نقلة نوعية في العلاقات السعودية العراقية لا يمكن أن تخطئها العين، وكانت لكلمة خادم الحرمين الشريفين في توصيف العلاقات خارج إطار الدبلوماسية السياسية، بأنها علاقة جيرة وروابط إخوة، دلالة على أن المأمول يتجاوز مجرد رأب الصدع السياسي الذي شهدته العلاقات خلال السنوات الماضية، بعد الاستلاب الذي مارسته إيران لهويّة العراق العربية، وتقزيم بلد عريق بحجة الحرب ضد الإرهاب.
التدخل الإيراني في الشأن العراقي كان إيذاناً بتكريس المحاصصة السياسية الطائفية، والولاءات مع أيديولوجيا ولاية الفقيه التي تحاول إيران تدويلها، كبديل لتصدير الثورة المباشرة، في العراق ولبنان واليمن، وتحويل ساحات النفوذ إلى مصادر لإنتاج الفوضى السياسية، وتقويض استقرار الدول وخرق التوافقية بين المكونات السياسية المختلفة. وبالطبع عادة ما يجد هذا التدخل قبولاً عند الشخصيات الانتهازية، كما هو الحال في بعض التيارات السياسية في لبنان، ونظام المخلوع صالح في اليمن، وبعض التيارات السياسية من أنصار الإسلام السياسي الشيعي في الخليج؛ لكنه ولاء مشروط بالبحث عن دور وليس عن قناعة بجدوى السلوك الإيراني في المنطقة الذي هو سلوك تقويضي هدمي لا يمكن أن يساهم في بناء دولة قدر أنه قادر على مفاعيل التدمير للدول المضطربة.
العراق يتعافى من منطق الميليشيا بعد أن مضت سنوات طويلة والفوضى تلازمه كجزء من تبعات الانتقال إلى منطق الدولة الذي يتشكل الآن، وبحاجة إلى مساندة المجتمع الدولي ودول الجوار. وهنا يمكن أن نقرأ الاستباقية السعودية في العلاقات الخارجية، والمبادرة بمد يد التعاون والشراكة المبنية على الاحترام والمصالح المشتركة للعراق، وبسلوك ولغة ترفض الطائفية، وكان جزءاً من التأكيد على ذلك هو الدعمُ الكاملُ للحرب على تنظيم داعش ومباركة العراق بالتخلص من آفة الإرهاب، على الرغم من المخاوف والتحفظات المشروعة حول آليات ذلك، وتبعاته، والأخطاء التي قد تقع بسبب الانحراف عن سلوك الدولة والارتهان، ولو مؤقتاً، لسلوك الميليشيا.
يمكن القول إن جزءاً من الإرادة العراقية وُلد بعد محاصرة سلوك إيران في المنطقة، وأبرزها أصوات النقد العالية من قبل الإدارة الأميركية، التي من المفترض أن تعقبها مرحلة جديدة في ضبط هذا السلوك. الإدارة الأميركية الجديدة انتقدت هيمنة ملالي طهران، بل واعتبرت النظام الإيراني هو الراعي الرئيس للإرهاب في المنطقة في أهم ثلاثة ملفات؛ العراق وسوريا واليمن.
في الملف العراقي انتهت مرحلة المالكي الذي كان ممانعاً لأي أدوار غير إيرانية في النهوض بعراق عربي غير طائفي، وفي سوريا يبدو أن التخلص من «داعش» مرتبطٌ بشكل أساسي بخروج الميليشيات الشيعية المسلحة التي تبعثها إيران وحزب الله، الذراع الأكثر التصاقاً بها. وفي اليمن فإن النزاع بين أنصار الله والحوثي، وكل القوى السياسية في اليمن، هو مسألة وقت، حيث انتقل من حالة الانتهاك للشرعية في اليمن إلى احتلال شمال البلاد، واللعب في مقدراته وهويته على كل المستويات، وآخرها تجريف الهوية الثقافية عبر مناهج التعليم والمساجد وملاحقة الصحافيين، وحتى الشخصيات السياسية في حزب المؤتمر للمخلوع الذي بات ظلاً تابعاً لهيمنة الحوثيين، وهو ما يفسر أيضاً في خصوص الحالة اليمنية توجهاً أميركياً جديداً بالضغط على إيران ووكلائها بالخروج من ملف اليمن، والتعامل مع الحوثيين في إطار الحرب على الإرهاب، بدءاً بمنع وصول الإمدادات الإيرانية للأسلحة عبر القوارب البحرية والتهريب.
الرياض تمد يد البناء في العراق بعد أن أنهكته يد الهدم والهيمنة الإيرانية، وهذا ما يفسر تشكل قوى شيعية سياسية بتوجهات تصالحية مع عمقها التاريخي في منطقة الخليج، وعلى رأسه المملكة التي كان لها اليد الطولى في ترميم خرائب الربيع العربي، وانعكاساته على منطق الدولة في مصر وليبيا وتونس، مع الحفاظ على سيادة تلك الدول من أي مساس. وكانت للحرب على تنظيم داعش عبر التحالف الدولي بدعم الولايات المتحدة نتائج ملموسة على الأرض، وكانت زيارة مقتدى الصدر ثم العبادي والتصريحات القادمة من بغداد مؤشراً إيجابياً على مرحلة جديدة في المنطقة، هي مرحلة بناء وشراكات فاعلة، ومن هنا كانت المبادرة في الاتفاقات الاقتصادية وعودة آمنة للصادرات النفطية العراقية وازدهار الاقتصاد، وكل ما ينفع الناس على الأرض، بعيداً عن الشعارات والصخب الإيراني والميليشيات المنتجة للفوضى.
السعودية على المستوى السياسي يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في طمأنة المكونات السنية في العراق، وإعادة إدماجها وتعافيها من الانحياز الطائفي الذي مارسته حكومة المالكي سابقاً، لا سيما في المدن ذات الأغلبية السنية في محافظة الأنبار والموصل ومحافظة صلاح الدين... هذا الدمج السياسي سيجد صداه بشكل سريع متى ما أثمر التعاون الاقتصادي عودة العراق كقوة اقتصادية في المنطقة، وقوة سياسية قادرة على التخلص من النفوذ الإيراني بولادة هويّة جديدة قائمة؛ عراق يسع الجميع على أساس المواطنة ونبذ الطائفية؛ هوية جامعة تعيد العراق إلى عمقه العربي، وهو الأمر الذي دعمته السعودية برفضها لأي تحيّزات طائفية ودعمها لحكومة العبادي وإصلاحاته السياسية في وقت يتنفس العراق هواءه الوطني بعيداً عن فزاعة «داعش» التي كانت تستغلها إيران، أو شبح التقسيم بعد أن وقفت الرياض مع العراق في المسألة الكردية، والمطالبة بوحدة العراق باعتبارها خطاً أحمر لا يمكن التنازل عنه.
والحال أن نقطة التحول الكبيرة التي مهدت لها يد الرياض التي صافحت بها الرغبة العراقية الجديدة في التحول، ستؤتي ثمارها قريباً مع موعد الاستحقاق السياسي المقبل عبر الانتخابات البرلمانية في أبريل (نيسان) عام 2018، ومن المرجح أن تبدأ مرحلة من التحالفات الانتخابية وتحول في خريطة التحالفات القديمة وحراك أكثر تنوعاً من قبل التيارات المدنية، يجب أن تعقبها نقلة نوعية أخرى على مستوى الإصلاح السياسي والاقتصادي.
صحيح جداً أن التخلص من إرث الطائفية الذي تم تأسيسه منذ سقوط نظام صدام حسين يحتاج إلى سنوات طويلة، لكن الخطوات الأولى في الاتجاه الصحيح قد بدأت بالفعل، وآن للعراق الجديد أن يتعافى من ارتباكه نحو عراق واحد عربي يمثله كله أبناؤه الذين دفعوا الكثير من الأثمان للتخلص من نظام البعث ومن الإرهاب، وآن الوقت لأن يضحوا بالطائفية والتغلغل الإيراني للاستقلال الحقيقي وسيادة منطق الدولة في أرض السواد والأمجاد.
مطالعة صور الشوارع الخربة المدمرة لما كانت في يوم من الأيام عاصمة «داعش» يذكّرنا بالقوة العسكرية القاسية، والفاعلة، والساحقة للولايات المتحدة الأميركية.
ولعلها تعد تقديراً للطبيعة الحتمية للقوة الأميركية، في حالة من أبرز حالات الإعلان عن ذاتها، لدرجة أن سقوط مدينة الرقة بهذه الطريقة لم يحرك إلا أقل القليل من المناقشات العامة خلال الأسبوع الماضي. وفي حين ركز المعلقون آراءهم حول ما إذا كان الرئيس دونالد ترمب قد هوّن من شأن آباء وأمهات المقاتلين الأميركيين الذين سقطوا في ميدان القتال، بيد أنه، وبالكاد، قد لفت انتباههم أن جيش بلادهم قد نجح في إنجاز هدف كان يبدو قبل ثلاث سنوات كغاية مضطربة وبعيدة المنال.
إن أكوام الركام وأنقاض المنازل التي كانت ذات يوم مأوى الإرهابيين وجلاوزة التعذيب تبعث برسالة واضحة وتنقل للأفهام درساً لا ينقصه الصواب، وهو حق وحقيقة مثل ما كان الأمر في عام 1945: من الخطأ والعبث استفزاز الولايات المتحدة. قد يستغرق الأمر من البلاد قدراً من الوقت للرد على تهديد من التهديدات، ولكن بمجرد دوران عجلات الآلة الأميركية العملاقة، فما من سبيل قط لإيقافها، ما دامت هناك إرادة سياسية فاعلة وراسخة تمهد لها الطريق وتفتح لها الأبواب.
إن حملة الرقة تذكرة ماثلة لشيء نادراً ما نبصره في هذه الأيام المثيرة للتشرذم والانقسام، ألا وهو استمرار احترام الولايات المتحدة لالتزاماتها المعلنة من عهد الإدارة السابقة إلى الإدارة الحالية. وبكل تأكيد، كان الأمر برمته مشروعاً مشتركاً وممتد الأثر والمفعول. ويستحق الرئيس ترمب نسب الفضل إليه في تسريع وتيرة الحملة ضد تنظيم داعش الإرهابي ومنح قادة الجيش الأميركي المزيد من السلطات والصلاحيات. بيد أن الاستراتيجية الأساسية - والإرادة الماضية لمقاومة ومحاربة الإرهابيين في المقام الأول- يُنسب الفضل فيها إلى الإدارة السابقة.
ولسوف يقوم الرئيس ترمب، الواثق من ذاته للغاية، بدعوة الرئيس السابق أوباما إلى البيت الأبيض للالتقاء مع القادة العسكريين والضباط والجنود العائدين من ساحة المعركة. ومن شأن هذه الاحتفالية أن تذكّر العالم بأسره أن الولايات المتحدة الأميركية قادرة على الوفاء بكلمتها رغم اختلاف الإدارات الحاكمة للبلاد. والرئيس ترمب، الذي لا يزال يساوره بعض القلق بشأن سلطاته، يبدو غير قادر - على نحو تام - على التحلي بهذا القدر من السخاء والكرم.
وبالنظر إلى بداية الحملة يمكننا أن نتذكر كيف كانت الأوضاع في منتهى الهشاشة في بادئ الأمر. كان اجتياح «داعش» مريعاً في صيف عام 2014، من اكتساح الموصل والاندفاع مثل الإعصار الأهوج عبر المناطق السُّنية في سوريا والعراق، حتى انهارت خطوط الدفاع وقتذاك، وبدت العاصمة الكردية أربيل في خطر داهم ومحدق، وكذلك كانت بغداد.
وطالب الرئيس السابق أوباما، كشرطٍ وضعه قبل التدخل العسكري الأميركي في المنطقة، أن تحصل بغداد على حكومة جديدة تكون أكثر مقدرة على كسب ثقة وولاء السكان السُّنة في البلاد. ولقد كان على حق في ذلك، ثم تحقق له ما أراد باستبدال حيدر العبادي بنوري المالكي في منصب رئيس وزراء العراق، والذي كانت قبضته تبدو أكثر رسوخاً وثباتاً عما توقعه المراقبون العراقيون في بداية الأمر.
ولما أعلن الرئيس أوباما عن هدفه بتحطيم ثم تدمير تنظيم داعش تماماً، بدا الأمر كأنه هدف حرب مشروطة وبليدة. ولم يساعد وقتها أنه لم يوافق أحد قط على مسمى العدو الذي يُعرف إعلامياً باسم «داعش» اختصاراً. وكانت الولايات المتحدة في أدنى درجات الحماس العسكري لشن هذه الحرب الجديدة بعد المعارك المطولة والمحبطة التي خاضتها ضد جماعات التمرد الإرهابية في كلٍّ من العراق وأفغانستان.
وواجهت الحملة بداية بطيئة وغير مشجعة على الإطلاق. وطالبت العشائر العراقية الكائنة في وادي نهر الفرات بمساعدات من الولايات المتحدة، وكانت المساعدات متثاقلة في أول الأمر. وكانت الفوضى عارمة في صفوف الجيش العراقي حتى بدأ البرنامج الأميركي للتدريب على مكافحة الإرهاب في إظهار القوة القتالية الحقيقية. لكن، وعلى نحو تدريجي، وخفيٍّ في أغلب مراحله، تغيرت ملامح المعركة تماماً؛ إذ تمكنت القوات الجوية الأميركية من القضاء على عشرات الآلاف من جنود «داعش» وعناصره على الأرض، مع الطمس التام لكل من حاول إثارة أي إشارة ولو كانت رقمية. وكانت البيانات العسكرية الأميركية شحيحة ومقتضبة للغاية بشأن هذه الحملة القاسية، غير أن المقاتلين السوريين والعراقيين عاينوها معاينة المبصر الواعي، ولحق الناس كعهدهم بجموع المنتصرين.
وعبر مشاهدتي لمختلف ملامح هذه المعركة وهي تتبدى منكشفة خلال العديد من زياراتي إلى العراق وسوريا، وضعت إصبعي على عاملين مهمين كان لهما أبلغ الأثر في تغيير مجريات القتال: أولاً، وجود الحلفاء الملتزمين الذين اعتمدت عليهم الولايات المتحدة هناك. وكان الأكراد من أشرس المقاتلين وأكثرهم تمرساً، وأعني مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وميليشيات البيشمركة بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى جانب وحدات الحماية الشعبية الكردية في سوريا. لقد حافظوا ودافعوا عن مواقعهم وواصلوا القتال وسقط منهم الكثير من الرجال (وهذا الولاء الكردي جدير بالذكر والثناء الآن، في خضمّ متاعبهم وآلامهم الراهنة). ولقد توسعت رقعة التحالف المناهض لتنظيم داعش الإرهابي مع تعزيز قوات الجيش العراقي، فضلاً عن تجنيد المزيد من المقاتلين السُّنة على أيدي وحدات الحماية الشعبية الكردية، وضمهم إلى التحالف الموسع الذي حمل مسمى قوات سوريا الديمقراطية.
وتمخض النصر عن التحام هؤلاء المقاتلين مع القوة النيرانية الأميركية المهلكة. ويمكن للولايات المتحدة توجيه مختلف الضربات عبر مختلف المنصات: الطائرات الحربية المسيَّرة، والمقاتلات الحربية ثابتة الأجنحة، مع وحدات المدفعية المتقدمة. وخراب الرقة يجعل الأمر يبدو كأننا قد قصفنا كل شيء هناك، ويتعين على الولايات المتحدة إجراء تحليل ذاتي للخسائر المدنية في الأرواح خلال تلك الحملة الشعواء. ومن أفضل جسور العبور للمستقبل القادم هو اعتماد حد الأمانة والصدق مع الذات في تقدير التكاليف البشرية لهذه الحرب، ومسؤولية الولايات المتحدة عن الأخطاء التي لا بد أنها ارتُكبت في ضباب المعارك الضروس.
وتكمن المشكلة الحقيقية مع هذه الحملة في أنها منذ البداية كانت تستند إلى الهيمنة العسكرية المشيدة على أسس غير راسخة من القرارات السياسية. وهذا الأمر لا يزال صحيحاً حتى الآن. لم تكن هناك استراتيجية سياسية واضحة المعالم لدى الرئيس باراك أوباما لإقامة نظام إصلاحي ممتد في سوريا والعراق لما بعد سقوط «داعش»، ولا يملك الرئيس الحالي ترمب هذه الاستراتيجية كذلك. إن مؤسستنا العسكرية ذات فعالية فائقة في مجالات عملها من دون شك، غير أن مشكلات الحكم الدائمة على أرض الواقع، لا يمكن دوماً حلها بالوسائل العسكرية فحسب.
تتواصل الأخبار تباعاً عن «هزائم» التنظيم الإرهابي «داعش» في العراق وسوريا (لا يزال مفلوتاً في ليبيا) والنتائج تأتي مبشرة وتبشر بقرب رحيل هذه العصابة المجرمة، وإن كانت علامات وإشارات الاستفهام لا تزال موجودة بخصوص مصير زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي ومصير المقاتلين في هذا التنظيم الذين «تبخروا» فجأة، وبشكل غريب تماماً مثل ظهورهم المريب.
الحرب على الإرهاب مسألة مطلوبة بل وواجبة، والتخاذل فيها وعنها هي مسألة لا تفرق عن الخيانة. والحرب على «القاعدة» و«داعش» مسألة لا غبار عليها بل مطلوبة، باعتبارهما رمزين للإرهاب، ولكن هناك سؤالاً لا بد أن يطرح، وهو لماذا يتم التعامل مع «داعش» و«القاعدة» بقفازات من فولاذ، بينما يتم التعامل مع تنظيم حزب الله الإرهابي بقفازات من حرير؟
هناك غموض شديد على أسباب تعامل المجتمع الدولي مع تنظيم حزب الله بهذا الشكل الناعم، وهو التنظيم المدان في جرائم كثيرة ومختلفة داخل لبنان وعبر فروعه المنتشرة في بقاع العالم المختلفة. هو يقاتل لحماية نظام طاغية، ذبح النساء والأطفال، نسف المنازل ودمر المساجد، ويؤوي القتلة المطلوبين قضائياً في كثير من الجرائم الجنائية، ويدير تنظيمات إرهابية في مختلف الدول العربية، ويهرب المخدرات ويغسل الأموال. ارتكب كل الجرائم والآفات والمعاصي والمحرمات بامتياز. ومع ذلك لم يمس في حملة مركزة للخلاص منه. زعماؤه يتحركون بمطلق الحرية يلقون الخطب في الأماكن العامة.
حتى حسن نصر الله الذي يدعي أنه زعيم المقاومة ضد إسرائيل، وهو توصيف لم يعد هو شخصياً يصدقه، لم يتعرض أبداً لأي محاولة اغتيال واحدة من قبل إسرائيل أو حلفائها.
لم يعد مقنعاً أن يبقى المجتمع الدولي «مجاملاً» و«حنوناً» في تعامله مع هذا التنظيم الإرهابي والكيل بمكيالين. حالة تنظيم حزب الله الإرهابي حالة خطيرة جداً، لأنه وباعتراف زعمائه وقادته هو جزء من مخطط تصدير الثورة الإيرانية، التي هدفها إعادة رسم الدول العربية كما قلت أكثر من مرة، ونرى بصماتها الدموية في كل مكان. حزب الله تنظيم يعد أشد خطورة من «داعش» و«القاعدة» مشتركين، فهذا التنظيم «خبيث» ويخطط، على عكس جهل وحماقة واندفاع «داعش» و«القاعدة». توغل حزب الله حتى تمكن، من إثارة الشغب والفتن في كل مكان وصل إليه وأصبح بقاؤه مكلفاً.
لن يعترف أي أحد بعدالة وسوية وحكمة الحرب على الإرهاب، دون أن تشمل حزب الله ويقاد قادته إلى محكمة العدل الدولية، وتوجه إليهم الاتهامات المناسبة لجرائمهم. حزب الله تنظيم مجرم ودموي لا علاقة له بالمقاومة التي لها أبطالها الشرفاء، ولها أهلها وهي براء منهم. أي نظام يعتمد على شرعية أن يشارك حزب الله في الحكم فهو شريك في الجريمة. لا مكان في عالم نظيف وحر لأي كيان مثل تنظيم حزب الله بأي شكل من الأشكال. مختصر مفيد ونقطة على السطر.
ألقى الخلاف بين الأشقاء في دول الخليج العربي بضلاله على الثورة السورية في زمن حرج من عمرها و أثقل كاهلها بزيادة التشتت وشح الدعم ليس في الجانب السياسي و العسكري فقط بل حتى في الجانب الإنساني.
و دون شك أن الخلاف بين الأشقاء في دول الخليج صب في صالح نظام الأسد وحليفه الإيراني بالدرجة الأولى، بينما كانت الثورة السورية المتضرر الأكبر دون منازع، وقد نلحظ ذلك من خلال توقف عملية جنيف التفاوضية التي تسعى إلى تغيير النظام في سورية وتحقيق انتقال سياسي كامل حسب ما ورد في القرارات الدولية الخاصة في الشأن السوري و هنا نتحدث بالتحديد عن القرارات ٢١١٨ و القرار ٢٢٥٤، وهو ما استثمره النظام خير استثمار من خلال التركيز على الحل العسكري الذي لم يعرف غيره على مدى السنوات السبع الماضية، وسعى من خلاله لتوسيع نفوذه العسكري وضم مناطق جديدة برفقة ميليشيات إيران الإرهابية.
كما ألقى الخلاف الخليجي بضلاله على الدعم العسكري المقدم لفصائل المعارضة السورية، مما أضاع فرصة ثمينة كانت متاحة أمام الثوار للتحرك في الجنوب السوري تجاه البادية ومحافظة دير الزور، حيث كانوا هم الأقرب لها، وقطع الطريق على الميليشيات الإيرانية بشكل كامل وإفشال مشروعها الاستراتيجي بفتح طريق ممتد من طهران إلى بيروت مروراً بدمشق و بغداد.
وهنا بالتحديد نجح النظام و المليشيات الإيرانية والروسية الإرهابية نجاح باهر في مشروعهم بالسيطرة على أجزاء واسعة من مناطق شرق سوريا و بالتحديد " دير الزور " ، و هذا بالنسبة لهم غنيمة كبيرة ليس لنجاحهم في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية و تحييد سيطرتهم على أجزاء من الأراضي القاحلة بل الغنيمة تكمن في الجانب الاقتصادي فالمنطقة تعوم على بحر من الذهب الأسود.
وعلى المستوى السياسي فلم توفر إيران أو روسيا فرصة فرض رؤيتهما للحل السياسي في سورية، بعد تراجع مستوى الدعم للمعارضة السورية بكافة فئاتها، وهو الأمر الذي جعل قوى الثورة في تراجع ملحوظ و مستمر يضاف إلى التراجع الدولي عن تطبيق القرارات الدولية سواء كان تحقيق الانتقال السياسي أو محاسبة المجرمين المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب بحق المدنيين.
و هنا لا بد من الإشادة بموقف المعارضة السورية بكافة أطيافها السياسية والعسكرية والمدنية التي أظهرت وعياً كاملاً بما يحدث من حولها، واتفقت على أن تأخذ موقف حيادي، واستمرار التعامل مع الأشقاء الخليجيين على نفس السوية وكسب دعمهم المستمر لقضية الشعب السوري بنيل الحرية والكرامة.
فبعد دراسة الأثر السلبي الذي تركه الخلاف الخليجي على الثورة السورية و أبعاده كان الموقف هو الوقوف على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة و خصوصاً أننا بحاجة دعم الجميع دون استثناء ، و هو الأمر الذي يحسب لصالح الوعي السياسي لدى أطرف المعارضة السورية.
لكن تمسك فئات المعارضة السورية بموقفها الإيجابي قابلها محاولات بعض القنوات المسيرة من قبل المستفيدين المباشرين من ذلك الخلاف، إلى تغيير تلك المعادلة، ووضع قوى الثورة أمام خيار وحيد وهو الاصطفاف إلى جانب واحد من أطراف الأزمة الخليجية، مما يعني زيادة الشرخ والانقسام بين أجسام المعارضة.
إن العلاقات الخليجية المتوترة لا يمكن لها أن تستمر، ومن المؤكد أن أطرافها قد تجاوزت العقبة الأكبر التي تقف أمام عودة الأجواء إلى ما كانت عليه في السابق، وهذا الأمر الذي لا تريده إيران، أو على الأقل تتأمل بتفتيت المعارضة السورية أكثر قبل تجمع مجلس التعاون الخليجي من جديد، لذلك على الجميع الوقوف على مسافة واحدة، والعمل على مصلحة قضية الشعب السوري في إسقاط النظام ونيل كامل حقوقه بالحرية والكرامة والديمقراطية.
ونحن بدورنا نؤكد أن الأزمة بين الإخوة لابد أن تجد لها طريقاً نحو الحل فلا يوجد رابح و خاسر بينهم بل يوجد من يستغل هذه السحابة الصيفية لتحقيق مشروعه التوسعي.
تصدرت أخبار محافظة دير الزور، في الآونة الأخيرة ساحة الإعلام الثوري المعارض وأيضا المؤيد لنظام الأسد, فبعد تقدم قوات النظام إلى المدينة من محوريها الشرقي والغربي جنوب الفرات، وتقدم مليشيا “قسد” من محورها الشمالي و الغربي شمال الفرات, كان الجانب الإنساني والمدني يشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي, فمن المجازر الى النزوح ثم القصف والدمار، إلى عمليات السرقة الممنهجة التي تقوم بها تلك المليشيات، أو ما يعرف محلياً بـ “التعفيش”.
يعود مصطلح “التعفيش”، الى الحضور في مناطق دير الزور التي سيطرت عليها مليشيات النظام مؤخراً، وهو مصطلح أطلقه الثوار المعارضين للنظام في سوريا، منذ اطلاق الثورة السورية مطلع عام 2011, والتصق بعناصر المليشيات النظام وفي مقدمتها الدفاع الوطني وكتائب البعث, والتي يصفها إعلام النظام بـ “القوات الرديفة”، نتيجة عمليات السرقة التي تقوم بها لمنازل المدنيين.
سباق “تعفيش” بين مليشيا النظام و “داعش”
مليشيات النظام بعد سيطرتها على مناطق في الريف الغربي “خط الشامية”، وتحديداً قرى الشميطية والخريطة والمسرب وعياش والتبني, ومدن الميادين وموحسن والبوليل بالريف الشرقي، قامت بسرقة منازل وممتلكات المدنيين من أثاث وآليات نقل ومواشي وغيرها، بعلم من ضباط النظام وأحياناً بأمر منهم ،إذ تكون لهم نسبة من عائدات “التعفيش” والسرقات, حيث تنقل تلك المسروقات الى مناطق سيطرة النظام في المدينة بحيي الجورة والقصور ، و تباع بأسعار زهيدة في محاولة من النظام وميليشياته كسب رضا واصطفاف المدنيين الى جانبهم وخصوصاً بعد 3 سنوات من الحصار، الذي كان يفرضه تنظيم “داعش” على هؤلاء المدنيين في أحياء مدينة دير الزور الغربية.
“تعفيش” مليشيات النظام، يقابله عمليات سرقة يقومها بعناصر تنظيم “داعش” من المنازل والمحال التجارية في مناطق متفرقة من محافظة ديرالزور، خاصة بعد خلو الكثير من تلك المناطق من سكانها، نتيجة القصف المستمر وتخوفاً من تقدم مليشيات النظام إليها.
ومن خلال شهادات العديد من المدنيين الذين وصلوا إلى الأراضي التركية , تكررت الروايات عن حالات السرقة التي طالت منازلهم بعد خروجهم منها من قبل عناصر تنظيم “داعش”، خاصة قرى ريف ديرالزور الشرقي، حيث تفرقت تلك السرقات بين:
– سرقة مشرعنة : والتي قامت بها دواوين التنظيم، الذي أصدر قرار يجرم كل شخص غادر “أرض الخلافة” بالكفر، واستباحة الممتلكات من عقارات وأراضي ومواشي وغيرها.
– سرقة السلب الخفي : وهي التي يقوم بها عناصر التنظيم خلسةً، ويتم تصريف المسروقات في أسواق المستعمل، التي تنتشر في المناطق الأقل تعرضاً للقصف.
ذه الحالات وبحسب المدنيين الذين رووا قصصهم، كانت تأخذ طابعاً انتقامياً من قبل عناصر التنظيم، خاصة العائلات التي يوجد من أبنائها عناصر قاتلوا التنظيم قبل وبعد سيطرته على المحافظة، وينتمون لفصائل الجيش الحر والكتائب الإسلامية.
شهادات:
أم حسين أم لخمس أبناء اثنان منهم كانوا بصفوف الجيش الحر قبل دخول “داعش” إلى محافظة ديرالزور وكانوا من الذين قاتلوا التنظيم , لينحازوا بعد ذلك الى الشمال السوري في حلب وإدلب قالت “بعد سيطرة التنظيم على دير الزور وتحديداً ريفها الشرقي , وخروج أبنائي إلى الشمال السوري، تعمد عناصر التنظيم على مضايقتنا وأطفالي الصغار, فكانوا يداهموا منزلنا بين الحين والآخر بحثاً عن أبنائي، وبعد اشتداد القصف الجوي على مدينة دير الزور وتقدم مليشيا النظام، عزمنا على الخروج من أراضي التنظيم، وما إن وصلنا مناطق سيطرة الجيش الحر في الشمال، تواصلت مع أقاربي الذين بقوا في المنطقة ليخبروني بأن عناصر التنظيم، اقتحموا منزلنا وقاموا بنهب وسرقة كل ما فيه” .
وأضافت أم حسين والحزن والحرقة يعتصران قلبها “لست حزينة على شيء في منزلي المسروق، سوى لفحتين نسجتها بألوان علم الثورة لأولادي التي كانوا يرتدونها أيام الشتاء في معاركهم ضد مليشيا النظام بدير الزور، لقد أحرق عناصر “داعش” تلك اللفحتين، وكأن ثأرهم من أولادي انتهى بسرقة منزلي وحرق القماشتين”
أما محمود 37 عاماً من أهالي ريف ديرالزور الشرقي قال “مع اشتداد القصف الجوي على بلدتي الصغيرة ونزوح كل العوائل المدنية من حارتي , بقيت أنا وأحد الأصدقاء في الحارة لحماية ممتلكاتنا من السرقة”.
يتابع محمود قائلاً : “في أحد الأيام ذهبت لتفقد أحد المنازل التي كلفت بحمايتها، والتي اعتدت أن أقضي غالب وقتي بها برفقة صاحبها الذي غادر المنطقة قبل عدة أيام, دخلت المنزل وهنا كانت المفاجئة، فلم أجد أثاث المنزل ولا مولدة الكهرباء ولا دراجة صديقي النارية, استهجنت ذلك الموقف ولكن لم أخبر أحد بما حدث، بعد عدة أيام أثناء ذهابي الى إحدى القرى في الريف الشرقي، فإذ بدراجة جاري يقودها أحد عناصر تنظيم “داعش” الذين اعتدت رأيتهم في حارتي عند كل مساء” ذهبت الى مقر الحسبة لتقديم بلاغ بذاك العنصر وبعد أن سردت لرجل “الحسبة” ما حدث ودون أخذ و رد ما كان منه إلا أن قال ” الأخوة في حالة حرب وقد يحتاجون لتلك الأغراض ….. ولديهم رخصة بذلك”.
عندها أدركت أن وجودي في منزلي وعدمه لن يحميه من السرقة، وبقي سؤال يجول في خاطري ولم أجد له تفسير “هل تدخل عائدات التعفيش في بيت مال المسلمين؟؟؟ أم في الغنائم أم لها فتوى أخرى؟؟؟ لكن ما أعلمه أنها “تعفيش” مشروع بحسب شرعيي التنظيم نفسه.
المكان: الرقة. المناسبة: احتفال بالسيطرة مدينة الرقة بعد إخراج تنظيم داعش منها في عملية مدعومة أمريكيًّا. إرهابيو حزب العمال الكردستاني مصطفون في أرتال ووراءهم ترتفع صورة بالحجم الكبير لأوجلان. تقول الولايات المتحدة إنها نفذت عملية الرقة مع "قوات سوريا الديمقراطية"، لكن صورة أوجلان تكشف للعيان أن واشنطن تدعم فعليًّا حزب العمال الكردستاني.
الرئيس التركي ورئيس الوزراء أعربا عن امتعاضهما الشديد من هذا المشهد، وطالبا الولايات المتحدة بتوضيح حول هذه الصورة في الرقة.
ليس سرًّا أن الولايات المتحدة أرسلت آلاف الشاحنات المحملة بالأسلحة والذخائر إلى الحزب، لكن البنتاغون هذه المرة لم تشعر حتى بالحاجة لتبرير الموقف، وتغاضت عن احتفال الحزب بـ "النصر" في الرقة أمام صورة "أبو" (أوجلان).
كل صورة تحمل معنى ورسالة، والأمر المؤكد أن هذه الصورة الواردة من سوريا لها معنى ورسالة خاصة.
ومن الرسائل المضمنة في هذه الصورة نسف العلاقات التركية الأمريكية، وقطع العلاقة الإيجابية نسبيًّا بين أردوغان وترامب، ودفع أنقرة إلى وقف اتصالاتها مع واشنطن.
ينبغي على أنقرة أن تبدي رد فعلها تجاه هذا النوع من الصور دون الانسياق وراء الاستفزازات ومع المحافظة على ضبط النفس. لكن يجب أن نعلم أن إبداء تركيا الرضى تجاه هذه الصورة يعني فتح الباب على مصراعيه أمام الخريطة الموجودة في تصور البنتاغون للمنطقة، وهذا يعني التخلي عن جزء من تركيا. لأن هذه الصورة هي أوضح مثال على تقديم الولايات المتحدة دعمها للإرهاب. ولا يمكن لأنقرة أن تقبل السياسة الأمريكية والتغاضي عنها.
إبداء أردوغان ويلدريم استياءهما للولايات المتحدة من الصورة في الرقة أمر في غاية الأهمية. لأن أي تردد بسيط أو استخفاف بالأمر أو عدم اكتراث سيسمح للبنتاغون بالتسلل إلى الداخل وهذا قد يؤدي إلى جر البلاد إلى كارثة لا يمكن تلافي نتائجها.
علينا أن ندرك فقدان العلاقات التركية الأمريكية سحرها السابق الآن. النظام الأمريكي وقف إلى جانب حزب العمال الكردستاني منذ البداية. لكن ستار الضباب أخذ ينزاح الآن وبدأ الشارع التركي يرى حديثًا أن الولايات المتحدة/ البنتاغون تقف وراء تنظيم إرهابي حول بلدنا إلى بركة دماء.
ليس من السهل عودة مياه العلاقات بين البلدين إلى مجاريها. تدرك تركيا هذه الحقيقة، ويتوجب عليها اتخاذ تدابيرها خطوة خطوة تجاه الولايات المتحدة. فالبنتاغون يبدو أنها تجري كل استعدادتها لمواجهة مع تركيا. ومن دون رؤية هذه الحقيقة لا يمكن ضمان الأمن القومي التركي.
ما شهدته مدينة كركوك من أحداث مؤخرًا كان هزيمة كبيرة بالنسبة لرئيس الإقليم الكردي في شمال العراق مسعود بارزاني. فحكومة الإقليم لم تكن تتوقع على الإطلاق أن يسير الجيش العراقي برفقة الحشد الشعبي إلى كركوك.
عندما تحدثت مع مصادري في أربيل، أخبرتني أن الحكومة العراقية تلقت تعليمات من الولايات المتحدة الأمريكية بعدم المساس بالإقليم، وهذا ما كتبته في مقالة سابقة لي.
التعليمات الأمريكية المذكورة وصلت رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، لكن المشكلة هنا هي الفوضى التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية في الداخل.
فكل يغني على ليلاه في واشنطن، البنتاغون يضرب على وتر، والبيت الأبيض يضرب على وتر آخر، وليس هناك أي وضوح في السياسة الأمريكية حول الشرق الأوسط.
استغلت إيران هذا الفراغ، وعمدت إلى إدخال الجيش العراقي والحشد الشعبي إلى كركوك. وبطبيعة الحال، لم يكن هذا النجاح سهل المنال إلى هذا الحد لولا دور حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني.
ولو لم يكن هناك اتفاق بين البيشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني، التي كانت تسيطر على كركوك، وبين الحشد الشعبي وإيران من جهة أخرى، لما تحققت السيطرة للحكومة العراقية على كركوك بتلك السهولة.
وبحسب ما علمته من مصادري فإن الحاضنة الشعبية لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك والسليمانية ممتعضة ومستاءة للغاية من سياسة الحزب هذه، وتعتبر أن ما حدث بمثابة خيانه للأكراد.
بيد أن المنطقة تشهد تطورات ملفتة في الوقت الحالي... فقبل يومين أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصالًا هاتفيًّا.
وذكرت الأنباء أن بوتين ونتنياهو تناولا خلال الاتصال مسألة استفتاء انفصال الإقليم الكردي عن العراق، دون تقديم تفاصيل أخرى.
لكن بحسب مصادر أعرفها في أربيل وكركوك فإن بوتين، بناء على إصرار نتنياهو، طلب أن تبطئ القوات العراقية في كركوك من تقدمها في المدينة، وألا تدخل إلى مركزها.
ولعل من المفيد أن نذكر هنا إعلان شركة روسنفت الحكومة الروسية، قبل يومين، عن توقيع اتفاقية نفط جديدة مع حكومة الإقليم الكردي. ويأتي هذا الإعلان بعد اتفاقيات أبرمتها الشركة قبل مدة قصيرة مع الإقليم.
كل هذه التطورات تنبئ بحقيقة واحدة، وهي أن روسيا تشمر عن ساعديها من أجل ملء الفراغ الأمريكي في العراق بعد سوريا.
لم يكن في بال سلاطين بني عثمان التوسع في بلاد المسلمين جنوب الأناضول، والاصطدام معها، قبل السلطان سليم الأول، وذلك لانشغالهم بفتح أوروبا "المسيحية" وإخضاع الدول التي شكّلت تهديداً لحدود الدولة الناشئة لا سيما بعد فتح القسطنطينية وسقوط الإمبراطورية البيزنطية على يد الفاتح 1453.
ولو كان بنيّة السلاطين إخضاع البلاد العربية، العراق والشام والحجاز ومصر والمغرب، لسلطتهم، لكانوا فعلوا ذلك قبل توجههم لأوروبا، خاصة وأن شعوب تلك البلاد هم من المسلمين الذين لا يشكلون تهديداً لكيان دولتهم، والذين سيستقبلون ذلك التوسّع بدون مقاومة كتلك التي عند الأوربيين "المسيحيين"، كما وأنهم سيشكلون الحاضنة الشعبية للدولة العثمانية المسلمة.
إذاً، ما الذي دفع بالسلطان سليم للتوجه صوب المشرق العربي والتوسع فيه؟ ولماذا توجّه نحو العراق، الأبعد جغرافياً، قبل توجهه إلى الشام، الأقرب والمتاخمة لحدود دولته؟
السبب الأول والرئيسي يتجلى في الصراع "الشيعي – السني" خاصة بعد ظهور دولة "الشاه اسماعيل الصفوي" في إيران، واحتلالها العراق ، ومحاولتها نشر المذهب الشيعي فيه وفي شرق الاناضول، ما أثار حفيظة العثمانيين الذين قاموا بمحاربتهم دفاعاً عن المسلمين "السنة" وانقسام الدولة الإسلامية.
أما السبب الثاني، فيكمن في أن المماليك الذين كانوا يسيطرون على الحكم في الشام ومصر والحجاز بزعامة "قانصوه الغوري" فتحوا بلاطهم ملجأً للمتمردين على السلطنة العثمانية، وهو ما أثر سلباً على العلاقات الدولية بين الطرفين وساهم في توسيع الهوة بينهما.
كما وأن المماليك وقفوا من الصراع العثماني السني مع الدولة الصفوية الشيعية موقفا متخادلاً، بل حالوا دون مرور الجيش العثماني على أراضيهم، أيام توجهه لمحاربة الشيعة مما أدى إلى نظرة السلطان العثماني نظرة عداء تجاه المماليك.
والسبب الثالث، هو أن المماليك لم يعودوا يشرفون العالم الاسلامي من الناحية السياسية خاصة بعد هزيمتهم امام البرتغال في البحر الأحمر وخليج عدن والسواحل الهندية، وصارت شعوب المناطق الخاضعة لسلطة الماليك تتذمّر وتطالب العثمانيين بإنقاذهم من هيمنة هذه الدولة المنهارة، وهذا جعل تفكير العثمانيين جاداً في استرجاع الهيبة السياسية للمسلمين.
إذاً، كل تلك الأسباب، مجتمعة، دفعت السلطان سليم إلى التوجه صوب الشام 1516م.
وبمقارنة تلك الأسباب بما يحدث اليوم في سوريا، نجد تطابقاً عجيباً بينها، فاليوم:
إيران تسيطر على سوريا والعراق سياسياً وطائفياً من خلال تحالفها مع نظامي الأسد وبغداد.
التنظيمات الإرهابية المتموضعة على حدود تركيا الجنوبية، المتمثلة بـ "بي كي كي" و"يي بي جي" و"بي يي دي" وداعش وغيرها، تشكّل تهديداً مقلقاً ومستمراً لأمن تركيا، داخلياً وخارجياً.
الدمار الذي لحق بالدولة السورية جرّاء نظامها الوحشي، ما حوّلها إلى دولة مفككة وفاشلة، تداعت عليها كل قوى العالم الغربي، وباتت تشكّل خطراً محدقاً يطوّق كل الدول الإقليمية لا سيما الدولة التركية الناهضة، اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، وأضحت مركزاً إسلامياً عالمياً في ظل حكومة العدالة والتنمية.
ونتيجة اعتداءات أميركا وحلفائها، والروس، والإيرانيين، ونظام الأسد، والميليشيات الطائفية، والمنظمات الإرهابية، ضاق السوريون ذرعاً بالموت والدمار المحدق بهم، وصاروا يطلبون الخلاص والاستقرر، خاصة بعد يقينهم التام بتآمر المجتمع الدولي على إجهاض الثورة السورية ومساندة بشار الأسد في حربه ضدهم، إضافة إلى الفوضى التي تعاني منها الفصائل المسلحة في إدارة المناطق المحررة، عسكرياً وسياسياً ومدنياً، والتخبط وقلة التدبير الذي تعاني منه مؤسسات المعارضة السورية ما أدّى إلى فشلها في تمثيل الشعب السوري أو انتزاع اعتراف من المجتمع الدولي، المتآمر أصلاً ضده.
وأمام جميع تلك الخيارات المطروحة، كان لا بد من التدخّل التركي مؤخراً لإنقاذ الموقف في إدلب. كما سبق وفعلت تركيا في "درع الفرات" حين بددت آمال الانفصاليين في اقتطاع كامل الشمال السوري وتهجير أهله وتهديد كامل الحدود التركية الجنوبية.
إدلب، تلك المدينة التي أراد نظام الأسد وحلفاؤه جعلها محرقة للثوار وما تبقى من فصائل الجيش الحر بعد تهجيرهم بالباصات الخضر وتجميعهم فيها، ومن ثم إطلاق العنان لتنظيم القاعدة ليصول ويجول في المحافظة، لتقديم المسوّغ المناسب لإبادتها وإبادة أهلها تحت غطاء "القضاء على الإرهاب".. تمكنت تركيا في اللحظات الأخيرة من الحؤول دون تحويلها إلى موصل أو رقة أو ديرالزور أخرى، وهذا لوحده كفيل بأن يُشعر الثوار السوريين المتواجدين فيها، والذين نزحوا إليها من كافة المدن السورية، بالأمان والاستقرار، والقوة أيضاً.
نعم، لا شك بأن تركيا الحالية، كما الدولة العثمانية في السابق، تعمل ضمن إطار سياستها الخاصة، ولمصلحة وجودها وشعبها، ولكن ليس على حساب تهجير أهل المنطقة وتدميرهم والقضاء عليهم، كما فعلت وتفعل بقية الأطراف على الأراضي السورية الآن، بدءاً من نظام الأسد مروراً بإيران وروسيا، وصولاً إلى أمريكا وحلفائها مع داعش.
تركيا الآن تحتضن ما يفوق 4 ملايين سوري على أرضها، يسكنون بيوتها، ويعملون في معاملها ومشافيها ومدارسها، ويأكلون من طعامها، ويشربون من مائها، ولهم حقوقهم وعليهم واجباتهم، ويمارسون كافة حرياتهم الدينية والمدنية والسياسية، وجزء منهم نالوا وينالون الجنسية التركية، أضف إلى كل ذلك.. للسوريين الحق في العودة إلى بلادهم متى وكيف شاؤوا، وقد شهدت مناطق درع الفرات عودة الكثير من أهلها بمجرد عودة الحياة والازدهار إليها، ولا توجد منطقة في الداخل السوري تنعم بالهدوء والأمن وانعدام العمليات العسكرية كما تنعم بها مدن الدرع، فما المانع في أن تصبح إدلب مثلها؟
والحال، يبدو أن بعض ممّن يحسبون أنفسهم على الثورة السورية، ما زالوا يردّدون أقاويل وخزعبلات نظام الأسد دون أن يشعروا، ويتبنون حقده وافتراءه التاريخي والطائفي ضد الأتراك والعثمانيين، الذي بثّوه في عقولهم طيلة حكم البعث وعائلة الأسد، باللاوعي، حين أبدلوا اسم "المنقذ" ليغدو "محتلاً".
بقلم : أحمد نور
يسعى الأسد جاهداً على إعادة تسويق نفسه كرئيس لدولة وإعادة تسويق نظامه عالمياً بوسائل عدة، لاسيما بعد سلسلة التغيرات العسكرية التي طرأت على الخارطة العسكرية في سوريا مؤخراً بعد ماتلقاه الأسد من دعم كبير على يد روسيا وإيران والميليشيات الشيعية المساندة له، وتمكن قوات الأسد من الوصول لمناطق خرجت منها مهزومة قبل أكثر من خمس سنوات.
تغير الخارطة العسكرية وميول بعض الدول التي اتخذت موقف من الأسد لتغيير تصريحاتها لاسيما فيما يتعلق ببقاء الأسد أو نظامه تبعاً للسياسة الدولية التي لاتعرف عدو أو صديق دائم، كان لابد لنظام الأسد من إعادة تسويق شخص "بشار الأسد" ونظامه عالمياً، اتخذت لذلك وسائل عديدة منها عروض الأزياء وكرة القدم ووسائل أخرى لإظهار ان النظام مايزال قوياً وأن المجتمع السوري لا يزال متماسكاً، في محاولة لإعطاء صورة مغايرة تماماً عما يجري من قتل وتشريد وتغييب صورة المعاناة والقتل اليومي بصور تنم عن التطور والتقدم وأن الأزمة خلصت وسوريا بخير كما يريد
"منتخب البراميل" كان أحد وسائل نظام الأسد للترويج لنفسه بشكل كبير، من خلال المشاركة في تصفيات كأس العالم 2018 والتي حملت رسائل كبيرة أراد نظام الأسد أن يوجهها للعالم بدئا من عودة بعض اللاعبين للانضمام لمنتخب النظام "منتخب البراميل" واستقطابهم بطرق ووسائل عدة أبرزهم "فراس الخطيب، عمر السومة" ممن انقلبوا على أنفسهم أولاً قبل أن ينقلبوا على مبادئهم وشعبهم الذي ناصروه في بداية الحراك الثوري.
سعى الأسد ونظامه جاهداً لتسويق المنتخب "منتخب البراميل" وشارك الإعلام الروسي والرديف بشكل كبير في الترويج له، وتصدرت أخبارهم كل المواقع والصفحات، كان في الطرف المقابل من دعا لمساندة "منتخب البراميل" من مبدأ "فصل السياسة عن الرياضة" وهذا ما يريد أن يصل له الأسد في ترويج نفسه ونظامه، حتى كانت خسارة الفريق المدوية ببلوغ نهائيات كأس العالم، بعد خسارته في مباراة الإياب أمام استراليا بهدفين لهدف ضمن تصفيات الملحق الآسيوي.
بعد الجدل الكبير لأصحاب مقولة "فصل السياسة عن الرياضة" جاء الرد من الأسد نفسه الذي استقبل "منتخب البراميل" وكرمهم ولبس قميص المنتخب متفاخراً بما حققوه من تطور وتقدم حسب زعمه وقال الأسد "أولاً أنا ككل مواطن سوري فخور جداً وسعيد بالمستوى الي وصلوا المنتخب السوري الوطني، وكل مواطن سوري وأنا منهم نتمنى أن يتحقق الحلم ونشوف فريقنا عم ينافس على كأس العالم".
لكن النقطة الأهم بالنسبة للأسد حين قال " هو هذا المستوى الغير مسبوق، تمكن من الوصول إليه في ظروف صعبة، وهذه النقطة الأهم، لأن الدولة التي تعيش حالة حرب يكون هم الناس فيها وهم الدولة وهم المجتمع أن يقدر يخفف تراجع الأمور وبأسهل الأحوال يحافظ عالشي إلى هو موجود عندو، لكن أن يكون هناك تقدم، بظروف حرب فهذا بحدوا انجاز مضاعف، وهذا يدل إلي شفناه من خلال الفريق والي عم نشوفوا اليوم بكل مجالات الحياة يدل على حيوية الشعب السوري وثباتوا وتصميموا ووطنيته وعلى تصميمه أن يتجاوز الحرب بكل الوسائل وبكل الأساليب والرياضة واحدة من هذه الوسائل".
ولم يخف الأسد هواجس الرافضين لمعادلة "فصل السياسة عن الرياضة" عندما ربط بين ماحققه "منتخب البراميل" وبين ما تحققه قوات الأسد على الأرض في دير الزور ومناطق أخرى قائلاً " طبعاً نحن منعرف أن كل هالانجازات الي عم تصير في هالظروف مبنية على انجاز كبير هو إنجازات قواتنا المسلحة إلى لو ماكان فيها هالبطولات الي عم نسمع عنها وعم نشوفها ماكان حدا فينا يحقق أي شي بحياتوا ويمكن ماكان عنا وطن لحتى نحكي بالإنجازات وأنا متأكد أن الفريق الوطني لما كان عم يلعب كل مواطن سوري عم يكفر لما يحقق انجاز أو عم يحاول يحقق هالانجاز أن هو بدو يكون رديف ومكمل لعمل القوات المسلحة الي نحن منعرفوا كل شخص حمل السلاح وكل شهيد وكل جريح قدم جزء من جسدو وكل عائلة أرسلت ابنها وزوجها وأخوها وفي بعض الحالات أرسلت بناتها للقتال .... كل هدول كان عندهم هدف وحيد أن نحن نتقدم ومانتراجع للخلف والمنتخب الوطني كان عم يتقدم للامام" ..... فجاء الرد سريعا من عناصر المنتخب "كلوا بدعمك سيدي".
شبكة ESPN الأمريكية كانت قد نشرت في أيار الماضي ملفاً كاملاً بعنوان "منتخب الديكتاتور"، اعتمدت فيه على شهادات لاعبين حاليين وسابقين، ومسؤولين حاليين وسابقين في ميدان كرة القدم، فضلا عن أصدقاء وأقارب للضحايا، كشفت فيه أن نظام الأسد قتل 36 لاعب كرة من أندية الدرجة الأولى والعشرات من أندية الدرجة الثانية، إما تعذيباً حتى الموت أو بالقصف. وصنفت 13 لاعباً في عداد المفقودين، مضيفةً أن نظام الأسد استخدم ملاعب لكرة القدم في الحرب كمستودعات أسلحة، ومعلوماتنا تقول إنه استخدم بعضها كسجون بعد اكتظاظ سجونه السرية والمعلنة على حد سواء، بحسب تقرير لـ"العربي الجديد".
كما كشفت شبكة ESPN أيضاً عن تواطؤ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مع نظام الأسد، إذ أوقف الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال العقود الماضية 20 مرة منتخبات بسبب إقحام الأمور السياسية ومخالفة القواعد. أما في حالة سورية فاعتبرت أن الأمر "حوادث مأساوية تأتي بعيداً عن نطاق الرياضة".
إذن هو توظيف سياسي من وجهين، الأول في استخدام الرياضة وكرة القدم لتذكير العالم بشرعية نظام فاقد للشرعية بتواطؤ لا تخطئه العين من هذا العالم، والثاني في الرعاية الوحشية للرياضة والرياضيين ولاعبي كرة القدم، وفق ما كشفت عنه شبكة ESPN.
نعم فصل الأسد السياسة عن الرياضة وأدخل "منتخب البراميل" شريكاً له ولجيشه في قتل الشعب السوري، رديفاً في تحقيق التطور الذي يتحدث عنه الأسد في سوريا، غابت عن المشاهد حجم المعاناة والمآسي التي لاتزال مستمرة من خلال قصف طيران الأسد وحلفائه والحصار المفروض على العديد من المناطق والموت الذي بنشره في كل مكان من بقاع سوريا، وما حل بها من دمار ودماء، ليسوق نفسه بأنه يتطور ويتقدم ويحقق الإنجازات في وقت يواجه فيها حرب، وهل سأل السومة والخطيب أنفسهم عن أي حرب يتكلم الأسد ..!؟ عن الحرب التي يشنها جيشه وحلفائه على الشعب السوري أم الحرب الكونية المصطنعة على نظام الأسد ..!؟
رئيس الاستخبارات الأمريكية السيد «مايك بومبيو» قال في تصريح له: (إن الـCIA ستُصدر في الأيام القليلة القادمة مؤلفاً يحتوي على المراسلات التي وجدها الفريق الذي قام باغتيال ابن لادن بينه وبين ملالي إيران في مخبئه في باكستان). الخبر ليس غريباً بالنسبة إلينا، فابنه سعد بن لادن يعيش مكرماً في إحدى ضواحي طهران، إنما الغريب كيف كان الرئيس السابق لديه معلومات بهذه الدرجة من الخطورة، ويأمر بإخفائها عن الشعب الأمريكي، ليس هذا فحسب، بل عمل بكل مثابرة على إبرام صفقة معها حول المنشآت النووية، ليتسنى لها الحصول على الأموال المجمدة في الولايات المتحدة، وهو يعلم يقيناً وبالدليل القاطع أنها تتعامل مع رأس الإرهاب، وشيطانه الأكبر «أسامة بن لادن».
لذلك، فالرئيس ترامب لم يصف إيران بأنها دولة إرهابية دونما دليل، ولم يصف الاتفاقية بين إيران والدول الست العظمى بأنها الاتفاقية الأسوأ في تاريخ أمريكا جزافاً، وإنما بالأدلة والبراهين التي لا يرقى إليها الشك، الأمر الذي يؤكد أن ما كان يتحاشى أوباما أن يعلنه على الملأ جاء من يُعلنه ويضع النقاط على الحروف، وهذا ما يجعلنا الآن نصل إلى الجزم بأن الرئيس ترامب ماضٍ في إستراتيجيته التي من شأنها اقتلاع نظام الملالي في إيران من جذوره، ليس بالحرب طبعاً، وإنما بالعقوبات الاقتصادية، التي لا بد حتماً إذا ما استمرت أن تُحرك الشارع في إيران، مثلما تحرك في نهاية السبعينيات من العقد الميلادي الماضي، وأطاح بالشاه.
كل المؤشرات والإرهاصات تقول إن إيران من الداخل على فوهة بركان، وأن تفشي البطالة وانهيار العملة الإيراني وجمود النمو الاقتصادي بسبب العقوبات، وتدهور الخدمات المدنية في أغلب المقاطعات الإيرانية من شأنها أن تفجر الداخل الإيراني؛ ناهيك عن أن منظمة الحرس الثوري، وهي القوة الاقتصادية الأكبر في هيكلية القوى في إيران، من المزمع أن تُصنف أمريكياً كمنظمة إرهابية، ما يجعل قدرتها على الحركة في الشأن الاقتصادي، وتحديداً في توريد المستلزمات التي يحتاجها اقتصاد الداخل، غاية في الصعوبة.
كل هذه العوامل مجتمعة ستؤدي حتماً إلى عدم قدرة نظام الملالي على المقاومة طويلاً، ولن تجدي هراوات الباسيج في قمع الانتفاضات إذا ما تفجرت، فأي دولة في العالم اليوم لا تستطيع إطلاقاً أن تعيش، فضلاً عن أن تستمر، بمعزل عن العالم، وتحديداً عن أذرعة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسيطر سيطرة شبه كاملة على منظومات البنوك في العالم، فلا يستطيع أي بنك، في أي دولة، التعامل مع العالم الخارجي في معزل عن الولايات المتحدة، وكذلك الأمر لكبريات الشركات العالمية، وإلا فالعقوبات الأمريكية كفيلة بتغريمها مليارات الدولارات كما حصل في مرات سابقة.
ومن الواضح أن أمريكا في عهد الرئيس ترامب تختلف عنها في عهد الرئيس أوباما، الذي كان يساند إيران على حساب المصالح القومية الإمريكية العليا، لذلك فإن سنوات عجافاً، إذا لم تكن مزلزلة، تنتظر مستقبل ملالي الفرس، خاصة إذا ما صدر قرار أمريكي بتصنيف (الحرس الثوري)، بكل أذرعته الاقتصادية، منظمة إرهابية، عندها إقرأ على هذا النظام الكهنوتي القادم من تلافيف التاريخ السلام.
إلى اللقاء
واضح أن تحرير الرقة من «داعش» حدث على خلفية عزيمة وإعادة ترتيب قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب. لا للجيش السوري ولا الروسي وحتماً لا لإيران ولا لـ «حزب الله» علاقة بهذه العملية. لو نعود إلى خطابات القيادات الإيرانية ومن تموّله بالمال والعتاد، وإلى خطابات نظام بشار الأسد بل وتصريحات المسؤولين الروس، فلن تجد منها خطاباً إلا ويشير إلى أهمية التخلص من «داعش». طبعاً لم يتخلصوا لا من «داعش» ولا من «النصرة» ولا من غيرهما من فصائل الإرهاب الموجودة في سورية، ليس بسبب قوة «داعش» بالطبع، ولكن بسبب عدم وجود النية أصلاً لقتالها ومواجهتها.
إذاً، فوجود تلك الجماعات المسلحة كما أوهموا البعض، كان الذريعة الأهم لتدخل إيران في الشأن السوري، ومحاولة البقاء هناك. خروج الجماعات المسلحة من سورية سيضع إيران وغيرها في مواجهة الشعب السوري. هل سيأتون بأعذار جديدة؟ ومن أين؟ وما عساها تكون؟
الواقع أن تدخل إيران في شؤون الدول العربية عامة لا يستند إلا الى الأكاذيب. أتوا إلى العراق لمواجهة «التكفيريين» وفق زعمهم. ذهبوا إلى سورية للسبب نفسه. على أن تدخلاتهم في البحرين مثلاً، لا تتوافق مع هذه الكذبة، ولذا نجد إيران لا تتحدث عن البحرين إلا بطرق خجولة. حتى بعد دخول قوات «درع الجزيرة» لازمهم الصمت، باستثناء بعض الأبواق التي تتحدث عن حقوق وهمية. اليمن قصة أخرى، ذلك لأنها هي الأقرب إلى الجائزة الكبرى (السعودية). مبرراتهم لدعم الحوثي في اليمن باهتة. تارة يتكلمون عن الحاجة إلى نشر الديموقراطية. تارة يتكلمون عن محاربة إرهاب «القاعدة» في اليمن، وهذه لم تعد تنطلي على أحد، لأن من يحارب «القاعدة» هناك هي قوات الشرعية والتحالف.
لكن ما الجديد؟ هذه هي «الشريفة» التي تحولت إلى الحليف الأهم لدولة قطر أخيراً، وأطلق المسؤول القطري عليها هذا اللقب. وبهذه المناسبة هل يوجد نظام عربي واحد يفتخر بعلاقات جيدة مع إيران؟ قطر وحدها هي من يفعل ويعلن ذلك. لا أدري هل القصد هو الاستقواء بها؟ هل هي محاولة لابتزاز الدول الأربع المقاطعة لقطر بسبب دعمها الإرهاب وإثارتها الفتن؟ والسؤال الأهم: هل باستطاعة إيران أو تركيا حماية نظام قطر من الزوال؟ هل لدى إيران أي قوة دولية مؤثرة قد تقف ضد مشروع ملاحقة «الحمَدين» قضائياً ومن يعمل معهما كما سيأتي؟ بالطبع لا.
في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تعلن الولايات المتحدة قبل يومين عن موقفها الجديد الصارم من نظام إيران. تهوي البورصة الإيرانية في اليوم التالي. ينهار الريال الإيراني، ويُمنَع شراء الدولار الأميركي بالقوة. وعلى رغم موقف بعض الدول الأوروبية من الاتفاق النووي، تخرج بريطانيا وفرنسا وألمانيا بتصريحات مذلة عن إيران، وتهددها بالعقوبات إن لم تتوقف عن خططها العدوانية. تعلن شركة «بريتيش بتروليوم» عن تجميد مخططاتها للاستثمار هناك.
هذه هي الحال الإيرانية منذ احتلال المتظاهرين الثائرين السفارة الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٧٩ بعيد سقوط الشاه. لا وقت للاستقرار وبناء العلاقات مع الغير. سياسة عدوانية مستمرة وفاضحة. مشاهد من الفشل والدمار تتكرر في كل بقعة يقتربون منها. حتى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة لم تسلم منهم ومن أحقادهم. نحن هنا نتكلم عمّا يقترب من ٤٠ عاماً من التخبط. قد تقع بعض الدول في أخطاء، وترتكب بعضها من وقت إلى آخر، لكنها غالباً ما تتنبّه لذلك وتصحّحه وتنهض من جديد. الاستثناء العالمي الوحيد بجانب كوريا الشمالية، هو هذه الدولة الدموية القائمة على استخدام السلاح والنار لقمع أي مطالبات بالتغيير. نظام قائم على القمع والتعذيب والشنق داخلياً. خارجياً لا همَّ لهذا النظام إلا محاولة إسقاط الأنظمة الأخرى. يا لها من أجندة!
وبالمناسبة مرة أخرى، لو لم يسقط حكم «الإخوان» في مصر لأصبحت لدينا ثلاث دول من هذا «الصنف». العامل المشترك بين ملالي إيران وجماعة «الإخوان المسلمين» هو تقديم الأيديولوجيا على التنمية وبناء الإنسان. إنه نشر الفوضى في كل مكان، حتى يتمكن البعض من رؤيتهم كمنقذين. يلجأون إلى ذلك بسبب غياب القدرة على التفاعل مع العالم المتقدم، لا لرغبة منهم، ولكن لعدم قدرتهم على مجاراة تلك الدول وتبادل الخبرات معها. وفي تعليق رائع، قال مغرد في موقع «تويتر»: « إذا توقفت إيران عن تصدير مشكلاتها تكون حكمت على نفسها بالسقوط».
لقد أحسنت السعودية صنعاً عندما دعمت ثورة ٣٠ حزيران (يونيو) التي لن ينساها «الإخوان» على الإطلاق. وبالطبع لن ينساها صنّاع الرعب والقتل في طهران. لهذه الأسباب ولغيرها، ستبقى إيران ومن يقف معها في عزلة تامة عن العالم المتحضر، مهما استخدموا من وسائل الإعلام، ومهما جنّدوا من الأسماء في «السوشال ميديا».
«ترمب ينتهك معاهدة دولية»! «ترمب يخل بالاتفاق الذي وقعته القوى العالمية»!
كان هذان عنوانين رئيسيين في التغطية الإعلامية التي تناولت موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب من «الاتفاق النووي الإيراني» خلال الأسبوع الماضي، حتى إن بعض وسائل الإعلام الغربية رأت أن موقف ترمب قد يعقّد مهمة كبح جماح كوريا الشمالية؛ لأن بيونغ يانغ قد تخلُص إلى أن التوصل إلى أي اتفاق مع القوى العالمية - مثلما فعلت إيران - ربما يصبح عديم الجدوى.
إذن، ما الذي فعله ترمب بالضبط؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، دعونا نتناول سؤالاً آخر.
هل كان «الاتفاق» الذي توصل إليه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مع إيران بمثابة معاهدة؟
الجواب هو: لا.
إنه - مثلما تقول طهران - «خريطة طريق» تعهدت في إطارها إيران باتخاذ بعض الخطوات مقابل اتخاذ «القوى الكبرى» خطوات أخرى من جانبها..
وحتى ذلك الحين، لا تحوي «خريطة الطريق» أو «قائمة أمنيات» - مثلما وصفها وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري - نصاً ذا طابع إلزامي؛ فهي تتوفر بخمس نسخ مختلفة: ثلاث باللغة الفارسية، واثنتان باللغة الإنجليزية، مع وجود اختلافات كثيرة بينها.
لم يوقع أحد على «قائمة الأمنيات» حتى الآن.
كما أنها لم تُحل - ناهيك عن الموافقة عليها - إلى السلطات التشريعية في أي من البلدان المعنية.
ولم تحدد النصوص المختلفة أي آلية للتحكيم لتقرير إذا ما كان جرى تنفيذها. وتتولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية - التي لم تشترك في صياغة الاتفاق – مهمة تقييم – وإن أمكن التصديق على - الامتثال الإيراني، لكن لا توجد آلية للتقييم والتصديق على إذا ما كان المشاركون الآخرون قد فعلوا ما يفترض عليهم القيام به.
من الناحية القانونية، إن ما سُمى «الاتفاق» ليس موجوداً، وبالتالي لا يمكن لأي شخص «الإخلال به».
بدأ الخلل في «الاتفاق» منذ نشأته.
من ناحيته، أخبرني وزير الخارجية البريطاني الأسبق والنصير القوي لإيران جاك سترو بأن الفكرة بدأت خلال اجتماع عُقد في مقر إقامته الرسمي في لندن، مع وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس. في ذلك الوقت، كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أثبتت أن إيران انتهكت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وطلبت من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة اتخاذ إجراء بشأنها. وأصدر مجلس الأمن قرارات رفضتها إيران؛ لأن الملالي لم يريدوا أن يظهروا وكأنهم يكررون «خطأ» الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالسير نحو «فخ قرارات مجلس الأمن».
ابتكر سترو فكرة تكوين فريق مخصص للتوصل إلى اتفاق مع طهران، متخطياً الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي، ومن ثم إغواء الملالي بأنهم تلقوا معاملة خاصة لأن نظامهم كان مميزاً.
ويبدو أن رايس كانت متجاوبة مع الفكرة، وأخذت «خطوة جريئة» تمثلت في دعوة سكرتير المجلس الأعلى للأمن الوطني الإيراني علي أردشير - المعروف باسم لاريجاني - إلى واشنطن بالضبط في الوقت الذي كان سترو فيه على وشك ترك منصبه.
وأُصدِرت أكثر من 100 تأشيرة أميركية للاريجاني والوفد المرافق له، غير أن «المرشد الأعلى» الإيراني اعترض على الزيارة في آخر لحظة.
وعندما تولى باراك أوباما منصبه في البيت الأبيض، أحيا الفكرة، وبعد إجراء محادثات سرية مع طهران في عُمان، نظمتها وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، حوَّل أوباما الفكرة إلى عملية.
شعرت طهران بأن أوباما بمثابة صديق لها في واشنطن.
وشق أوباما طريقه بالفعل نحو استمالة وإغواء الملالي.
وأنشأ مجلس أمن موازياً، يتألف من الدول الخمس الكبرى التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا التي كانت ولا تزال الشريك التجاري الرئيسي لإيران.
لم تُمنح المجموعة - التي أُطلق عليها اسم 5+1 - أي صفة رسمية.
ولم تُعين المجموعة رسمياً أو قانونياً من قِبل أي شخص، ولا تمتلك بياناً خطياً بالمهمة، ولا تتضمن أي التزام قانوني لأعضائها، ولا تعد مسؤولة أمام أحد.
قبلت طهران الخدعة بموقفها المعتاد المتمثل في الغرور العابس.
تباهى خليفة لاريجاني، سعيد جليلي، بأن «الوضع الخاص» لإيران حظي باعتراف «القوى الكبرى»، ما يعني ضمناً أن أموراً مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية أو حتى القانون الدولي برمته لا ينطبق على بلاده. وأثبت جليلي أنه مسبب للإزعاج.
لقد اعتبر أن مجموعة 5+1 بمثابة آلية لإيران لاقتراح - إن لم يكن فرض - مجرى الأحداث على الصعيد العالمي.
ولم يكن مستعداً للحديث عن الغش النووي الإيراني إلا إذا ناقشت مجموعة 5+1 أيضاً خطط بلاده لمجموعة من المسائل الدولية. في أحد الاجتماعات، عرض جليلي «اقتراحاته» للتعامل مع «المشاكل التي تؤثر على الإنسانية»، بدءاً من البيئة إلى «الانسحاب الكامل للشيطان الأميركي الأكبر» من المنطقة.
وفي مرحلة ما أثناء ذلك، تطفل الاتحاد الأوروبي - بتشجيع من بريطانيا وألمانيا - وأمَّن مكاناً له بجانب مجموعة 5+1.
تمثلت الفكرة في استخدام سياسة «الشخص المسؤول» المعتمدة في السياسة الخارجية الأوروبية كوسيلة لانتقاد الإيرانيين الذين يبدون غير راغبين في التفاوض. وبذلك توسعت مجموعة 5+1 إلى مجموعة مؤلفة من 31 دولة؛ أعني 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، والصين، وروسيا. (وفي مرحلة ما، يبدو أن البرازيل، وتركيا، وكازاخستان انضمت أيضاً إلى المجموعة، لكنها سرعان ما ابتعدت عن المشهد).
وبمجرد ابتعاد جليلي عن عملية التفاوض، نتيجة تكليف الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني وزير خارجيته محمد جواد ظريف بتلك المهمة، بدأت الأمور في التقدم بسرعة.
خلال سنواته الطويلة التي قضاها في الولايات المتحدة، بعضها كدبلوماسي في نيويورك، أقام ظريف اتصالات مع الحزب الديمقراطي، شملت جون كيري الذي خلف هيلاري كلينتون في منصب وزير الخارجية الأميركية. أقنع ظريف رؤساءه بعدم تفويت «الفرصة الذهبية» التي عرضتها إدارة الرئيس أوباما والتي ضمت الكثير من «المتعاطفين» مع إيران.
لذلك، في غضون عامين فقط، ما ثبت أنه مستحيل طيلة عشر سنوات أصبح ممكناً.
لقد وُضع نص مُبهم، يتحايل على المسائل المطروحة، ويعلن النصر لكلا الجانبين. واتفق المشاركون في اللعبة على إبقاء النص بعيداً عن متناول هيئاتهم التشريعية، حتى لا يجازفوا بإخضاع شراب السحر الذي أعدوه للتدقيق.
إن ما يُسمى «الاتفاق» أُطلق عليه اسم «خريطة طريق» غير ملزمة، ما يعني ضمناً أن «خريطة الطريق» ليست لنفس الرحلة.
وبعد عامين من كشف النقاب عنها، يبقى الوضع في «خريطة الطريق» كما هو عليه.
لم تفِ إيران ولا المجموعة المؤلفة من 31 دولة بوعودها؛ فلا يزال سبيل طهران لتطوير أسلحة نووية متاحاً، على الرغم من أن هذا لا يعني أنها تصنع قنبلة الآن. ومن جانبها، لم ترفع مجموعة الدول الـ31 العقوبات المفروضة على إيران.
لقد خدع كلا الجانبين بعضهما بعضاً وجماهيرهما.
وخلف أوباما وراءه حالة خداع دبلوماسي مثيرة للفوضى. والمثير للاهتمام أن ترمب لم يلق هذه الفوضى في مكب النفايات، بل وعد بإعادة ترتيبها وتحسينها.
هل هذا ممكن؟