مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٥ ديسمبر ٢٠١٦
صعود اليمين الغربي والقضية السورية

قد يبدو مستغربا ربط صعود اليمين الغربي إلى السلطة بالقضية السورية، ولهذا الاستغراب ما يبرره، إذا نظرنا إلى القضية السورية باعتبارها مسألة منفصلة عن السياسة الدولية، أو اعتبرناها تفصيلاً صغيرًا في سياسة، تباشرها حكومات تلك البلدان، والتي غالبًا ما انتمت إلى الوسط ويمين الوسط في العقود الأخيرة، وأثبتت في خلالها فشلاً ذريعًا في نتائجها، وكان من أبرز ملامحها تهميش دور الديمقراطيات الغربية الأميركية – الأوروبية في قيادة العالم، لصالح نجاحات حققتها دول وقوى متطرفة في مستوى الأقاليم الرئيسية في العالم مثل روسيا في أوروبا وإيران في الشرق الأوسط وكوريا الشمالية في جنوب شرقي آسيا، وسط تساهل، وأحيانًا تواطؤ غير منظور وغير مباشر من بعض حكومات الدول الغربية، مما أدى إلى تغيير في توازنات إقليمية ودولية، أبرزها ما حدث في منطقتين مهمتين هما الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا، وقد كانتا طوال عقود ماضية مسرحًا في الصراع الدولي، وخاصة في ظل الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق والغربي بقيادة الولايات المتحدة.

وللحق فإن النهج المخرب للديمقراطيات الغربية في ميدان السياسة الخارجية وما جره من خسارات عليها ولحلفائها في الأقاليم الرئيسية، هو ذاته النهج الذي سارت عليه في تعاملها مع السياسات الداخلية، ومنها قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واندماج المهاجرين، والعنصرية المتصاعدة ومواجهة تصاعد الإرهاب والتطرف.

ووسط لوحة خراب سياسة الديمقراطية الغربية لحكومات الوسط ويمين الوسط، يمكن تجاوز استغراب ربط القضية السورية بصعود اليمين الغربي إلى سدة السلطة في بريطانيا في ضوء تولي تيريزا ماي رئاسة الوزارة البريطانية بدلاً من ديفيد كاميرون خريف العام 2016، رغم انتماء الاثنين إلى حزب المحافظين، ثم في صعود دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية مع مطلع العام 2017، بالتزامن مع صعود نجم مرشح الرئاسة الفرنسية فرنسوا فيون الذي سيحل في قصر الإليزيه في ربيع العام 2017، وسط تقديرات بتحول الرئاسة الألمانية نحو اليمين مع احتمالات مجيء حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني لاحتلال مركز المستشارية الألمانية.

انعكاسات التحول لليمين في العالم الغربي على القضية السورية، ستكون جزءًا من عملية «تصحيح» السياسة الغربية سواء في مساراتها الداخلية أو الخارجية، ولأن القضية السورية جزء من الأخيرة، فإنها ستكون في إطار «التصحيح» الذي يعني في أول ما يعنيه، الخروج من سياسات من سبقهم من زعماء، قادت سياساتهم السورية إلى تكريس الصراع في سوريا، بل إلى إحداث تحولات عميقة فيه، كان الأبرز فيها، تحويل القضية السورية من قضية شعب، ينهض في وجه الاستبداد والديكتاتورية، والمطالبة بالحرية إلى حرب على الإرهاب، ومن العداء لنظام رسخت تلك الدول، حقيقة، أنه من بين خمسة أنظمة في العالم، دأبت على دعم الإرهاب، إلى نظام يحارب الإرهاب بالشراكة مع قرينه نظام الملالي في إيران، وكله ترافق مع دفع تحول ثورة السوريين من ثورة وطنية ديمقراطية إلى نشاط لجماعات إسلاموية.

وسط هذه التحولات، لا يمكن وجود تصور سياسة، يمكن أن تجعل القضية السورية أسوأ مما صارت إليه، وقد غدت بما نجم عنها من نتائج على الصعيد الإنساني بمثابة كارثة غير مسبوقة في التاريخ الحديث، طالت أكثرية السوريين، وبين تعبيراتها قتل واعتقال واختفاء وتهجير وتشريد أكثر من عشرة ملايين سوري، وتدمير قدراتهم الفردية والاجتماعية، إضافة لما ترتب على دول الجوار والأبعد منها من تداعيات بينها موجات هجرة ولجوء ومساعدات، وخروقات للأمن وتصاعد للإرهاب نتيجة تداعيات الوضع السوري، وكلها مهمات ستكون في أولويات الموجة الجديدة من قادة الدول الغربية، التي وإن أبدى بعضهم موقفًا «منفتحًا» على نظام بشار الأسد في إطار تخوفه من جماعات التطرف والإرهاب، فإن أغلبهم، وضع مؤيدي نظام الأسد وداعميه من الإيرانيين والروس في مقدمة خصوماتهم السياسية المقبلة، وهذا سوف ينزع حماية الإيرانيين والروس لنظام بشار الأسد، ويجعل سقوطه أمرا ممكنًا.

إن التخوفات السائدة من صعود اليمين إلى السلطة في بلدان الديمقراطيات الغربية، تبدو تخوفات غير طبيعية ولا منطقية، بل هي بين الأخطاء في مدرسة التحليل والتفكير السائدة، والتي كان بينها استبعاد وصول ترامب في الولايات المتحدة وفيون في فرنسا إلى سدة السلطة، وقد ثبت بطلان تلك التقديرات، والتي توازي في نتائجها تقديراتهم في أن سياسات قادة اليمين الغربي على القضية السورية وعموم قضايا الشرق الأوسط، ستكون أسوأ من سابقيهم، وللحق، فليس هناك سياسة أسوأ من سياسات سابقيهم في عجزها وتفريطها وتهاونها ومسايرتها لأنظمة مارقة وقاتلة ومستبدة، تجاوزت القوانين الدولية والقيم الإنسانية، وخلفت كارثة إنسانية عميقة، ووضعت الشرق الأوسط والعالم على حافة حرب، لا يمكن تقدير نتائجها إذا اندلعت.

اقرأ المزيد
٥ ديسمبر ٢٠١٦
بين " سيد الوطن " و" الوطن سيد الجميع "

قبل اندلاع الثورة السورية بشهر ونصف، وبالضبط في أول شهر شباط عام 2011 انعقد المؤتمر السنوي لاتحاد الكتاب العرب، في صالة المركز الثقافي في حي المزة بدمشق.

القاعة كانت تغص بالكتاب والمفكرين والشعراء والقصاصين وما أدراكم.. أي أن من كان في القاعة هم نخبة النخبة من المجتمع السوري، أو من المفترض أن يكونوا كذلك.

طبعاً.. المؤتمر شأنه شأن أي مؤتمر آخر في دولة سلطة الأسد، لم يُفضِ إلى شيء، ولكنه تميز بتفجير قنبلة كلامية داخل القاعة فجرها كاتب هذه السطور.

وتفصيل ذلك أن أحدهم، قدم مداخلة كلها، مديح وإطناب بمناقب الأسد، وأسبغ عليه الكثير من الصفات، فهو الرمز، والملهم.. وهو قائد التحديث والتطوير.. وهو باني سورية الحديثة.. وهو.. وهو.. وهو " سيد الوطن ".

والحقيقة أن هذه العبارة الأخيرة التي نطق بها: " سيد الوطن " استُخدمت كثيراً، ومن قِبل المتسلقين منذ عهد " سيد الوطن " الأب، واستمر تكرار هذه " المقولة " من قبل أصحاب النفوس الانتهازية في زمن الابن.. وكنت شخصياً لا أستسيغ هذه العبارة، ولا أطيقها، لأنها عبارة مغلوطة، ولا يصح أن يوصف شخص بها مهما علا شأنه وعظمت مكانته.

بعد أن انتهى صاحب مقولة " سيد الوطن " من مداخلته، طلبت الكلام، وقلت مما قلت: أنا أعترض على عبارة "سيد الوطن" لأن رئيس الجمهورية ليس بسيد الوطن، بل الوطن هو سيد الجميع.. ".

علا الهرْج والمرْج في القاعة، وتلوّنت الوجوه بالاصفرار خوفاً عليّ، أو بالاحمرار المخلوط باللون الأسود غضباً مني، وقد دعا ذلك رئيسَ الاتحاد ومدير الجلسة إلى أن يدعو "سكان " القاعة إلى التزام الهدوء.

طلب الكلام عضوُ القيادة القطرية الذي من " واجب الوجوب " أن يكون هو أو غيره من أعضاء القيادة حاضراً في هكذا مؤتمرات لكي يراقب ما يجري ويشرف ويعاين ويوجه، ومن ثم يقدم عرضاً مفصلاً عما جرى في المؤتمر، لأعضاء القيادة القطرية " للحزب القائد ".

والحق أقول إن عضو القيادة كان مهذباً في ردّه على احتجاجي، وقد حاول رغم اضطرابه والمفاجأة التي وقع فيها، أن يفسر عبارة " سيد الوطن " للتخفيف من " عنجهيتها ومغلوطيّتها "، لكن التعبير خانه ولم يسعفه تمام الإسعاف، فوقع في معنى قول الشاعر: وفسّر الماء بعد الجهد بالماء ".

وقد وقع في معنى قول الشاعر أيضاً أحد الأدباء الحقوقيين، حيث حاول جاهداً أن يُشرْعِنَ هذه العبارة، ويسبغ عليها الصفة القانونية والوطنية، فوقع هو الآخر في وهدة الفشل الذريع.

بعد ذلك طلب الكلام أحدُ الشبيحة الثقافيين، وقد بدأ خطابه الناري بلغة بعثية أصيلة صميمة..!!.. تخرُجُ من مرجل فمه الملتهب غضباً عليّ وعلى أمثالي من المتآمرين على دولة المقاومة والممانعة، ورئيسها القائد الرمز الذي هو ليس سيد الوطن السوري فحسب، وإنما هو سيد الوطن العربي كله من مشرقه إلى مغربه ".. هكذا قال.!!.

وأخيراً نأتي إلى مداخلة المفكر الإسلامي المتنور جودت سعيد.

قال جودت سعيد يومها مباشرة: في زمن الوحدة كنت مجنداً في خدمة العلم، وفي أحد الأيام سمعت بعض الضباط يتهامسون، وبما أنني كنت على علاقة اجتماعية لا بأس بها معهم خارج نطاق المفهوم العسكري الصارم، فقد سألتهم، ما الموضوع..!!؟. فقالوا لي: هناك نيّة للانقلاب على جمال عبد الناصر والانفصال عن مصر.. وعندما علمت أنهم موافقون على ذلك، قلت لهم ناصحاً: أيها السادة.. جمال عبد الناصر إنسان، وغداً سوف يرحل عن هذه الدنيا، ولكن الوطن سوف يبقى، والوطن للجميع.

والمغزى من كلام جودت سعيد واضح، فهو ضد هذا المصطلح القبيح " سيد الوطن "..

 

بقي عليّ أن أصف لكم مشاعري، وما حدث بعد ذلك.

طوال الوقت كنت منشغلاً بتخيلاتي وتساؤلاتي عن متى، وأين، وكيف، سيتم اعتقالي من قبل عناصر أمن النظام.

وأثناء الاستراحة، قرأت مشاعر زملاء المؤتمر من خلال ملامح وجوههم الراضية أو الغاضبة أو المحايدة.. وقد جعلني أحد الزملاء أبتسم دون رغبة مني حين رفع إصبع يده في غفلة من الحاضرين، وقال بهمس: أحييك يا صديقي.

ومنذ بداية الاستراحة وحتى نهايتها كنت أقول في نفسي ربما بين لحظة وأخرى يأتي عناصر الأمن ويعتقلونني، ولكنهم لم يفعلوا، فقد أظهروا أنهم مؤدبون، حضاريون.!!.. وكأنهم قالوا من غير اللائق أن نفعل ذلك أمام زملائه.!!.

بعد انتهاء المؤتمر خرجت متسللاً من المركز الثقافي، وأنا أتطلع بتوتر وخوف يمنة ويسرة، وأتوثب لقبول أية داهية يمكن أن تقع فوق رأسي.!!. ولكنني لم أر أحداً من عناصر الأمن، ولم أجد منهم مَن يهجم عليّ بشراسة ويقول لي: تفضّل معنا.!!.

وهكذا بقيت أضع الاحتمال بعد الآخر حتى وصلت إلى مسقط رأسي، وبقيت فيها حتى اندلعت الانتفاضة السورية، وعمت المظاهرات في منتصف آذار 2011.

وعندما أصبحت مدينتي القصير عصية على سلطة النظام، حاولوا أن يعيدوها إلى " بيت الطاعة ". فاجتاحها الجيش للمرة الأولى بتاريخ يوم الخميس 11 / 8 / 2011، واعتقلوا المئات، ومن بينهم " حضرتي ".. وبقيت في ضيافتهم العامرة.!!. لمدة مائة يوم ويومين في فرع الأمن العسكري ثم في السجن المركزي بحمص، مع التنويه إلى أن مقام السجن المركزي كان أشبه بفندق خمس نجوم قياساً إلى معتقلات فروع الأمن التي لا تُعدّ ولا تحصى.

هل تصدقون لو قلت إن للسجن جانباً مضيئاً وممتعاً أتحسر على فقده حتى الآن، دون أن أنسى العبارة الشعبية: يِنْذِكر ولا ينعاد ".!!. فالحياة في السجن لها طعم مختلف، فهي تجعل السجين يغوص في تجربة جديدة من العيش، فكم من شاعر وروائي ومفكر عاشوا هذه التجربة، وسجلوا مشاعرهم ومشاهداتهم ومعاناتهم اليومية هناك بأعمال أدبية رائعة.

ولكن المؤلم جداً أنني لم أعد أتمنى دخول المعتقلات.!!. بعد أن اشتدّ الصراع، وأصبح همّ النظام الأول والأخير أن يقضي على ثورة الشعب السوري عبر ممارسات شتى قل نظيرها في تاريخ العالم، ومنها القضاء على عشرات الآلاف من المعتقلين عبر التعذيب والتصفية الجسدية، وقد وثق الكثير منها المصور السوري المعروف باسمه المستعار " قيصر "، والذي نجح في تسريب خمسة وخمسين ألف صورة من سجون الأسد، وتهريبها إلى أوروبا، والتي أظهرت أشنع ما شهدته البشرية من تعذيب حتى الموت لأكثر من أحد عشر ألف معتقل سوري، ونتيجة للجهد الإنساني الذي أنجزه ذلك المصور، فقد منحته لجنة تحكيم جائزة نورنبرغ جائزتها لعام 2017.  

ولذلك.. أليس من حقي أن أخاف وأرتعب، وأن لا أتمنى العودة إلى معتقلات الأمن السوري، لمجرد أنني أريد أن أعيش تجربة " ممتعة " أخرى أدون فيها سيرتي الذاتية.!؟. فقد أصبح يخاف من معتقلات سلطة الأسد حتى عزرائيل نفسه شخصياً.

 

اقرأ المزيد
٥ ديسمبر ٢٠١٦
معركة إدلب لم تبدأ … وكل ماهنالك “تسخين” و تحويلها لـ”نصرة” تمهيداً لإزالتها...

لايمكن التماهي أكثر ، أو مواصلة العمل ونحن مختبئين خلف اصبع واه و ضيّق، و نقول لماذا يحدث بنا ذلك، و لم لم نتداركه قبل تطور الوضع لأكثر من ذلك، فبعد أن هجر النوم أمس أهالي ادلب، على وقع المجازر المتتالية ، كان السؤال الأكبر لم تم الاستهداف و بهذا الشكل و بتلك الوحشية..!؟

لا يمكن وضع اجابة اعتيادية كـ”نظام مجرم” و “لا إرادي القتل” ، ما إلى ذلك من توصيفات حقيقية و واقعية، و لكنها يوجد خلفها من يجعل الأمر أعمق و أشد خبثاً، فلا مجال لابادة شعب بمباركة دولية إلا ضمن مصطلح “الارهاب” أو “الارهاب الأوسع انتشاراً و الاضيق حيزاً” ، فلذا حالياً عملية الموازنة تتم بشكل مدروس جداً، تحتاج لنظرة أكثر واقعية و تفكير أكثر عمقاً، للسعي لتلافيها.

تعتبر “القاعدة” بمختلف أشكالها المتشدد القاسي “داعش” و الناعم “جبهة النصرة” و النسخة المحدثة “فتح الشام”، هي ممن تقع تحت مسمى “الارهاب الأوسع” أو عابر للحدود، وهو خطر عام و يشمل جميع الدول. بينما يعتبر الأسد كواجهة و من خلفه ايران كـ” ارهاب ضيّق”، محصور في حدود أو رقعة جغرافية محددة، لن تتجاوز ، و بالتالي طغيان أي نوع من النوعين السابقين (أقصد دولياً) يعني أن الحرب عليه واجبة و مدعومة، و لو كانت من الطرف الآخر في ذات “الارهاب” العام و لكن بغير الاتساع.

بعبارة أقصر و أبسط، فإن طغى الارهاب الأسدي تم تقوية القاعدة لضبطه، و إعادته إلى الحدود التي لاتؤذي بها العالم المحيط القريب و البعيد، اذا ضعف الارهاب الأسد - الايراني و تعاظم دور “القاعدة”،فإنه من المحتم أن يكون لـ”الأسد - ايران” يد تدعمهم ليقفوا ذلك التمدد “القاعدي” الذي حدث، وهكذا دواليك.

و بالعودة إلى ادلب، التي يجمع الجميع على أنها المحطة المقبلة، بعد حلب، بعد اتمام انهاء المناطق المحيطة بدمشق و كذلك في حمص ، لتكون الثورة عبر ست سنوات داخل مربع “ادلب”، وبالأمس كان التصعيد الهستيري ، على مختلف مناطق ادلب ، و التركيز على منطقتين هما أبعد ما يكونا عن “القاعدة” بشتى صنوفها، ماهي إلا محاولة لربط المناطق الخارجة عن وصف “الارهاب” أياً كان مع “القاعدة” و بالتالي جواز التعميم مستقبلاً لكامل ادلب متاحاً.

اليوم مع الاختلاط “الايدلوجي” في ادلب و الذي لعبت عمليات التهجير باتجاهها دوراً في زيادته، يدفع الأسد (وهو أداة بطبيعة الحال)، لزيادة الضغط على المدنيين و من تبقى من الجيش الحر بأن لا يكونوا رافضين لـ”القاعدة” فكراً و نهجاً، بل على الأقل صامتين عنها و متعاونين كنوع من التشارك في “الخندق” حتى يُرد الموت و حماية العرض، ووجود هكذا صيغة، يعد كافياً لأن يكونوا كما هم شركاء بالاستهداف، متشاركين في وصف “الارهاب الأوسع”، وهنا يحدث ما يرنو إليه المخطط الأكبر “روسيا”، ويعمل بمباركة دولية، مع بعض البهارات الانسانية بين الفينة و الأخرى.

سيناريو حلب الذي تابعنا تفاصيله، اليرم نراه يتكرر ، فالخطط المخابراتية هي ذاتها طالما تحقق نجاحاً، فنجحت في عشرات المناطق، لما لا يستمر العمل بها ، فهل نعي ذلك و نعمل على تلافيه أم نقول “واحد واحد الجهاد الشامي و الحر واحد”

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٦
في مشكلات الثورات المسلحة ومآلاتها المأساوية

فيما المعركة تدور على حلب التي تقصف بوحشية بالصواريخ والبراميل المتفجرة لفرض الاستسلام على فصائل المعارضة المسلحة، أو تعريض سكانها للقتل والتشريد مع تدمير عمرانها، ثمة محادثات تدور بين ممثلين عن الفصائل العسكرية مع مسؤولين روس برعاية تركية، في أنقرة، وأخرى تجري بين موفدين أميركيين وروس في جنيف، في حين أن كل ذلك لم يمنع الفصائل من التنازع والتقاتل، على رغم الحديث عن توحيد فصائل بما سمي «جيش حلب».

اللافت أن كل الأطراف تتصرّف وكأن مصير الصراع السوري سيتقرّر في حلب، وضمنه مصير ثورة السوريين، فيما يتم التلويح من روسيا باعتماد نموذج «داريا»، أو «غروزني»، في حين أن الواقع يفيد بأن النظام لا يملك من أمره شيئاً تقريباً، لا في حلب ولا في غيرها، وأنه لولا الدعم الروسي السياسي والعسكري (لم يكفه الإيراني ولا ميلشيات حزب الله وأبو الفضل ونجباء وفاطميون) لما بقي له شيء، بغض النظر عن مآلات الثورة السورية، بما لها وما عليها.

ثمة أسئلة عدة تطرح نفسها هنا، ومثلاً، هل كانت الفصائل العسكرية التي طالما تحدثت عن اقتراب إسقاط النظام، وعن ساعة «صفر» في دمشق وفي حلب، وعن «ملحمة» هنا وهناك، تدرك ما تقوله حقاً؟ ألم تكن هذه الفصائل تعي حدود قدراتها التسليحية، ومدى قدرتها على الاحتفاظ بما بات يعرف كـ «مناطق محررة» سيما بعد دخول روسيا كطرف مباشر في الحرب؟ ثم إذا كانت تدرك هذا وذاك فلماذا وقعت في هذا الفخّ؟ ألم يكن الأجدى لها انتهاج استراتيجية عسكرية تتناسب مع قواها وتجنّب أهل حلب هذه المعاناة التي لم تخدم إلا النظام؟ أيضاً، لماذا ذهبت الفصائل العسكرية إلى المفاوضات مع الطرف الروسي ولم تفعل بنفسها ما ينبغي عليها فعله قبل الوصول إلى هذه الحال الكارثية؟ وأين هو «الائتلاف الوطني»، الكيان السياسي للمعارضة من هذه المفاوضات؟ ثم هل كانت الفصائل العسكرية لتسكت عن قيام أي طرف معارض بمفاوضات مع روسيا وهي تقتل وتدمر السوريين؟

ليس الغرض من هذه التساؤلات تسجيل مواقف، أو التقليل من شأن تلك الفصائل، وتضحيات منتسبيها، لكن الغرض منه التوضيح أن هذه المآلات كانت نتيجة لعدم إدراك الواقع، والمبالغة بالقدرات، وتجاهل العالم، وتغليب العواطف، وغياب استراتيجية عسكرية ملائمة وممكنة، وعدم ربط الصراع العسكري بالصراع السياسي، والتوضيح أيضاً أن العامل الخارجي بات هو المتحكّم بالصراع السوري أكثر من النظام وأكثر من المعارضة وفصائلها المسلحة.

الخطأ القاتل الذي يمكن ارتكابه هنا هو تقديس العمل المسلح، أو وضعه خارج النقد، كما في الحالة الفلسطينية، في حين أن الثورات، بخاصة المسلحة منها، تفترض هذا النقد لترشيد أوضاعها، وتقليل الأثمان الناجمة عنها، ولتحقيق الإنجازات بأفضل ما يمكن، ناهيك بأن الثورات تتأسس أصلاً على تحرير العقل وضمنه تحرير السياسة وجعلها ملكاً عاماً للمجتمع.

أيضا، ليس الغرض من التساؤلات الإيحاء بطلب ثورة جاهزة، وفقاً لمواصفات نمطية، على المسطرة، فهذا كلام غير واقعي، إذ تأتي الثورات على شكل انفجارات مفاجئة وعفوية، لا يمكن التحكّم بها ولا هندستها، ومع تداعيات سلبية أو إيجابية لا يمكن توقّعها تماماً.

بيد أن ما ينبغي إدراكه أن الأمر مع الثورات المسلحة مختلف تماماً، إذ هكذا ثورات تطول كثيراً، من الناحية الزمنية (الجزائرية والفلسطينية مثلاً)، لذا فهي تحتاج إلى إمكانيات كبيرة، مالية وتسليحية وتسهيلات لوجستية، ما لا يمكن توفيره ذاتياً في مجتمعات فقيرة ومسيطر عليها، إذ هذا الشكل من الصراع يحتاج إلى دعم خارجي، من دولة أو دول عدة. فوق ذلك فإن هكذا ثورات تحتاج إلى إعمال التفكير والتدبير لتقليل أثمانها، على فرض الوصول إلى الهدف بأقرب وقت وبأفضل شكل ممكن.

على ذلك فإن الكلام عن الحركات المسلحة بوصفها ثورات هو كلام مجازي، سواء كانت من أجل التحرر الوطني (كالفلسطينية والجزائرية مثلا)، أو معارضة تستهدف تغيير النظام كمثل الحالة السورية، ذلك أن هذه الحركات يفترض أنها تتطلب أرقى أشكال التنظيم والوعي والإدارة، كونها تحتاج إلى استعدادات وتأهيلات من نوع خاص، كما ذكرنا.

في الحالة السورية نشأت ظاهرة الفصائل المسلحة، منذ البداية، ليس كنتاج للمعارضة السياسية، ولا بفضل الحراكات الشعبية في المجتمع السوري، ولا على أساس الإمكانات الذاتية، وإنما بفضل التشجيع والدعم الخارجيين، ونحن هنا لا نقصد ظاهرة «الجيش الحر» ولا الجماعات الأهلية التي تسلحت للدفاع عن القرى او بعض أحياء المدن، وإنما عن الفصائل المسلحة، ذات الطابع الأيديولوجي، التي بلغ عددها العشرات، من دون ان يكون لها مرجعية واحدة، ومن دون أي تنسيق في ما بينها، والتي اشتغل معظمها كسلطة في «المناطق المحررة»، وبالمنازعات الجانبية مع الفصائل الأخرى، إلى درجة التقاتل تحت أنظار النظام، وعلى مقربة من جبهاته، وهذا حصل أخيراً في الغوطة الشرقية لدمشق وفي حلب تحت الحصار والقصف.

أيضاً، مع ارتهان الفصائل للدول الداعمة، وضبط حركتها على إيقاع هذه الدول السياسي والتسليحي، والارتباط بأجندتها، على حساب اجندة السوريين، فإنها لم تراع ولا مرة امكانياتها المحدودة، ولم تدرك تماماً الحدود التي يسمح لها النظام الدولي بالوصول إليها، ما أدى بها إلى استنزاف قواها، وتالياً إدخال الثورة، وشعبها، في معارك فوق طاقتها وقدرتها على التحمل، ناهيك أن ذلك سهّل على النظام، تحويل ما اعتبره بيئات حاضنة للثورة إلى حقل رماية لمدفعيته وطائراته، ودفع السوريين إلى التشرد واللجوء.

المشكلة أنه لا توجد للثورة السورية أية مرجعية من التجارب التاريخية، فقادة الفصائل العسكرية يتصرفون في الغالبية بطريقة عنجهية غير مسؤولة، وتغلب عليهم النظرة العاطفية والقدرية، وكل ذلك لا ينفع في الصراعات المسلحة، التي تحتاج إلى إمكانات، وإلى ظروف دولية وإقليمية وعربية مساندة. بل إننا شهدنا بأن هذه الفصائل فعلت كل ما بوسعها لخدمة النظام، بخطاباتها الطائفية والدينية المتعصّبة والمتطرّفة، وبتخلف إدارتها للمناطق المحررة، وبانزياحها عن الأهداف الأساسية للثورة، والمتعلقة بإنهاء الاستبداد وإقامة دولة مواطنين أحرار ومتساوين في نظام ديموقراطي.

لم يدرك قادة هذه الفصائل أنه من دون استثمار العمل العسكري في السياسة سيؤدي ذلك إلى تبديد التضحيات، وأن موازين القوى أمر مهم في الصراعات العسكرية وأن هذه لا تحصل بالعواطف والروح القدرية التي لا تستطيع شيئاً أمام البراميل المتفجرة ولا أمام الصواريخ الفراغية والارتجاجية، كما لم يدركوا أن الثورات المسلحة عبر التاريخ لم تنتصر إلا لأن العامل الدولي لعب دوراً كبيراَ في انتصارها، وهذا أكثر ما ينطبق على الثورة السورية.

ينبغي هنا طرح الأسئلة من دون حرج، فكيف تأنّى للثورة السورية تغليب العمل المسلح، من دون استعدادات ذاتية، ومن دون إمكانات، ومن دون تطور في فعاليات الثورة، التي لم تستطع حتى الآن تنظيم عصيان مدني؟ ثم كيف أمكن الاستمرار على ذات الطريق على رغم خسارة منطقة تلو الأخرى، وعلى رغم تشرّد ملايين السوريين، وتبيّن محدودية الدعم الدولي وانكشاف ما يسمى معسكر «أصدقاء سورية» مع تلاعباتهم وتبدّل مواقفهم؟ والمعنى أن الثورات ليست مجالاً للهواة والمغامرين، وليست سياحة ولا حلماً ثورياً، لاسيما أن للثورات العنيفة والمسلحة أثمانها الباهظة وتداعياتها الكارثية والسلبية على المجتمع المعني حتى لو انتصرت.

الثورة السورية النبيلة والمستحيلة واليتيمة والشجاعة هي الأكثر شرعية وصعوبة وتعقيداً بين مجمل ثورات الربيع العربي، بما لها وما عليها، مع ذلك يفترض إدراك أن الثورات قد تنتصر وقد لا تنتصر، وقد تنحرف، أو قد تحقق أهدافها جزئياً، كما قد تدخل في مساومات، لكنها مع كل ذلك تكون فتحت الطريق للتغيير، فالماضي لا يمكن أن يعود، وأثمان الثورات باهظة جداً جداً، لكن التاريخ يعمل على هذا النحو وليس على نحو ما نشتهي.

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٦
ماذا سيفعل الأسد بعد انتصاره؟

حسناً إذاً... غداً أو بعد غد سيحتفل بشار الأسد بالانتصار على أهل حلب، مثلما انتصر سابقاً على السوريين في حمص وحماه وفي سائر المدن، وأخرج المحظوظين منهم الى مخيمات اللجوء أو الى المنافي، فيما ذهب الأقل حظاً الى القبور. معادلة الحرب القائمة على تفوّق القوي عسكرياً على الضعيف تحتّم انتصار الأسد وشركائه في جرائم قتل السوريين، فيما خنوع الدول الغربية أمام التدخل الروسي قبل عام، الذي كان حاسماً في قلب موازين القوى، فرض أخيراً على أطراف المعارضة أن تجلس الى طاولة التفاوض مع الروسي في أنقرة، لعلها تحصّل شروطاً أفضل للهزيمة في حلب.

خيار أطراف المعارضة كان: القتال الى النهاية في شرق حلب مع ما يعنيه ذلك من كارثة بشرية على حوالى ربع مليون شخص يقيمون في هذه المناطق، معرّضين للموت تحت القصف أو نتيجة الجوع، أو التفاوض على فتح ممرات لخروج السكان مع ما يرافق ذلك من تسليم مسلحي المعارضة أسلحتهم واحتمال اعتقالهم وقتلهم على أيدي جنود النظام وحلفائهم. لكن، حتى هذا التفاوض أصبح عبثياً في ظل مماطلة الروس وإصرار الإيرانيين على تحقيق انتصار كامل في أحياء شرق حلب.

الأسد ذاهب إذاً الى الانتصار، فيما العالم يتفرج على هذا الحجم الهائل من القتل والدمار، الذي وصفته الخارجية الفرنسية بأنه أكبر مجزرة ترتكب بحق المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية. حلب تنضم الآن الى لائحة من المدن التي قضت عليها آلة الحرب الوحشية على مرأى من العالم. هل تذكرون ماذا فعل الصرب، حلفاء الروس، في سريبرينيتسا، وماذا فعل فلاديمير بوتين في غروزني؟ وفي كل مرة كان العالم يتوعد بأن هذه المجزرة ستكون الأخيرة، ثم يتحالف العجز الغربي مع البلطجة الروسية، لتمهيد الطريق لارتكاب مجازر جديدة.

الأسد ذاهب الى الانتصار. انتصار لا فضل فيه سوى للإيرانيين والروس ولمقاتلي «حزب الله» وسائر الميليشيات الشيعية القادمة من العراق وأفغانستان ومن كل مكان يتوافر منه مرتزقة للقتال، الى جانب العصبية المذهبية التي صارت الراية الأبرز التي يحارب تحتها هؤلاء، دفاعاً عن النظام «البعثي العلماني»!

في وضع كهذا، هل يمكن تصوّر طبيعة الدولة والنظام السوريين اللذين سيبقيان بعد هذه الحرب؟ الأسد باق على رأس الدولة فيما الروس والإيرانيون يمسكون بمقدرات الأمور على الأرض، كما تفرض حقوق المنتصرين. وصاية كاملة يمكن توقعها على القرار السوري، تشبه تلك الوصاية التي فرضها السوريون على القرار اللبناني على مدى عقد ونصف عقد من الزمن. وكان التبرير هو الغطاء الدولي والقوة العسكرية، وهو التبرير نفسه الذي سيكون جاهزاً لتمكين موسكو وطهران وحلفائهما من الهيمنة على مقدرات القرار السوري.

يقول روبرت فورد، سفير أميركا السابق في دمشق: سيبقى الأسد في الحكم. والروس والإيرانيون يهيمنون. لكن هؤلاء سيحكمون دولة نصف ميتة. سورية ستبقى جرحاً مفتوحاً أمام أنظار العالم.

بلد نصف شعبه مهجّر بين الداخل ومنافي اللجوء في الخارج. بلد تحولت مدنه الى أطلال وخرائب. أهلها يعتاشون على الأعشاب وفتات الخبز المجبولة بمياه الأمطار. أطفاله مشردون من دون أية فرصة لتحصيل العلم، بعدما أصبح هاجس أهلهم الوحيد إبقاءهم على قيد الحياة. مدارس ومستشفيات ومصانع مدمرة. اقتصاد في الحضيض. هذه هي سورية التي سيخرج بشار الأسد منتصراً من حربه فيها وعليها.

بعد انتصار الأسد على السوريين، وعندما تأتي مرحلة إعادة الإعمار، التي تتجاوز تقديرات تكاليفها 250 بليون دولار، من سيموّل مشروع الإعمار هذا؟ أية دولة غربية ستكون مستعدة لإعادة تأهيل بلد يحكمه بشار الأسد؟ مشروع مارشال كان نتيجة طبيعية لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. المنتصرون يستثمرون في انتصاراتهم. لكن الدول الأوروبية التي تحمّل نظام الأسد المسؤولية عن قتل شعبه وتدمير بلده لن تكون مستعدة لمساعدته على بناء سورية الجديدة. أما دونالد ترامب، صديق بوتين، فعينه على الداخل الأميركي، ولا وقت لديه للاهتمام حتى بحلفاء أميركا الطبيعيين. فيما الروس والإيرانيون محاصرون بالعقوبات الدولية، ويصعب تصوّر مساهمتهم في مشروع بهذا الحجم وبهذه الكلفة.

ينتصر الأسد. حسناً. لكنه ينتصر على شعبه. وتجارب التاريخ تعلمنا أن انتصاراً كهذا ليس مؤهلاً للبقاء. الشعوب هي التي تبقى، أما الأنظمة الجائرة التي تفتك بشعوبها فمصيرها الزوال مهما بدت آلة الحرب قوية وخادعة.

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٦
إلى جنيف عبر أنقاض حلب؟

بعد خمسة أعوام من القتال الذي دمر سوريا، تبدو الشرعية الدولية أشبه بحطام في مدينة حلب، فكما تتساقط الآن الأحياء الشرقية من تلك المدينة المنكوبة، تساقط مبعوثو الأمم المتحدة إلى سوريا تباعًا؛ كوفي أنان، والأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا الذي وضع استقالته بتصرف بان كي مون قبل أيام (رغم النفي)، وقبلهم سقط المراقبون العرب وقائدهم السوداني الفريق أول محمد أحمد مصطفى الدابي، ثم المراقبون الدوليون وقائدهم النرويجي روبرت مود.

هكذا كان من الطبيعي أن يبرز سؤال وحيد طُرح مساء الأربعاء الماضي: ماذا يمكن لتلك الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن حول الوضع المتداعي في حلب، أن تفعل بعد هذا الفشل الطويل للشرعية الدولية وللمفاوضات السياسية التي انهارت تباعًا في جنيف؟ الجلسة عقدت بناء على طلب فرنسا وبريطانيا، وعلى خلفية قول السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرنسوا ديلاتر، إن فرنسا وشركاءها لا يمكنهم البقاء صامتين إزاء ما يجري في شرق حلب، وما يمكن أن يكون واحدة من أكبر المجازر بحق المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية، لكن الإحاطة التي قدمها دي ميستورا عبر الفيديو من بروكسل، اقتصرت على قوله إن لديه خطة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة وإن المعارضة والنظام يوافقان عليها.

في غضون ذلك كان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان في اتصال هاتفي هو الثالث بينهما هذا الأسبوع، وانتهى بإعلان مكتب الرئيس التركي أن الزعيمين اتفقا على تكثيف المساعي للتوصل إلى وقف للأعمال القتالية وضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة. في موازاة هذا أفادت الأنباء بأن ممثلين لروسيا ولفصائل من المعارضة السورية اجتمعوا في أنقرة لبحث سبل التوصل إلى هدنة، وأن هذه الفصائل مرتبطة بالائتلاف الوطني السوري ولا تضم «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقًا).

الإعلان عن لقاء الروس وممثلي المعارضة في أنقرة الذي تواكبه الاتصالات بين بوتين وإردوغان، أعاد إلى الأذهان الاقتراح الذي قدمه دي ميستورا في السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، والذي يدعو إلى أن يغادر مقاتلو «النصرة» حلب، مقابل وقف النظام والروس عمليات القصف، يومها وافقت موسكو لكن المبادرة تعطّلت وبدأ الهجوم المكثف على أحياء حلب الشرقية في ظل الحديث عن قرار النظام وحلفائه حسم الوضع قبل تسلم الإدارة الأميركية الجديدة.

الحديث عن تفاهم بوتين وإردوغان على وقف النار وعن إمكان إحياء خطة دي ميستورا، جاء متوازيًا مع تقارير من بروكسل تفيد بأن المبعوث الدولي يكثّف مساعيه لفتح «ثغرة استدراك» يمكن أن تعيد الكرة إلى جنيف، على خلفية أن الاندفاعة العسكرية الناجحة في حلب ليست نهاية الطريق، فلا بد من العودة إلى المربع السياسي، وهذا أمر يدركه النظام كما تريده موسكو، التي تجد أن الوقت مناسب الآن لخروج ظافر من خلال العودة إلى جنيف وفق أجندة لافروف.

لهذا يتعين طرح السؤال: هل يمكن استنباط مخرج من التفوق العسكري للنظام وحلفائه في حلب، يحيي عملية التسوية السياسية المنهارة منذ سقوط الهدنة التي اتفق عليها جون كيري وسيرغي لافروف قبل شهرين، ويعيد البحث على قاعدة «جنيف - 1»، أي تشكيل حكومة وحدة وطنية تهيئ لانتخابات جديدة مع بقاء الرئيس بشار الأسد حتى ذلك الحين؟ السؤال قد يبدو مستغربًا في أوساط النظام وحلفائه الإيرانيين، وخصوصًا بعد الانتصارات في أحياء حلب الشرقية، لكنه ليس مستغربًا عند دي ميستورا، الذي يراهن، رغم الحديث أخيرًا عن يأسه ووضع استقالته بتصرف بان كي مون، على إمكان فتح فجوة سياسية عبر ركام حلب، والذي أعلن من بروكسل أن التطورات العسكرية الأخيرة في المدينة لن تسقط مرجعية جنيف لهندسة تسوية سياسية تضع صيغة جديدة للحكم في سوريا: «إن النصر العسكري في حلب ليس كافيًا، لأن الحل يبقى في العودة إلى الحوار لإرساء تسوية سياسية، فالحلول العسكرية ليست مستدامة».

دي ميستورا ليس وحده الذي يرى أنه من الممكن لا بل من الضروري العودة إلى خطة كيري - لافروف، أي إخراج «النصرة» من حلب مقابل وقف النار، ويبدو أن هذه العملية تشكّل بندًا محوريًا في المحادثات بين بوتين وإردوغان، وليس خافيًا أنه عندما جاء المبعوث الدولي إلى دمشق قبل في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) كان يحمل اقتراحًا تركيًا فحواه «أن لا يتم أي تغيير جذري في الإدارة في أحياء حلب الشرقية بعد إخراج (النصرة) حتى يكون لدينا حل شامل»، لكن كان من المفاجئ أن يتعرّض إلى اتهامات مباشرة من لافروف، وهو ما دفعه إلى إيداع استقالته لدى بان كي مون.

لافروف قال إن الأمم المتحدة بشخص مبعوثها دي ميستورا تقوّض منذ أكثر من ستة أشهر قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يطلب تنظيم محادثات شاملة بين الجهات السورية دون شروط مسبقة، لكن هذا الاتهام لا علاقة له بموقف دي ميستورا من القرار المذكور، بل جاء ردًا مباشرًا وغاضبًا على قول دي ميستورا في 22 الشهر الماضي أمام مجموعة من مشرّعي «الديمقراطية الاشتراكية»، إنه يشعر بقلق بالغ بشأن ما يمكن أن يحدث قبل 20 يناير (كانون الثاني) «نحن قلقون للغاية من أن يطبق الأسد بشكل وحشي وعدواني على ما بقي من شرق حلب، سيكون ذلك مأساويًا، قد يصبح فوكوفار جديدة».

مدينة فوكوفار الكرواتية أول مدينة أوروبية كبرى دمرت تمامًا منذ الحرب العالمية الثانية، على أيدي الجنود الصرب الذين ذبحوا المئات ورحّلوا 30 ألفًا من سكانها، وكانت موسكو تؤيدهم كما هو معروف، والحديث عن فوكوفار كالحديث عن غروزني الشيشانية التي سحقها بوتين عام 2000، يثير غضب موسكو!

أهم من كل هذا، لا يغالي دي ميستورا عندما يراهن على إمكان استنباط حل سياسي من دمار مدينة حلب، لأنه مهما كانت نتائج الميدان فهي تحتاج في النهاية إلى ترجمات سياسية، وخصوصًا أن سقوط حلب لا يعني نهاية الحرب، بل حلقة في سلسلة طويلة من الاستنزاف الموجع في بلد مدمر كليًا، إضافة إلى ما يترتب على هذا من متاعب اقتصادية منهكة، وخصوصًا إذا عطفناها على ما تثيره استراتيجية بوتين في العالم السني المترامي، وانخراطه في تدمير المعارضة السورية بذريعة ضرب «داعش» و«النصرة» عبر دعمه النظام وإيران.

خلاصة العرض المسهب الذي قدمه دي ميستورا أمام البرلمان الأوروبي بداية الأسبوع وعشية التحرك الفرنسي البريطاني في مجلس الأمن، أنه يراهن على بروز ثغرة في جدار النار السورية تعيد الجميع إلى جنيف، بحثًا عن قناعة واقعية توفّر مخرجًا مقبولاً على قاعدة الاقتناع بحتمية حصول تقاسم حقيقي للسلطة، لا يمكن التوصل إليه إلا عبر ضغوط أميركية روسية، وهذا ما يستلزم بالضرورة هدنة راسخة في حلب عبر إخراج «النصرة»، ريثما يبدأ الظهير الأميركي الجديد عمله!

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٦
ملجأ الأسد والكلب المسعور

يتذكر مسؤول سابق مقرّب من دمشق انه عندما زار العاصمة السورية بعد التهديد الذي وجهته إدارة الرئيس اوباما لنظام بشار الاسد بسبب أقدام الاخير على إستعمال السلاح الكيميائي ضد معارضيه، وجد ان عددا من المسؤولين الذين إعتاد أن يلتقيهم قد إنتقلوا الى الملاجئ تحسبا للصواريخ التي ستنطلق من الاسطول الاميركي في المتوسط نحو مقرات النظام تنفيذا لتهديد أوباما بإنه سيعاقب الاسد إذا ما إجتاز الخط الاحمر الكيميائي. وروى هذا المسؤول انه أبلغ أصدقاءه السوريين ان الرئيس اوباما تراجع عن وعيده بعدما بدأت تتواتر الانباء عن صفقة روسية - اميركية تخلى بموجبها الاسد عن ترسانته الكيميائية مقابل إعفائه من العقاب.

يشارف زمن اوباما اليوم على الانتهاء. وبدأ زمن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يقترب. ومن المؤشرات التي لا تبعث على الارتياح في طهران التي تمثل السند الاقوى للاسد ان الادارة الاميركية المقبلة بدأت تبعث برسائل مقلقة الى محور طهران - دمشق، وآخرها إختيار ترامب الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس وزيرا للدفاع في إدارته المقبلة. وقال ترامب أمام حشد من إنصاره: "سوف نعيّن "الكلب المسعور" ماتيس وزيرا لدفاعنا". ومن المعروف عن ماتيس وصفه إيران بأنها "أكبر تهديد محدق بالاستقرار والسلام في الشرق الاوسط". ومن الرسائل المقلقة أيضا، إقرار مجلس الشيوخ الاميركي تمديد العقوبات المفروضة على طهران لمدة 10 سنوات أخرى ،ما يعني معاقبة الشركات الاميركية التي تتعامل مع طهران.وأتى هذا القرار على رغم تهديد أطلقه مرشد الثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي متوعدا بالانتقام إذا ما تم تمديد العقوبات. وربما كان إعلان النائب في مجلس الشورى الاسلامي محمد رضا تابش بالامس عن إعداد مشروع قانون عاجل حول "منع شراء السلع الاستهلاكية" الاميركية هو ترجمة لتهديد المرشد.

لم يعد خافيا أن اللهفة الايرانية للسيطرة على حلب باتت موصولة بالتغيير الاتي من واشنطن. وتقول مجلة "الايكونوميست" في عددها الجديد: "تقول حكومة السيد الاسد أنها تريد إستعادة حلب... قبل أن يتسلّم دونالد ترامب منصبه. وحالما تسقط (حلب) يصبح الاسد مسيّطرا على المراكز المدينية الرئيسية في سوريا". من هنا يفهم المرء السبب الذي دفع طهران الى تفعيل خط الاتصال بينها وبين موسكو فأوفدت مساعد وزير الخارجية ابرهيم رحيم بور الى العاصمة الروسية للتأكيد أن"التعاون في سوريا سيستمر" على حد تعبير المسؤول الايراني. ولن يكون هذا التصريح مفهوما خارج المعلومات التي تفيد ان خطا حواريا مفتوحا الان بين المعارضة السورية والكرملين يتمحور حول حلب وينطلق من التفاوض لإنهاء القتال في شرق المدينة، ما "يؤشر الى نقطة خلاف" بين موسكو وبين الاسد وإيران، كما تقول "الدايلي تلغراف" البريطانية.

ليست هي المرة الاولى التي يفترق الموقف الروسي عن الموقف الايراني، ولن تكون الاخيرة. لكنها ستكون المرة الاولى بعد 8 أعوام من إدارة اوباما التي أخرجت الاسد من الملجأ.

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٦
حلب ليست نهاية الثورة

شهد مطلع الأسبوع الحالي تطوراتٍ عسكريةً مهمة على جبهة حلب، تمثلت في التقدم الملحوظ الذي حققه النظام والمليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانبه، بدعم من روسيا وإيران. وليس هذا الإنجاز الميداني منفصلاً عما حصل على جبهات القتال في المحافظة خلال سنة، في الوقت الذي سيؤثر فيه بقوة على التطورات اللاحقة.

يقف وراء التقدّم الذي حققه النظام التدخل العسكري الروسي بقوة، والذي يشكل أكثر من 70 في المائة من الجهد الناري، وظهر ذلك في صورةٍ واضحة في الأشهر الأخيرة، خلال معارك الكر والفر التي ميّزها التبادل السريع للمواقع العسكرية، وكان النظام يخسر الأرض في كل مرةٍ لا توفر له روسيا الغطاء الجوي الكثيف الذي استلزم، في الآونة الأخيرة، حشد قوة روسية كبيرة في قاعدة حميميم.

يرى القسم الأكبر من المتابعين أن لعبة تبادل المواقع في حلب باتت من الماضي، وما يشغله النظام من المدينة صار تحت سيطرته، بل إنه سوف يتقدّم من أجل استعادة كل ما خسره في حلب منذ عام 2012، وتفيد التقديرات بأن معادلة جديدة قيد التشكل في حلب سوف تتبلور ملامحها النهائية في الأسابيع المقبلة.

الخاسر في هذه المعادلة هو المعارضة السورية المسلحة التي ستجد نفسها أمام خياراتٍ محدودة، ولن يكون في مقدورها إدامة القتال في حلب، وستجد نفسها مجبرةً على الانسحاب من جبهة حلب، الأمر الذي يشكل تراجعاً كبيراً لها، ويفتح الطريق أمام طرح مستقبلها على بساط البحث، بعدما باتت غير قادرةٍ على الدفاع عن نفسها في وجه روسيا وإيران، وضعف قواها الذاتية وتشرذمها وعدم امتلاكها السلاح الذي يؤهلها لتعديل موازين القوى.

مهما قيل في حق هذه المعارضة من نقدٍ يصل إلى حد التجريح، فإنها لم تنهزم في المواجهة مع النظام لأسبابٍ ذاتية، وعلى الرغم من المآخذ الكثيرة عليها، فإنها قاتلت بشجاعة، وليس من حقّ أحد أن يعطي دروساً للذين واجهوا الغزاة الطائفيين، وضحّوا من أجل الحرية والخلاص من نظام الأسد الضالع في الإجرام والفساد والتبعية لإيران وروسيا.

كشف رد فعل النظام على الإنجاز الذي حققه في حلب عن قصر نفس، حين أعلن أحد أركانه أنه عازمٌ على إنهاء الوضع في شرق حلب، قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب منصبه في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.

ينطلق هذا الحساب من فرضية تلخص ثورة الشعب السوري بالمعارضة المسلحة. وليس جديداً أن مصلحة النظام كانت، على الدوام، في تحويل الثورة إلى عمل عسكري. ومن هنا، هو يريد أن يصوّر للعالم أن بسط سيطرته على حلب يعني نهاية الثورة السورية، نظراً لما تعنيه حلب من ثقلٍ في معادلة الثورة ضد النظام، وهذا إقفال للملف من طرف واحد، أي جانب النظام، وهو لا يلزم السوريين الذين ثاروا عليه في مارس/ آذار 2011، ومهما امتلك من أسباب القوة اليوم فهو لا يستطيع منع القطاع الواسع من السوريين من أن يبقوا على عهد الثورة.

إذا تم طي صفحة القتال العسكري في حلب، واستتب الوضع لصالح النظام، فلن يقود ذلك إلى نهاية الثورة، بل على العكس، هناك جملة من الاستحقاقات التي تعيد الموقف إلى نقطة الصفر، ولا سيما ما يترتّب على الحرب والدمار من فواتير باهظة، على النظام تسديدها قبل غيره.

قد تكون حلب مرآة سورية، ولكنها لم تعد مفتاح الحل في ظلّ تسارع الموقف العام. حلب خطة حرب نموذجية: حصار، تجويع، وقوة نارية هائلة. ولكن ذلك يبقى في حلب وحدها، والحسابات في بقية المناطق منفصلة كليا، ولكل حسابٍ أجله.

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٦
الحيط ...

خلط اوراق ...
 إثنان في سيارة مسرعة، يقول الأول: "انتبه.. في حيط"، يجيب الثاني: "شايفه"، بعد لحظات يكرر الأول بعصبية: "يا زلمة!! عم بقلك في حيط.. حيط قدامنا"، الثاني: "شايف.. والله شايف"، تستمر السيارة بسرعة جنونية فيصيح الأول: "لك يخرب بيتك @#% الحيط.. الحييط.. الحيــــــ".. بوووووم.

 حادث فظيع، تتحطم السيارة، ولا تبقى ولا عظمة صاغ في جسد الراكبين، يعودان إلى الوعي وهما في سيارة الإسعاف فيقول الأول بغضب ولكن بصوت منهنه: "يا حيوان، ما قلتلك في حيط"، يجيب الثاني بدهشة: "ليش مين عم يقود السيارة!! أنا.. ولا إنت"

هذه الطرفة يفترض أن تجعلنا نضحك من غباء السائق.. لكنها اليوم تتكرر أمام أعيننا بشكل مفجع ونحن نتجه بشكل جنوني إلى حادث فظيع قد يودي بمستقبل سورية، وأتذكرها كل مرة يناقشني فيها أحد أصدقائي من الموالاة، أو يظهر على التلفزيون أحد أزلام النظام ليصيح فينا ببصيرة ثاقبة: "انتبهوا.. مؤامرة.. مؤامرة". وكأننا نحن في موقع القيادة وليس النظام القائم!


وهنا يبدأ خلط الأوراق
لقد احتكر النظام "القيادة" منذ زمن طويل، بكل مفرداتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وبكل مفاصلها التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية، فصار المسؤول الأول والأخير عن مصائرنا، وأصبحنا نحن كشعب لا نملك أي تأثير مهما كان على قرارات "القيادة"، يمكننا فقط أن نؤيد، ومؤخراً أن نعارض، ويمكننا كجمهور مؤيدين ومعارضين أن نتشاجر، أو حتى نقتل بعضنا بعضاً، لكن ذلك لن يغير حتمية الحادث القادم لأننا جميعاً ركاب، فالمعارضة لم تتمكن من ثني النظام عن سياساته المتخشّبة، أما الموالاة فمصيبتهم أكبر، فهم يؤمنون أن لدينا (مايكل شوماخر) خلف المقود، وأنه سيتمكن في اللحظة الحاسمة من اجتراع معجزة وتفادي الكارثة بمهارة لم تشهدها حلبات التاريخ، ولذلك تراهم يشجعون ويهللون بحماسة غير مفهومة بعد أن أقنعهم النظام بأنه قوي بما يكفي لاختراق جدار المؤامرة وتحطيمه بقوة الدفع الذاتي ودون أن تصاب سورية بخدش!!


وهذا خلط ثاني للأوراق
إن الصراخ المستمر عن المؤامرة لن يغير أي شيئ على أرض الواقع، فماذا يتوقع طالب ابراهيم مثلاً من الشعب "الوفي"، أن يُقنع الجدار بأن (يزيح) جانباً!! المصالح الامبريالية الصهيونية هي من ثوابت الطريق وليس لنا أي سلطان عليها، اللهم إلا إذا قمنا بدس حبوب هلوسة في إبريق حزب الشاي الأمريكي لجعل فيلدمان وعصابته يتهافتون للانتساب إلى حزب البعث، هذا الصراخ له هدف واحد، وهو استغلال لحظة الرعب هذه لتشويش الموالاة وإقناعهم بأن المعارضين الجالسين في المقعد الخلفي هم المسؤولون بشكل أو بآخر عن الحادث.. لأنهم يتجاهلون دور الجدار، فننقسم وننشغل بهذا الجدل العبثي ونترك القيادة للقائد، علماً أنها له في الأصل..


والمزيد من خلط الأوراق
لقد حاول العقلاء في هذا السيناريو المبعثر أن يترفعوا عن شِجار (الانفعاليين) هذا، بالتوجه إلى الشخص الوحيد صاحب القدرة الفعلية على تقرير المصائر، فذهب بعضهم إلى النظام لإقناعه بالعدول عن الحل العسكري الأمني المنفلت قانونياً وإنسانياً، والانعطاف يميناً أو يساراً عن هذا المسار حتى يصل بنا إلى برّ الأمان، عُقلاء من أمثال الدكتور الطيب تيزيني، الذي انتخبه العالم (دون أن يعرفه معظم السوريين) واحداً من أهم مئة فيلسوف في القرن العشرين، ذهب هذا العقل الكبير إلى اللقاء التشاوري وانخرط في الحوار، وشرح للنظام عواقب هذه القيادة المتهورة وطبيعة الشارع وحيثيات السباق، لكنه وصل بعد ستة أشهر إلى طريق مسدود، فصرّح مؤخراً: "لم يعد أمام النظام إلا أن يتنحى ويترك الفرصة لغيره من دعاة الإصلاح كي ينقذوا ما يمكن انقاذه، حتى لا تنهار سورية وتضيع في حالة من التدخلات الأجنبية أو التفكيك... فالنظام لم يعد يريد الإصلاح ولا هو قادر عليه، وقد استنفذ كل الفرص المتاحة له". ولكن مالذي يفسر هذا التهوّر والعناد؟ أليس الافتراض بأن النظام يُتابع قدماً وهو على علم مسبق ووعي كامل بالكارثة فيه شيئ من اللامعقولية؟ وكما قالها صديق: "يعني هو بيعرف كيف يوصلنا لبر الأمان.. وما بدو!! شو هالحكي؟"، والجواب البسيط والمؤلم لهذه المفارقة هو أن برَّ الأمان للرُكاب، هو ليس بالضرورة برُّ أمانٍ للسائق

إن أصل الأزمة – شاء من شاء وأبى من أبى – هو استئثار أقلية بالسلطة والثروة بينما تعاني الأغلبية من التهميش والفقر، وهذا الهرم المقلوب لم يعد بإمكانه الاستقرار على رأسه، خاصةً وقد رأى الناس بسبب ثورة التواصل والمعلومات هذا الأوتستراد العريض والمُضاء الذي تنطلق فيه معظم شعوب العالم بيسر وأمان، فبدأوا يتساءلون لماذا لانزال نحن على هذا الطريق المهجور والوعر، وأنا لا أعني هنا الممانعة والمقاومة، فهذه أهداف، وجهة، التساؤل هو عن الطريق، طريق سلطة الحزب الواحد والقائد الواحد وإلى الأبد، وفي الفرق بين الإثنين (وجهة الممانعة وطريق الدكتاتورية) نجد


المزيد من خلط الأوراق
لقد طالب رُكاب المقاعد الخلفية بحقهم الطبيعي في اختيار الطريق، أو الوجهة، أو على الأقل السرعة، وهذا حقٌ لهم حتى لو لم يعترض ركاب المقاعد الأمامية، والمصيبة أن النظام اعترف فوراً بضرورة الإصلاح عسىاه يحافظ على مقعده، وفي هذا اعترافٌ منه بأنه كان يقودنا كل هذا الوقت في الاتجاه الخطأ!! وأن (المفرق) نحو دولة ديمقراطية حديثة قد فاتنا منذ عشر سنوات، وربما عشرون، وادعاء النظام بأنه سيدور (يو تيرن) ليعود بنا عشر سنوات على نفس الطريق المهجور استدعى فوراً السؤال عن أحقية نفس النظام بالاستمرار في القيادة بعد أن اعترف هو نفسه بفشله، ثم أدرك الجميع أن أي تغيير ديمقراطي سيبدأ بالتشكيك في شرعية السائق وينتهي بمساءلته عن سنوات الفساد والإفساد

هذا الاستحقاق لا مهرب منه، ولأن النظام استوعب ذلك تماماً، فقد قرر المضي قدماً وبسرعة أكبر نحو الجدار، في رهان مجنون لجعلنا نلتصق بمقاعدنا رعباً ونصمت.. أو نصرخ على بعضنا في محاولات يائسة لفرز الأوراق

لكل من يقول: "اخرسوا وخلّوه يسوق".. نُجيب: "هو اللي عم يسوق من الأول"، لكننا نطمئنكم أن الحيط لن يتزحزح.. وأن مهارات النظام لا تتعدى..

........خلط الأوراق

اقرأ المزيد
٣ ديسمبر ٢٠١٦
فصائل التشبيح الفلسطينية في سوريا الثورة .. تاريخ حافل بالخيانات في الماضي والحاضر!!!


منذ بدء الربيع العربي و الحراك الشعبي الذي عم المنطقة، كانت أغلب نتائج تلك التحركات سريعة بقلب أنظمة الحكم باستثناء الحراك الشعبي السوري الذي طال لأكثر من خمس سنوات و مازال مستمراً، ولأنها لم تكن ثورة ذات نتائج سريعة تكشفت الكثير من الحقائق و سقطت العديد من الأقنعة في شتى المجالات سواءً على صعيد الإعلام و الدول المدعية للحرية و الديمقراطية و دول حلف الممانعة المزعوم و أصدقاء سوريا، كما برزت هشاشة المنظمات الإنسانية و الدولية و تحيز بعضها بشكلٍ واضح ٍ لصالح نظام البعث، و نتيجةُ لذلك أطلق بعض المهتمين و النشطاء اسم "الثورة الكاشفة" على الثورة السورية.
كان من أبرز المنظمات و الكيانات التي تعرت تماماً و سقطت عنها الأقنعة التي كانت تستر دناءتها و ارتزاقها هي بعض منظمات و فصائل التشبيح الفلسطينية في سوريا، والتي كانت تصدع زؤوسنا على مدى سنين بالشعارات الوطنية و رفض الظلم و الاضطهاد وسلب الحقوق و قمع الحريات العامة.
و كان لتنظيم "فتح الانتفاضة" النصيب الأكبر بتكشف إجرامه و وضوح حجم الارتزاق المؤسس عليه و مدى التعيش على حساب دماء الشعوب و الشهداء و بيع كل الشعارات و العنتريات مقابل مصالح شخصية دنيئة، فلهذا التنظيم تاريخٌ أسود منذ النشأة الأولى حيث نشأ بعد خيانته لحركة فتح و مؤسسها ياسر عرفات "أبو عمار" و الإجرام الذي افتعله في معارك البقاع و طرابلس و انتهاجه سياسة التشبيح على الفلسطينيين و مناصري أبو عمار والرافضين لخيانته و استخدام السلاح بوجه بوجه من يقف ضد مشروعهم السلطوي و مكاسبهم الشخصية، كما تعاون مع أقذر حركات و تنظيمات المنطقة مثل: حركة أمل و الجبهة الشعبية "القيادة العامة"...... إلخ في حرب المخيمات بين عامي 1985 – 1988 .
كما لا يخفى على المتابع لتلك التنظيمات الاتهامات و الفضائح الموجهة من عناصر التنظيم لبعضهم البعض بالفساد وحجب الأموال و مستحقات المعتقلين و السرقات و ابتزاز المناضلين بلقمة العيش، فبعد جميع هذه الاشارات السوداء على نشأة هذه الحركة، قامت على أساس الارتزاق و التشبيح و بيع الشعارات وإيهام الناس بأنهم مستهدفون من قبل الكيان الصهيوني وهم في الحقيقة لا يشكلون خطراً إلا على أنفسهم.
كل ذلك كان سبباُ بعدم استغراب الأشخاص الذين عاشوا مع هذه الحركة في سوريا من موقفهم مع نظام الأسد ومساندته سياسياً وعسكرياً من خلال جناحها العسكري المسمى "قوات العاصفة" الذي شارك بعمليات قتل الشعب السوري و الفلسطيني الثائر على حدٍ سواء، كما كان لها دورها الكبير في لجان التشبيح و الإجرام في مخيمي اليرموك و فلسطين في العاصمة دمشق على وجه الخصوص .
و كان النصيب الأكبر لكسب رضا النظام هو للجبهة الشعبية  "القيادة العامة" بقيادة أحمد جبريل الذي بذل قصارى جهده لمساعدة نظام الأسد في قتل و قمع الشعب المطالب للحرية و اعتقال كل من يبدي رأياً رافضاً تلك الممارسات الإجرامية بحق الشعوب، كما كان على استعدادٍ تامٍ للتضحية بالشعب الفلسطيني من خلال نفس الشعارات التي نشأ عليها ألا وهي المناداة بحق العودة و دفعهم للاتجاه نحو فلسطين وهم عزل و ذلك كله لشغل الإعلام العالمي والعربي عما يحدث في سوريا في بداية اندلاع الثورة السورية.
و في ظل تورط تلك التنظيمات مع نظام الأسد أطلق نشطاءٌ فلسطينيون نداءاتٍ لقيادة جيش التحرير  متمثلةً باللواء محمد طارق الخضراء بعدم زج جيش التحرير "المعد ليكون خط الدفاع الأول في وجه اسرائيل" بعمليات قتل الشعب السوري و الفلسطيني الثائر، و لكن للأسف فالواقع يثبت بأن جيش التحرير كان جزءاً أساسياً في هذه العمليات في منطقة تل كردي و عدرا في ريف دمشق حيث بذلك أضل جيش التحرير طريق تحرير فلسطين ونسوا إسرائيل !!
كما أصبحت تلك التنظيمات بما فيها جيش التحرير تتسابق لإظهار فدائيتهم و بطولاتهم للأسد على حساب الشعوب بما فيهم الشعب الفلسطيني الحر الذي لم يقبل بخيانة دماء إخوته الذين عاش وتربى معهم، فكان ذنبه الوحيد بأنه رفض مناصرة نظام فاشي قتل من الشعب الفلسطيني أكثر مما قتلت إسرائيل "العدو التقليدي".
في نهاية الأمر سقطت تلك التنظيمات في عيون الشعوب الثائرة و الحرة كما سقطت معها شعاراتها الواهية، ولكن السؤال الأبرز ما هو مصير تلك التنظيمات بعد السقوط الفعلي لنظام الأسد و كل من حالفه و خان شعبه مقابل دعم مادي و نسي أن الشعب هو الداعم الحقيقي لأي جهة تدعي حمايته أو المطالبة بحقوقه , فكانت حقاً كما سميت "الثورة الكاشفة".

اقرأ المزيد
٢ ديسمبر ٢٠١٦
ما بعد حلب وتنافس الحلفاء

وحدها حلب المنكوبة لا تنتظر دونالد ترامب مثلما يفعل سائر قادة العالم الذين يترقبون أن تتضح سياسات الرئيس الأميركي وتركيبة إدارته لقراءة توجهاته.

على العكس، المطلوب حسم المعركة في العاصمة الاقتصادية لسورية، قبل تسلم ترامب مهماته في 20 كانون الثاني (يناير) لتصبح السيطرة عليها من تحالف روسيا -إيران - بشار الأسد والميليشيات المتعددة الجنسية أمراً واقعاً في أي تفاوض مفترض مع البيت الأبيض، يتجاوز اتفاقات هشة صاغها جون كيري مع سيرغي لافروف على وقف الأعمال العدائية، وتأمين المساعدات للمحاصرين. فهؤلاء نزحوا، إما إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام ليمارس عليهم أبشع أنواع الابتزاز، أو إلى المناطق التي تسيطر عليها «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة من واشنطن والتي ساهمت مع النظام في حصار المدينة منذ أشهر، أو إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات «درع الفرات» التي ترعاها أنقرة في الشمال، حيث ضمنت منطقة «آمنة» لقطع التواصل بين المنطقتين اللتين تتواجد فيهما القوات الكردية.

كذّبت الحقائق حديث ستافان دي ميستورا عن خلاف مزعوم بين فلاديمير بوتين والأسد، بأن الأول لا يريد تدمير حلب والثاني ينوي اقتحامها. يكفي ابتهاج الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنيكوف بأن «الجنود السوريين تمكنوا من تغيير الوضع على الأرض في شرق حلب في شكل كبير بفضل العمليات المخطط لها بتأنٍ وفي شكل جيد جداً»، من أجل الاستنتاج أن موسكو تقول شيئاً وتفعل نقيضه. فهي التي نفذت قبل شهر حملة قصف هستيري على المدينة لإخراج المستشفيات كافة ومراكز الإغاثة من الخدمة، وإنهاك سكانها والمعارضة تمهيداً لاقتحامها من القوات الأسدية والإيرانيين والميليشيات، ولتفريغها من المدنيين. تضفي موسكو في كل مرحلة من الحرب التي انخرطت فيها منذ صيف 2015 طابعاً إنسانياً على دورها فترعى التهجير تحت عنوان فتح الممرات لتوصيل المساعدات إلى النازحين الذين سبق أن قتلت منهم قذائفها الارتجاجية الآلاف.

وهي استفادت من اتفاقها مع تركيا التي طلبت من مقاتلي المعارضة الانسحاب من بعض شرق حلب.

يكفي النظر إلى المناطق التي توزع عليها عشرات آلاف النازحين من نصف شرق حلب الذي احتله النظام، للاستنتاج أن هؤلاء باتوا رهينة تقاسم نفوذ على أرضهم بين النظام وتركيا والأكراد، فيما جزء كبير من المواطنين السوريين في ضواحي دمشق نقلوا إلى إدلب ليكونوا تحت نفوذ «جبهة الفتح» و «فتح الشام» (النصرة)، وقد ينضم إليهم بعض من بقي في شرق حلب الذي ينوي النظام احتلاله، قبل 20 كانون الثاني تمهيداً لجعل إدلب غروزني أخرى.

اكتمال تقاسم النفوذ ينتظر معركة مدينة الباب التي تتنافس عليها تركيا مع القوات الكردية، المدعومة أميركياً من جهة، والتي تنسق حركتها الميدانية مع نظام الأسد، من جهة ثانية. فتحرير الرقة من «داعش» مدخله الإمساك بالباب. إلا أن إنهاء «داعش» في الرقة بات الموضوع الذي تنتظر موسكو المساومة عليه مع ترامب الذي يعطيه الأولوية على أي أمر في سورية. آخر همّ ترامب مصير الأسد والمعارضة وحلب. أما روسيا فتترك القضاء على «داعش» في الرقة، للمقايضة مع الإدارة الأميركية، لأن همها تكريس أحادية إدارتها بلاد الشام عسكرياً وسياسياً والتحكم بمصير النظام. ويتقدم لدى الكرملين إنهاء وجود المعارضة في إدلب، على إنهاء «داعش» في الرقة.

في انتظار ترامب، أخذت تظهر بوادر التنافس بين الحلفاء على جثة سورية المفككة، تحضيراً لمرحلة ما بعد حلب، فيما تقف دول الغرب صفر اليدين حيال ما ستكون عليه خططها بعد انتصار النظام.

النظام يسعى إلى توحيد ما تبقى من ميليشيات ترك لها مهمات النهب والقتل العشوائي، في «الفيلق النوعي» الجديد، مع رواتب خيالية لزيادة عديد قواته حتى يتمكن من بسط سيطرته على أراض حررها الإيرانيون وحلفاؤهم، وسط تبرم من أخذ «حزب الله» راحته في التمدد وإقامة العرض العسكري في القصير.

موسكو استبقت إمكان إعادة إعمار بعض المناطق التي عادت إلى كنف النظام باتفاقات مع الدولة السورية على امتيازات في قطاعات النفط والغاز والنقل والمياه، لتضمن أي عقود عن طريقها مستقبلاً.

إيران تواصل شراء العقارات في سياق استحداث خريطة ديموغرافية جديدة، وتثبيت انتقال عائلات حصلت على الجنسية السورية في مناطق محاذية للبنان وفي محيط دمشق.

المسرحية المبكية المقبلة، قد تكون تشكيل موسكو حكومة جديدة للإيحاء بأنها تهيّء لحل سياسي، بعيد المنال

اقرأ المزيد
٢ ديسمبر ٢٠١٦
حاضنة الثورة ترفض تشتتها .... دعوات للوحدة أو ..... الفناء

مما لا شك فيه أن الشعب هو منبع كل ثورة تخرج ضد الظلم و الطغيان ، و أن الشعب هو أساس كل تحرك يهدف الى تغيير نظام حكم اضطهده و سلب حقوقه و حاربه بلقمة عيشه ، و لا ريب أن الشعب هو المحرك و المولِّد لكل انتفاضة تخرج ضد نظام أو حزب استبدادي تطالبه بالرحيل و تنشد التغيير ، و من هنا من هذا الشعب تولد الثورات ، تبدأ بحدثٍ صغير يكون تلك “القشة التي قصمت ظهر البعير” و لا يلبث أن يتحول الحدث الى شرارة يشتعل بها أتون الغضب و الحقد على من استبد و ظلم و تحكم ، و لا تلبث هذه النيران المتقدة بالقلوب و العقول، المتولدة من جحيم المعاناة و التعب و شظف العيش، أن تتحول إلى ثورة عارمة .. يحوطها الشعب و يرعاها ..يؤيدها و يكلؤها بعين رعايته، يؤمن لها أسباب العيش و الاستمرار و يوفر لها الحضن الدافئ و الحامي ..


هي الثورة السورية كما كل الثورات على مر التاريخ، ولدت من رحم الشعب، و خرجت من خاصرته بما رافق هذا الخروج من الم و مكابدة و صبر، لتنتفض ضد نظام استبد بوطن ما يزيد على خمسة عقود ، نظام استبد و قتل و أجرم و سرق و نهب، هي ثورة فطرية عفوية بدأت بكتابات أطفال على جدران مدارسهم لتستعر كما النار بالهشيم و تنتقل من جدران مدرسة لتغدو على مساحة كل شبر بأرض الوطن، ثورة بدأت سلمية و استمرت كذلك ما وسعها الأمر، و بفطرتها السليمة كذلك و عفويتها بدأت بالتحول للعسكرة لتدافع عن نفسها ضد بطش لم يُشْهد له نظير بالتاريخ، حملت السلاح لتطبق معايير كل الديانات السماوية و الأعراف الإنسانية بحق رد الظلم و حفظ النفس، و بدأت كتائب الثوار بالتشكل و الظهور، فظهر الجيش الحر الذي كان ابن ثورة الشعب البكر، يحمل خصائصه و تفاصيله، يحوي أطيافه و اثنياته ، و يرفع راية استقلاله عن المستعمر، لا يتميز فيه ثائر عن ثائر الا بالخلق و الشجاعة و الاقدام و ما يحمله من فكر و حرية، ليظهر بعده تشكيلات مختلفة و فصائل متعددة و رايات متباينة، كل منها له هدف و يقوده منهج و يحركه فكر، منها المعتدل و الإسلامي و المتطرف و المغالي بالتطرف .

 

تحولت الثورة للعسكرة، و باتت تشكيلاتها تتنازع المناطق و الأهداف و الوجود و الموارد، و لم تنسَ هذه الفصائل بطبيعة الحال أهم سبب من أسباب قوتها و أهم مصدر من مصادر شرعيتها ، و أقوى محرض على استمراريتها و هو الشعب .. تلك الحاضنة الاجتماعية الأساس و المركز، فسعت التشكيلات و الفصائل إلى كسب ودها و استقطابها كل منهم على حساب الفصائل و التشكيلات الأخرى، و كما تعددت مشارب و أهداف هذه الفصائل فقد تعددت أساليبهم بجذب هذه الحاضنة الشعبية تجاههم، فمنهم حاورها و اندمج بها و اعانها قدر استطاعته، و منهم من تكبر عليها و أهملها و منهم من حاول سوقها بالحديد و النار و القهر و الإرهاب، و منهم من ظن انه الوصي الشرعي عليها بعد تقهقر النظام من بين ظهرانيها، و مارس أغلبهم البراغماتية المحضة بداية بالتزلف لنيل رضاها و التقرب منها، ثم اظهر وجهه القبيح بأهدافه المناطقية أو الشخصية او الأيدولوجية ، فلفظته الحاضنة الشعبية التي عولت عليه و عول عليها .. لينتهي التشكيل او يضمحل او يتقوقع على نفسه برأس جبل او بطن وادي.

 

وشكل التشرذم العسكري والتفرقة المقيتة بين مكونات الثورة العسكرية تراجعاً كبيراً في مناطق وساحات عدة، غيرت مسار الثورة وحرفتها عن تحقيق هدفها في نيل الحرية، وأبعدتها عن مشروع الشعب الأول لمشاريع فردية متفرقة ومتخاصمة، كلاً يسعى للظهور على حساب الغير، فتكالبت الدول والميليشيات وتوحدت ضدنا، فهجرت العشرات من المناطق ومازالت تعمل على تهجير البقية، ونحن فرقة برايات ومناهج وإيدولوجيات، وقد حان الوقت للعودة للطريق الأول وتوحيد الصفوف ونبذ التفرقة، بناء على مطلب الشعب الذي رفع الشعار الأول في صيحاته مطالباً بالوحدة العسكرية والمدنية وعلى كل الأصعدة، لتنهض ثورتنا وتعيد مجدها في حلب وداريا والغوطة ودرعا وإدلب وحماة وحمص واللاذقية والرقة ودير الزور وكل بقعة انتفضت في وجه الاستبداد وقالت لا للظلم أي كان مصدره، ولن تحيد عن الدرب وستواصل العمل حتى تحقيق هدفها.

 

الثورة السورية ثورة مُمحِصةٌ كاشفة ، و الحاضنة الشعبية تحوي بوعيها الجمعي حضارة عمرها آلاف السنين ، و الشعب الذي أطلق هذه الثورة “بمشيئة الله” قادر على ان يميز الخبيث من الطيب ، و ان يفرق بين الغث و السمين، و لكنه شعب كَهلْ صقلته التجارب و السنون، يعطي الفرصة لمن يطلبها، و يتمهل بالحكم ليرى النتائج ، و لكنه لا يصبر على ضيم، و لن يستبدل مستبد بمستبد .. فليعي من يتطلع لحكم أمره بالسلاح او بالسياسة .. أن يحقق طموحات هذا الشعب و ان يلامس ألمه و ان يثبت عزمه على تحقيق أمله .. فبهذا يستمر و بهذا يحوز رضاه و بهذا يمتلك قلوب و عقول “الحاضنة الشعبية”، وإلا فإن الثورة ستعيد تكون نفسها وتنقلب على من حاول تسلقها واستغلالها، ولن تبيع مبادئها ولا أهدافها ولا دماء الألاف من شهدائها...... فاتعظوا يا أولي الأمر وخذوا من التاريخ العبر.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان