبمذبحة ودمار أكثر. الواقع، أن الروس لم يكونوا يعرضون سوى الحل العسكري الذي ينفّذونه حالياً، ولم يكن الأميركيون مكترثين فعلاً.

وآخر ما يمكن أن يعني السوريين اليوم، هو أيٌّ من الروس والإيرانيين والأسد سينتصر في نهاية المطاف، وأيّ قطعة سيظفر بها هذا وذاك من الجثة السورية، فهؤلاء تضافروا جميعاً لجعل شعب سورية مجرد أرقام في لوائح اللاجئين والمحتاجين الى مساعدة، أو لوائح ابتزازات «شبّيحة» النظام. بل لا يعنيهم أن يكون الروس والإيرانيون دخلوا في تنافس مكشوف يتظاهر الأسد بأنه يتذاكى في اللعب على تناقضاته. كانت حكومة النظام تستورد القمح من أوكرانيا ولم ينتبه الروس إلا بعد إبرام آخر صفقة، قبل بضعة أسابيع، فاستدعوا رئيس الحكومة الى حميميم وأمروا بإلغائها فوراً، ولما اتصل برئيسه لإخباره والاستفسار عما يجب أن يفعله، جاءه الجواب: نفّذ ما طلبوه منك. وعندما بدأ التدخل الروسي، كانت موسكو بالغة الاقتناع بأنها ستتمكّن من استقطاب المنشقّين وإعادة ضمّهم الى الجيش السوري، ثم اكتشفت أنه أصبح جيش الأسد وأن ضبّاطه أنشأوا ميليشيات لإدارة إقطاعاتهم فعملوا على استقطاب بعض منها وأسسوا لها الفيلق الرابع الموالي لهم والعامل بإشرافهم، علماً أن أوضاع الفيالق الثلاثة الأساسية ليست على ما كانت عليه. وها هو الجيش أعلن لتوّه تأسيس فيلق خامس سمّاه «اقتحام»، ولعل الاسم يكفي للدلالة على أن هذا الفيلق لا يمتّ الى الجيش بل الى الإيرانيين لتجميع الميليشيات التي أنشأوها ودرّبوها.

لحظة حلب هي لحظة انزلاق سورية الى هاوية المساومات الدولية ومناورات المتدخّلين. وفيما تخفي موسكو أوراقها منتظرةً تنصيب دونالد ترامب لتفتح معه صفحة جديدة بعد التخلص من عقدة حلب والشروع في إنهاك إدلب، وجدت طهران أن الوقت حان للإفصاح عن توقّعاتها وترتيباتها. إذ لم يكن محمد علي جعفري، قائد «الحرس الثوري» الإيراني، مباشراً الى الحدّ الذي بلغه حين قال أن إيران هي مَن تقرّر «مصير سورية»، وأن الدول الكبرى «لا بدّ أن تتفاوض مع إيران لتحديد مصير دول المنطقة بما فيها سورية» (22/10/2016). وتبعه رئيس أركان القوات المسلّحة محمد حسين باقري، بإشارته (نشرت في 27/11/2016) الى إمكان إقامة «قواعد بحرية في اليمن أو سورية» لأن إيران «تحتاج الى قواعد بعيدة» ومن الممكن أن تكون لها «قواعد على جزر» أو «قواعد عائمة». بعد يومين، شنّ طيران «مجهول»، بالأحرى روسي، سلسلة غارات على مواقع في بلدتي نبّل والزهراء الشيعيّتَين اللتَين كانت المعارضة تحاصرهما في ريف حلب الشمالي واستعادتهما الميليشيات الإيرانية، بغطاء جوي روسي، في شباط (فبراير) الماضي. هذه المرّة استهدف الطيران الروسي معسكر تدريب يقوم الإيرانيون بتطويره وتوسيعه، وليس مستبعداً أن يكون الروس أرادوا تحذير إيران في شأن طموحاتها و»قواعدها» البحرية - حتى في سورية - التي يمكن أن تخرّب مناخ تقارب بوتين - ترامب قبل أي تفاهم بينهما.

دخلت إيران حسابات «ما بعد حلب» لتحدّد المكاسب التي تتوقّعها. كانت صوّرت هذه المعركة على أنها بين معسكرَين دوليين متيقنةً بأن معسكرها سينتصر وأن هذا يكفي لتحقق مرحلة أكثر تقدماً في نفوذها. الأرجح، أن روسيا لا تشاركها هذا التقويم، فبعد حلب بالنسبة إليها محكٌّ دولي خطير يرتّب على بوتين أعباء لا يكفي التحدّي والتهوّر لمعالجتها. إذ إنها مضطرّة، خلافاً لإيران، لأن تحسب حساباً لمصالحها الأخرى وللمجتمع الدولي في سياق إدارتها الوضع السوري، فما تريده في سورية كانت ولا تزال حاصلة عليه، ومهما بلغت رغبة ترامب في التعاون معها فإنه لن يحدّد خياراته قبل منتصف السنة المقبلة ولن يتقاسم الأعباء معها مجاناً، ثم إنه قد لا يكون معنياً بأي مصلحة في سورية أو قد يدعوها الى مساومة على الدور الإيراني نفسه. وفي ضوء الأرقام المخيفة التي أعلنتها الأمم المتحدة أخيراً عن الحصيلة الراهنة للحرب، يصبح تساؤل مفوّضية الخارجية الأوروبية محقاً ودقيقاً: «من حقّق نصراً في حلب، إذا كانت جائزته بلداً منقسماً ومسلحاً يضيق بالإرهابيين ومعزولاً عن الساحة الدولية»؟

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٦
سقوط حلب ليس هزيمة لأميركا

لا يمكن أن تخسر دولة ما حرباً لم تخضها. هذه هي حال الولايات المتحدة مع معركة سورية عموماً وحلب خصوصاً. فالذين يعتبرون أن سقوط المدينة في أيدي ميليشيات الأسد وإيران يشكل انتصاراً للروس مصيبون، لكنهم يجافون الحقيقة عندما يرون فيه هزيمة للأميركيين. فالمدينة المنكوبة لم تدخل يوماً قائمة أولويات باراك أوباما، ولن تدخل بالتأكيد لائحة دونالد ترامب للمهمات الملحة.

وليس صحيحاً أن هناك أي طرف آخر غير فصائل الثورة السورية تصدى ولا يزال للمذبحة الجارية في حلب منذ بدايتها، وخاض مواجهة غير متكافئة مع طيران دولتين إحداهما كبرى، وواجه مجموعات من المرتزقة الإيرانيين المسلحين بالخبرة والحقد، وقاتل وحدات جيش نظامي لا تختلف عن الميليشيات بشيء.

الجميع تركوا الثوار لمصيرهم بإمكاناتهم المحدودة. البعض تذرع بأن بين مقاتلي حلب «إرهابيين»، وكأن نظام الأسد ليس إرهابياً، فيما هو تخلى عملياً عن كل المعارضين والمدنيين على السواء. والبعض الآخر أبدع في التضامن اللفظي والتحذيرات الشفوية للتخفيف عن ضميره ورفع العتب عن كاهله. أما الأميركيون بشكل خاص فلم تشكل معركة المدينة، ولا حتى حرب سورية كلها، همّاً لهم، لأنهم لم يروا في المشاركة فيها أي عائد، وفضلوا الاكتفاء من بُعد بالتحليلات التبريرية الباردة التي لا تقيم وزناً للمعاناة الإنسانية.

الإمدادات القليلة من السلاح والغذاء لن تكفي لصمود المدينة التي قد يحسم مصيرها في الأيام المقبلة، إذ يحرص بوتين على أن يقدم احتلال حلب هدية إلى ترامب لمناسبة تنصيبه، ودفعة على حساب تعاونهما في «المعركة المشتركة ضد الإرهاب». وهو بالتأكيد لا يشعر بأي حرج من أعمال التدمير والقتل التي يرتكبها، والتي سبق له أن تدرب على مثلها في الشيشان وجورجيا وأوكرانيا أمام عالم يكتفي بالتفرج.

أما المسرحيات الأميركية الممجوجة عن المفاوضات لإنقاذ المدينة وتوقفها المتكرر فلم تنطلِ على أحد. قبل يومين فقط صرح بن رودز نائب مستشار الأمن القومي لأوباما أن هذا الأخير لم يقتنع يوماً بضرورة التدخل في سورية، وأنه استناداً إلى «التجربة العراقية» واصل التشكيك في «جدوى أي عمل عسكري محدود ضد نظام بشار الأسد وإمكان أن يحدث تغييراً كبيراً في مسار الحرب الأهلية والطائفية الجارية في سورية». وهذا ما اختبره السوريون والعالم مع الخطوط الحمر التي كان أوباما يرسمها ثم لا يلبث أن يمحوها كلما جرى تجاوزها.

وفي المذكرة التي أصدرها البيت الأبيض قبل أيام عن استراتيجية مكافحة الإرهاب ممثلاً بتنظيم «القاعدة»، أكد أوباما أن بلاده غيرت إلى الأبد مفهوم «التدخل العسكري في الخارج لنشر الديموقراطية» الذي تحول إلى توجيه ضربات محددة في المكان والزمان بطائرات من دون طيار، أو عمليات كوماندوس نتائجها شبه مضمونة.

ومن شبه المؤكد أن يستمر هذا النهج مع ترامب الذي أكد أمس أن بلاده «ستتوقف عن الركض للإطاحة بأنظمة أجنبية لا نعرف عنها شيئاً ولا يفترض أن نتورط معها، وبدلاً من ذلك يجب أن نركز على هزيمة الإرهاب وتدمير داعش»، مشيراً إلى أن إدارته «لا تريد جيشاً (أميركياً) مستنزفاً بسبب انتشاره في كل مكان وقتاله في مناطق لا يفترض أن يقاتل فيها».

أما مرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي الجنرال المتقاعد مايكل فلين فقال إنه «يرى في روسيا شريكاً عسكرياً محتملاً في سورية وفي أماكن أخرى».

أميركا لم تخسر معركة حلب. السوريون فقط يخسرون المدينة ويخسرون بلادهم. أما «المنتصرون» فلن ينعموا طويلاً بما أنجزوه، وخصوصاً نظام الأسد الأشبه بفزاعة تقف على رجلين من صنع موسكو وطهران.

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٦
ما مصير سوريا… وانتكاسة الانتفاضة العربية تبلغ ذروتها؟

إن الموجة الثورية العربية العارمة التي انطلقت من تونس قبل ست سنوات وأطاحت بزين العابدين بن علي، ازداد زخمها أضعافاً بانتقالها إلى مصر وإطاحتها بحسني مبارك. وقد أدّى ذلك إلى تدخّلات خارجية مكثّفة في الانتفاضات اللاحقة: فبينما تمكّن التدخّل الخليجي من إخماد لهيب الانتفاضة في البحرين في وقت مبكّر، ومن ثم التوسّط في تنحّي علي عبدالله صالح عن الرئاسة في اليمن بصيغة توافقية، أفضى تدخّل الحلف الأطلسي بمشاركة قطر والإمارات المتحدة والأردن في الساحة الليبية إلى تسهيل الإطاحة بمعمّر القذّافي وتسريعها. وقد أعطى سقوط هذا الأخير دفعاً قوياً للانتفاضة السورية التي ما لبثت أن تحوّلت إلى احتراب، بعد أن قرّر نظام آل الأسد القضاء عليها عسكرياً.

منذ ذلك الوقت، بات مصير السيرورة الثورية العربية برمّتها رهناً بالساحة السورية التي شهدت أعنف مواجهة بين النظام القائم وقوى التغيير. وبعد سنة ونيّف من القتال، جاء التدخّل الإيراني الكثيف إلى جانب نظام آل الأسد منذ ربيع سنة 2013 ليقلب ميزان القوى ويتيح للنظام الانتقال إلى الهجوم كي يستعيد بعض المواقع التي كان قد خسرها. وقد شكّل ذلك التدخّل الحدثَ المفصلي في انقلاب الأوضاع العربية من طور الصعود الثوري إلى طور الهجوم الرجعي المضاد للثورة، طور الانتكاسة.

ومع ذلك، وبالرغم من الحدود النوعية التي فرضتها واشنطن على تزويد المقاومة السورية بالسلاح من قِبَل حلفائها الإقليميين، ولا سيما الحظر الأمريكي على تسليم صواريخ مضادة للطائرات، وجد النظام السوري نفسه من جديد في وضع عسكري حرج بعد سنتين من تدخّل إيران وأدواتها الإقليمية لنجدته. فتدخّلت بدورها روسيا فلاديمير بوتين لتنقذه بحيث غدت المقاومة السورية تواجه تشكيلة من القوى العسكرية ـ قوات النظام وميليشياته، القوات التابعة لإيران، وقوة الضرب الروسية الهائلة ـ يصعب على جيش نظامي كامل العدّة أن يتفوّق عليها، فكم بالأحرى جمعٌ من القوى المتنافرة ومحدودة التسليح.

فمع التدخّل الروسي، لم يبقَ من سبيل أمام المقاومة السورية كي تعيد قلب الميزان لصالحها سوى تغيّر الموقف الأمريكي في اتجاه رفع القيود عن تسليحها بالمضادّات الجوّية وغيرها من الأسلحة النوعية. هكذا تعلّق مصير المقاومة السورية بالانتخابات الأمريكية، وكانت تأمل أن تفوز فيها هيلاري كلنتون التي يُعرف أنها، أثناء مشاركتها في إدارة باراك أوباما خلال مدته الرئاسية الأولى، كانت قد تبنّت وجهة نظر القائلين بضرورة مدّ المقاومة السورية بما يتيح لها أن تفرض على النظام السوري تسويةً تلبّي الشرط المتمثّل بتنحّي بشّار الأسد عن الرئاسة. وهو ما أسماه أوباما «الحلّ اليمني»، متمنّياً حدوث مثله في سوريا، لكنّه رفض خلق الشروط المؤاتية له خشيةً من أن تفلت الأمور عن السيطرة بحيث ينهار النظام السوري وتنهار معه الدولة السورية بأسرها على غرار ما حصل في ليبيا.

وقد جرت الرياح بما لا تشتهيه أشرعة المقاومة السورية، ففاز دونالد ترامب الذي دعا إلى التعاون مع بوتين في سوريا ومساندة نظام آل الأسد كدرع مزعوم في وجه إرهاب تنظيم داعش. والحال أن هذا التنظيم الأخير إن أفلح بشيء فبتحفيزه لصعود شتى القوى المعادية للمسلمين على نطاق بلدان الغرب بجملتها. فرأت موسكو في ذلك الفوز ضوءًا أخضر لشنّ هجوم كثيف بغية إحراز سيطرة النظام السوري وحلفائه الكاملة على مدينة حلب، كبرى المدن السورية. وقد ساءت آفاق الوضع فوق ذلك بأنه بات من المؤكد أن الدولة الغربية التي كانت الأكثر تأييداً للمعارضين السوريين، حتى ولو لم تقترن أقوالها بأفعال ذات شأن على الأرض، ستنتقل إلى موقف مشابه لموقف ترامب، وهو موقفٌ يجمع عليه فرانسوا فيون ومارين لوبين، المرشّحان اللذان يٌرجّح تنافسهما في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع عقدها في الربيع القادم.

والحصيلة المُرّة هي أن الحلم بسوريا ديمقراطية محرّرة من قبضة آل الأسد الخانقة بعد أربعة عقود من المعاناة منها قد توارى آنياً ليحلّ محلّه أفق استكمال آل الأسد عقدهم الخامس في حكم البلاد. ولا إذلالٌ للمقاومة السورية بإخفاقها في وجه هذا التحالف الجبّار من القوى، بل يحقّ لها أن تبقى مرفوعة الرأس لقدرتها على مثل الصمود الذي حقّقته بينما الأحرى بأركان التحالف المذكور أن يخجلوا من عجزهم عن التقدّم سوى ببطء شديد على الرغم من تفوّق قواهم الساحق بالإمكانيات العسكرية.

إلّا إنه، ومع أن ميزان القوى قد انقلب بهذا الشكل المأساوي ضد المقاومة السورية، لم تخسر الحرب وإن خسرت المعركة، بل لا تزال تمسك بورقة استراتيجية من خلال قدرتها على إطالة أمد القتال في سوريا، بينما ما من شكّ في أن قوات نظام آل الأسد على درجة عليا من الإنهاك وكذلك بعض حليفاتها من القوى التابعة لإيران، كما أنه من المؤكد أن موسكو لا ترغب على الإطلاق أن تغرق في الأوحال السورية كما غرقت في أوحال أفغانستان في الثمانينيات من القرن المنصرم، لا سيما أن حالتها الاقتصادية قد بلغت الحضيض.

ينضاف إلى ذلك أن أولوية البلدان الغربية إزاء الساحة السورية تقوم على انهاء التجذّر الإرهابي الذي يطالها ووقف تدفّق اللاجئين بل إرجاع قسمهم الأعظم إلى داخل الحدود السورية. ومهما ظنّ أمثال ترامب وفيون، فإن التعاون مع بوتين وآل الأسد لا يستطيع البتة أن يكفل تحقيق هذه الأهداف، بل لا يمكن تحقيقها سوى بإشراك المعارضة السورية. هي ذي الورقة الأقوى بيد هذه الأخيرة اليوم، فعليها ألا تهدرها في الحلقة القادمة من مسلسل المفاوضات وألا تقع في فخ المشاركة في لعبة استفرادها وتحييد الأطراف الغربية التي تحاول موسكو لعبها بغية إضعافها. بل ينبغي على المعارضة السورية أن تسعى وراء تحقيق الأهداف الجوهرية التي يتوقف عليها مصير سوريا وتتوقف آفاق التغيير فيها، ألا وهي وبترتيب الأهمية: وقف النزيف والدمار أولاً، وعودة اللاجئين ثانياً، وفسح المجال أمام درجة من التعددية السياسية في سوريا ثالثاً. أما آل الأسد فحسابهم أمام التاريخ مؤجلٌ، ليس إلّا، ومصير سوريا الوطن أعظم شأناً من مصيرهم بما لا يُقاس.

اقرأ المزيد
٧ ديسمبر ٢٠١٦
من يتقارب مع رؤية الآخر في سوريا تركيا أم روسيا؟

الاتصالات الهاتفية بين الرئيسين أردوغان وبوتين لا تتوقف، واتصالات وزيري الخارجية الروسي والتركي متوالية، واجتماعات اللجان الأمنية والاستراتيجية والمخابراتية والعسكرية بين الحكومتين التركية والروسية متواصلة، منذ مؤتمر بطرسبورغ في روسيا قبل أشهر.

هذا كله يؤكد حرص الدولتين والزعيمين التركي والروسي على إيجاد قاعدة تفاهم مشتركة، ووضع خطط مشتركة لمواجهة التحديات والأزمات القائمة بين البلدين وفي المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة السورية. فروسيا بزعامة بوتين ووزير خارجيتها لابروف فقدوا الأمل بالتعاون المجدي مع أمريكا ووزير خارجيتها جون كيري، طالما أنها لم تضمن إلزام وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بتنفيذ ما تم التوقيع عليه بينهما، كما حصل في الاتفاق الأخير بشأن وقف إطلاق النار في حلب.

أما الموقف الروسي من إيران، فإن الروس يدركون الآن أن الايرانيين حالهم في السياسة أسوأ منه في المعارك، فهم لا يستطيعون أن يتقدموا شبرا واحد في الحل السياسي، لأن الشعب والمعارضة السياسية والعسكرية السورية لا تثق بالإيرانيين إطلاقا، لأنها تجدهم هم المفاوضون مكان بقايا نظام الأسد، فلا وجود لنظام الأسد في المفاوضات التي تجري في دمشق وغيرها، ومن باب أولى أنه لا وجود لهم في الشمال ولا في الجنوب، ومن يتولى ذلك هم ضباط إيرانيون، وبالتالي فإن القيادة الروسية فقدت الأمل في الحل السياسي الذي ترعاه أمريكا، ومن إيران أيضاً. أما فقدانها الأمل بالحل العسكري فقد تحقق بعد أربعة أشهر من تدخلها العسكري المجنون بتاريخ 30/9/2015، وما تفعله حتى الآن محاولات للضغط العسكري فقط، بالقصف والتدمير والقتل لإجبار المعارضة السورية على الخضوع لما رفضته في مؤتمرات فيينا وجنيف، ولكنها فشلت في ذلك سابقاً، وهي تعود لذلك لفقدان الأمل بطرق أخرى، ولو في حلب وحدها الآن، ولأنها ستفشل أيضاً حتى لو دمرت حلب بالكامل، فالقصف الوحشي والإجرامي لحلب لن ينقذ روسيا بإيجاد حل عسكري في سوريا، لأن الشعب السوري يرفض الاحتلال الروسي، بوتين يدرك ذلك، والشعب السوري رفض الاحتلال الإيراني من قبل، ولن يجد في جيش الأسد بعد الآن إلا جيش احتلال على فرض وجوده، فهو غير موجود أصلاً، وما يطلق عليه قوات النظام هم ميليشيات طائفية ومرتزقة من لبنان والعراق وأفغانستان وإيران ومرتزقة من شركات أمنية أجنبية، تجلب مقاتلين مغامرين يشاركون في الحرب، هواية أو احترافا أو رغبة في القتل فقط، مثل المشاركين في رحلات الصيد، ولكنهم يجدون بفضل الأسد من يدفع لهم ثمن قتلهم للسوريين.

هذا يعني أن روسيا في مأزق عسكري وسياسي في سوريا، وفي ظل الانشغال الأمريكي بنقل السلطة من إدارة أوباما إلى الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وفي ظل عجز إيران وتوابعها الشيعية من حزب الله اللبناني وغيره من تقديم أي مساعدة لروسيا أكثر مما فعلوا من قبل، فإن روسيا لا تجد طريقا غير الباب التركي لها، لإيجاد حل سياسي يغنيها عن الحل العسكري، وليس بإيجاد حل سياسي في حلب فقط، وإنما في كل سوريا بعد ذلك، الحل في حلب قد يكون المقدمة، ولكن ليس كما قيل في بعض مراحل مشاريع دي مستورا الوهمية قبل سنوات، وروسيا تدرك أن قدرات تركيا في مساعدتها في سوريا أكثر من فرص إيران، وبالأخص في الجانب السياسي، ولكن الحكومة التركية لن تمارس القتل للشعب السوري من أجل فرض حل سياسي أو عسكري، كما فعلت وتفعل إيران وحرسها الثوري، فالحكومة التركية لا تملك حرساً ثورياً تركياً لا في تركيا ولا في سوريا، وعلاقتها العسكرية بتقديم الدعم للشعب السوري فقط، ومن خلال فصائل المعارضة السياسية والمسلحة التي تدافع عن شعبها ووطنها ضد المحتلين، وبالتالي فان الحكومة التركية تعمل مع روسيا بالطرق القانونية والسياسية للتفاوض مع المعارضة السورية الحقيقية، وليس المعارضة التي تستجلبها إيران او حكومة السيسي إلى موسكو للتفاوض معها، وهي لا تملك من قرارها شيئاً، لذلك كانت زيارة وزير الخارجية الروسي لابروف إلى أنقرة يوم الأول من ديسمبر 2016 فرصة حقيقية لإيجاد حل سياسي لوقف اطلاق النار في حلب، وفق الرؤية التركية، حيث تجري الاتصالات بين روسيا والمعارضة السورية بوساطة تركية مباشرة، أو غير مباشرة، وكلا الطرفين الروسي والمعارضة السورية الحقيقية يملكان القرار، وبالأخص إذا لم يوجد طرف دولي يخرب تفاوضهما أولاً، كما أن من المؤمل أن لا تتدخل اطراف إقليمية لتخريب الاتفاق المقبل بينهما أيضا، حتى لو كانت تحت ضغوط امريكية، لأن الاتفاق بوساطة تركية خير من مواصلة القتل والتدمير والتشريد، ومن أضر بكل الاتفاقيات السابقة هي الادارة الأمريكية التي تسعى بطرق ملتوية لإدامة الصراع لسنوات أو عقود مقبلة، وروسيا اليوم متضررة كثيرا من استمرار الحرب في سوريا.

المشكلة الكبرى التي تواجهها القيادة الروسية اليوم هي التحالفات السابقة التي ربطتها بالتحالف الإيراني الأسدي، فقد ظنت أنه يمكن ان يحقق لها النجاح والمصالح الاستراتيجية والاقتصادية في سوريا، ولكنه عجز عن ذلك، فإما أن تبقى روسيا تواجه أزمتها نفسها التي واجهتها في أفغانستان، حيث كانت تستطيع القتال لعقود مقبلة ولكن دون كسب المعركة، أو ان تضع حدا لخسارتها العسكرية والسياسية، وهي اليوم في سوريا في المأزق الأفغاني نفسه، فهي تستطيع ان تقصف وتقتل وتدمر لسنوات مقبلة، ولكن دون نتيجة، لأن خسارتها الحقيقية في افغانستان عدم وجود شعب أفغاني يؤمن لها النجاح، واليوم لا يوجد شعب سوري يؤمن لها النجاح، وإيران وميليشياتها عبارة عن جيوش محتلة لسوريا، ولا تمثل الشعب السوري، وبشار الأسد لا يمثل أكثر من 20% من الشعب السوري في أحسن أحواله، وبالتالي فإن مأزق أفغانستان موجود في سوريا، فلا يوجد شعب يضمن لروسيا النجاح إلا الشعب الذي تمثله المعارضة السورية المعتدلة، والمؤيدة من الدول العربية والخليجية وتركيا. وعندما بدأت روسيا بالتحرك نحو تركيا أخذ الأسد يطمعها باتفاقيات الإعمار، واخذ يوقع مع الشركات الروسية العقود والأرباح، وهو لا يضمن إعمار نفسه، فكيف يوقع مع روسيا عقود إعمار سوريا، فلقد فقد الأسد كل شيء ويعيش في وهم أسطوري أن يبقى رئيسا، وهو ضحية الرغبة الأمريكية والاسرائيلية باستمرار القتال في سوريا، وضحية الجنون الإيراني الذي استعد تلبية للرغبة الأمريكية والاسرائيلية بمواصلة القتال لسنوات، بينما روسيا لا مصلحة له بهذه المعركة على هذا النحو الجنوني، ولذلك فإن من الصعوبة إيجاد الحل إذا لم تتحرر روسيا من قيود حلف إيران الفاشل، فالحل اليوم في يد روسيا باتخاذ القرار الذي يسهل لها التحرر من قيود المحور الإيراني الخاسر، فإيران فشلت في توقيع اتفاقيات ملزمة مع أمريكا في ملفها النووي وأصبحت في مهب العقوبات من جديد مع إدارة ترامب، ومن لا يملك انقاذ نفسه لا يجوز الاعتماد عليه لإنقاذ غيره.

روسيا أمام فرصة حقيقية في إيجاد حل سياسي في سوريا بتقاربها مع السياسة والرؤية التركية، ومن الخطأ ان تسعى موسكو لجلب تركيا إلى سياستها ورؤيتها العقيمة في سوريا، لأنها لا تضمن النجاح لها بمستقبل سياسي آمن في سوريا، وتركيا وروسيا ملتزمتان باحترام إرادة الشعب السوري، أو احترام إرادة الأغلبية السكانية المعروفة للشعب السوري، والابتعاد كليا عن السياسات الطائفية التي تثيرها إيران وتشعلها امريكا، بل إن على روسيا أن تسابق بتوقيع اتفاقيات مع المعارضة السورية المعتدلة بوساطة تركية قبل أن يتولى ترامب منصب الرئاسة الأمريكية فعلياً، فترامب ذو توجهات عسكرية وسياسة امريكية خشنة في الخارج.

اقرأ المزيد
٧ ديسمبر ٢٠١٦
سورية وتغييرات أوروبا وأميركا

يشير إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى أنه لن يترشح لولاية ثانية واستقالة رئيس حكومته مانويل فالس للترشح عن الحزب الاشتراكي إلى نهاية عهد في فرنسا. وكذلك نتائج الاستفتاء الإيطالي حيث رفضت الأكثرية التعديلات الدستورية التي طرحها رئيس الحكومة ماتيو رينزي ما دفعه إلى الاستقالة. وهناك مفاوضات بريطانيا المعقدة للخروج من الاتحاد الأوروبي. وانتخاب دونالد ترامب واحتمال تنفيذ سياساته الانغلاقية في التبادل التجاري مع أوروبا. كل هذه المستجدات على الصعيد الأوروبي إضافة إلى قضية المهاجرين المتدفقين من سورية والعراق والدول الإفريقية الفقيرة من شأنها أن تضعف دور أوروبا في شكل كبير في كل ملفات الشرق الأوسط وخصوصاً بالنسبة إلى سورية. فمعظم الدول المؤثرة في أوروبا منشغلة بمرحلة انتخابية داخلية. حتى ألمانيا ستشهد في الصيف المقبل انتخابات تشريعية. لقد ضعف صوت أوروبا في شكل كبير في هذه المرحلة في حين تحرر بوتين من أي ضغط أوروبي، وكان ذلك جلياً في مجلس الأمن بعد الفيتو الروسي على قرار يطلب هدنة في حلب.

استفاد بوتين أولاً من التراجع الأميركي خلال رئاسة أوباما منذ بداية الأزمة السورية. فتدخل عسكرياً بعدما رفض أوباما أي تدخل عسكري في سورية. وحصل بوتين على قاعدة في الشرق الأوسط تتيح له نشر الصواريخ قريباً من أوروبا إذا تم تهديده نتيجة سياساته في أوكرانيا وضمّ القرم. فبوتين يسرح ويمرح على الجبهة السورية وله قاعدة في المتوسط ولم يعد يبالي بأي ضغط أوروبي لأنه يرى ديموقراطيات أوروبا تضعف وتتحول لمصلحته. وبوتين لم يدخل سورية ويضع كل هذه القوى لحماية بشار الأسد، بل هو أتى لتحقيق مصالحه ولاستعادة موقع روسيا المهيمن في المتوسط. إن تدخل بوتين في سورية هو احتلال للجيش الروسي لهذا البلد. فهو يحمي بشار الأسد على رأس سورية منقسمة وجيش نظامي في حالة مزرية. ويهيمن على بلد فيه قوات إيرانية و «حزب الله» الذين سيكونون عاجلاً أو آجلاً خصوماً له. فبوتين لن يتقاسم الهيمنة في سورية مع إيران. وفي هذه الأثناء قد تأتي الانتخابات في فرنسا برئيس يميني محافظ هو فرانسوا فيون الذي سيبذل جهده لرفع العقوبات الأوروبية عن روسيا. أما بالنسبة إلى الأشهر الخمسة المقبلة فعهد هولاند انتهى مبكراً ويعني ذلك أن المدافع الأول عن المعارضة السورية المعتدلة لم يعد فعالاً لسوء الحظ. ولكن سقوط حلب لا يعني نهاية الحرب في سورية. فهذه المعركة أثبتت أن مؤسسة الجيش النظامي مفككة وتتنازعها مافيات النظام، والجيوش الخارجية هي التي تحارب في حلب. فالضباط الروس أصبحوا على الأرض إلى جانب «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله» ومجموعات شيعية عراقية وأفغانية. وكيف ستنتهي الحرب مع وجود كل هذه الجيوش في البلد؟ وكيف يبقى الأسد في ظل هذه الظروف؟ وإذا بقي وتوقفت الحرب من سيعيد إعمار سورية؟ كل هذه التساؤلات قد يعرف بوتين الذي يخطط للبعيد الأجوبة عنها. فهو لا يبالي بالأسد ولا بالشعب السوري. وقد نجح في الهيمنة في غياب أميركي تام وضعف أوروبي. والآن قد يكون اسوأ مع التغيير في أوروبا وأميركا الذي قد يكون لمصلحة بوتين مع صديقيه ترامب وفيون.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان