مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٤ أكتوبر ٢٠١٤
عين العرب , كوباني .. بحر من الرمال المتحركة !


سنتكلم هنا عن السياسة وعن الواقع وليس عن الأمنيات .


طالعنا منذ يومين الرئيس التركي أوردوغان عن اقتراحه للجانب الأميركي بالسماح لإدخال 200 مقاتل من أكراد العراق مع سلاحهم الثقيل إلى عين العرب , كوباني.


ولكن ! هل هذا الكلام كان كل الإقتراح ! أم هناك بنود أخرى لم يأتي الرئيس التركي على ذكرها !؟


الأتراك يعلمون تماما أن قيام كيان كردي في جنوب تركيا سيكون سكينا في خاصرتها , كلما أرادت أمريكا أن تزعج تركيا لأي سبب من الأسباب فإن هذا السكين سيقوم بما يتوجب عليه حسب تعليمات الأميركان " نتكلم هنا في الواقع وعن طريقة تفكير الأتراك وكيف ينظرون إلى قيام الكيان الكوردي " .


واستجابة للضغوط وتهدئة للأكراد الأتراك اضطر إلى الإعلان عن السماح بمرور الـ 200 مقاتل كوردي مع أسلحتهم عبر الأراضي التركية .


ولأن أوردوغان وتركيا لن يسمحوا بقيام الكيان الكوردي " طبعا مع ماتحمله مسألة دخول مقاتلين أكراد من أكراد كوردستان العراق إلى  عين العرب , كوباني من تواصل بين أكراد العراق وسوريا ومناطق الجنوب التركي ذي الأغلبية الكوردية " .


ليلة الأمس خرج علينا العقيد " عبد الجبار العكيدي " معلنا عن خطط لإرسال 1300 مقاتل من الجيش الحر , وطالب بدعم هؤلاء المقاتلين من قبل الدول الغربية .


بكل تأكيد العقيد العكيدي لايمكنه القيام بهكذا تصريح بدون الإتفاق مع الجانب التركي , خصوصا وأنهم سيدخلون عين العرب , كوباني عبر الأراض التركية .


وعلى الأغلب أن يكون الطرف التركي هو من اقترح هذا الإقتراح على العقيد العكيدي والجيش الحر .


وبهذا تكون تركيا قد منعت الأكراد من الإستفراد بعين العرب , كوباني , وأخرجت هذه السكين من خاصرتها , و  "ربما " أمنت دعما عسكريا للجيش الحر ببعض الأسلحة النوعية .


في السياسة لايوجد شيئ نهائي ولاشيئ مؤكد , فهي رمال متحركة .

اقرأ المزيد
٢٤ أكتوبر ٢٠١٤
أميركا وداعش والممانعة.. العقل الأحادي في مواجهة واقع معقد

منذ بدء الثورة السورية، ظهر أن منظور اليسار أضيق من أن يفهم ما يجري، حيث تاه في الفارق بين ما كان يجري التوهم بأنه تموضع النظام السوري عالمياً وحراك الطبقات، التي أخذت تتململ ومن ثم تحاول التغيير، بمعنى أنه فشل في الإجابة على سؤال: هل إن التكوين الاقتصادي الذي تشكّل يسمح بأن يكون النظام في موقع معاداة الإمبريالية الأميركية، أو أنه انخرط في "العولمة" عبر تطبيق السياسات، التي يفرضها عادةً صندوق النقد الدولي، ومن ثم إن الخلاف مع أميركا خصوصاً هو نتاج اختلاف سياسات، وليس نتيجة تناقض مصالح؟ هذا التكوين الاقتصادي هو الذي كان يؤسس لتفاقم الأزمة المجتمعية، وتراكم الاحتقان، ومن ثم أفضى إلى الثورة، حيث فرضت الفئة الحاكمة تعميم اللبرلة، وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي، حتى من دون تفاهم رسمي معه.

عدم الفهم هذا أسَّس لموقف داعم للنظام، انطلاقاً من "الممانعة" التي يبديها تجاه "المخططات الإمبريالية". وبالتالي، كان "المبدأ" الذي يحكم هذا اليسار هو اعتبار الإمبريالية الأميركية العدو الرئيسي، ومن ثم دعم كل من يقف في تعارضٍ، أو تناقضٍ، معها. لكن، لم يصمد هذا المنطق أمام تزايد التعقيد في الواقع السوري، وبات يقود إلى عكس ما بدأ منه. فهذه "البساطة" (أو لنقل السطحية) في التحليل لا تصمد أمام تعقيدات الواقع دائماً.

كانت كل القوى، التي تقف مع النظام السوري ضد الثورة، والتي أسست رؤيتها على "معاداة الإمبريالية"، مع تنظيم القاعدة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول سنة 2001، ومع النظام العراقي، ضد الإمبريالية، التي زحفت من أجل احتلال أفغانستان والعراق. وكانت ضد الدور الإيراني في العراق منذ الاحتلال، واتهمتها بأنها عملت عبر ميليشياتها على تدمير العراق، وفرض سيطرة طائفية على السلطة، التي أنشأها الاحتلال الأميركي.

ولقد دعمت تلك القوى الثورات في تونس ومصر واليمن والبحرين، لأنها ضد نظم تابعة للإمبريالية الأميركية، ومن المنظور نفسه، وقفت مع النظام السوري كونها تصنفه "ممانعة" و"مقاومة". وبالتالي، باتت الثورة "مؤامرة إمبريالية" (أميركية)، تنفّذها مجموعات إرهابية أصولية، بدعم سعودي قطري. وكان الحديث يجري عن "الجهاديين" الذين أسسوا تشكيلاتٍ، بعد عام من الثورة، ومنهم جبهة "النصرة"، التي هي فرع للقاعدة، ثم "داعش" التي باتت بديلاً للقاعدة. بمعنى أن الصراع في سورية بالنسبة إليهم بات بين نظام "وطني" و"ممانع" و"الجهاديين" مدعومين من أميركا والسعودية وقطر. هنا، انقلب الموقف من "الجهاديين"، الذين كان يطبّل لهم، حين كانوا "يقاتلون" أميركا (كما كان يجري توهم أنهم يقاتلونها). باتوا العدو، الذي يريد إسقاط نظام "ممانع"، و"يدعم المقاومة"، لكن، هذه المرة، انطلاقاً من أنهم أدوات أميركية. بالتالي، لم يعودوا ضد أميركا، كما جرى التنظير سابقاً، بل أداة بيدها.
"
الموقف الذي تريده السلطة، أصلاً، سيربك (اليسار الممانع) الذي يكسر كل منطقه، الذي كرره طوال سنوات ثلاث عن (المؤامرة الإمبريالية)، وكون (النصرة) و(داعش) أداة المؤامرة
"

الآن، أميركا تحشد ضد "داعش" و"النصرة"، وتؤلف تحالفاً دولياً من أجل هزيمتهما، ولقد بدأت الحرب ضدها، في العراق أولاً، والآن في سورية. بالتالي، يبدو أن "الرابط" الذي جرت الإشارة إليه بين أميركا وداعش لم يعد قائماً، وتقدمت أميركا للحرب ضد داعش، ولقد بدأتها. ما هو الموقف الممكن لكل داعمي النظام السوري، الذين طبلوا لقتال النظام ضد المجموعات الإرهابية، خصوصاً "النصرة" و"داعش"؟ النظام طلب التحالف، فبالنسبة إليه ليست أميركا العدو، لا الرئيسي ولا الثانوي، بل لقد اختلف معها نتيجة "تطاولها"، بالدعوة إلى تغيير شكل السيطرة على السلطة، بالدعوة لحكم "الأغلبية" (بمعناها الديني). وها هو يهلل للحرب "المشتركة" بين القوات الأميركية و"الجيش العربي السوري" ضد الإرهاب.

الفكرة الجوهرية، التي قامت عليها سياسات تلك القوى، أن الإمبريالية الأميركية هي العدو الرئيسي، وهذا ما جعلها تدعم "الجهاديين" سابقاً. الآن، بعد أن أصبح هؤلاء "الجهاديون" العدو ضد نظام "وطني" و"ممانع"، كيف يمكن أن يستوعب العقل الأحادي الأمر. يقوم هذا العقل على مبدأ إما/ أو، مع/ ضد. الآن يتقاتل "ضدان"، أين سيكون موقفها؟ العودة إلى تأييد "الجهاديين"، أو تغيير كلية الفهم بالتخلي عن أن الإمبريالية الأميركية هي العدو الرئيسي؟ في كلا الحالين، سينهار كل المنطق، الذي تأسست المواقف عليه، لأنه يفرض أن يكونوا مع أميركا أو مع "داعش". أن يتخلوا عن أن داعش هي "صنيعة" أميركا، ومن ثم يجري كسر "الممانعة" بالتحالف مع أميركا، أو أن يظلوا متمسكين بـ "الممانعة"، ويكشفوا "تحالفهم" مع "داعش". ميل السلطة هو نحو أميركا، لأن كل خوفها يتمحور حول الخشية من "ضربة أميركية"، كما كان منذ بدء الثورة، ولأنها لعبت بـ"داعش"، من أجل الوصول إلى ذلك. لكن هذا الموقف الذي تريده السلطة، أصلاً، سيربك "اليسار الممانع"، الذي يكسر كل منطقه، الذي كرره طوال سنوات ثلاث عن "المؤامرة الإمبريالية"، وكون "النصرة" و"داعش" أداة المؤامرة.

رسم هؤلاء معادلة بسيطة، تنطلق من: إمبريالية (أميركا)/ ضد إمبريالية، وكان الضد هو السلطة السورية. لهذا، جرى اعتبار ما يجري مؤامرة، وباتت "داعش" (وهي التجسيد العملي لخطاب السلطة، الذي أطلقته منذ اللحظة الأولى) امتداداً لهذه الإمبريالية. لهذا، بات الصراع هو: السلطة/ "داعش" (طبعاً و"النصرة")، ومن ثم باتت الإمبريالية ضد "داعش". يفرض هذا الأمر كسر أحد الخطين هذين، الأول: أميركا/ السلطة، والثاني "داعش"/ السلطة. كما سنرى، انقلبت الأولوية في التحديد من الإمبريالية إلى السلطة، وبات الاختيار بين الإمبريالية أو "داعش".
"
السلطة تتخلى عن ممانعتها بالدعوة إلى تحالف ضد الإرهاب مع الإمبريالية، فهذا هو الخيار المنقذ لها
"

في كلا الحالين، سيظهر أن كل الخطاب، الذي كرره هذا اليسار (وكل خطاب السلطة كذلك)، كخطاب كاذب، لأن المؤامرة كانت تحققها المركب: الإمبريالية/ "داعش". السلطة تتخلى عن ممانعتها بالدعوة إلى تحالف ضد الإرهاب مع الإمبريالية، فهذا هو الخيار المنقذ لها. لكن، ما هو خيار "اليسار الممانع"؟ الوقوف على الحياد؟ وهذا يسقط المنطق، الذي أقاموا كل تصوراتهم عليه، والذي يفرض أن تكون مع طرف ضد الآخر. أو أن يقفوا ضد الطرفين؟ أيضاً، هذا يسقط منطقهم، الذي حرّم على الآخرين اتخاذ موقف ضد "داعش" و"النصرة" وأميركا. وأصلاً، كان يمكن لهم أن يتخذوا هذا الموقف منذ البدء، بحيث لا يكونون إما مع السلطة أو مع الثورة، من خلال رؤية الصراع الطبقي الواقعي وتعقيدات التناقضات العالمية. اللحظة، الآن، تعلن انهيار كل المنظور، الذي أسس هؤلاء مواقفهم عليه، وتوضح كم كانت الشكلية والسطحية مسيطرة، بحيث وضعوا العالم في "معسكرين"، لا غير، وأسسوا كل الصراعات على أساسهما، ليظهر، الآن، تهافت هذا المنظور، وخطل كل تلك المواقف، بحيث باتوا مجبرين عل اتخاذ موقف دمّر أساس منظورهم. ولهذا، وجدنا كيف ينشق "المعسكر" الذي بنوه في الخيال، بين روسيا وإيران وحزب الله، الرافضين التدخل الإمبريالي الأميركي (مثل الإخوان المسلمين السوريين بالضبط)، والسلطة السورية، التي رحبت بـالحرب "المشتركة" ضد الإرهاب. أين سيقفون؟ متاهة تكشف عن هزل التحليل، وانحراف المنطق، وأيضاً غياب الأخلاق.

الأزمة هي في العقل الأحادي نفسه، الذي هو التعبير عن سيادة المنطق الصوري، المغرق في السطحية. والذي يبسط الأمور إلى ثنائيات متعادية، فيتوه حين تتشابك الصراعات، وتتعدد التناقضات. ولأن الواقع متعدد التناقضات، بالضرورة، يلون إلى النهاية. إذن، هنا، سيندثر هذا اليسار "الممانع"، لأنه سقط في الوحل. ثنائيته وسطحيته قادتاه إلى ذلك. لكن، سنسجل أنه لعب دوراً تشويهياً كبيراً، ودافع عن سلطة مافياوية مجرمة، وبرّر لها كل القتل والتدمير، الذي مارسته، وكل الوحشية، التي ظهرت فيها. هذا هو السقوط الأخلاقي الذي لا يمكن غفرانه.

اقرأ المزيد
٢٤ أكتوبر ٢٠١٤
"دواعش" الكُرد وقُرّة عين الغرب

1- "دواعش" الكُرد:
يجولون، أفراداً وجماعات، بين سيارات البث الفضائي على الحدود التركية السورية، قبالة مدينة عين العرب "كوباني" وعيونهم تقدح شرراً، ثم ما أن يقف أي مراسل تلفزيوني، أمام الكاميرا، استعداداً لنقل أخبار المعركة المحتدمة هناك، حتى يتحلقوا حوله، ويصوروه، ويسجلوا أقواله، بأجهزتهم الهاتفية، ليترجمها لهم، أحد ما، لاحقاً، ويعودوا، ليحاسبوه على أي كلمة لم تعجبهم، بالاعتداء اللفظي غالباً، والجسدي أحياناً.
هم أكراد غاضبون، بفعل المعركة التي يخوضها بنو جلدتهم مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ويتصرفون بردة فعل متطرفة، نحو العرب، والمسلمين عموماً، ويظنون أن "التشبيح" و"البلطجة" يصلحان أسلوباً لتوجيه وسائل الإعلام.
في حمأة الغضب، ينسى "الشبيحة" الكرد، أو يتناسون، أن "داعش" ليس حزباً قومياً عربياً، كي يعتدوا على العرب انتقاماً منه، ويتجاهلون، أنه يقتل كل من يختلف معه، بلا اعتبار للانتماء القومي، أو الديني، وأن في صفوفه، مقاتلين كرداً، أحدهم، يقود معركة عين العرب، ويقف خلفه مئات المسلحين القادمين من شتى أصقاع الأرض.
الردة الشوفينية الكردية هذه، تنعكس، أيضاً، على مواقع التواصل الاجتماعي، في شبكة الإنترنت، بصراخ هستيري، يتنصل من الإسلام، ويستحضر أساطير الكرد الأولين؛ "نحن أبناء الشمس والنار".
تُرى؛ بماذا كان سيختلف، هؤلاء، عن "الدواعش"، لو أتيحت لهم قوة كقوتها؟ إنهم، يمارسون الإرهاب الأعمى ضد أناس يؤيدون قضيتهم. محامون فاشلون لقضية عادلة، كنت أقول، كلما رأيتهم يتهجمون على الصحافيين، أو قرأت ما يكتبون، وفي ظني، أن ما يحدث مجرد سلوكيات فردية، تسيء لكفاح الكرد القومي التاريخي، من أجل حقهم في تقرير المصير، على أرض وطنهم.
لكن، الأمر أبعد وأخطر، على ما اتضح لي من قرائن أخرى، بينها تجربة تهديد شخصي تعرضت له، واضطرني إلى مغادرة عين العرب؛ فهؤلاء، وباختصار، ينتمون إلى أحزاب كرديةٍ بات قادتها يتصرفون، وفق منطق ميكافيلي، يتناقض مع مبرر وجودها، كقوى ثورية تحررية، وما عادوا يتحرّجون من التنسيق والتعاون الأمني مع نظام بشار الأسد، وبيعه خدمات تضر بالثورة السورية، بينما يتعاون بعض رفاقهم مع إسرائيل نفسها.

2- فتش في عين الغرب:
ما زال تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" يخطف أضواء العالم، أو لعلها هي التي تخطفه، حتى ليبدو كأنه العنوان الوحيد للإرهاب، في هذه المنطقة من العالم، وكأن القوى الأخرى المتصارعة، كلها، حمائم، لا تفعل سوى الغناء للسلام.
نظام بشار الأسد، وحزب الله، وجماعة الحوثي، وكتائب أبو الفضل العباس، وسواهم، يفعلون يومياً مثل الذي يفعل "داعش"، وأكثر. يجتاحون المدن، ويقتلون، ويعذبون الناس.  لكن، من دون أن يفاخروا بقطع الرؤوس، أمام الكاميرات، فلا يكترث المجتمع الدولي بجرائمهم الوحشية، ولا يُجيش الجيوش، للحرب عليهم، بل إن الولايات المتحدة الأميركية، ودول أوروبا الغربية، تؤازر، أحياناً، بعض هؤلاء، وأمثالهم، ضد آخرين، وفق ما يتسق مع مصالحها، وطبعاً تحت شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان.
خذ مثلاً، ومرة أخرى، هذا الذي يحدث، الآن، في عين العرب "كوباني"، وكيف أن التحالف الدولي يكرس قوته، لنصرة قوى كردية، كان الغرب يصنّفها، ولا يزال، في قوائم الإرهاب. طائراته تقصف مواقع "داعش"، وتدحر مقاتليه، عن وسط المدينة، ثم تغيب، فيتقدمون من جديد. وبين الكر والفر، تعود لتلقي بالأسلحة، والذخائر، إلى المقاتلين الكرد، من الجو، فيحدث أن تسقط صناديق المساعدات، بالخطأ، بين أيدي مقاتلي "داعش"!
هل قالوا بالخطأ؟ ومن يدري، إن كانت الحقيقة كذلك فعلاً، أو أن المراد إطالة أمد المعركة المستمرة منذ ثمانية وثلاثين يوماً، إلى أن تنجر تركيا إليها، وتتورط في ما يهدد استقرارها. فتش في عين الغرب، قلت على شاشة "الجزيرة"، وأقول، الآن، إن شئت أن ترى، من تكون قرتها التي يجب أن تظل وحدها، آمنة مستقرة، بينما يتفتت كل جوارها، ويقتتل.
 

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٤
ثورة جياع تقترب في سورية

ثورة الجياع غير ثورة الكرامة. هذه حقيقة يجب الالتفات إليها. قبل نحو أربع سنوات، انتفض الشعب السوري لكرامته، قبل كل شيء، كانت الشعارات التي رفعتها حشود المتظاهرين تنادي للحرية. هل ننسى شعار: الله سورية، حرية وبس؟ وكان الرد الباكر من النظام على لسان المتحدثة باسم الرئاسة، بثينة شعبان، أن أعلنت عن زيادة في الرواتب، زيادة تافهة، قياساً بمستوى الرواتب والأجور، وحتى بنسبتها إليها. لم يكن الشعب قد خرج إلى الشوارع، من أجل لقمة العيش، فعلى الرغم من القلة وتدني المستوى المعيشي لغالبية الشعب السوري، لم يكن الفقر في سورية يحمل أنياباً، لم يكن يعضّ، لكنه كان يؤجج مشاعر الهوان، ويزيد في إضرام نيران الإحساس بالظلم وهدر الكرامة، عندما كان المواطن يرى ويلمس كل يوم ازدياد البون بينه وبين شريحة من الأثرياء، يزداد ثراؤها ويزداد فجورها في الوقت نفسه، فرأس المال الذي نما بسرعة قياسية، وتبرعم مثل فطور فوق مستنقعات من الفساد، كان وثيق الصلة بالسلطة، وكان يعرف كيف يعقد التحالفات مع أركان النظام. رؤوس أموال تتكدس على حساب كرامة الشعب، قبل لقمته.

لكن، الوضع تغير الآن. الآن، ليست سورية تلك التي كانت قبل سنوات أربع. سورية نفسها يعضها الجوع، تنهشها أنياب الفاقة، تقطّع أوصالها سيوف الجحود والكفر، تحرق زيتونها براميل غبية، تشعل غلالها صواريخ حاقدة. سورية لم يعد أمام أبنائها خيار سوى الالتحاق بفيالق الحرب، من يبايع داعش، ومن يلتحق بكتائب النظام، يهددهما، ويهدّهما الجوع وانسداد الأفق.

سورية تجوع بمن بقي فيها ينتظر موته، ومن غادرها إلى مخيمات الحاجة والإذلال. قبل أربع سنوات، كان مرتب الموظف الحكومي من الدرجة الأولى، يعني في أعلى سلم الرواتب والأجور، بعد ثلاثين سنة من الخدمة بين 800 وألف دولار. صار، اليوم، يعادل 250 دولاراً تقريباً، هذا بعد 30 عاماً من الكدّ والتعب والجهد. صار الرغيف هو ما يسد الرمق، وغلا ثمنه. الزيتون والزيت والسمن والسكر والأرز والقمح والحبوب والبقول والشاي، هذه المواد عناصر المؤونة المنزلية ومفردات العيش للمواطن السوري العادي، صارت تكوي مرتين، مرة بالمغامرة بشرائها، ومرة بالحلم المستحيل بها. الأرض السورية الخيّرة استبيحت، فلم تعد تنبت فيها الحياة إلاّ بمقدار، الخضر والفواكه جميعها جُنّت دفعة واحدة، حياة عاقر يعيشها المواطن السوري، وفوق هذا، يقع بين أيدي تجار الحروب والأزمات، حتى السلل الغذائية التي توزع على النازحين تباع في السوق السوداء.

سورية الخيّرة التي كان الناس يشترون فيها الخضر والفواكه الموسمية من سوق الخضر بالصناديق، صار بائعوها، اليوم، يستخدمون الموازين الرقمية التي تقارب دقتها موازين الذهب، وصار المواطن يحسب كم لقمةً، يمكنه أن يقدم لكل ولد من أولاده من هذه المادة، أو تلك، ويحسب ثمنها، ثم يطلب من البائع أن يكيل بالمال وليس بالوزن. أعطني بـ 200 ليرة بامية. فكيلو البامية الخضراء في موسمها بخمسمائة.
"
ثورة الجياع شيء آخر غير الثورات الأخرى، قد تبدو ثوراتنا، بكل ما حصدت، مترفة تجاه ثورة جوع
"

لم يكن منظر النباشين غريباً فيما مضى. لكن، الغريب أنهم ينبشون، اليوم، ليأكلوا بينما كانوا يجمعون الخردوات فيما مضى. بلى، في سورية رأيت أطفالاً وكباراً ينبشون في الحاويات، ويستخرجون أشياء يضعونها بلهفة في أفواههم ويلتهمون. في سورية، يسرح الشحاذون في الشوارع من كل الفئات العمرية، يطلبون ثمن رغيف، الطفل يقول لك: أنا جوعان، أعطيني حق سندويشة. هذه هي سورية المدمرة الجائعة التي تكالبت عليها كل القوى الطامعة، ودفعت بزبانية الموت إليها. سورية المستباحة التي اشتغل عليها الإعلام، الموجه على مدى أربع سنوات، ليفتت المجتمع، ويؤجج الضغينة والثأرية والغرائز، تجوع بينما العالم بأنظمة قوته يتحالف لمحاربة بدعة وحشيةٍ، صنعوها ودججوها بعقائد الموت، وموّلوها من موارد لا تنضب، ويتحالفون ليدفعوا المليارات في حربهم الخلبية، بينما الشعب يجوع.

إذا لم يبق مجتمع على ماذا تراهنون؟ من سيبني دولة ومؤسسات؟ من سيحمي مفهوم الوطن والمواطنة؟

واربتم الحقيقة، وكنتم أكثر الناس اطلاعا عليها، أشحتم بوجوهكم عن الفئة المارقة التي تسللت، باكراً، إلى صفوف الشعب، حتى استفحلت واستفشرت، وصارت الخطر الأكبر على الإنسان وحقوقه في هذا الوطن. نسيتم أن شعاراتكم هي الحرية، وأنتم تعرفون أنها فاشية دينية، خطرها أكبر من كل الفاشيات، وأنها عدوة الحرية. تركتم هذا الغول يكبر، ويزداد تغوّله على حياة الشعب، اجتمعتم ونصّبتم أنفسكم أوصياء عليه، وانفصلتم عن الواقع، والشعب يُطحن ويعجن ويخبز، بأيد تتناوب عليه. لم تلعبوا سياسة، موالاة ومعارضة. لعبتم بالشعب وبمقادير الناس وأرواحهم وحيواتهم، لعبتم بأرض الوطن، ومؤسسات الدولة التي هي ملك للشعب، حتى لو كان من يديرها نظام تفرد في الاستبداد، حتى ثار الشعب عليه.

ها هو الشعب يتمزق ويتبدد في بقاع الأرض، ومن بقي يعود إلى الوراء، يمشي بعكس التاريخ، ينكص نحو بريته، يقترب شيئاً فشيئاً من غريزيته. الشعب يجوع، والجوع كافر، بل "أبو الكفار". ثورة الجياع شيء آخر غير الثورات الأخرى، قد تبدو ثوراتنا، بكل ما حصدت، مترفة تجاه ثورة جوع.

قليلون من توقفوا لحظةً، من أجل أن يتأملوا الأحداث، ويقرأوها ويرصدوا أخطاءهم. أغلبهم ماضون في قصورهم وتعنتهم، ومنهم في غيهم، وبعضهم في انبطاحهم لأرباب مصالحهم، ومن يدفعون لهم.

ثورة بلا غطاء فكري، أو برنامج، أو خارطة طريق، كان لا بد لها أن تتشتت، وأن تنزلق إلى مزالق خطيرة، مثل الذي حدث ويحدث في سورية. تُرك الشعب ليكون حقل تجارب، وتتلقفه المصالح العمياء التي لا ترى غير أنانيتها، وتبث أفكارها، وتؤدلج بما يخدم هذه المصالح، ليكون الشعب أداة في سياساتها. أصيب المجتمع السوري في بنيته، بدلاً من أن تُقدم له أسباب المناعة، لكي يتخلص من أمراضه الموروثة، قدمت له السموم ليدخل في نوبات من الهستيريا الجماعية والحقد والثأرية. الثأر من أي شيء، من الآخر، من الأرض، من الدولة، من الحاضر، من المستقبل، كله تحت شعار مضلل: الشعب يريد إسقاط النظام. كل مواطن استفاق وعيه كان يريد إسقاط النظام. لكن، ما الذي قدمتموه لكي يسقط النظام؟ وهل النظام يتركز في شخص وحيد، أم إنه مجموعة من الأنظمة المتشابكة، المحبوكة بعضها ببعض، على مر عقود من الاستبداد؟ آن لكم أن تراجعوا أنفسكم، وتعترفوا بأخطائكم التي ساهمت بمسؤولية كبيرة في دفع البلاد إلى ما هي عليه، أن تقتنعوا، كما كتب الكاتب خطيب بدلة، في مقالته في (العربي الجديد) يوم الأحد 12/10/2014:

"وأما أنا، فقد وصلت إلى قناعةٍ مفادها أن أكبر خطأ ارتكبناه، نحن الثوار السوريين، هو إضاعة الوقت في الحديث عن إسقاط النظام، ولم نكلف خاطرنا بمناقشة المسائل الأساسية الكبرى التي تعطي للثورة ملامحها، وترسم شخصيتها، وتوصلها إلى إسقاط النظام فعلاً، وهي المتعلقة بدستور الدولة المقبلة، بعَلمها، باسمها، بمصادر التشريع فيها، وبكل آليات تداول السلطة فيها".

بعد انهيار المجتمع، وتردي الوعي إلى الدرك الأخير، واستلاب الجوع للأجساد والنفوس، وتهديده حياة المواطنين السوريين، لن يكون هناك مفر من انتقام الجائعين، لن يكون مفر من هياج غريزتهم بأعتى صورها وممارساتها. ثورة الجياع أوشكت أن تندلع، فمن يغيثك أيها الوطن المذبوح؟

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٤
الحرب وسط دعوات إلى التحدّث مع الأسد و «داعش»

الحرب المعتمدة على ضربات جوية لفترة طويلة ومفتوحة، من دون تغيير في المواقع على الأرض، قد تأتي بتطوّرات مفاجئة وخطيرة وتتسبّب بإرباكات إضافية لـ «التحالف» الدولي... هذه خلاصة تقديرات لسياسيين وعسكريين، عرب وغربيين، خصوصاً إذا كان تنظيم «داعش» يحتاج إلى عاصمة ما لتدعيم عناصر «دولته». فهو يواصل من جهة الإيحاء بأن هجومه على بغداد «وشيك» وأن معركته الكبرى المقبلة ستكون ضدّها، فيما تتوالى تأكيدات عراقية وأميركية وحتى إيرانية بأن الإجراءات المتخذة كفيلة بصدّ أي هجوم وإفشاله. ومن جهة أخرى، وبمعزل عما ستفضي إليه معركة عين العرب (كوباني)، قد يجد «داعش» أن في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمالاً، وفي انقساماتها وضعف قواتها، وضعاً مناسباً يغري باجتياحها، ليضع بعدئذ مقاتليه أمام خيار الزحف نحو دمشق.

هذا الاحتمال وارد، في رأي الخبراء، وسواء كان ممكناً أم لا، فإنه ينطوي على تهديدٍ للنظام السوري، بالتالي فإنه يتيح اختباراً أخيراً لـ «داعش» وهل يمكن أن يستهدف النظام لإسقاطه خلافاً لمؤشرات سابقة إلى تنسيقه معه، بمقدار ما قد يمتحن إمكان مدّ الإدارة الأميركية يدها، في مرحلةٍ ما، إلى هذا النظام الذي سبق أن عارضت، بل أحبطت إسقاطه بأيدي المعارضة، منتصف عام 2012، معتبرةً أن معادلة ميدانية «متكافئة» من شأنها الضغط على بشار الأسد للقبول بـ «حل سياسي»، لكن النظام توصل لاحقاً إلى نسف هذا «الحل» عبر تغيير «المعادلة» بمساندة مباشرة من الإيرانيين و «حزب الله» وميليشيات عراقية.

ومنذ عودة الأميركيين وسواهم إلى العراق، في حرب أخرى عنوانها «الإرهاب»، تزايدت في الغرب الآراء والأصوات التي يدعو أصحابها إلى عمل ما يلزم لتجنّب إرسال قوات للقتال على الأرض، ويطرحون تساؤلات، أو «مبادرات» خارج المألوف، تعكس اقتناعاً عاماً بأن لا هذه الحرب ولا تلك التي سبقتها ستتمكّن من القضاء على هذه الظاهرة التي تنتمي، في نظرهم، إلى مجتمعات لم تفعل الشيء الكثير لإنهائها. ويمكن إجمال هذا النقاش في أربعة اتجاهات:

الأول يعبر عنه التساؤل هل يجب أن/ أم يجب ألّا نقصف «داعش»؟ والمنطلقات هنا أخلاقية في الحالين: فالقصف واجب لدى فريق عملاً بـ «مبادئ» الغرب وقيمه، والقصف غير واجب لدى فريق آخر لأنه يعني، شكلاً وموضوعاً، قتلاً جماعياً بـ «عقلية إبادة» طالما أن لا هدف له سوى القتل. لكن الجرائم التي يرتكبها «داعش» ضد الأقليات والنساء والأفراد المشكوك بمبايعتهم «الخليفة»، فضلاً عن حملات عسكرية كالتي يخوضها ضد عين العرب أو مواقع في الأنبار، تبرر التصدّي له ووضع حدٍّ لدمويته.

والثاني قد يتجاوز الوسيلة (القصف) ليسائل الهدف، فهل يمكن قتل جميع «الدواعش» وهل القضاء عليهم ينهي ظاهرة الإرهاب، وما الذي يضمن ألّا تولد تنظيمات «ما بعد داعشية» على درجة غير متصوَّرة من الهمجية والوحشية، واستطراداً كيف ومتى ستبدأ مواجهة الأطراف (دول وأنظمة وحكومات وأجهزة ومرجعيات دينية) التي لعبت أدواراً في زرع بذور التطرّف ورعايتها ثم استخدامها في صراعات السياسة والنفوذ. ويشار في هذا المجال إلى أن الخطاب «التحالفي» بدأ يستعيد كل ما قيل سابقاً عن «المعركة الأساسية»، غير العسكرية التي تطمح وفق باراك أوباما إلى مواجهة «منظومات التطرّف المتجذّرة في أجزاء من المنطقة العربية» مستفيدة من الطائفية والانقسام السياسي. وخلال زيارة وفد الجامعة العربية لبغداد، قبل أيام، أشار الأمين العام نبيل العربي إلى أن «المواجهة العسكرية جزء من مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف»، مشدداً على ضرورة أن «تكون المواجهة عقائدية وفكرية واقتصادية شاملة». ويبدو هذا الكلام وريثاً لما تردد قبل عشرة أعوام عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية، بصرف النظر عما يعنيه أو ما إذا كان «الربيع العربي» إفرازاً غير موفق للطموحات التي سبق تحديدها.

والثالث يدعو إلى اعتماد استراتيجية قوامها «ضرورة التحدث إلى الإرهابيين» أو على الأقل إلى البدء بالتفكير فيها، وهو توجّه يتحمّس له سياسيون وخبراء محترفون أو لدوافع «بزنسية» لترويج خبراتهم أو لتجريب بدائل متى بدا أن الخيار العسكري لا يحقق النتائج المتوخّاة أو لمجرّد طرح «أفكار باردة من خارج الاستراتيجيات المتّبعة»، كما جوناثان باول الذي استند إلى تجربته في التفاوض مع «الجيش الجمهوري الإرلندي» بتكليف من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وإلى تجارب أخرى في جنوب أفريقيا وإندونيسيا. غير أن مجمل الحالات التي عرضها كنماذج في كتابه «التحدث إلى الإرهابيين» لا تشابه الحال التي يمثلها تنظيما «داعش» و «القاعدة»، فالمراد أن يقود الحديث إلى التفاوض، والتفاوض إلى اتفاق، والاتفاق يتطلّب تنازلات متبادلة، لذلك فهو يمكن أن ينجح عندما يتعلّق بفريق يلجأ إلى العنف للحصول على حقوقه التي تجاهلها فريق آخر في البلد نفسه، وعلى قاعدة احترام الاثنين واعترافهما بالدولة والمؤسسات. أما بالنسبة إلى «داعش» وأشباهه، فهو يريد «إمارته» أو «دولته» وليس عند الطرف الآخر ما يتنازل له عنه. ولعل التجارب الوحيدة التي توصلت إلى نتائج كانت تلك التي تم تبادل فيها الأسرى (أميركا مع «طالبان»، نيجيريا مع «بوكو حرام»، كمثال). لكن يعتقد البعض أن التفاوض مع عسكريين وعشائريين عراقيين قد يكون خياراً متاحاً، لأنهم انضموا إلى «داعش» اضطراراً أو بحكم الأمر الواقع، وليس عسيراً البحث في مطالبهم إذا أمكن التعامل معها في إطار الدولة والعملية السياسية.

أما الرابع، فهو اتجاه غربي لا يمانع أصحابه سراً أو علناً، وبينهم سياسيون منتخبون وشخصيات ذات حيثية لدى الرأي العام، «العمل مع الأسد ونظامه» لأن في ذلك مصلحة، ومن الواضح أنهم يميلون بسهولة وسرعة إلى نسيان جرائم هذا النظام، فقط لأنهم تقبّلوا أن يذبح «شبّيحته» آلاف السوريين فيما لم يظهر أيٌ منهم في شريط مصوّر كذاك «الداعشي» الذي ينحر صحافياً أميركياً أو عامل إغاثةٍ بريطانياً. ولعل هذا التوجّه يندرج في السياق العام الذي أظهر خلال أربعة أعوام، تكيّف المجتمع الدولي مع عجزه عن حماية الشعب السوري وعن محاسبة النظام وقتلته، كذلك مع فكرة لا تنفك تشيع وهي أن «الديكتاتورية أفضل من داعش» وكأن مصير سورية وشعبها بات ينحصر بين هذين الخيارين المقزّزين. وكان نظام الأسد حظي منذ بدء أزمته بجدار حماية تضافرت على تأمينه روسيا (التسليح) وإيران (القتال المباشر) وإسرائيل (الديبلوماسية الصامتة وإحباط فكرة تسليح «الجيش الحر»)، كلٌ لأسبابها وأهدافها المتقاطعة وأحياناً المتعارضة، فيما تولّت أميركا إدارة الأزمة من وراء هذا الجدار. وعلى رغم يقين هذه الأطراف بأن النظام لعب دوراً فاعلاً في اجتذاب «داعش»، بعدما خذلته «جبهة النصرة»، إلا أن «الحرب على داعش» باتت تشكّل في نظرها الفرصة الأخيرة لاستبقاء النظام أو قطع منه لا تزال قابلة للاستخدام في ترتيبات ما بعد الحرب.

في أي حال، يمكن القول إن «داعش» الذي رسم جغرافيا أولية لـ «دولة الخلافة»، باستيلائه على المحافظات السنّية في العراق وإلغاء الحدود لربطها بمحافظتين سوريتين، أي بعبثه بخريطة «سايكس - بيكو»، ربما أسدى خدمةً لأطراف دولية أو إقليمية تتطلّع الى تغيير خريطة الشرق الأوسط. ذاك أن «داعش» وفّر الذريعة لهذه الأطراف، وفي طليعتها إسرائيل والنظام السوري، فضلاً عن إيران. ولولا الملف الكردي الشائك وتداعياته المحتملة على خريطة تركيا نفسها لما أبدت هذه أي حذر أو تخوّف من أي تغيير. أما الذريعة، فهي أن ظاهرة «داعش» رسّخت ما بدأته ممارسات النظام السوري من جعل التعايشات الوطنية مستحيلة. كما أن «داعش» يطرح «دولته» كـ «حلّ» لمناطق السنّة التي لا تريد استعادة حكم تحت الهيمنة الإيرانية، سواء في سورية أو في العراق. وفي غياب بدائل واضحة حالياً، رغم محاولة المبعوث الأممي ستيفن دي ميستورا طرح «حل سياسي» في سورية، فإن الدعوات إلى التحدّث مع الأسد أو مع «داعش» توحي بأن أي تسوية لاحقاً ستأخذ هذين الاثنين في الاعتبار.

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٤
تركيا مستهدفة.. وإردوغان يصر على إسقاط الأسد

تأخرت تركيا كثيرا في اكتشاف أن إيران، بتدخلها السافر في الشؤون الداخلية لسوريا، تستهدفها وتستهدف وحدتها وأمنها واستقرارها ومكانتها في هذا الإقليم والمنطقة كلها، لكن لا بأس فالمثل يقول: «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا». والحقيقة أن إيران، التي يحكمها منذ عام 1979 معمَّمون أصحاب «تقية»، هي التي دفعت رجب طيب إردوغان وزملاءه في نظام حزب العدالة والتنمية إلى الخروج عن صمتهم، الذي استطال أكثر من اللزوم، والرد على اتهام طهران لبلدهم بالسعي نحو فكرة العثمانية الجديدة على خلفية موقف أنقرة من الملف السوري والأزمة السورية المستفحلة.
والمعروف أن نظام حزب العدالة والتنمية، بقيادة الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان، بقي، بالنسبة إلى الدور الخطير جدا الذي لعبته إيران في الأزمة السورية واستمرت في لعبه حتى الآن، يغلب المصالح الاقتصادية على المواقف السياسية وبقي يضع رجلا في الفلاحة والرجل الأخرى في البور حفاظا على هذه المصالح، وذلك إلى أن طفح الكيل وإلى أن تمادى الإيرانيون في اللعب بالساحة التركية وتجاوزوا الخطوط الحمراء كلها، التي من المفترض ألا تتجاوزها طهران لو أنها بالفعل حريصة على علاقاتها «الأخوية» مع دولة «شقيقة» تربطها بها علاقات كثيرة.
وهكذا، فإنه ما كان من الممكن أن تنفجر الأوضاع بين هذين البلدين لو لم يتجاوز الإيرانيون في استهدافهم الأوضاع الداخلية التركية كل الحدود وتضطر أنقرة إلى دعوة طهران إلى الصمت «خجلا» بسبب دعمها النظام السوري، وحيث قال الناطق باسم الخارجية التركية، طانجو بيلغيج، إن تركيا غير مضطرة إلى أخذ إذن من أحد عند اتخاذ التدابير اللازمة حيال ما يهدد أمنها القومي. ولعل ما يدل على كم أن الأوضاع باتت متوترة بين هاتين الدولتين وأنها اقتربت من الانهيار الحقيقي، أن هذا المسؤول التركي وجه اتهامات مباشرة لإيران بقوله: «كنا ننتظر من دولة داعمة لنظام دمشق، المسؤول الحقيقي عن ولادة مصيبة الإرهاب المحيط بنا وتفاقمها لهذا الحد، أن تلتزم الصمت، على الأقل من باب الخجل حيال الكوارث الإنسانية في المنطقة، وفي مقدمتها كوباني».
ولعل الأكثر وضوحا على مدى تردي العلاقات بين هذين البلدين، أن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو لم يكتفِ بالطلب من إيران، في حديث لفضائية عربية، يوم الأربعاء قبل الماضي، سحب قواتها من سوريا، بل هو تعدى هذا إلى القول في أول تصريح لمسؤول تركي بكل هذه الحدة وبكل هذه الصراحة: «إن جهود الإيرانيين لتشكيل إطار شيعي (هلال شيعي) أمر سيزيد التوتر السني والشيعي والصراع الطائفي»، محذرا من أن هذا التعاطي المذهبي هو السبب في بروز التيارات المتطرفة بالمنطقة.
وبالطبع، فإن ما لا خلاف عليه هو أن ما جعل طهران تتجاوز كل الخطوط الحمراء وتتهم تركيا بـ«السعي نحو فكرة العثمانية الجديدة في المنطقة» هو الموقف المستجد المفاجئ الذي اتخذه رجب طيب إردوغان، بعد تردد طويل إزاء الأزمة السورية المتفاقمة استمر نحو أربعة أعوام، بإعلانه، والإصرار على هذا الإعلان، ضرورة إسقاط نظام بشار الأسد «لأنه وراء استدراج الإرهاب إلى هذه المنطقة» ومطالبته بمنطقة محمية (عازلة) داخل الأراضي السورية بالقرب من الحدود التركية لنقل اللاجئين السوريين في بلاده إليها مع فرض حظر الطيران العسكري فوق هذه المنطقة.
إن هذا في حقيقة الأمر هو ما جعل إيران تبادر إلى هذا الهجوم الكاسح وتتهم تركيا بـ«السعي نحو فكرة العثمانية الجديدة في المنطقة»، كأنها هي لا تسعى، ليس الآن وإنما منذ انتصار الثورة الخمينية عام 1979 وقبل ذلك، إلى إحياء «أمجاد» الإمبراطورية الفارسية القديمة! كأنها لا تعتبر نفسها امتدادا للدولة الصفوية! وكأنها أيضا لم تقرن الأفعال بالأقوال وتلجأ إلى كل هذا التمدد الاستخباري والعسكري (الاحتلالي) والسياسي في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن! وكأنها لم تحاول احتلال مملكة البحرين! وكأنها لا تفعل كل هذا الذي تفعله في هذه المنطقة كلها ولا تتدخل كل هذا التدخل في الشؤون الداخلية لمعظم الدول العربية!
إنه ما كان من الممكن أن يتجاوز رجب طيب إردوغان كل الحواجز وأن يتخلى عن تردده السابق، الذي استمر نحو أربعة أعوام، ويعلن تصميمه على إسقاط نظام بشار الأسد - لو أنه لم يتأكد وبالأدلة القاطعة والحاسمة أن إيران تمادت كثيرا في اللعب بالساحة التركية وفي التدخل في شؤون هذا البلد الداخلية، وأنها في حقيقة الأمر قد تمكنت من تحويل سوريا هذا النظام إلى رأس جسر متقدم لها في هذه المنطقة؛ على غرار رأس الجسر الإيراني المتقدم الذي أقامه «حزب الله» في لبنان، ورأس الجسر المتقدم الذي أقامته «حماس» في غزة، ورأس الجسر المتقدم الذي أقامه «الحوثيون» في اليمن.. ورأس الجسر المتقدم الذي كان أقامه عمر حسن البشير على شواطئ البحر الأحمر السودانية.
لقد أدرك رجب طيب إردوغان بعد نحو أربعة أعوام من المماطلة والتردد أن عدم إسقاط نظام بشار الأسد سيجعل إيران، بتطلعاتها الصفوية وبأحلامها الفارسية وبإصرارها على التمدد في كل الاتجاهات بعد سيطرتها على العراق وسيطرتها على سوريا وسيطرتها أيضا على لبنان وعلى اليمن، إمبراطورية تحادد بلده من الجنوب، والمؤكد أنه يعرف أن دولة الولي الفقيه قد حققت اختراقا كبيرا في تركيا من خلال احتوائها غالبية العلويين الأتراك «العرب»، وأنها هي التي حركت هؤلاء لإثارة أحداث الشغب السابقة واللاحقة في إسطنبول، وأنها هي التي قامت بتجنيد نحو أربعة آلاف من شبان علويي تركيا «العرب» للقتال ضد الثورة السورية دفاعا عن نظام بشار الأسد، وأن هؤلاء وغيرهم سيتحولون إلى ثورة مضادة داخل الدولة التركية، وكل هذا والمفترض أن المعروف أن الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، قد تمكن من إحداث اختراقات كبيرة ومؤثرة في صفوف مقاتلي حزب العمال الكردستاني - التركي من خلال ما يسمى «الاتحاد الوطني الديمقراطي» الكردي الذي تم تنشيطه مع بدايات انفجار الأزمة السورية بإشراف مخابرات بشار الأسد التي باتت تعتبر تابعة للمخابرات الإيرانية وجناحا من أجنحتها العاملة في هذه المنطقة.
ولهذا، فإن تركيا، خلافا لما يريده الأميركيون، بادرت إلى رفض تسليح أكراد مدينة كوباني الذين هم أكراد أتراك كلهم ومن دون أي استثناء والذين هم في حقيقة الأمر من مقاتلي حزب العمال الكردستاني - التركي الـ(P.K.K) الذي جدد علاقته بالمخابرات السورية ومن ثم بالمخابرات الإيرانية، ولذلك فإن مع رجب طيب إردوغان كل الحق عندما يرفض تسليح مقاتلي الحزب الديمقراطي الآنف الذكر، وذلك لأنه يعرف أن إيران تعتبر هؤلاء رأس جسرها في جنوب شرقي تركيا، على غرار اعتبار العلويين رأس جسرها في الجنوب الغربي - إنْ داخل الأراضي التركية في أضنة والإسكندرون وإنطاكيا، وإنْ داخل الأراضي السورية في جبال النصيريين وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط في اللاذقية وبانياس وطرطوس.
ولذلك واستنادا إلى هذا كله، فإن مسألة إسقاط نظام بشار الأسد أصبحت بالنسبة إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مسألة دفاع عن النفس ومسألة دفاع عن تركيا، التي غدت مستهدفة بالتمدد الإيراني الصفوي بتطلعات فارسية، وهذا يعني أن معادلات الأزمة السورية قد أصبحت مختلفة عن معادلات بداياتها، وأن الصراع في هذه المنطقة بات يتخذ طابعا جديدا ومن ثم فإنه لم يعد بإمكان الأتراك الاستمرار في هذه اللعبة بالطريقة السابقة.

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٤
عن تسليح الأكراد في "كوباني - عين العرب"

قدمت الولايات المتحدة الأميركية سلاحاً للمقاتلين الأكراد في كوباني- عين العرب، ستحاول هذه السطور أن تجيب عن سبب الدعم السريع للمقاتلين الأكراد، في حين ما زالت الولايات المتحدة متردِّدة في تقديم دعم حاسم للمعارضة السوريَّة المسلّحة.

أربَعةُ أسبابٍ أساسيَّة مُتداخلة فيما بينها (مرتَّبة هنا حسب الأهميَّة)، جَعلت مأساة كوباني- عين العرب، تحتلُّ المَنابر الإعلاميَّة ومُقدّمات النّشرات الإخباريَّة، وتثيرُ اهتمام المُجتمع الدولي أكثر من المدن السوريَّة الأخرى التي تتعرض للقصف اليومي بالبراميل والطائرات والأسلحة الثقيلة:

أوّلاً: ثمَّة ميلٌ واضحٌ في الأوساط الغربيَّة، في تعاطفٍ انِتقائي مع قضايا الأقليَّات الإثنيّة والمذهبيَّة في المشرق العربي، ومُحقّةٌ تلك الشكوى من ازدواجيَّة الحساسيَّة الإنسانيَّة الغربيَّة، إذْ أنَّ مجزرة مٌروِّعة إذا ارتُكِبَت بحق عرب السنّة الأرياف، ستكونُ غيرَ قادرةٍ على تحريك ركُود المجتمع الدولي، مثل اقتحام كتائِب جهاديَّة طائفيَّة قرى علويَّة في الساحل السوري، أو اقتحام جبهة النصرة قرية معلولا، ذات الرمزيّة الدينيّة المسيحيّة الآراميّة، أو قرية كسب ذات الغالبيَّة السكانيَّة الأرمنيَّة، أو اقتحام داعش مدينة "كوباني- عين العرب"، حيث الأكثريَّة السكانيّة الكرديَّة. إذن، ثمّة قناعةٌ تبسيطيَّةٌ في الوعي العام الغربي، يسهلُ فيها التّماهي بين الإسلام السنُّي وما يسمّى الإرهاب العالمي.

" ثمَّة خطاب سياسي معارض سوري يفتقر إلى الدقة الصارمة، بخصوص الفرز الحاسم تجاه الكتائب الإسلامية الجهادية المقاتلة "

ثانياً: الأداءُ السياسي الركيك والمبتذل للمعارضة السياسيَّة السوريَّة، والمواقف المتخبّطِة وغير المدروسة تجاه التنظيمات الجهاديَّة المتطرّفة. رجل دينٍ معروفٌ باعتداله، مثلاً، أشادَ أكثر من مرّة بنضال رجال جبهة النصرة، وأعضاء في المجلس الوطني السوري كانوا يعتبرون "جبهة النصرة جزءاً أساسيَّاً من الثورة السوريَّة". طبعاً، لا يهمُّ إن كانت جزءاً أم لا، لكن الحديث، هنا، عن المراهقة السياسيَّة وعدم معرفة مخاطبة الرأي العام الغربي، كما أنَّ الحدود، حتّى الآن، غير واضحة، والعلاقات غامضة بين جماعات سياسيَّة كثيرة داخل المعارضة، والتنظيمات الجهادية داخل سورية. إذن، ثمَّة خطاب سياسي معارض سوري يفتقر إلى الدقة الصارمة، بخصوص الفرز الحاسم تجاه الكتائب الإسلامية الجهادية المقاتلة.

ثالثاً: عددُ الأكراد الضخم في أوروبا، وخبرتُهم في التّنظيم والاحتِجاج والتّواصل، وتَشكِيل شبكات تنسيق اجتماعي وتكافُل أهليّ ضخمة، بالإضافة إلى معرفة ساحات الاحتجاج العامة، وقنوات التأثير في مراكز القرار السياسي الحسَّاسة، وصياغةُ خطابٍ معقول موجَّه إلى الرأي العام الغربي. المأساةُ هي مُنتج، ويحصلُ التعاطف معها، في حال وجود خبرة في إدارة هذا المنتج وتسويقه، والتسويق السيئ كافٍ لتدمير المنتج الممتاز. مثلاً، خرجت عشرات المظاهرات في الدول الأوروبيَّة من أجل كوباني، في حين لم تستطع الثورة السوريَّة أن تجمع في أوروبا أو في الدول العربية المُجاورة أكثر من ألف إنسان، علماً أنَّ رسوماً كاريكاتورية مسيئة للإسلام لفنَّان مَغمور أمرٌ كافٍ لاندلاع مظاهرات مليونيَّة في كل الدول الإسلامية.

رابعاً: الإخلاص الواضح في العلاقة التاريخيَّة بين الولايات المتحدة والأكراد، والتجربة العراقيَّة مثالٌ حيّ وواقعي، لا عُقد مُمانعاتيَّة، أو ثقافيَّة، من قبيل "استعمار" أو "إمبرياليَّة". العلاقة الكرديَّة الأميركيَّة هي علاقة مَصلحة واضحة، لا لبسَ فيها ولا غموض. وجدير بالذكر، في هذه المناسبة، أنَّ سلاحاً أعطته الولايات المتّحدة للجيش العراقي أصبح بيد داعش، بعدما هرب الجيش العراقي من الموصل، وترك كلّ أسلحته، في عملية انسحاب غامضة ومفاجئة، تتهم إيران بتسهيلها وتشجيعها، وذلك لتقوية نفوذ "داعش" والتشويش على مسألة بشار الأسد. وهنالك سهولة في تحوُّل تيارات الإسلام السياسي من سلفيَّة إلى جهاديَّة إلى قاعديَّة. إذن، من حق الولايات المتحدة أن تسلِّح الأكراد بثقة أكبر من تسليح باقي الفصائل العربية أو الإسلامية المقاتلة.

التجربة الكردية في التعامل مع الولايات المتحدة، والبراعة في تسويق القضايا، وحشد الرأي العام، العالمي والمحلي، يجب أن تكون درساً إعلامياً وسياسياً للمعارضة السورية. ولكن، ما يحصل، الآن، هو الآتي: فشل في تسويق المأساة السورية، وتنديد بنجاح الأكراد في تسويق مأساة كوباني، والتي هي، بلا شك، جزء من المأساة السورية.

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٤
خان الشيح.. مخيم البراميل المتفجرة

يمر اسم خان الشيح في وسائل الإعلام، في معرض الحديث عن المناطق التي يستهدفها الجيش السوري في ريف دمشق، من دون إيضاحات عن هويته، وما حدث فيه ويحدث. وقلما يشار إلى أنه مخيم للاجئين الفلسطينيين، وفيما ينال مخيم اليرموك حظاً وافياً من التغطية الإعلامية والاهتمام السياسي، يُذكر خان الشيح على أنه مجرد بلدة في الغوطة الغربية.

وإذا كان إعلام "الممانعة" حريصاً على عدم الإشارة إلى خان الشيح مخيماً فلسطينياً، وهو الإعلام الذي يتلطّى دوماً خلف يافطات تبنّي القضية الفلسطينية ودعم المقاومة، فإن الإعلام المعارض لا يزيد عن التعامل معه كمنطقة جغرافية. ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينيتان لا تذكرانه، بتاتاً، في بياناتها، ولا حتى التنظيمات الفلسطينية غير المنضوية في المنظمة، أو المشاركة في السلطة، على اختلاف توجهاتها.

وتسليط الضوء على ما يحدث في خان الشيح مهمة ضرورية، لأهميته على خارطة المخيمات الفلسطينية في سورية، ولجسامة ما حدث ويحدث فيه. هو أحد أقدم المخيمات الفلسطينية في سورية، ومن أكبرها. أقيم عام 1948، غالبية سكانه من عشائر الجليل الأعلى، (25 كيلومتراً جنوب غرب دمشق)، ويبعد عن فلسطين المحتلة 60 كيلومتراً، يزيد عدد سكانه على 22 ألفاً، جلهم من الفلسطينيين، خلافاً لمخيمات يكاد يشكل السوريون نصف سكانها.

يعمل أهالي خان الشيح في الزراعة والتجارة والأعمال الحرة، مع نسبة تعليم وازنة، وقد انتسب أبناؤه إلى الفصائل الفلسطينية منذ نشأتها، وكان لحركة فتح نصيب الأسد من المناصرين، في حين شهدت السنوات الأخيرة حضوراً متنامياً لحركة حماس. واستشهد كثيرون من أبناء المخيم في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، من أبرزهم الضابط في جيش التحرير الفلسطيني، العميد عطية عوض، أحد أبطال التصدي للاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والذي اعتقله نظام الأسد الأب، في خضم الصراع مع قيادة منظمة التحرير في تلك المرحلة، من دون أن يكشف عن مصيره حتى الآن.

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011 ، بقي المخيم بعيداً عن الأحداث، فيما شهدت مناطق قريبة منه تظاهرات مناوئة للنظام، مثل جديدة عرطوز وعرطوز وقطنا وكناكر، إلا أن خان الشيح فقد سبعة من شبابه، استشهدوا برصاص الجيش الإسرائيلي، في مسيرتي العودة في ذكرى النكبة وذكرى النكسة في العام نفسه على الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل. ومع انتقال الثورة إلى الطور المسلح، استقبل المخيم نازحين من المناطق المجاورة، ليشهد في صيف 2012 موجة نزوح كبيرة، تكاد تعادل نصف سكانه، إثر عمليات عسكرية في منطقة جنوب دمشق، ليستقبل في المدارس والبيوت والمزارع عائلات من اليرموك والحجر الأسود وسبينة والسيدة زينب. تلا ذلك أول وجود للجيش النظامي في المخيم، عبر نصب حاجز وتمركز دبابات وجنود وسط شارعه الرئيسي، وكانت مناطق قريبة قد بدأت تشهد نشاطاً عسكرياً، اعتمد على نازحي الجولان السوري المحتل، كما دخلت فصائل إسلامية في العمليات العسكرية التي كانت ترتكز على مهاجمة حواجز الجيش ونقاطه الثابتة.
" لم يمض وقت طويل، حتى بدأ المخيم يتعرض للقصف العشوائي الذي أسفر عن سقوط ضحايا ودمار وحركة نزوح متدرجة من داخله "

مطلع عام 2013، وبعد عمليات مباغتة للمعارضة المسلحة، انسحب الجيش السوري من المخيم، وشهدت المواقع العسكرية المجاورة هجمات للمعارضة، ما أدى إلى إغلاق طريق خان الشيح، واعتماد السكان على أوتوستراد السلام الموازي في تنقلاتهم. لم يمض وقت طويل، حتى بدأ المخيم يتعرض للقصف العشوائي الذي أسفر عن سقوط ضحايا ودمار وحركة نزوح متدرجة من داخله. وبعد أشهر قليلة، كان ثلاثة أرباع سكان خان الشيح قد غادروه، مع تطور قصف النظام، ليعتمد على إلقاء البراميل المتفجرة من الطائرات بصورة رئيسية، وقد طال هذا القصف الأموات بعد الأحياء، حين استهدفت المقبرة الغربية للمخيم، ما أدى إلى تحطم الشواهد ونبش القبور.

ربما كان خان الشيح من أكثر المواقع التي تتعرض للقصف بالبراميل المتفجرة في الأراضي السورية، وتبدو هذه الوحشية مستغربة، مع بقعة هي ليست من معاقل المعارضة المسلحة المهمة، ولا تملك أهمية استراتيجية. أدى هذا القصف العشوائي البربري إلى سقوط عشرات القتلى من المدنيين، وإلحاق دمار كبير في العمران، وخفف من وقع هذا القصف الطبيعة المنبسطة غير المكتظة للمخيم، وخلو أبنية كثيرة من السكان.

لم يتعرض خان الشيح لحصار فعلي، لكن النظام أغلق طريق أوتوستراد السلام في وجه أبناء المخيم، وهم الذين كانوا يعانون الأمرين من حواجز هذا الطريق، بدءاً من الإذلال إلى الاعتقال والموت تحت التعذيب (بلغ عدد القتلى تحت التعذيب من أبناء المخيم عشرات) إلى إطلاق النار العشوائي على السيارات العامة والخاصة، وما يسفر عنه ذلك من سقوط قتلى، أحياناً. وحين لجأ أهالي المخيم، أو من بقي منهم، إلى استخدام طريق بلدة زاكية الأطول، صارت حافلات نقل الركاب تتعرض لإطلاق النار والقصف من حواجز النظام التي واصلت عمليات الاعتقال التي لم توفر النساء وكبار السن.

لم يعرف خان الشيح تشكيل ميليشيات مسلحة موالية للنظام، كما حصل في مخيم اليرموك، كما لم ينخرط أبناؤه في كتائب المعارضة، وحافظ على حياد إيجابي، إلا أنه لم يسلم، أيضاً، من ممارسات عناصر غير منضبطة من الجيش السوري الحر، بدءاً بأعمال السلب والنهب، وانتهاءً بالمضايقات، وصولاً إلى تصفيات جسدية.

ليس لمخيم خان الشيح أهمية استراتيجية في العمليات العسكرية، فهو بعيد عن العاصمة، وما من مواقع عسكرية رئيسية فيه. ولم يكن يشكل تهديداً لأحد، كما أنه ليس طريق عبور لمقاتلي القنيطرة ودرعا نحو الغوطة الغربية، ولم تأت السيطرة عليه، في سياق خطةٍ عسكرية مدروسة، فبلدة دروشا المجاورة له بيد النظام، تليها بلدات أخرى جميعها بيد النظام، ولا تشكل حالياً بيئة حاضنة للمعارضة المسلحة، وصولاً إلى دمشق، وما من تواصل جغرافي مع المعقلين الأساسيين للمعارضة في داريا والمعضمية التي وقعت اتفاق مصالحة أخيراً، مع الإشارة إلى أن إمكانية التوصل إلى هدنة مع النظام، في خان الشيح، ضعيفة، كون المقاتلين المنتشرين فيه لا ينتمون إليه.

مخيم كان قائماً في خان الشيح في سبيله إلى الاندثار، معظم سكانه غادروه، لا إلى مناطق أكثر أمناً في دمشق ومحيطها فحسب، فهذه مجرد محطة، هناك من توجه إلى لبنان مؤقتاً، لكن النسبة الأكبر، وخصوصاً الشباب، تسلك طرق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، بمراكب الموت أو على دروب الاعتقال، وفيما يتحطم مجتمع بكامله، لا نسمع صوتاً يدين، أو يوجه نداء استغاثة، لا من المنظمات الدولية والإنسانية، ولا من المعارضة السورية، ولا من "الممثل الشرعي الوحيد".

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٤
أين الائتلاف من معاناة اللاجئين السوريين؟!

بعد تدخل الولايات المتحدة عسكرياً لحماية بشار الأسد من السقوط، تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، وبعد تشكيل تحالف لهذا الغرض بمشاركة عدد كبير من دول ما يسمى أصدقاء سوريا، انتقل «المجتمع الدولي» إلى مرحلة جديدة من عقاب الشعب السوري على ثورته ضد الديكتاتورية العميلة في دمشق، وذلك بإصدار قرار لا يقل شناعة عن جرائم بشار الأسد، بتقليص المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين، بحيث سيؤثر القرار سلباً على أربعة ملايين شخص تقريباً.

كما لم تتأخر أميركا بقصفها للمدن السورية، لم تتأخر الأمم المتحدة في إجراءاتها العقابية للشعب السوري، فقد بدأت بالفعل في منتصف الشهر الجاري بتخفيض المساعدات الغذائية بنسبة %40 وقالت «إليزابيث راسموسن» المديرة المساعدة لبرنامج الأغذية العالمي «لقد بدأنا بتقليص المساعدة الغذائية هذا الشهر، وإن برنامج الأغذية العالمي سيواصل توزيع المساعدات الغذائية على العدد نفسه من الأشخاص، لكن الكمية ستخفض بسبب التمويل غير الكافي».

في الأردن ادعت «جويل عيد» أن مؤسستها قامت بدراسة أوضاع الأسر السورية، وأن الدراسة حددت المستحقين الفعليين لمساعدات برنامجها، كما سيتم تخفيض المعونة في لبنان بنسبة تتراوح ما بين 20 إلى %30، بينما حرم اللاجئون في تركيا من المساعدات بشكل كامل.

كل ذلك ولم يقم الائتلاف الوطني السوري بأي تصرف من شأنه أن يرفع الحيف عن اللاجئين السوريين، واقتصر الأمر على مجرد تصريح هزيل لنصر الحريري أمين عام الائتلاف حيث انتقد القرار الجديد ووصفه «باللاواقعي» ودعا الحريري إلى إعادة النظر بالقرار.

لم يصدر أي بيان رسمي عن الائتلاف بشجب القرار السابق، والتذكير بالالتزامات الأخلاقية والقانونية للأمم المتحدة تجاه الشعب السوري، أو الطلب إلى «أصدقاء سوريا» بزيادة المخصصات الغذائية والمالية للمحتاجين. حتى إن هادي البحرة رئيس الائتلاف، دعا أصدقاء الشعب السوري إلى مساعدة السوريين في مخيمات اللجوء دون أن يتطرق بشكل مباشر للقرار الجائر الذي اتخذه «المجتمع الدولي» بحق من يدعي «البحرة» تمثيلهم.

كنا نتوقع، ولو فقط لتبييض الوجه أمام الإعلام أن يدعو «البحرة» إلى اجتماع عاجل لأعضاء الائتلاف لتدارس الكارثة الإنسانية التي ستحل بالسوريين، خاصة على أبواب الشتاء. وأن توجه المعارضة رسائل رسمية للأمم المتحدة وأمينها العام وبرنامج الغذاء العالمي، ورؤساء دول أصدقاء سوريا جميعهم وتطالبهم بتوضيح القرار بشفافية وأن يشرحوا للشعب السوري كيف نقصت المساعدات المالية لبرنامج الغذاء، ومن المسؤول عن ذلك.

كما توقعنا أن يطير رئيس الائتلاف أو على الأقل العضوان محمد قداح ونصر الحريري إلى الأردن للتضامن مع اثني عشر ألف عائلة طالها القرار الجديد، فحرمهم من الغذاء والدواء. وقد ذكرت العضوين السابقين بالاسم كونهما يدعيان تمثيل درعا في الائتلاف، حيث يسكن معظم مهجري حوران في الأردن.

كما توقعنا أن يتنازل أعضاء الائتلاف جميعهم عن جزء من راتبهم للاجئين السوريين في المخيمات كإشارة رمزية لدول العالم الناقمة على الفقراء السوريين. وتوقعنا أن يستأجر الائتلاف استديو تلفزيونيا لمدة يوم أو يومين ويستقبل فيه تبرعات الشعوب العربية والإسلامية وكل أولئك المتضامنين، وتوجيهها إلى المخيمات. شيئاً من ذلك لم يحدث، وربما لن يحدث، ولم يخجل أعضاء الائتلاف من كل تلك الصفحات والمبادرات التي أطلقها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي لمساعدة اللاجئين السوريين، خاصة في الأردن. ومع ذلك فهم يصرون على تمثيلنا وإنا لكارهون.

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٤
ضربات الجو لا تحسم المعركة.. فما الحل؟

منذ أسابيع، والقادة السياسيون والأمنيون من أميركا والتحالف يتحفوننا بتصريحات يومية مفادها أن الضربات الجوية لن تكون كافية للقضاء على تنظيم الدولة، فيما خرج آخرون يتحدثون عن تقدم للتنظيم في العراق رغم تلك الضربات، وصولا إلى تهديهم للعاصمة بغداد.

وإذا كان الوضع في العراق بذلك المستوى من البؤس رغم وجود جيش عراقي، ومن ورائه ميليشيات شيعية جرى تجميعها عبر عمليات حشد طائفية غير مسبوقة، فكيف سيكون الحال في سوريا فيما عدا مسألة عين العرب أو كوباني التي تتعثر سيطرة تنظيم الدولة عليها؛ أولا بسبب شراسة القصف الأميركي، وثانيا بسبب الأكراد المدافعين عنها، والذين يقاتلون بطريقة شبه عقائدية أيضا.

نقول ذلك؛ أولا لأن أحدا في سوريا لن يتورط في قتال تنظيم الدولة، باستثناء حفنة غير مؤثرة، وبالطبع لأن الموقف الأميركي لم يعد يتردد في القول إن تغيير بشار الأسد ليس أولوية الآن (لن يكون كذلك في يوم من الأيام كما يبدو)، وثانيا لأن العرب السنّة في العراق باستثناء قلة لا تبدو في وارد قتال تنظيم الدولة أيضا، بينما يكرر حيدر العبادي خطاب المالكي وسلوكه في آن، وبينما تتحدث المنظمات الحقوقية الدولية عن حملة قمع بالغة الشراسة تقوم بها المنظمات الشيعية ضد العرب السنّة؛ قتلا وتهجيرا في المناطق التي يدخلونها.

من هنا تبدو الحرب طويلة الأمد، إذ يدرك الجميع أنه من دون قوات برية تتحرك على الأرض، فلن يكون هناك انتصار يذكر على تنظيم الدولة، أو الدولة الإسلامية، لاسيَّما أننا إزاء حالة تجمع ما بين الدولة والتنظيم، ولا تبدو معنية بالبنى التحتية، ولا بأية خسائر أخرى، وهي تقاتل قتالا لا تراجع فيه على الإطلاق. الأهم من ذلك أن قتال التنظيم ضد أميركا وإيران في آن، بات يمنحه رغم الأخطاء الكبيرة في الممارسات شعبية كبيرة في أوساط الجماهير الإسلامية، فيما يتدفق عليه المزيد من المقاتلين، بما في ذلك من الغرب نفسه. ولا يختلف عاقلان على أن أميركا عدو كبير للأمة، فيما وضعت إيران نفسها في مربع عداء يتقدم حتى على أميركا عند كثيرين، لاسيَّما بعد غطرستها الجديدة في اليمن بعد سوريا والعراق. هكذا يخوض أوباما حربا صعبة، لا يملك معها إلا الخروج بين حين وآخر، هو ومساعدوه ليقولوا إنها ستكون طويلة، في محاولة لتبرير الفشل في الحسم، وحين يجتمع بقادة عسكريين من 22 دولة، فهو لا يملك ما يقوله في واقع الحال، ما يعني أنه قد يضطر بمرور الوقت إلى التورط البري، وهذا سيكون محدودا على نحو يزيد الخسائر ويعزز التورط، ويؤدي إلى أن يترك أوباما لخلفه مصيبة كبيرة، كتلك التي تركها له جورج بوش بحماقاته الشهيرة.

وفي حين يبدو أوباما في ورطة عميقة، فإن إيران ليست في وضع أفضل، إذ تضيف إلى نزيفها في العراق وسوريا نزيفا جديدا لا يقل سوءا في اليمن، والذي ستكون كلفة الانتصار فيه باهظة (أعني لجهة الحفاظ عليه)، وسيتكرر سيناريو العراق، حيث سيمنح الشعب اليمني المهان بغطرسة الحوثيين حاضنة شعبية للقاعدة وأي أحد يحمل السلاح ضد الحوثيين. والنتيجة أن هذه الحرب ستطول وتطول، ومن دون صفقة إقليمية تعود إيران من خلالها إلى الرشد وتقبل بتسوية الوضع في سوريا والعراق واليمن ولبنان، فإن نزيفها سيتواصل، ويبدو أنه سيتواصل بالفعل حتى لو نجح التحالف الدولي في ضرب التنظيم في صيغته كدولة، لأن رحلة العودة إلى الرشد (في حالة إيران) لا تبدو قريبة كما يشير الخطاب المتداول، مع أن كلام نائب نصرالله عن «تنازلات مؤلمة» يعكس لغة جديدة تنطوي على نبرة يأس، وأقله تعب، لم نعهدها من التحالف الإيراني.

مأساة كبيرة تدفع الأمة ثمنها من أبنائها ومقدراتها، لكنها معركة فرضت عليها، بل فرضتها الغطرسة الإيرانية التي رفعت في البداية شعار المقاومة، فيما هي تستجدي الآن الغرب من أجل بشار، كما عكس ذلك تصريح عبداللهيان (الفضيحة) الذي سكت عنه أدعياء الممانعة، والذي قال فيه إن سقوط الأسد يعني «القضاء على أمن إسرائيل».

لا أحد بوسعه التكهن بتفاصيل المشهد التالي، إذ إننا أمام حرب خلطت جميع الأوراق، والسبب أننا إزاء أمة أرادت أن تصحو وتستعيد حريتها وتحررها، فما لبثت أن ووجهت بأنظمة الثورة المضادة، وبأميركا وبإيران في آن معا، لكن الخاتمة ستكون خيرا، وإن طالت المعاناة وكثرت التضحيات، لأن الشعوب الحرة ما تلبث أن تفرض إرادتها بمرور الوقت.

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٤
من يَشتري بالحديد يُباع بالقضامي

من يَشتري بالحديد يُباع بالقضامي

يسمي هنري كيسينجر ذلك "دورة الأخبار" أو دوّامتها. والأصحّ إعصارها. أسبوع وأنت في كل حواسك تخشى سقوط حلب ثم تفيق في اليوم التالي فإذا التي سقطت هي صنعاء. ولكن، مَن يهمّه أمر صنعاء، ومَن يعرف على وجه الضبط أين تقع، ومَن يعرف إذا كان الحوثيون شيعة أم سنَّة، زُيوداً أم شواقع؟
لا يهم. سوف تَعرف. ينبغي عليك أن تعرف. هذه البقعة من الأرض التي لم تستطع أن تتوحّد في ألف عام، تتشقّق الآن في ألف يوم. تتّحد في التفكك. ولم يعد شيء بعيداً في هذه البقع والبقاع. "داعش" في بريتال و"المنار" تنقل مؤتمر عبدالملك الحوثي بالبث المباشر. ولا رئيس في بعبدا، ولا حكومة في صنعاء، ولا مجلس شعب في مصر، ولا جيش في ليبيا، ولا اطمئنان في أي مكان.
دوامة الأخبار محصورة في هذه البقاع، وليست "أوكرانيا" سوى حفلة جانبية على الهامش side-show لا يتذكرها أحد. ليس الآن. فالآن، روسيا غائبة عن السمع، لم تتبلّغ بعد أن الطائرات الأميركية حلّقت فوق سيادة سوريا والعراق مئات المرات، فيما تمضي "داعش" في توسيع دولة الخلافة صعوداً نحو جبال الأكراد التي كانت تُسمى في الماضي شمال العراق، وفيما تتنزّه "جبهة النصرة" في الجولان.
يقول كيسينجر، وهو يُنهي عامه الحادي والتسعين بكتاب آخر "النظام العالمي"، ان دوّامة الأخبار المتسارعة لا تترك للسياسيين اليوم فرصة التأمّل والتعمّق. ولا للصحافيين والكتّاب. قرأت في الأسابيع الاخيرة أكثر من 20 توقُّعاً متناقضاً لمجرى الأحداث، غالباً في صحيفة واحدة. لم يصحّ أي منها. التوقُّعات عن الرئاسة أشعرتنا بالانقباض. لاحَقَت الصحافة السياسيين، والسياسيون لاحقوا الدوّامة، والدوّامة دارت في مكانها.
تهترئ أعصاب الناس ويشعرون بذلٍّ عميق، كأنما الخوف لا يكفي، ولا القلق، ولا الإرهاب.
أخجل بالقول إنني أكتب من جنيف، ضرّتها بيروت ذات زمن، وتوأم باريس في الشرق. ليس هناك من زعماء هنا، ولكن هناك حياة سياسية شبه كاملة. نحن عندنا أحزاب كثيرة ولا شبَه لحياة سياسية. لدينا دستور لا يُحكم به ولا يُحتكم إليه. لدينا سياسيون بوَفرة ورجال الدولة كم هُم قلائل. لاهون والدنيا من حولنا تنزاح، والخرائط تهترئ، والمجهول ينعق كالغراب على الأعتاب والأبواب والحدود.
هذه الحالات القصوى في حاجة إلى رجال رؤية. رجل الدولة يفكّر لقرن ويخطّط لنصف قرن. وكلاهما عهده ويومه. رجل السياسة لا يرى سوى لحظته وأنَاه.
نحن نحترق. كل شيء نُحرقه. الكلام عن المستقبل صار إهانة. والدعوة إلى المصالحة صارت "أبو ملحم". والتفكير في الفقراء والبسطاء والعاديين صار سخافة. أرجو ألا يخطر لجنابك أنني سوف أقارن مع سويسرا لمجرد أنني أرى كيف يعيش البشر، وأنهم يختلفون على اقتلاع شجرة أو ارتفاع مبنى. صحيح أنني لم أزل ساذجاً، لكنني تخطَّيت المراهقة الفكرية. وصرت أعرف أنه عندما كان يُقال إن "لبنان هو سويسرا الشرق"، أنه يحمل لعنة الشرق إلى الأبد. وأنه مجرد جزء عالي الجبال كثير الأنهار، من "المسألة الشرقية". سوف ينتهي الشرق، أما "المسألة الشرقية" فانظر إلى كوباني. انظر إلى حلب. انظر إلى الموصل وجوار بغداد. وإلى سائر المشرق.
العالم الحاضر خال من السياسيين الأُلى. لا غلادستون أو دزرائيللي كما في القرن التاسع عشر، ولا دين أتشيسون أو جورج مارشال، كما في القرن العشرين، يقول كيسينجر. تعلّم لبنان من فرنسا الانتدابية، لأن يكون وزير الخارجية واجهة الدولة، مثلما رئيس الوزراء واجهة الحكومة. فالأول يمثّل الثوابت، والثاني يُدير التحولات ويُسايس المصاعب.
يروي المؤرّخ الفرنسي جان لاكوتور أنه كان في حفل استقبال عندما وصل موريس كوف دو مورفيل، وقال له: "لن تصدّق هذا يا لاكوتور. لقد عُيِّنت منذ ساعة وزيراً للخارجية". أحد أقرب رجال ديغول ونبلاء فرنسا، لا يصدق أنه مُنح الكي دورسيه، كرسي الكاردينال دو ريشوليو ومهمات تاليران وألفونس دو لا مارتين (ذاته) وريمون بوانكاريه وسواهم.
يعبِّر كيسينجر عن ندَمه لقوله مرة: "يجب أن نطرد الاتحاد السوفياتي من الشرق الأوسط". يقول ان الفكرة، أو النيّة، لم تكن خطأ على الإطلاق، الخطأ كان في الإباحة بها وفي طريقة التعبير. إذا كان ثُلثا السياسة تغافُلا وثُلثها فِطنة كما قال معاوية، فإن ثُلثي الديبلوماسية صياغة. لا ماذا تقول، بل كيف تقوله. لذلك، لكل مؤتمر لجنة صياغة، ولذلك سُمّيت صناعة الذهب صياغة. نال إدوارد سعيد تقديراً لا بدّ أنه يستحقه لكتابه "الاستشراق"، لكن البروفسور المأخوذ بحميّة القضية الفلسطينية وظلاماتها، أهمل إيجابيات البحوث الاستشراقية. وها نحن نتذكر اليوم – إذا كنا قد نسينا – كتابات جاك بيرك عن تحريم الانتحار في الإسلام والنزعة الانتحارية عند المسلمين. أمَّة تطلب الحياة بالانتحار، والجنّة بالقتل.
هل هناك تسمية أخرى لما يحدث اليوم، من حدود تركيا الشمالية إلى حدود لبنان الشرقية؟ لم تُوقظ الأحداث الفتنة، فهي تظاهرت بالنوم. لكنها أيقظت المسألة الشرقية حفرة حفرة وكهفاً كهفاً. وكان الأستاذ فاروق الشرع يشير إلينا بشيء من الامتعاض ويقول "يجب حل المسألة اللبنانية أولاً". أنت سيّد العارفين، ردّ الله غُربتك. تعقيدات "المسألة اللبنانية" لا تُقاس بالمسألة السورية والمسألة العراقية ولا خصوصاً بالمسألة التركية. "كلنا في الهمّ شرق"، على ما قال أميرنا شوقي. الصناعات الأخرى يمكن أن تسمّيها أي شيء. حدادة، بويا.
يقول كيسينجر ان أول ما خطَر له عندما سمع بنبأ مهاجمة برج التجارة أن الذين دبّروا الهجوم هم منظمات المخدّرات في أميركا الجنوبية: "لكن عندما عرفت بالطابع الانتحاري للهجوم، أدركت أنهم من الشرق الأوسط". طالما اتهمنا المستشرقين بالعمالة لأنهم حاولوا إطلاعنا على حقائقنا وكشف طباعنا.
فجّرت سوريا "المسألة الشرقية" في منطقة مرَّت بها إمبراطوريات الزمان. أرض شاسعة من اليابسة والبحار والأنهار، وحَّدت الله وفرّقت الناس إلى أديان ومذاهب ومِلل ونِحل وأعراق وأنساب وأفخاذ ولهجات وجيم تميم وجيم مصر.
كان عبدالله القصيمي صاحب عناوين كثيرة تُستعار دائماً في وصف الأهوال والأحوال، منها "العرب ظاهرة صوتية" و"العالم ليس عقلاً" ومنها أيضا قوله: "كان وضع العرب عجيباً محرجاً. فهم لا يقدرون على الانفصال عن الماضي أو التنكّر له، ولا يقدرون كذلك، على أن ينفصلوا عن الحياة. والحياة والماضي لا يجتمعان في الزمن، فظلّوا معلّقين في الجسر المعلّق بينهما".
الأمة معلّقة اليوم. عواصم فقَدت حكوماتها، وأوطان فقَدت دولها، ومجتمعات فقَدت حياتها المدنية وقوانينها. إيران في باب المندب من طريق صنعاء، وتشيِّع واحداً من كبار ضباطها في دمشق. والتحالف الدولي يقصف جواً في سوريا والعراق، فيما تلتقط الدبابات التركية خلف الحدود، الأنفاس والصوَر التذكارية.
قال الرئيس حسني مبارك ثم صمَت، ثم قال الملك عبدالله الثاني ثم صمَت، ان طهران تريد إقامة قوسٍ يصل إلى العراق. لا. إنهم في الحديدة في الطريق إلى باب المندب. وكان الرئيس اليمني عبد ربه قد قال للزميل غسان شربل قبل عام: "إذا وصل الإيرانيون إلى باب المندب لن يعودوا في حاجة إلى القنبلة النووية".
في كتابه "برقيات" يروي مايكل هار، أشهر مراسلي حرب فيتنام، انه كانت على جدار غرفة النوم في شقته في سايغون، خريطة قديمة تركها المستأجِر الذي قبله. كانت الخريطة تمثّل الأرض نفسها، أي "الهند الصينية" سابقاً كما سمّاها الفرنسيون. لكن معظم الأسماء تغيّرت وبُدّلت. ثمة من عبَث بالحدود وبالداخل أيضاً. والخريطة على جدران غرفة النوم ضرَبها الاهتراء وغيّرت هويّاتها وسكّانها الحروب والهزائم. الكاتب عبدالرحمن الراشد يقول: وداعاً لليمن الموحّد، أو الواحد. لقد مهّد لتفكّكه الفريق علي عبدالله صالح الذي، مثل سائر الرؤساء العرب، أقام يمناً حول نفسه. اشترى الولاءات القبَلية بالحديد وباعه بالقضامي.

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٤
عن نشأة «داعش» السورية و... مسألة التبرير

الأكيد أن «داعش» ليست صنيعة أي من الأطراف المحلية السورية أو الدولية. ومن المؤكد أنها لم تنشأ بغفلة عن أي من هذه الأطراف. كما أنه كان من الصعب جداً توقّع أو تكهن نشوء تنظيم جائح كـ «داعش»، وأن يتحول إلى حالة أيديولوجية اجتماعية عامة في مناطق واسعة من المنطقة خلال فترة قصيرة. ومع ذلك، لم تكن «داعش» نتاجاً تلقائياً للمجتمع السوري. فالمجتمع السوري لم يكن قبل انطلاق الانتفاضة السورية بيئة منتجة للتطرف الديني أو المذهبي، لكنه كان قابلاً للتحول إلى مثل هذه البيئة لكونه مجتمعاً أقرب إلى حالة التجمع السكاني منه إلى حالة المجتمع المنظّم مدنياً أو سياسياً، مع خواء تام من أي معرفة سياسية.

وبُعيد انطلاق الانتفاضة السورية في آذار (مارس) 2011، أصبح الجمهور السوري، من ساهم منه في هذه الانتفاضة ومن لم يساهم، عرضة لتدخل أطراف خارجية من المفترض أن تكون أكثر دراية منه بقواعد الصراع السياسي. ومع استمرار العنف المفرط من جانب النظام تجاه الجمهور المنتفض، أصبح، هذا الجمهور، لقمة سائغة لهذه الأطراف.

سياسات النظام المكابِرة والارتجالية، ونظرته المتعالية إلى مجريات الأمور، جعلته أسير ممارساته القمعية الشديدة، بحيث ما عاد في مقدوره التخفيف من الإفراط في العنف أو حتى التوقف عن إطلاق النار على معارضيه على رغم إصدار الرئيس السوري، في ذاك الحين، أمرين متتاليين بعدم إطلاق النار على المتظاهرين.

وبعد أن استخدم بعض الأشخاص السلاح في مواجهة النظام، نتيجة استمرار ممارساته القمعية العنفية، ونتيجة تهييج خارجي غير معلن، ارتفعت في حينه الأصوات والدعوات من خارج البلاد لرد عنف النظام بعنف مماثل. ظهرت هذه الأصوات بقوة على القنوات التلفزيونية، بل تم استحضارها وتكريسها كممثلة للثورة السورية أو للإرادة السورية.

هذا السياق، الذي بات معروفاً للجميع، وأمور أخرى تندرج ضمنه، أدت إلى حالة من الانفلات الأمني عمّت الكثير من المناطق السورية، القريبة والبعيدة من مركز العاصمة، التي خرجت عن سيطرة السلطة وسُمّيت بالمناطق المحررة. وكان لا بد لحالة الانفلات الأمني هذه من أن تتحول إلى حالة مطلقة من الفوضى العامة تحت غطاء الصراع الثوري، الذي برّر لها كل شيء طالما هناك إمكانية للادعاء أنها في مواجهة النظام السوري.

هذه الفوضى المطلقة، الخارجة عن أي ضوابط أو نواظم، وعن أي قيم، أخلاقية كانت أو ثورية، تم تعزيزها وتكريسها بمال سياسي ذي طابع ديني إسلامي، من حكومات أو من أفراد. كان هذا المال يُدفع في البداية من دون أي شروط لأي مدّعٍ أنه سيقاتل النظام. وفي ما بعد نشأ معيار التديّن السنّي كشرط لإغداق المال الوفير، إلى أن أضيف معيار تمايزي جديد هو القوة والسطوة. فصارت المجموعات والأشخاص الذين يدّعون الأسلمة في حياتهم وفي «جهادهم»، ويدّعون قيامهم بهجمات ظافرة على النظام هم المحظيين بالدعم المالي والمعنوي.

هذه الفوضى شكّلت البيئة المناسبة لنشوء مجموعات متطرفة عدة، تقوم بإعدام الأسرى والتنكيل بالجثث وقطع الرقاب وخطف النساء والمدنيين وتسليح الأطفال، من دون أن يسمى ذلك جريمة طالما هو ضمن سياق «الثورة السورية ضد بشار الأسد». أي أن هذه المجموعات كانت تقوم تماماً بالأفعال التي تقوم بها «داعش» الآن.

الفوضى لا يمكنها أن تدوم أو تطول. فالاجتماع البشري، كائناً ما كان، يميل في شكل طبيعي إلى الانتظام. وكذلك حال الفوضى السورية... فهي تحمل في كينونتها الحاجة إلى انتهائها والانتقال إلى حالة منظومية. وبسبب عدم وجود متدخل خارجي ينظم تلك المناطق «المحررة»؛ وربما لا توجد أي نية عند الأطراف الخارجية لمثل هذا الانتظام، لكون أي انتظام سيميل إلى الانفلات من التبعية المطلقة إلى استقلال نسبي، لهذا كان لا بد من ظهور إحدى المجموعات التي تحمل على عاتقها هذه المهمة، فكانت «داعش».

تمايزت «داعش» منذ نشوئها عن بقية المجموعات الأخرى الشبيهة بأنها تحررت من تبعيتها للنظام السوري. فلم تنشأ كمجموعة معارضة أو مناوئة للنظام، ولم يكن إسقاط النظام من بين أهدافها الرئيسة. فلم تقبل أن تتحدد به أو تتعرف به، بل أرادت أن تتحدد بذاتها وتتعرف بقوتها ومقدرتها، فحققت الانتصار.

أكتب مقالي هذا استجابة لعبارة «أن أحداً لا يمكنه تفسير ما جرى. حتى الذهاب بفكرة المؤامرة إلى أقصاها لا يسعف في التفسير. فلا السؤال عن الجهات الممولة يكفي، ولا عن دول سهلت وسلحت» الواردة في المقال الرائع للصديق حازم الأمين في هذه الجريدة بعنوان: (رحلة «الجهاد» السهلة إلى سورية... ربما هذه هي، 12-9-2014).

ليس مبرراً لنا في هذا الزمن أن نتفاجأ بمجريات التاريخ البشري، فوسائل الاتصال أتاحت لنا تبادل الخبرات والمعارف والمعلومات التي من المفترض أن تمكّننا من معرفة الخطوط العريضة لمسار التاريخ. فالتجارب البشرية التي تأسست عليها علوم السياسة والاجتماع تفيدنا بأن الفوضى العامة والمطلقة يمكن أن تنتج أي شيء من بين خلاياها الجذعية، فيكون «واقعياً» و «حقيقياً». لكن بالتأكيد، من المستحيل التنبؤ بظهور تنظيم باسم «داعش» وقوته.

الخلايا الجذعية لمساحات الفوضى السورية كانت التطرف العقائدي والتطرف العنفي والتطرف الجرمي. فعشرات الآلاف قُتلوا وسُلبوا وخُطفوا للتمرين أو للهو على أيدي مجموعات جرمية «ثورية»، وتمت تغطية جرائمهم باسم «الثورة» أو تحت اسم الأخطاء الضرورية والطبيعية للثورة. فكانت هذه المساحات عشوائية بكل معنى الكلمة، وكان لا بد لقانون الاصطفاء الطبيعي، وفق نظرية النشوء الداروينية، من أن يبقي على من يمتلك مقومات الحياة ويسيطر على هذه العشوائية، وأن يزيح من تنقصه بعض هذه المقومات، فكان «داعش» هو الكائن الذي استحق الحياة.

ليس مشروعاً لنا أن نتفاجأ بظهور تنظيم مثل «داعش» في بيئة ممنوع فيها الكلام السياسي، والكلام الوطني. ممنوع أن توجد فيها النخب، ممنوع أن يوجد فيها السلمي. بيئة ترفض بالمطلق مفهوم الدولة ومفهوم الاجتماع، بل ترفض مفهوم الإنسان. لكن سيتفاجأ بالتأكيد كل من ثبّت نظره على النظام، وعلى مدى الضرر الذي يلحق به، من دون أن يلتفت ولا مرة إلى موقع الخطوات «الثورية، معتمداً المبدأ الخاطئ: عدو عدوي صديقي. والذي رفض التحفظات على عشوائية استخدام السلاح، بل شرعن كل تسلح بحجة عتي النظام وبطشه. والذي اتهم كل من سمّى ما يجري بغير اسم الثورة بأنه معاد للثورة ومواجه لمسيرة التاريخ. والذي أسهب في التنظير «الثوري» مستنتجاً أن الثورات تكون بهذا الشكل، مستشهداً بحكايات ثورية عالمية.

في أغلب الأحيان يكون تَفاجُئنا بظاهرة ما دليل خطئنا في تقدير الأمور أكثر منه عدم واقعية الظاهرة. من هنا أعتقد أن ظاهرة «داعش» تتطلب منا ليس الاعتراف بخطأ التقدير فحسب، بل بتحملنا مسؤولية ظهورها ولو بشكل نسبي، وأنه لا يمكننا الاعتماد على انفعالاتنا بتبرير مسؤولية ما نقوله. كذلك لا يمكننا الاكتفاء بتحميل النظام السوري كل الآثام، فهذه خاصية للشيطان الذي يوسوس في صدور المؤمنين فيجعلهم ينحرفون عن الصراط المستقيم، ويكفي لعنه أو رجمه لإزالة كل ذنوبهم. لكن في الثقافة والسياسة فلا يكفي اللعن والرجم لإزالة الأخطاء.

هذا المبحث لا يحتمل كل هذا الاختصار الذي قاربته به، فهو مملوء بتفاصيل رئيسة تحتاج الى إسهاب ضروري حتى تتضح صورة نشوء «داعش» في سورية. ولكن يبقى في استطاعتي القول دائماً: كان يمكننا أن نكون الآن من دون «داعش».

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان