مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٤ أكتوبر ٢٠١٧
"منتخب البراميل" أداة الأسد لإعادة تسويق نظامه

بقلم : أحمد نور

يسعى الأسد جاهداً على إعادة تسويق نفسه كرئيس لدولة وإعادة تسويق نظامه عالمياً بوسائل عدة، لاسيما بعد سلسلة التغيرات العسكرية التي طرأت على الخارطة العسكرية في سوريا مؤخراً بعد ماتلقاه الأسد من دعم كبير على يد روسيا وإيران والميليشيات الشيعية المساندة له، وتمكن قوات الأسد من الوصول لمناطق خرجت منها مهزومة قبل أكثر من خمس سنوات.

تغير الخارطة العسكرية وميول بعض الدول التي اتخذت موقف من الأسد لتغيير تصريحاتها لاسيما فيما يتعلق ببقاء الأسد أو نظامه تبعاً للسياسة الدولية التي لاتعرف عدو أو صديق دائم، كان لابد لنظام الأسد من إعادة تسويق شخص "بشار الأسد" ونظامه عالمياً، اتخذت لذلك وسائل عديدة منها عروض الأزياء وكرة القدم ووسائل أخرى لإظهار ان النظام مايزال قوياً وأن المجتمع السوري لا يزال متماسكاً، في محاولة لإعطاء صورة مغايرة تماماً عما يجري من قتل وتشريد وتغييب صورة المعاناة والقتل اليومي بصور تنم عن التطور والتقدم وأن الأزمة خلصت وسوريا بخير كما يريد

"منتخب البراميل" كان أحد وسائل نظام الأسد للترويج لنفسه بشكل كبير، من خلال المشاركة في تصفيات كأس العالم 2018 والتي حملت رسائل كبيرة أراد نظام الأسد أن يوجهها للعالم بدئا من عودة بعض اللاعبين للانضمام لمنتخب النظام "منتخب البراميل" واستقطابهم بطرق ووسائل عدة أبرزهم "فراس الخطيب، عمر السومة" ممن انقلبوا على أنفسهم أولاً قبل أن ينقلبوا على مبادئهم وشعبهم الذي ناصروه في بداية الحراك الثوري.

سعى الأسد ونظامه جاهداً لتسويق المنتخب "منتخب البراميل" وشارك الإعلام الروسي والرديف بشكل كبير في الترويج له، وتصدرت أخبارهم كل المواقع والصفحات، كان في الطرف المقابل من دعا لمساندة "منتخب البراميل" من مبدأ "فصل السياسة عن الرياضة" وهذا ما يريد أن يصل له الأسد في ترويج نفسه ونظامه، حتى كانت خسارة الفريق المدوية ببلوغ نهائيات كأس العالم، بعد خسارته في مباراة الإياب أمام استراليا بهدفين لهدف ضمن تصفيات الملحق الآسيوي.

بعد الجدل الكبير لأصحاب مقولة "فصل السياسة عن الرياضة" جاء الرد من الأسد نفسه الذي استقبل "منتخب البراميل" وكرمهم ولبس قميص المنتخب متفاخراً بما حققوه من تطور وتقدم حسب زعمه وقال الأسد "أولاً أنا ككل مواطن سوري فخور جداً وسعيد بالمستوى الي وصلوا المنتخب السوري الوطني، وكل مواطن سوري وأنا منهم نتمنى أن يتحقق الحلم ونشوف فريقنا عم ينافس على كأس العالم".

لكن النقطة الأهم بالنسبة للأسد حين قال " هو هذا المستوى الغير مسبوق، تمكن من الوصول إليه في ظروف صعبة، وهذه النقطة الأهم، لأن الدولة التي تعيش حالة حرب يكون هم الناس فيها وهم الدولة وهم المجتمع أن يقدر يخفف تراجع الأمور وبأسهل الأحوال يحافظ عالشي إلى هو موجود عندو، لكن أن يكون هناك تقدم، بظروف حرب فهذا بحدوا انجاز مضاعف، وهذا يدل إلي شفناه من خلال الفريق والي عم نشوفوا اليوم بكل مجالات الحياة يدل على حيوية الشعب السوري وثباتوا وتصميموا ووطنيته وعلى تصميمه أن يتجاوز الحرب بكل الوسائل وبكل الأساليب والرياضة واحدة من هذه الوسائل".

ولم يخف الأسد هواجس الرافضين لمعادلة "فصل السياسة عن الرياضة" عندما ربط بين ماحققه "منتخب البراميل" وبين ما تحققه قوات الأسد على الأرض في دير الزور ومناطق أخرى قائلاً " طبعاً نحن منعرف أن كل هالانجازات الي عم تصير في هالظروف مبنية على انجاز كبير هو إنجازات قواتنا المسلحة إلى لو ماكان فيها هالبطولات الي عم نسمع عنها وعم نشوفها ماكان حدا فينا يحقق أي شي بحياتوا ويمكن ماكان عنا وطن لحتى نحكي بالإنجازات وأنا متأكد أن الفريق الوطني لما كان عم يلعب كل مواطن سوري عم يكفر لما يحقق انجاز أو عم يحاول يحقق هالانجاز أن هو بدو يكون رديف ومكمل لعمل القوات المسلحة الي نحن منعرفوا كل شخص حمل السلاح وكل شهيد وكل جريح قدم جزء من جسدو وكل عائلة أرسلت ابنها وزوجها وأخوها وفي بعض الحالات أرسلت بناتها للقتال .... كل هدول كان عندهم هدف وحيد أن نحن نتقدم ومانتراجع للخلف والمنتخب الوطني كان عم يتقدم للامام" ..... فجاء الرد سريعا من عناصر المنتخب "كلوا بدعمك سيدي".

شبكة ESPN الأمريكية كانت قد نشرت في أيار الماضي ملفاً كاملاً بعنوان "منتخب الديكتاتور"، اعتمدت فيه على شهادات لاعبين حاليين وسابقين، ومسؤولين حاليين وسابقين في ميدان كرة القدم، فضلا عن أصدقاء وأقارب للضحايا، كشفت فيه أن نظام الأسد قتل 36 لاعب كرة من أندية الدرجة الأولى والعشرات من أندية الدرجة الثانية، إما تعذيباً حتى الموت أو بالقصف. وصنفت 13 لاعباً في عداد المفقودين، مضيفةً أن نظام الأسد استخدم ملاعب لكرة القدم في الحرب كمستودعات أسلحة، ومعلوماتنا تقول إنه استخدم بعضها كسجون بعد اكتظاظ سجونه السرية والمعلنة على حد سواء، بحسب تقرير لـ"العربي الجديد".

كما كشفت شبكة ESPN أيضاً عن تواطؤ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مع نظام الأسد، إذ أوقف الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال العقود الماضية 20 مرة منتخبات بسبب إقحام الأمور السياسية ومخالفة القواعد. أما في حالة سورية فاعتبرت أن الأمر "حوادث مأساوية تأتي بعيداً عن نطاق الرياضة".

إذن هو توظيف سياسي من وجهين، الأول في استخدام الرياضة وكرة القدم لتذكير العالم بشرعية نظام فاقد للشرعية بتواطؤ لا تخطئه العين من هذا العالم، والثاني في الرعاية الوحشية للرياضة والرياضيين ولاعبي كرة القدم، وفق ما كشفت عنه شبكة ESPN.

نعم فصل الأسد السياسة عن الرياضة وأدخل "منتخب البراميل" شريكاً له ولجيشه في قتل الشعب السوري، رديفاً في تحقيق التطور الذي يتحدث عنه الأسد في سوريا، غابت عن المشاهد حجم المعاناة والمآسي التي لاتزال مستمرة من خلال قصف طيران الأسد وحلفائه والحصار المفروض على العديد من المناطق والموت الذي بنشره في كل مكان من بقاع سوريا، وما حل بها من دمار ودماء، ليسوق نفسه بأنه يتطور ويتقدم ويحقق الإنجازات في وقت يواجه فيها حرب، وهل سأل السومة والخطيب أنفسهم عن أي حرب يتكلم الأسد ..!؟ عن الحرب التي يشنها جيشه وحلفائه على الشعب السوري أم الحرب الكونية المصطنعة على نظام الأسد ..!؟

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٧
إيران والسنوات العجاف القادمة

رئيس الاستخبارات الأمريكية السيد «مايك بومبيو» قال في تصريح له: (إن الـCIA ستُصدر في الأيام القليلة القادمة مؤلفاً يحتوي على المراسلات التي وجدها الفريق الذي قام باغتيال ابن لادن بينه وبين ملالي إيران في مخبئه في باكستان). الخبر ليس غريباً بالنسبة إلينا، فابنه سعد بن لادن يعيش مكرماً في إحدى ضواحي طهران، إنما الغريب كيف كان الرئيس السابق لديه معلومات بهذه الدرجة من الخطورة، ويأمر بإخفائها عن الشعب الأمريكي، ليس هذا فحسب، بل عمل بكل مثابرة على إبرام صفقة معها حول المنشآت النووية، ليتسنى لها الحصول على الأموال المجمدة في الولايات المتحدة، وهو يعلم يقيناً وبالدليل القاطع أنها تتعامل مع رأس الإرهاب، وشيطانه الأكبر «أسامة بن لادن».

لذلك، فالرئيس ترامب لم يصف إيران بأنها دولة إرهابية دونما دليل، ولم يصف الاتفاقية بين إيران والدول الست العظمى بأنها الاتفاقية الأسوأ في تاريخ أمريكا جزافاً، وإنما بالأدلة والبراهين التي لا يرقى إليها الشك، الأمر الذي يؤكد أن ما كان يتحاشى أوباما أن يعلنه على الملأ جاء من يُعلنه ويضع النقاط على الحروف، وهذا ما يجعلنا الآن نصل إلى الجزم بأن الرئيس ترامب ماضٍ في إستراتيجيته التي من شأنها اقتلاع نظام الملالي في إيران من جذوره، ليس بالحرب طبعاً، وإنما بالعقوبات الاقتصادية، التي لا بد حتماً إذا ما استمرت أن تُحرك الشارع في إيران، مثلما تحرك في نهاية السبعينيات من العقد الميلادي الماضي، وأطاح بالشاه.

كل المؤشرات والإرهاصات تقول إن إيران من الداخل على فوهة بركان، وأن تفشي البطالة وانهيار العملة الإيراني وجمود النمو الاقتصادي بسبب العقوبات، وتدهور الخدمات المدنية في أغلب المقاطعات الإيرانية من شأنها أن تفجر الداخل الإيراني؛ ناهيك عن أن منظمة الحرس الثوري، وهي القوة الاقتصادية الأكبر في هيكلية القوى في إيران، من المزمع أن تُصنف أمريكياً كمنظمة إرهابية، ما يجعل قدرتها على الحركة في الشأن الاقتصادي، وتحديداً في توريد المستلزمات التي يحتاجها اقتصاد الداخل، غاية في الصعوبة.

كل هذه العوامل مجتمعة ستؤدي حتماً إلى عدم قدرة نظام الملالي على المقاومة طويلاً، ولن تجدي هراوات الباسيج في قمع الانتفاضات إذا ما تفجرت، فأي دولة في العالم اليوم لا تستطيع إطلاقاً أن تعيش، فضلاً عن أن تستمر، بمعزل عن العالم، وتحديداً عن أذرعة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسيطر سيطرة شبه كاملة على منظومات البنوك في العالم، فلا يستطيع أي بنك، في أي دولة، التعامل مع العالم الخارجي في معزل عن الولايات المتحدة، وكذلك الأمر لكبريات الشركات العالمية، وإلا فالعقوبات الأمريكية كفيلة بتغريمها مليارات الدولارات كما حصل في مرات سابقة.

ومن الواضح أن أمريكا في عهد الرئيس ترامب تختلف عنها في عهد الرئيس أوباما، الذي كان يساند إيران على حساب المصالح القومية الإمريكية العليا، لذلك فإن سنوات عجافاً، إذا لم تكن مزلزلة، تنتظر مستقبل ملالي الفرس، خاصة إذا ما صدر قرار أمريكي بتصنيف (الحرس الثوري)، بكل أذرعته الاقتصادية، منظمة إرهابية، عندها إقرأ على هذا النظام الكهنوتي القادم من تلافيف التاريخ السلام.

إلى اللقاء

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٧
أين «الشريفة» من تحرير الرقة؟

واضح أن تحرير الرقة من «داعش» حدث على خلفية عزيمة وإعادة ترتيب قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب. لا للجيش السوري ولا الروسي وحتماً لا لإيران ولا لـ «حزب الله» علاقة بهذه العملية. لو نعود إلى خطابات القيادات الإيرانية ومن تموّله بالمال والعتاد، وإلى خطابات نظام بشار الأسد بل وتصريحات المسؤولين الروس، فلن تجد منها خطاباً إلا ويشير إلى أهمية التخلص من «داعش». طبعاً لم يتخلصوا لا من «داعش» ولا من «النصرة» ولا من غيرهما من فصائل الإرهاب الموجودة في سورية، ليس بسبب قوة «داعش» بالطبع، ولكن بسبب عدم وجود النية أصلاً لقتالها ومواجهتها.

إذاً، فوجود تلك الجماعات المسلحة كما أوهموا البعض، كان الذريعة الأهم لتدخل إيران في الشأن السوري، ومحاولة البقاء هناك. خروج الجماعات المسلحة من سورية سيضع إيران وغيرها في مواجهة الشعب السوري. هل سيأتون بأعذار جديدة؟ ومن أين؟ وما عساها تكون؟

الواقع أن تدخل إيران في شؤون الدول العربية عامة لا يستند إلا الى الأكاذيب. أتوا إلى العراق لمواجهة «التكفيريين» وفق زعمهم. ذهبوا إلى سورية للسبب نفسه. على أن تدخلاتهم في البحرين مثلاً، لا تتوافق مع هذه الكذبة، ولذا نجد إيران لا تتحدث عن البحرين إلا بطرق خجولة. حتى بعد دخول قوات «درع الجزيرة» لازمهم الصمت، باستثناء بعض الأبواق التي تتحدث عن حقوق وهمية. اليمن قصة أخرى، ذلك لأنها هي الأقرب إلى الجائزة الكبرى (السعودية). مبرراتهم لدعم الحوثي في اليمن باهتة. تارة يتكلمون عن الحاجة إلى نشر الديموقراطية. تارة يتكلمون عن محاربة إرهاب «القاعدة» في اليمن، وهذه لم تعد تنطلي على أحد، لأن من يحارب «القاعدة» هناك هي قوات الشرعية والتحالف.

لكن ما الجديد؟ هذه هي «الشريفة» التي تحولت إلى الحليف الأهم لدولة قطر أخيراً، وأطلق المسؤول القطري عليها هذا اللقب. وبهذه المناسبة هل يوجد نظام عربي واحد يفتخر بعلاقات جيدة مع إيران؟ قطر وحدها هي من يفعل ويعلن ذلك. لا أدري هل القصد هو الاستقواء بها؟ هل هي محاولة لابتزاز الدول الأربع المقاطعة لقطر بسبب دعمها الإرهاب وإثارتها الفتن؟ والسؤال الأهم: هل باستطاعة إيران أو تركيا حماية نظام قطر من الزوال؟ هل لدى إيران أي قوة دولية مؤثرة قد تقف ضد مشروع ملاحقة «الحمَدين» قضائياً ومن يعمل معهما كما سيأتي؟ بالطبع لا.

في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تعلن الولايات المتحدة قبل يومين عن موقفها الجديد الصارم من نظام إيران. تهوي البورصة الإيرانية في اليوم التالي. ينهار الريال الإيراني، ويُمنَع شراء الدولار الأميركي بالقوة. وعلى رغم موقف بعض الدول الأوروبية من الاتفاق النووي، تخرج بريطانيا وفرنسا وألمانيا بتصريحات مذلة عن إيران، وتهددها بالعقوبات إن لم تتوقف عن خططها العدوانية. تعلن شركة «بريتيش بتروليوم» عن تجميد مخططاتها للاستثمار هناك.

هذه هي الحال الإيرانية منذ احتلال المتظاهرين الثائرين السفارة الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٧٩ بعيد سقوط الشاه. لا وقت للاستقرار وبناء العلاقات مع الغير. سياسة عدوانية مستمرة وفاضحة. مشاهد من الفشل والدمار تتكرر في كل بقعة يقتربون منها. حتى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة لم تسلم منهم ومن أحقادهم. نحن هنا نتكلم عمّا يقترب من ٤٠ عاماً من التخبط. قد تقع بعض الدول في أخطاء، وترتكب بعضها من وقت إلى آخر، لكنها غالباً ما تتنبّه لذلك وتصحّحه وتنهض من جديد. الاستثناء العالمي الوحيد بجانب كوريا الشمالية، هو هذه الدولة الدموية القائمة على استخدام السلاح والنار لقمع أي مطالبات بالتغيير. نظام قائم على القمع والتعذيب والشنق داخلياً. خارجياً لا همَّ لهذا النظام إلا محاولة إسقاط الأنظمة الأخرى. يا لها من أجندة!

وبالمناسبة مرة أخرى، لو لم يسقط حكم «الإخوان» في مصر لأصبحت لدينا ثلاث دول من هذا «الصنف». العامل المشترك بين ملالي إيران وجماعة «الإخوان المسلمين» هو تقديم الأيديولوجيا على التنمية وبناء الإنسان. إنه نشر الفوضى في كل مكان، حتى يتمكن البعض من رؤيتهم كمنقذين. يلجأون إلى ذلك بسبب غياب القدرة على التفاعل مع العالم المتقدم، لا لرغبة منهم، ولكن لعدم قدرتهم على مجاراة تلك الدول وتبادل الخبرات معها. وفي تعليق رائع، قال مغرد في موقع «تويتر»: « إذا توقفت إيران عن تصدير مشكلاتها تكون حكمت على نفسها بالسقوط».

لقد أحسنت السعودية صنعاً عندما دعمت ثورة ٣٠ حزيران (يونيو) التي لن ينساها «الإخوان» على الإطلاق. وبالطبع لن ينساها صنّاع الرعب والقتل في طهران. لهذه الأسباب ولغيرها، ستبقى إيران ومن يقف معها في عزلة تامة عن العالم المتحضر، مهما استخدموا من وسائل الإعلام، ومهما جنّدوا من الأسماء في «السوشال ميديا».

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٧
الاتفاق النووي الإيراني... الفوضى التي خلفها أوباما

«ترمب ينتهك معاهدة دولية»! «ترمب يخل بالاتفاق الذي وقعته القوى العالمية»!

كان هذان عنوانين رئيسيين في التغطية الإعلامية التي تناولت موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب من «الاتفاق النووي الإيراني» خلال الأسبوع الماضي، حتى إن بعض وسائل الإعلام الغربية رأت أن موقف ترمب قد يعقّد مهمة كبح جماح كوريا الشمالية؛ لأن بيونغ يانغ قد تخلُص إلى أن التوصل إلى أي اتفاق مع القوى العالمية - مثلما فعلت إيران - ربما يصبح عديم الجدوى.

إذن، ما الذي فعله ترمب بالضبط؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، دعونا نتناول سؤالاً آخر.
هل كان «الاتفاق» الذي توصل إليه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مع إيران بمثابة معاهدة؟
الجواب هو: لا.

إنه - مثلما تقول طهران - «خريطة طريق» تعهدت في إطارها إيران باتخاذ بعض الخطوات مقابل اتخاذ «القوى الكبرى» خطوات أخرى من جانبها..

وحتى ذلك الحين، لا تحوي «خريطة الطريق» أو «قائمة أمنيات» - مثلما وصفها وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري - نصاً ذا طابع إلزامي؛ فهي تتوفر بخمس نسخ مختلفة: ثلاث باللغة الفارسية، واثنتان باللغة الإنجليزية، مع وجود اختلافات كثيرة بينها.
لم يوقع أحد على «قائمة الأمنيات» حتى الآن.

كما أنها لم تُحل - ناهيك عن الموافقة عليها - إلى السلطات التشريعية في أي من البلدان المعنية.

ولم تحدد النصوص المختلفة أي آلية للتحكيم لتقرير إذا ما كان جرى تنفيذها. وتتولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية - التي لم تشترك في صياغة الاتفاق – مهمة تقييم – وإن أمكن التصديق على - الامتثال الإيراني، لكن لا توجد آلية للتقييم والتصديق على إذا ما كان المشاركون الآخرون قد فعلوا ما يفترض عليهم القيام به.

من الناحية القانونية، إن ما سُمى «الاتفاق» ليس موجوداً، وبالتالي لا يمكن لأي شخص «الإخلال به».
بدأ الخلل في «الاتفاق» منذ نشأته.

من ناحيته، أخبرني وزير الخارجية البريطاني الأسبق والنصير القوي لإيران جاك سترو بأن الفكرة بدأت خلال اجتماع عُقد في مقر إقامته الرسمي في لندن، مع وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس. في ذلك الوقت، كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أثبتت أن إيران انتهكت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وطلبت من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة اتخاذ إجراء بشأنها. وأصدر مجلس الأمن قرارات رفضتها إيران؛ لأن الملالي لم يريدوا أن يظهروا وكأنهم يكررون «خطأ» الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالسير نحو «فخ قرارات مجلس الأمن».
ابتكر سترو فكرة تكوين فريق مخصص للتوصل إلى اتفاق مع طهران، متخطياً الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي، ومن ثم إغواء الملالي بأنهم تلقوا معاملة خاصة لأن نظامهم كان مميزاً.

ويبدو أن رايس كانت متجاوبة مع الفكرة، وأخذت «خطوة جريئة» تمثلت في دعوة سكرتير المجلس الأعلى للأمن الوطني الإيراني علي أردشير - المعروف باسم لاريجاني - إلى واشنطن بالضبط في الوقت الذي كان سترو فيه على وشك ترك منصبه.
وأُصدِرت أكثر من 100 تأشيرة أميركية للاريجاني والوفد المرافق له، غير أن «المرشد الأعلى» الإيراني اعترض على الزيارة في آخر لحظة.

وعندما تولى باراك أوباما منصبه في البيت الأبيض، أحيا الفكرة، وبعد إجراء محادثات سرية مع طهران في عُمان، نظمتها وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، حوَّل أوباما الفكرة إلى عملية.
شعرت طهران بأن أوباما بمثابة صديق لها في واشنطن.
وشق أوباما طريقه بالفعل نحو استمالة وإغواء الملالي.

وأنشأ مجلس أمن موازياً، يتألف من الدول الخمس الكبرى التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا التي كانت ولا تزال الشريك التجاري الرئيسي لإيران.
لم تُمنح المجموعة - التي أُطلق عليها اسم 5+1 - أي صفة رسمية.
ولم تُعين المجموعة رسمياً أو قانونياً من قِبل أي شخص، ولا تمتلك بياناً خطياً بالمهمة، ولا تتضمن أي التزام قانوني لأعضائها، ولا تعد مسؤولة أمام أحد.
قبلت طهران الخدعة بموقفها المعتاد المتمثل في الغرور العابس.

تباهى خليفة لاريجاني، سعيد جليلي، بأن «الوضع الخاص» لإيران حظي باعتراف «القوى الكبرى»، ما يعني ضمناً أن أموراً مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية أو حتى القانون الدولي برمته لا ينطبق على بلاده. وأثبت جليلي أنه مسبب للإزعاج.
لقد اعتبر أن مجموعة 5+1 بمثابة آلية لإيران لاقتراح - إن لم يكن فرض - مجرى الأحداث على الصعيد العالمي.

ولم يكن مستعداً للحديث عن الغش النووي الإيراني إلا إذا ناقشت مجموعة 5+1 أيضاً خطط بلاده لمجموعة من المسائل الدولية. في أحد الاجتماعات، عرض جليلي «اقتراحاته» للتعامل مع «المشاكل التي تؤثر على الإنسانية»، بدءاً من البيئة إلى «الانسحاب الكامل للشيطان الأميركي الأكبر» من المنطقة.
وفي مرحلة ما أثناء ذلك، تطفل الاتحاد الأوروبي - بتشجيع من بريطانيا وألمانيا - وأمَّن مكاناً له بجانب مجموعة 5+1.

تمثلت الفكرة في استخدام سياسة «الشخص المسؤول» المعتمدة في السياسة الخارجية الأوروبية كوسيلة لانتقاد الإيرانيين الذين يبدون غير راغبين في التفاوض. وبذلك توسعت مجموعة 5+1 إلى مجموعة مؤلفة من 31 دولة؛ أعني 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، والصين، وروسيا. (وفي مرحلة ما، يبدو أن البرازيل، وتركيا، وكازاخستان انضمت أيضاً إلى المجموعة، لكنها سرعان ما ابتعدت عن المشهد).
وبمجرد ابتعاد جليلي عن عملية التفاوض، نتيجة تكليف الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني وزير خارجيته محمد جواد ظريف بتلك المهمة، بدأت الأمور في التقدم بسرعة.

خلال سنواته الطويلة التي قضاها في الولايات المتحدة، بعضها كدبلوماسي في نيويورك، أقام ظريف اتصالات مع الحزب الديمقراطي، شملت جون كيري الذي خلف هيلاري كلينتون في منصب وزير الخارجية الأميركية. أقنع ظريف رؤساءه بعدم تفويت «الفرصة الذهبية» التي عرضتها إدارة الرئيس أوباما والتي ضمت الكثير من «المتعاطفين» مع إيران.
لذلك، في غضون عامين فقط، ما ثبت أنه مستحيل طيلة عشر سنوات أصبح ممكناً.

لقد وُضع نص مُبهم، يتحايل على المسائل المطروحة، ويعلن النصر لكلا الجانبين. واتفق المشاركون في اللعبة على إبقاء النص بعيداً عن متناول هيئاتهم التشريعية، حتى لا يجازفوا بإخضاع شراب السحر الذي أعدوه للتدقيق.
إن ما يُسمى «الاتفاق» أُطلق عليه اسم «خريطة طريق» غير ملزمة، ما يعني ضمناً أن «خريطة الطريق» ليست لنفس الرحلة.
وبعد عامين من كشف النقاب عنها، يبقى الوضع في «خريطة الطريق» كما هو عليه.
لم تفِ إيران ولا المجموعة المؤلفة من 31 دولة بوعودها؛ فلا يزال سبيل طهران لتطوير أسلحة نووية متاحاً، على الرغم من أن هذا لا يعني أنها تصنع قنبلة الآن. ومن جانبها، لم ترفع مجموعة الدول الـ31 العقوبات المفروضة على إيران.
لقد خدع كلا الجانبين بعضهما بعضاً وجماهيرهما.
وخلف أوباما وراءه حالة خداع دبلوماسي مثيرة للفوضى. والمثير للاهتمام أن ترمب لم يلق هذه الفوضى في مكب النفايات، بل وعد بإعادة ترتيبها وتحسينها.
هل هذا ممكن؟

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٧
مشكلة التحليل في مسألة إدلب والممر إلى المتوسط

تقييم التطورات من وجهة نظر حزب العمال الكردستاني يمكن أن يتيح لنا اختبار نظرية الحزب حول إيجاد ممر إلى المتوسط عبر إدلب. كما هو الحال بالنسبة لجميع الفاعلين في المنطقة، حزب العمال أيضًا يعاني من الغموض الحالي. لأن هناك سلسلة من الأحداث تقع، وسوف يكون لها تأثير مباشر عليه.

يحتل الغموض في العراق صدارة القائمة، وهو يشكل بالنسبة للجميع مخاطر وفرص جديدة. وانسحاب البيشمركة من كركوك أثار سلسلة من التطورات.

قد ينجر الإقليم الكردي في العراق إلى دوامة عدم الاستقرار، وقد يفقد بارزاني مشروعيته وسلطته. وهذا ما قد يكون خبرًا سارًّا بالنسبة لحزب العمال الكردستاني. لكنه يعلم أن التوصل إلى نتيجة رهن بحشد عدد أكبر من مقاتليه في المنطقة.

هناك تطور آخر وهو خروج المنطقة الشمالية في سوريا، التي يوليها حزب العمال أهمية استراتيجية، من سيطرة بارزاني، كما حدث في سنجار. وهذا ما يعني قوة إضافية للحزب.

من ناحية أخرى، قد ينعكس التعاون التركي العراقي الإيراني على حزب العمال الكردستاني. وإذا شمله الاتفاق بين البلدان الثلاثة سيكون لزامًا عليه زيادة قواته في شمال العراق.

كما أن توجه الحكومة التركية لضرب الإرهاب في معاقله ستجبر حزب العمال على وضع المزيد من القوات على طول الحدود وفي قنديل.

ومع إضافة وجود الحزب في تركيا وأنشطته فيها يتضح أن أولويته ستكون موجهة للناحية الدفاعية في الكثير من المناطق، وأن عليه حيازة عدد كبير من القوات.

ولا تقتصر المشكلة على العراق فحسب، فحزب العمال منشغل للغاية في سوريا أيضًا. وهناك حدود تركية طولها 650 كم تقيده. ويمكن لأنقرة أن تمزق امتداد الأراضي التي يسيطر عليها الحزب بالدخول من أي نقطة من الحدود نحو الجنوب. كما أن عفرين المحاصرة تثير قلقًا كبيرًا لدى الحزب.

ومن جهة أخرى، سيؤثر تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيتيع سياسة محايدة في الأزمة بين الإقليم الكردي والعراق، على قرارات التنظيمات في المنطقة ومنها حزب العمال.

ويدرك الحزب أن الولايات المتحدة قد تتخلى عنه في أي لحظة. وبناء عليه سيتصرف بحيطة وسيعمل على عدم وضع البيض كله في سلة واحدة.

تعتبر المرحلة الأولى من الحرب مع داعش في الرقة انتهت. ويعمل حزب العمال على تأسيس دولة عسكرية بسرعة في هذه المنطقة، التي لا يملك فيها حاضنة اجتماعية. وعليه فسوف يتوجب على الحزب تخصيص قوات لا بأس بعددها في المنطقة من أجل مواجهة هجمات من داعش، أو تهديد محتمل يمكن أن يصدر عن نظام الأسد أو السكان العرب.

ومن دون الأخذ بعين الاعتبار محدودية موارد الحزب في هذا الوضع الفوضوي، وبعده عن معقله في قنديل، وقوة تركيا، يبدو طرح محاولة الحزب القيام بعملية توصله إلى البحر المتوسط أمرًا لا يمت إلى الواقع بصلة.

بعبارة أخرى، على الحزب السيطرة على حوالي 3 ملايين مدني عربي، وما بين 20 ألف إلى 30 ألف معارض مسلح، وتجاهل روسيا والنظام السوري، والحصول على دعم لوجستي وجوي غير محدود من الولايات المتحدة.

وأخيرًا فإن توقع دخول حزب العمال الكردستاني إلى إدلب للوصل إلى المتوسط، واتخاذ قرار باستخدام القوة العسكرية لمنع ذلك، وشغل أفضل الوحدات العسكرية بالبرد في إدلب يشير إلى قدرة رائعة على التحليل وفهم استراتيجي مبهر!!!

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٧
ماذا بعد انهيار إمارة داعش؟

بعد أربع سنوات من القتل والرعب، تنهار "دولة الخلافة" الهمجية، أكبر وأبشع إمارة إرهابية في تاريخ المنطقة، بل والعالم بأسره. فبعد أن قُذف بالتنظيم خارج الموصل العراقية التي اتخذها عاصمة له، ها هو يُقذف به اليوم خارج معقله الأساسي الثاني، الرّقة السورية. لكن لا يعني سقوط معقل تنظيم داعش أن الأخير انهار، وأن المنطقة تخلصت منه، بل ما يحدث مجرد جولة، وإن كانت حاسمة، من جولات محاربة التطرف العنيف والإرهاب. فضلاً عن الأسئلة الآنية، مثل من يتولى إدارة المدن والمناطق التي طُرد منها "داعش" في انتظار إعادة بسط الدولة مراقبتها وإدارتها عليها، هناك أسئلة مركزية مطروحة، ولا مبالغة في القول إن مستقبل المنطقة مرهون بكيفية الإجابة عليها.

يخص السؤال الأول ماهية "داعش" وكيف أصبح، في ظرفٍ قياسي، فاعلاً غير دولتي أقوى من دول عديدة في المنطقة متأزمة، اقتضت مواجهته تشكيل تحالف دولي الأول من نوعه في التاريخ، كونه تأسس لمواجهة فاعل غير دولتي، أقام شبه دولة، مقتطعاً أراضي من دولتين. وهذا بحد ذاته دلالة على أداء عسكري غير مسبوق. وعلى الرغم من المعلومات المتوفرة والتقارير الاستخباراتية، فإن تكوين التنظيم وسيطرته على أجزاء واسعة من سورية والعراق بحاجة إلى البحث المعمق لفهم الظاهرة، ومحاولة تجنب تكرارها باستخلاص العبر. بالطبع، لا جدال في أن أزمة الدولة في البلدين شكلت أرضية خصبة لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، لكن هناك دولا أخرى، عانت من أزمات مشابهة، لكنها لم تعرف مثل هذه التنظيمات.

السؤال الثاني: أين يذهب وسيذهب مقاتلو "داعش" بعد السقوط المتتالي لمعاقلهم؟ إنها محنة أمنية بكل المقاييس، ليس فقط لسورية والعراق، بل لدول المنطقة ولأوروبا، نظراً لوجود أعداد هائلة من المقاتلين الأجانب في صفوف "داعش"، فهناك من لقي حتفه في المعارك، وهناك من سيُقتل في المراحل الأخيرة من تحرير الرقة والمناطق الداعشية. لكن ماذا عن البقية، وكم عددهم بالتحديد. بغض النظر عن تضارب الأرقام بشأن مقاتلي "داعش"، ونسبة الأجانب بينهم، فإن جزءاً منهم سيتمكّن من الفرار، وربما فر قبل سقوط الرقة نحو آخر معاقل التنظيم و/أو نحو وجهة أخرى في انتظار مغادرة سورية أو العراق نحو مسارح الجهاد الأخرى، أو نحو أوطانهم الأصلية. وتتخوف الدول الأوروبية من عودة مواطنيها الذين قاتلوا في صفوف "داعش". لذا تفضل صراحة موتهم في المعارك في آخر معاقل التنظيم في المنطقة.

من المرجح أن يتسلل مقاتلو "داعش" من العرب المحليين (من سورية والعراق) في أوساط المدنيين، حتى يخرجوا بسلام من مناطق المعارك. ويعد هذا خطراً أمنياً حقيقياً، لأنهم قد يشكلون خلايا نائمة، وينفذون عمليات إرهابية نوعية بين حين وآخر، ليبقوا على شبح "داعش" حاضراً في المنطقة، لاسيما أن التحالف الظرفي بين مختلف الفواعل ضد "داعش"، ولكن ليس للأهداف نفسها، سينتهي بالتخلص من "داعش" تنظيما له قاعدة جغرافية واضحة. فبمجرد حرمانه من هذه القاعدة، يتحول إلى تنظيم إرهابي تقليدي، يختفي ويتنقل ويتسلل في المجتمع، ما يحول دون تحييده.

السؤال الثالث كيف ستكون خريطة المنطقة، وشبكة التحالفات فيها بعد حرمان "داعش" من إمارته الجغرافية. بنشاطه في المنطقة، خدم "داعش" كل الأطراف الإقليمية والدولية، حيث شكل ذريعةً لتدخل قوى في سورية بشكل غير مباشر أو مباشر، لاسيما عسكريا، ولأنظمة، هي جزئياً مسؤولة على التطرّف في المنطقة العربية، من التمظهر بمحاربته، وتقديم نفسها دولا منخرطة في مكافحة الإرهاب بلا هوادة، ولدول أخرى للحفاظ على أنظمتها التي كانت على المحك، وأخرى بلعب دور المناول الأمني لصالح القوى الخارجية، ولقوى محلية، غير دولتية (الأكراد تحديداً) للانخراط في الحرب على "داعش"، وتوظيفها للحصول على مكاسب عسكرية (أسلحة غربية)، وسياسية تستخدمها للضغط على الحكومة المركزية في بغداد.

يقودنا هذا إلى السؤال الرابع، وهو مصير الوحدة الترابية لكل من سورية والعراق، فالبلدان يعرفان مطالب كردية انفصالية، لاسيما في العراق، أين يشكل كردستان شبه دولة ونظم أخيرا استفتاءً للاستقلال عن الدولة العراقية. وبما أن القوات الكردية لعبت دوراً أساسياً في ميدان المعركة برياً بدعم جوي من قوات التحالف الدولي، فإنها ستعمل على الحصول على مكاسب سياسية، بل وترابية، مقابل مجهودها الحربي ضد "داعش". فكيف ستكون خريطة العراق وسورية الجغرافية بعد "داعش" إمارة ذات قاعدة جغرافية – شبه دولة – وليس مجرد تنظيم إرهابي. هكذا تساهم أزمة طارئة (داعش والحرب عليه) في تعقيد أزمات بنيوية، مختلفة الحدة، والمتمثلة في المسألة الكردية في البلدين. صحيح أن القوى الدولية، وكلا من تركيا وإيران (المعنيتين بالمسألة الكردية) تقولان بضرورة تسوية هذه المسألة، في إطار الوحدة الترابية للدولة القائمة في العراق وسورية، لكن نعلم أن المصالح تتغير وليست جامدة، ومواقف اليوم ليست بالضرورة مواقف الغد.

يخص السؤال الخامس التربة الخصبة التي سمحت لتنظيم داعش بالنمو والتطور والسيطرة على أجزاء واسعة من سورية والعراق. هل سيعيد البلدان النظر في أدائهما ودورهما ومسؤوليتهما باعتبارهما دولتين: هل ستراجع الدولة العراقية طريقة تعاملها مع أقليتها السنية، وهل ستفعل الدولة السورية الشيء نفسه مع أغلبيتها السنية. المشكلة هنا أن الدولتين تقومان على أساس طائفي، وبالتالي فإعادة النظر في إستراتيجيتهما تعني وضع بنيتهما السلطوية والتسلطية على المحك... عليهما البحث عن سبلٍ جديدة للحوكمة، وإلا فإن الظروف المواتية التي أوجدت "داعش" ستسمح بظهور تنظيمات مماثلة مستقبلاً.

نافل القول إنه مع الانهيار الحالي لإمارة داعش الإرهابية، فإن المنطقة تنتقل من المهم إلى الأهم، أي إلى إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي، وهي مرحلة عسيرة، لأن التحالف والتوافق المصلحي الظرفي إبّان الحرب على "داعش"، سيفقدان مبرّر وجودهما بمجرد نهاية الحرب، فالأخيرة قللت من حدة التوترات في مشهد ترتيب الأعداء والأصدقاء، لكن بعد حسمها ستعود هذه التوترات إلى سابق عهدها بتعقيداتها وصعوباتها. إنها مرحلةٌ حاسمةٌ هي الأخرى، بيد أن الفصل فيها في غاية من التعقيد، ويتطلب وقتا كثيرا لإيجاد أجوبة وحلول مستدامة للأسئلة الخمسة المطروحة.

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٧
الثورة على مفهوم الانغلاق

بات الجميع مقتنعاً بأن موسم "داعش" في سورية والعراق شارف على الانتهاء، وأن المرحلة المقبلة، الضبابية، في حاجةٍ إلى عناوين سياسية واضحة، كي لا تتناسخ الحروب المتفرقة وتتشعّب. أولى تلك الحروب هي الاشتباكات بين البشمركة و"الحشد الشعبي" في العراق. وبغضّ النظر عن الطبيعة السياسية لهذه المعارك، وارتباطها باستفتاء انفصال كردستان في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، والإسقاطات الجيوبوليتيكية والتاريخية عليها، إلا أن الواقع واحد: اشتباك سني ـ شيعي. وهذا النوع من الاشتباكات الطوائفية مرشّح للحصول في أماكن أخرى من العراق وسورية، كالجنوب العراقي ووسطه، والرّقة ودير الزور ودرعا والسويداء وغيرها في سورية.

وفي غياب أي ضابط يمنع الاشتباكات "الدينية"، فإن توسّعها وانتشارها، تحديداً في المشرق العربي، مرشّح للتصاعد في المرحلة المقبلة، فالشرق الأوسط قطع مغناطيس تتجاذب بعضها بعضا في غياب التوازن الذي من المفترض أن يعتبر من "الحلول النهائية" فيه. وهذا يعني، على المدى البعيد، أمرا من اثنين: إما انتصار طائفة أو قومية على الجميع، مع ما يحمله ذلك من أحقاد متوارثة ستؤدي إلى انتفاضة "المظلوم" لاحقاً للتحوّل إلى "ظالم" جديد، أو تكريس دويلاتٍ على أسس مذهبية وقومية. وأي من الأمرين لا يُعدّ حلاً مثالياً، بل هو أقرب إلى الاختيار بين السيئ والأسوأ.

هذا الاختيار، المعطوف على فشل معظم الجيوش العربية في أداء دور "حامي الدولة والقانون" لا "حامي السلطة والأنظمة"، أدى إلى تفسّخ فكري واسع النطاق في تبيان (أو استشراف) ملامح المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط، خصوصاً على صعيد العلاقات بين جماعاته. والمضحك المبكي هو قدرتنا على "اختيار" طريق من اثنين، طريق "الدويلة" مع كل ما يمكن أن يرافقها من تمييز ديني وقومي وانغلاق فكري، أو طريق "الدولة" بحمى جيشها الذي تمادى في صون السلطة وقمع الشعوب، مع ما يعنيه من قمع عقلي. "حق الاختيار"، ولو كان على شاكلة هذين الطريقين، إلا أنهما يؤديان معاً إلى الهاوية.

كيف يمكن الخروج من تلك الدوّامة، من دون أن يعني ذلك الاضطرار إلى مسايرة خيار مفروض على المجتمع؟ تبدأ الأمور بحدّها الأدنى في الثورة على فكرة الانغلاق بحدّ ذاتها، لا على تكريس الاتهامات المتبادلة، واعتبار "الآخر" العدو الذي يجب التخلّص منه، فقط لأنه من قومية أو طائفة أو عرق مغاير. كما يتوجب ترسيخ الاقتناع بمبدأ أن "لا أحد يملك الحقّ كاملاً"، لا بقوة سلاحه، ولا بقوة عقيدته الدينية والسياسية، بل فقط بقوة العدالة الإنسانية. بهذه الفكرة يمكن الوصول إلى المكان الذي يسمح للجميع قول ما يشاؤون، من دون التعرّض لرصاصةٍ في الرأس، أو لاتهامات بالتخوين، أو النبذ.

وإذا كان مفهوم الثورة على الانغلاق فرديّا أكثر منه جماعيا، فإن قضية انتشار السلاح بين المجموعات الدينية والقومية، بحجة "خوفها"، أمر ملحّ يتوجب الخلاص منه. صحيح أن الخلاص من المليشيات المذهبية والقومية في حاجة إلى سنواتٍ ضوئية، لكنها تستحق المحاولة، قياساً على المسار الدموي للشرق الأوسط، وعدم تخلّصه من أتون الحروب المتناسلة. مع العلم أن التجربة اللبنانية التي تحوّلت إلى نسخة مكرّرة في سورية والعراق واليمن ليست التجربة المشجّعة التي يُمكن أن تؤدي إلى "طائف" جديد يضمن السلم الأهلي، فلا سلم أهلياً تحت عناوين دينية وقومية، كونه الدرب الأسهل للقضاء على تطوّر القوانين المتعلقة بالإنسان وحريّته. وهو أمر نلمسه يومياً في لبنان، من الطبابة إلى التعليم والغذاء والمواصلات وملف النفايات، فقد أدت المحاصصات الطوائفية إلى تمكين السلطة في يد حفنةٍ من رجال الدين ورجال الأعمال وأمراء الحرب، الذين "يثابرون" على سرقة المواطنين، فضلاً عن تجهيل القوانين المدنية، القادرة على كسر القوالب الدينية والمذهبية. "الثورة على الانغلاق" هو كل ما نحتاجه في شرقنا.

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٧
العرب إلى أين؟

ليست تأثيرات أزمات العرب منعزلة عن بعضها، حتى وإن اعتقدت دوائر صنع القرار ذلك، فالوقائع، الجارية والتاريخية، أثبتت أن كل أزمة إقليمية تنتج حزمةً من التداعيات التي تدخل في مجال التأثير لكل دولةٍ من الخواصر الضعيفة، ومن حيث لا تستطيع أجهزة تلك الدولة منعها، ولا حتى تقدير حصولها.

ربما، وحدهم العرب لم يصلوا بعد إلى هذا الاكتشاف الذي يكاد يسجل في خانة بديهيات الأزمات الإقليمية. لذلك تسارع المنظمات الإقليمية، عبر أدواتها، إلى محاولة السيطرة على الأزمة قبل وقوعها، وإذا وقعت، فعادة ما تجري محاولة التخفيف من حدتها ومن تداعياتها، ومن الإجراءات المتبعة صيانة الأمن الإقليمي.

أثبتت أزمات التاريخ المعاصر، والتي يمكن التأريخ لبدايتها منذ الغزو الأميركي للعراق، أن العرب هم من يدفعون ثمن الأزمات من بابها إلى محرابها، عدا عن الخسائر الجانبية هنا وهناك. وهكذا، فإن كل أزمة تحسم من أرصدتهم ومن قوتهم أسهما كثيرة، وتكون نتائجها، في الغالب، انكشافا على المستوى الإستراتيجي، بكل عناصره الأمنية والسياسية والاقتصادية، وأخيرا بات النسيج الوطني والوحدة الاجتماعية من أبرز عناصر الخسارة.

في الجولة الأخيرة، انهزم العرب، تكتيكيا واستراتيجيا. انهزموا لأن القوى الخارجية حوّلت الفضاء العربي إلى ساحة لصراعاتها الجيوسياسية، وعلى حساب الثروات والأمن العربيين، وانهزموا في إدارة الأزمة، والتقليل من آثار مخرجاتها، بل تم تهميشهم إلى أبعد الحدود، ولم يتح لهم الاشتراك في تقرير مصير الإقليم، على الرغم من الترابط الأمني الهائل بين وحداته.

يعيش الإقليم اليوم مرحلة إعادة ترتيب الأوضاع، وتقييم الفرص والمخاطر. تدور جميع السياسات الإقليمية والدولية حول هذا الحدث الكبير، صراعا وتفاوضا، وحدهم العرب غائبون عن المعترك، ويتلقطون أخباره من أطرافٍ خارجية، وكأن الأزمة ليست مقيمة في بلدانهم.

لكن، هل يعاد إنتاج الأزمة (الأزمات) في العالم العربي، على اعتبار أن نتائج جولة الصراع الحالية، على الرغم من كارثيتها على العرب، لم تكن كافية لحسم تراتبية مواقع الأطراف الإقليمية والدولية؟ مع العلم أن نتائج هذه الجولة كانت كافيةً لإحداث تأثيرات مديدة، ستترك آثار أعطابها في الجسد العربي سنوات، إن لم يكن، لعقود مقبلة؟ لا شك أن مخرجات المرحلة الحالية، وبما أنها ستكون لصالح أطراف إقليمية ودولية، فمن الطبيعي أنها سترتب خسارة طويلة الأمد على أطراف أخرى، وهذا ليس تقديرا بقدر ما هو واقع، له مقدمات واضحة، ستبنى عليها نتائج مؤكدة.

هل ثمة طريقة لوقف مسار الانحدار الذي وجد العرب أنفسهم في سياقه، حالهم حال قشة تجرفها مياه نهر متدفق؟ هل علينا أن نقف عند مرحلة وصف الأحداث والتفجع على نتائجها؟ مللنا هذا الدور، وأرهقتنا الأحداث، وهرمنا يا صاحب تونس، وسؤال "ما العمل؟" أكثر الأسئلة المستدامة في حياتنا، ورثه آباؤنا عن أجدادنا، ولا نريد أن نورثه لأبنائنا. نحن أمةٌ، على الرغم من كل ثرواتها وإمكاناتها لم تستطع أن تورث لأجيالها أكثر من سؤال "ما العمل؟".

مثل بقية شعوب الأرض، كانت لنا مبادراتنا على الدوام، كنا شركاء جادين في حقبة محاربة الكولونيالية والنضال التحرّري ضد العبودية، وقدمت ثوراتنا، من الجزائر إلى مصر وفلسطين، حصة كبيرة من الدم في بورصة التحرّر العالمي، ولكن عند حساب الغلة نكتشف أنه "ما في شي"، ولا حتى استرجعنا جزءا من رأس المال، فلا الدول التي صنعناها كانت دولا بمعنى الكلمة، ولا شيء فيها يمت لنا بصلة، لا الجيوش ولا الزعماء، ولا حتى ما تسمى الأناشيد الوطنية.

أسس ذلك كله لمسار الربيع العربي، وهو أيضا مبادرة من شعوبنا لمشاركة العالم في صناعة قيم الحرية والديمقراطية. انطلقنا، تماماً، من النقطة التي انطلقت منها ثورات الشعوب، التاريخية والمعاصرة، حيث الفساد والاستبداد في ذروته، كان لدينا بدل ماري أنطوانيت واحدة كثيرات في قصور الحكم العربية اللاتي يعتقدن أن الكعك بديل مناسب للشعوب التي لا تجد الخبز.

ولم يكن الربيع العربي ابن ساعته، بل نتاج عمل سنوات طويلة، تصل إلى مرحلة النكسة.

ونحن ننظر للربيع العربي، لكن كانت دائما تنظيراتنا غير واضحةٍ ومرتجفة، وغير أصيلة، وليس لها أساس وبنيان قوي. وجاء الربيع على شاكلتها، حماسة كبيرة وتضحيات جسام من دون تأثيرات عميقة، وإذا كان معيار الانتصارات والخسائر كمْ من السلطة تحصّل فنتيجة الربيع العربي صفر، وإذا كان المعيار حجم التغيرات فالنتيجة سلبية، وتحت الصفر بكثير.
وصلنا اليوم إلى مرحلةٍ الجميع مهزوم فيها، شعوبا ونخبا وأنظمة، ومن يقول عكس ذلك يكابر على خازوق، وليست شعوب العراق وسورية وفلسطين الوحيدة المنكوبة، جميع الشعوب العربية تعيش النكبة بطرق مختلفة، وتبدو هزيمة الشعوب مركّبة وقاسية، فبالإضافة إلى نكبات التهجير والقتل، خرجوا من المعركة الأخيرة موسومين بالإرهاب، أما الأنظمة فعزاؤها بقاؤها في السلطة، ولو على جثة الأوطان، فإلى أين نسير بعد سلسلة طويلة من الانكشافات الأمنية والعسكرية التي حوًلتنا إلى عراة، يستعرض الخارج الإقليمي والدولي عرينا في كرنفال لا نهاية له.
لا أحد يستطيع الزعم أن لديه خريطة طريق للخروج من الواقع المرير، أصلاً الجميع غارق في لجج الكارثة، ويلهثون لفهم التطورات المتدفقة كالسيل الجارف، كما أن كل الطاقات موجهة لتخفيف حجم الآثار الكارثية. لكن ثمة اعتقاد بأن هناك نخبا وقوى حيّة ستظهر قريباً، لن تسأل عن العمل، لأنها باتت تعرف تماماً مواطن العلّة، وكيف ومتى وأين ستجتثها. لا شيء ببلاش، كما يقول المثل، ومسيرة عذابات الربيع العربي وما قبله لن تنتهي عند بحور الدماء التي نزفت.. ثمّة بذرة للخلاص، روتها تلك الدماء.

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٧
موسكو – طهران... اقتراب ساعة التغيير

تشغل العلاقة بين موسكو وطهران حيزا كبيرا من اهتمام السوريين بشأنهم الوطني والثوري. في الوعي السوري العام، يعتبر وجود طهران العسكري في سورية ضروريا لموسكو التي تمتلك قوة جوية وبحرية فاعلة، لكنها تفتقر إلى قوات برية ضاربة، تمكّنها من تحقيق الانتصار بقدارتها الذاتية، من دون شراكة مع أو مساندة من أحد.

تحتاج موسكو إلى عون إيران، ما دامت نار الحرب تلتهم سورية، وموسكو عازفة عن إرسال جيشها البري إليها، تحسبا لفخٍّ قد تقع فيه، بعد فخ أفغانستان الذي لعب دورا كبيرا في إنزال هزيمة مهينة بها، أسهمت في إسقاط النظام السوفييتي. ومع أن موسكو أرسلت بعض عسكرها، ومرتزقة ينتمون إلى وحداتٍ تشبه مرتزقة "بلاك ووتر" في العراق، فإنها تتخوف من توسيع انخراطها البري في القتال، وما سيعقبه من سقوط قتلى من جندها الذين فقدت بالفعل أعدادا مقلقة منهم خلال العام الماضي. في بحثها عن بديل، وجدت موسكو من مصلحتها التعاون مع إيران، ضمن حساباتٍ تمكّنها من التحكّم برهانات الملالي، المغايرة لأهدافها، وبرزت خلافاتها معها في مواضع كثيرة، مثلما حدث حين نفذ الحرس الثوري، ومرتزقته اللبنانيون والعراقيون والأفغان، هجوما عارضته روسيا في سوق وادي بردى، خاضه حزب الله وشبيحة الأسد، بحجة الحرب ضد جبهة النصرة، واستمروا فيه إلى أن احتلوا منابعه التي تزود دمشق بمياه الشرب، على الرغم من بيان عسكري روسي نفى وجود "النصرة" في منطقته، وطالب بوقف الهجوم عليه.

تحتاج روسيا إلى قوات إيران البرية لكسب الحرب، فهل ستحتاج إليها بالقدر نفسه، لإنجاح حل دولي يعيد السلام إلى الربوع السورية؟ من المعروف أن مواقف الدولتين السورية تتباين في ما يتعلق بأغراضهما، وبالمآلات التي يراد للوضع السوري أن يبلغها، بما في ذلك مصير الأسد ونظامه ووظيفتهما المستقبلية. ترفض إيران حل الصراع سياسيا، بينما تتولى روسيا الإشراف عليه، وتبذل جهودا مضنية لتمريره. وتعمل طهران لحل محض عسكري، يدمر أية مقاومة يواجهها نظام الأسد الذي تعتبره جزءا من كيانها السيادي. وعلى الرغم من أنها حضرت لقائي فيينا الدوليين حول السلام، فإنها تمسكت برفض وثيقة جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2118، وخريطة طريق الحل السياسي الدولي التي رسماها من أجل وضع حد للحرب، وإقامة نظام تسويات دولية وإقليمية لا يمكن طهران من الانفراد بسورية من جهة، ويلبي بالأحرى مصالح القوتين العظميين وأهدافهما في سورية والإقليم من جهة أخرى. تعارض إيران الحل السياسي، لأنها ستكون بعده مجرد طرفٍ فقد تحكّمه بالصراع، وغدا جهةً يحدد الجباران علاقتها بسورية، حسب تفاهماتهما، وبما يتفق مع خططهما التي تقول إشاراتها أن واشنطن قد تستهدف إيران، حتى قبل تسوية الموضوع السوري.

ليس السلام والحل الدولي مصلحة إيرانية، ويرجح أن يفرض عليها مواجهة مع الدولتين الكبيرتين تتحدى قدراتها، وأن يرغمها على قبول الدور الذي سيقرّرانه لها، ليخدم مصالحهما، من دون أن يستجيب، في الوقت نفسه، لما أرادت بلوغه عبر انخراطها في الصراع السوري. بكلام آخر: مع السلام، لن تبقى روسيا بحاجة إلى دعم قوات طهران البرية، ولن تسمح لها بالتالي بمواصلة دورها السوري الراهن الذي يتعارض مع خطتها لإقامة نظام أمن إقليمي، انطلاقا من موقع سوري لا يشاركها فيه أحد، تستعيد بواسطته ما كان للاتحاد السوفييتي من نفوذ وحضور في المنطقة العربية بالأمس، حسب تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

ستتحرّر روسيا قريبا من حاجتها إلى مرتزقة إيران، فإن سعت إلى السلام بتفويض أميركي، كما هو مقرر دوليا، كان عليها القيام بتدابير جدية لإضعاف الوجود الإيراني في سورية، لكبح منافسته لها على الموقع السوري، مع ما سينتجه ذلك من تناقض وتباعد في مواقف وأهداف بلدين يستخدم الإيراني منهما جيشه ومرتزقته لإثارة مشكلاتٍ من شأنها إحباط أو عرقلة حل سياسي تربط روسيا استراتيجيتها ومصالحها الدولية بنجاحه.

هل يمكن للتبدل المرتقب في علاقات الدولتين أن يكون فرصة نستغلها لتحسين أوضاعنا نحن السوريين، ولتوسيع هوامش مناورتنا تجاه إيران والنظام الأسدي؟ وهل يتيح لنا مداخل إلى تفاهم مع روسيا ضد بقاء الحرس الثوري ومرتزقته في وطننا، يعيد بعض التوازن إلى سياستها في بلادنا، بحيث تأخذ بالاعتبار رفض شعبنا الأسد ونظامه، ولموقفها من حقوقه التي لن يتحقق سلام من دون تلبيتها.

اقرأ المزيد
٢١ أكتوبر ٢٠١٧
هل تعرف سورية عملية إعادة إعمار قريبا؟

ردّد الإعلام السوري أن افتتاح معرض دمشق الدولي صيف العام الجاري (2017)، بعد توقف استمر منذ 2011، هو بمثابة إعلان عن بداية الإعمار في سورية. ويطلق النظام بعض مشاريع يدرجها تحت مسمى "إعادة الإعمار"، وتكثر الأحاديث اليوم في وسائل الإعلام الغربية عن إعادة الإعمار في سورية. وتعلن روسيا أنها ستقود إعادة الإعمار هذه، ويتحدث لبنان عن توسيع ميناء طرابلس، لاستيعاب الطلب الهائل المرتقب على البضائع ومواد البناء التي تتطلبها إعادة الإعمار في سورية. واستضافت عمّان نهاية يوليو/ تموز الماضي مؤتمراً دولياً بعنوان "إعادة إعمار سورية"، حتى الصين التي نأت بنفسها طويلاً عن الصراع في سورية استضافت في بداية أغسطس/ آب أول معرض تجاري لمشاريع إعادة إعمار سورية، والذي أعلنت فيه إحدى مجموعات التجارة العربية- الصينية توجهها إلى بناء حدائق صناعية في سورية. ويصرح رئيس مجلس الغرفة التجارية السعودية السابق، عبد الرحمن بن عبدالله الزامل، لصحيفة تركية بأنّ "الحرب في سورية لن تطول أكثر من عام، وأنّ تركيا والسعودية ستقودان إعادة إعمار سورية". لكن، على الرغم من ذلك كله، هل ستبدأ إعادة إعمار سورية قريبًاً؟

تكاليف هائلة
لمعرفة واقعية تلك التصريحات، لا بد من معرفة حجم الدمار المادي والمجتمعي الذي تتطلب إعادة إعماره تكاليف هائلةً. ولا توجد دراسات موثوقة لتقدير تكاليف إعادة البناء، فعملية الهدم مستمرة، وإن تراجعت حدتها. ولكن يمكن إلقاء نظرة عامة على الدمار واحتياجات إعادة البناء. ويتركز الدمار المادي والمجتمعي في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة أو "داعش" وجبهة النصرة. وتتشكل تكاليف إعادة البناء من مجموعة من المكونات:
- نفقات لإعادة بناء ما تم تدميره، وتشمل نحو مليون بيت مدمر ونحو مليون بيت آخر تحتاج لإصلاح، إضافة إلى جزء كبير من المدارس والمستوصفات والمشافي ومباني المؤسسات الحكومية والمصانع ومباني الشركات العامة والخاصة، والطرق وشبكات الكهرباء والماء والصرف الصحي وأقنية الري وغيرها. إضافة إلى جزء كبير من المؤسسات والشركات العامة والخاصة وموجوداتها من آلات ومعدات وتجهيزات تم تدميرها أو سرقتها في تلك المناطق. ويتركز معظم الدمار في مدينة حمص وريفها، وخصوصا الحولة والرستن وتلبيسة، وريف حماه الشمالي والشمالي الغربي، ومدينة حلب وريفها ومدينة درعا وريفها، ومدينة دير الزور وريفها، ومدينة الرقة وريفها، ومدينة إدلب وريفها، وشمال اللاذقية وجزء من مناطق البادية وتدمر، وبعض مناطق أخرى. أي معظم مناطق سورية.

- نفقات لإعادة بناء مؤسسات الدولة في جميع القطاعات، من مديريات وزارات خدمية واقتصادية لإعادة تنظيم الحياة، وإعادة بناء الشرطة والجيش، لتكون قادرة على ضباط الأمن، وطرد جميع المقاتلين الأجانب، وتحقيق الاستقرار.
- نفقات لحل مشكلة مئات آلاف من المسلحين على كلتا جبهتي القتال، وإيجاد بدائل دخل لهم كي يتخلوا عن حمل السلاح.
- نفقات إعادة توطين ستة ملايين لاجئ سوري في دول الجوار، وستة ملايين مهجر داخلي. إضافة إلى مليون آخر في بقية دول العالم، وهو عبء أكبر من كبير.
مما تقدم، يظهر بجلاء أن تكاليف إعادة البناء ليست بضعة مليارات، أو حتى بضع عشرات مليارات الدولارات، التي يمكن تأمينها بسهولة أو بصعوبة محدودة خلال بضع سنوات، بل هي مئات مليارات الدولارات، وقد قدّرها البنك الدولي العام الماضي بنحو 200 مليار دولار، ما يضعها خارج أي إمكانية لتأمينها عن طريق منح وتبرعات. ولن نبحث هنا تعقيدات العملية ذاتها.

لتحقيق مصادر تمويل كافية لنفقات بهذا الحجم، يجب النجاح في تأمين حزمة كافية من المصادر: 1) تبرعات وإعانات مجانية من حكومات ومنظمات عربية وعالمية مانحة، 2) قروض تُمْنَح للدولة السورية، 3) صناديق تمويل تَمْنَحْ قروضا ميسرة للشركات وللأفراد، 4) استثمارات السوريين في الداخل والخارج، 5) استثمارات عربية وأجنبية، 6) إعادة إطلاق الاقتصاد السوري. وستلعب الإعانات دور "المحفز" لبقية المصادر، والتي ستخلق المقدمات الأولية لبقية المصادر. ولكن ما سيعيد الإعمار فعلاً تنمية القدرات الذاتية لسورية والسوريين، وهي ما زالت مدمرة.


من سيموّل؟
فقدت سورية خلال الصراع معظم قدراتها الذاتية، وأصبحت قدرتها على التمويل الذاتي لإعادة الإعمار أمرًا غير وارد، بسبب ضخامة احتياجات إعادة الإعمار. وعلى الرغم من ذلك، يصرح رئيس الوزراء السوري، عماد خميس، بأنّ "أولوية الاستثمار في سورية ستُعطى لرجال أعمال من دول صديقة وشقيقة، وقفت بجانب سورية في حربها ضد الإرهاب". لكن إلى جانب الدعاية السياسية في هذا التصريح، فإنه يشير إلى جهل مطبق باحتياجات إعادة الاعمار ومصادر تمويلها الممكنة، فالدول التي يقصدها ليست قادرة على الإسهام الفعال في إعادة إعمار سورية، بل هي تريد أن تحّول إعادة الإعمار إلى مصدرٍ يدر عليها ربحًا، فروسيا لن تقدّم أي معونات، فوضعها الاقتصادي سيئ، وهي تنتظر أن تستفيد من وجودها في سورية. وقد أبرمت شركات روسية اتفاقاتٍ مع الحكومة السورية لاستثمار الغاز في المياه الاقتصادية السورية في البحر الأبيض المتوسط. وحصلت شركة ستروي ترانس غاز الروسية على امتياز استثمار الفوسفات في حقول فوسفات المنطقة الشرقية الذي كانت تسيطر عليه "داعش"، وقد تعاونت هذه الشركة مع شركة أمنية روسية، تسمى إيفروبوليس، ولها نحو 2500 مرتزق في سورية، تقاتل ضد "داعش" في المنطقة الشرقية في البادية وتدمر ودير الزور، و قد أبرمت اتفاقًا مع الحكومة السورية، تحصل بموجبه على 25% من إنتاج حقول النفط والغاز التي تفلح في تحريرها من سيطرة "داعش". وتدعو روسيا الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي إلى دعم إعادة إعمار سورية، بدون ربط الدعم بتحقيق حل سياسي، وهذا لن يتحقق، فجميع الدول المرشحة لدعم إعادة الإعمار لا تعد مسار أستانة حلًا سياسيًا، وتتمسك بمسار جنيف وقرار مجلس الأمن 2254. وإيران هي الأخرى ليست في وضع يمكّنها من تقديم أي مساعدة فعالة لإعادة الإعمار، وكل ما يمكن أن تفعله أن تشتري عقارات. وهناك 40 شركة إيرانية تشتري البيوت والعقارات في دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية. وتطمح إيران إلى بناء قاعدة عسكرية بحرية على المتوسط. ولا يتوقع من الصين أن تقدم أي مساعدات، فهي اعتادت أن تقبض، ويمكن أن تأتي باستثمارات، وهذا أمر يسهم في إعادة الإعمار. ويقدم الاتحاد الأوروبي عادة مساعداتٍ تتخذ شكل مساعدات تقنية ومشاريع بنية تحتية، ولكنها ليست أرقاما كبيرة، كما تشترط الاستقرار عبر حل سياسي، يعيد وحدة سورية، كما يمكن لسورية أن تحصل على قروضٍ من البنك الدولي ومؤسسات مالية وعربية، فيما لو تحقق استقرار عبر الحل السياسي نفسه. وتبقى الدول الأقدر على تقديم المنح والاستثمارات هي دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه لن تسهم بإعانات أو استثمارات، ما لم يتم الوصول الى حل سياسي فيه حد مقبول بالنسبة لها، وإلا ستدير ظهرها وهذا هو المرجّح حتى الآن.


لا إعمار بدون حل سياسي
لن تتم إعادة إعمار حقيقية في سورية تعيد إعمار كل هذا الدمار، وتعيد المهجرين البالغ عددهم بين خارج سورية وداخلها نحو 12 مليون، وتعيد لحمة المجتمع الذي دمر هو الآخر، ولن تأتي الاستثمارات والمعونات والقروض على نحو كاف من أي جهة كانت، ما لم يتحقق الاستقرار وتعد وحدة سورية، ويتوقف الصراع داخلها، ويتوقف الصراع بين القوى الإقليمية على أرضها. ولن تتحقق هذه الشروط بدون حل سياسي، يشارك فيه أطراف النظام والمعارضة وبقية أطراف المجتمع السوري، ضمن صيغة تعيد وحدة سورية، وتحقق حدًا أدنى من عملية انتقال سياسي تمكّن الشعب السوري من ممارسة حرياته العامة، وأن تجري انتخابات نزيهة بإدارة دولية، بحيث تقتنع كل قوى المجتمع السوري، وتندفع إلى العمل على إنجاح إعادة إعمار شاملة مادية ومجتمعية. وأن يلقى هذا الحل دعم القوى الإقليمية والدولية.

ما زال هذا الوضع بعيدًا، ويتطلب تأمين كل هذه الاحتياجات لإعادة إعمار سورية شروطًا سياسيةً لا يبدو أنها تتحقق في الواقع، بل يبدو أن الواقع يسير عكس ما يحقق الشروط المناسبة لتأمينها، فسورية اليوم تسير باتجاه التقسيم إلى عدة مناطق سيطرة مستقلة، تتضح حدودها التقريبية بالتدريج، وإن كانت ما زالت متحركة، ولكن ما تلبث أن تستقر خلال بضعة أشهر. فالأكراد يسيطرون، بدعم أميركي على شمال شرق سورية، ويشمل محافظتي الحسكة والرقة وأجزاء من حلب، وينافسون النظام على دير الزور. وتركيا تسعى إلى توسيع منطقة سيطرتها لتشمل شمال شرق وغرب حلب ومحافظة إدلب. وتبقى المناطق الأوسع هي مناطق سيطرة النظام وحلفائه، من دير الزور لتشمل البادية وغرب سورية، بما فيها خط المدن من حلب الى حماه وحمص ودمشق والسويداء. ثم عدة مناطق مازالت تحت سيطرة المعارضة الآن في شمال حماة ومنطقة الرستن وتلبيسة في حمص وغوطة دمشق الشرقية والجزء الأكبر من محافظة درعا. ويتوقع أن تنتهي هذه المناطق تدريجيًا، لتصبح تحت سيطرة النظام، وإن كان مع بعض الخصوصية. إذن، لن يكون هناك سورية واحدة في الأمد القريب. وهذه أول عقبة أمام إعادة الإعمار، لأن هذا التقسيم يعني عدم الاستقرار.

من جهة أخرى، تكاد المعارضة السورية تخسر كل شيء، ويسارع داعموها إلى غسل أيديهم من دعمها ودمها. ويرفض النظام، ومن ورائه إيران، تقديم أي شيء للمعارضة، فهو لم يقبل تقديم أي شيء عندما كان في أصعب وضع سنتي 2012 و2013، وبالتالي هو لن يقدم أي شيء الآن لـ"معارضة منهزمة". وإيران تدعم هذا الحل الصفري، أي "لا حل سياسي، ولا شيء لمعارضة مهزومة".

يعلم الروس أن الحل الصفري لن ينتج سوى استمرار عدم الاستقرار، ولو بوسائل أخرى، وأمامهم تجربة العراق. وتعلم روسيا أنه بدون حل تقبل به فصائل المعارضة، وتؤيده تركيا والسعودية، وبقية دول مجلس التعاون، سيكون من الصعب تحقيق الاستقرار. وفي الوقت نفسه، لا تقبل روسيا طروحات المعارضة بانتقال سياسي. لذلك ضغطت روسيا على تركيا، ثم على السعودية، محوّلة موقفيهما الداعم للمعارضة إلى موقف ينسق مع موسكو، ودفعتهما إلى التراجع ضمنًا عن مسار جنيف، وعن قرار مجلس الأمن 2254 والقبول بمسار أستانة الروسي بديلا وحيدا متاحا، والذي لا يقوم على انتقال سياسي، بل على إعادة تأهيل النظام، فالروس مقتنعون أن مصالحهم مرتبطة ببقاء النظام من دون تغيير، مع إشراك المعارضة بحصة ثانوية من السلطة بعد تدجينها، وهو بديل يقدّم للمعارضة القليل. وضغطت روسيا عسكريًا على فصائل المعارضة للقبول بالشيء نفسه. وضغطت على النظام وإيران للقبول بمسار أستانة، بدلًا من حلهم الصفري. وتستفيد روسيا من الصمت الأميركي، والذي حدّد حصته بمناطق سيطرة الأكراد.

إطلاق إعادة إعمار بدون حل سياسي، إضافة إلى أنها لن تكون أكثر من إعادة إعمار محدود جدًا، فهي سترسخ التقسيم. وتفيد تجارب دول العالم بأن الصراع على تقسيم كعكة إعادة الإعمار يثير صراعات جديدة، ودورة جديدة من العنف، خصوصا في وضع سورية المقسمة إلى عدة مناطق سيطرة. وإعادة إعمار مع استمرار التقسيم يعني أن جهات محدّدة ستدعم إعادة إعمار محدودة في مناطق المعارضة، وبعضها سيدعم إعادة إعمار محدودة في مناطق سيطرة النظام، وقد لا يتوفر من يدعم إعادة إعمار مناطق سيطرة الأكراد، فأميركا لا تدفع لإعادة أي إعمار. وتبرعات إعادة الإعمار واستثماراته ومشاريعه المحدودة التي ستصل إلى كل منطقة سيتم تخصيصها للموالين والمناصرين لمن يحكم المنطقة، وحرمان المعارضين، أي لن تكون إعادة الإعمار في هذه الحالة وسيلةً للتعافي الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي، بل ستؤسس لمصالح سياسية ومادية مافيوية، ونفوذ إقليمي ودولي، في كل منطقة، وستجد هذه المافيات والمصالح الإقليمية والدولية مصلحتها في استمرار التقسيم وتكريسه، الأمر الذي يعني أن إعادة الإعمار، في حال غياب حل سياسي يعيد وحدة سورية، ستبقى بعيدة إلى أجل غير قريب.

اقرأ المزيد
٢١ أكتوبر ٢٠١٧
النظام وداعش في سورية

يظهر الآن أن "داعش" على وشك النهاية، حيث صُفّي في معظم العراق، وكذلك في معظم سورية، وبقيت هوامش ليس أكثر. وجبهة النصرة (بغض النظر عن تسميتها الراهنة) أصبحت مُخضعة، وهناك قرار بتصفيتها، ولا يبدو أنها قادرة على المواجهة. كل ذلك يعني أن معادلة النظام أو "داعش" وجبهة النصرة قد انتهت، وأن الأمر بات يتعلق بالنظام الذي يقف على أرجلٍ من جيوش إيرانية روسية.

في كل الأحوال، كان "اليسار الممانع" ينطلق من هذه المعادلة: النظام أو "داعش" وجبهة النصرة، ويؤكد أن "الخطر الرئيسي" هو "داعش" و"النصرة"، بالتالي يجب "الوقوف مع النظام". وعلى الرغم من كل التأكيد على أن "داعش" و"النصرة" هما "بالون"، و"افتعال" من أجل تحقيق "مآرب أخرى"، وأنهما سوف ينتهيان، حين تتحقق هذه المآرب، فقد ظل هذا اليسار يصرّ على معادلة: النظام أو "داعش" وجبهة النصرة. ولا شك في أن العموميات، والتهويم، والضياع في "الأفكار" يؤسس لمعادلات خاطئة، ويُعمي عن فهم الواقع، وهذا هو وضع بعض أطراف "اليسار الممانع"، حيث يعيش حالة عماءٍ مفرط، وربما نقول إنه يعيش في حالة غيبوبة مفرطة. لهذا، كان يرى أن الصراع في سورية يقوم بين طرفين، هما: النظام من جهة، وداعش وجبهة النصرة من الجهة الأخرى، وإزاء هذين "الخطرين" لا بدّ من دعم النظام. بينما ترى أطرافٌ أخرى أن النظام "تحرّري" و"تقدمي" و"ممانع". وبالتالي، هي ضد كل قوة تواجهه. وهذه الأخيرة كتبت عنها كثيراً، لهذا أشير هنا إلى أصحاب تلك المعادلة التي أسست للوقوف مع النظام، والتوافق بالتالي مع مجمل "اليسار الممانع".

توهم هذا "اليسار" أن الصراع يجري بين هذين الطرفين: النظام و"داعش" وجبهة النصرة، ولأنه يمقت الى حدِّ الفجيعة الاثنين، رأى أن عليه الوقوف مع النظام، فهما "الخطر الرئيسي". ولقد أرهقنا في الشرح كيف أن "داعش" وجبهة النصرة بالون، و"أداة تدخل"، وليسا طرفاً رئيسياً في الصراع، بالضبط لأنهما افتعال "مخابراتي"، ينتهي دورهما حال الوصول إلى توافق دولي. وبالتالي ليسا جزءاً من معادلة الصراع الواقعي الذي هو صراع الشعب ضد النظام، وأكثر من ذلك هما أداة تخريبٍ لبيئة الثورة، وقمع للشعب الذي ثار، وقتل لناشطيه. بالتالي، هما في الواقع مع النظام ضد الثورة، بغض النظر عن كل الخطاب الذي يطرحانه، أو الدعاية التي تُبثُّ حولهما.

إذن، كانت المعادلة خاطئة بالأساس. لكن ماذا يمكن أن يقول هذا اليسار، بعد أن تلاشى "داعش"، وتعيش جبهة النصرة نهايتها؟ هل سيهلل لانتصار النظام، أم يكتشف زيف خطابه، ويعرف أن "داعش" و"النصرة: لم يكونا هذا الخطر الذي جرى اعتباره رئيسياً؟ وينكشف بالتالي أن لهما دورا أدياه بجدارة، وها هو يشارف على النهاية؟

يتعلق الأمر الآن بالتهليل لـ "انتصار" النظام، أو لكشف خطل التحليل السابق. وبالتالي فهم أن المعادلة التي رسمت المواقف كانت مختلَّة، وأن "داعش" وجبهة النصرة ظهرا افتعالا بغرض التدخل من الدول، وأن هدفهما كان تبرير التدخل من طرف، وتشويه الثورة من طرف آخر. لكن ما أحاول فهمه هو ماذا يمكن أن يكون موقف هذا اليسار بعد أن تلاشت تلك المعادلة؟ هل يحاول أن يفهم المعادلة الحقيقية التي هي معادلة: الشعب ضد النظام. والآن، الشعب ضد النظام والدول التي باتت تحتل سورية؟ أو يكتفي بإعلان "انتصار" النظام، على الرغم من أن الأمور لا زالت ليست بهذه البساطة، وأن الصراع مستمر؟

الآن، يتلاشى "داعش" وتنتهي جبهة النصرة، فأين سيقف اليسار الذي كان يدعم الأسد خوفاً من انتصارهما؟ لا يسمح العمى الأيديولوجي برؤية الواقع، ولا الوقائع، ولا يسمح كذلك، وبالتالي، بمراجعة مواقف سابقة، أو إعلان خطل موقف، أو خطأ سياسة.

اقرأ المزيد
٢١ أكتوبر ٢٠١٧
رهان إسرائيلي خليجي خاسر على ترامب

لم يؤد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عدم التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي المبرم في العام 2015 إلى النتائج التي توقعتها دول خليجية طالما راهنت على ترامب، والتمست مساندته لمواجهة إيران، بل بدت الولايات المتحدة في عزلة دولية أكثر من أي وقت، فقد سارعت الدول الكبرى المشاركة في الاتفاق النووي إلى إعلان معارضتها قرار ترامب، وأكدت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، في بيان مشترك، تمسكهم بالاتفاق، وتأكيدهم على التزام إيران به، بل ذهب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى أبعد من ذلك، عندما أكد قصر الإليزيه أن ماكرون قد يزور إيران تلبية لدعوة الرئيس حسن روحاني، فيما يبدو أنها محاولة لطمأنة الإيرانيين. كما لم يختلف رد فعل الاتحاد الأوربي، فقد قالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيه، فيديريكا موغيريني، بلهجة حادة، إن ترامب لا يمتلك صلاحية إلغاء الاتفاق النووي. ودخلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الخط، لتؤكد صرامة إجراءات المراقبة التي تتبعها بحق إيران، لمنعها من امتلاك سلاح نووي، وذلك رداً على مزاعم ترامب إن الاتفاق مع طهران يتيح إجراءات مراقبة ضعيفة.

على الجانب الآخر، اقتصر الترحيب بقرار ترامب على عدد محدود من الدول، هي حصراً: إسرائيل والإمارات والسعودية والبحرين واليمن. سارع هؤلاء إلى مباركة القرار والترحيب الشديد به، بل وشدد بعضهم على أن دولته أول دولة ترحب بتلك الاستراتيجية الجديدة، وكأنه في سباق لنيل هذا "الشرف"، لكن هذه البروباغندا لم تخف أن حصيلة الموافقة على الاستراتيجية الجديدة متواضعة بكل المقاييس، وتؤشر إلى عجز الإدارة الأميركية الحالية عن إقناع مراكز القوى في العالم بسياستها.

تبدو هذه الحصيلة متناسبة تماماً مع عزلة ترامب نفسه على المستوى الداخلي، وهي عزلة امتدت إلى سياسته الخارجية، فهو يتعرّض لحصار من المؤسسات الأميركية الراسخة، خصوصاً وزارتا الدفاع (البنتاغون) والخارجية والكونغرس والقضاء. ولا يستطيع تمرير أي قرار إلا بشق الأنفس، وشهدت إدارته حملة استقالاتٍ غير مسبوقة لإدارة حديثة العهد، حتى إن مايك بنس نائب ترامب حاول جاهداً ثني وزير الخارجية ريكس تيلرسون عن الاستقالة، بعد أن وصف الأخير ترامب بأنه "أحمق"، وهو سلوك إدارة تدرك أنها في مأزق شديد، ولا تريد زيادة أزماتها المتلاحقة، وترغب في التسامح مع وزير خارجيتها، حتى بعد أن تطاول على الرئيس نفسه.

على المستوى الخارجي، قرار ترامب متناسب تماماً مع استراتيجيته الخارجية المرتكزة على التحلل من الالتزامات والاتفاقيات الدولية، وكان إعلان انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) آخر تجليات تلك الاستراتيجية، وهو انسحاب أدى بالتبعية إلى انسحاب إسرائيل. وكانت تقارير غير مؤكدة قد جاءت على اعتزام دول حصار قطر الانسحاب من المنظمة، لو نجح مرشح قطر، حمد الكواري، في انتخابات المدير العام، وهي تقارير لن تكون هناك وسيلة للتأكد من صحتها، طالما أن مرشح قطر قد خسر.

وقد سبقت هذا الانسحاب الأميركي من يونسكو انسحابات أخرى، أبرزها إعلان إدارة ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ في يونيو/ حزيران الماضي، ومن "اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ" بداية العام الحالي، وتعليق المحادثات المرتبطة باتفاق الشراكة عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما تهدد الإدارة الأميركية بالانسحاب من اتفاق التبادل الحر لدول أميركا الشمالية (نافتا) بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، بالإضافة إلى انتقادات مستمرة يوجهها ترامب لمنظمات دولية، مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنظمة التجارة العالمية. ويبدو مشروع جدار ترامب العازل الذي يريد إقامته على الحدود مع المكسيك مكملاً لمشروعه في فرض العزلة على بلاده مع العالم.

إذن، لا تبدو هذه الإدارة البائسة في وضع يسمح لها بتغيير قواعد اللعبة التي اتفقت عليها القوى الكبرى في العالم أجمع. ولذلك تبدو الدول المؤيدة لتلك الإدارة منعزلة عن تطورات العالم وحركته وتغيراته، ويبدو رهان دول خليجية (يصادف أنها دول حصار قطر) إضافة إلى إسرائيل، على ترامب فاشلاً هو الآخر، وسيكون حظه من حظ الإدارة الأميركية التي فشلت وستفشل مجدّداً.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني