مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٧ أكتوبر ٢٠١٤
هل حشدت أمريكا أربعين دولة لإنقاذ بشار الأسد؟

صحيح أن السياسة والاستراتيجيات عمليات معقدة ومتشعبة، إلا أن نظرة سريعة إلى التحالف الدولي الذي يستهدف تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا جواً تؤكد ببساطة أنه يصب، بطريقة أو بأخرى، في مصلحة النظام السوري وحلفائه تحديداً. دعكم من سخافات انتهاك السيادة السورية. فلا أخلاق في السياسة. صحيح أن طائرات التحالف تنتهك الأجواء السورية بمفهوم القانون الدولي، لكنها تقصف ألد أعداء النظام الذين اسقطوا العديد من مطاراته ومواقعه، ومرغوا أنوف جيشه بالتراب. ألا تتذكرون ما فعله تنظيم الدولة بجنود الأسد في الرقة والطبقة؟ ألم تروا طوابير الجنود العراة الذين استعرضهم التنظيم كنوع من الإهانة للأسد في الرقة، ثم أعدمهم جميعاً بطريقة وحشية؟ ألا تتذكرون مناظر قطع الرؤوس الرهيب لقوات الأسد في أكثر منطقة؟
هل كانت تلك المشاهد المريعة مجرد لعب عيال، أم إنها كانت ضربة نجلاء لكبرياء الجيش السوري ونظامه؟ ألم يثر جماعة النظام على القيادة وحمّلوها مسؤولية سقوط المطارات وإهانة الجنود والضباط على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية؟
فماذا ستكون ردة فعل النظام وجماعته إذن عندما يرون طائرات التحالف تدك مواقع وأرتال القوات التي أهانت الجيش السوري، وقطعت رؤوس العديد من جنوده؟ لا شك أنهم سيشعرون بالتشفي والفرحة، وسيقولون: عدو عدوي صديقي.
لقد نزلت ضربات التحالف الدولي على مواقع تنظيم الدولة في سوريا برداً وسلاماً على نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين وحزب الله وروسيا. وبالرغم من التصريحات الروسية الخجولة حول عدم شرعية التحالف، فلا شك أن الروس والإيرانيين سعداء في قرارة انفسهم وهم يرون الطائرات الأمريكية والعربية تدك مواقع تنظيم الدولة في سوريا والعراق. ولا شك أنهم يرددون المثل الإيراني الشهير: «لا تقتل الأفعى بيدك، بل اقتلها بيد عدوك». وهذا ما يحصل فعلاً في سوريا والعراق.
دعكم من التحليلات الرغبوية. المهم ما يحصل على الأرض. ألم يستغل النظام السوري عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لتكثيف عملياته العسكرية الرهيبة ضد المناطق الثائرة؟ ألم يلجأ في حي جوبر إلى استخدام أسلحة روسية لم يسبق لها مثيل في التدمير، بينما أعين العالم كلها منصبة على عمليات التحالف ضد تنظيم الدولة في شمال وشرق سوريا والعراق؟ ألم تزدد همجية الجيش السوري مرات ومرات؟ ألم يلجأ إلى سياسة الأرض المحروقة تماماً، حتى لو أزال مناطق بأكملها عن الخارطة؟ بعبارة أخرى، فإن القصف الدولي لتنظيم الدولة جاء بمثابة غطاء للنظام السوري كي يفعل ما يشاء في المناطق الخارجة عن سيطرته. ولا شك أنه ينجح. لاحظوا أن النظام استعاد الكثير من المناطق أثناء القصف الدولي لتنظيم الدولة. وهو يبلي بلاء حسناً في ريف دمشق وحتى حلب، بينما الكل مشغول بعمليات التحالف ضد تنظيم الدولة.
ليس صحيحاً أن تنظيم الدولة يواجه فقط حرباً جوية غير مجدية، وأن لا أحد مستعدا أن يواجهه على الأرض. ألا تقوم قوات النظام السوري وحزب الله وإيران بمواجهة تنظيم الدولة براً، بينما تقصفه طائرات التحالف جواً. والنتيجة أن الجيش السوري يسيطر على كل المناطق التي يتركها تنظيم الدولة. بعبارة أخرى، فإن الطائرات الأمريكية والعربية تقوم بإضعاف التنظيم جواً تاركة المجال للقوات السورية كي تنهكه براً، ومن ثم تسيطر على المناطق التي تركها، خاصة وأنه ليس هناك أي قوات للجيش الحر تستطيع أن تملأ الفراغ الذي تركه انسحاب تنظيم الدولة من هذه المنطقة أو تلك. فقوات الجيش الحر التي تزعم أمريكا أنها ستدربها لن تكون جاهزة قبل أشهر. وفي هذه الأثناء يكون الذي ضرب، ضرب، والذي هرب، هرب كما يقول المثل الشعبي. بعبارة أخرى، يكون الجيش السوري قد استعاد المناطق التي فقدها بدعم جوي أمريكي وعربي. باختصار، فإن الحملة الدولية على تنظيم الدولة تتم عملياً بالتعاون بين أمريكا جواً ونظام الأسد وإيران براً، ينما يدفع العرب كلفة الحملة العسكرية لصالح تعزيز نظام الأسد .تلك هي نتيجة التحليلات الغربية الواقعية.
ويؤكد روبرت فيسك في صحيفة «الاندبندنت» أنه «في اللحظة التي تحركت فيها الولايات المتحدة، ووسعت حملتها ضد تنظيم الدولة لتشمل سوريا، حصل بشار الأسد على دعم عسكري وسياسي أكثر من أي قائد آخر، فبانفجار القنابل في مناطق شمال وشرق سوريا يمكن للأسد الاعتماد الآن على دعم روسيا والصين وإيران وأمريكا، وحزب الله والأردن ودول الخليج للحفاظ على نظامه. ويشير الكاتب إلى أن الأسد يمكنه الآن الجلوس في بيته في دمشق ليفكر كيف تقوم أقوى دولة في العالم، التي حاولت ضربه العام الماضي باستهداف أعدائه.و يضيف فريديريك بيشون الكاتب والمحلل السياسي «لوكالة فرانس برس» في تقرير نشره موقع «شؤون خليجية» أنه بالنسبة إلى بشار الأسد، فإن وضعه ممتاز من الناحية السياسية والجيوسياسية، لأن واشنطن ولندن ستجدان نفسيهما في الخط نفسه إلى جانب دمشق. ويعتبر الباحث في معهد بروكينغز «تشارلز ليستر» أن النظام السوري سيخرج أكثر قوة.
وينتهي موقع «شؤون خليجية» إلى نتيجة مفادها أن دول الخليج تتحمل فاتورة التحالف الدولي ليس من أجل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن من أجل القضاء على المعارضة السورية وإعطاء قبلة الحياة لنظام بشار الأسد، الذي نجح حتى الآن في السيطرة على الأماكن التي انسحب منها تنظيم الدولة.
البعض يأمل أن تطال ضربات التحالف لاحقاً مواقع النظام السوري، مما سيقلب الطاولة رأساً على عقب. لكن ذلك يبقى في إطار التكهنات والتمنيات الرغبوية حتى الآن على الأقل.

اقرأ المزيد
١٧ أكتوبر ٢٠١٤
إيران و«داعش»: شراكة وعداوة!

لم يكن الفريق قاسم سليماني قائد «الحرس الثوري» الإيراني حاضراً في الاجتماع الذي دعا اليه الرئيس باراك أوباما القادة العسكريين لـ 22 دولة غربية وعربية وشرق أوسطية لمناقشة الحملة على تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وبحث أفضل الوسائل لمتابعة الحرب على هذا التنظيم وكسبها.

 

 

كان سليماني في ذلك الوقت يتابع المعركة على الارض في العراق حيث ينتشر عناصر «داعش»، فيما كانت طائرات دول التحالف المشاركة في الحرب تقصف مواقع التنظيم من الجو. بالمعنى الاستراتيجي لا يمكن ان يعني هذا سوى ان أميركا وإيران تخوضان اليوم معركة واحدة ضد عدو واحد، وان كانت الدولتان تخجلان، حتى الآن، من المجاهرة بذلك، لما له من انعكاسات سلبية على سمعة البلدين وصدقيتهما لدى حلفائهما في المنطقة.

 

 

مع ذلك، لم يعد الإعلام الإيراني يتردد في نشر صور سليماني، الذي كان يندر الاعلان في السابق عن وجوده في مواقع المعارك التي تديرها إيران وحلفاؤها، سواء في العراق او سورية او لبنان. هكذا ظهرت صور سليماني على شاشة التلفزيون الإيراني الى جانب المقاتلين الاكراد في شمال العراق، فيما كان أحد مستشاري المرشد علي خامنئي يؤكد ان وجود الجمهورية الاسلامية ودعمها هو الذي حال دون سقوط بغداد. «وبمساعدة الجمهورية الاسلامية وخبرتها ومشورتها تمكن الشعب العراقي من وقف تقدم «داعش». واضاف ان سليماني تعرض لخطر «الاستشهاد» ليضمن بقاء الحدود الايرانية مع العراق في أمان.

 

 

تقدّم «داعش» في مناطق شمال العراق بعد سقوط الموصل بصورة مفاجئة وسريعة في مطلع حزيران (يونيو) الماضي تحوّل الى ورقة في يد إيران. إذ فيما كانت الدول الاقليمية والغربية تتردد حيال التدخل وتبحث الخطط لمواجهة الانقلاب الجديد في موازين القوى على الارض، كان الايرانيون أول من وصل الى أرض المعركة لمساعدة قوات «البيشمركا» وحماية أربيل وسائر المناطق الكردية من تقدم «داعش». ويعترف اكراد العراق انه لولا هذا العون الإيراني لكانت أربيل اليوم هي كوباني العراقية.

 

 

في هذه الاثناء، توصل الإيرانيون الى صفقة مع ادارة باراك اوباما دفع ثمنها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي تمّ تحميله مسؤولية فشل الجيش العراقي في حماية الموصل. اشترط اوباما لمساعدة العراقيين ان يتم إبعاد المالكي، لكن التدخل الاميركي الخجول ترك الساحة فارغة فملأها الايرانيون. ادركوا ان الفرصة سانحة للوقوف في الصف ذاته الى جانب الحرب الكونية ضد الارهاب، متمثلاً في تنظيم «داعش». طوى الايرانيون بذلك صفحة محاسبة المالكي، رجلهم السابق في بغداد، عن سياسته الخرقاء والطائفية التي سمحت بنمو هذا التنظيم الارهابي، وحوّلت الجيش العراقي الى ميليشيا يغلب عليها الطابع الشيعي، ما جعل قياداته تنسحب من مسؤولياتها في الدفاع عن محافظة نينوى باعتبارها «محافظة سنّية». وبدل ان تكون طهران في موقع المتّهم نتيجة نفوذها في بغداد ايام المالكي، تريد الآن ان يُنظر اليها على انها المنقذ للعراق من شرور «داعش»، وهو ما أكده رئيس «المجلس» الايراني علي لاريجاني بقوله انه لو لم تتدخل ايران في العراق لكان الوضع في هذا البلد قد خرج عن السيطرة بالكامل.

 

 

تنتقد ايران الحلف الدولي القائم اليوم ضد تنظيم «داعش». ويعتبره علي خامنئي محاولة أميركية لزيادة الهيمنة وتوسيع الوجود العسكري الاميركي في المنطقة. غير ان الحقيقة وراء هذا الستار الكثيف من الغبار ان الايرانيين، المسؤولين عن صنع «داعش» وعن نموّه، والذين تتحمل سياساتهم (من بغداد الى صنعاء مروراً بدمشق وبيروت) المسؤولية عن توفير البيئة الحاضنة له في أماكن وجوده، هم الذين يستثمرون اليوم الحرب على هذا التنظيم، ويضعون أنفسهم في موقع الحليف الضروري فيها.

اقرأ المزيد
١٧ أكتوبر ٢٠١٤
في اضطرابات ثورة السوريين

افتقدت ثورة السوريين، منذ بداياتها، مرجعية سياسية ومفهومية وحزبية، إذ عرفت بأنها حالة ثورية عفوية، أو بمثابة حالة انفجارية، يفسرها اجتماع القهر والغضب والتوق للخلاص، عند معظم السوريين، كما تفسرها عقود من المحو والتهميش، واحتكار السياسة والسلطة والمجال العام من قبل النظام.

هذا الوضع سيفسّر، أيضاً، التطورات الحاصلة في ما بعد، وضمنها صعوبة انتظام السوريين في هيكلية سياسية معينة، وتعذّر خضوعهم لمرجعية فكرية محددة، واختلافهم على كل شيء، وتالياً تقوّض ادراكاتهم لذاتهم وتفرّق دروبهم في صراعهم مع نظامهم وفي ما يخص اجتهاداتهم حول مستقبلهم، على رغم كل الأهوال التي أحاقت بهم، وما زالت.

طوال الأعوام الماضية، واجه السوريون اختبارات عدة، ربما كان أولها ما يتعلق بطبيعة الثورة، أو الطريق الأنسب للتخلص من النظام، وهو ما تم حسمه بتغليب الشكل العسكري على غيره من الأشكال الكفاحية، الشعبية او المدنية.

وبغض النظر عن اعتبار ذلك بمثابة رد فعل على انتهاج النظام لأقصى اشكال العنف ضد السوريين، وثورتهم، إلا أن هذا التحول لم يحدث بنتيجة تطور تدريجي في عمل الثورة، ولا بنتيجة وعي ذاتي، وإنما بدفع من أطراف خارجية. وبالمحصلة فإن هذا الأمر، بغض النظر عن ضرورته، من عدم ذلك، لم يلق اجماعاً من النشطاء الفاعلين في الثورة، أو محركيها في عامها الأول، كما اثر بطريقة سلبية على نظرة مختلف مكونات المجتمع السوري لها، سيما ان الأمر لم يتوقف فقط على العسكرة، وتركيز المواجهة ضد النظام، وإنما كانت له ارتدادات أخرى.

لا تتعلق المسألة هنا بالمفاضلة بين الثورة الشعبية السلمية والثورة المسلحة، لأن الثورة السلمية لا يمكن ان تنجح في سورية، أيضاً، لسبب بسيط مفاده ان النظام يعتبر البلد بمثابة مزرعة خاصة، فهذه بالنسبه له «سورية الأسد إلى الأبد»، ولا مكان فيها لمفهوم الشعب، ولا للسياسة، والطريق الوحيد المعتمد عنده لمواجهة الخروج على هذه المعادلة هو انتهاج اقصى العنف والقمع. وقد نتج من ذلك مصرع حوالى 500 شخص في الشهر الواحد، في الأشهر الثماني الأولى من الثورة السلمية، برصاص أجهزة الأمن والشبيحة. ومعلوم أن هذا العدد ارتفع بعدها الى 2000 ثم إلى 4000 شهرياً، مع استخدام النظام للقصف من المدفعية والطائرات، بحسب معطيات «مركز توثيق الانتهاكات في سورية» (www.vdc-sy.info).

اذاًً الأمر هنا يتعلق تحديداً بكيفية العمل في ظل غياب الشروط المناسبة للثورة، سلمية او مسلحة، وخلق الظروف التي تسمح بمراكمة تلك الشروط والامكانات والخبرات، للتحول المتدرج من مستوى معين إلى غيره. وعلى سبيل المثال، فإن الثورة التي لا تستطيع تنظيم عصيان مدني، أو فك علاقة مجتمعها بأجهزة النظام/الدولة لا يمكن لها التحول دفعة واحدة الى ثورة مسلحة.

الأهم من ذلك أن الدفع نحو الثورة المسلحة جرى بدفع خارجي، وبوعود سخية بالدعم، وهو ما لم يحصل، بل إن هذين، أي الدفع المبكّر والمتسرع، وغير المدروس، نحو العسكرة، ومحدودية الدعم المالي والتسليحي، أديا إلى تعميق ارتهان ثورة السوريين بالداعمين الخارجيين، وتالياً الاشتغال وفقا لأجندتهم السياسية، ما أضر بالثورة وبالمجتمع السوريين. طبعاً هذا الكلام لا علاقة له بالتشكيلات المسلحة التي انبثقت نتيجة الانشقاق من الجيش النظامي لرفضها الأوامر، ولا بجماعات الحماية المحلية في بعض قرى واحياء المدن، والتي فرضتها ردود الفعل، على عنف النظام، وانما يخص الجماعات التي جرى تفريخها بدعم خارجي، ووفق اجندة معينة لا تراعي إمكانات السوريين، ولا درجة تطور ثورتهم وخبراتهم.

وقد انبثق من المعطى السابق، أي التعويل على الثورة المسلحة، وتالياً على الدعم الخارجي، توهم إمكان استجلاب تدخل دولي وإقليمي في الشأن السوري، حتى أن ثمة يوماً أطلق عيه اسم «جمعة التدخل الخارجي». في هذا الإطار لا نقلل من الإشارات التي وجهتها بعض الدول، في إشاعة هكذا وهم، وقيام سفراء دول اجنبية بزيارة المتظاهرين في ساحات الاعتصام في حماة وحمص، وتصريحات رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية وقتها، والرئيس حالياً، بأن حلب خط أحمر، وانه لن يسمح بتكرار تجربة حماه. بيد أن كل ذلك لم يتحقق منه أي شيء، لا حظر جوي ولا إيجاد مناطق امنة، ولا دعم تسليحي مناسب، لوقف الغارات الجوية المدمرة على الأقل، وبالعكس فقد اعطي النظام فرصة لتدمير البيئات الشعبية الحاضنة للثورة، وتهجير ملايين السوريين. والفكرة هنا أن «الدول الصديقة»، اجنبية او عربية، لم تفعل شيئاً لوقف مأساة السوريين، وإنقاذهم، وان الطبقة السياسية المتحكمة بالثورة السورية ظلت على مراهناتها، ولم تراجع مسارها على ضوء هذا الخذلان الخارجي. ومن الواضح ان هكذا مراهنة ادخلت الثورة في حسابات ودفعتها إلى انتهاج استراتيجيات تفوق قدرتها على التحمل، وأكبر من امكاناتها، الأمر الذي اوقعها بمشكلات عديدة، دفع ثمنها السوريون باهظاً، من عمرانهم واستقرارهم ومن سلامة مسار ثورتهم، وهذا ينسحب حالياً على الاضطراب في الموقف من الضربات الجوية الموجهة ضد داعش.

ايضاً في الاختبار المتعلق بظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة، العنيفة والتكفيرية، بدا ان ثمة تضعضعاً في اجماعات السوريين، إذ هناك من اعتبر هذه الجماعات جزءا من معسكر اسقاط النظام، وثمة من رأى فيها، نبتا غريباً عن السوريين، وعن ثورتهم ومعتقداتهم، وأنها تشكل خطراً على سورية المستقبل والبيئات الشعبية الحاضنة للثورة، كما بينت ممارساتها في المناطق التي تسيطر عليها. في الغضون يبدو ان البعض نسي، في غمرة حماسه لإسقاط النظام، أن هذه الجماعات لا تعترف بالثورة، ولا تحسب نفسها عليها، ولا تقاتل النظام بسبب الاستبداد والفساد، وقضايا الحرية والديموقراطية، وانما لأسباب أخرى، ذات طبيعة دينية وطائفية.

وقصارى القول، يبدو أن ثورة السوريين باتت اليوم، في مظهرها الأغلب، خارج السياسة، وفي إطار الصراع الهوياتي والديني، وهو اكثر شيء يضر السوريين وثورتهم ومستقبلهم، وأكثر شيء يفيد النظام، وهو الأمر الذي يفترض بهم العمل على مواجهته وتصحيحه.

اقرأ المزيد
١٧ أكتوبر ٢٠١٤
جنبلاط يخترق التصنيفات الامريكية

كعادته يقوم رئيس حزب التقدمي الإشتراكي اللبناني وليد جنبلاط بإطلاق تصريحات خارج دائرة ما يسمى في الغرب «الصحيح قوله سياسيا» Political Correctness حيث تلتزم كل الأطراف بقول ما «يجب قوله» وخصوصاً حين يتعلّق الأمر بالمحرّمات السياسية العنصرية والدينية والإجتماعية.
ففي مقابلة تلفزيونية معه اعتبر جنبلاط أن «جبهة النصرة» ليست تنظيماً إرهابياً، وقال إن عناصرها هم مواطنون سوريون.
الزعيم الدرزي الشهير اخترق متعمداً التصنيفات الأمريكية والعالمية التي تقرّر مصائر وأقدار الأنظمة والجماعات فتدفع ببعضها إلى بوابة جهنم الإرهابية وتجعلها نهباً لمن انتهب، أو تخرجها إلى جنّة الكيانات السياسية المرضيّ عنها في العالم فترفل بأثواب الطمأنينة وينال زعماؤها، حتى لو كانوا مجرمي حرب كبار، جوائز السلام!
يحبّ وليد جنبلاط، من حين لآخر، أن يلاعب النظام العالمي المليء بالتناقضات والفجوات السوداء والأكاذيب الصارخة، وينبّه الناس بذلك إلى أن الإمبراطور الأمريكي الذي يحدّد من هو الإرهابي ومن هو المتمتع بالشرعيّة الدولية، ليس إلا امبراطوراً عارياً لكنّ العالم إما يتجاهل الأمر أو يدّعي أنه لا يراه.
لا يحتاج الوضع السوري إلى محلل عبقري ليمسك المرء بتناقضات أمريكا الفاضحة فيه، وخصوصا فيما يتعلق بتصنيفاتها للإرهابي وغير الإرهابي، فطيرانها الذي يجوب أجواء سوريا بترحيب من النظام السوري نفسه، وبتنسيق «موضوعيّ» معه، وهو النظام المسؤول عن مقتل مئات آلاف البشر ومآسي نزوح الملايين منهم، فإن الضغط الأمريكي انصبّ على تركيا لتقديم الدعم لحزب «الاتحاد الديمقراطي»، ذراع حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا، رغم أن حزب العمال المذكور هو أيضاً «إرهابي» حسب قوائم حلف الأطلسي وأوروبا وأمريكا.
وبما أن الحال كذلك، فالسؤال هو، ما دام تصنيف الإرهاب يمكن طيّه في شمال شرق سوريا مع حزب العمال الكردستاني، ويمكن طيّه في التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد، فماذا يمنع من سحب القياس المنطقي إلى «جبهة النصرة».
يقيم الفيلسوف الشهير سلافوي جيجيك مقارنة بين طفلة أمريكية قتل أبوها في أفغانستان تعلن امتنانها لتضحيته بنفسه لأجل بلاده، ثم يتخيل فتاة عربية مسلمة تردد أمام الكاميرا الكلمات نفسها حول أبيها المقاتل في طالبان (أو «النصرة» في الحالة التي ندرسها)، ويؤكد أن رد فعل الغربيين على ذلك سيكون أن الأصوليين الإسلاميين لا يتورعون عن التلاعب بعواطف الأطفال خاتماً استقراءه بالقول إن أكثر من مليوني أصولي يميني أمريكي يمارسون الإرهاب على طريقتهم معتبرين أن المسيحية (كما يفهمونها) تجعلهم يؤمنون أن كل ما يقومون به قانوني.
لكن الإشكالية الكبرى ليست في المقولة التي لخصها جورج بوش الإبن بالقول «من ليس معنا فهو ضدّنا»، ولا في انجرار الإعلام العالمي إلى الترداد الببغائي لما تقرره وتقوله أمريكا (وخلاصتها العنصرية: إسرائيل) حول من هو الإرهابي ومن هو «المقاتل من أجل الحرية» (كما قرّرت الآن مع الحالة الكرديّة في تجميد لاعتباراتها الرسمية أو في انتقائية تفسيرها لقرار مجلس الأمن حول «المقاتلين الأجانب»).
الإشكالية المؤلمة هي في اعتناق قطاعات واسعة من العرب والمسلمين للأفكار الأمريكية الرائجة عنهم، بحيث تكون الدولة التي تقتل 2100 فلسطيني بالمدافع والصواريخ والقذائف بلداً يدافع عن نفسه ضد إرهاب «حماس»، التي يصبح «التخابر» معها وليس مع العدو الإسرائيلي إجراماً يستدعي الإطاحة برئيس منتخب، ويغدو قتل أكثر من مئتي ألف سوري أمراً يمكن تناسيه ومصافحة القتلة، فيما أن ذبح شخص أمريكي أو أوروبي (وهي جريمة نكراء لا شكّ فيها) سبباً لتحشد الجيوش واستنفار أجهزة استخبارات العالم.
ولمن لا يعلم فإن أسئلة جنبلاط الساخرة من العالم ليست غائبة حقاً عن أذهان رجال السياسة الغربيين، الذين يعرفون أن الخالد في السياسة هو المصالح وليس المبادئ وأنها هي التي تقرر وليس قوانين البشرية التي لا تكفّ أمريكا عن تطويعها لمصالحها كلما أرادت ذلك، واسألوا سادة العراق عن «حصانة» الجندي الأمريكي، وعندها تعرفون لماذا صعد نجم أبو بكر البغدادي!
في الختام، وبغض النظر عن رأي السيد جنبلاط، لا بد أن نسجل ان من حق التنظيمات المعارضة استخدام كافة الوسائل لمواجهة الدكتاتورية، ولكن على هذه التنظيمات الابتعاد عن اسلوب الانظمة المستبدة ومراعاة حقوق الانسان وعدم اللجوء للخطف والنحر.

اقرأ المزيد
١٧ أكتوبر ٢٠١٤
من صنعاء الى كوباني… بعد بغداد ودمشق

أزمات الشرق تزداد تعقيدا لأسباب متنوعة، وتنذر بتحول المنطقة نحو المزيد من التوتر الداخلي والاحتراب العرقي والطائفي. كما ان حالة الاستقطاب السياسي تتوسع لتدخل المنطقة واحدة من اشد حقبها التاريخية سوادا. فما من بلد الا ويعاني من ازمات سياسية او امنية، وما من شعب الا ويشعر بالاحباط والتخوف مما يخبئه المستقبل.
في المقام الاول تزداد هوية ما يسمى «الدولة الاسلامية» غموضا، وما اذا كانت القيادات الداعشية المعلنة هي التي تحدد هويتها وسياساتها، ام ان هناك «تحالفا» غير معلن يخطط لمشروع سياسي ايديولوجي أوسع مما يمثله مشروع «الدولة الاسلامية» للوهلة الاولى. وحين تتخذ الدول الاقليمية الكبرى مواقف تتسم بالغموض الشديد، وحين توغل السياسة الغربية في الضبابية والاهداف، وعندما يتم تهميش الشعوب الى المستوى الحالي من غياب الارادة او القدرة على التأثير، فان الوضع يستدعي تفكيرا جادا لاستنطاق الواقع والسعي للتعرف على ملامح ما هو مقبل من الامور والتطورات. فمثلا عندما اعلنت الولايات المتحدة عزمها على استهداف «داعش» في سوريا والعراق، كان واضحا غياب التوافق الغربي على ذلك. فبريطانيا لم تنضم لامريكا الا بعد ايام من بدء العمليات العسكرية، وتركيا ما تزال مترددة في اتخاذ موقف واضح في التدخل المباشر لضرب «داعش»، بل تسعى لتوسيع اهداف التحالف ليشمل استهداف النظام السوري نفسه. اما دول الخليج بقيادة السعودية فقد شاركت بخجل بعد ان خشيت ردة فعل امريكية غاضبة بسبب الاعتقاد السائد بان تلك الدول تقف وراء تصاعد التطرف والارهاب متمثلا بظاهرة داعش. وبلغت أزمة الثقة ذروتها بعد ان اطلق ريتشارد بايدن، وزير الخارجية الامريكي، علنا انزعاجه من «دعم الحلفاء» لتنظيم الدولة الاسلامية وذكر السعودية والامارات وتركيا بالاسم. ولتحاشي المزيد من التوتر في العلاقات بين امريكا وهذه الدول بادر بايدن بـ «الاعتذار» عما قال، ولكن ذلك الاعتذار لم يلغ حقيقة ما ذكر، ولم يخفف من الشكوك العميقة المتبادلة بين واشنطن والعواصم الخليجية.
ساحتان ساخنتان ساهمتا في تلبد اجواء العلاقات بين امريكا والتحالف الخليجي – التركي: تطورات الوضع اليمني في جنوب الجزيرة العربية وتوسع نفوذ «الدولة الاسلامية» في شمال العراق وسوريا. وفي الحالين يمكن استحضار العامل المذهبي ليساعد على تحليل الوضع، ولكنه ليس العامل الحقيقي في ما يجري، بل يمثل غلاف الازمة وظاهرها.
اما الجوهر فتتفاعل فيه عوامل بعضها يرتبط بالاصرار على حماية الاستبداد والتخلف في العالمين العربي والاسلامي، وبعضها ذو صلة بالاحتلال الجاثم على صدور الامة اكثر من ستة عقود، والبعض الثالث لا ينفك عن الخشية من قيام نظام سياسي اسلامي يوفر للمسلمين بديلا للنظام الغربي الذي تعترضه صعوبات جمة. ولذلك تجتمع اطراف عديدة تجمعها هذه العوامل لتقود الحملات العسكرية والاعلامية غير المحدودة بهدف اشغال الشعوب وتهميشها وتصفير دورها في النهضة او البناء الحضاري المنشود. فمنذ بدايات الاسلام كان هناك تعددية فقهية وفكرية ضمن الاطار الاسلامي الجامع للامة، وقد استطاعت شعوبها التعايش ضمن هذا الاطار الجامع مع احتفاظ كل طرف بخصوصيته العرقية او المذهبية، بل الدينية احيانا. فقد عاش المسيحيون واليهود في كنف الدولة الاسلامية التي احترمت الجميع ووفرت الحماية له.
ويسطر التاريخ في اسفاره ان يهود اسبانيا فضلوا الرحيل مع المسلمين بعد سقوط الاندلس لينعموا بالامن الذي تمتعوا به في ظل الحكم الاسلامي. ولذلك فما هو مطروح اليوم ليس استعادة تلك الروح التي هيمنت على الاطار السياسي الاسلامي قرونا، بل التشبث بمسمى خاو من المضمون، يتبنى الاسلام ظاهرا ويمارس ما يناقضه في الواقع والتصور والاهداف. وبدلا من تطوير اداء المشروع الاسلامي بما يواكب التطورات الانسانية والاجتماعية في مضامير الحكم والادارة، تم الجمود على ما اسماه العالم الكبير، الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله «فقه البداوة» الذي جمد على النص وصادر العقل الذي يعتبر ضرورة في قضايا العقيدة والفقه الاجتهادي.
وخلال المائة عام الاخيرة تعايش الغربيون مع نمط الحكم المؤسس على فقه البداوة الذي يركز على قشور الدين والمظاهر الخارجية لاتباعه، وتجاهل جوهره المتمثل اولا بالتوحيد الخالص ونبذ الشرك الحقيقي (اي إشراك غير الله في الربوبية والحكم) وثانيا بالحرية التي منحها الله للانسان حتى في مجال اختيار العقيدة، واعمار الارض وقداسة النفس الانسانية التي كرمها الله، واقامة العدل الذي هو الهدف الاساس ي للرسالات السماوية، والشورى.
هذه القضايا التي تمثل جوهر الدين واضحة لدى رواد ما يسمى «الاسلام السياسي» الذي سخرت كافة الجهود الغربية ومن انظمة الحكم العربية لمواجهته واسقاط مشروعه. ولذلك استهدفت كافة التجارب المؤسسة وفق هذا المنهج، بينما لم يعترض الغربيون على انماط الحكم التي حصرت اهتمامها بالتركيز على المظاهر العامة من ارتداء الثوب القصير او اطلاق اللحى او بتر الاطراف او قطع الرقاب.
ولوحظ صمت الغربيين على ممارسات داعش في العراق وسوريا اكثر من عامين، ولم يتحركوا الا عندما تحدت الغربيين وقطعت رقاب خمسة منهم في الاسابيع الاخيرة. الصراع اذن له ابعاد اخرى يساهم الغربيون في رصدها ووضع السياسات المتلائمة معها، بعيدا عن الاعتبارات الانسانية او الاهتمام بترويج الديمقراطية وحقوق الانسان في الدول العربية والاسلامية. ولذلك يعتبر الفصل الحالي من الصراع أخطر كثيرا مما سبق. فالغرب يرى في توسع دائرة الالتزام الديني الموجه لاقامة منظومة سياسية – ثقافية تختلف في جوهرها عن ثقافة الغرب المادية بجفافها الروحي، امرا خطيرا واستهدافا لمشروعه التوسعي المدعوم باحدث اشكال السلاح وانواعه.
في خضم الانشغال بتطورات الوضع في العراق وسوريا يتركز الاهتمام على موازين القوى الميدانية، فتسقط هذه المدينة بايدي هذا الطرف او ذاك، ويتم التصفيق للطرف المنتصر من قبل مؤيديه. ولكن الصورة الاشمل يجب ان تتضح لدى من يهمه امر هذه الامة. فحين تنتشر ظاهرة العنف والتطرف الى الكثير من بلدان المسلمين فمن الضرورة بمكان استيعاب المشهد السياسي في جانبه الاستراتيجي للتعرف على القوى التي تسعى لاعادة تشكيل بلاد المسلمين بما يخدم مصالحها ويفتت الامة ويضعف شوكتها. وحين يستهدف بلد كبير كاليمن بالعنف الاعمى والتفجيرات الانتحارية هذا يعني ان قوى الثورة المضادة تسعى لاعادة ذلك البلد للمربع الاول من العنف وعدم الاستقرار وغياب الحرية واعداده للتدخلات الاجنبية. ومن المؤكد ان السعودية لا تريد على حدودها بلدانا كبرى كالعراق واليمن وهما تتمتعان بالحرية والاستقرار في ظل ممارسة ديمقراطية متطورة. كما انها لا تريد لمصر، البلد العربي الأكبر، امنا مؤسسا على الحرية والديمقراطية. المشكلة ان السعودية ليست وحدها التي تخطط ضد التغيير في العالم العربي، بل ان الغربيين انفسهم متورطون في ذلك. وما يجري اليوم في سوريا والعراق واليمن من تصعيد عسكري وامني يؤكد وجود تحفز من هذه الدول لتكريس الازمات وتصعيدها.
وما يضاعف الازمة ان هذه الامة باتت بدون رعاة او مفكرين او اصحاب قرار، وترك الحبل على الغارب لجيل ضائع من الشباب دفعه الحماس للالتحاق بقوافل الموت التي لن تتوقف حتى تأتي على الاخضر واليابس وتهلك الحرث والنسل، وهذا فساد لا يحبه الله ولا ترتضيه الانسانية. فلا بد من يقظة عاجلة لوقف هذا التداعي الديني والاخلاقي والسياسي، لان البديل سقوط مروع الى هاوية التمزق والقتل العبثي والقتل على الهوية والحروب التي يستعر اوارها من باكستان والعراق وسوريا الى الصومال ونيجيريا وشمال افريقيا. فهل هذا ما نريده؟

٭ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

اقرأ المزيد
١٦ أكتوبر ٢٠١٤
أخطر أيام الأسد

نعم هي أخطر أيام بشار الأسد، والأكيد أن مجرم دمشق لن يخرج هذه المرة من الأزمة بمثل الفرص التي كان سيخرج بها منذ اندلاع الثورة، والحسابات الآن ليس فيما سيخسره، أو يكسبه، بل فيما قد يخسره حلفاؤه الروس، والإيرانيون تحديدا.
ارتباك الأسد، وكذبه، لحظة الإعلان عن بدء انطلاق ضربات التحالف الدولي - العربي الجوية في سوريا، وإلى الآن، أمر واضح، فالأسد أراد أن يقول إنه حليف للمجتمع الدولي، وشريك في الحرب على الإرهاب، وذلك حفظا لماء الوجه أمام طائفته، خصوصا أن حزب الله يقاتل السوريين نيابة عنه، والجنرال الإيراني قاسم سليماني يشرف على أمن دمشق، بينما يتحرك المجتمع الدولي الآن لردع «داعش»، فما دور الأسد؟ وما الذي يفعله تحديدا؟ اليوم نحن أمام واقع ضربات جوية دولية - عربية مستمرة بسوريا وسط دعم دولي متزايد، والحديث الآن بات عن تدخل بري، وإمكانية إقامة مناطق آمنة، وها هو الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، المتردد بالانضمام للتحالف ضد «داعش»، يلمح إلى إمكانية مساهمة قواته في إنشاء منطقة آمنة بسوريا حال حصول اتفاق دولي، حيث يقول إردوغان إنه «لا يمكن القضاء على مثل هذه المنظمة الإرهابية بالغارات الجوية فقط. القوات البرية تلعب دورا تكميليا. يجب النظر للعملية كوحدة واحدة».
وهذه هي القناعة التي باتت تتشكل الآن، مع وضوح الصورة حول أن «داعش» هي الأسد، والعكس، ولا مجال للحلول في سوريا، أو القضاء على الإرهاب بوجود الأسد الذي لولا جرائمه وأفعاله لما ظهرت «داعش»، وغيرها، وهذا ما أرعب الأسد وجعله يستشعر الخطر الآن، ولذا ناقض إيران وحزب الله، وروسيا، فالأسد يدرك أن ما بعد الضربات الدولية مختلف تماما عما قبلها. ولذا تظهر الآن ورطة وليد المعلم الذي ناقض نفسه، وفي ثلاثة أيام، فبعد أن أعلن النظام الأسدي، كذبا، أنه تم إخطارهم بالضربات وأنه يوافق على محاربة الإرهاب، قال المعلم إن إخطارهم لا يعني الموافقة، ثم عاد بالأمس ليقول إن النظام الأسدي مع أي جهد لمحاربة الإرهاب!
ومن هنا، فإن ورطة الأسد حقيقية، وخصوصا بعد إقرار مجلس الأمن الدولي، وبالإجماع، قرارا تاريخيا تحت بند الفصل السابع، والذي يعني حق استخدام القوة، يقضي بحق التصدي للمقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب المجموعات الإرهابية بسوريا، ومن شأن هذا القرار، رقم 2178، أن يخول المجتمع الدولي، وتحديدا أميركا، حق التدخل بالأزمة السورية عسكريا، سواء بعهد أوباما، أو من يأتي بعده، أي أن الأبواب قد شرّعت، والقصة الآن قصة تفسير القرار الأممي، لا أكثر ولا أقل، خصوصا أنه لا اختلاف بين «داعش» وجبهة النصرة وحزب الله، وكافة الميليشيات الشيعية التي تقاتل دفاعا عن الأسد، فجميعها منظمات إرهابية، ولا علاقة لها بسوريا.
ولذا فإنها أخطر أيام الأسد.

اقرأ المزيد
١٦ أكتوبر ٢٠١٤
أميركا.. بين القدرة والإرادة في سوريا

أصبح التدخل الأميركي في سوريا أمرا واقعا بعد الغارات التي طالت تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الأراضي السورية كما يصرح المسؤولون الأميركيون. ولكن هل يتعلق الأمر بـ"داعش" فقط؟

معلوم أن الإدارة الأميركية تستفيد من التدخل في العراق لتغيير موازين القوى في "العملية السياسية"، بحيث تضعف التأثير الإيراني الذي هيمن بشكل كامل في سنوات حكم نوري المالكي، وهي بذلك "تحاصر" إيران في مرحلة التفاوض حول برنامجها النووي، وربما دورها الإقليمي، بحيث تستطيع عبر ذلك الوصول إلى تفاهم تسعى الولايات المتحدة إليه في ظل رؤيتها لوضع الخليج في المرحلة القادمة، ولموقع إيران في هذه الرؤية، وبالتالي حدود التوافق الممكن لدورها هناك.

وقد كان واضحا أن تدخلها لم يكن بهدف "تدمير داعش" بالضبط، ولا حماية الأكراد بعدما زحفت داعش للسيطرة على أربيل، فهذه كلها تكتيكات مفهومة لكي تتدخل.
"تستفيد الإدارة الأميركية من التدخل في العراق لتغيير موازين القوى بهدف إضعاف التأثير الإيراني الذي هيمن بشكل كامل في سنوات حكم المالكي، وهي بذلك "تحاصر" إيران في مرحلة التفاوض حول برنامجها النووي"
وإذا كان الأمر واضحا في العراق، فما المغزى من التدخل في سوريا، وماذا تريد أميركا بالضبط، خصوصا بعد أن أهملت الملف السوري طيلة السنوات التالية لاندلاع الثورة؟

كانت الإدارة الأميركية تعالج الوضع في تونس ومصر، وتدفع دول الخليج لمعالجة وضع اليمن والبحرين، وفرنسا لتولي ملف ليبيا، حين اندلعت الثورة في سوريا، وقد عمدت إلى الدفع لتحقيق تغيير سريع في تونس ومصر قبل أن تتجذر الثورة ولا يعود بالإمكان ضبطها والالتفاف عليها، وبدا لها أنها نجحت. لكن انفلات وضع الثورات بالشكل الذي ظهرت فيه في الأشهر الأولى، والذي أذهل العالم، جعلها تبدو "غير معنية" بما يجري في سوريا.

ورغم أن تصريحات أوباما حول الوضع السوري لم تشر في المراحل الأولى من الثورة إلى ضرورة رحيل بشار الأسد كما فعل في تونس ومصر، وأن دور الأميركي حينها بدا وكأنه يتمثل في لجم اندفاع فرنسا وتركيا إلى "فعل شيء"، وكان يعني ذلك التدخل العسكري. ورغم كل الكلام عن "المؤامرة الأميركية" كان الموقف الأميركي يبدو غير مبال على الإطلاق، فأميركا لن تتدخل عسكريا، ولن تدعم أيا من الأطراف، وهي تقدم كلاما عاما في تصريحاتها.

حينها كانت أميركا منخرطة في إعادة بناء رؤيتها بعد أن توصلت بعد سنتين من الأزمة المالية التي وقعت في سبتمبر/أيلول 2008، إلى أنه لا أمل في تجاوز الأزمة، ومن ثم يجب التكيف معها، والعمل على "إدارتها".

وقد توصلت إلى إستراتيجية أعلنها باراك أوباما في 6 يناير/كانون الثاني سنة 2012، تنطلق من نقل الأولوية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وبالتالي تقليص القدرات العسكرية وضبط إمكانيات التدخل، اعتمادا فقط على الطيران في منطقة "الشرق الأوسط"، وارتأت أيضا أن عليها إعادة موضعة تحالفاتها وتقليص مطامحها.

هذا المخاض الذي عاشته أميركا طيلة سنة 2011 جعلها تبدو غير مبالية بالوضع السوري، وحتى لمسارات التحول في تونس ومصر بعد أن ركنت لإستراتيجية وضعتها تهدف إلى إشراك الإسلاميين في السلطة، وتركت أمور اليمن وليبيا لـ"حلفائها".

بداية سنة 2012 أعلن باراك أوباما أن على روسيا أن ترعى مرحلة انتقالية في سوريا كما حدث في اليمن، وبعد الارتباك الروسي في التعامل مع الوضع السوري، توصل الطرفان ضمن مجموعة العمل الخاصة بسوريا إلى مبادئ جنيف1 في 30 يونيو/حزيران 2012.
"تظن أميركا أنها من خلال الغارات الجوية على "داعش"، ومحاولة فرض سيطرة قطاعات من "الجيش الحر" على مناطقها تستطيع أن تستميل طرفا في السلطة يقبل بـ"الحل السياسي""
ومع ذلك ظل الدور الأميركي "باردا" متكئا على الفيتو الروسي الصيني، في ظل الحديث حول خلاف في تفسير مبادئ جنيف فيما يتعلق بوضع بشار الأسد الذي بدا أنه حُسم في أبريل/نيسان 2013 لمصلحة أن تكون الهيئة الانتقالية التي يجب تشكيلها كاملة الصلاحية بما في ذلك صلاحيات الرئيس، وهذا ما حرك الدور الأميركي المباشر، حيث عملت أميركا على ترتيب وضع المعارضة بما يجعلها تقبل بمبادئ جنيف1 وبالرعاية الروسية، وكذلك الأمر بالنسبة للدول الإقليمية التي كانت لديها مطامح في سوريا.

هدد باراك أوباما بتوجيه ضربة عسكرية بعد استخدام السلطة لأسلحة كيميائية في 21 أغسطس/آب 2013 (رغم أنها لم تكن المرة الأولى). حُل الأمر بموافقة السلطة على تسليم أسلحتها الكيميائية، وبتضمين بيان مجلس الأمن الدعوة لعقد جنيف2 الذي عُقد في يناير/كانون الثاني 2014، دون أن يتوصل إلى نتائج، حيث ظهر واضحا أن السلطة لا توافق على مبادئ جنيف1 أصلا وأن روسيا لم ترتب وضع السلطة بما يجعلها قابلة بالحل المطروح، ومن ثم غرقت روسيا في أزمة أوكرانيا ولم تخرج منها بعد.

الآن -مستغلة وضع العراق- وجدنا أن أميركا تعود للتدخل في سوريا، ماذا تهدف من ذلك؟ هل يتعلق الأمر فعلا بداعش؟

أظن أن داعش هي "المشجب" كما في العراق، وأن الأمر يتعلق بوضع الدولة السورية، فبعد لا مبالاة طويلة بعد أن فشلت إدارة بوش في تغيير النظام بعد اغتيال رفيق الحريري، ومحاولة تطبيع بعد استلام أوباما الرئاسة، ثم دور "هامشي" كما أشرنا للتو، وتسليم بأحقية روسيا في سوريا، ها هي أميركا تستغل الفراغ الذي لم تستطع روسيا ملأه لكي تعمل على تغيير موازين القوى، ربما من خلال تحقيق التغيير في بنية السلطة (الأمر الذي فشل الروس في تحقيقه).

ربما تظن الإدارة الأميركية أنها من خلال الغارات الجوية على "داعش"، ومحاولة فرض سيطرة قطاعات من "الجيش الحر" على المناطق التي تحت سيطرة داعش، تستطيع أن تستميل طرفا في السلطة يقبل بـ "الحل السياسي" (ربما كذلك وفق مبادئ جنيف1). فالإدارة الأميركية لا تريد إنهاء الدولة، بل تعتقد بأنه يجب أن تبقى، لكن بدون بشار الأسد، ومن ثم يمكن أن يدمج "الجيش الحر" في بنيتها تحت عنوان "الحرب ضد داعش".

بطبيعة الحال سيعتمد تحقق هذا الأمر على مدى تأثير الضربات الجوية على بنية السلطة، ما دامت هذه الضربات لن تطال "جيش السلطة"، ولا حتى مطاراته التي تنطلق منها الطائرات التي ترمي البراميل المتفجرة، أو مدى مقدرة الإدارة على إقناع طرف في السلطة بضرورة التخلص من بشار الأسد وتسهيل أمر تحقيق مرحلة انتقالية.

في هذه الحالة تكون أميركا قد كسبت سوريا بعد أن فقدت الأمل بذلك منذ فشل محاولة التغيير (2005/ 2006) وبعد أن باتت في طريقها إلى "مغادرة الحلبة الشرق أوسطية" على ضوء أزمتها وتموضعها العالمي الجديد. لكن ما أهمية ذلك وسوريا باتت مدمرة؟ وخصوصا أن القدرة على التأثير المستمر على الوضع لن يكون متاحا لها نتيجة تراجع تأثيرها بفعل التموضع المشار إليه من قبل؟
"الآن تحاول أميركا استعادة موقعها في المنطقة بعد أن ظهر أنه يضعف نتيجة تركيزها على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لكنها لحظة لا تمتلك فيها القدرة على التدخل الفعلي نتيجة حصر مجهودها في تلك المنطقة"
لا شك في أن تغيير وضع النظام في دمشق بتأثير أميركي يعني "قلب المعادلة" في لبنان، ومن ثم محاصرة حزب الله، خصوصا بعد أن أرهق بأعداد القتلى، وتصاعد التوترات ضده، لكنه يعني كذلك تقليص وجود إيران وحصرها ضمن حدودها بعد أن تمددت إلى البحر المتوسط، ويصب ذلك في سياق السياسة ذاتها التي اتبعتها الإدارة الأميركية في العراق، وربما أيضا ترتيب الوضع مع الدولة الصهيونية، التي تعيش إرباكات تقلبات الوضع في المنطقة وفي الاقتصاد العالمي. لكن السؤال الأساسي هنا يتعلق بقدرة أميركا على ذلك دون استخدام قواتها البرية؟ أو هل سيقود بالتالي تدخلها إلى إطالة أمد الصراع في سوريا؟

ربما يعتمد ذلك على إمكانية خروج فئة من داخل السلطة لكي تكسر البنية التي خاضت الحرب ضد الشعب "إلى النهاية" كما صرح رامي مخلوف منذ بدء الثورة، وتقبل "الحل السياسي"، حيث ليس من الممكن تغيير السلطة دون أن يأتي من داخلها ما دام الأمر يتعلق بضربات جوية.

نحن الآن في لحظة محاولة أميركا استعادة موقعها في المنطقة بعد أن ظهر أنه يضعف نتيجة تركيزها على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لكن في لحظة لا تمتلك فيها القدرة على التدخل الفعلي نتيجة حصر مجهودها في تلك المنطقة التي باتت تحظى بالأولوية كما أشرنا، الأمر الذي منعها من تحريك قوات برية ليس بالإمكان كسب الحرب دونها.

ويبدو أنها تراهن أولا على وهن وضع المنطقة ذاتها، خاصة في سوريا والعراق وحتى إيران وحزب الله، ومن ثم يكون هذا المستوى من التدخل قادرا على تحقيق هدف سياسي "كبير"، كما أشرنا إلى ذلك من قبل. وثانيا على فشل الروس في ترتيب الوضع وتبيان ضعف مقدرتهم، ومن ثم غرقهم في "المستنقع الأوكراني"، في وضع ربما بات يظهر أنه في حاجة إلى حل.

وتبقى الولايات المتحدة الأميركية في بحثها عن حل جديد تائهة بين القدرة والإرادة، بين الحلول السياسية والخيارات العسكرية. فهل تتمكن أخيرا من تحقيق "الحل السياسي" الذي ما زالت تؤكد أنه الخيار في سوريا؟

اقرأ المزيد
١٦ أكتوبر ٢٠١٤
«داعش» وإيران يتحكّمان بحرب «التحالف» على الارهاب

عندما اجتمع قادة عسكريون من احدى وعشرين دولة، في قاعدة «اندروز» الجوية، لتقويم أداء «التحالف ضد داعش»، كانت المعطيات تفيد بأن عشرين منهم يعتقدون أن قائد «التحالف»، مضيفهم الاميركي، تأخر في تحديد نياته، ثم إنه لم يوضحها بعد. فالتنظيم الارهابي بدأ اجتياحاته في العاشر من حزيران (يونيو)، ولم يعلن باراك اوباما عزمه على «التحرك» إلا في العاشر من أيلول (سبتمبر). جميع هؤلاء القادة يدركون أن «داعش» فرض عليهم سباقاً لم يعترفوا به بعد، اذ أظهر ضباطه قدرات عسكرية تضاهي وحشيته وتفوقها. فقبل بدء الغارات الجوية تحركوا بسرعة قياسية فأنجزوا خلال ثلاثة شهور ما يستغرق إلغاؤه سنين. وفيما لا يزال «التحالف» يحاول بلورة أهدافه وبناء خطّته وقدراته، يمضي «داعش» في التمدّد جغرافياً فيضاعف الصعوبات أمام «التحالف» والإرباكات في صفوفه. اذاً، فالعدو هو الذي يقود الحرب ويتحكّم بالمسار.

بات الجنرالات يعرفون، بمن فيهم الاميركي، أن الضربات الجوية محدودة الفاعلية والنتائج، ومن شبه المؤكّد أنهم لا يعرفون جيداً ما هي حقيقة الوضع على الأرض في «دولة داعش»، بين العراق وسورية. قبل أقلّ من عام، كان أي هجوم من الجيش العراقي أو أي فصيل في المعارضة السورية يجبر التنظيم على الانكفاء. أما اليوم فلا أحد يريد مواجهته، حتى أن الاميركيين سجّلوا باندهاش أن محاولة عراقية للتقدّم في الأنبار «توقفت بعد كيلومتر واحد». اذاً، فالعدو مدرك أنه متفوّق في حرب برية، حتى أن أحداً لم يجرؤ على مساندة المقاومة الكردية في عين العرب (كوباني)، لكن الجميع يتبرّع يومياً بتوقعات عن سقوط وشيك للمدينة، التي قال جون كيري إن فك الحصار عنها ليس «هدفاً استراتيجياً» للحرب.

الحرب؟ لا يزال القادة العسكريون في «التحالف» يتساءلون هل إن دولهم مدعوة الى حرب؟ فهم لم يلمسوا من الجانب الاميركي أن هذا ما هم في صدده. هذا «تحرك عسكري» بالنسبة الى اوباما وليس حرباً، هدفه «إضعاف» التنظيم الارهابي «وفي النهاية القضاء عليه». لا يزال اوباما مصرّاً على أنه ليس «رجل حرب»، لكنه لدولة شغوفة بالحروب، وهناك أطنان من التقارير والمذكرات تبيّن له أن خذلان اميركا المجاهدين الأفغان ضد السوفيات استولد «القاعدة»، وأن «داعش» ثمرة غزو العراق واحتلاله، وربما تخبره حالياً أن «داعش» تلقّى تهديده بـ «إضعافه» كما سبق أن تلقّى بشار الأسد دعوته اليه لـ «التنحّي»، اذ فهم هذا وذاك أنه يستطيع البقاء لكن مع بعض المتاعب، فثمة وظيفة لوجودهما وبقائهما. ومنذ اللحظة الأولى كان مفهوماً أن الحاجة ماسّة الى قوات على الأرض، فالمعارك البريّة هي التي ستحسم. لكن «داعش»، الذي استوعب تجربة «القاعدة» واستفاد منها الى أقصى حدّ، كان أكثر درايةً بهشاشات كثيرة يتستّر عليها الجميع، فالجيشان العراقي والسوري لا يحتاجان الى اعادة تأهيل فحسب، بل انهما مكشوفان كجيشين فئويين وبالتالي غير مؤهلين موضوعياً لخوض حرب لا يراد لها أن تتحوّل فصلاً رئيساً في صراع سنّي - شيعي سعت ايران وتسعى لاستدراج «التحالف» الدولي اليه.

لدى «التحالف» مشكلتان يمكن اعتبارهما «عضويتين» أو «بنيويتين». فحتى اللحظة، ووفقاً للمقاربة الاوبامية، لا يزال تحالفاً من أجل «اللاحرب». المشكلة الأولى اسمها «اميركا»، فلا حرب من دون قيادة اميركية، لكن العلّة تكمن في هذه القيادة المكروهة وغير الموثوق بها من طرفي الصراع المباشرين ومجتمعاتهما. أما المشكلة الاخرى فنجدها في أن الحرب تبدو كأنها مصمّمة لتُخاض بنهج واحد لا غير، ولذا تشعر واشنطن بأن هناك من استدرجها وقيّدها في آن، اذ لا تزال جوانب كثيرة غامضة في وقائع الانهيار المفاجئ والسريع للجيش العراقي قبيل سقوط الموصل، وفي ظروف اصدار الأوامر للانسحاب من دون قتال، وفي مسارعة حكومة نوري المالكي وهي في ذروة التعبئة الشيعية الى طلب تدخل الولايات المتحدة (لا الأمم المتحدة) تفعيلاً للاتفاق الأمني والاستراتيجي بين البلدين (2008)، وكذلك في مبادرة ايران الى إبداء رغبتها في مؤازرة اميركا وعندما عرضت الأخيرة شروطها للتنسيق والتعاون تراجعت الأولى مفضّلة مسار «التفاهمات» غير العلنية (اطاحة المالكي، مساعدة الأكراد، تمرير ايران شروطها عبر حيدر العبادي...) لكنها واظبت على القول بلسان الرئيس حسن روحاني وغيره أن اميركا لن تستطيع محاربة الارهاب «من دون ايران».

وعلى رغم أن واشنطن أبدت استعداداً مؤكداً للمساعدة، فإنها ظلت تمانع التورّط، وعندئذ جاء ذبح الصحافيين الاميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف بمثابة محاصرة أخيرة لأوباما، لكنه طلب تحالفاً واسعاً وحافظ على أحد أبرز الشروط، وهو استمالة المجتمع السنّي والحصول على تأييده. بديهي أن في ذلك «فيتو» مبطناً على مشاركة قوات ايرانية أو قوات الاسد أو «جيش المالكي»، لذا وضعت ايران «فيتو» غير معلن على أي تدخل تركي أو عربي. في المقابل، حصلت طهران ودمشق على تعهّد اميركي بعدّم تعرّض الضربات الجوية لقوات الاسد. وعندما ردّت أنقرة بربط مشاركتها في «التحالف» بشرطين هما «اقامة منطقة عازلة» و «اسقاط نظام الاسد»، اتخذ الـ «فيتو» الايراني لهجة شديدة وواكبته تصريحات حكومية من دمشق وأخرى من حيدر العبادي في ما اعتبر أول تجاهل من جانبه لأعضاء سنّة في حكومته لا يعارضون دوراً تركياً، ما يعني ثباتاً على «نهج المالكي» أظهره العبادي أيضاً في استغرابه «اعتذار» نائب الرئيس الاميركي من تركيا والسعودية والإمارات بشأن اتهامه لها بدعم الارهاب.

وهكذا أجرى الاقليم خلطاً لأوراق «التحالف»، على وقع الغزو «الداعشي» لعين العرب (كوباني)، وعلى نحو يفضي الى مزيد من التردّد في دائرة صنع القرار الاميركي. هنا تقدّمت طهران لتبديد الشكوك في واشنطن، عبر تصريحات لحسين أمير عبداللهيان بأن اطاحة نظام الاسد و «محور المقاومة» «عبر الارهابيين» (ومن يدعمهم) ستنعكس «عواقب وخيمة» على «أمن اسرائيل». تلك رسالة واضحة تلقاها الاميركيون وتعاملوا مع الهجوم على عين العرب كحدث جانبي طارئ، علماً أن العالم نظر اليه كرمز للعجز الدولي ومؤشر الى هزيمة أولى لـ «تحالف» ليس مفكّكاً ومرتبكاً فحسب، بل أخفق حتى في إثبات ادعاءاته، إذ أخفق في دعم الموقع الوحيد الذي وفّر فيه السكان الأكراد قوة مقاتلة على الأرض. كان اللوم الاميركي لتركيا (على عدم مساعدتها الأكراد) ليكون مبرّراً لو أن أنقرة أعلنت مواقف طارئة ومفاجئة، لكن خلاف الطرفين على «المنطقة العازلة» و «إسقاط الأسد» يعود الى بدايات الأزمة في 2011، وقد تفاقم بعدما أيقنت تركيا أن الاميركيين ليسوا مهتمّين بالتداعيات السورية عليها (النازحون والاكراد، مع تكاثر الأعداء على حدودها)، وأنهم يميلون الى مقاربة روسيا - ايران - اسرائيل لمعالجة الأزمة بالإبقاء على الأسد ونظامه. لا شك في أن تخبّط تركيا لم يساعدها في تغيير الموقف الاميركي، بل أظهر تفضيلها تمكين «داعش» من احتلال عين العرب على دعم الأكراد في دفاعهم عن المدينة.

أحدثت تصريحات جو بايدن عن تورّط «حلفاء اميركا» في دعم «داعش» لغطاً، وكان يمكن اتهاماته أن تكتسب صدقية لو أنه ومسؤولي ادارته تبنوا السياسات الصحيحة وفي الوقت الصحيح حيال العراق وسورية. ذاك أن اعتراف اوباما بالخطأ في تقدير خطورة «داعش» ينطوي على أخطاء في إهمال المعارضين للأسد والمالكي. هذه الأخطاء تتضاعف لأن الاميركيين مرّروا تورّط ايران وأتباعها («حزب الله» والميليشيات العراقية وجماعة الحوثي) في تخريب سورية والعراق واليمن، فضلاً عن تدخلها في البحرين وفلسطين، بل سكتوا عنه عمداً كما لو أنه في سياق مقبول. ثم إن واشنطن لم تكشف يوماً ولو جزءاً يسيراً مما تعرفه عن علاقة ايران بـ «القاعدة» أو علاقة النظام السوري بما أصبح «داعش» و «جبهة النُصرة». لذلك تحصد اميركا التشكيك من «الحلفاء»، ولا سيما تركيا، تحديداً لأنها ذاهبة الى حرب يتشارك طرفان في توجيهها: «داعش» وايران.

اقرأ المزيد
١٥ أكتوبر ٢٠١٤
تل أبيب و نيات طهران الحسنة!!!

نبهت طهران على لسان نائب وزير خارجيتها للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان، واشنطن من أن إسقاط نظام بشار الأسد، ليس من مصلحة الولايات المتحدة أو إسرائيل، مما يعد بادرة حسن نيات منها تجاه تل أبيب، حيث أصبحت طهران وفقا لكلام مسؤوليها حريصة على أمن إسرائيل، التي تتخوف من الفوضى على حدودها الشمالية مع سوريا «الجولان المحتل» بحال حصول انهيار مفاجئ في صفوف قوات الأسد، يؤدي إلى تضعضع في هيكليات النظام وما تبقى من مؤسساته، يصعب من بعده ملء الفراغ السياسي والأمني الذي يحاول الجميع تحاشيه.
قلق طهران الجدي على ما يبدو في هذه المرحلة على مستقبل النظام في دمشق، نابع من تناقض التصريحات الأميركية في الحرب على «داعش»، فقد حذر عبد اللهيان في تصريحه، من أن تأخذ حرب واشنطن وحلفائها الأوروبيين والإقليميين على «داعش» بعدا آخر، يساعد قوات المعارضة على الاقتراب أكثر من دمشق، أو إعادة التوازن العسكري مع النظام، في الأماكن التي سوف ينحسر فيها وجود تنظيم «داعش» تحت ضربات التحالف الجوية لصالح مقاتلي الجيش السوري الحر.
هذا ما دفع طهران إلى لفت نظر تل أبيب، بأن أي انعكاس سلبي للعمليات العسكرية ضد «داعش» على قوات الأسد، سيتحول إلى كابوس أمني على حدودها، في إشارة واضحة وصريحة، بأن خلايا المقاتلين المتشددين «داعش» و«القاعدة» الموجودين جنوب سوريا، سوف يصبحون على تماس مباشر معها، بحال اضطرت قوات الأسد إلى الانسحاب من هذه المناطق جراء تقدم قوات المعارضة، لتصبح إسرائيل في مواجهة مفتوحة مع «التنظيمات الجهادية السنية» التي يصعب ضبطها.
منذ اندلاع الثورة السورية لا تخفي تل أبيب خشيتها من أن تتبنى بعض فصائل المعارضة العسكرية (المتشددة أو المعتدلة) الموجودة على حدودها مع الجولان المحتل، العمل المقاوم من أجل استعادته، وفقا للنموذج اللبناني، وهي التي حظيت بحدود هادئة طوال حكم آل الأسد، أي منذ توقيع اتفاقية الهدنة سنة 1974
وهذا ما سيعطي هذه الفصائل شرعية وطنية ويؤمن لها حاضنة شعبية عربية وإسلامية «سنية» تتمكن من خلال شعارات المقاومة والتحرير من دغدغة مشاعر الشعوب العربية، باعتبار أن فلسطين هي قضيتهم المركزية، التي انقلب التراجع الرسمي العربي في دعمها، لصالح طهران خلال الثلاثين سنة الماضية، وجرت محاولات لاستعادتها في حرب غزة الأخيرة، حيث تطابق الموقف العربي على المستويين الشعبي والرسمي، على أولوية دعم الصمود الفلسطيني في غزة وحماية مقاومتها.
كان باستطاعة عبد اللهيان أن يبقي نية بلاده مهادنة واشنطن وتل أبيب طي الكتمان، إلا أن الإعلان عن هذه النية، هو بمثابة تبليغ علني وصريح لحلفائه في المنطقة، أن مصالح طهران هي الثابت، وأن المواقف مهما كانت مبدئية واستراتيجية وعقائدية، تخضع للمتحولات السياسية، التي لا تراعي المحرمات في سبيل الحفاظ على المكتسبات

اقرأ المزيد
١٥ أكتوبر ٢٠١٤
أزمة الحكومات السنية بعد «داعش»

نحن أمام وضع واضح إلى حد ما، من حيث العدو والصديق في الحرب على «داعش»، لكن قد تتغير الأوضاع لاحقا. فرئيس وزراء العراق الجديد، حيدر عبادي، يقول إن الخليج والسعودية أدركوا أن دعمهم للمتطرفين سيهدد أمنهم، لهذا بدلوا استراتيجيتهم! والسعوديون يؤكدون أن «داعش» ولدت في حضن النظام السوري. والإيرانيون يعترفون في العلن أن بعض قيادات «القاعدة» لا يزالون في ضيافتهم في داخل إيران. وتركيا، معروف أنها البوابة الواسعة لكل آلاف المقاتلين، المحترمين والإرهابيين معا، الذين تسللوا إلى سوريا. والجميع يتفق على أن تردد الحكومة الأميركية في التدخل لسنوات تسبب في تحول القط إلى وحش إرهابي يهدد العالم كله. والأميركيون، أنفسهم، يعترفون اليوم أنهم أساءوا التقدير، ويعترفون أن حكومة العراق السابقة تحت إدارة المالكي بسياستها الانتقامية الطائفية أدت إلى ولادة جيش «داعش» العراق المخيف.
رغم الاختلافات وصعوبة التعامل مع جماعات إرهابية، فإنه يوجد أمل بكبح الخطر. فالتحالف القائم وعاء سياسي وقانوني وعسكري يمكن تطويره لإيجاد حلول للأسباب الجذرية، بوقف التنافس السياسي الإقليمي وكبح الصراع الطائفي والتخلص من المسببات مثل النظام السوري. من دون ذلك يمكن أن تتغير المواقف وينقسم التحالف، ويتسع الصراع، وتتورط الأطراف في حروب إقليمية تستخدم فيها الجماعات الإرهابية من قبل الجميع.
الآن كل يلوم الآخر، وهناك ما يكفي من توزيع اللوم على الجميع، كل مسؤول بدرجة ما عن النتيجة السيئة التي وصلنا إليها اليوم في العراق وسوريا، ولن يستطيع أي طرف مهما كبرت مدافعه، أو بعدت حدوده عن منطقة الأزمة، أن ينجو من الخطر الآتي ما لم يعترف بحقيقة التهديد، ويعتبر نفسه شريكا في الحرب. إنما عندما تريد إيران الإبقاء على نظام الأسد، فإن هذا سيعني التخلص من إرهابيي السنة والإبقاء على إرهابيي إيران. أمر مرفوض تماما. سيؤدي فقط إلى تكبير قدرات «داعش»، لأن جرائم النظام السوري، الذي قتل ربع مليون من مواطنيه، وقاتلت إلى جانب الأسد التنظيمات الشيعية، ستفشل التحالف وجهوده العسكرية، وستزيد الكراهية في أنحاء العالم الإسلامي، وستعمل كجاذب للمزيد من المقاتلين، والدعم.
وعلينا أن نفهم البعد الديني في الأزمة، الانحياز فقط ضد «داعش» سيحرج الحكومات السنية مع مواطنيها. من دون إقصاء نظام الأسد، وعدم تصحيح الوضع الطائفي في العراق، سيرفع من وتيرة الصراع بين السنة والشيعة، على مستوى الحكومات والتنظيمات والأفراد. وهذا التنافس سيعزز من مكانة المتطرفين ويجعلهم المحرك الأساسي ومركز الاهتمام، وسيضعف سلطة الحكومات السنية التي ستجد نفسها متورطة في لعبة الاستقطاب، ومضطرة إلى الانحياز، إما مع إيران وإما مع «داعش». فهل سيستطيع العالم تحمل مثل هذا المشهد الواسع من الفوضى نتيجة التحالف العسكري ضد «داعش» الإرهابي السني، ويخرج منه الأسد وإرهابيو الشيعة منتصرين؟
السؤال الاستنتاجي: أليس ما نشهده اليوم -أصلا- حربا طائفية؟
جزئيا، بلى. لكن هناك الفصل الثاني من الأزمة لم يبدأ بعد، فالمنطقة ليست بعد منقسمة، لأن دول الخليج تحارب الجماعات السنية الإرهابية منذ ظهور «القاعدة» منذ عقد ونصف، ولا تزال في الصف الأول في ملاحقة هذه الجماعات، لأنها تعرف أن «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام» تستهدف السعودية ودول الخليج ومصر وبقية الأنظمة السنية، أكثر من استهدافها للأنظمة الشيعية، لكن لن تستطيع هذه الدول المحافظة على موقفها في حال اتضح لاحقا وجود تكتل طائفي مدعوم من دول خارجية، أي أن إيران والدول الغربية مع نظام الأسد والحكومة العراقية والميليشيات الشيعية المتطرفة تعمل في جبهة واحدة. هنا لن تستطيع الدول الإقليمية مثل السعودية والخليج ومصر وتركيا البقاء في معسكرها الحالي.

اقرأ المزيد
١٥ أكتوبر ٢٠١٤
ماذا قال بشار الأسد لهمام حوت.. وكيف احتفل الإعلام السوري بالجميلات الكرديات

الجميع تغزّل بالصور الفاتنة للمقاتلات الكرديات، وهي تتالى مترافقة مع المعارك المشتعلة في كوباني – عين عرب. لكن أغرب الغزل جاء على بعض شاشات إعلام النظام السوري، خصوصاً ذلك التقرير على قناة «سما» وريثة قناة «الدنيا» تحت عنوان «الجميلات هن الجميلات – بنات عين العرب».
وفي وقت أصرّ التقرير على تسمية المدينة باسمها العربي «عين العرب» من دون اسمها الكردي، لم يتوقف عن الحديث عن «مقاتلات كرديات»، و»حماية كردية تأسست عام 2012»، كما بدا معجباً ببسالة الجميلات الكرديات وهن يحاربن إرهاب «داعش»، «في سبيل حماية المدينة»، و»حفاظاً على أرضهن وكرامتهن».
الغريب في الغزل السوري الرسمي، شأنه شأن الممانعين عموماً من مثقفين وفنانين ومحللين، من بينهم كثر لم يتداولوا مرة صورة حتى للاجئة سورية على رصيف أو في ظل خيمة، الغريب هو أنه يبيح قتال الكرديات في وجه أسباب لم يكن النظام السوري بعيداً عنها يوماً. حينها كان حمل السلاح أمراً نافراً، حيث يبدو أن من حق «الدولة» و«جيش الوطن» أن يفعلا بمواطنيهما ما لا يحق للغريب. لا حصار المدن، ولا إطلاق النار فوراً على صدور المتظاهرين، ولا تعذيب المعتقلين وتقطيع أوصالهم في السجون، أو تركهم يموتون جوعاً، لا الإغتصاب ولا التنكيل والتهجير كان يستحق أي نوع من العنف المقابل، ولا أي نوع!ّ

الصور للجميلات، فمن للضحايا؟

صور المقاتلات الكرديات كانت جزءاً من حملة إعلامية ناجحة بارعة أدارتها الأحزاب الكردية المتمرسة في العمل الحزبي والسياسي والتعبوي لسنوات طويلة. لم تكن صوراً عفوية، وليس من الواضح أنها التقطت في ساحة المعركة. هي صور حُضّرت بعناية، في الصفوف الخلفية وفي ساحات ومعسكرات التدريب، وهذا ما يفسر اللقطات الجميلة، لفتيات جميلات لم يعلوهن شقاء الحرب وغبارها.
لا شك أن الصور أيقظت أحلام الشباب الرومانسية، المخيلة التي يغريها حضور المرأة الجميلة إلى جانب الرجل في كل مكان، في الحرب خصوصاً.
من بين الملصقات الكثيرة للمقاومة الفلسطينية واحدٌ شاع بكثرة وملأ حيطان المخيمات والمعسكرات لمقاتل ومقاتلة بلباس الفدائيين يداً بيد، وسلاحاً بسلاح. هنالك أيضاً صور الشهيدة دلال المغربي مع مجموعة من الشبان الذين شاركتهم العملية الفدائية الشهيرة في فلسطين كانت من أشهر الصور وأكثرها رسوخاً في الذاكرة. وقد كانت صوراً محضّرة قبل بدء العملية. جاءت بعدها صور كثيرة لسناء محيدلي، وسواها من المقاتلات الجميلات.
إن أردنا معرفة الفارق في مهارة التوظيف لنتذكر الصور الأولى التي أطلقها النظام السوري لنساء «تطوعن» في وحدات الحماية الشعبية. كانت صوراً مشفقة، حزينة، لنساء بأكتاف محنية، وعيون تائهة. كنّ أقرب إلى رهائن منهن إلى مقاتلات. لكن تقرير قناة روسية حاول تبديل الصورة عندما أظهر مقاتلات النظام كجميلات يعملن قناصات محترفات على خطوط التماس.
هو استخدام أقرب إلى توظيف المرأة في الإعلانات التجارية، مع حنكة حزبية متمرسة استطاعت أن تخلط تلك الصور مع بعض الأساطير غير المؤكدة، من قبيل أن تلك المرأة الجميلة في الصورة قد انتحرت بطلقة قبل وصول يد «الداعشيين» إليها. حكاية أقرب إلى انتحار الشاعر اللبناني خليل حاوي أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982 مختصراً القول «بيدي لا بأيديهم». حكاية المرأة المنتحرة ليست مستبعدة بالطبع، ولكنها كانت مشوشة بعض الشيء، حيث قُدمت روايات مختلفة.
لا يُنقِص ذلك طبعاً من نضال ومن جمال النساء الكرديات، ولكن ماذا عن السوريات الأخريات اللواتي لم يتسنّ لهن ترتيب أنفسهن قبل انقضاض البرميل المتفجر، أو صاروخ السكود، فركضن بثياب البيت، بوجوه مدماة، وأجساد مبعثرة، وعيون صارخة؟ ماذا عن السوريات اللواتي لم يتح لهن الوقوف بوضعية ما أمام المصور من أجل لقطة محسوبة «تكسّر الدنيا»؟
هو نوع آخر من التزوير، هل يحتاج العالم إلى صورة جميلة ليلتفت إلى مأساة ملايين السوريين؟ ألا يفكّر الإعلام بمعايير أخرى للجمال؟ وأيهما أجمل؛ صورة محسوبة بعناية في الاستوديو، بعدسة مصور لا يزيح البايب من فمه، أم صورة مهتزة عثر عليها في موبايل ناشط استشهد بطلقة قناص أثناء التقاط الصورة؟

«أوديب» لاهثاً خلف الأضواء

شهادة الكوميديان السوري المعارض همام حوت في برنامج «تغيّرنا» على قناة «الأورينت» لافتة ومهمة، توثق لنموذج مكرر من العلاقة بين الفنانين والمثقفين السوريين مع المسؤولين الاستخباراتيين النافذين. حوت كان ممثلاً مسرحياً مغموراً بالكاد تعرفه مدينته، وصاحب فرقة مسرح تجاريّ كوميدي، لا يلوي على اسم يذكر قبل زيارة بشار الأسد المفاجئة لمسرحه في حلب، لتنفتح أمامه أبواب الشهرة والمال، وليصبح مسرحه النوع الفني الأمثل لزيارات المسؤولين وعائلاتهم.
في البرنامج يروي سيرة ذلك الاحتفاء الرئاسي، والمخابراتي المفاجئ، ويعترف أنه سوّق لبشار الأسد بقوة، ومن الواضح أنه كان يعي ما الدور المطلوب منه، لماذا الاحتفاء، ومقابل ماذا؟
لا يتردد همام حوت في الاعتراف بلهاثه هو أيضاً وركضه وراء أعطيات رئاسية، السيارة التي أعطيت له (قال له بشار الأسد اذهب إلى إياد غزال ليعطك سيارة)، ثم كيف استقوى بالمخابرات للحصول على موافقة عرضه المسرحي «ضد الحكومة» الذي لم يتمكن من الحصول على موافقة للعرض من وزارة الثقافة.
اللافت أن حوت، وهو يتحدث اليوم من موقع المعارض، لا يبدي في حديثه أي نوع من الندم، بالعكس، يبدو مغتبطاً بالأعطيات التي وهبت إليه، كأنه كان يستحقها دون سواه. صوته وانطلاقته، وإشارات جسده كانت طوال الوقت تتحدث بلغة انتصارية لا بلغة اعترافات، ولا بلغة الندم.
في واحدة من رواياته استعاد الروائي التشيكي المعروف ميلان كونديرا حكاية «أوديب» في الأسطورة الإغريقية، كيف أنه حين اكتشف حقيقته وهويته المرعبة (قتل أباه وتزوج أمه) فقأ عينيه وتاه ما تبقى من عمره في مصير معتم.
يستعيد كونديرا حكاية أوديب ليقول لشيوعيي بلاده الذين سكتوا على احتلال السوفيات لبلادهم دهراً ثم أعلن بعضهم أنه كان على خطأ: هكذا فقط، من دون أن يترتب على القول شيء آخر؟!
لن يعلّق السوريون اليوم المشانق لأحد، لكن لا بأس بقليل من الخجل، قليل من التواضع، تريدون أن تتخلوا عن الطاغية، وتحتفظون في الوقت عينه بالمجد الذي أعطاكم إياه!

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٤
سوريا: هل بدأت مرحلة البحث عن بدائل لـ بشار لأسد؟

ثمة خيوط بدأت تتجمع في المشهد الإقليمي، تؤشر إلى ملامح مقاربة جديدة بشأن الوضع السوري، يجري فحصها واختبارها في المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، وتتزامن مع التحضيرات الجارية للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في الجبهتين العراقية والسورية.

وتقوم هذه المقاربة -حسب مؤشرات عدة- على ترحيل الحل العراقي الذي قضى بمغادرة نوري المالكي للحكم، إلى الواقع السوري وتطبيقه عبر مغادرة رأس النظام بشار الأسد، والإبقاء على مؤسسات الدولة، ثم استتباع ذلك بإجراءات دستورية وهيكلية مؤسساتية لتتوافق مع الواقع السوري الجديد.

لقد كان لافتا الرفض الغربي لعرض النظام بالمساعدة في الحرب المتوقعة على تنظيم داعش، حيث جاء ردا قاطعا ولم يترك الباب مواربا أمام أي احتمال لدمج نظام الأسد في منظومة التعاون الإقليمية والدولية التي يجري تأسيسها للحرب، رغم أن النظام سعى إلى ترويج نفسه على أنه الطرف الأفضل في تقديم الخدمات اللوجستية التي يحتاجها الغرب في هذه اللحظة، من هيكلية لقواته بحيث يمكنها الانخراط بشكل منظم في أي مجهود دولي في هذا المجال والاندماج السوري في إطار جبهة التحالف، إلى امتلاكه للإحداثيات اللازمة التي قد تشكل بنك الأهداف المحتمل للاستهداف.

فضلا عن زعمه امتلاكه معلومات كاملة عن العناصر الأجنبية التي تنضوي في صفوف التنظيم، ولا شك أن تلك الخدمات -في الحسابات العملياتية- تشكل كنزا مهما لأي طرف يريد الحرب.

وقد راهن نظام الأسد على امتلاكه تلك المعطيات من أجل لي ذراع الغرب وإجباره على القبول بضمه إلى التحالف المنوي تأسيسه، وقد سبقت ذلك حملة إعلامية قامت بها شركات علاقاته العامة في أوروبا وأميركا بضرورة التنسيق مع نظام الأسد بوصفه أهون الشرور، غير أن كل ذلك لم ينفع في التأثير على الموقف الغربي الذي جاء صادما وقاطعا برفض التعاون مع نظام الأسد، لماذا؟

ركزت المواقف الغربية على الجانب الأخلاقي من القضية، والتي تعتبر أن نظام الأسد فاقد للشرعية وتسبب بجرائم كثيرة بحق شعبه، غير أن الوقائع تقول إن مواقف الغرب يمكن تفسيرها بشكل أكثر دقة عبر النظر لها من زوايا نفعية عملياتية بالدرجة الأولى، ذلك لأنه صار واضحا أن بقاء الأسد والتعامل معه سيزيد من حدة الإشكالية ويساهم برفع منسوب الاستقطاب حول داعش التي لن يستطيع أحد تفكيكها وتدميرها أكثر من تعاون البيئة السنية في سوريا والعراق، في حين أن التعاون مع الأسد وإعادة تعويمه من شأنها أن تعيد إنتاج الإشكالية.

من جهة ثانية، تعرف الدول الغربية جيدا أن نظام الأسد بات على درجة من الضعف بحيث لا يفيد أي تعاون معه، فعدا عن كونه لم يعد قادرا على السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا وصار يتراجع بدرجة ملحوظة، فإنه يخسر ركائز قوته التي تمثلت بالبيئة الحاضنة والخزان البشري جراء تذمر طائفته من سياساته وتراجع ثقتهم به، حيث أطلق ناشطون من الطائفة العلوية حملة “صرخة وطن” في قلب المناطق العلوية، ويقول شعارها الأساسي إن الأسد يحتفظ بمنصبه وأولادنا يذهبون إلى أكفانهم.. “لك القصر ولنا القبر”. كما بدأ يفقد ثقة الطوائف الأخرى من مسيحيين ودروز، والتي باتت تعبر بوضوح عن المخاطر التي جلبها نظام الأسد على كل السوريين.

تشكل هذه الحيثيات رافعة للموقف الغربي باتجاه حلفاء نظام الأسد الإقليميين والدوليين، ولعل ما يقوي من أوراق الغرب في هذا المجال توافق كل الأطراف الدولية على الخطر الذي تشكله داعش على السلم العالمي، والذي تجلى بالقرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن رقم 2170، ولجوء العالم كله لواشنطن من أجل المساعدة على القضاء على تنظيم داعش.

والواضح أن واشنطن لن تنجز مثل هذه المهمة بدون الحصول على أثمان سياسية في المنطقة، وقد بدأت بالفعل بطرح أوراق ضغط جديدة موجهة في الغالب لحلفاء نظام دمشق، فقد كان لافتا أن تقرير لجنة التحقيق المكلفة من مجلس حقوق الإنسان بمتابعة الوضع في سوريا ركّز على أن نظام الأسد وداعش يمارسان جرائم ضد الإنسانية، وهذه رسالة لا بد أن حلفاء النظام قد وصلتهم، فليست جرائم داعش وحدها يعاقب عليها القانون الدولي.

من جهة ثانية وفي نفس السياق، بدأت واشنطن بالتصريح أنها تحتاج لبيئة عملياتية جيدة من أجل ضمان نجاح مهمتها، وأحد العناصر المهمة في هذه البيئة تسوية الوضع في سوريا على الطريقة التي أعلنت عنها واشنطن منذ أكثر من سنتين، والتي تقوم على إزاحة رأس النظام والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتشكيل حكومة من النظام والمعارضة.

وتعتبر واشنطن أن هذه البيئة يمكن العمل من خلالها في سوريا، حيث تحاجج واشنطن بعدم امتلاكها موارد استخباراتية وشبكات على الأرض تساعدها في إنجاز مهماتها، وهو عمل لا يمكن إنجازه إلا من خلال معارضي الأسد الذين لديهم تواجد فعلي في المناطق التي تحتلها داعش ولا يملك النظام مثل تلك الميزة.

هذا يعني أن أميركا بدأت تطرح موضوع الأسد بشكل جدي في إطار التفاوض وهي تطلب مشروع رؤية أو برنامج سياسي ليتبناه التحالف الدولي عنوانه سوريا ما بعد الأسد، وما يتعلق بهذا العنوان من قضايا المصالحة وإعادة الإعمار وعودة النازحين، واللافت أن ثمة ترتيبات موازية حصلت بالتزامن مع هذه التطورات، حيث شهدت أوسلو اجتماعا سريا تضمّن معارضين وموالين للنظام ورعته حكومة النرويج، فيما كانت تعقد بالتوازي دورات في برلين وواشنطن لكوادر سورية عن كيفية إدارة الدولة.

وكشفت بعض التقارير بدء تسجيل شركات أوروبية وأميركية وخليجية لإعادة الإعمار في سوريا، حتى أن هناك من سرّب أن زيارة وفد الكونغرس الأميركي الأخيرة إلى بيروت، برئاسة السيناتور الجمهوري داريل عيسى، قد بحثت في وضع رؤية لمستقبل الاستثمار في سوريا.

على الصعيد الإقليمي ثمة مؤشرات على تحرك عربي قد يتوج بإعلان مبادرة عربية لتسوية الأزمة السورية، وفق تسريبات لصحيفة الشروق المصرية، التي تحدثت عن تكوين تكتل إقليمي ودولي لمواجهة داعش، على أن يسبق ذلك خروج بشار الأسد من السلطة، ومن المقرر أن تمرر المبادرة إلى الجامعة العربية كخطوة أولى لإقناع المجتمع الدولي بها.

ماذا عن حلفاء الأسد؟، تشير الأنباء إلى تبلّغ إيران بهذه التحركات، وخاصة العربية منها، لذا فهي تسابق الزمن من أجل طرح مشروع مضاد يقوم على فكرة مرحلة انتقالية برئاسة الأسد، حتى أن هناك من ربط زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض بهذا الحراك.

والغريب أن إيران في هذه الأثناء أوقفت مساعداتها المالية لنظام الأسد حسب قناة “سما”، فيما تؤكد بعض المعلومات الواردة من جبهة القلمون أن حزب الله يخفف من تواجده في تلك المناطق، وهو ما يجري تفسيره في إطار حالة الاستنزاف التي وصلتها إيران في الساحة السورية، وأن تحركها الدبلوماسي الحالي في الملف السوري إنما يهدف لتحسين شروطها التفاوضية لعل ذلك يمنحها ثمنا مقبولا برأس الأسد، لكن مشكلتها أن لا عروض عليه ولا أحد يتقدم لإنجاز صفقة معها بخصوصه، ربما لهذا السبب تعمل على التصعيد في ساحات أخرى، مما دفع بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، للتأكيد على أن طهران باتت تقايض صنعاء بدمشق.

أما روسيا، فمن الواضح أنها غارقة في الملف الأوكراني الذي بات يستنزف طاقاتها الدبلوماسية والسياسية، ولعل هذا ما بات يفسر غيابها الملحوظ عن الملف السوري بعد أن كانت حاضرة في كل تفاصيل النشاطات الدولية الخاصة به، حتى أن وزير خارجيتها سيرغي لافروف كاد أن يتحول إلى متحدث يومي في الشأن السوري.

كما أنها باتت تشعر بالخطر من المتطرفين الإسلاميين في ظل التأكيد على وجود أعداد كبيرة من الشيشانيين والقوقازيين في صفوف المقاتلين في سوريا، ولا شك أن موسكو كانت تدرك أن القرار الأممي الذي أدان داعش وشرع الحرب ضدها ينطوي على إمكانية استخدامه على نظام الأسد، فهل تكون موسكو تجرعت السم عن وعي وإدراك.

لكن ما هو أهم من كل ذلك، أن حلفاء الأسد، الدوليين والإقليميين، باتوا على قناعة تامة أن حليفهم لم تعد تنفع معه حقن المساعدات، إذ بالأمس، وفي مؤتمر جنيف وعندما قدروا أن نظام الأسد يمكنه الاستمرار، أصر حلفاؤه على عدم الضغط عليه لإنجاح الحل السياسي، بل ذهبوا إلى إقناعه بتصليب مواقفه إلى أبعد درجة، وهو ما ساهم يومها بوأد أي إمكانية للحل السياسي.

كل المعطيات تشير إلى أن النظام في دمشق فقد شبكة الأمان التي كانت تضمن عدم سقوطه بركائزها المحلية والإقليمية والدولية، وقد ساهمت داعش بدرجة كبيرة في هذا الأمر، رغم وجود مؤشرات كثيرة على استفادته من أخطائها ومساهمته في توفير مناخات مناسبة لعملها، ونتيجة ذلك أصبح يقف على أرض رجراجة يتوقع أن تطيح به في كل لحظة، وربما ذلك العنصر الأهم الذي أسس لفكرة البحث عن بديل آخر.

غازي دحمان: كاتب سوري - الجزيرة

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان