مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٥ أبريل ٢٠١٧
تبادل المدن وتغيير السكان

عروض دسمة، ومبادرات سياسية متتالية، واتفاقات فوق الطاولة وتحتها لا يعلم بها إلا من حضرها، بالتزامن مع قصف مستمر وممنهج تشنه الطائرات التي تحلق في سماء سوريا؛ للضغط على القاعدة الشعبية وجبرها بقبول التسويات السياسية والمشاريع المستوردة.
تعقد صفقات التسوية في دهاليز مظلمة، يوقعها المجاهيل برعاية دول حليفة ومؤثرة في قرار تلك الفصائل المسيطرة على الأرض، والتي تنفذ بنود الاتفاق المتشعبة بتأن، وتحت نظر ذلك الشعب المقموع دون أن يحرك ساكنا، لانه مشغول بحفظ نفسه وأهله عن أهم القضايا مثل المال والوطن.

عندما تكون النفس مهددة بالقتل تشل كل الحواس، وتخمد كل التطلعات، فلا تحليل ينفع، ولا مقال يقف في وجه الشلال البشري المندفع.

هناك يتحول الناس لذرات بشرية صغيرة، يدفعها الخوف لتتراكم بشكل طائفي، يتوزع على بقع محددة من الأرض السورية، فتستيقظ البلاد من سكرات الحرب المرعبة، لتجد نفسها مقسمة وضعيفة تفتقد لأدنى مقومات الحياة.

سمع الجميع باتفاق البلدات الأربع “كفريا والفوعة ومضايا والزبداني”. وشاهدوا أمس عبور قوافل الشيعة من الشمال إلى الجنوب، وقوافل السنة من الجنوب إلى الشمال.

رغم أن جميع الحافلات وصلت إلى وجهتها سالمة إلا أن من الصعب معرفة ما حدث خلف الكواليس! ومن هي الجهة الضعيفة في الصفقة التي تنازلت للأخرى؟

وما هي الضغوط التي مورست عليها؟
في ذات الوقت تردنا أخبار مشابهة من ريف حلب الشمالي، تردد أصوات تدعو قوات سوريا الديمقراطية للانسحاب من الشمال وتسليم البلدات للجيش الحر بغير قتال، تحت ضغوط أمريكية تركية، الرافضة للمشروع الكردي في الشمال السوري.
يرفض القائمون على اتفاق البلدات الأربع تهمة الموافقة على التهجير ، وتفريغ مناطق أهل السنة، لأن عدد من يريد الخروج هو 3500 شخص، من المقاتلين والمطلوبون للنظام، ولم يتخذوا هذا القرار بالخروج من بلدهم إلا بعدما ضاقت بهم السبل، وانعدمت سبل الحياة ووسائل الدفاع عن النفس.

وذهبوا للدفاع عن الاتفاق بما فيه من بنود كوقف إطلاق النار في البلدات المشمولة في الاتفاق، بما فيه القصف الجوي والمدفعي، وإخراج الحالات الطبية الحرجة، وإدخال الإغاثات العاجلة للمناطق المحاصرة، بالإضافة لإخراج 1500 أسير وأسيرة أثناء تنفيذ بنود الاتفاق وبعضهم من البلدات المحيطة بكفريا والفوعة، إضافة إلى إخلاء الموجودين في البلدات الأربع وجبل بلودان بريف العاصمة كذلك، ويتم ذلك على مرحلتين، حيث يخرج في الدفعة الأولى 8 آلاف من كفريا والفوعة بينهم 2000 مقاتل، ويخرج حوالي الـ3200 شخص من مضايا والزبداني وجبل بلودان إلى إدلب؛ وبعد 60 يوم من المرحلة الأولى تُنفذ المرحلة الثانية بإجلاء ما تبقى من كفريا والفوعة، بالتزامن مع ذلك يخرج حوالي الـ1000 من مخيم اليرموك إلى الشمال السوري، وأثناء تنفيذ الاتفاق يطلق النظام المجرم سراح الأسرى على دفعات، على أن يكون ثلثهم من ساكني المناطق المحررة.

تأتي تلك الصفقات بالتزامن مع التلويح بإقامة مناطق آمنة في سوريا بعد الهجوم بالغاز الكيميائي على بلدة خان شيخون، وهي المناطق التي سماها وزير خارجية أمريكا “ريكس تيلرسون”: «مناطق استقرار مؤقتة لمساعدة اللاجئين في العودة إلى ديارهم».

هذه المناطق المعقدة التي يعارض الروس إنشائها، ويسعى الأتراك لتحقيقها، والتي يصعب حمايتها وتمويلها، وستكون هذه المناطق كالكثبان الرملية المتحركة بيد الداعم والدول ذات النفوذ في المنطقة.

مما سبق يظهر كيف تطغى المصالح الدولية على العامل الإنساني، واستخدامه لتحقيق خطط مستقبلية تؤدي في النهاية للتقسيم، بعد إغلاق كل الأبواب في وجه الشعب المسكين.

اقرأ المزيد
١٥ أبريل ٢٠١٧
«الفيتو» الروسي المعطِّل

للمرة الثامنة تعطل روسيا قرارات مجلس الأمن التي تسعى إلى وضع نهاية لعذابات السوريين، بل إنها هي التي عطلت القرار 2254 الذي صاغته بنفسها وقدمته إلى مجلس الأمن، حين وجدت أن المعارضة مصممة على انتقال سياسي حقيقي لا دور للأسد فيه. وهي تقول اليوم إنها تدعم الحل السياسي مع أن طائراتها لم تتوقف لحظة عن قصف المدنيين وعن تهديم المدن والقرى السورية وعن هدم مؤسسات الدولة التي تدعي الحرص عليها. وهي المسؤولة عن فشل اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي أبرمتها مع الولايات المتحدة وقد اخترقها النظام نحو أربعة آلاف اختراق، وهي المسؤولة عن فشل لقاءات أستانة لأنها الضامن للنظام نظرياً، ولكنها أطلقت يده في تهجير المواطنين وفي متابعة قصفهم حتى بالكيماوي.

وروسيا التي أنقذت النظام بعد جريمته الكبرى في الغوطة، وأقنعت المجتمع الدولي بالاكتفاء بإلقاء القبض على الأسلحة الكيماوية مع إعفاء القاتل من أية مساءلة، بل مع السماح له بمتابعة القتل والتدمير، تعود إلى محاولة إنقاذه بعد مجزرة خان شيخون، وهي تنكر مسؤوليته مع أنها تعلم أن ما صيغ من تلفيق حول وجود مصنع أسلحة كيماوية فجرتها طائرات النظام يدعو إلى السخرية، فلا يوجد عاقل سيقتنع بأن أهل خان شيخون يخزنون غاز السارين في بيوتهم أو في غرف نومهم، أو يتركون أولادهم يلعبون بعبوات كيماوية قاتلة!

ولولا خوف روسيا من افتضاح حقيقة كذب النظام لما عطلت قرار مجلس الأمن بالتفتيش، مع أن الدول الكبرى رصدت تفاصيل القصف وبات لديها من الأدلة ما يكفي، ولاسيما أن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية ضد السوريين 160 مرة بعد جريمة الغوطة، والمراقبون العسكريون في العالم يرصدون ذلك.

ونفهم أن روسيا تبحث عن مصالحها، ولكن المؤسف أن يضحي بمئات الآلاف من السوريين من أجل مصالح كان يمكن التفاهم حولها مع أية قيادة قادمة ضمن علاقات متوازنة تضمن المصالح المتبادلة ضمن أعراف الدول.

وقد حرصت دول عربية وغربية صديقة أن تقنع روسيا بالتخلي عن موقفها، وبتنفيذ ما قررته هي وسمته مرحلة بناء الثقة في القرار الدولي، ولكنها تريد من المعارضة أن تسلم رقابها للأسد، وأن تقبل به رئيساً بعد أن ارتكب من الجرائم ما ليس له مثيل في التاريخ.

وقد بدا الضعف المريع في خطاب المندوب الروسي في جلسة مجلس الأمن 12/4/2017، ولاسيما حين حصر مشكلة السوريين بوجود ألغام زرعها «داعش» في تدمر التي سلمها النظام لأنصاره من «الدواعش»، ولم يرَ المندوب الروسي مشكلتهم مع الطيران الذي لم يتوقف عن قصف السوريين بالكيماوي وبالنابالم والفوسفوري والكلور وغاز السارين، ولم يرَ عشرة ملايين ونيفاً من اللاجئين والنازحين، ومئات الآلاف من المعتقلين من بيوتهم ومن المحاصرين.

ولم يفهم الروس سر ترحيب الأغلبية العظمى من الشعب السوري بالضربة الأميركية على مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الطائرات التي قتلت أطفال خان شيخون بالكيماوي، وهذه مفارقة تاريخية لا سابقة لها، فلم يحدث عبر تاريخ سوريا الممتد في أعماق التاريخ أن رحبت أغلبية السوريين بمن يستهدف أرضهم وسيادتهم عليها، وهذا ما ينبغي أن يفهمه العالم كله دليلاً على وحشية الظلم الذي يعاني منه السوريون إلى درجة أنهم ينتظرون عوناً من أية جهة كانت، فلم يعد لهم في الأرض من يحميهم من جبروت النظام وحلفائه، وحين قام الرئيس الأميركي ترامب بهذه الضربة الإنذارية تفاءل السوريون بأن يجد المجرمون عقاباً من المجتمع الدولي الذي طال صمته، حتى بات هذا الصمت على موت أطفالهم وتهديم بلادهم وصمة عار على جبين الإنسانية.

ويبدو السؤال الأهم الآن، ماذا بعد فشل مجلس الأمن في إقناع روسيا بالتوقف عن دعم إجرام النظام؟ هل يصل الطموح الإمبراطوري الروسي والإيراني إلى درجة إشعال حرب عالمية، من أجل أن يبقى رجل على كرسي السلطة رغماً عن الشعب الذي ضحى بمليون إنسان كي يتخلص من استبداده؟

وهل يمكن لترامب الذي وعد شعبه بأن تستعيد الولايات المتحدة مكانتها في العالم أن يرضخ للفيتو الروسي، وأن يعلن العجز والضعف الأوبامي أمام بوتين؟

لا يغيب عن بوتين أنه اليوم أمام رئيس أميركي صارم، ولن يتجاهل الموقف الدولي الذي اصطف مع ترامب بعد أن ضاق العالم ذرعاً بسياسة أوباما التي صمتت على الجرائم ضد الإنسانية، وهي تتحمل مسؤولية أممية عن دماء السوريين.

يجب أن تقتنع روسيا أن التحدي سيكون سبباً في مقتل ملايين من الضحايا، ولن ينتصر الظلم وإن طال أمد بقائه، فلابد مما ليس منه بد.

اقرأ المزيد
١٥ أبريل ٢٠١٧
سحب "القوات اللبنانية" من سوريا!

من سخرية القدر أن تنقلب الأوضاع، فالحرب أصبحت في سوريا، والحكم في دمشق يعيش في ظل حراسة الميليشيات اللبنانية.

ومن باب المقاربة نعتبر ميليشيات «حزب الله» قوات لبنانية، وهي كذلك في واقع الأمر. فهي تعتبر نفسها مماثلة للجيش اللبناني والأمن الداخلي. حالة تعيد بالذاكرة إلى زمن كانت فيه المطالَبات الشعبية في لبنان، وكذلك النداءات الدولية، بإخراج القوات السورية من لبنان.

وإخراج «حزب الله» وبقية القوى والميليشيات من سوريا هو صلب النقاش بين الحكومتين الأميركية والروسية، ضمن نقاش الحل السلمي. الجانب الأميركي يريد إنهاء وجود القوى الأجنبية المسلحة المساندة للنظام السوري، وعلى رأسها قوات إيران من الحرس الثوري، وكذلك «حزب الله» اللبناني وبقية الميليشيات العراقية والباكستانية والأفغانية وغيرها.

احتل النظام السوري لبنان، بحجة مواجهة إسرائيل. لم يكن اللبنانيون يصدقون مبررات دمشق لأنهم عايشوا هيمنة النظام وتدخلاته في تفاصيل حياتهم، أما العرب فالكثرة منهم انساقت وراء «البروباغندا» حتى قيام الحرب الأهلية في سوريا.

وفي إطار الحديث عن حل سلمي لإنهاء الثورة في سوريا، سبق لواشنطن أن عبرت عن قبولها بالمشروع الروسي من حيث المبدأ، بإنهاء الصراع سياسيا بغض النظر عن بقاء بشار الأسد في الحكم. ثم ارتكب النظام غلطة رئيسية في جريمة قصفه خان شيخون بالسلاح الكيماوي، ولم يكن مضطراً لأنه يمارس القتل يومياً بالقصف والبراميل المتفجرة. كانت تحديا للإدارة الأميركية، وبرهنت أيضاً على صحة كلام خصوم نظام دمشق، بأنه وحلفاءه لن يلتزموا بأي تعهدات سياسية، وأن «الأجندة» تتجاوز سوريا.

في التصريحات الأخيرة رفع الأميركيون سقف مطالبهم إلى أقصى نقطة، وهي إقصاء الأسد من الحكم، وفِي سياق النقاش أيضاً يطالبون بإخراج القوات والميليشيات الإيرانية واللبنانية والأخرى من سوريا، التي يقدر إجمالي عددها بنحو خمسين ألف مقاتل. وهذا يعني أن التركيز المقبل، فعلياً، سيكون على النقطة الثانية؛ إخراج القوى غير السورية، وربما تستثنى روسيا من ذلك.

إنما سيكتشف الأميركيون لاحقاً أن إخراج الأسد سيكون أهون من إخراج فيلق القدس الإيراني و«حزب الله» اللبناني اللذين دقّا حوافرهم في الأرض السورية. ولا أتصور أن «حزب الله» سعيد بالوظيفة التي كلفته إيران بها، أي القتال في سوريا، لأسباب كثيرة، أبرزها أنها استنزفت رجاله وخسر في سوريا أكثر مما فقده في حروبه مع إسرائيل في ثلاثين عاماً. وفي لبنان هو في مواجهة صعبة لأن تدخله سبب في تهجير، ونزوح مليون ونصف لاجئ سوري إلى لبنان. وضعف «حزب الله» عسكرياً نتيجة انخراطه في الحرب منذ ثلاث سنوات الذي سيكون له تبعات على نفوذه في لبنان أيضاً. لكن قرار إرسال ميليشيات الحزب إلى الحرب هو قرار إيراني بانفراد، مثل بقية الميليشيات التابعة الأخرى في العراق. طهران تقرر وتفاوض ولن يكون الحزب طرفاً في مفاوضات الانسحاب مستقبلاً.

التحدي كيف يمكن للأسد إبعاد خمسين ألف مقاتل تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني؟ في رأيي المهمة مستحيلة. الروس يعرفون أنهم لا يملكون الكلمة الأخيرة في دمشق رغم أن تدخلهم العسكري هو الذي رجح الكفة لصالح الأسد. المصادر تجمع على أن إيران هي صاحبة القرار النافذ في دمشق، وقد عملت خلال سنوات الحرب على السيطرة على مفاصل الدولة السورية، بما فيها الأمنية والعسكرية.

التحدي الحقيقي للمجتمع الدولي هو إخراج القوات الإيرانية بأعلامها المختلفة من سوريا. إخراج «القوات اللبنانية» من سوريا حل محل إخراج القوات السورية من لبنان ولا نعلم كيف ولا متى. فالمشروع الإيراني في المنطقة يشمل العراق ولبنان، وتعتبر القيادة الإيرانية سوريا الهضبة الضرورية للسيطرة على هذين البلدين، وليست سوريا بذاتها.

اقرأ المزيد
١٥ أبريل ٢٠١٧
بشار الكارثي... بكيماوي أو دونه

نظام بشار الأسد، هو أخطر من أي سلاح كيماوي أو نووي أو بيولوجي. مثلما هي إيران الخمينية، خطيرة وضارّة، بوجود سلاح نووي أو دونه.
التركيز الكثيف على منع بشار وقتلته المتجردين من الانتماء الإنساني، الذين يرّشون الأطفال والنساء والعجزة بأمطار السمّ، بوقاحة وبلادة، مفهوم ومتفهّم.

السلاح الكيماوي ممنوع دولياً، وأخلاقياً، أمطره بشار على ضحايا لا حول لهم ولا قوة. كان هذا كافياً لإثارة غضب «الجدّ» دونالد ترمب، مع تشكيك الروس وبشار والخمينية، ومن يستهلك دعايتهم، من العرب، في حقيقة الضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات العسكرية الأسدية بريف حمص.

لكن، وبعيداً عن الشق الذاتي الأخلاقي بالضربة الأميركية، فمجرد استمرار هذا النظام الشيطاني، نظام بشار، هو الخالق للجماعات الإرهابية، الجالب لها، المهيّج لخيالها، المحفّز لنشاطها، وليس هو علاج الإرهاب، وفق الثقافة الروسية المنكّسة.

من أجل ذلك فإن العمل الصحيح للسياسة الأميركية الجديدة، ومعها الحلفاء في أوروبا والعالم العربي، في مقدمهم السعودية، هو «ترحيل» هذا النظام، وليس شخص بشار فقط.

ترحيله على رغم أنف روسيا البوتينية، التي تجردت هي الأخرى من كل قناع أخلاقي وسياسي؛ لم تبالِ بمآسي الشعب السوري من أجل بقاء تابعهم بشار.

روبرت فورد السفير الأميركي في دمشق في عهد أوباما، قال في لقاء مع قناة CBS الأميركية إن الهجمات ضد نظام الأسد في سوريا لا بد أن تستمر. وإنه من غير الممكن تحقيق الرغبة الأميركية في تغيير النظام في سوريا، ما دام استمر الدعم الإيراني والروسي للأسد.

أعتقد أنه من الممكن ترحيل النظام الأسدي، برغم الروس والإيرانيين، لكن الأمر يحتاج لرؤية وعزيمة وتحالف متين.

الروس أخذوا الجانب المظلم من التاريخ، وخاطروا بمعاداة المسلمين، من غير العرب حتى، بهذا الاصطفاف الفاجر مع تحالف طائفي تقوده إيران. ومن آخر تجليات الروس تلك، الفيتو القبيح الذي أشهر الأربعاء الماضي لمنع التحقيق في مجزرة خان شيخون.

بالنسبة لبوتين، وفق مقابلة نشرها الكرملين فإن: «دمشق تخلصت من مخزونها من الأسلحة الكيماوية».

أما بخصوص مطر خان شيخون القاتل، والذي أزعج العالم به سمع بوتين، فسهلة!: «إما أن ضربات جوية للحكومة السورية أصابت مستودعاً للأسلحة الكيماوية تابعاً للمعارضة، ما أدى لانبعاث غاز سام، وإما أن الحادثة مختلقة لتشويه صورة الحكومة السورية».

المهم، بالنسبة لإمبراطور الروس، حماية بشار ونظامه، سواء قصف شعبه بالكيماوي أو لم يفعل، هذه تفاصيل «تافهة».

الآن، المطلوب هو الاصطفاف الدولي العربي خلف هذا الزخم الأميركي الجديد، لتطوير الموقف من مجرد غضبة أخلاقية لاستراتيجية جديدة لتطيير هذا النظام الشيطاني المشعّ.

اقرأ المزيد
١٥ أبريل ٢٠١٧
بوتين لم يدِن الغارة ولم يدافع عن الأسد

ندَّدَت روسيا بالغارة الأميركية على قاعدة «الشعيرات» الجوية في سوريا، لكن لم يصدر أي تصريح مباشر عن الرئيس فلاديمير بوتين، لا تنديداً بالغارة الأميركية، ولا دفاعاً عن بشار الأسد. ويوم الاثنين الماضي، قالت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم): «لم يكن الهدف جعل القاعدة خارج الصلاحية، بل تقليص القدرة السورية على شن هجمات بالأسلحة الكيماوية». ومن ناحيتهم، أوضح الروس أن دفاعاتهم الجوية في سوريا هي للدفاع عن قواتهم هناك، وعن معداتهم، وليس للدفاع عن الجيش السوري أو معداته أو قواعده، أيضاً، وكما قال محلل عسكري روسي إنه على الرغم من الضجة الإعلامية التي ترافق أنظمة الدفاع الروسية، فإنها محدودة جداً فيما يمكن أن تفعله ضد صواريخ «الكروز»، خصوصاً إذا كانت متجهة إلى هدف ليست الصواريخ موجَّهَة للدفاع عنه.


يوم الأحد الماضي، استضافت القنوات التلفزيونية الأميركية كبار مسؤولي الإدارة الجديدة. الجنرال ه. آر. ماكماستر مستشار الأمن القومي قال على قناة «فوكس نيوز»: «نحن لا نقول إننا من سيتسبب بالتغيير في سوريا، فالحل للصراع هناك يتطلب إلحاق الهزيمة بـ(داعش)، وبعد ذلك تغييراً ملحوظاً في طبيعة النظام».

عندما وقَعَت الغارة كثرت التخمينات بتغيير في السياسة الأميركية الخارجية، لكن الغارة بحد ذاتها لا تغير مجرى اللعبة، هي كانت مجرد واحدة لها هدف محدد، ولإبلاغ الأسد بأن اللجوء إلى الأسلحة الكيماوية غير مقبول أميركياً، وكانت بمثابة ضربة على كتف روسيا، وبأن الولايات المتحدة ليست خائفة من الإقدام على عمل عسكري، حتى لو كان الروس منتشرين عسكرياً، والأهم كانت لإظهار الفارق الشاسع بين إدارة الرئيس دونالد ترمب والإدارة السابقة، ثم إن ترمب يعرف أن تغيير اللعبة في سوريا من الطرف الأميركي يتطلب دوراً من الكونغرس.

إذا راجعنا ما قاله الرئيس ترمب ووزارة الدفاع، نلحظ أن الغارة كانت لإعادة رسم الخطوط الحمراء. قال الجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع يوم الاثنين الماضي: «إن الحكومة السورية تكون مخطئة جداً، إذا ما حاولت اللجوء إلى السلاح الكيماوي مرة أخرى». يُفهَم من هذا أن الغارة ليست محاولة للإطاحة بالأسد، أو تصحيح كل الأخطاء في سوريا، لأنه لا أحد في الغرب يعتقد أن الحل في سوريا عسكري.

وأسأل أحد المراقبين السياسيين الغربيين عن أسباب لجوء الأسد إلى استعمال غاز السارين، وفي اعتقاده أن المعارك انقلبت على قواته، فأراد اختصار مسافاتها، ثم شعر بالقوة، إنما بالشكوك أيضاً من التحول في الموقف الأميركي تجاه بقائه في السلطة، واعتقد أن التحول جزء من تقارب روسي - أميركي قد يؤدي إلى اتفاق بينهما على تسوية سورية شاملة، خصوصاً بعدما فشلت روسيا في التوصل إلى حل بإشرافها.

ويضيف محدثي: «إن الاتفاق لتسليم أسلحته الكيماوية جرى بين روسيا والولايات المتحدة، وهذا يعني أن الدولتين ضامنتان للاتفاق، من هنا فإن لجوءه إلى استعمال غاز السارين هو تحدٍّ للاثنين معاً، وبمثابة صفعة للرئيس الروسي».

سوريا مشكلة معقدة جداً وشائكة، وأكثر العارفين بهذا الأمر هو بشار الأسد. لقد تحولت إلى مستنقع. قبل الغارة الأميركية قال ريكس تيلرسون وزير الخارجية: «لا دور للأسد في مستقبل سوريا». المشكلة في هذه العبارة أن الكثيرين رددوها سابقاً، لدرجة أصبحت بنظر الأسد مثل فقاعات صابون، لأنه إذا أراد الأميركيون أن يكون لتصريحاتهم وَقْع الفعل، فيجب أن تكون لهم قوات داخل اللعبة.

لو أن هذه الغارة الأميركية شُنَّت عام 2013، عندما سقط أكثر من ألف مدني ضحية القصف الكيماوي، لكانت غَيَّرت مجرى الحرب، لأنه في ذلك الوقت كان الأسد ضعيفاً، وهو الآن أقوى، بعدما أصبح الروس مشاركين إلى جانبه، والتغاضي عنه عام 2013 أعطاه ثقة بأنه قد ينجح هذه المرة أيضاً، إنما بضرب عصفورين بحجر واحد، خصوصاً أن الروسيَّ استثمر كثيراً في سوريا كخطوة أولى لإعادة بناء مجد غابر.

لكن هل الولايات المتحدة وروسيا على استعداد لخوض حرب ضد بعضهما من أجل سوريا؟ بالطبع لا، لا من أجل سوريا، ولا من أجل تركيا، ولا حتى من أجل إيران.

يوم السبت الماضي، أطل على شاشة «بي بي سي» البريطانية، سباستيان غوركا النائب المساعد للرئيس ترمب، قال: «ما حصل كان عملية جراحية استُعمِلَت فيها الصواريخ». الرئيس ترمب اليوم هو نفسه الذي قال: «ليس من اهتماماتنا غزو دول أخرى، أو احتلالها، هذا أمر غير أميركي (...)». رد غوركا على قول رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إن العلاقة بين موسكو وواشنطن تدمَّرَت، فقال: «إن إرهاب المتطرفين هو خطر على دولنا. وتبقى روسيا جيواستراتيجياً دولة مهمة».

يقول بعض العارفين إن روسيا فُوجِئَت بالغارة الكيماوية، الأسبوع الماضي، وبالتالي فإن الأسد سيدفع لاحقاً ثمن إحراجه لبوتين. يقول محدثي: «إن روسيا تنظر إلى الصورة الأوسع، التوتر مرتفع الآن، لكن هناك مجالات أمام روسيا وأميركا للعمل معاً في سوريا، ويجب أن تتوفر، لأنه لا مجال لتسوية أحادية في سوريا. فالكثير من الدول لها دور في تلك البلاد؛ من أميركا إلى روسيا، إلى إيران، إلى تركيا إلى دول الخليج، والكل يجب أن يفكر في الصورة الأبعد، لذلك على الدول كلها أن تعمل معاً، ثم إن زيارة تيلرسون إلى موسكو فرصة للطرفين لإيجاد طرح لتجاوز هذا الوضع». ويضيف: «تقول روسيا إن كل المحاولات لفرض وقف لإطلاق النار في سوريا فشلت، لأن الأميركيين والروس غير قادرين على التحكم في كل الأطراف على الأرض».

الغرب يريد أن يكون حاسماً مع روسيا، ويجب، لكنه اختلف حول فرض عقوبات اقتصادية. العارفون يقولون إن سيطرة روسيا على الأسد مبالغ فيها، وفكرة أنها تستطيع إلغاء الأسد ساعة تشاء غير صحيحة، هي تود أن تسيطر أكثر مما تفعل الآن، لكنها لا تستطيع، والهجوم الكيماوي الأخير أثبت ما قاله تيلرسون يوم الأحد الماضي لقناة «إيه بي سي» الأميركية: «لا أقول إن الروس تواطأوا، إنما كان عجزهم واضحاً، أو ربما ناور السوريون عليهم».

الدول الصناعية السبع، في قمتها في لوكا بإيطاليا، طالبت روسيا بوضع مسافة بينها وبين الأسد، لكن روسيا لا تستطيع ذلك، ليس لأن لها مصالح في المنطقة وحسب، بل ترى أنه إذا تمت إزاحة الأسد فمصير سوريا سيكون كمصير العراق أو ليبيا. في هذه الحالة، تفضل روسيا «الشيطان الذي تعرف على الشيطان الذي لا تعرف» على هذا يجيب محدثي: «إن الشيطان في كل الأحوال شيطان، والواقع أن الروس موجودون في سوريا وبإمكانهم فعل أكثر مما يفعلون». يضيف: «نتفق على أن النفوذ الروسي على الأسد غير معروف، لكن الروس هم القوة الأكبر التي تحمي الأسد، ولولا التدخل الروسي لكان الأسد سقط». يقول: «ما سيأتي بعد الأسد لن يختلف عن الواقع السوري الآن. قد يكون ما بعد الأسد سيئاً، لكن ما هو في ظل الأسد الآن سيئ جداً».

في النهاية، رغم كل التصريحات القوية، لا يبدو أن الأوروبيين أو الأميركيين يرون أن الصراع في سوريا جدي وخطير إلى درجة تدفعهم لنشر قوات على الأرض. والمثير في هذه الحالة أن يخسر بوتين رئاسة روسيا، العام المقبل، ويبقى الأسد في سوريا.

تيلرسون في موسكو في زيارة محددة سابقاً، ليس معروفاً كيف ستتطور العلاقة الروسية - الأميركية بعد هذه الزيارة. والمهم، كما ذكرت، أن بوتين لم يُدِن العملية ولم يدافع عن الأسد، وهذا يعني أنه يتطلع إلى علاقة جديدة مع واشنطن؛ فبعد هذه الغارة الأميركية، خفتت الأصوات الأميركية التي كانت تتهم ترمب بأنه في جيب الكرملين. أثبت ترمب أنه سيد نفسه، فهل يثبت بوتين أنه كذلك وأنه لن يسمح للأسد بالمراوغة عليه؟!

اقرأ المزيد
١٤ أبريل ٢٠١٧
هل أفاق الغرب الآن على ما يُجرى في سورية؟

كانت الضربات الصاروخية الأميركية التي استهدفت قاعدة جوية عسكرية سورية الأسبوع الماضي، والتي قدمت كعقاب على استخدام نظام بشار الأسد الأسلحة الكيمياوية، خطوة غير متوقعة من جانب الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب. وقد دلّت هذه العملية العسكرية على تحول في السياسة الأميركية تجاه سورية من عدم التدخل المباشر إلى العكس، بعد أسبوع واحد فقط من إعلان إدارة ترامب أنها لا تهدف الى تغيير النظام في سورية. كما جاءت الضربات كإجراء غير متوقع، بعد تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية والتي أشار فيها إلى أنه غير مهتم بالتورط العسكري الأميركي في الشرق الأوسط.

جاء الإعلان عن تأجيل زيارة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى روسيا، ودعوة جونسون دول مجموعة الدول السبع لفرض عقوبات إضافية على روسيا وسورية رداً على استخدام الأسد الأسلحة الكيمياوية كخطوة تصعيدية بعد العملية الأميركية. وعلى رغم عدم استجابتهم لنداء جونسون في ما يتعلق بالعقوبات، إلا أن القادة الغربيين في قمة مجموعة السبع جددوا النقاش حول تغيير النظام في سورية. تطرح هذه التطورات مسألة متى يتحرك الغرب في شكل فعلي للعمل من أجل سورية. الإجابة عن هذا السؤال تكمن في واشنطن.

يتأجج الصراع السوري منذ أكثر من ست سنوات، من دون نهاية واضحة في الأفق. وعلى الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار المتعددة وجولات عدة من محادثات السلام، لم تكن هناك أدلة على وجود إرادة سياسية في الغرب لإنهاء الصراع. وكان الجاني الرئيسي على مدى تلك السنوات هو الولايات المتحدة. في ظل الرئيس السابق باراك أوباما، كان الصوت الأعلى في الولايات المتحدة هو البيت الأبيض بدلاً من وزارة الخارجية أو البنتاغون. وكان البيت الأبيض - وتحديداً موقف الرئيس من سورية - هو تفادي التدخل العسكري في أي شكل من الأشكال.

كل هذا أتاح استمرار الصراع السوري. أضف الى ذلك نهج الولايات المتحدة تجاه الصراع والذي بني على عدم السماح لأي جانب واحد بالفوز عسكرياً. وقد اتخذت الولايات المتحدة هذا النهج على أساس أنه إذا لم يشعر النظام ولا المعارضة أنهما يمكن أن يفوزا، فإن كلا الطرفين سيضطران إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات. ولكن بدلاً من أن يُجبر النظام السوري والمعارضة على التفاوض، أدى عدم الفوز العسكري لأي فريق - إلى جانب استمرار التمويل من جانب داعمين أجانب من الجانبين – الى استمرار محاولة تحقيق النصر العسكري.

وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة دعت إلى إجراء المفاوضات، فقد أثبتت المنظمة الدولية أنها غير قادرة إلى حد كبير على إحداث التغيير على أرض الواقع. فقد عارضت روسيا بانتظام قرارات مجلس الأمن. وانتهت غالبية المساعدات الإنسانية الموجهة عبر الأمم المتحدة إلى مناطق يسيطر عليها النظام وليس الى مناطق سيطرة المعارضة. واستخدمت المحادثات في جنيف كفرصة من النظام السوري وروسيا لتقويض المعارضة بدلاً من الدخول في مفاوضات فعلية. وشاركت الولايات المتحدة في محادثات السلام ولكن من دون أن تلعب دوراً قيادياً. وكأن الولايات المتحدة قد تعهدت بالصمت من أجل إثبات أن الرئيس أوباما كان جدياً عندما قال إنه لن يجرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع آخر في الشرق الأوسط في أعقاب التدخل في العراق عام 2003 .

سياسة أوباما عنت أن الولايات المتحدة لم تظهر ان لديها قيادة سياسية بالنسبة الى القضية السورية، وترك هذا الدور مفتوحاً على نطاق واسع لروسيا، التي استخدمت الأزمة السورية كوسيلة لتأكيد نفسها في مواجهة الولايات المتحدة.

عندما جاء ترامب إلى السلطة، كان هناك تركيز كبير على علاقته مع روسيا، واعتبرت أكثر دفئاً من تلك التي اتبعها سلفه. ولكن مهما كان ترامب ليناً تجاه روسيا، فهو لا يستطيع السماح بأن يُنظر إليه على أنه الرئيس الذي سمح لروسيا بأن تصبح قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة. كما أراد ترامب أن يثبت أنه، على عكس أوباما، يعني ما يقوله. ومثلما وجدت روسيا في سورية ساحة ملائمة لإعادة تأكيد نفسها في مواجهة الولايات المتحدة، يستخدم ترامب سورية حالياً بالطريقة نفسها تجاه روسيا. والعدد الكبير من المستشارين السابقين لأوباما الذين أثنوا على الضربات الصاروخية التي أمر بها ترامب يظهر مدى تأثير أوباما نفسه في الطريقة التي تعاملت بها حكومة الولايات المتحدة خلال ولايته مع سورية، واحتمال أن تتغير في حال تغير موقف الرئيس الأميركي.

مع هذا التحرك في واشنطن، أفاقت بقية الغرب من سباتها. وهذا يؤكد بوضوح شديد أهمية الإرادة السياسية الأميركية وتأثيرها في السياسة الغربية. لكن هذه الحركة المحدودة في واشنطن لا تعني أن السياسة الأميركية تجاه سورية قد تغيرت بين عشية وضحاها. ولا تزال الدول التي اجتمعت في قمة مجموعة السبع تنقسم حول ما يجب القيام به في شأن سورية. وفي ختام القمة، أكد بيان لوزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو عن سورية فقط أن الضربات الأميركية أتاحت «فرصة سانحة لبناء حالة إيجابية جديدة للعملية السياسية في سورية».

ومن المرجح أن تسبب الضربات الأميركية بعض القلق للنظام السوري، ليس لأنه سيعتبرها بداية لحملة عسكرية أميركية أكبر، ولكن لأنها تظهر أنه لا يمكن التنبؤ بقرارات الإدارة الأميركية الحالية. فحتى وقوع الضربات، كان نظام بشار الأسد وحليفته روسيا يشعران بالارتياح إزاء تقاعس الولايات المتحدة النسبي عن سورية. واليوم، من المرجح أن يقيسا خطواتهما بعناية أكبر. لكن هذا لن يعني أن النظام سيوقف أنشطته العسكرية في سورية. قد تتوقف الهجمات الكيماوية، ولكن نظام الأسد لا يزال يستخدم الأسلحة التقليدية ضد خصومه. وسوف يستمر في القيام بذلك طالما أن الولايات المتحدة ليست لديها استراتيجية في سورية.

والتحدي الذي تواجهه إدارة ترامب الآن هو متابعة عملها العسكري المعزول باستراتيجية شاملة لإنهاء الصراع السوري. إذا تم تصميم هذه الاستراتيجية في واشنطن، فإن بناء تحالف غربي لدعمها لن يكون عقبة. وتكمن العقبة في ما إذا كانت الولايات المتحدة ستؤدي دوراً ديبلوماسياً وعسكرياً رائداً لتمهيد الطريق أمام الانتقال السياسي في سورية أم لا.

اقرأ المزيد
١٤ أبريل ٢٠١٧
عن سورية والغول الأميركي

أثارت الضربة الأميركية الأخيرة لمطار الشعيرات السوري زوبعة إعلامية غير مسبوقة تقريباً في زمن الحدث السوري، رغم أنها لا تعدو أن تكون كغيرها من مئات الضربات التي تعرضت لها مواقع سورية أخرى، إن كان بواسطة قوات الأسد، أو غيرها من القوى الخارجية المتدخلة خلال السنوات الست الماضية.

لدرجة أن الخراب السوري (أقلّه المادي) بات مثالاً معاصراً. إذاً، لمَ أثارت ضربة المطار كل ردود الأفعال تلك على مستوى النخب والشارع داخلياً وإقليمياً؟ إن كان من جهة المنددين والمنزعجين على سيادة "الوطن السوري المستقل"، أو من ناحية الفرحين والمستبشرين بها؟ ما الذي حدث؟

إنه مجرد مطار، وغيره يوجد الكثير من المطارات والقواعد الجوية لدى الأسد، منها ما زالت تحت سيطرته، ومنها ما باتت تحت سيطرة الجيش الحر أو "داعش" أو قوات الحماية الكردية، وحتى القوات الروسية والأميركية سيطرت في الفترة الأخيرة على بعضها. ومن جانبها، فإن قوات التحالف دمرت قبل مطار الشعيرات العديد من المنشآت التي يستولي عليها تنظيم داعش، ومن ضمنها مستشفيات ومدارس، وهي سورية بطبيعة الحال. فما الجديد؟

ليس من اليسير الجزم بإجابة صائبة، ولكن من عقد بعض المقارنات بين كل التدمير الذي أصاب البنى التحتية والمنشآت وحتى بيوت المدنيين خلال العمليات السابقة للقوى المتدخلة، والتدخلات الخارجية التي سحقت أي معنىً للحديث عن السيادة الوطنية، وبين الضربة الأخيرة، فإننا سنلحظ متغيراً قد يبدو الأهم، وهو أنها ضربة أميركية، وهي الأولى الموجهة لهدف سوري خاضع لسيطرة نظام الأسد. فكل التدخلات الأميركية والغربية والروسية والإيرانية السابقة لم تمس هدفاً يسيطر عليه هذا النظام. ما يعني أن هناك تغيراً ما (حتى لو اعتبره البعض طفيفاً أو حتى شكلياً) قد أصاب قواعد اللعبة، مع المعرفة المسبقة للطرفين المندد والمهلل، بشدة بأس "الغول" الأميركي حين يتحرك.

ربما كان السؤال الأهم وأحياناً غير الواعي، هل استفاق هذا الغول بعد نومة أوباما الاستثنائية في التاريخ الأميركي؟ من يعتقد بذلك، ويربط الأمر بشكل مباشر (ولو بطريقة غير واعية) باستهداف المطار، هو مَن أثاره الحدث وجعله يدخل في سجالات كانت متخبطة في العديد منها، على الأقل لناحية المشاعر. فالمطمئنون للحياد الأميركي تجاه الأسد خلال السنوات الأوبامية أصابهم الذهول، وهم يرون صوراً نمطيةً لانطلاق صواريخ التوماهوك من البحر ليلاً، وأحالهم المشهد إلى ذكريات سابقة لهكذا صور من الهجوم الأميركي الذي طالما كان حاسماً ومدمراً، فاستنفروا غضباً وتخوفاً من القادم. والمخذولون من الحياد المرير للعالم تجاه المذبحة التي يعيشها السوريون منذ ست سنوات، داعبهم الأمل للسبب السابق نفسه تماماً، بأن أيام الأسد باتت حقيقة "معدودةً" وليس على طريقة أوباما.

إنها أميركا تضرب الأسد! والتاريخ الحديث لم يقدم نماذج لهزيمة أميركية بعد فيتنام. فما هو القادم؟ أعتقد أنها الصدمة للطرفين، سلباً وإيجاباً، ما استدعت كل هذا السجال الحاد وتقريباً غير المسبوق، والذي قد يتوقف قريباً في ما لو اكتشف الطرفان أن الرسالة لم تكن بالجدية التي يتخوفون منها، أو يأملون بها، ولربما ما زال في كيس حواة الألاعيب السياسية الكثير من الأفاعي التي لم تظهر بعد.

طبعاً هذا التصور السريع والمتعجل لفهم حالة السجال حول التدخل الأميركي، يستبعد من حساباته القومجيين والشيوعيين الستالينيين العرب ومدّعي المقاومة، فهم حالة خاصة عصية على أية محاولة لقراءة سياسية، ومجالهم "التحليل النفسي" كما بدا واضحاً من ردود أفعالهم في السنوات الأخيرة.

اقرأ المزيد
١٤ أبريل ٢٠١٧
«تأديب» الأسد حين يقود إلى «تأديب» بوتين والإيرانيين

ترحيب، تأييد، إشادة... نادراً ما حظيت ضربة عسكرية بهذا القبول العالمي، الذي تحوّل بدوره استعداداً للتآلف مع دونالد ترامب المتأثّر «إنسانياً وأخلاقياً» بموت الأطفال اختناقاً في خان شيخون، فيما هبطت شعبية فلاديمير بوتين كزعيم صلب في مواجهة أميركا بعدما ظهر مدافعاً عن قتل هؤلاء الأطفال ومتهّماً بالمشاركة في الجريمة. حتى أن الرئيس الصيني أبدى تفهّماً لضرب مطار الشعيرات، مع أنه شريكٌ دائم لـ «الفيتو» الروسي في مجلس الأمن. لكن إنجاح اللقاء مع ترامب في فلوريدا كان بالنسبة الى شي جينبينغ أهم بكثير من التضامن مع بوتين في سورية. لم يكن الرئيس الروسي يتصوّر أن قمة أميركية - صينية يمكن أن تسبق أي قمة بينه وبين رئيس أميركي لم يفوّت مناسبة إلا وتهجّم فيها على الصين. وهكذا بدت قمة ترامب - شي أيضاً من مؤشّرات التغيير في اقتناعات واشنطن وأولوياتها.

على عكس باراك اوباما، لم يرسم ترامب «خطّاً أحمر» في سورية لكنه واجه الاختبار نفسه، ولدوافع مختلفة. عام 2013، كان استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية ومعضمية الشام لاستفزاز الرئيس الأميركي السابق و «خطّه»، وإذ تظاهر كمَن يستجيب التحدّي، إلا أن عروض موسكو وحجج إسرائيل أقنعته بإطفاء محرّكاته والتراجع ليكتفي باتفاق تدمير المخزون الكيماوي لدى بشار الأسد، ففي ذلك إخراج للقطيعة الاضطرارية مع روسيا بسبب رفضها تسليم موظف الـ «سي آي اي» المنشقّ إدوارد سنودن، وفيه أيضاً مصلحة غربية وبالأخص إسرائيلية تتمثّل في التخلّص من سلاح محظور في يد نظام مارق. هذه المرّة، لم يكن هناك أي مبرّر لاستخدام الغازات السامة، فلا خطر وشيكاً على نظام الأسد ولا تهديدات أميركية له، بل على العكس جاءت غارة السموم لإيقاظ أطفال خان شيخون بعد يومين على سلسلة مواقف علنية توالى فيها وزير الخارجية والمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة والناطق باسم البيت الأبيض على طمأنة الأسد الى أنه «أمر واقع مقبول» وإنْ لم يكن مرغوباً فيه.

كانت هذه المواقف أبعد من طمأنة بوتين الذي ينتظر منذ غداة انتخاب ترامب اتفاقاً على صفقة كبرى معه، لكن توقّعاته ارتبكت وتعقّدت على أرض الواقع، ما استوجب منه أن يفرمل خططه لوقف النار وإنهاء الصراع في سورية. إذ راحت الأيام تمضي والأشخاص في إدارة ترامب يتبدّلون والظروف تتغيّر، وإذا بالـ «إف بي آي» يتعمّق في التحقيق في فضائح «الاتصال» بين روسيا والترامبيين، وإذا بالقوات الأميركية ترتّب مواطئ نفوذها حول الرقّة شمالاً وتستدعي ضباطاً سوريين منشقّين من تركيا الى الأردن لتعزيز القوات المجمّعة جنوباً في محيط درعا، وإذا بالآمال والأحلام البوتينية تتبدّد، وإذا بواشنطن أخيراً تُخرج ورقة «مصير الأسد» من التداول وكأنها تقول للروس والإيرانيين أن بإمكانهم الاحتفاظ بها واستخدامها كما يشاؤون. لذا وجد بوتين (والإيرانيون) مصلحة في تكرار الاختبار الكيماوي مع ترامب لجلبه الى مساومة جديدة.

كانت ردود الفعل الأميركية الأولية على غارة خان شيخون باهتة وأقـــرب الى العادية، ما أثار انتقادات داخلية مشابهة لتلك التي كانت تُوجّه لاوباما. لكن في الساعات التالية، أفضى تحليل الغارة الى أن أطفالاً قضـــوا فيــها لكن المستهدف كان ترامــــب وإدارته وقراره، وأن الأسد ارتكـــب الجريمة لكـن بتشجيع ودعــم من بوتيــــن، بغية اختبار ترامب. لذا، كانــت الضربة لمطار الشعيرات إثباتاً للاختلاف عن نهج اوباما، وإنْ لم تقطع تماماً مع ذلك النهج الذي أوقف استخدام القوة لحظة كان يمـــكن أن يُحدث فارقاً كبيراً في مجريات الأزمة الســـورية، وخشي الانزلاق الى مبارزة عسكرية مفتوحة لا يريدها مع روسيا وربما لا يريدها بوتين، إلا أن الأسد والإيرانيين كانوا يسعون اليها. وعلى رغم أن الضـربة الأميركية كانت محدّدة، وأُبلغ عنها مسبقاً ليسحب الروس والإيرانيون والأسد عناصرهم، إلا أن وقعها لم يكن محدوداً، بل أوحت بأن المستهدف بـ «التأديب» ليس الأسد وحده، بل أيضاً بوتين والإيرانيين.

أكثر من جهة اجتهدت في قراءة تصريحات ريكس تيليرسون ونيكي هايلي وشون سبايسر. فأوساط النظام نقلت ارتياحاً لدى الأسد مشوباً بقلق من حليفيه الروسي والإيراني هذه المرّة، فهو ورقتهما التي يتاجران بها، لكن ها هم الأميركيون يلوّحون إمّا بانتزاعها منهما أو برميها فتفقد قيمتها. وفي هذه الحال، سيكون الأسد ضحية صراع دولي طالما تمنّاه لينقذ نظامه وتسلّطه. أما بوتين فاستفزّه أن يعبث الأميركيون بورقة الأسد التي يملكها ولا يعتقد أنه يتقاسمها مع إيران. وأما طهران التي تجري مراجعةً لمجمل استراتيجيتها فوجدت في المواقف الأميركية من الأسد عنصر تعقيد جديداً. فهل أقدم النظام على غارة السموم باجتهاد خاص ليختبر الجميع، أم فعلها بإيحاء روسي - إيراني ليستدرج ترامب؟ بالنظر الى طبيعة حال التبعية الكاملة التي آل اليها نظام الأسد، لا أحد يصدّق أنه تحرك لمعابثة أميركا من تلقائه، والأرجح أن الروس لم يتوقّعوا تحرّكاً أميركياً بهذين الإخراج والسرعة، فصواريخ «توماهوك»عبرت في رؤوسهم لتبلغهم رسالة مفادها أن الكرة باتت عندهم، وأن الضربة المقبلة تتوقف على سلوكهم، أي على إدارتهم لممارسات الأسد.

بعدما كان بوتين استثمر في ضعف اوباما وحقّق مكاسب، استعدّ للاستثمار في غباء ترامب وخوائه من خلال «تحالف» كان يعتزم هندسته ليكون له فيه تفوّق في الخبرة والقدرة على اللعب بكل الأوراق والمساومة في مختلف الملفات، من اوروبا الى الشرق الأوسط، ومن سورية الى اوكرانيا، فضلاً عن إيران وحتى الصين. لكن الضربة الأميركية حجّمت رهانات بوتين إنْ لم تكن قد زعزعتها، ثمة قواعد جديدة للعبة في سورية فيما لا يزال الجميع يردّدون بأن الاستراتيجية الأميركية لم تتضح بعد، والأرجح أنها لن تُعرف إلا عندما تصبح فاعلة وقريبة من تحقيق أهدافها، ليس في سورية فحسب بل في عموم المنطقة. وإذ يتبيّن الآن أن بوتين كان يلعب في المساحات الشرق أوسطية التي تعمّد اوباما إخلاءها له، فإنه لم يحسن التعامل أو تعامل بصلف وغطرسة مع شراكات عربية أقبلت عليه بدافع اليأس من اوباما، أما الشراكات التي استغلّها فقط لتسجيل نقاط ضد أميركا فإن أصحابها يبنون الآن آمالاً جديدة على واشنطن بعدما عادت تفتح أبوابها.

غداة الضربة الأميركية المحدّدة، لم يجد بوتين من يصطفّ معه في التنديد والاستنكار سوى إيران وكوريا الشمالية، بالإضافة طبعاً الى نظام الأسد. ليس هذا هو المحور الذي يُمكّنه من تحدّي أميركا. لكن قيصر الكرملين لم يخسر شيئاً استراتيجياً بعد، طالما أنه لم يخسره عسكرياً، إذ لا تزال سورية واقعياً في قبضته وبإمكانه أن يحرّك خيوطها ويواصل توظيفها للمشاكسة والإزعاج، إلا أنه بات واقعاً تحت الضغوط، فمن جهة عليه أن يضبط أداء الأسد والإيرانيين، ومن جهة أخرى عليه أن يردّ الصفعة التي تلقاها في سورية، والأهم أن عليه أن يبرهن عدم اندفاعه الى مواجهة عسكرية قد تؤدّي الى ما خشيه دائماً، وهو الغرق في سورية.

الهدف الأميركي المقبل قد يكون أحد المطارات أو المواقع التي تُصنّع فيها البراميل المتفجّرة، والمؤكّد أن الوضع في جبهة الجنوب سيتغيّر في غضون الشهرين المقبلين، بالتزامن مع وشوك معركة الرقّة التي لم يتقبّل الأسد والإيرانيون استبعادهم عن المشاركة. كلٌ من هذه العناصر يكفي لإشعال مواجهة اذا كان بوتين يسعى اليها، لكن لا يزال متاحاً أمامه أن يقوم بما تتوقعه الدول السبع منه، وفي طليعتها الولايات المتحدة، أي أن يضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار ويدفع نظام الأسد الى التفاوض جدّياً على حل سياسي. أما الردّ على أميركا، كما بدا في عمليات روسيا والنظام السوري واستخدام قنابل الفوسفور، فقد عنى أن أي ضربة ناقصة أو محدّدة تزيد وحشية بوتين والأسد ضد المدنيين السوريين.

اقرأ المزيد
١٤ أبريل ٢٠١٧
طبول الحرب العالمية تقرع في سوريا

اكتشف “ترامب” ومن معه أخيراً حقيقة ما يحدث في سوريا من مجازر ومآسي تفجرها براميل وصواريخ الحقد التي سحقت وشردت ملايين الضعفاء من النساء والأطفال والشيوخ.

هل هي الصحوة المتأخرة؟
أم أن الأسد أتمّ مهمته القذرة في الهدم والتدمير والتشريد والتقسيم بنجاح، وبدأت مخططات إعادة الإعمار وتقسيم الثروات بين الكبار.

عاد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من زيارته لموسكو بخفي حنين، وأتبع بعدها بفيتو ثامن ليقطع الشك باليقين، ويلخص ما حدث في دهاليز اللقاءات الغير ودية بين البلدين، ويرسم خارطة التصعيد في المرحلة القادمة.
وكأن ترامب ينتظر الكيميائي بفارغ الصبر ليحشد أنصاره، ويقتحم الملف السوري من أوسع أبوابه؛ ألا وهو باب المأساة والألم فيصعدّ كلما اشتدّ.

أراد تيلرسون إخبار لافروف أنّ ترامب الشرس المنحدر من الحزب الجمهوري، بطل الحروب الأمريكية غير أوباما الطفل الوديع المنحدر من الحزب الديمقراطي بطل التردد والتلون.

وأنّ الخلاف في القاعات وخلف الطاولات وحدة اللهجة في المؤتمرات الصحفية أمس، غير الخلاف في الساحات خلف مقود الطائرات والبوارج والصواريخ العابرة للقارات.

ردّ الروس كان عنيفاً وقاسياً بفيتو سجله “غينادي غاتيلوف” نائب وزير الخارجية الروسي وأكد أن موسكو ستستخدم حق النقض ضد مشروع القرار، الذي يطالب جيش الأسد التعاون مع تحقيق دولي حول الهجوم الكيميائي في خان شيخون بريف إدلب، الذي تسبب في مقتل وإصابة المئات، كما ردّ بتصعيد عسكري غير مسبوق على الأرض وقصف جنوني يعمّ كل مناطق المعارضة بلا استثناء.

رفضوا للعرض المقدم من الدول السبع بتخفيف العقوبات عن موسكو وإعادتها لمجموعة الثماني الكبار، وربط الملف السوري بملف القرم وأوكرانيا ومحاربة الإرهاب ودعم المرحلة الانتقالية بدون الأسد مع الحفاظ على المؤسسات.

وعلى الضفة الثانية يؤيد “ترامب” في موقفه المتحمس كل من “بريطانيا وكندا” الذين عبروا عن سعادتهم بالاقتحام الأمريكي للمشهد السوري بهذا العنف، وقد ظهر وزير الخارجية الأميركي “تيلرسون” الأربعاء بعدة مواقف لافتة بعيد لقائه بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، حيث أكد أنّ الثقة بين روسيا وأميركا ضعيفة بل بمستوى متدنٍّ، مكرراً أيضاً موقف واشنطن بأنه “لن يكون للأسد أو عائلته أي مكان في مستقبل سوريا”.

وكأن تركيا من جهتها تنتظر هذا الخلاف بفارغ الصبر لتبدأ العمل مع انتهاء الاستفتاء، ولتشمر عن ساعدها، وترتب صفوف الفصائل على أراضيها، ثم تقتحم المشهد بتجربة أكبر من تجربة درع الفرات، قد يكون وجهتها الرقة بعد أن نسف ضجيج صواريخ التوماهوك طاولة المفاوضات مع النظام السوري، وقلبها رأسا على عقب. تحت ذريعة محاربة “داعش” ستحاول تحجيم نفوذ إيران، والقضاء على الانفصاليين الأكراد، مستعينة بالموقف الأمريكي الأخير الذي حسم الموقف الغامض والمتذبذب بشأن مصير الرئيس بشار الأسد في حكم سوريا، يأتي هذا التفاؤل مع ظهور بوادر تحالف عسكري دولي تقوده كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا بالاشتراك مع دول عربية وخليجية لإسقاط بشار الأسد بالقوة، وتغيير النظام في سوريا.

لا شك أن ذهاب “تيلرسون” لموسكو يدل على البحث عن حل سياسي جدي، يضمن رحيل الأسد والحفاظ على المؤسسات؛ وهذا ما بينه المبعوث الأممي إلى سوريا “ستفان دي ميستورا”، فذكر أنّ “التقدمّ الهش الذي تحقق في مفاوضات سوريا أصبح بالفعل في خطر بالغ”، مبدياً وجود استعداد لعقد جولة من مفاوضات جنيف في أيار المقبل.

رمى “ترامب” بزيارة “نيلركسون” الكرة في ملعب بوتين، الذي ابتلع الصدمة بتوجيه الضربة الأخيرة لمطار الشعيرات، وذهب ليبحث عن حلفاء غير إيران والمليشيات، تستطيع الصمود في وجه هذا المعسكر الفظ.

فهل سيرد “بوتن” الضربة بمثلها؟ أم سيعيد حساباته ويبحث عن مخرج سياسي ينقذه من الغرق أكثر في هذا المستنقع السوري الدامي.

اقرأ المزيد
١٤ أبريل ٢٠١٧
اقطعوا رأس المرتد.. هكذا يحكمون بشرع الله.!!

أخاطبك يا ياسين ناصر.. يا رنتيسي.
هكذا لقبوك يا ياسين بعد انطلاق الثورة في مدينتك القصير.
أخاطبك، وأنت في السماوات العلى.
وقلبي يمتلئ حزناً وأسى، وأعصابي تتفجّر غضباً من الطريقة في إعدامك.
فكيف تنتقل إلى رحمته تعالى بهذا الاسلوب المعهود من قِبَل من يدّعون الإسلام ويرفعون راية لا إله إلا الله..!؟.
كيف، وأنت المسلم المؤمن، المتمسك بدينه وعقيدته وحبه لوطنه، والحريص على مجابهة سلطة الأسد وإيران وحزب الله.
وعلى أية شريعة اعتمدوا في حكمهم وأقاموا حد القتل بقطع رأسك يا ياسين.  
لا أدري والله كيف.!!.
..............................
يا ياسين..
لم أكن أعرفك إلا حينما ذهبنا معاً إلى الديار المقدسة لأداء العمرة في تموز عام 2006.!؟.
شاهدتك تركب الحافلة، وبرفقتك امرأتان، إحداهما عمتك، وهي تتجاوز قرن كامل، هكذا كانت ملامحها توحي بذلك، وهكذا علمتُ منك فيما بعد.
قلت في نفسي: أعانك الله أيها الشاب على هذه الرحلة، وربما عمتك هذه لن تعود إلى الوطن. وربما تكون الديار المقدسة هي الأرض التي ستموت وتدفن في تربتها تلك العجوز المعمّرة.
وسبحان الله، عندما كنا في طريق العودة من الديار المقدسة، لاحظت أن تلك العمة العجوز.. ابنة المئة عام قد دبّ في جسدها ونفسها النشاط والحيوية.  
بعد عودتنا إلى الوطن، كنت أراك مصادفة يا ياسين، فأسألك عن تلك العمة: هل ما تزال على قيد الحياة.!؟. فتجيبني ضاحكاً: لا تزال، وقوية أكثر من السابق.
.............................
هل تذكر يا ياسين كيف كنا نتناقش، هناك في الديار المقدسة، حول ملحمة تموز بين حزب الله وإسرائيل.!؟.
كنا مختلفين تماماً في الرأي، فأنا كنت مأخوذاً، كالكثيرين، بانتصارات حزب الله وبملحمته البطولية الرائعة، وبصواريخه التي وصلت إلى حيفا وما بعد.. بعد حيفا.!!!.
أما أنت فكنت تقول: هذه مؤامرة ومسرحية، أبطالها إسرائيل وإيران وحزب الله والأسد، وغايتها استهداف العرب السنة، ولو بعد حين.
هذا هو باختصار محور المناقشات التي كانت تجري بيننا.
واختلافنا في الرأي حول تلك الحرب الضروس.!!!، لم يفسد الود الذي نشأ بيننا.
.................................
وانطلقت الثورة السورية في آذار من عام 2011.
فهل تذكر يا ياسين، وأنت في السماوات العلى، كيف وقفتَ أنت مع الواقفين أمام الجامع الكبير بعد خروجكم من صلاة الجمعة، وتخططون للقيام بمظاهرة احتجاجية ضد السلطة الأسدية، وتضامناً مع أطفال درعا وشبابها.!؟.
كان الجميع متهيباً وخائفاً من بطش المخابرات وأزلام السلطة. لكنك، بحسب ما سمعتُ، كنتَ يا ياسين أول من صرخ "الله أكبر"، وهتف الناس وراءك ضد الظلم والطغيان.
هكذا انطلقت المظاهرة الأولى في مدينتنا القصير، وهتافها لم يكن إلا: حرية.. حرية.. سلمية.. سلمية ".
فيما بعد تحولت الانتفاضة إلى ثورة مسلحة، وكنت أنت واحداً من بين الثوار الذين دافعوا عن القصير وأهلها وأرضها الغالية ضد جرائم سلطة الأسد وميليشيا حزب الله.
ومرت الأيام والشهور، حتى ضاق الخناق على المدينة وأهلها وثوارها، وأصبح الوضع لا يحُسد عليه، ولم يكن أمام الجميع سوى خيارين، إما الموت أو الخروج والشتات.. كان ذلك في عام 2013.
قبل خروجنا ذلك الخروج المؤلم بأسبوع، تصادفنا معاً، والغبار يغطي المنطقة من كثرة القذائف التي تنهال وتنفجر هنا وهناك.  
كنت أسير قريباً من المخفر القديم، وأنا أحمل سلاحي.. أعني حاسوبي، وأتجه إلى المستشفى الميداني، بهدف استخدام شبكة التواصل الاجتماعي للاطلاع على أخبار الدنيا، فقد كانت متوفرة هناك. أما أنت فكنت مقبلاً بدراجتك الآلية من صوب الجامع الكبير، ومتجهاً إلى إحدى الجبهات لمتابعة واجبك المقدس تجاه مدينتك وأهلك.
ناديت عليك، وطلبت منك التوقف. وبعد السلام، قلت لك مباشرة: هل تذكر المناقشات التي جرت بيننا أثناء أداء العمرة حول حرب تموز المجيدة والنصر الإلهي.!!!.
تبسمت يا ياسين، وحرّكت برأسك، وكأنك تقول: أذكر ذلك جيداً، فقلت لك بقناعة صريحة وحازمة: كان رأيك هو السليم الصائب يا ياسين، ورأيي هو الخاطئ المغلوط.. فعلاً لم تكن حرب تموز إلا مسرحية، أبطالها إسرائيل وإيران وحزب الله والأسد. مع السلامة، الله معك، والله يحميك يا ياسين.
وذهب كلٌّ منا في حال سبيله.
بعد خروجنا من القصير، كان قدرك أن تظل حاملاً البندقية وتجاهد في سبيل الله والوطن ضد السلطة الظالمة الفاسدة وأعوانها من ميليشيا حزب الله وإيران، وأيضاً ضد من يتناغمون معهم في السر والعلن، ممن يدّعون أنهم وحدهم يمثلون الإسلام الصحيح.
ولكن هذا النوع من الجهاد، لم يعجب لا السلطة وأعوانها، ولا غيرها، ممن يرفعون راية لا إله إلا الله، ويطالبون بإعلان الخلافة الإسلامية، ويدعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
بعد وقوعك بين أيدهم، طبقوا الشريعة عليك وفيك يا ياسين، فأنت كنت واحداً من الثوار، وتابعاُ لأحد فصائل الجيش الحر، وتجابه الطغاة والبغاة والمنحرفين عن النهج الإسلامي السليم، وهذا الموقف كان كافياً بقناعتهم القبيحة لكي تصبح واحداً من المرتدّين.
وحُكمُ شريعتهم على المرتدّ هو قطع الرأس، فربّهم الذي يختلف عن رب المسلمين جميعاً، لا يأمرهم إلا بذلك، ولسوف يغضب عليهم، ويدخلهم نار جهنم خالدين فيها، إن نفذوا حكم الرب بغير هذه الطريقة.!!.
..................................
كم آلمني أسلوب موتك يا ياسين.. يا رنتيسي، فالشريط المصور تقشعر له الأبدان، ولا يمكن لقلب أي إنسان أن يتحمل المزيد من المشاهدة.
والمؤلم المبكي أن "السياف" كان يفتخر بفعلته أعظم افتخار.
وكيف لا يحق له أن يفتخر، فقد قطع رأس أحد المرتدين.!!.
يرحمك الله يا ياسين، ويرحم الطيبين من أمثالك، ويرحم شهداء سورية أجمعين.

اقرأ المزيد
١٣ أبريل ٢٠١٧
ضربة ترمب... «نهاية الخطّة الشريرة»

ارتبطت الضربة الأميركية الترمبية بسيلٍ من الاستعادة حدّ السخرية لخطابات وقرارات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، المتفرج بدمٍ بارد على الأزمة السورية، برغم الخطوط الحمر، وتحديد نهاية الصلاحية لرئيس النظام، واجتماعاته الكثيرة، وتصريحاته التي لا تحصى، وخططه الورقية، غير أنه لم يفعل شيئاً تجاه الأزمة السورية على الإطلاق، بل كان لفترة يسخر من تحميل أميركا أوزار التدخل وأثمانه الباهظة، مشبّهاً أي عملٍ عسكري بسوريا بفض نزاعٍ اعتباطي بأحد أدغال أفريقيا، مما جعل أسماء سياسية لامعة بالولايات المتحدة تتعجب من هذا الأفول والانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، وإخلاء المنطقة لروسيا وإيران وأذرعها الإرهابية الميليشياوية الدموية والمافياوية. اقتصر تدخله على دعمٍ لوجيستي محدد بليبيا، لم تعد أميركا الأمة «التي لا يمكن الاستغناء عنها» كما عبّر مرة بيل كلينتون، بل باتت معه «الأمة التي يمكن الاستغناء عنها»، حيث يردّ والي نصر على سياسات أوباما بكتابه بالعنوان ذاته، راسماً على شرحه «السياسة الخارجية في تراجع»، لكن هل تبقى كذلك بعد الضربة الترمبية الاستراتيجية؟!

العقيدة السياسية - التي تعبّر عنها صيغ الخطاب للإدارة الأميركية الحاليّة - تضع ضمن أولوياتها استعادة النفوذ بالمفاصل الحيوية بمنطقة الشرق الأوسط، والقرب أكثر من حماية مصالح الحلفاء وبخاصة دول الخليج، ولجم تمدد إيران، والتعاون مع دول الاعتدال بغية الحرب على الإرهاب، وتعزيز التعاون الاقتصادي، هذه العناصر الكبرى لما يمكن أن ترسمه خطوط الالتقاء بين أميركا والحلفاء في ظلّ اضطرابٍ غير مسبوق أبرز أسبابه إهمال الأزمة السورية وحالة التثبيط التي صنعتها السياسة الخارجية الأميركية، هذا قبل أن يتدخّل الرئيس القوي والشجاع دونالد ترمب ليضع حداً للفظاعة الوحشية التي يمارسها النظام السوري على نحوٍ يندر مثيله عبر التاريخ، نظام يريد اختبار صبر الإدارة الجديدة، ويكاد يحفر قبره بيده.

أولى نتائج الضربة، دبيب الفزع إلى قلب النظام، إذ كتب مايكل إيفانز، بصحيفة «التايمز» البريطانية أن «حصانة الرئيس بشار الأسد وعائلته التي حكمت سوريا بقبضة حديدية منذ عام 1970، انتهت، وأنه سيكون عليه أن يعيش بلا هاتف خلوي بعيداً من عيون الأقمار الصناعية الأميركية. إن الأسد أدرك بعد الهجوم بصواريخ توماهوك الأميركية أنَّ حياته قد تكون مهددة من قبل الأميركيين، في الوقت الذي بدأ فيه المدعون العموميون في أوروبا بمصادرة ما قيمته عشرات ملايين الجنيهات من ممتلكات عمه». هذا برغم محاولة العناد ومقاومة الضربة باستمرار أساليب الوحشية واغتيال المدنيين الأبرياء.

إن ما يحتاجه العالم من ترمب أن يكون النقيض المطلق لباراك أوباما، على كل المستويات.

وإذا كان أوباما - كما يصفه فؤاد عجمي - بأنه صاحب «الخطّة الشريرة» لتسليم المنطقة لإيران؛ أوباما القائل عن رموز نظام إيران: «إنهم أصحاب فكر استراتيجي وليسوا مندفعين، ولديهم رؤية ويهتمون بمصالحهم ويستجيبون للتكاليف والفوائد، وهذا لا يدفع إلى القول بأنها ليست دولة دينية تعتنق جميع الأفكار التي أبغضها، ولكنها ليست كوريا الشمالية. إنها دولة كبيرة قوية ترى أنها طرف مهم على الساحة العالمية، ولا أعتقد أن لها هدفاً انتحارياً، ويمكن أن تستجيب للحوافز»، فإن ترمب وفريق إدارته على النقيض منه، إذ يعتبرون النظام الإيراني هو راعي الإرهاب في جميع أنحاء العالم، وأساس «القاعدة»، وممر أسامة بن لادن، وأمين سر تنظيم داعش.

يعتبر عجمي أن أوباما هدد كثيراً ولم ينفذ أي قرارٍ عسكري عزم عليه، ما يهمّ به في المساء يتراجع عنه بالصباح مما جعل «سلطته موضعاً للسخرية، ومثلها سمعة أميركا في العالم، عندما هدّد بعواقب خطيرة للديكتاتورية السورية عقاباً لها على استخدامها السلاح الكيماوي، غير أنه لم يلبث أن تراجع واقترح تصويتاً في مجلسي الكونغرس على التحرك العسكري ضد سوريا»، ترمب هدد قليلاً، وفي آخر مؤتمر صحافي لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قبل الضربة لم يطرح حتى الخيار العسكري، غير أنه وبعد بضع ساعات كان مطر الصواريخ المشتعلة يدك مطار الشعيرات، أعيدت حينها عقارب الساعة ولن تعود المنطقة قبل الضربة كما هي بعدها، وبيان روسيا وإيران الأخير يوضح مستوى القلق، لقد عادت «أميركا الطبيعية» الأمّة التي لا يمكن الاستغناء عنها، فهي قوة القوى.

أميركا ليست مجرد بلدة سينمائية، بل هي موئل خلاصة القيم الغربية، ومن دون أدوارها لا يكتمل عقد النظام العالمي، وحين تنعزل ينكفئ العالم ويضطرب ويتلاطم، قدرها التاريخي والكوني أن تكون ضابطة إيقاع لكل الأحداث، وحين تبحر في خضم الأحداث تتراجع كل القوى. كان السياسي المخضرم هنري كيسنجر يأسى على منح أوباما الفرصة للروس لممارسة العبث المطلق بسوريا والمنطقة وهو الخبير بسلوكهم.

حضور أميركا بحضارتها وقيمها التي هي «قيم العصر» أفضل بالنسبة للعرب والمسلمين من حضاراتٍ أخرى مافياوية، خرافية، عدوانية، لا تمتلك قيماً تستحق التصدير.
إنه زمنٌ آخر، وتحوّل مشهود لتجاوز «سنين الانعزال».

اقرأ المزيد
١٣ أبريل ٢٠١٧
المناطق الآمنة في سوريا!

ليس واضحاً بعد مدى جدية الرئيس ترامب في إقامة منطقة أو مناطق آمنة في سوريا، رغم أن الهجوم بالغاز في بلدة خان شيخون الأسبوع الماضي أعاد الجدل حولها. تحدث ترامب في هذا الموضوع ثلاث مرات بعد أن أثاره للمرة الأول خلال حملته الانتخابية عندما قال إنه يتطلع إلى ما أسماه «قطعة أرض فسيحة يقيم فيها السوريون في أمان»، كما تحدث وزير خارجيته ريكس تيلرسون عنه بصيغة أخرى: «مناطق استقرار مؤقتة لمساعدة اللاجئين في العودة إلى ديارهم»، خلال اجتماع التحالف الدولي ضد الإرهاب في 22 مارس الماضي، ثم بحث هذا الموضوع في زيارته إلى تركيا في 30 من الشهر نفسه. ومع ذلك، ما زالت فكرة المناطق الآمنة غير واضحة لدى أركان الإدارة الأميركية، ربما باستثناء رغبتهم في توفير ملاذات للاجئين الذين يرفض ترامب دخولهم الولايات المتحدة تماماً.

ولا تخفى صعوبة إقامة منطقة آمنة أو أكثر في الأوضاع السورية الراهنة. فهي تثير الكثير من الأسئلة؛ بدءاً من منهجية إنشائها، وإمكانات إقناع روسيا بعدم استخدام حق النقض ضدها في مجلس الأمن، وكيفية تحقيق الحماية اللازمة لجعلها آمنة، وكذلك طريقة تمويلها، وهل ستكون هناك دول راعية لها، وسبل التوفيق بين هذه الدول. وتشكل الإجابات على هذه الأسئلة ما يمكن اعتباره الإطار القانوني الذي ينظم المنطقة أو المناطق الآمنة، وهل يكون إطاراً واحداً في حالة إقامة عدة مناطق، أم سيفرض اختلاف الظروف أطراً متعددة؟

غير أن هذا الجانب القانوني ليس إلا واحدة من صعوبات تواجه الفكرة في الواقع، وتنطوي على مشاكل عملية معقدة، وخاصة في شمال سوريا الذي تطالب تركيا منذ سنوات بإقامة منطقة آمنة فيه.

ورغم أن تركيا هي الدولة الأكثر تأييداً لهذه الفكرة، فإن سياستها المتشددة تجاه الأكراد أصبحت عائقاً أساسياً أمامها على المستوى الإقليمي الآن. فالهدف الأساسي لتركيا في المدى القصير والمتوسط هو إقامة شريط عازل على طول حدودها لمنع الأكراد من تأسيس كيان قابل للحياة، ووقف تدفق مزيد من اللاجئين السوريين إليها وإعادة من لا تريدهم. أما الهدف الأبعد فهو أن تكون هذه المنطقة وسيلة لدعم نفوذها الإقليمي، وضمان حضور قوي لها في سوريا.

لذلك ارتبط تأييد تركيا للفكرة بطموح كبير لإقامة منطقة آمنة واسعة النطاق تمتد على طول حدودها مع سوريا، لكن هذا الطموح أُحبط نتيجة التفاهم الضمني بين روسيا وأميركا لوقف القوات التركية وحلفائها من فصائل «الجيش الحر» بعد سيطرتها على مدينة الباب، ومنع تقدمها إلى منبج، كما أن مشاركتها في معركة تحرير الرقة ليست مؤكدة. لذلك، فإذا افترضنا أن إدارة ترامب قررت العمل لإقامة مناطق آمنة، ووجدت صيغة للتفاهم مع روسيا بشأنها، فقد لا تبقى تركيا متحمسة لها، لأن المنطقة التي يمكن أن تُقام على حدودها ستكون أصغر كثيراً مما تطمح إليه. وهذا فضلاً عن أنها ستواجه مأزقاً صعباً إذا شمل التصور الأميركي إقامة منطقة آمنة ثانية في الشمال تحت إدارة كردية من شرق الفرات حتى الحدود العراقية.

وهذا هو السيناريو الأرجح حتى الآن لما يمكن أن يكون تصوراً أميركياً لفكرة المناطق الآمنة، سواء في ضوء سياسة واشنطن تجاه كل من تركيا والقوى الكردية في شمال سوريا، أم في ظل المعطيات الجغرافية المحدّدة لتلك الفكرة. فالمفترض أن يقوم أي تصور جاد في هذا المجال على بحث الحاجات الفعلية لتوفير ملاذات آمنة في مختلف مناطق سوريا. كما يصعب إغفال الحاجة في الوقت نفسه إلى منطقة آمنة في غرب سوريا، جهة الساحل أيضاً، لإرضاء روسيا ونظام الأسد، وأخرى في الجنوب بين درعا والقنيطرة مثلاً لأهميتها في الحد من تفاقم أزمة اللجوء السوري في الأردن بعد أن وصلت إلى مستوى يصعب تحمله. والأرجح أن تصر إيران، في حالة اقتناع روسيا بفكرة المناطق الآمنة، على إقامة منطقة أخرى على حدود لبنان الشرقية مع سوريا، وخاصة بين القلمون والقصير.

وهكذا تبدو المصالح طاغية على العامل الإنساني الذي يفترض أن يكون محور التفكير في إقامة مناطق آمنة سواء في سوريا أو غيرها. وكلما ازدادت المصالح وتعارضت، قلت فرص التفاهم وازدادت الصعوبات التي قد تجعل المناطق الآمنة في سوريا بعيدة المنال.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان